- الخطب
- /
- ٠3الخطب الإذاعية
الخــطــبـة الأولــى:
الحمد لله رب العالمين، يا رب علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، امتن على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة الاستجابة، فجعلها أمة وسطاً ليكونوا شهداء على الناس، يشهدون لهم أحقية هذا الإسلام ورحمته وعدالته، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أكمل الله له هذا الدين القويم، وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين، أرسله رحمة للعالمين بشيرا ونذيراً، اللهم صلِّ على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وأحثكم على طاعته، واستفتح بالذي هو خير.
الوسطية من أبرز خصائص هذا الدين الحنيف:
من خصائص هذا الدين الحنيف أنه رباني المنهج، رباني الغاية، رباني الوجهة، وأن هذا الدين الحنيف إنسـاني الطابع، يشمل كل مكان وكل زمان، ويصلح لكل مكان وكل زمان، وأن هذا الدين الحنيف واقعـي، بمعنى أنه لا يقبل الواقع السيئ، لكنه يطوره بأدوات واقعية، وأن هذا الدين الحنيف واضح لا يزيغ عنه إلا ضال، وأنه يجمع بشكل معجز بين الثبات والتطور، ومن أبرز خصائص هذا الدين الحنيف الوسطية أو التوازن، وهو موضوع الخطبة اليوم، وسيكون تناول هذا الموضوع إن شاء الله تعالى من زاوية معاني الوسطية في الإسلام، ومن زاوية مظاهرها في العقيدة، والمنهج، والعبادات، والمعاملات، والأخلاق، والنظم.
الإسلام وسط بين المادية المقيتة والروحية الحالمة:
أيها الأخوة المؤمنون في كل مكان، من أبرز خصائص هذا الدين القويم الوسطية أو التوازن، ونعني بالوسطية التوسط أو التعادل بين طرفين متقابلين أو متضادين، حيث لا ينفرد أحدهما في التأثير، ويطرد الطرف الآخر، حيث لا يأخذ أحد الطرفين أكثر من حقه، ويطغى على الطرف الآخر، ويحيف عليه، فلا إفراط، ولا تفريط، ولا غلو، ولا تقصير، ولا طغيان، ولا إخسار، ولا شطط، ولا وكس، بل كلٌ يأخذ حقه بالقسطاس المستقيم، فالإسلام أيها الأخوة وسط بين المادية المقيتة والروحية الحالمة، بين الواقعية المرة والمثالية التخيلية، بين الفردية الطاغية والجماعية الساحقة، بين الثبات الرتيب والتغير المضطرب، بين الحاجات الملحة والقيم البعيدة، بين العقلانية الباردة والعاطفية المتقدة، بين نوازع الجسد ومتطلبات الروح.
أيها الأخوة الكرام في دنيا العروبة والإسلام، والوسطية في الإسلام تنطلق من قوله تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (143) ﴾
الوسطية شعار مميز للأمة الإسلامية:
يا أيها الأخوة الأكارم، من حكمة الله تعالى أنه اختار الوسطية أو التوازن شعاراً مميزاً لهذه الأمة، التي هي آخر الأمم، ولهذه الرسالة التي ختمت بها الرسالات، إذ بعث بها خاتم أنبيائه رسولاً للناس جميعاً، ورحمة للعالمين قاطبةً، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الوسطية في قوله تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (143) ﴾
فسرها بالعدل، والعدل هو توسط بين طرفين متنازعين دون ميل أو تحيز لطرف أو لجهة، والعدل إعطاء كل ذي حقّ حقه دون بخس أو جور، قال المفسرون في قوله تعالى:
﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28)﴾
أوسطهم أي أعدلهم، فأعدل بقاع الشيء وسطه، ووسط الدائرة مركزها، ثم استُعير الوسط للخصال البشرية المحمودة، لأنها وسط بين الخصال المذمومة، فالشجاعة مثلاً وسط بين الجبن وبين التهور.
