وضع داكن
26-12-2024
Logo
محاضرات خارجية - ندوات مختلفة - فلسطين : وكالة معاً الإخبارية - لقاء في برنامج مع الناس : أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :


المذيع :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الهادي الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والمرسلين وآلهم وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .
أيها الأخوة المشاهدون ؛ أيتها الأخوات المشاهدات : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم في هذا البرنامج الذي يطل علينا فيه سماحة الدكتور الشيخ محمد راتب النابلسي في فضاء وسماء فلسطين من شاشة فضائية معن .
أهلاً وسهلاً بك سماحة الشيخ .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
جزاك الله خيراً ، والله سبحانه وتعالى أراد من هذه الأمة أن تكون أمة داعية للخير عن طريق نبيها محمد صلى الله عليه وسلم ، قال الله لرسوله :

﴿  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً (46)﴾

[  سورةالأحزاب ]

وقال لأمته :

﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)﴾

[  سورة آل عمران ]

وقال الله سبحانه وتعالى على لسانه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم :

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾

[  سورة يوسف ]

فالدعوة إلى الله من صلب النبوة ، ومن صميم الوحي الإلهي ، فكيف هي علاقة الإنسان المسلم بهذه الدعوة داعياً ومدعواً ؟
 

أفضل إنسان من دعا إلى الله وعمل صالحاً :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
بادئ ذي بدء : يقول جل جلاله :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

[ سورة فصلت ]

ليس على وجه الأرض بنص هذه الآية إنسان أفضل عند الله ممن دعا إلى الله   دقيقة ؛ دعا إلى الله بلسانه ، بعمله ، بلقاءاته ، بأمسياته ، بنزهته ، دعا إلى الله ، لفت الأنظار إلى الله ، إلى عظمة هذا الإله العظيم ، إلى خلقه المحكم ، إلى ، إلى ، إلى ، ( دَعَا إِلَى اللَّهِ ) لا يكفي ( وَعَمِلَ صَالِحاً ) حركته في الحياة جاءت موافقة لدعوته ، أي كسب ماله ، إنفاق ماله ، اختيار زوجته ، تربية بناته ، تربية أولاده ، اختيار حرفته ، التعامل في حرفته مع الأصول أم مع الأشياء غير المقبولة ؟
الحقيقة هناك عبادات شعائرية ؛ الصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة ، وهناك عبادات تعاملية ، تبدأ من أخص خصوصيات الإنسان ، من علاقاته الأسرية ، وتنتهي بالعلاقات الدولية ، هذا المنهج ، ما لم تصح العبادة التعاملية لا نستطيع أن نقطف ثمار العبادة الشعائرية .
المذيع :
بعد إذنك طبعاً ، نأخذ الصورة الأخرى ، الداعية الذي يوافق قوله عمله ، والداعية الذي لا يوافق عمله قوله .
 

الدعوة الناجحة يكون العمل فيها مقترناً بالقول :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذا محترف ، ولا شأن له لا عند الله ، ولا عند الناس .
المذيع :

﴿ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)﴾

[ سورة الصف ]

(( عن أبي وائل رحمه الله قال : قال أسامةُ رضي الله عنه : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : ' يُؤتَى بالرجل يوم القيامة فيُلْقى في النار ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ ، فَيَدُورُ بها كما يدُور الحمار في الرَّحَى ، فيجتمع إِليه أَهلُ النار ، فيقولون : يا فُلانُ مالك ؟ أَلم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى ، كنتُ آمر بالمعروف ولا آتيه ، وأَنْهَى عن المنكر وآتيه  .  ))

[ أخرجه البخاري ومسلم  ]

أي فشل الدعوة عندما يكون العمل يخالف القول ، ونجاحها عندما يكون العمل يصادق القول .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
سيدي ؛ تعليق لطيف على هذا الكلام الطيب : أنا أنتفع من الطبيب ولا تعنيني صلاته  ولا قيامه في الليل ، أنتفع من المحامي كذلك ، أنتفع من المهندس ، لكن لا يمكن للمسلم أن ينتفع من عالم ما لم يتأكد أنه يفعل ما يقول دون أن يشعر .
أذكر تماماً ، لي درس في جامع تحدثت عن الله ، يوجد قسم للنساء ، وابنتي كانت صغيرة عمرها ثماني سنوات ، امرأة عرفت أنها ابنتي فأشارت إليها : أبوكِ في البيت مثلما يتكلم؟ 
الناس لا ينتفعون من الداعية أو العالم إلا إذا تأكدوا أنه يفعل ما يقول ، هذه المصداقية .
التقيت مع الإمام الشعراوي ثلاث مرات تقريباً ، سألته مرة نصيحة إلى الدعاة ، أي يستطيع أن يتكلم ساعة ، من الدعاة الكبار الكبار ، أو نصف ساعة ، أو عشر دقائق ، جملة واحدة قال لي : ليحذر الداعية أن يراه المدعو على خلاف ما يدعو .
هذه المصداقية ، ولا يقنع الإنسان بداعية إلا إذا علم يقيناً أنه يفعل ما يقول .
المذيع :
( دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً ) الآن تفضلت وذكرت أن درسك كان للنساء ، هل المرأة أيضاً مخاطبة بهذا القول ؟ داعية إلى الله ؟ تكون المرأة كذلك داعية إلى الله ؟
 

أسلوب التغليب في القرآن الكريم :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
سيدي ؛ بالتغليب ، هذا بحث باللغة دقيق جداً ، بالتغليب ، حينما يكون في صف معين سبع وثلاثون فتاة وشاباً ، أقول : دخل الشباب ، للتغليب .
الآيات 260 آية يا أيها الذين آمنوا ، قطعاً ويا أيتها المؤمنات ، بالتغليب ، دخل إلى الصف ثلاثون بنتاً وشاب واحد ، نقول : دخل الطلاب ، لا نقول : الطالبات ، دخل الطلاب   هذا التغليب .
فكل الآيات 260 آية بالقرآن يا أيها الذي آمنوا ، أي ويا أيتها المؤمنات الفاضلات .
المذيع :
بارك الله فيك سماحة الشيخ ؛ الحكم الشرعي للدعوة ، نعرف أن الصلاة فرض ، وتفضلت في الشعائر التعبدية الناس يحبون الصيام ، هناك بعض الناس يصومون ولا يصلون ، يعرفون أن الصيام فرض ، وهذه الصلاة فرض ، ما حكم الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ؟
 

حكم الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنا سألت شخصاً سؤالاً محرجاً : لماذا تصلي ؟ فغضب ، قال لي : لأن الصلاة فرض ،  قلت له : إذا أقنعتك أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم ؟ شيء دقيق جداً ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) أي هذا أفضل إنسان عند الله ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ) طبعاً دعا إلى الله بلسانه ، أو بقلمه ، أو بلقاءاته ، أو ببيعه وشرائه ، أو ، أو واسعة جداً .
المذيع :
بسلوكه ، نعم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الآن : ( وَعَمِلَ صَالِحاً ) الآن حركته في الحياة ، كسب ماله ، إنفاق ماله ، اختيار زوجته ، تربية بناته ، تربية أولاده ، اختيار حرفته ، التعامل في حرفته وفق الشرع ، أو بخلاف الشرع ، موضوع طويل .
سيدي كلمة دقيقة : عندنا عبادة شعائرية ، الصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة ، والشهادة ، التعاملية تبدأ من أخص خصوصيات الإنسان ، من علاقاته الزوجية ، وتنتهي بالعلاقات الدولية ، هذا الإسلام ، لما طبقنا العبادة التعاملية فتحنا العالم ، لما اكتفينا بالشعائرية بحال نحن الآن لا نحسد عليه .
المذيع :
الآن المسلمون ذكوراً وإناثاً يظنون أن الدعوة إلى الله هي من وظيفة العلماء  والمشايخ  والمتخصصين ، وربما لم يجربوا هم أن يقوموا بهذه الدعوة إلى الله ، يظنون أنها بحاجة إلى نوع من العلم والزاد الوفير ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
ألا تريد دليلاً قطعياً ؟ ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) على بصيرة بالدليل والتعليل ( أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) أي إنسان لا يدعو إلى الله ليس متبعاً لرسول الله .
المذيع :
أي إنسان ، مسلم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أي إنسان ، لكن هذه الدعوة كفرض عين لها شروط ، في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، فقط .
المذيع :
فكيف يزيد المؤمن علمه ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
دقيقة ؛ أنا حضرت خطبة جمعية ، أنا لست مختصاً بالشرع ، لكن تكلم الخطيب آية تأثرت بها ، أنقلها إلى زوجتي ، فقط ، بسهرة ، بأمسية ، أذكرها أمام من حضر ، هذه الدعوة إلى الله كفرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، فرض عين على كل مسلم ، كالصلاة  الدليل : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ) بالدليل والتعليل ( أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) فالذي لا يدعو إلى الله على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله .
المذيع :
صلى الله عليه وسلم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 واضحة تماماً ؟

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)﴾

[ سورة آل عمران ]

هذه الآيات تؤكد أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم كفرض الصلاة ، ولكن في حدود ما يعلم ، ومع من يعرف .
المذيع :
كيف يزيد علمه حتى يصبح أهلاً لهذه الدعوة ؟
 

طلب العلم فريضة على كل مسلم :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
لابد من طلب العلم ، دقيقة .
هذه الطاولة جماد ، لها وزن ، وحجم ، وطول ، وعرض ، وارتفاع ، كل الجمادات هكذا وزن ، وحجم ، وطول ، وعرض ، وارتفاع ، أما النبات فيزيد على الجماد بالنمو فقط ،   الوردة تنمو ، وأما بقية الحيوانات فتزيد عليهما بالحركة ، أما الإنسان فله من الجماد وزن ، حجم ، طول ، عرض ، ارتفاع ، له من النبات النمو ، ومن بقية المخلوقات الحركة ، بماذا فضله الله ؟ بقوة إدراكية ، هذه القوة الإدراكية يتميز بها عن كل المخلوقات ، غذاؤها العلم ، فالذي طلب العلم حقق إنسانيته ، والذي عزف عن العلم ، اسمع القرآن الكريم ، شيء مخيف :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)﴾

[ سورة النحل ]

لكن نبضه 80 مثالي ، ضغطه 8 ـ 12 ـ عند الله ميت ، ما دام عزف عن طلب العلم ، عزف عن إنسانيته ، عزف عن سر وجوده في الدنيا ، وغاية وجوده ، ميت ( أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ) وصف قرآني .

