- ٠4كتاب مقومات التكليف
- /
- ٠1تمهيد و لمحة عن الكتاب
إنّ الإنسانَ هو المخلوقُ المكلَّفُ بحملِ الأمانةِ، قال تعالى:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾
ومِن الثابتِ أيضاً أنّ الإنسانَ هو المخلوقُ المكرّمُ، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾
وقال تعالى:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
ومن المؤكّدِ أنّ المسخَّرَ له، وهو الإنسانُ أكرَمُ من كلّ المسخَّراتِ.
والإنسانُ هو المخلوقُ المكلَّفُ بالعبادةِ، قال تعالى:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
والعبادةُ أنْ تعرفَ اللهَ أولاً، وأن تطيعَه ثانياً، وأن تسعدَ بقُربِه ثالثاً، وبعبارةٍ أخرى: في الإسلامِ كلّيّاتٌ ثلاثٌ ؛ كلّيةٌ معرفيّةٌ، و كلّيةٌ سلوكيّةٌ، و كلّيةٌ جماليّةٌ.
الكليّةُ المعرفيّةُ سببُ الكليّةِ السلوكيّةِ، والكليّةُ الجماليّةُ نتيجةُ الكليّةِ السلوكيّةِ، تتعرّفُ إليه، فتطيعُه، فتسعدُ بقُربِه في الدنيا والآخرةِ.
وقد كلّفَنا ربُّنا سبحانه وتعالى أنْ نزكِّيَ أنفسَنا، لأننا إذا عرَّفنا أنفسَنا بربها وحمَلناها على طاعته، والتقرّبِ إليه نكونُ بذلك قد حقّقنا الهدفَ من وجودِنا، لقولِه تعالى:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾
فالفلاحُ كلّ الفلاحِ، والنجاحُ كلّ النجاحِ، والفوزُ كلّ الفوزِ، والتفوّقُ كلّ التفوّقِ بتزكيةِ النفسِ، لأنّ اللهَ تعالى يقول:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
أتى اللهُ بنفسٍ زكيّةٍ طاهرةٍ مِن كلّ دَرَنٍ، نقيّةٍ من كلِّ عيبٍ، بنفسٍ مؤهّلَةٍ أنْ تكونَ في جنةِ اللهِ عز وجل إلى أبدِ الآبدين، فالحياةُ الدنيا حياةٌ إعداديّةٌ لحياةٍ عليا تكريميةٍ، نحن في حياةٍ نكدَحُ فيها كدْحاً:
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾
والآخرةُ حياةٌ تكريميّةٌ، قال تعالى:
﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : قَالَ اللَّهُ:
(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، فَاقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ:(فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) ))
وما كلّفنا ربّنا بتزكيةِ أنفسِنا، والتعرّفِ إليه، وعبادتِه إلا وقد أعطانا مقوِّماتِ هذه التزكيةِ و المعرفةِ.