الوسطية في الإسلام تعني الخيرية والفضل والتميز في الأمور المادية والمعنوية:
ويا أخوة الإيمان حضوراً ومستمعين، الوسطية تعني أيضاً استقامة المنهج، والبعد عن الميل والانحراف، فالصراط المستقيم هو كما قال أحد المفسرين: الطريق السوي، الواقع وسط الطَّرف المنحرفة عن القصد، فإذا فرضنا خطوطاً كثيرةً واصلة بين نقطتين متقابلتين، فالخط المستقيم إنما هو الخط الواقع في وسط تلك الخطوط المنحنية أو المنكسرة، هو وسطها، وأقصرها إلى الهدف، والمسلم أيها الأخوة يسأل ربه أن يهديه إلى الصراط المستقيم كل يوم ما لا يقلُّ عن سبع عشرة مرة، وذلك حينما يقرأ الفاتحة:
﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) ﴾
فالمغضوب عليهم هم الذين أفرطوا، والضالون هم الذين فرطوا، المغضوب عليهم هم الذين عرفوا وانحرفوا، والضالون هم الذين جهلوا فانحرفوا.
والوسطية في الإسلام تعني الخيرية، والفضل، والتميز في الأمور المادية و المعنوية، فأفضل حبات العقد في واسطته، ورئيس القوم في الوسط والأتباع من حوله، وفي الأمور المعنوية نجد التوسط خير من التطرف، ومن حكم العرب: خير الأمور الوسط، وقال أحد الحكماء: الفضيلة وسط بين رذيلتين، وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى
﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ﴾
الوسط هاهنا الخيار والأجود، كما يقال: قريش أوسط العرب نسباً، أي خيرها، وكان عليه الصلاة والسلام وسطاً في قومه، أي أشرفهم نسباً، والصلاة الوسطى أفضل الصلوات.
في الإسلام جانب فكري، وجانب نفسي، وجانب سلوكي، فحينما ينمو جانب من هذه الجوانب نمواً زائداً عن حدّه الطبيعي، ويكون هذا عادة على حساب الجوانب الأخرى عندئذ يكون التطرف، أما حينما تنمو الجوانب الثلاثة نمواً طبيعياً متوازناً حيث لا يطغى جانب على جانب عندئذ يكون التفوق، فنحن نتطلع إلى التفوق لا إلى التطرف.
الوسطية تمثل الأمان والبعد عن الخطر:
أيها الأخوة المؤمنون: الوسطية أيضاً تمثل الأمان والبعد عن الخطر، فالأطراف عادة تتعرض للخطر والفساد بخلاف الوسط، فهو محمي محروس بما حوله، والتوسط أمن واستقرار، والتطرف غلو وانحراف وفساد، والوسطية تمثل القوة، فالوسط هو مركز القوة، أشعة الشمس لا تكون أقوى تأثيراً ـ إضاءة وحرارة ـ إلا وهي في وسط النهار وفي وسط قبة السماء، ولا يكون الإنسان في أقوى حالاته إلا في شبابه وهو وسط بين ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة، والوسطية تمثل نقطة الوحدة ومركز التلاقي، فعلى حين تتعدد الأطراف تعدداً قد لا يتناهى يبقى الوسط واحداً يمكن لكل الأطراف أن تلتقي عنده، فهو المنتصف وهو المركز، مركز الدائرة في وسطها، فيمكن الآيبة من المحيط أن تلتقي عنده، والفكرة الوسطى يمكن للأفكار المتطرفة أن تلتقي بها في نقطة ما، إذاً فالتوسط والاعتدال هو طريف الوحدة الفكرية ومركزها، ولهذا أيها الأخوة تثير الأفكار المتطرفة من الفرقة والخلاف في أبناء الأمة الواحدة ما لا تثيره المذاهب المعتدلة في العادة التي وفق الكتاب والسنة.
مظاهر الوسطية:
1 ـ الإسلام وسط بين اعتقاد الخرافيين واعتقاد الماديين:
هذا عن معان الوسطية في الإسلام فماذا عن مظاهر هذه الوسطية ؟ في العقيدة الإسلام وسط بين اعتقاد الخرافيين الذين يصدقون كل شيء، ويؤمنون بكل برهان، وبين الماديين الذين ينكرون كل شيء وراء الحس، ولا يصغون إلى صوت الفطرة، ولا إلى نداء العقل، ولا إلى صراخ المعجزة، فالإسلام الحق يدعو إلى الإيمان، والاعتقاد بما قام عليه الدليل القطعي، والبرهان اليقيني، ويعد اليقين الحسي، واليقين الاستدلالي، واليقين الإخباري مسالك يقينية للتلقي، ويرفض كل ما وراء ذلك من الأوهام، قال تعالى:
﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) ﴾
﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ (117)﴾
2ـ الإسلام وسط بين الذين يعدون الكون هو الوجود الحق وبين الذين يعدونه وهماً:
الإسلام وسط بين الذين يعدون الكون هو الوجود الحق، وما عداه مما لا تراه العين خرافة، ووهم، وبين الذين يعدون الكون وهماً لا حقيقة له، وسراباً يحسبه الظمآن ماء، فالإسلام يعد الكون حقيقة، ولكنه يعبر من هذه الحقيقة إلى حقيقة أكبر منها، يعبر من الكون إلى المكون، ومن الخلق إلى الخالق، ومن النظام إلى المنظم، ومن الصور إلى المصور، ومن التسيير إلى المسير، ومن التربيـة إلى المربي، فالكون حقيقة ينقلنا إلى حقيقة أكبر، وهي أن لهذا الكون خالقاً، ومربياً، ومسيراً، موجوداً، وواحداً، وكاملاً.
3 ـ الإسلام وسط في نظرته إلى الأنبيـاء:
أيها الأخوة المؤمنون في دنيا العروبة والإسلام، الإسلام وسط في نظرته إلى الأنبيـاء، فهم بشر مثلنا يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، ولكثير منهم أزواج، وذرية، ولكنهم قمم في معرفة ربهم، وطاعتهم له، وإخلاصهم إليه، اصطفاهم، وطهرهم، وعصمهم، وامتن عليهم بالوحي، وأيدهم بالمعجزات، هذه نظرة الإسلام إلى الأنبياء.
4 ـ الإسلام وسط بين الذين يؤمنون بالعقل وبين الذين لا يؤمنون إلا عن طريق الإلهام:
والإسلام وسط بين الذين يؤمنون بالعقل وحده أداة لمعرفة حقائق الوجود، وبين الذين لا يؤمنون إلا عن طريق الإلهام، أو الأوهام، ولا يعترفون للعقل بدور في نفي أو إثبات، إن الإسلام يقرر أن الدين في الأصل وحي ونقل، وبما أن أخطر ما في النقل صحته فللعقل مهمتان حيال النقل، مهمة إثبات صحة النقل، ومهمة فهم النقل تمهيداً لتطبيقه، فبالعقل تصل إلى الإيمان بالله يقيناً، وبالعقل تؤمن بكتابه يقيناً عن طريق إعجازه، وبالعقل تؤمن برسوله يقيناً عن طريق الكتاب، وهنا ينتهي دور العقل في البحث ليبدأ دوره في التلقي إثباتاً وفهماً، فالحقائق التي عجز العقل عن إدراكها لافتقارها إلى آثار تدل عليها يتلقاها العقل عن الوحي دون أن يكون حكماً عليها، وهذه وسطية الإسلام في منهج التلقي.
5 ـ الإسلام وسط في العبادات التي فرضها أي بين إلغائها وبين الانقطاع لها:
والإسلام وسط في العبادات التي فرضها، فهو في العبادات الشعائرية بين إلغائها وبين الانقطاع لها، فالعبادات الشعائرية في الإسلام محدودة ومعقولة ومعللة بمصالح الخلق، وهي فضلاً عن هذا فهي مرتبطة بالعبادات التعاملية فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لا يعد مصلياً، ومن لم يدع قول الزور والعمل به لا يعد صائماً، ومن حجّ بمال حرام يقال له عند التلبية إذا قال: لبيك اللهم لبيك، يقال له: لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك، والإنفاق مع الفسق غير متقبل لقوله تعالى:
﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾
وركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط، والخلط هو الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وترك درهم من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام، ومن لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عبادته وعمله، فالإسلام عبادة وعمل، عبادة متقبلة أساسها عمل صالح، وعمل صالح ينطلق من عبادة صحيحة.
6 ـ الإسلام وسط بين أن تدير خدك الأيسر لمن ضربك على خدك الأيمن وبين أن تكيل له:
وفي المعاملات الإسلام وسط بين أن تدير خدك الأيسر لمن ضربك على خدك الأيمن، وبين أن تكيل له الصاع عشرة أصوع، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ (40) ﴾
﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) ﴾
أخوة الإيمان في كل مكان، يتضح من هذه الآيات الكريمة أن على المسيء أن يدفع ثمن إساءته ملزماً، وأن لصاحب الحق أن يعفو عنه مختاراً، فالعدل قسري، والعفو والإحسان طوعي.
7 ـ الإسلام وسط بين غلاة المثاليين وبين غلاة الواقعيين:
وفي الأخلاق، الإسلام وسط بين غلاة المثاليين الذين تصوروا الإنسان ملاكاً أو شبه ملاك ليس غير، فرسموا له مستوى لم يستطع أن يصل إليه، وبين غلاة الواقعيين الذين حسبوا أن الإنسان حيوان أو كالحيوان يعيش لشهوة، ولكن الإسلام ينطلق من أن الإنسان ركب من عقل وشهوة، فإن قاده عقله إلى معرفة ربه، وضبط شهوته وفق منهج خالقه سما وسما حتى تجاوز في سموه الملائكة المقربين، وإن عطل عقله، أو أساء استخدامه فنسي سرّ وجوده، وجهل منهج ربه، وتحكمت به شهواته ونزواته سقط حتى صار أدنى من الحيوان.
8 ـ الإسلام وسط في نظرته إلى الحياة الدنيا:
والإسلام وسط في نظرته إلى الحياة الدنيا، فهو بين الذين عدّوا الحياة الدنيا هي كل شيء، وقالوا: إن هي إلا حياتنا الدنيا، وما نحن بمبعوثين، فعبدوا شهواتهم ومصالحهم المادية، وبين الذين عدّوا وجودهم في الدنيا شراً فانسحبوا من الحياة، وحرموا أنفسهم من زينتها المشروعة، لقد عدّ الإسلام الحياتين الدنيا والآخرة متكاملتين، فالأولى مطية للثانية، وقد ورد في الحديث الشريف:
(( ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه، حتى يصيب منهما جميعاً ))
9 ـ الإسلام وسط بين الروحية و المادية:
أيها الأخوة المؤمنون حضوراً ومستمعين، والإسلام يحقق توازناً بين الروحية والمادية، وهو وسط بينهما، بين الدين والدنيا، بين القيم والحاجات، بين الغريزة والعقل، بين الشهوة وبين المبدأ، الإنسان كما أراده الله عز وجل ليس الذي ينقطع عن العالم، وينسحب من الحياة، ويتفرغ للعبادة، ويتبتل فلا يعمل، ويتقشف فلا يتمتع، ويتبتل فلا يتزوج، ويتعبد فلا يفتر، ليله قائم، ونهاره صائم، يده من الدنيا صفر، وحظه من الحياة خبز الشعير، ولبس المرقع، ليس هذا هو الإنسان الذي أراده الله، كما أنه ليس كصاحب الجنتين يفخر على صاحبه منتفخاً بثروته، مختالاً بجنته قائلاً: أنا أكثر منك مالاً، وأعز نفراً، قال تعالى:
﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) ﴾
فأرسل الله على جنته حسباناً من السماء فأصبحت صعيداً زلقاً، وأصبح ماؤها غوراً، وليس كقارون الذي آتاه الله من الكنوز ما إن فاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، فبغى على قومه، واغتر بماله، وعزا الفضل إلى نفسه، وقال: إنما أوتيته على علم عندي، فخسف الله به وبداره الأرض، الإنسان الحق ليس هذا ولا ذاك.
الإنسان في نظر الإسلام مخلوق مزدوج الطبيعة:
الإنسان في نظر الإسلام مخلوق مزدوج الطبيعة، يقوم كيانه على قبضة من طين الأرض، ونفخة من روح الله، قال تعالى:
﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) ﴾
الإنسان بعنصره الطيني المادي قادر على أن يسعى في الأرض، وعلى أن يعمرها، على أن يكتشف ما أودع الله فيها من كنوز ونعم، وعلى أن يسخر قواها لمنفعته، والنهوض بمهمته، وهو بعنصره الروحي مهيأ للتحليق في أفق أعلى، والتطلع إلى عالم أرقى، والسعي إلى حياة هي خير وأبقى، وبهذا يسخر المسلم المادة، ولا تسخره، ويستخدم ما على الأرض من ثروات وخيرات دون أن تستخدمه، ودون أن تستعبده، وهذا ما يؤكده البيان الإلهي:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) ﴾
قال تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) ﴾
﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) ﴾
النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص على الوسطية والتوازن بين الدنيا والأخرة:
أيها الأخوة الأكارم حضوراً ومستمعين، كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على الوسطية والتوازن بين الدنيا والآخرة، وكان يتمثل الدعاء القرآني:
﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)﴾
وكان صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول:
((اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمـــري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر))
كان صلى الله عليه وسلم يأكل من طيبات الحياة الدنيا، ولم يحرمها على نفسه، ولكنه لم يجعلها شغل نفسه، ولا محور تفكيره، وكان من دعائه:
(( اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ))
وكان صلى الله عليه وسلم حينما يرى من بعض أصحابه إفراطاً في التعبد، والصيام، والقيام على حساب الجسم والأهل والعمل يقول له:
(( إنَّ لربِّكَ عليك حقًا، وإنَّ لِنَفسكَ عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقّا، فأعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ،))
وكان عليه الصلاة والسلام يقول:
(( أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء هذه سنتي فمن رغب عن سنتي فليس من أمتي))
وكان عليه الصلاة والسلام يحذر أصحابه من أن تفتنهم الدنيا فيقول:
(( والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكـم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم))
الإسلام تتوازن فيه حرية الفرد و مصلحة الجماعة و تتكافئ فيه الحقوق والواجبات:
أيها الأخوة الكرام، هنا محل الإشارة إلى أن برّ الوالدين من خلال الأحاديث النبوية العديدة يعدل الجهاد في سبيل الله، وأن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله، وأن حسن تربية الأولاد، ولاسيما البنات منهم طريق إلى الجنة، وهو العمل الذي لا ينقطع عند موت صاحبه، بل إن العمل الذي يرتزق منه المسلم إذا كان في الأصل مشروعاً، وسلك فيه الطرق والأساليب المشروعة، وأراد منه المسلم كفاية نفسه، وأهله، وخدمة المسلمين، ولم يشغله عن فرض ديني، أو واجب، أو طاعة، أو طلب علم، أصبح عمل المسلم أو حرفته نوعاً من أنواع العبادة يتقرب بها إلى الله تعالى.
فبالإسلام تلتقي الفردية والجماعية في صورة متزنة رائعة، تتوازن فيها حرية الفرد ومصلحة الجماعة، وتتكافأ فيها الحقوق والواجبات، وتتوزع فيها المغانم والتبعات بالقسطاس المستقيم، إن المشرع في الإسلام هو خالق الإنسان، فمن المستحيل أن يشرع الخالق الحكيم من الأحكام والنظم ما يعطل فطرة الإنسان، أو يصادمها، وقد خلق الله الإنسان على طبيعة مزدوجة فردية واجتماعية في آن واحد، فالفردية جزء أصيل في كيان الإنسان، ولهذا يحب الإنسان وجوده، وسلامة وجوده، وكمال وجوده، واستمرار وجوده، ومع ذلك نرى فيه نزعة فطرية إلى الاجتماع بغيره، لذلك تضطرب نفسه، ويختل توازنه لو عزل نفسه عن المجتمع، أو عزل مقهوراً بالحبس الانفرادي، والنظام الأكمل لهذا الإنسان هو الذي يرعى فيه هذين الجانبين الفردية والجماعية، فلا يطغى أحدهما على الآخر، لذلك فلا عجب أن يكون الإسلام، وهو دين الفطرة نظاماً وسطاً عدلاً، فلا يجور على الفرد لحساب المجتمع، ولا يحيف على المجتمع من أجل الفرد، ولا يدلل الفرد بكثرة الحقوق التي تمنح له، ولا يرهقه بكثرة الواجبات التي تلقى عليه، وإنما يكلفه من الواجبات في حدود وسعه من دون حرج.
الإسلام يحفظ للإنسان كرامته و يصون له إنسانيته:
والإسلام بوسطيته يقرر للإنسان من الحقوق ما يكافئ واجباته، ويلبي حاجاته، ويحفظ له كرامته، ويصون له إنسانيته، لهذا ومراعاة للجانب الفردي في الإنسان قرر الإسلام حرمة الدم، فحفظ للفرد حق الحياة، وأعلن القرآن أنه:
﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا (32)﴾
لذلك أوجبت الشريعة القصاص في القتل، وأكدت أن في القصاص حياةً للفرد والمجتمع.
الإسلام يحفظ للإنسان:
1 ـ حرية الاعتقاد:
قرر الإسلام حرية الاعتقاد، فلا يجوز أن يكره الإنسان على ترك دينه، واعتناق دين آخر، قال تعالى:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) ﴾
2 ـ حرمة العِرض:
وقرر الإسلام حرمة العرض، أي سمعة الإنسان، فصان للفرد حق الكرامة فلا يجوز أن يهان في حضرته، ولا أن يؤذى في غيبته، قال تعالى:
﴿ لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ (12) ﴾
3 ـ حرمة المال:
وأكد الإسلام حرمة المال، فصان للفرد حق التملك، فلا يجوز أخذ ماله إلا بطيب نفس منه، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ (29) ﴾
4 ـ حرمة البيت:
وأكد الإسلام حرمة البيت، فصان بذلك للفرد حق الاستقلال الشخصي، فلا يجوز لأحد أن يقتحم عليه بيته بغير إذنه، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) ﴾
5 ـ حرية النقد البنّاء المخلص:
وأكد الإسلام حرية النقد البناء المخلص، قال تعلى:
﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) ﴾
6 ـ المسؤولية الفردية التي هي ثمرة التكليف وحرية الكسب:
وأكد الإسلام المسؤولية الفردية التي هي ثمرة التكليف، وحرية الكسب، وحتمية الجزاء، قال تعالى:
﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) ﴾
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ (286)﴾
﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) ﴾
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) ﴾
﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)﴾
حقّ الجماعة أولى بالتقديم في المجتمع الإسلامي:
أيها الأخوة الكرام، ثم إن الإسلام مراعاة للجانب الاجتماعي للإنسان، فقد فرض عليه للمجتمع واجبات تكافئ حقوقه عليه، وقيد هذه الحقوق والحريات والفردية بأن تكون في حدود مصلحة الجماعة، وألاّ يكون فيها مضرة للغير، وليس للفرد في مجتمع المسلمين أن يستخدم حقه فيما يؤذي الجماعة، ويضرها، كما أن حق الفرد إذا تعارض مع حقوق الجماعة، فإن حق الجماعة أولى بالتقديم.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما والحمد لله رب العالمين.
* * *
الخطبة الثانية:
الوسطية في الآفاق:
أيها الأخوة المؤمنون حضوراً ومستمعين، بما أن هذا الدين بأصليه القرآن والسنة أمر الله التكليفي، وبما أن هذا الكون بسماواته وأرضه أمر الله التكويني، وبما أن الله واحد في خلقه، واحد في أمره، فلا بد أن نرى الوسطية والتوازن في خلقه، كما نراها في أمره، فأين هي الوسطية في خلقه ؟
من ملامح الوسطية أو التوازن في الكون أن الكواكب والنجوم والمجرات كلها تتحرك في مسارات مغلقة حول بعضها، وقد لخص القرآن الكريم هذه الحقيقة بشكل معجز، قال تعالى:
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) ﴾
أي أن كل متحرك في السماء، أي في الكون يرجع بعد حين إلى مكان انطلاقه النسبي، وينشأ من حركة كل نجم حول نجم آخر قوة نابذة تكافئ قوة جذب النجم المركزي، فلولا هذه القوة النابذة الناشئة عن الحركة المغلقة لعملت قوى التجاذب وحدها، فجمعت الكون كله في كتلة واحدة، قوى التجاذب تتوازن مع قوى النبذ، فالكون على حاله الراهن، بما أن مسار الأرض حول الشمس بيضوي الشكل فحينما تقترب الأرض من الشمس تزداد سرعتها لئلا تنجذب إلى الشمس، لتنشأ قوة نابذة جديدة تكافئ القوة الجاذبة الجديدة، وحينما تبتعد الأرض عن الشمس تتباطأ سرعتها لئلا تتفلت من جاذبيتها، أرأيتم إلى هذا التوازن بين قوى الجذب وقوى النبذ ؟ ولو أن الأرض ازدادت، أو تباطأت سرعتها فجأة لانهدم كل ما عليها، ولكن تسارعها بطيء، وكذلك تباطؤها، وهذا يدل على علم الله، وعلى حكمة الله، وعلى رحمة الله، وعلى لطف الله.
الوسطية في الأنفس:
أيها الأخوة الكرام، هذه الوسطية أو التوازن في الآفاق، فماذا عن الوسطية أو التوازن في الأنفس ؟ من الثابت أيها الأخوة أن دم الإنسان إذا زادت ميوعته نزف كله من جرح صغير، وعندها يموت، ولو زادت لزوجته عن الحد المعقول تجمد في العروق كالوحل في الطرقات، فإذا وصلت خثرة منه إلى القلب أو الدماغ قضى الإنسان نحبه، لذلك يفرز الجسم هرموناً يميع الدم وهرموناً آخر يجلطه، ومن التوازن الدقيق بين إفراز الهرمونين يحافظ الدم على مستوى من السيولة تسمح له بالحركة عبر الأوعية الدقيقة، ويحافظ الدم على مستوى من اللزوجة تمنع نزيفه من أدق الجروح.
أرأيتم إلى هذا التوازن بين هرمون التميع وهرمون التجلط ؟
ومن الثابت أيضاً أن الغدة النخامية ( ملكة الغدد الصماء )، وأن من مفرزاتها ما يحث الغدة الدرقية المسؤولة عن الاستقلاب ( أي تحويل الغذاء إلى طاقة )، وأن من مفرزات الغدة الدرقية ما يثبط الغدة النخامية، وأنه من خلال التأثير المتبادل بين الغدتين يستقيم التوازن بين حاجة الإنسان إلى الغذاء، وحاجته إلى الطاقة، أرأيتم إلى هذا التأثير المتبادل بين الغدتين ؟ وكيف أن كل إفراز غدة يثبط أو ينشط الغدة الثانية.