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)﴾

[ سورة المنافقون ]

الثالثة :

﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44)﴾

[ سورة الفرقان ]

الرابعة مزعجة كثيراً للشاردين :

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)﴾

[ سورة الجمعة ]

هذا كلام خالق الأكوان ، فنحن خيارنا مع العلم ليس خياراً تحسينياً ، إنه خيار وجودي ، أؤكد إنسانيتي بطلب العلم ، يوجد قوة إدراكية نتميز بها عن بقية المخلوقات ، هذه القوة الإدراكية تلبى بطلب العلم .
فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
المذيع :
حتى يكون الإنسان داعية عليه أن يكون طالباً للعلم ، سواء كان ذكراً أو أنثى .
الآن عندما يأتي الناس يجهزون للفرحة ، فرحة حياتهم هي الزواج ، يحضرون الذهب   والمأذون الذي يكتب العقد ، والملابس ، والكسوة ، والشقة ، والحفلات ، إلى آخره ، وتجد المطبخ عامراً ، والصالون عامراً ، وغرفة النوم عامرة ، ولا تجد في تحضيرهم كتاباً ، الأمة التي طلب الله منها أن تقرأ ، وأمرها بالقراءة ، لماذا تفتقد الكتاب والقراءة من حياتها ؟
 

بطولة الإنسان أن يجمع بين تأليف القلوب وتأليف الكتب :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
العبد الفقير ، كل من حولي في دعوتي إلى الله أنصحهم بتقديم هدية في الأعراس وعقود القران بكتب معتمدة ، أنا أوزع كتباً بكل حفل ، هذا الكتاب يبقى ، طبعاً الطعام يؤكل ،  وأي شيء آخر يستهلك ، الكتاب يبقى ، الكتاب الحقيقة شيء مهم جداً في حياة الإنسان ، يمكن أن تؤلف القلوب ، أو أن تؤلف الكتب ، تأليف القلوب أعمق أثراً وأقصر أمداً ، وتأليف الكتب أطول أمداً وأقصر أثراً ، والبطولة أن تجمع بينهما .
عفواً ؛ الإمام الغزالي كان يحضر درسه خمسمئة عمامة ، علماء ، قال بعضهم : من هو الغزالي لولا إحياؤه ؟ 
المذيع :
لولا كتاب إحياء علوم الدين .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
إما أن تؤلف الكتب ، أو أن تؤلف القلوب ، تأليف القلوب أعمق أثراً وأقصر أمداً  ، تأليف الكتب أقل أثراً وأطول أمداً ، أما البطولة فأن تجمع بينهما .
المذيع :
الآن هناك بعض الناس الذين تخصصوا في الدعوة إلى الله سواء من العلماء ، أو من الدعاة ، ولكن الزاد عندهم ربما غير كاف لكي يبدعوا في التأثير ، الإبداع في التأثير على العوام الآن سماحتك لو سمحت لي أنت من النماذج المؤثرة ، سواء في العلم ، أو في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ، فكيف يبني الداعية نفسه من تجربتك الشخصية ؟
 

كيفية بناء الداعية نفسه :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله الحقيقة يوجد موقف مع الذات ، أنت إذا نصحت الناس بشيء لا تفعله أما تستحي من الله ؟! كأن الله يعاتبه ، أنت كذلك يا عبدي ؟! حينما تُسأل أجب بالإجابة الصحيحة ولو كنت مطبقاً لها أو غير مطبق ، أما أن تبدأ بالحديث عن شيء لا تفعله أنت فهذا فيه حياء من الله أنت كذلك يا عبدي ؟ أما تستحي مني ؟
المذيع :
كيف بدأت حياتك الدعوية ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله أنا بدأت بسن مبكرة جداً ، أنا كنت مع أناس دعاة إلى الله رغبت في الدعوة إلى الله من خلالهم طبعاً ، رأيتها عملاً عظيماً ، وأنا بالتعليم ، أنا عملي بالتعليم ، التعليم أساسه دعوة إلى الله .
المذيع :
تعليم بالمدارس ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بالمدارس ، أنا مدرس ، أنا حياتي كلها بالتدريس ، علمت بالابتدائي ، والثانوي ،  والجامعي ، الجامعي 33 سنة ، جامعة دمشق ، في كلية التربية بجامعة دمشق ، أنا كل عملي بالتعليم ، التعليم صنعة الأنبياء .

(( عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال :  دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد ، وقوم يذكرون الله تبارك وتعالى ، وقوم يتذاكرون الفقه ، فقال صلى الله عليه وسلم : كلا المجلسين على خير ، أما الذين يذكرون الله تعالى ، ويسألون ربهم فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم ، وهؤلاء يعلمون الناس ويتعلمون ، وإنما بعثت معلماً ، وهذا أفضل . ))

[  أخرجه الحارث ، وأبو داود الطيالسي ]

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق .))

