- موضوعات علمية
- /
- ٠1موضوعات علمية من الخطب
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
كلمة مختصرة عن موضوع الخلية :
أيها الأخوة الأكارم, قبل أسبوعين تحدثت عن الخلية، وقلت وقتها: إن عدد الخلايا في الجسم البشري, يزيد عن مئة ألف ألف مليون، أو يزيد عن مئة ألف بليون، أو يزيد عن مئة ترليون، أي يزيد عن مئة ألف ألف مليون، هذه الخلية لا يمكن أن تراها بالعين المجردة، إلا إذا كنت كبِّرت مئةً وأربعين مرة، ووزن هذه الخلية واحد من ألف مليون من الغرام، أي ألف مليون خلية، إذا وضعت في ميزان تزن واحد غرام، وأن الجسم يستهلك في كل ثانيةٍ، مئة وخمسة وعشرون خلية، هذا تحدثنا عنه قبل أسبوعين .
ولكن الشيء الذي يلفت النظر في هذه الخطبة: أن الخلية لها نواة، وتحدثنا عنها في خطبةٍ تابعة، عليها المورثات، خمسة آلاف مليون معلومة، اكتشف منها حتى الآن ثمانمئة العلم، توصل إلى اكتشاف ثمانمئة مورث أو معلومة على المورثات, من أصل خمسة آلاف مليون .
ونواة, ونوية، وهيولة، الهيولة جسم الخلية، وغشاء، وللغشاء حديثٌ آخر، أما الهيولة جسم الخلية، هو الذي حيَّر العلماء، حتى إنهم صاحوا: إن الخلية ليست وحدة بناء بل وحدة وظيفة، ليست أصغر جسمٍ يتألَّف منه الجسم، إنها ليست وحدة بناء، بل هي وحدة وظيفية متكاملة .
ماذا في الخلية ؟
الشيء الذي لا يصدق: أن في الخلية تصنع البروتينات، وفي الخلية مخازن تخزَّن بها بعض المواد، وفي الخلية أجهزة تنظيف، وفي الخلية أنابيب توصيل، وفي الخلية مولِّدات طاقة، كل هذا في هيولة الخلية، إذن ليست وحدة بناء، بل هي وحدة وظيفية .
الشيء الذي لا يصدق: أن الخلية تتفاوت أعمارها بحسب طبيعتها، فخلايا البشرة لا تعيش أكثر من ثلاث ساعات، عمر خلية البشرة ساعات، كلما دخلت إلى الحمام، وأردت أن تنظف نفسك، شعرت أن شيئاً ينزاح عن جلدك، إنها الخلايا الميتة، لا تعيش أكثر من ساعات ، بينما خلايا الأمعاء الدقيقة الماصة، لا تعيش أكثر من ثمانيةٍ أربعين ساعة، أي يجب أن تعلم علم اليقين، أن كل ثمانيةٍ وأربعين ساعة، تتجدد أمعاؤك الدقيقة، وأن هناك من الخلايا ما يعيش سبعة أيام كخلايا التذُّوق، وأن الكريات الحمراء تعيش مئةً وخمسةٍ وعشرين يوماً .
لكنك إذا عشت خمس سنوات، يجب أن تعلم علم اليقين أن كلَّ شيءٍ فيك قد تجدد، إلا موضعين خلايا الدماغ والقلب، لو أن خلايا الدماغ تجددت لنسيت كل معلوماتك، تعلَّم الطب ثم نسيه، تعلم الهندسة ثم نسيها، تنسى كلَّ المعلومات، والخبرات، والذكريات .
إليكم تفسير هذه الآية :
الآن الآية الكريمة، يقول الله عزَّ وجل في بعض الأدعية القرآنية:
﴿تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾
الحقيقة في شيء الذي يلفت النظر، ما العلاقة بين إيلاج الليل في النهار، وإيلاج النهار في الليل، وبين إدخال الحي الميت، والميت في الحي؟ .
قال بعض المفسرين: الليل يزداد طوله في الصيف، ويقصر في الشتاء، فكأن النهار أخذ من الليل في الصيف، وكأن الليل أخذ من النهار في الشتاء، هذا معنى قول الله عزَّ وجل:
﴿تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾
أي اختلاف أطوال الليل والنهار بحسب تتابع الفصول، هذا معنى .
المعنى الآخر: كيف أن الليل وهو الظلام الشديد، يبدأ الفجر ويتداخل من الشرق بضيائه شيئاً فشيئاً، حتى يعمَّ ضياء الأرض؟ هذا إيلاج، وكيف أن الليل بعد غروب الشمس يدخل شيئاً فشيئاً، حتى يزاح الضوء كله؟.
الآن من هو الشاب؟ الشاب فيه خلايا ميتة، ولكن عوامل الحياة أقوى من عوامل الموت, يدخل فيه الموت شيئاً فشيئاً، لكن عوامل الحياة أقوى منه, من هو الكهل؟ هو الذي تكافأت فيه عوامل الموت والحياة, من هو الشيخ؟ هو الذي غلبت عوامل الموت على عوامل الحياة، فالخلايا لها عمر، هناك حية ميتة، تدخل شيئاً فشيئاً، هذا معنى قول الله عزَّ وجل:
﴿تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ﴾
الخلايا الميتة، تتوالد خلايا حية, قال تعالى:
﴿وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾
نهاية المطاف :
أيها الأخوة المؤمنون: العمر قصير، والمهمة خطيرة، والأبد طويل، فلا بدَّ من أن نستغل الوقت، لا بدَّ من أن نتعلم، لا بدَّ من أن نتعرف على الله عزَّ وجل، الموضوع أخطر بكثير من أن تحضر خطبة جمعة، هذا موضوع مصيري يتعلَّق بمصيرك بعد الموت، هذا موضوعٌ يتعلق بحياة الدنيا .
لذلك الدعاء الشريف: اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا, وأصلح لنا آخرتنا التي إلينا مردُّنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين .