- الفقه الإسلامي / ٠5العبادات الشعائرية
- /
- ٠3الصلاة
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
سجدة الشكر :
أيها الأخوة المؤمنون، موضوعنا في الفقه اليوم قصير جداً، وهو سجدة الشكر، هذه السجدة تكون حينما يصيب الإنسان خيراً، مثلاً إنسان تزوج امرأةً جمعت بين جمال الخَلق والخُلق فلما رآها أول ما رآها يسجد شكراً لله، فقد كان بعض السلف الصالح يسجد لله سجود الشكر على نعمة الزوجة الصالحة، ولو أن امرأته حامل وأنجبت مولوداً سليماً من كل عيب، حسن الصورة له أو عليه، فالأولى له أن يسجد لله سجود الشكر، أو عقد صفقةً بسعر جيد، ونوعيةٍ ممتازة فعليه أن يسجد بعد عقد الصفقة، أو باع هذه الصفقة بربح معقول فعليه أن يسجد لله بعد بيع الصفقة، أو كان يسكن بيتاً بالإيجار فأكرمه الله عز وجل بمنزل اشتراه، وصار ملكاً له، فإذا دخل البيت أول مرة فعليه أن يسجد لله سجود الشكر.
كان يعمل موظفاً في محل تجاري أو صانعاً في محل فأكرمه الله عز وجل واشترى محلاً تجارياً، فإذا دخله فعليه أن يسجد سجود الشكر، كان في مرتبة على أساس الشهادة الثانوية، فلما نال الشهادة العليا صدر مرسوم بترفيعه إلى مستوى هذه الدرجة فعليه أن يسجد سجود الشكر، اشترى مركبة، أو مكّنه الله من أداء الحج أو العمرة، أو أكرمه الله ببر والديه، فالنعم التي أنعم الله بها علينا لا تعد ولا تحصى، فجميل جداً بالإنسان أن يكون حساساً للنعمة.
حالة المؤمن حالة شكر دائم :
والنبي عليه الصلاة والسلام كانت تعظم عنده النعمة مهما دقت، فإذا شربت كأس ماء عذب فرات باردٍ صاف بكأس نظيف، فلك أن تقول الحمد لله:
((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ))
الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني، وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن نوحاً لم يقم عن خلاء قط إلا قال: الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى فيّ منفعته، وأخرج عني أذاه" .
إذا ارتدى ثوباً جديداً، وإذا دخل بيته يقول: الحمد لله الذي آواني وكم ممن لا مأوى له، وإذا وقعت عينه على أولاده وهم في صحةٍ جيدة الحمد لله على نعمة الولد الصالح، إذا وقعت عينه على امرأته وكانت مطواعةً له فالحمد لله على نعمة الزوجة الصالحة، فكم لك يا رب من نعمة قلَّ لها شكري، حالة المؤمن حالة شكر دائم، أنعم الله عليه بقوة يخدم بها نفسه، فهذه نعمة لا تعد ولا تحصى، أنعم الله عليه بنعمة السمع، والبصر، والفؤاد، والعقل، وأنعم عليه بكمال الخلق، كان إذا نظر إلى المرآة قال:
(( اللهم كما حسنت خَلقي حسن خُلقي))
وإذا ارتدى ثوباً جديداً، إذا تناول طعام شهياً، إذا كانت له سمعة طيبة، إذا أحبه الناس:
ينادى له في الكون أنا نحبه فيسمع من في الكون أمر محبنا
***
المؤمن بين صبر على معالجة الله وبين شكر على نعم الله :
والذي أعرفه أن حالة المؤمن نصفها شكر ونصفها صبر، فلو أردت أن تقسم الإيمان قسمين لاحتل الصبر نصفه، ولاحتل الشكر نصفه الآخر، فهو بين صبر على معالجة الله، وبين شكر على نعم الله، ولا تخلو حياة الإنسان من حالة يفرح بها، أو حالة يحزن لها، فإن أصابته حالة يفرح لها فعليه بالشكر، وإن أصابته حالة تحزنه فعليه بالصبر، وهاتان الحالتان- الصبر والشكر - من علامات الإيمان، ففي الرخاء شكور، وفي البلاء صبور، في الفاقة متعفف متجمل، في اليسر سخيّ كريم، فمن لوازم المؤمن أنه كلما أصابته نعمة يبادر إلى السجود لله عز وجل سجود الشكر.
الإنسان ليس مكلفاً أن يؤدي سجود الشكر في مكان عام :
ولكن لا ينبغي لك أن تسجد في مكان لا يعرف الناس فيه هذا الحكم، فحينما ضعف الدين في النفوس، وصار الناس غافلين بعيدين جاهلين، قد يستهزئون بالدين، فلست مكلفاً ولا ملزماً أن تؤدي هاتين السجدتين في مكان عام.
طالب عند الامتحان نجح، أول عملية عليه أن يقوم بها إذا نجح أن يبادر إلى سجود الشكر، اسجد لله، ومرغ جبهتك في أعتابه، وقل: يا رب لك الحمد الذي أنعمت:
(( عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ رَجُلٌ خَدَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِ سِنِينَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُرِّبَ لَهُ طَعَامٌ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ قَالَ اللَّهُمَّ أَطْعَمْتَ وَأَسْقَيْتَ وَأَغْنَيْتَ وَأَقْنَيْتَ وَهَدَيْتَ وَاجْتَبَيْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَعْطَيْتَ))
قال الإمام أبو يوسف والإمام محمد وهما من كبار تلامذة الإمام أبي حنيفة: " هي قربة يثاب عليها ".
سجدة الشكر هيئتها كسجدة التلاوة :
وسجدة الشكر وهيئتها مثل سجدة التلاوة، والإنسان لا تخلو حياته من بعض المسرات، فلو فرضنا أنّ إنسانًا يوم التقى بزوجته أول مرة سجد لله سجود الشكر، وأغلب الظن أن الله سبحانه وتعالى يوفق بينهما، فإذا ظن أنه قد حصل هذا الزواج بجهده وبذكائه وبماله فأغلب الظن أن شقاقاً وتعاسة تنشأ بينهما، وأعرف إنسانًا ليس مستقيماً، ولكنه غني، تزوج فتاةً وهو يظن أنه سيسعد بها، فلم يمضِ على هذا الزواج أسابيع حتى كان الفراق بينهما، كانت معه في سيارته خارج دمشق، من كلمة إلى كلمة، وضعها في الطريق ونزل إلى الشام، فلو أن زواجًا بني على الإيمان، وعلى الشكر، وعلى تقوى الله، وعلى محبته فأغلب الظن أن الله سبحانه وتعالى يوفق بينهما، بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما على خير، وأخرج منكم الكثير الطيب الصالح، ووفقكما إلى ما يحب ويرضى، فهذا من الدعاء المستحب في عقد النكاح.
من عرف أن النعم من الله عز وجل فهذا نوع من أنواع الشكر :
يا رب كيف شكرك ابن آدم؟ قال: علم أنه مني، فكان ذلك شكره، أي علم أن هذه النعمة من الله، أو علم أن الشكر نعمة أخرى تضاف إلى النعم فكان ذلك شكره، وإذا عرفت أن هذه النعم من الله عز وجل فهذا نوع من أنواع الشكر، أحيانا امرأة تُخطب لزوج ميسور الحال، يسكنها في بيت مؤسس بكل الأثاث الجيد، والطعام متوافر، والشراب متوافر، والدفء، والجو البارد في الصيف متوافر، وهذه المرأة بحمقها تظن أن هذه النعم وصلتها بذكائها، بينما الله سبحانه وتعالى لولا هذه المسحة من الجمال التي وهبها إياها لما نظر إليها زوجها، ولما خطبها في الأساس، ولما أسكنها في هذا البيت، فلو علمت المرأة أن الله سبحانه وتعالى متفضل عليها بنعمة الجمال والكمال لذابت لله شكراً وتواضعاً، فالمتكبر دائماً لا يرى نعمة الله عليه، وقد يحصل الإنسان على شهادة عليا فيعين في منصب رفيع، فيظن نفسه أنه بذكائه نال هذا المنصب، فلو أن قطرة دم تجمدت في دماغه في بعض شرايين المخ لفقَدَ ذاكرته، ولو أنه تجمدت في مكان آخر لفقد بصره، ولو أنها تجمدت في مكان ثالث لفقد حركته.
هناك رجل ذهب إلى فرنسا، وعاد بدكتوراه وبزوجة فرنسية، وعين في أعلى المناصب الحكومية، ورقصت له الدنيا كما يقولون، واللهُ عز وجل لحكمة بالغة سلبه نعمة البصر، فبقي شهراً في مكتبه يوقع المعاملات على وصف المساعد له، إلى أن انتقل إلى البيت، وفي شهر آخر كانت تأتيه المعاملات إلى البيت ليوقعها على وصف من يقرؤها له، ثم سرح من وظيفته، دخل عليه صديق لي وله فقال له: أتمنى أن أجلس على الرصيف أتكفف الناس، ولا أملك من الدنيا إلا معطفي هذا، وأن يرد الله إليّ بصري.
وقد التقيت بإنسان قال لي: أنا مصروفي في السنة ثلاثمئة ألف، ولا يكفيني أقل من هذا، أصيب بمرض شديد، حينما زرته قال لي: الإنسان تكفيه ألف ليرة في الشهر ليصرفها، فهل تعلمون ماذا يقصد بهذا الكلام؟ لو أنه معافى في جسمه يكفيه ألف ليرة، ألا يكفيه أن يأكل خبزاً وزيتوناً طوال الشهر في ثلاث وجبات؟ تكفيه، هذه النعم التي وهبنا الله إياها تستحق الامتنان من الله عز وجل، وأن تشكره من أعماقك، والحمد على النعمة، ونعوذ بك من زوالها، كيفما تحركت تملك نعمة، أو اثنتين، أو ثلاث، اللسان، والفكر، والشعر، واليد، والمعدة سليمة لا يوجد فيها قرحة، والاثنا عشر لا يوجد فيها قرحة، والأمعاء لا يوجد فيها التهابات مزمنة، والكبد لا يوجد فيه التهاب أو تشمع، والبنكرياس لا يفرز مادة سكرية زائدة، فلا يوجد معه سكر، والصفراء ليست ملتهبة، و لم تستأصل، والكظر يعمل بانتظام، والكليتان تعملان بانتظام، والعضلات لا تؤلمه، والشرايين ليست متوترة ولا ضيقة ولا متصلبة، والقلب يعمل بانتظام، والتخطيط جيد، والحركة ممتازة، والنشاط متوافر، يأكل كل ما لذّ وطاب، فليس هناك طعام محروم منه، ويمشي على قدميه، فهذه نعم لا تعد ولا تحصى.
نعمة الإيمان أعلى نعمة على الإطلاق :
مرة لفت نظري إعلان في صحيفة كويتية اسمها القبس، الإعلان مرسوم به فيلا ضخمة جداً، والإعلان قديم، أكثر من عشر سنوات، رسم لفيلا ضخمة جداً ورسم لشخص كويتي، والإعلان صفحة، إنني أنا مواطن كويتي أعمل في الدائرة الفلانية، لا أملك من هذه الدنيا إلا هذه الفيلا وقدر سعرها، أنا قدرت سعرها بالسوري ثلاثة ملايين ليرة، والآن تعادل أربعين مليونًا، فيلا كاملة، قال: هذه أقدمها هدية متواضعةً رمزيةً لمن يعطيني إحدى كليتيه، فإذا هذه الفيلا ثمنها ثلاثون مليونًا الآن تقابل الكلية، والكلية الثانية ثلاثون، مجموعهما ستون، والعين كذلك، والعين الثانية، والأذن، واللسان، والنطق، والرئتان، والشرايين، والأوردة، أنا قدرت الإنسان، فإذا كل عضو له يريد أن يعطيه لإنسان بثلاثة ملايين على السعر القديم للدولار، والآن بثلاثين مليونًا، معنى ذلك أنّ الإنسان يساوي ألف مليون.
((عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الأنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ))
التقيت بمحاسب في كلية التربية سألته فقال لي: الحمد لله على نعمة الصحة، تذوقت هذه الكلمة تذوقًا، ورأيته شاكرًا لله عز وجل، وأنا متأكد أن المعاش لا يكفيه، ولكن الحمد لله على نعمة العافية، هذه نعمة لا تقدر بثمن، أما إذا تعمقت فتجد أن نعمة الإيمان أعلى من هذه النعمة بكثير، فلو كان في العافية خلل استمر الإيمان معك إلى الأبد، فمن يمُت على الإيمان فقد حقق كل نجاح وتفوق.
الإنسان العاقل يفكر في نعم الله عز وجل و يشكره على ذلك :
ملخص هذا البحث الصغير أن الإنسان غارق في نعم الله، أَجْرِ إحصاء لها فلا تحصى، قال الله:
﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾
إذاً يوجد في جسمك أكثر من مليون، أو مليونين، أو خمسة ملايين مكان، لو اختل أحدها لنغص عليك كل حياتك، ويكفي أن القناة الدمعية تنسد، وتحتاج إلى منديل دائماً، ثم يرسم خطاً أحمر، لأن هذا الدمع قلوي، وهذه القناة الدمعية أرفع قناة في الجسم البشري مثل الشعرة مفرغة من الداخل، فالدمع الفائض ينزل منها إلى الأنف فيرطبه، وأحياناً تنسد، فثمّة نعم لا أحد يعرفها، تناول طعام العشاء، وذهب لينام، فما الذي حدث؟ إذا حرم الله عز وجل الإنسان من النوم فإنه يدفع كل ماله حتى ينام، حدثني أخ منح بعثة إلى بعض البلاد الأجنبية، وحينما وصل إلى هناك غاب عنه النوم، فذهب إلى الطبيب، قال له: لا يوجد بك شيء؟ ذهب إلى المستشفى، فقالوا له: لا يوجد بك شيء؟ أحياناً حالات نفسية، كالقلق، ما ذاق طعم النوم واحدًا وعشرين يوماً، حتى حمله هذا المرض إلى أن يعود لبلده.
هناك نعمة ثانية؛ الإنسان ينام ورئتاه تعملان بانتظام، لو أنّ ربنا عز وجل أوكل إلينا أمر التنفس فلن نستطيع أن ننام أبداً، تحتاج دائماً أن تضع ماء باردًا وتفتح النوافذ، فمركز التنبيه النوبي بالبصلة السيسائية يتعطل، والآن اخترعوا دواء غاليًا جداً يجب أن تأخذه كل ساعة، تربط أربعة منبهات على الساعة التاسعة وتأخذ حبة وعلى العاشرة حبة، والحادية عشرة حبة، والثانية عشرة حبة... إذا أحدنا وصف لابنه دواء التهاب كل ست ساعات حبة يشعر بهمّ لاستيقاظه الساعة الواحدة مساءً من أجل حبة واحدة، وهذا الدواء نعمة كبرى، أنقذ حياة أولئك المصابين بهذا المرض، فلو أن الله سبحانه وتعالى أوكل إليك نعمة التنفس فإما أن تنام فتموت، أو أن تحرم النوم كي تبقى حياً، فملخص هذا البحث أن الإنسان العاقل يفكر في هذه النعم.
وأنا أقول لكم: واللهِ الذي لا إله إلا هو من جرى تفكيره في هذه النعم، وعرف أنها من الله، حاشا لله أن يسلبه إياها، وأن يحرمه إياها، وبالشكر تدوم النعم، يا عائشة أكرمي مجاورة نعم الله فإن النعمة إذا نفرت قلّما تعود.
***
آداب الانصراف :
1 ـ أن يخرج الإنسان مع الضيف إلى باب الدار و أن يكون طليق الوجه :
والآن إلى الفصل الأخير من إحياء علوم الدين، وعن آداب الطعام والشراب، وننتقل بعدها إلى آداب الزواج، آخر أدب من آداب الضيافة، آداب الانصراف، للانصراف ثلاثة آداب؛ الأول أن يخرج مع الضيف إلى باب الدار، فمن اللياقة والأدب والكمال أن تخرج مع الضيف إلى باب الدار، وإذا كان الضيف غاليًا جداً فإلى مدخل البناء، وإذا كان أغلى من ذلك فإلى أول وسيلة نقل يركبها، وهو سنة، وذلك من إكرام الضيف الذي أمرنا بإكرامه:
(( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ))
(( إِنَّ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ الرَّجُلُ مَعَ ضَيْفِهِ إِلَى بَابِ الدَّارِ ))
قال أبو قتادة: قدم وفد النجاشي على النبي عليه الصلاة والسلام - استمعوا إلى هذا الخلق الرفيع - فكان يخدمهم بنفسه، فقال له أصحابه: نحن نكفيك يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: كلا إنهم كانوا لأصحابي مكرمين وأنا أحب أن أكافئهم.
وتمام إكرام الضيف طلاقة الوجه، وأن يضع له طعامًا فخمًا ويجلس، لا باللغة الدارجة - التقي بي ولا تطعمني- يجب أن يكون هذا الوجه طليقاً، وفي الحديث:
(( تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ َصَدَقَةٌ ))
أن تبش في وجه أخيك صدقة، والترحيب الزائد، أهلاً وسهلاً، لقد جبرت خاطرنا بهذه الزيارة، طلاقة الوجه، وطيب الحديث عند الدخول والخروج، مثلاً دعوته إلى الغذاء، ما هذه الأسعار؟! يا أخي شيء يجنن، هذه لا تقال، هذا ليس من طيب الحديث، فأنت تمننه بهذا الغذاء، إنْ كان اللحم غاليًا عليك فلا تدعُه، لي ابن سيئ أحتار ماذا أفعل بأمره، سوف تكربه بهمومك، أنت دعوته من أجل أن تسره، ستقول له همومك، وتعكر صفوه، هكذا قال النبي الكريم؛ طلاقة الوجه، وطيب الحديث عند الدخول والخروج، ويجب أن تختار أجمل الحديث بما يطيب خاطره، ويؤنسه، وما يجعله يرتاح لحديثك، طلاقة الوجه، وطيب الحديث، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( إنكم لا تسعون- وفي رواية- إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق))
فقال: طلاقة الوجه وطيب الحديث عند الدخول وعند الخروج وعلى المائدة، قيل للإمام الأوزاعي رضي الله عنه ما كرامة الضيف؟ قال: طلاقة الوجه وطيب الحديث.
وقال يزيد بن أبي زياد: "ما دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى إلا حدثنا حديثاً حسناً، وأطعمنا طعاماً حسناً"، هذا أول أدب؛ أن يخرج مع الضيف إلى باب الدار، وهي سنة، وأن يكون طليق الوجه، طيب الحديث عند الدخول والخروج وعلى المائدة.
2 ـ أن ينصرف الضيف طيب النفس وإن جرى في حقه تقصير :
وأما الأدب الثاني فأن ينصرف الضيف طيب النفس، وإن جرى في حقه تقصير، كما علّم النبي الكريم المضيف أن يكرم ضيفه، علّم الضيف أن يتجاوز عن التقصير، فأحياناً تجلس ولم يُقدَّم لك شيء إطلاقاً، هممت بالذهاب، وقلت له: أستأذنك أريد أن أذهب، قال لك: والله لا تؤاخذنا ما ضيفناك شيئًا، أنتم أهل مرفوعة الكلفة، وأنت تعلم أن في البيت لا يوجد أحد، ولا يوجد عنده قهوة، لا يوجد عنده شيء إطلاقاً، لا سكرة، ولا شكولاته،، والشاي يحتاج إلى وقت حتى يجهز، ولا يوجد عنده غاز، والسخان معطل، فالإنسان لا ينتقد، فإذا كان رسول الله أمر المضيف أن يكرم ضيفه، أمر الضيف أن يتجاوز عن التقصيرات، فمن التمام أن ينصرف الضيف طيب النفس، وإن جرى في حقه تقصير:
((إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ))
وقد يقدم لك كأسًا من الشاي لونه فاتح، اعتقدت أنت أن هذه زهورات، فكانت شايًا قد يكون عنده قليل من الشاي وضعه، ولا يوجد عنده غيره، فماذا تقول له؟ أنا أحب الشاي فاتحاً
يروون أن أحد القضاة المشاهير؛ وهو الشيخ عطا الكسم دخلت امرأة صحتها جيدة، وفي أثناء صعودها إلى درج المحكمة صدر منها صوت مخزٍ، ومعها صديقتها، قالت لها: سمعنا القاضي، قالت كلامًا كادت أن تتشقق من الخجل، وصلت إلى القاضي فقال لها: ما اسمك يا أختي؟ فقالت له اسمها، فقال لها: ما سمعت، قالت له اسمها، فقال لها: ما سمعت، قالت: إنه ما سمعنا.
كلما ارتفع مستوى الإنسان أصبح عنده كمال أكثر :
كلما ارتفع مستوى الإنسان أصبح عنده كمال، لماذا الشاي فاتحاَ؟ لا أريد أن أشرب، فأن ينصرف الضيف طيب النفس، وإن جرى في حقه تقصير، فذلك من حسن الخلق والتواضع، وهذه قصة قد يكون مبالغ بها، ولكن سوف نستمع إليها لأنها طرفة.
دعا بعض السلف رجلاً عن طريق رسول فلم يصادفه، فلما بلغه الخبر حضر، وكان القوم قد تفرقوا وفرغوا من الطعام وخرجوا، فخرج إليه صاحب المنزل وقال: تأخرت قد خرج القوم، قال: هل بقي بقية من طعام؟ قال: لا، قال: أكسرة من خبز؟ قال: لا، قال: فالقدر أمسحه، قال: قد غسلته، قال: فانصرف بحمد الله تعالى، فلما قيل له في ذلك قال: قد أحسن الرجل، ودعانا بنية طيبة، وردّنا بنية طيبة، وهذا من التواضع.
فإذا دخل الإنسان إلى الدعوة وكانوا قد بدؤوا في الطعام، يضع العقدة ولا يتكلم معه، أو إذا لم يجد مكانًا على الطاولة، والضيف يتشقق من خجله، فأنت تأخرت، ولا يوجد عنده كرسي فارغ.
وإذا الإنسان الموحّد رأى في إكرام الناس له إكرامًا فمن الله عز وجل، وفي تقصيرهم في حقه لفت نظر من الله عز وجل، يكون قد قاس نفسه بمَن يدخل دائرة ويكون المدير العام صاحبه، فلا ينظر إليه، ولا يقول له: اجلس، فالموحد يراها من الله عز وجل، وإذا كان غير موحد أقام النكير على هذا المدير، فالموحد يقول: لعلي أنا اعتمدت عليه، وما التجأت إلى الله، وأشركت مع الله، واللهُ أحبَّ أن يؤدبني، فأين الصحبة؟ سهرت وجلست معه، ويوجد خبز وملح، ودخلت مكتبه، وبقي يوقع معاملات، ولم يقل لك: تفضل واجلس، ويعاملك كإنسان عادي، فالموحد يرتاح ويرى هذا تأديباً من الله عز وجل، فأنت أشركت.
فلا ينتصر بما يجري من العباد من تقصير، ولا يستبشر بما يجري منهم من الإكرام، ويرى الكل من الواحد القهار، ولذلك قال بعضهم: أنا لا أجيب الدعوة إلا لأني أتذكر بها طعام الجنة.
3 ـ ألاّ يخرج إلا برضى صاحب المنزل وإذنه :
الآن الأدب الثالث؛ ألاّ يخرج إلا برضى صاحب المنزل وإذنه، فهذا الإنسان دعاك إلى طعام، وأحب أن يستأنس بك، ومع آخر لقمة " يا الله يسِّر لنا الطريق"، إلى أين أنت ذاهب؟ هل الطعام هو الهدف؟ أكل وغسل واسمح لنا بالذهاب، هذه في حق المؤمن فيها تقصير شديد، هو دعاك ليستأنس بكلامك، ودعاك ليلتقي معك، في أثناء الطعام كان مشغولاً بالأكل، وقبل الطعام بإعداده، وبعده تفرغ لك، وأنت تريد أن تنصرف وقد أكلت فماذا تريد غير هذا؟ هذا أيضاً من سوء الأدب.
ألاّ يخرج إلا برضى صاحب المنزل وإذنه، ويراعي قلبه في قدر الإقامة، فإذا نزل ضيفاً فلا يزيد على ثلاثة أيام، فربما يتبرم صاحب الدار، ويحتاج إلى إخراجه:
((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ))
إلا إذا ألحَّ رب البيت عن خلوص قلب ومحبة، فله المقام أكثر من ذلك، فقد يزور الرجل ابنته المتزوجة في بلد عربي، والبنت غالية، والأب غالٍ، والصهر محب، ويوجد بينهما مودة بالغة، وإكرام منقطع النظير، فليس من المعقول أن يقتصر على ثلاثة أيام فقط، يستضيفه أسبوعًا، أو أسبوعين، فلا مانع، يأتي إليك فتكرمه ويكرمك، وتأخذه إلى النزهات، فالضيافة ثلاثة أيام إذا لم يكن ثمة تعامل بين الناس.
يستحب للرجل أن يكون عنده فراش للضيف النازل :
ويستحب للرجل أن يكون عنده فراش للضيف النازل، وهذا في القرى والأرياف، فلا تجد فراشًا واحدًا بل في المضافة تجد عشرات مع اللحف والوسادات، وإذا كان للإنسان بيت فليجعل مكانًا للضيف، فلا بد من مكان؛ إما فراش متحرك أو سرير احتياط، فقد يضطر الإنسان فيأتيه ضيف وينام عنده، فمن السنة أن يكون عنده فراش للنازل:
(( فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ وَفِرَاشٌ لأهْلِهِ وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ ))
هذه غرفة نوم، وتحتاج إلى فراش للضيف، هكذا قال عليه الصلاة والسلام، يأتي صهرك مسافرًا، يأتي أخوك، تأتي أختك من السفر، فيجب أن تقول لها: نامي عندنا.
آداب متفرقة للأكل والشرب :
الآن مع آداب متفرقة للأكل والشرب نجملها ببعض الأقوال، حكي عن إبراهيم النخعي أنه قال: "الأكل في السوق دناءة "، وكنتم تعلمون مني سابقاً أنه: "من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته".
هناك أشياء تسقط العدالة؛ أن تظلم الناس، أو أن تخلفهم الوعد، أو أن تخونهم الأمانة، فإذا فعلت هذا فقد سقطت عدالتك، والعدالة في الإسلام الحقوق المدنية بالتعبير الحديث، أي تصبح غير مقبول الشهادة، والعلماء فرقوا بين أشياء تسقط العدالة، وأشياء تجرحها، أحيانا الكأس يتحطم وأحيانا يُشعر، إبريق بلور تكسره بالمطرقة، وأحياناً يشعر شعرًا خفيفًا، ولكن هذا الشعر عابر، زبدية صينية ثمنها ثمانية آلاف، ومشعورة، ثمنها مئتا ليرة، لكن لا بأس بها كمنظر، أما كبيع وشراء فلا، وسجادة ثمنها ثمانية وثمانون ألفًا، يوجد أشياء تسقط المروءة، وأشياء تجرحها، فمما يجرح المروءة الأكل في الطريق، والمشي حافياً، والبول في الطريق، والتنزه في الطريق، والجلوس في الطريق، وارتفاع الصوت في البيت حتى يسمعه مَن في الطريق، والحديث عن النساء، والتطفيف بتمرة في الميزان، وأكل لقمة من الحرام، واللعب بالنرد، واللعب بالشطرنج يجرح المروءة، ومما يجرحها أيضاً من أطلق لفرسه العنان، أو السرعة في قيادة السيارات الآن، ومما يجرح المروءة من قاد برذوناً أو حيوانًا مخيفًا أو كلبًا يمشي أمامه مساء، والأطفال يخافون منه، فهذا مما يجرح المروءة، وأن تصحب الأراذل، وأن تتحدث عن النساء.
هذا كله يجرح مروءة المسلم، فتصبح شهادته غير مقبولة، يقولون: إن رجلاً رآه صديقه يأكل في الطريق، فقال: ويحك أتأكل في السوق؟ قال: أجوع في السوق وآكل، قال له: إن جعت في السوق فكل في البيت، فلما قيل له: ادخل المسجد وكل فيه، قال: والله إني أستحي أن أدخل بيته لأكل فيه، قد يدخل الإنسان إلى المسجد من أجل أن يقضي حاجة ويخرج، وقد يجعل المسجد طريقًا، يدخل من أول باب ويخرج من ثانيه، فهذه وصمة عار في حقه، يدخل بيت الله ليجعله طريقاً؟ أو يدخل بيت الله ليقضي حاجةً فيه فقط؟ أو لينام فيه في رمضان؟ كما تجد في الجامع الأموي كثرةَ النائمين .
لا يجوز أن يدخل ليأكل فقط، أما في رمضان فمثل بعض الأقطار العربية يفطرون في المساجد على تمرات، أشخاص يحضرون الطعام، قد يكون في المسجد رجل غريب، أو بيته بعيد فيأكل، أما إذا كان الهدف في المسجد الأكل، فالعلماء قالوا: يأكل في المسجد مرقًا فيقع على السجاد، فهذا شيء خفيف، فثمة أكل مكروه أن يكون في المسجد، قال علي رضي الله عنه: "من ابتدأ غذاءه بالملح أذهب الله عنه سبعين نوعاً من البلاء، ومن أكل كل يوم سبع تمرات قتلت كل دابة في بطنه".
هناك بعض الأقوال عن بعض الأطعمة بعضها غير ثابت، نحو: "لحم البقر داء ولبنها شفاء"، وربنا عز وجل قال:
﴿ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾
إذا ربنا عز وجل جعل إكرام الضيف لحم العجل، فهذا الكلام غير مقبول؛ أن يقول إنسان: لحم البقر داء، ولبنه شفاء، هذا الشيء غير مقبول.
نصائح طبية :
يوجد بعض النصائح الطبية؛ قيل لبعض الأطباء: هات لي طعامًا آكله؟ قال : لا تأكل المطبوخ حتى يتم نضجه، ولا تشرب دواء إلا من علة، ولا تأكل من الفاكهة إلا نضيجها، ولا تأكل طعامًا إلا أجدت مضغه، وكُلْ ما أحببت من الطعام، ولا تشرب عليه، فإن شربت فلا تأكل عليه شيئاً، ولا تحبس الغائط والبول، وإذا أكلت في النهار فنم، وإذا أكلت في الليل فامشِ قبل أن تنام.
وهناك بعض القواعد التي سوف نتم شرحها إن شاء الله تعالى في درس قادم.
* * *
شمائل النبي صلى الله عليه و سلم :
رحمته صلى الله عليه بالصبيان :
هناك بعض الأفكار في هذا الفصل تحتاج إلى تحقيق وإلى تقييم، وسوف ننهي الدرس بحديث سريع عن بعض شمائل النبي عليه الصلاة والسلام.
رحمته صلى الله عليه بالصبيان، فمن رحمته صلى الله عليه بالصبيان أنه كان يمسح رؤوسهم ويقبلهم، فقد قبَّل عليه الصلاة والسلام الحسن و الحسين:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَبْصَرَ الأقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُقَبِّلُ الْحَسَنَ، قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: الْحُسَيْنَ أَوِ الْحَسَنَ فَقَالَ: إِنَّ لِي مِنَ الْوَلَدِ عَشَرَةً مَا قَبَّلْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ))
((عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ ))
((عن الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ))
(( عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ أَهْلِ بَيْتِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ: الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَكَانَ يَقُولُ لِفَاطِمَةَ ادْعِي لِيَ ابْنَيَّ فَيَشُمُّهُمَا وَيَضُمُّهُمَا إِلَيْهِ))
وكان إذا أوتي بأول ما يدرك من الفاكهة يعطيه لمن يكون في المجلس من الصبيان:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُتِيَ بِالْبَاكُورَةِ بِأَوَّلِ الثَّمَرَةِ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا وَفِي ثَمَرَتِنَا وَفِي مُدِّنَا وَفِي صَاعِنَا بَرَكَةً مَعَ بَرَكَةٍ ثُمَّ يُعْطِيهِ أَصْغَرَ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنْ الْوِلْدَانِ ))
((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهم قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ وَكَانَ ظِئْرًا لإبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلام فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْرِفَانِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهم: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلا نَقُولُ إِلا مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ ))
هناك إنسان توفيت عمته، وتركت له مليوني ليرة، وهو موظف فقير لا يملك شيئًا من الدنيا، طبعاً أطال لحيته، ولبس كرافة، تصنَّع الحزنَ اليوم والأول والثاني والثالث، والكل يقول له: عظَّم الله أجركم، إلا واحدًا قال له: تهانينا، لقد كان واقعيًا.
رفع الصوت بالبكاء وتمزيق الثياب وضرب الوجه نهى عنه النبي الكريم :
الإنسان عندما يبكي على ابنه فهذا شيء طبيعي، وإذا بكى يتهم بعدم الصبر، لا، ليس لها علاقة، فالبكاء رحمة، ولكن رفع الصوت بالبكاء وتمزيق الثياب وضرب الوجه هذا الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام، أما أن تمنع أمًّا أن تبكي على ابنها الذي مات فهو أمر مستحيل.
((عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَرْسَلَتِ ابْنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ فَأْتِنَا فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلامَ وَيَقُولُ إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ قَالَ: حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ كَأَنَّهَا شَنٌّ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ ))
((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمْ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ فِي غَاشِيَةِ أَهْلِهِ فَقَالَ قَدْ قَضَى قَالُوا لا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَوْا فَقَالَ: أَلا تَسْمَعُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلا بِحُزْنِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ أَوْ يَرْحَمُ وَإِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَكَانَ عُمَرُ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ يَضْرِبُ فِيهِ بِالْعَصَا وَيَرْمِي بِالْحِجَارَةِ وَيَحْثِي بِالتُّرَابِ))
ذهب جسر البيت، ما هذا الكلام؟ إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، رجل توفي أخوه، وترك عشرة أولاد، فجعل يبكي، فلما وصل هذا الخبر إلى شيخه استدعاه وقال له: ما لك تبكي؟ قال له: ترك لي شيئًا يكفي لمدة سنة، فقال له: جيد حتى تمضي السنة وتبقى على قيد الحياة، فكان موت هذا الأخ بعد ستة أشهر.
فالإنسان يبكي في الوقت المناسب، أما هؤلاء فليس لهم أحد، فمن يطعمهم؟ هذا كله كلام يعذب الإنسان، أما البكاء فلا شيء عليه.
((عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ، وَقَالَ وَكِيعٌ: قَالَتْ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ قَالَتْ فَرَأَيْتُ دُمُوعَهُ تَسِيلُ عَلَى خَدَّيْهِ يَعْنِي عُثْمَانَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَعَيْنَاهُ تُهْرَاقَانِ أَوْ قَالَ: وَهُوَ يَبْكِي ))
ولما مات عثمان بن مظعون كف النبي صلى الله عليه وسلم الثوب عن وجهه - كشف عنه - وقبّل ما بين عينيه ثم بكى طويلاً، فلما رفع على السرير قال: طوبى لك يا عثمان لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها- كان فقيراً جداً-:
((إِنْ كَانَتِ الأمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ))
الإنسان كلما كان في البيت متواضعًا كلما ارتقى و علا شأنه :
أحياناً الإنسان ابنته الصغيرة في البيت تريد أن تأكل قطعة شوكولا من غرفة الضيوف، تأخذه من يده، وتشير له أنها تريد أن تأكل من هذه، ترى إنسانًا له قيمته، وفي البلد له شأن كبير، وشهادة عليا جرَّته هذه البنت الصغيرة، وعمرها سنة ونصف، والإنسان كلما كان في البيت متواضعًا كلما ارتقى، كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل البيت كأنه واحد من أهل البيت.
آخر شيء:
(( عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ الذِّكْرَ وَيُقِلُّ اللَّغْوَ وَيُطِيلُ الصَّلاةَ وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ وَلا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الأرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ الْحَاجَةَ ))
((عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ فَقَالَ: إِنَّا وَاللَّهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا وَيَغْزُو مَعَنَا وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَإِنَّ نَاسًا يُعْلِمُونِي بِهِ عَسَى أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُهُمْ رَآهُ قَطُّ ))