[ أخرجه البزار في مسنده والإمام أحمد  ]

كأن فحوى دعوة النبي نقل الحقيقة إلى الناس ، والتخلق بأخلاق الله عز وجل ، أي يوجد جانب كمالي ، وجانب علمي ، معلومات دقيقة ، نصوص صحيحة ، فهم للقرآن صحيح ،  فهم للحديث صحيح ، فهم لصحة الحديث ، ثم فهم لأقوال الصحابة ، والتطبيق .
عموم الناس ممكن أن ينتفعوا من المهندس ، من معلوماته فقط ، لا يعبؤون بقيامه في الليل ، وقد ينتفعون من المحامي ، ومن الطبيب ، لكنهم بعقلهم الباطن لا ينتفعون من الداعية إلا إذا كان مطبقاً لما يقول .
أنا ذكرت أني التقيت مع الشعراوي ثلاث مرات تقريباً ، في المرة الأخيرة سألته عن نصيحته للدعاة ، فاجأني بجملة واحد ، يستطيع أن يتكلم ساعة ، نصف ساعة ، ربع ساعة ، عشر دقائق ، خمس دقائق ، جملة واحدة ، قال لي : ليحذر الداعية أن يراه المدعو على خلاف ما يدعو ، فقط ، فقد المصداقية ، إذا فقدها فقد دعوته .
المذيع :
الآن المدعو أنواع ، يسمونها في التربية : الفروق التربوية ، ربما يكونون أطفالاً ، ربما يكونون شباباً ، عرباً ، أجانب ، مسلمين ، غير مسلمين ، كهولاً ، كباراً في السن ، فكيف يكون خطاب الداعية متناسب مع هذا التنوع الموجود في البشرية ؟
 

نجاح الإنسان الأساسي في اختيار حرفته وزوجته :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
من بطولة الداعية أن يكون حكيماً في دعوته ، ما الحكمة ؟ هذا الذي أمامه طفل هل يوجد دعوة له ؟ الصلاة ، التاجر ؟ له دعوة ثانية ، الاستقامة ، المحامي ؟ الصدق ، أنت حينما تكون داعية هذا الذي أمامك ماذا يعمل ؟ أولاً : ما سنه ؟ ما حرفته ؟ يوجد دعوة خاصة له ، وأنا من عادتي في دعوتي في الشام أجمع الأطباء في ليلة واحدة ، يأتون الساعة العاشرة إلى المسجد ، أنهوا عياداتهم ، الأطباء لهم دعوة خاصة ، وهناك جلسة مع المهندسين ، مع المحامين ، الحرفة الواحدة فيها خصائص ، فالإنسان الحقيقة ألصق شيء بحياته زوجته وحرفته ، لأنهما شيء دائم ، البيت يغيره ، المركبة يغيرها ، أما زوجته عنده أولاد منها ، وحرفته مهندس ، فإذا أتقن حرفته ، ونجح في زواجه تقريباً نجح بحياته ، زوجة صالحة ، تسره إن نظر إليها ، تحفظه إذا غاب عنها ، تطيعه إن أمرها .
فأنا أقول للأخوة المستمعين والمشاهدين : نجاح الإنسان الأساسي في اختيار حرفته ، يوجد حرفة أساسها فيها بطل ، وحرفة أساسها فيها إيذاء للناس ، أنت حينما تختار حرفة في خدمة المجتمع ترقى إلى الله ، طبيب مثلاً ، يوجد حرف كثيرة ، التعليم ، التعليم أرقى حرفة  صنعة الأنبياء .
لذلك الناس يعزفون عنها لقلة دخلها ، أما لعظم أجرها فهذا شيء لا يقدر بثمن ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )
المذيع :
حتى الذين ينظفون الشوارع هذه حرفة ، وفيها أجر عظيم ، درجة من درجات الإيمان : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :

(( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإيمان بضع وسبعون شُعبة ، والحياءُ شُعْبَةٌ من الإيمان ، وأفضلها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها : إماطة الأذى عن الطريق . ))

[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ]

الدكتور محمد راتب النابلسي :
الله كريم ، هذا الإنسان إذا عمل عملاً يبتغي به وجه الله ، أي عمل مهما بدا صغيراً أو كبيراً ارتقى عند الله .
المذيع :
الآن الداعية في بيته ، ولا شك أن التحدي الأكبر في داخل البيت ، لأن الإنسان قد يستطيع أن يمثل عشر ساعات ، واثنتي عشرة ساعة ، وأربع عشرة ساعة ، لكن في داخل البيت يظهر بمظهره الطبيعي ، الداعية في بيته كيف يستطيع أن ينجح في هذا التحدي ؟
 

التحدي الأكبر داخل البيت :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله أنا أقول : لا يستطيع داعية أن يؤثر في الآخرين فيما بينه وبين نفسه فقط ، لا أحد يعلم عن داخله ، يسمع عتاباً من الله بطريقة أو بأخرى : أنت كذلك يا عبدي ؟ أما تستحي مني ؟ أنت كذلك ؟ أنا حينما أُسأل أُجيب الجواب الصحيح لأي سائل ، أما أنا فأبدأ الحديث وحديثي عن وضعي مع الله وأنا لست كذلك ! والله يوجد جرأة مع الله عز وجل ، أما تستحي منا ويكفيك ما جرى ؟
المذيع :
لا إله إلا الله ! التحدي الكبير الذي تواجهه الأمة في هذه الأيام انتشار التواصل الاجتماعي ، والانترنيت في كل يد ، الطفل ، والشاب ، والفتاة ، والمرأة ، والرجل ، والكبير ،  والصغير ، هناك هجوم أخلاقي على الأمة غير الغزو الثقافي ، والاحتلال العسكري ، هناك هجوم أخلاقي ، انفتاحية ، إباحية ، خلال هذه الشاشة الصغيرة التي في أيدي الناس .
 

ضرورة ضبط الشاشة :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنا أقول حقيقة مرة ، والحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح : ثلاث شاشات يوجد بالبيت ، شاشة الحائط ، وشاشة الآيباد ، والهاتف ، إن لم تضبط بالبيت لا يوجد توبة ، من الرأس إلى الأسفل ، الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، شاشة الحائط ، سيدي القنوات الإباحية بالآلاف ، والهاتف ، والآيباد ، إن لم تضبط هذه الشاشات بمواقع إخبارية ، أو إسلامية بالبيت لا يوجد توبة ، وهذه حقيقة مرة أنا أعتقد أنها أفضل ألف مرة من الوهم المريح .
المذيع :
الآن مثلما تكلمت في أيدي الشباب ، والأطفال ، والبنات ، هذه الشاشة الصغيرة أي الداعية ماذا يفعل ؟ المربي ؟
 

أعظم تجارة التجارة مع الله عز وجل :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
هنا يحتاج إلى توعية ، الأب الذي يأتي بعد نوم أولاده ، ويغادر قبل استيقاظهم ، هذا ليس أباً ، إذا لم تخصص وقتاً مديداً لتربية أولادك ، هؤلاء أولاد ، حجمك عند الله بحجم   إيمانهم .

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)﴾

[   سورة الطور ]

سيدي أكبر تجارة بالأرض 15 % بالعالم كله أي كتجارة عادية ، أي شراء وبيع ، الاحتكار موضوع ثان ، شراء وبيع أعلى ربح بالعالم 15 % لا يوجد احتكار طبعاً ، والصناعة 25 % أما التجارة مع الله فمليار بالمئة ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ   ذُرِّيَّتَهُمْ ) ألحقنا بهم أعمال ذريتهم .
هذا الطفل الصغير ثماني سنوات محمد الفاتح ، أمه قالت له : أنت تفتح القسطنطينية ، وفتحها ، وفي صحيفة أمه ، ما الأم ؟ الأم كائن عظيم جداً ، الأم أمة ، فنحن إذا ربينا بناتنا إلى أن يكونوا أمهات فاضلات ، ويعتقدن أن تربية الأولاد أكبر تجارة مع الله ،   والله أنا عملت بالتعليم خمسين سنة ، ما رأيت طالباً أديباً ، متفوقاً ، أنيقاً ، نظيفاً إلا وله أم عظيمة قطعاً ، ما رأيت طالباً هندامه نظيف ، لطيف ، مؤدب ، عنده حياء ، متفوق ، إلا وراء هذا الابن أم عظيمة ، أي أكبر تجارة مع الله للنساء أن يكن أمهات صالحات ، وكأن كل أعمال أبنائها في صحيفتها .
المذيع :
لذلك اختيار الزوجة أمر خطير ، اليوم يبحثون عن أناقة الزوجة أكثر ما يبحثون عن تربيتها .
 

الخطأ بالزواج خطأ مدمر :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله سيدي أنا لي رأي لكن رأيي أحتفظ به لنفسي ، الخطأ بالزواج خطأ مدمر ، هذا البيت إن لم يعجبك تبعه ، وهذه المركبة ما أعجبتك تبيعها ، وهذه الأرض لا يوجد فيها ماء تبيعها ، زوجتك هذه أم أولادك ، وحرفتك لا تعرف غيرها ، فالبطولة أن تحسن اختيار زوجتك وحرفتك حتى الحرفة في أحيان كثيرة فيها معصية .
المذيع :
الآن تزوج ، الذي يختار يمكن أن يبحث عن الزوجة الصالحة ، لكن تزوج كيف يصلح شأنه وشأن زوجته ؟
 

الدعاء مخ العبادة  :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله هو الدعاء مخ العبادة ، إذا علم الله منك صدقاً في إصلاح زوجتك ألهمك الأسلوب المؤثر بها ، زوج أخطأ في اختيار زوجته ، علم منه إخلاصاً في طلبه ألهمه أساليب الدعوة ، دعوة زوجتك .
أنا أعرف شخصاً ، هو كان متفلتاً بالأساس ، قبل أن يأتي إليّ ، وزوجته أكثر تفلتاً منه ، ثم عرف الله ، والتزم الدروس ، عنده مشكلة كبيرة جداً ، زوجته بالقصير ، بالثياب المتفلتة ، هو كان هكذا يريد ، الآن لا يوجد طريقة لإقناعها بتغيير ما ترتدي فلا تقبل ، وأهلها معها ، ولا يستطيع أن يطلقها عنده أولاد منها ، أنا دللته على طريقة الإحسان ، كل يوم يأتي لها بهدية ، ستون يوماً هو ينفذ تعليماتي الدقيقة ، أي شيء استثنائي كل يوم يوجد هدية معه ، والله بعد ستين يوماً أخذها إلى أهله فإذا هي محجبة حجاباً كاملاً ، وما قال لها والله ، الإحسان له أثر كبير جداً .
المذيع :
ليس من غير الدعاء طبعاً .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هو عادي ، شخص تاجر .
المذيع :
الدعاء .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الدعاء له موضوع ثان .
المذيع :
الدعاء مع الإحسان .
الدكتور محمد راتب النابلسي :

(( الدعاء هو العبادة . ))

(( عن  أنس بن مالك رضي الله عنه : أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : الدُّعاءُ مُخُّ العبادةِ  ))

[ أخرجه الترمذي  ]

الدعاء أصل العبادة ، إنسان ضعيف ، شهواني ، بخيل ، يحب ذاته ، أناني ، اتصل بأصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، اتصل بالذات الإلهية ، منحه الله الحلم ، منحه الحكمة ،  منحه الرحمة ، إن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى ، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً ، الخلق الحسن سيدي شيء يؤثر ، سيدي النبي أعطاه الله مئة ألف خاصة ، ليس أنه تميز بها ، انفرد بها ، ومع كل ذلك أثنى عليه ، على خلقه العظيم .
المذيع :

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ( 4 )﴾

[  سورة القلم ]

العكس ، المرأة المؤمنة قد تبتلى بزوج فاسق ، ومثلما تفضلت بخيل ، ولئيم ، ماذا تفعل ؟
 

الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
هي لها مهمة أولى ؛ أن تحبب إليه الإيمان ، إذا خدمته خدمة عالية جداً ، ورآها تصلي ، ورآها محتشمة في ثيابها أمام الآخرين ، لما رآها ملتزمة وتصلي ، وهي زوجة صالحة جداً ، هذا أسلوب ذكي جداً ، لم تدعه إلى الإسلام ، لكنها قدمت له خدمات عالية جداً ، بطعامه ، بشرابه ، بثيابه ، بحاجاته الأساسية الزوجية ، ثم رآها على وضع آخر خلاف وضعه هذا درس بليغ جداً ، سيدي ؛ للدعوة مليون طريق ، الله واحد ، أما الطرق إليه فمليون طريق .
شخص يحب أن يخدم الأمة ، هو كان بائع أقمشة ، تأتي امرأة فقيرة جداً بالعيد يوجد معها ولدان أو ثلاثة ، قال لي : أبيعها الشيء بعشر قيمته دون أن تشعر ، هي دفعت ثمنهم كلهم ، تأخذ لكل أولادها ثياباً برقم مستحيل أن يكون مقبولاً ، خدمها ، أبقى لها كرامتها ، وعزتها ،  وأولادها ألبستهم بالعيد ، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق .
أذكر إنساناً في بلد عربي ، أنشأ أربعة أبنية ، البناء عبارة عن عشرة طوابق ، كل طابق ست شقق ، ست شقق بعشرة طوابق يكون الناتج ستين ، ستون بأربعة 240 بيتاً ، كل طالب علم يأتي بوثيقة من عالم رباني أنه على وشك الزواج ، كم بنت زوجها ؟ هذا الغنى ، كم بيت فتحه ؟ كم أسرة أنشأها ؟ الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق .
 

العمل الصالح علة وجودنا في الأرض :


أنا عندما أوقن يقيني بوجودي أن علة وجودي في الأرض العمل الصالح ، الدليل : 

﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)﴾

[ سورة المؤمنون ]

وسمّي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة .
فأنا علة وجودي ، عفواً ؛ لو سألنا شخصاً بلندن ، أرسله أبوه إلى بريطانيا لينال دكتوراه في إدارة الأعمال ، أكبر مدينة بأوروبا هي باريس ، أكبر مدينة على الإطلاق ، فيها متاحف ، فيها ملاه ، فيها دور دعارة ، فيها جامعات ، فيها حدائق ، علة وجود هذا الطالب في هذه المدينة العملاقة الدراسة ، هذا لا يمنع أن يأكل في مطعم ، أو أن يجلس في حديقة ، أو أن يقتني مجلة متعلقة باختصاصه .
 فأنا حينما أعلم علة وجودي في الدنيا الحقيقية من قبل الله :

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 )﴾

[   سورة الذاريات ]

العبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة  أبدية .
العلة العبادة ، أنت مخلوق ضعيف ، شديد الخوف ، شديد الشهوة ، شديد الأنانية ، اتصلت بأصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، بالله رب العالمين ، بالذات الكاملة ، بصاحب الأسماء الحسنى ، والصفات العلا ، لابد من أن تشتق من هذه الذات شيئاً من صفاتها ، مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى ، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً ، أنا لا أصدق مؤمناً يكذب ، مستحيل ! مؤمناً يحتال ، مستحيل !  والله يوجد حوالي مئة صفة تستحيل أصلاً أن تكون عند المؤمن ، المؤمن صادق ، أمين ، رحيم ، عفيف ، لطيف ، عنده حنان ، إن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى ، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً .
أقول لك كلمة دقيقة : المؤمن إن لم تعشقه ليس مؤمناً ، من أدبه ، من تواضعه ،   من رحمته ، من حكمته ، إن لم تعشقه ليس مؤمناً .
المذيع :
الآن التحدي الموجود في العالم كله ، الكفر عنده قوة ، وعنده ثراء ، وعنده سياسة ، وعنده أشياء كثيرة يفتقدها الإنسان المؤمن ، فهذا فتنة للإنسان المؤمن ، كيف يتعامل الإنسان المؤمن مع هذه الفتنة ؟
 

كيفية تعامل المؤمن مع الفتن :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
الجواب : أنا حينما أُدخل الموت في حساباتي تنعكس كل المعادلات ، نحن ما سمعنا من خمسين سنة كلمة الدار الآخرة بكل الإعلام ، خمسون سنة ، دنيا فقط ، طبعاً يحتاج إلى مال ، والمال يحتاج أحياناً إلى الكذب ، يحتاج إلى النفاق ، يحتاج إلى الاحتيال ، يحتاج إلى الغش ليأتيه المال ، أما الدار الآخرة فللأبد ، ما هو الأبد ؟ 
سيدي ؛ سؤال : الأرض تبعد عن الشمس 156 مليون كيلو متراً ، ليس كل كيلو متر صفراً ، كل ميلي صفر ، واحد بالأرض وأصفار إلى الشمس ، كل ميلي  ما هو هذا الرقم ؟ هذا الرقم إذا نُسب إلى اللانهاية صفر .
المذيع :
لا يساوي شيئاً .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنت مخلوق للانهاية ، أنا أضيع جنة إلى أبد الآبدين بستين أو سبعين سنة فيها معاص وآثام ؟ أبلغ من ذلك ، ما من شيء أنت بحاجة إليه إلا له في هذا الإسلام قناةً نظيفة طاهرة ، ما من شيء - أعني ما أقول- قطعاً أنت بحاجة إليه إلا له قناة نظيفة طاهرة ، بحاجة إلى امرأة ؟ يوجد زواج ، أقسم لك بالله ولا أبالغ سعادة الزوج المؤمن بزوجته المؤمنة والله مليون ضعف عن العلاقة التي لا ترضي الله ، مليون ضعف ، أنت مع الله ، ممكن إنسان يكون له لقاء زوجي ، ويصلي قيام الليل ، ويبكي بالصلاة ، هو وفق منهج الله ، الله ما منعك من شيء ، كل الحاجات الأساسية بالدين محققة ، تتزوج يوجد أولاد ، أحفاد ، أقارب ، والدان ؛ الأب والأم لهما حق ، والزوجة لها حق ، والعمل له حق ، فأنت تنسق في الحاجات بالتكاليف ، والواجبات ، والحقوق ، أنت تمشي بنور .
 النقطة دقيقة قليلاً ؛ نحن لو فرضنا غرفة لا يوجد فيها نوافذ إطلاقاً ، وأطفأنا الكهرباء ، ففي هذه الغرفة الأعمى كالبصير ، شخص بصره ستة من ستة ، هذا أعلى رقم ، والثاني لا يرى ، عندما ألغينا النور نفس الشيء .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)﴾

[  سورة الحديد  ]

كما أن لهذه العين شمساً أو كهرباء يتوسط بين العين وبين المرئيات ، كذلك العقل يحتاج إلى نور إلهي يتوسط بينه وبين الحقائق ( اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ) للدنيا والآخرة ( وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ) فالمؤمن يمشي بنور الله .
المذيع :
ماذا تقول لهؤلاء المفتونين بالحضارات الأخرى الحضارات المبنية على المدنية ؟
 

من لم يطلب العلم فطريقه مسدود :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
سيدي ؛ إذا الإنسان لم يطلب العلم فالطريق مسدود ، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، الذي تتعرف إلى الله به ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، إلا أن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ 46  ﴾

[  سورة الرحمن  ]

جنة في الدنيا هي جنة القرب ، وجنة في الآخرة هي جنة الخلد .
المذيع :
الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى ، الآن البيوت فيها كل أنواع الثراء ، ومشغولة ،  الناس مشغولون وساعة العلم مفقودة ، هل يفرغ الإنسان ساعة للتعلم ، يقرأ كتاباً ؟ يستمع إلى درس محاضرة أو أي شيء ؟
 

التفكر بالموت جزء من الدين :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنا اجتهادي المتواضع ، جزء من الدين أن تتفكر في الموت ، الموت ينهي كل شيء ، ينهي البيت الفخم ، ينهي الزوجة ، ينهي العمل ، ثلاث مركبات ، بيت بالمصيف ، بيت على البحر ، بيت بالعاصمة ، دخل فلكي ، مات انتهى كل شيء .
عفواً ! لماذا لم تأتِ كلمة إيمان في القرآن إلا معها الدار الآخرة ؟ هذا لفت نظر لنا ، إذا بقيت في الدنيا المال كل شيء ، والقوة كل شيء ، والمنصب كل شيء ، والثروات كل شيء ، إذا أدخلت الآخرة في حساباتنا أقسم لك بالله تنعكس كل مقاييسنا ، العمل الصالح كل شيء ، والاستقامة كل شيء ، وبر الوالدين كل شيء ، عندما لا يكون هناك نور الإنسان أعمى ، العمل الحقيقي عمل القلب ، لا يرى إلا الدنيا ، لا يرى إلا المال الآن سيدي .
أقول لك كلمة دقيقة ومؤلمة : العالم كله ؛ المرأة ، والجنس ، والمال ، بالقارات الخمس الجنس ، والمال ، وكل شيء متعلق بالجنس والمال هو رائج ، بالإعلام ، بالفضائيات لا يوجد كلمة آخرة إطلاقاً .
المذيع :
للأسف ، في الدقائق الأخيرة كيف يستطيع الإنسان أن يكون داعية ناجحاً ؟
 

صفات الداعية الناجح :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله أنا أقول أهم كلمة : أنت حينما تطبق هذا الدين تطبيقاً كما أراد الله تجد عندك رغبة أن تنشر هذا الحق دون أن تشعر ، قد تكون داعية وأنت في مكانك التجاري ، وأنت صادق ، أمين ، بضاعتك جيدة ، لا يوجد كذب أبداً ، لا يوجد تدليس ، أنت محام ، يا بني هذه الدعوة لا ترضي الله لا أخذها ، قال لي محام : والله دفعوا لي ثلاثة ملايين ، وأنا قادر أن أقيم دعوى لصالحهم ، لكن لا أفعلها ، أنا عندما أُدخل الله في حسابي ، إذا لم تنعكس كل مقاييسك 180 درجة أنا مسؤول ، لأنك أدخلت الله بالحساب ، الله يحاسبني ، يوجد موت ، يوجد قبر ، يوجد سؤال وجواب ، يوجد جهنم إلى الأبد ، عندما أدخل الآخرة بحسابي ، أنت افتح القرآن الإيمان بالله واليوم الآخر ، لم ترد الإيمان بالله إلا مع اليوم الآخر ، لماذا هذا الاقتران ؟ كي تفكر باليوم الآخر ، إذا الآخرة لم تدخل في حساباتنا كل مقاييسنا غلط .
المذيع :
الشهية للعلم ، لطلب العلم تكاد تكون مفقودة عند الناس ، كيف يستطيع الإنسان أن يكون عنده رغبة للتفرغ ؟
 

على الدعاة أن يرغبوا الناس بطلب العلم :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذا خطأ من الدعاة ، يجب على الدعاة أن يرغبوا الناس بطلب العلم ، الآن يعملون دعايات للبضاعة ، العلم ينقلك من الضياع إلى الوجود ، من الخطأ إلى الصواب ، من الشقاء إلى السعادة ، أنا لا أصدق بالأرض إنساناً يسعد في بعده عن الله ، لا يمكن ، يوجد لذائذ ، كلام دقيق ، اللذة غير السعادة ، اللذة تحتاج إلى وقت ، وإلى مال ، وإلى وقت ، وقت ، ومال ،  وصحة ، في البداية يوجد صحة ووقت ومال ، بالوسط يوجد مال وصحة ولا يوجد وقت ، بالنهاية يوجد مال ووقت ، لكن لا يوجد صحة ، هذه الدنيا ، ما سمح الله للدنيا أن تمدك بسعادة ، اللذة ، اللذة آنية ، أما السعادة المستمرة المتنامية  فهي بالآخرة .
المذيع :
الآن ولو نثقل عليك بدقيقة أخرى ؛ أصحاب العقول والمعدلات العالية في الثانوية العامة يذهبون لدراسات معينة ، وقلة منهم من يذهب للدراسة الشرعية ، وبعض الكليات الشرعية تكاد تغلق من قلة الوافدين إليها .
 

كل الاختصاصات تنتهي عند الموت إلا الإيمان بالله يستمر بعد الموت :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
جوابي دقيق سيدي : الاختصاصات كلها على علو مقامها ؛ فيزياء نووية ، فيزياء ، كيمياء ، رياضيات ، طب ، هندسة ، بيولوجيا ، كل هذه الاختصاصات تنتهي عند الموت ، إلا الإيمان بالله يستمر بعد الموت .
المذيع :
من يريد الله به خيراً .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
عفواً يوجد خط بياني ، ولد ، الآن تزوج ، أو دخل ابتدائي ، إعدادي ، ثانوي ،  جامعي ، تخرج ، ثم تزوج ، اشترى بيتاً ، دخله كبير ، أخذ سيارة ، أخذ بيتاً على البحر ، وبيتاً بالجبل ، طالع ، طالع ، طالع ، وصل إلى هنا ، جاء أبو العز ، من أبو العز ؟ ملك الموت ، قال له : تفضل ، صفر ، لا يوجد بيت ، ولا سيارة ، ولا زوجة ، ولا مصيف ، ولا شيء إطلاقاً ، من دنيا عريضة مذهلة إلى قبر ، إذا ما دخلت الآخرة بحسابك اليومي الساعي لن تستقيم على أمر الله ، يوجد موت ، من أين لك هذا ؟ 
 

خاتمة وتوديع :


المذيع :
نقول طبعاً نحب أن نستزيد منك ، والحديث الطيب أغلى من كل شيء ، لكن الوقت يحاصرنا ، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل في كلامك الأثر ، وأن يتقبل منك دعوتك ، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يفرج عن هذه الأمة ، ودائماً في حلقاتنا ندعو الله سبحانه وتعالى في جرحنا العميق للأسرى المسجونين أن يفرج الله عنهم ، وأن يطلق سراحهم ، وأن يردهم إلى أهلهم سالمين غانمين ، وندعو الله سبحانه وتعالى للمسجد الأقصى المبارك أن يرفع الله عنه الحصار ، وأن يمكننا وكل المسلمين بالصلاة فيه آمنين غير خائفين صلاةً مقبولة يا رب العالمين ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ييسر الحج والعمرة لكل أمة الإسلام ، وأن يتقبل منا ، وأن يجعلها مبرورةً يا رب العالمين .
ونهاية هذا اللقاء لا يسعنا إلا أن نشكر سماحة الشيخ محمد راتب النابلسي جزاك الله خيراً على ما أعطيتنا من وقتك .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
وأنا أشكر لكم حكمتكم في الأسئلة ، ورحابة صدركم إن شاء الله .
المذيع :
جزاكم الله خيراً ، طبعاً تحية من كل أهل فلسطين لسماحتك ، ونسأل الله أن نلتقي بك على بلاط المسجد الأقصى المبارك .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
إن شاء الله ، المؤمن أمله كبير من الله .
المذيع :
نستودعكم الله على أمل اللقاء بكم في حلقة أخرى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور