- الفقه الإسلامي / ٠5العبادات الشعائرية
- /
- ٠3الصلاة
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
إدراك الفريضة :
أيها الأخوة المؤمنون، وصلنا في موضوع الفقه إلى باب إدراك الفريضة، فإذا شرع المصلي في فرض منفرداً فأقيمت الجماعة - ومعنى أقيمت أي كبر إمام الجماعة تكبيرة الإحرام- قطع هذا المصلي صلاته واقتدى إن لم يسجد لما شرع فيه.
أي إذا شرع بصلاة ثنائية وسجد عليه أن يتم الركعة الثانية فإن لم يسجد سلم تسليمتين قائماً وترك صلاته منفرداً، والتحق بالجماعة، فإذا سجد سجدةً في غير الرباعية أتمها بالركعة الثانية، وإذا سجد في رباعية ضمّ ركعة ثانية - أي إذا صلى صلاة ثنائية أتمها ثنائية، وإن شرع في رباعية صلى ركعتين فقط ثم لحق بإمام الجماعة - فالجماعة كصلاة الجنازة، وإن صلى ثلاثاً هو في الركعة الثالثة، وأقيمت صلاة الجماعة عليه لو أنه يصلي صلاة نفل أربع ركعات في الركعة الثالثة أقيمت صلاة الفريضة أتمّ الرابعة واقتدى بالإمام إلا في صلاتين؛ صلاة العصر وصلاة الفجر لأنه لا تنفل بعد أداء الفريضة، فلم يؤثر عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه صلى صلاة نفل بعد أداء الفريضة في صلاتي الفجر والعصر.
ما يترتب على المكلف لإدراك الفريضة مع الإمام :
إن كان في سنة الجمعة فخرج الخطيب ماذا عليه أن يفعل؟ عليه أن يقطع صلاته لأنه إذا صعد الخطيب إلى المنبر لا صلاة ولا كلام، وإن كان في سنة الظهر فأقيمت صلاة الفريضة سلم على رأس ركعتين، كذلك في الجمعة صلى ركعة يتم الثانية، لو كانت أربع ركعات السنة القبلية يصلي ركعتين فقط ويستمع إلى الخطبة، وإذا دخلت إلى المسجد في صلاة الظهر فرأيت الإمام يرفع يديه ويكبر تكبيرة الإحرام وأنت لم تصلِّ السنة بعد فماذا تفعل؟ تقتدي به وتدع السنة، لكن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي ركعات السنة القبلية بعد السنة البعدية، أي إذا دخلت إلى المسجد ورأيت الإمام يرفع يديه ليكبر تكبيرة الإحرام كبر معه، واقتد به، ودع السنة القبلية، فإذا صليت الفريضة والسنة البعدية لا عليك أن تصلي السنة القبلية قضاءً، لكنك إذا دخلت إلى المسجد لتصلي صلاة الفجر، ومن عادة إمام الفجر أنه يطيل في القراءة لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
((رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا))
ولأن ركعتي الفجر أأكد أنواع السنن على الإطلاق فيستحب أن تشرع في ركعتي السنة إذا كنت واثقاً أنك تدرك مع الإمام الصلاة، فقد يقرأ في الصلاة صفحتين أو أكثر وأنت بهذا تصلي ركعتين خفيفتين قبل الفجر، وإن كنت واثقاً أنك تلحق الإمام في الركعة الأولى، فإن غلب ظنك على أنك لن تلحقه دع السنة واقتد بالإمام، لأن صلاة الجماعة أفضل من إدراك السنة، ثم أداء صلاة الفرض منفرداً.
فإذا دخلت إلى المسجد ورأيت الإمام على وشك الركوع ولم يبقَ له إلا آية وأنت لم تصلِّ السنة وأتممت بالإمام وصليت الفرض فالسؤال هل تقضى سنة الفجر؟ الجواب: نعم ولا، لا تقضى قبل طلوع الشمس ولا بعد الزوال، بعد زوال الشمس عن كبد السماء، إنما وقت قضائها المحصور بين طلوع الشمس وإلى ما قبل صلاة الظهر تقضى ركعتا سنة الفجر إذا فاتتك، وقد التحقت بالإمام وضيعت ركعتي السنة.
من أدرك إمامه راكعاً فكبر ووقف حتى رفع الإمام رأسه، فاتتك هذه الركعة فإذا أدركت معه الركوع ولو تسبيحة واحدة فقد أدركت هذه الركعة.
كره خروج الرجل من المسجد إذا سمع الأذان فيه إلا في حالة خاصة نادرة :
وكره خروج الرجل من المسجد إذا سمع الأذان فيه إلا في حالة خاصة نادرة، أي إذا كان هناك جامعان متجاوران فلو فرضنا جامع الحاجبية وجامع النابلسي وأحد مستمعي درس من الدروس الدرس كان يومئذ بين المغرب والعشاء، وهو مؤذن في جامع الحاجبية، أو له درس هناك، أو عليه أن يصلي إماماً هناك، وقال مؤذن هذا المسجد: الله أكبر، له في هذه الحالة الخاصة أن يخرج من المسجد ليلحق صلاة الجماعة هناك، ليصلي إماماً بالجماعة، أو ليؤذن، أو لما شاكل ذلك، لأنه خرج من مسجد إلى مسجد، ومن جماعة إلى جماعة، فليس هناك مكروه، وليس لأحد حق إذا رأى رجلاً خرج من المسجد بعد أن سمع الأذان أن يظن به السوء، ما أدراك أنه ذهب إلى جامع آخر؟؟ فهذا الذي يظن بالناس سوءاً هو سيئ و من أساء الظن بأخيه فكأنما أساء الظن بربه، وأحياناً الإنسان يخرج من المسجد ليلحق مسجداً آخر له درس هناك، وهو سيصلي إماماً في هذا المسجد، أما من دون أن تكون متوجهاً إلى مسجد آخر فلا يجوز أن تخرج من المسجد بعد سماع الأذان في المسجد نفسه، ولكن لو فرضنا - وهذه حالة خاصة - إنساناً مضطراً أن يغادر المسجد عند أذان العصر، ومن عادة هذا المسجد أن الصلاة تقام فيه بعد نصف ساعة، يستطيع هذا المصلي أن يصلي السنة والفريضة منفرداً، ويخرج من المسجد لأمر قاهر، له مريض في مستشفى، عليه موعد مهم جداً، هو لم يخرج حينما سمع الأذان حينما سمع الأذان صلى الفرض وخرج من المسجد لا شيء عليه.
وكره خروجه من مسجد أذن فيه حتى يصلي إلا إذا كان هناك جماعة أخرى، وإن خرج بعد صلاته منفرداً فلا يكره، إلا إذا أقيمت الجماعة أي قام ليخرج فأقيمت الجماعة، فالمغرب بين إقامة الجماعة والأذان خمس دقائق، بينما ينزل فيما مضى المؤذن من المئذنة ليلتحق بالحرم أقيمت الصلاة، صلاة المغرب التي تقام بعد الأذان مباشرةً أو في صلاة العشاء ينبغي له أن يصلي مع الإمام، أما في الصلوات التي كان النبي عليه الصلاة والسلام يؤخرها، أي النبي الكريم كان يؤخر صلاة الفجر حتى تسفر الوجوه أي حتى يعرف المصلي وجوه أخوانه من دون إضاءة، قدروها تقديراً نصف ساعة بعد أذان الفجر، والإمام الشافعي كان يؤثر الصلاة في غلس أي والوقت ظلام، وعلى كلٍّ إذا كنت في مسجد والصلاة تتأخر كثيراً، أي أخ في جامع يوجد عنده سفر، أو التحاق بعمل بوقت مبكر جداً، دخل إلى المسجد فوجد حتى تقام الصلاة نصف ساعة له أن يصلي ويخرج، أما المغرب والعشاء فمادامت الصلاة تقام بعد الأذان مباشرةً يكره له أن يخرج من هذا المسجد حتى يصلي الجماعة مع الإمام.
الابتعاد عن الجلبة و الضجيج في المسجد :
هذا ما يتعلق في إدراك الفريضة، يوجد شيء فاتني أن أقوله لكم هو أن المرء إذا دخل المسجد ورأى الإمام راكعاً فليس له الحق أن يركض في المسجد، ويحدث جلبةً وضجيجاً، ويشوش على المصلين بحركة عنيفة في الجامع قد تثير حفيظة المصلين جميعاً، فماذا حدث يا ترى هل أحد وقع؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما رأى رجلاً يركض في المسجد ويحدث جلبةً وضجيجياً:
((عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ))
وذلك منتهى الرقة حتى إن علماء الاجتماع قالوا: "إذا أردت أن تنتقد من هو دونك في العمل فلابد من أن تمهد له بالثناء على خلق موجود فيه ثم توجه النقد كان هذا بذاك وتلك بهذا وخف عليه حدة النقد"، فالنبي الكريم قال لهذا الرجل: زادك الله حرصاً أي أثنى على حرصه ولكن هذا الركض في المسجد لا يجوز فقال: ولا تعد.
أداء السنن في البيت شيء مستحب :
يستحب أن تؤدى صلاة سنة الفجر في البيت هكذا ورد معي في شرح هذه الكتاب، أي تستيقظ في البيت وقد سمعت أذان الفجر تصلي ركعتي السنة في البيت، ثم تتوجه إلى المسجد فتؤدي ركعتي تحية المسجد، ثم تصلي الفرض فتصلي السنة في البيت والفرض في المسجد، لأن النبي الكريم قال مرةً:
((لا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا وَلا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي ))
ولو كان المكان للنوم أو للطعام فصلِّ في هذا البيت، صلِّ السنة البعدية في البيت، يوم الجمعة صليت الفرض فيمكن أن تتوجه إلى البيت وتصلي في البيت السنة البعدية، وأن تصلي فرض العشاء في المسجد وتؤخر الوتر إلى ما قبل النوم، وهناك أشخاص يحبون أن يصلوا الوتر قبل أن يناموا، صلى العشاء في وقته وترك الوتر إلى ما قبل النوم، ويحب أن ينام على طهارة.
المتنفل لا يؤم المفترض بل يصلي معه :
أنت كنت في المسجد وصليت الظهر حاضراً، وأنت مدعو إلى الغداء الساعة الثانية مثلاً وهناك جماعة غير مصلين، أقيمت الجماعة في هذا البيت، وأنت قد صليت الفرض، فيستحب أن تصلي معهم، وتقتدي بهم، تحسب لك هذه الصلاة نفلاً، لكنك إذا كنت قد صليت الظهر فرضاً ثم ذهبت إلى البيت فأقيمت صلاة الظهر فليس لك الحق أن تصلي فيهم إماماً لأن المتنفل لا يؤم المفترض فتصلي معهم.
وبعض العلماء حاول أن يستنبط حكمة صلاة السنة القبلية والبعدية فإذا الإنسان حافظ عليهما قطع طمع الشيطان في نهيه عن الصلاة، فماذا يقول الشيطان إذا كان الإنسان محافظاً على السنن فمن باب أولى أنه يحافظ على الفرض، لكن الشيطان يرى إنساناً قد تهاون بالسنن فيطمع أن يحمله على تهاونه في الفرض، ومن لم يطعني في ترك ما لم يكتب عليه فكيف يطيعني في ترك ما كتب عليه.
أحياناً الإنسان يدخل إلى المسجد فيرى الإمام قد ركع وقال: سمع الله لمن حمده، فيقول: لماذا أنزل معهم وأسجد؟ ذهبت الركعة، قال: هذا مكروه، فإذا رأيت الإمام ساجداً فاسجد معه فوراً، يقول: أوفر أول نزلة وثاني سجود وسجود ثم وقوف، لا، إذا دخلت إلى المسجد ورأيت الإمام ساجداً كبر واسجد هكذا السنة.
النبي عليه الصلاة والسلام يحثنا على أداء السنن في البيت :
آخر شيء يقول عليه الصلاة والسلام:
((صَلاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إِلا الْمَكْتُوبَةَ))
غير معقول هذا الكلام، و كأن النبي عليه الصلاة والسلام يحثنا على أداء السنن في البيت أمام الزوجة صليت السنة، عدت إلى البيت فصليت الوتر، فالابن شاهدك تصلي، صارت الصلاة سلوكاً مألوفاً في هذا البيت.
((عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ ))
((صَلاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ بِصَلاةٍ وَصَلاتُهُ فِي مَسْجِدِ الْقَبَائِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلاةً وَصَلاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُجَمَّعُ فِيهِ بِخَمْسِ مِائَةِ صَلاةٍ وَصَلاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الأَقْصَى بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلاةٍ وَصَلاتُهُ فِي مَسْجِدِي بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلاةٍ وَصَلاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ))
جميع مساجد الأرض متساوية بالأجر و الثواب عدا المسجد الحرام والنبوي والأقصى :
الحقيقة قال عليه الصلاة والسلام:
((لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الأَقْصَى))
فأي إنسان يتوجه من حلب إلى دمشق ليؤدي الصلاة في المسجد الأموي الكبير فالمسجد الأموي بحلب كالأموي بدمشق، وجميع مساجد الأرض متساوية عدا المسجد الحرام والنبوي والمسجد الأقصى، وما سوى هذه المساجد كلها متساوية بالثواب والأجر، فكلها مساجد لا فضل لواحد على غيره إلا إذا توجهت إلى الديار المقدسة مع أن الله في كل مكان وهذه حقيقة ثابتة لكنه جعل تجليه على البيت الحرام تجلياً مكثفاً ومركزاً، فمن ذهب إلى هناك وتجشم مشاق السفر، وأنفق ماله، فلابد من أن يشعر بشعور خاص وهو يصلي في هذه المساجد، قال تعالى:
﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾
كأن الإنسان حينما يتوجه إلى الله عز وجل فالله ليس له مكان، لكنه جعل هذا البيت بيته، وخصه بتجلٍّ خاص، فكل من ذهب إلى هذا البيت لابد من أن يشعر أن فيه تجلياً ليس في سواه.
والنبي صلى الله عليه في طريقه إلى الهجرة قال كلمة تترك أثرها في النفس قال: يا رب إني قد خرجت من أحب البلاد إليّ فأدخلني أحب البلاد إليك، أي خرج من مكة وهي أحب البلاد إليه وتوجه إلى مكان رجا الله عز وجل أن يكون أحب الأمكنة إليه لذلك قالوا: أحب الأمكنة إلى الله عز وجل المسجد النبوي الشريف، إذا الإنسان دخل إلى هذه الروضة فلابد من أن يشعر أنه في روضة، و تقول: إنها أجمل مكان في العالم، وتكون لست مبالغاً، و تجلس الساعات الطويلة لا تمل من الظهر إلى العصر، ومن العصر إلى المغرب، ومن المغرب إلى العشاء، والقرآن فيه طعم خاص، والصلاة فيها طعم خاص، و أنوار النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قلت إن أنوار النبي صلى الله عليه واصلة إلى أنحاء المسجد، بل إلى أنحاء المدينة المنورة، تحس بالسكينة في هذه المدينة، فهناك هدوء و معاملة لطيفة، و قلّما تشعر صياحاً في الأسواق، وهذه سكينة المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾
* * *
آداب الطعام و الشراب :
والآن إلى بعض الفصول المختارة من إحياء علوم الدين، ولازلنا في موضوع آداب الطعام والشراب، طبعاً الطعام والشراب طعام المؤمنين كما قال الإمام: "الطعام من الدين".
تحدثنا من قبل عن آداب الطعام والشراب منفرداً في الآداب قبل الطعام، وفي الآداب أثناء الطعام، وفي الآداب بعد الطعام.
آداب الطعام المتعلقة بالجماعة :
1 ـ ألا يبتدئ الرجل بالطعام ومعه من يستحق التقديم عليه :
الآن لو أن جماعة جلسوا على مائدة ليأكلوا فهناك آداب خاصة تتعلق بالجماعة أول هذه الآداب: ألا يبتدئ الرجل بالطعام ومعه من يستحق التقديم عليه - جلس وبدأ يأكل ويوجد أعلى منه، فحتى يبدأ الكبير هناك مقامات - وقد يكون هناك إنسان له فضل اجتماعي، وقد يكون إنسان له فضل ديني، فلا يحق للآكل مع جماعة أن يمد يده إلى الطعام قبل أن يمد أوجه الناس على هذه المائدة فهذه من السنة، طبعاً هذا الذي يستحق أن يبدأ الطعام قد يكون لكبر سنه، أو لزيادة فضله، إلا أن يكون هو المتبوع، هو أكبر واحد سناً، أو أرفعهم شأناً يبدأ هو، لكن عليه أن يبدأ - أحياناً يكون الطعام موضوعاً وهو يتكلم والحديث ممتع وهو مسترسل وهناك أناس جائعون - فصار إحراج، وهذا الذي يسمى متبوعاً في الطعام هو أعلى شأناً ليس له الحق أن يتأخر عن الطعام بل يجب أن يبدأ، وأحياناً يحدث العكس تذهب إلى إنسان فيضع لك الضيافة ولا يقول لك: تفضل، وضعت الفاكهة أو أي شيء ربع ساعة، نصف ساعة وليس من المعقول أن يمد الضيف يده ويريد أن يذهب أيضاً هذا خطأ، وضعت الطعام للضيف ادعه إلى تناوله، فليس لك الحق إذا ضيفت إنساناً أن تضع الطعام وتبقى ساكتاً، وليس لكبير القوم الحق في أن يتحدث والطعام موضوع وهناك طفل يشتهي أن يأكل.
2 ـ عدم السكوت على الطعام :
الثاني: ألا يسكتوا على الطعام، السكوت ليس من السنة:
لقد رأيت عجباً مذ أمسـا عـجائزاً مثل السـعالي خمسا
يأكلن ما في رحلهن همسا لا ترك الله لهن ضــــرسا
ولا لقين الدهر إلا تعــــــسا
***
تناول الطعام مع السكوت ليس من السنة لماذا؟ الإنسان يعمل تسابقاً في الأكل، يمضغ مضغاً سريعاً ويكبر اللقمة، ويتنافس مع أخيه في الأكل، وهذا ليس من السنة، أما إذا وجد حديث ممتع فصار اعتدال في الطعام، ومضغ جيد، وبركة، والمائدة مناسبة للحديث الطيب، وطبيعة حياتنا المعقدة قد لا يلتقي الأب بابنه إطلاقاً، وكل واحد مشغول فصارت المائدة مناسبة بشكل إجباري، لقد جلست مع الأسرة للعشاء فحدثهم، اجعل الحديث هو الأساس ولو امتد الطعام ساعة لا يوجد مانع إنه سنة ولو أطلنا، كُلْ أكل الجمال وقم قبل الرجال، أهذه آية أم حديث؟ لا ليست آية و لا حديثاً، اجلس جلسة مريحة، وكُلْ على مهلك، وتكلم مع ابنك، وزوجتك، واسألهم وداعبهم في الكلام، تحصل بركة أكثر، وليس من السنة السكوت عند الطعام، وهناك أناس جالسون يأكلون أكل الوحوش، فقال له أحدهم: هل يوجد آية قرآنية مناسبة؟ فقال له: وإذا الوحوش حشرت.
3 ـ الرفق برفيقه في القصعة :
الأدب الثالث: أن يرفق برفيقه في القصعة، قال لي رجل: ذهبت إلى الخدمة الإلزامية فجلسنا على الطعام ستة على طاولة في كلية ضباط الاحتياط، فكل واحد أخذ قطعة لحم وما تركوا لي شيئاً إطلاقاً، أهؤلاء مسلمون؟ هذا لا يجوز، قال: أن يرفق برفيقه بالقصعة، ينتبه هل أكل اللحم بمفرده؟ هل أخذ زبدة الصحن بمفرده؟ ينتبه، أن يرفق برفيقه في القصعة فلا يقصد أن يأكل زيادةً على ما يأكل، وأحياناً يكون هناك لحم فيأكلون قطعة قطعة، وهو وضع اثنتين اثنتين، لا مع المجموع قطعة قطعة، وأحياناً يأكلون نصف قطعة بشكل معتدل فيجب أن تأكل بنفس المعدل كزملائك، فإن ذلك حرام، بل يجب أن يقصد الإيثار، أي إذا قدمت قطعة لحم للآكل معك لابنك، لزوجتك، فهذا من السنة، أي إذا دفع قطعة اللحم لزوجته فهذه حسنة يستحق عليها الثواب، وقد تكون تفاحة لها خد أحمر فأعطاها لابنه فيحصل مودة، وأحياناً الابن يؤثر أباه في التفاحة الجيدة، أي بين أن يكون أثرة وبين أن يكون مؤاثرة مسافة كبيرة جداً، أي بين أن يأخذ أطيب شيء له وبين أن يكون الأساس في الأدب الإسلامي كل أخ يقدم لأخيه أفضل الطعام.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه في غزوة فيبدو أنهم أطالوا وآلمهم الجوع ولم يكن معهم الزاد الكافي، فجاء بعض الأصحاب للخيمة برغيفين خبز يابسين....
قال: ينبغي أن يقصد الإيثار، ولا يأكل تمرتين في دفعة إلا إذا فعلوا ذلك، ولكن إذا أحدهم قال لك: كُلْ و دعاك فقد تكون أول مرة مجاملة، والثانية مجاملة، أما الثالثة فليست مجاملة له بل رغبة سابقة، يقدم لك في الثالثة فكل ولا يوجد مانع، وإذا كنت جالساً مع أخيك على الطعام وآثرك بشيء من الطعام، فقد يكون آثرك مرة واحدة فأنت لا تأكلها فوراً أما الثالثة فكلها هكذا النبي علمنا.
4 ـ لا يزيد في قوله كُلْ على ثلاث :
ولا يزيد في قوله كُلْ على ثلاث فإن في هذا إلحاحاً، وكان عليه الصلاة والسلام إذا خوطب في شيء ثلاثاً لم يراجع، وإنسان دعاك ثلاث مرات فمعنى هذا دعوة حقيقية، ويوجد دعوة رفع عتب شكلية، فقد كنت مرة راكباً في سيارة عامة -باص كبير- يظهر وجد صديق لهذا السائق فقال له: تفضل، فقال له: شكراً، فقال له: والله تفضل واشرب فنجان قهوة، و في الباص خمسون راكباً، فهذه ليست دعوة جادة.
وكان عليه الصلاة والسلام إذا خوطب في شيء ثلاثاً لم يراجع، وكان عليه الصلاة والسلام يكرر الكلام ثلاثاً من الأدب، أي إذا أحبّ أن يدعوك ومن أجل تتأكد أنه صادق في هذه الدعوة أول مرة وثاني مرة وثالث مرة، إذا خوطب في أمر ثلاث مرات لم يراجع، ولولا التشهد لكانت لاؤه نعم، مما أثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه ما طلب إليه شيء فقال: لا.
5 ـ عدم الحلف بالأكل :
أما الحلف بالأكل فممنوع، والله العظيم أن تأكل هذه اليقطينة هذه تطرح جملاً، قال: أما الحلف بالأكل فممنوع، قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: "الطعام أهون من أن يحلف عليه"، لا يحرز أن تحلف يميناً معظماً ليأكل لقمة زيادة، شبع وانتهى أكل عنباً فلن يأكل تفاحاً، و لا يوجد رغبة عنده بهذا، أيمان معظمة على الطعام هذا لا يجوز، رجل قال لي كلمة: إذا إنسان دعاني إلى طعام فهل آكل؟ إذا كان بخيلاً لا يعيدها وإذا كان كريماً يفرح، دعاك ودعاك فالبطن لا يتحمل منيتين تتغذى في البيت مرة ثانية؟ كُلْ، ولكن يوجد أناس يتصنعون فقل: لا أستطيع، ليس بنفسي، ويكون ميتاً من جوعه هذا ليس من السنة.
قالت: يا رسول الله إذا قالت إحدانا الطعام لا أشتهيه وهي تشتهيه أيعد هذا كذباً؟ قال: نعم.
إذا دعاك إلى أكل قلّما تأكل، لماذا هذا الترفع على الطعام؟ قال أنس بن مالك: "إذا أكرمك أخوك..." أي أحب أن يقدم لك المنشفة، يوجد شخص لا يرضى وأنت ضيف وهو صاحب البيت.
6 ـ عدم استخدام الضيف :
و من آداب الضيافة أن يكون المضيف في خدمة ضيفه، ومن اللؤم في الإنسان أن يستخدم ضيفه، حتى إن القصة المشهورة عمرو بن كلثوم الذي دعاه النعمان وقالت أمه لأمه يا ليلى ناوليني هذه الحاجة؟ فصاحت الأم أن يا للعار فقد أهنا.
ومن اللؤم بالمرء أن يستخدم ضيفه، وإني لعبد الضيف مازال ثاوياً، فقال أنس بن مالك رضي الله عنه: "إذا أكرمك أخوك فاقبل كرامته ولا تردها".
أعطاك وسادة خذها لا ترد الوسادة، أحب أن يعطرك اقبل العطر، إذا أكرمك أخوك فاقبل كرامته ولا تردها، ومن أكرم أخاه المؤمن فكأنما يكرم الله عز وجل.
وروي أن هارون الرشيد دعا أبا معاوية الضرير وكان مؤدب أولاده، فصب الرشيد على يديه الماء، فلما فرغ قال يا أبا معاوية أتدري من صب على يديك؟ قال: لا، قال: صبه أمير المؤمنين فقال: يا أمير المؤمنين إنما أكرمت العلم وأجللته فأجلك الله وأكرمك كما أجللت العلم وأهله.
7 ـ ألا ينظر إلى أصحابه في أثناء طعامهم :
الأدب الآخر: ألا ينظر إلى أصحابه في أثناء طعامهم، فالنظر إلى الآكلين لا يجوز، يتحدث وينظر إلى وجوههم، أما أن ينظر إلى أيديهم فيربكهم، ألا ينظر إلى أصحابه وألا يراقب أهلهم فيستحيون بل يغض بصره عنهم، ويشتغل بنفسه، ولا يمسك عن الطعام قبل إخوانه إذا كانوا يحتشمون الأكل بعده، وأحياناً الإنسان يكون له مقام كبير يترك الطعام بوقت مبكر، و له تلاميذ فخجلوا أن يأكلوا بمفردهم، فعليه أن يراعي الجائعين، والضعفاء، فإذا كان من حولك يحتشمون وأنت أيضاً مدعو، لو كنت صاحب البيت لا يجوز أن تترك الطعام ولا يجوز أن ترفع يدك عن الطعام، ولذلك من السنة أن الإنسان في الولائم يأكل ببطء شديد، ويصغر اللقمة كثيراً حتى لا يحرج أحداً، بل يمد يده ويقبضها ويتناول قليلاً قليلاً إلى أن يستوفوا جميعاً الطعام.
فإن كان قليل الأكل قد عمل لنفسه نظاماً دقيقاً ولا يريد أن يكثر الأكل فماذا يفعل؟ قال: يدعهم يأكلون في أول الزمن ويبدأ بمنتصف الوقت على مهله، فالوجبة القليلة أكلها بالفترة الأخيرة التي فيها إحراج، حتى إذا توسعوا في الطعام أكل معهم أخيراً، وقد فعل ذلك كثير من الصحابة رضي الله عنهم.
أما إذا امتنع لسبب أن هذا الطعام لا يناسبه فاعتذر، فاعتذاره يخفف الحرج عن البقية، مثلاً هذه الأكلة هو ممنوع عنها، ويقول: أنا لا أريد أن أتعشى فلو اعتذر اعتذاراً صريحاً فهذا يخفف عن الباقين.
8 ـ ألا يفعل ما يستقذره غيره :
قال: ألا يفعل ما يستقذره غيره، إنسان نفض يده في القصعة ووضع رأسه وهو يشرب المرقة فنزل من فمه شيء إلى القصعة فلا يجوز أن يقدم فمه إلى القصعة المشتركة.
9 ـ ألا يمسك الطعام باليد اليسرى :
ولا يمسك الطعام باليد اليسرى فاليد اليمنى لها مهمة وهذه لها مهمة، حتى أن أحد الصحابة رضي الله عنه قد يكون سيدنا عثمان قال: منذ أن صافحت رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه اليد ما مست عورتي أبداً، فهذه اليد التي صافحت النبي الكريم صانها أن تمس عورة اليد اليمين وهذا منتهى الأدب.
وإذا رجل أخذ خبزة وقطعها بأسنانه و بعد هذا يأكل فولاً يغمسها بمرقة الفول فهذا لا يجوز - لأنه قطعها بأسنانه فمست شيئاً من ريقه، فإذا أحب أن يأكل فول فغمسها بالخل وقال هذا أطيب - فغيرك يراقبك وتتضايق منه وهذه كلها آداب الطعام المشترك.
10 ـ ألا يتحدث عن موضوعات تثير القرف أثناء الطعام :
وبعد هذا ليس له حق أن يتحدث عن موضوعات تثير القرف أثناء الطعام، كأن يقول: وجدنا جرذاً فصدناه أثناء الطعام فأذهبت له شهوته في الطعام، وأيضاً هذه مذكورة في آداب الطعام.
* * *
شمائل النبي عليه الصلاة والسلام :
1 ـ تفقده صلى الله عليه وسلم أصحابه في الليل واستماعه إلى قراءتهم :
والآن إلى شمائل النبي عليه الصلاة والسلام، تفقده صلى الله عليه وسلم أصحابه في الليل واستماعه إلى قراءتهم:
((عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لَيْلَةً فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ رَضِي اللَّه عَنْه يُصَلِّي ويَخْفِضُ مِنْ صَوْتِهِ قَالَ وَمَرَّ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ يُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَهُ قَالَ: فَلَمَّا اجْتَمَعَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي تَخْفِضُ صَوْتَكَ، قَالَ: قَدْ أَسْمَعْتُ مَنْ نَاجَيْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَقَالَ: لِعُمَرَ مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَكَ، قَالَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوقِظُ الْـوَسْنَانَ وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ زَادَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا بَكْرٍ ارْفَعْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا وَقَالَ لِعُمَرَ اخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا ))
وفي رواية لأبي داود:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ لَمْ يَذْكُرْ فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ ارْفَعْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا وَلِعُمَرَ اخْفِضْ شَيْئًا زَادَ وَقَدْ سَمِعْتُكَ يَا بِلالُ وَأَنْتَ تَقْرَأُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَمِنْ هَذِهِ السُّورَةِ قَالَ كَلامٌ طَيِّبٌ يَجْمَعُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّكُمْ قَدْ أَصَابَ ))
أي أخذ بوجهة نظر أصحابه، فهذا صوته مصيب يسمع من يناجي سيدنا عمر رفع صوته فيوقظ الوسنان، وسيدنا بلال أخذ مقاطع متنوعة يجمع الطيب إلى الطيب، قال: كلكم قد أصاب، أي هذا من عنايته صلى الله عليه وسلم بأصحابه.
(( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: أَلا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ قَالَ فِي الصَّلاةِ ))
آلمني بالعمرة أنه أثناء الطواف أو أثناء السعي رافع صوته إلى أعلى درجة، لا يدع أحداً يدعو، فصوته طاغ على كل شيء، أنا بين الصفا والمروة رأيت حاجاً مع أربعة من رفاقه معه كتب ومن أعلى طبقة ويدعو فسرت خلفهم ودعوت معهم لا يوجد طريقة ثانية.
ليس للإنسان حق أن يشوش على أخيه في الدعاء فيجب أن يخفض صوته مثلاً، دخلنا لنصلي في الجامع والدرس مستمر فهل نصلي جماعة ونرفع صوتنا؟ والله لا يجوز، بل هو خلاف السنة، والمقتدي وراءك يسمع هو فقط، أما بصوت مرتفع فتشوش على الآخرين وأحياناًً إنسان يصلي و يقول: الله أكبر بصوت مرتفع فهذا لا يجوز بل يجب أن يكون سرياً، ولا أدري هل يعدها ورعاً؟ و هذا ليس له علاقة بالدين بل هذا تشويش، تريد أن تصلي بأدب فطالما يوجد أخ معك يصلي فيجب أن تراعي شعوره، وما لاحظت هذا الشيء بالديار المقدسة أبداً، بل كل إنسان يدعو بمفرده بصوت مرتفع حتى النساء يرددن وراء أزواجهم بصوت مرتفع، وصوت المرأة عورة، ولا يوجد فقه، فقد قيل: "تفقهوا قبل أن تحجوا".
وهذا الذي يريد أن يزاحم على الحجر الأسود يؤدي إلى إيذاء، وأنا شبهتها أب حوله خمسة أولاد فجاء ابن مسك أول أخ و ضربه فطرحه أرضاً، والثاني ضربه على بطنه، والثالث على وجهه، ومن ثم هات يدك يا والدي كي أقبلها، فما هذه القبلة؟ هذا أيضاً جهل قبيح، وهذا الشيء منهي عنه، قال: ف
((لا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفعن بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة))
2 ـ التواضع :
وكان عليه الصلاة والسلام عظيم التواضع.
فانظر إلى الأكحال وهي حجارة لانت فصار مقرها في الأعين
***
المتواضع يزداد من الناس رفعةً، والمتكبر يزداد ضعفاً، والبطولة ما يقوله الناس في غيبتك لا في حضرتك، فقد تكون قوياً فيخافونك في حضورك، فيجب أن تمدح في غيبتك، فمن علامة التواضع أن يمدحك الناس في غيبتك.
كان من تواضعه صلى الله عليه وسلم بالمناسبة يوجد ثلاثة أحاديث قال عليه الصلاة والسلام:
(( وبرئ من الكبر من حمل حاجته بيده ))
تحمل كيس بندورة إلى بيتك فلست متكبراً، و تحمل الخبز، وحقيبة فيها الخضار، و طعاماً لأولادك ومن قال: إنك متكبر فقد أخطأ، لأنه كبر عن الكبر من حمل حاجته بيده.
وإنسان أدى زكاة ماله، فمادام قد أدى زكاة ماله فلا يجوز أن ينعت بالبخل، هو حر، رغب أن يؤمن بيتاً لأولاده ولا يرد هذه الألبسة الفارغة، كل ثوب ثمنه ثمانمئة ليرة:
(( برئ من الشح من أدى زكاة ماله ))
(( وبرئ من الكبر من حمل حاجته بيده ))
(( من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق ))
أينما جلس يتكلم عن الله عز وجل أخي هذا منافق، كيف منافق؟ المنافق له صفة، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾
لا يذكر الله إلا قليلاً، أما إذا أكثر حديثه عن الله عز وجل فهو ليس منافقاً.
3 ـ يخدم نفسه بنفسه :
وكان من تواضعه صلى الله عليه وسلم أن يخدم نفسه بنفسه، و سيدنا رسول الله وهو قمة في العلم والرفعة والخلق خدم أصحاب النجاشي بنفسه، أصر على خدمتهم بنفسه، قالت عائشة رضي الله عنها:
(( عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ: كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ ))
فالآن كم مشكلة تقع من أجل خياطة رز؟ قلت لكم مرتين وأنت زوجة مهملة، أنت ... ترى طردها إلى بيت أهلها والأولاد من أجل زر وأدبها بخياطته، إذا أخاطه أمامها تخجل لأن عندها إحساساً، فعوضاً عن أن تعنفها وتطردها إلى بين أهلها من أجل هذا الزر، ابق عندك إبرة وخيطاً فإذا لم يستجيبوا لك فأخطه بمفردك.
ويرقع دلوه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه، أنا أستكبر من إنسان يقول: تعال واخدمني، فمن أنت؟ لا يوجد أعظم من رسول الله، قال: عليّ ذبح الشاة، وقال الثاني: عليّ سلخها، وقال آخر: وعليّ طبخها، فقال عليه الصلاة والسلام: وعليّ جمع الحطب، فقال الصحابة الكرام: نكفيك ذلك، قال: أعرف أنكم تكفوني ذلك ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه.
وفي الحرب في معركة بدر ثلاثمئة جمل لتسعمئة مقاتل من الصحابة أمر كل ثلاثة على راحلة وقال: أنا وعلي وأبو لبابة على جمل، ركب النبي الكريم وجاء دور أصحابه فخجلوا أن يركبوا وقالوا: ابق راكباً، فقال: ما أنتم بأقوى مني على السير ولا أنا بأغنى منكم على الأجر، هكذا النبي الكريم.
4 ـ يركب الحمار ولا يخص نفسه بركوب الخيل :
ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه كان يركب الحمار ولا يخص نفسه بركوب الخيل كما هي عادة الملوك والأمراء، إنسان له مكانة رفيعة يريد أن ينقل شيئاً إلى بيته فوجد شاحنة صغيرة و ركب بجانب السائق، فيقول: نقص قدري؟ لا بل قدرك يبقى هو هو، فالإنسان لا يتكبر، اجلس يا أستاذ على الصندوق فجلس، فالكبر لله عز وجل.
5 ـ يعود المرضى ويشهد الجنائز ويجيب دعوة العبد :
وكان عليه الصلاة والسلام يعود المرضى، ويشهد الجنائز، ويجيب دعوة العبد.
6 ـ يردف بعض أصحابه على دابته :
ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه كان يردف بعض أصحابه على دابته، وما كان يأنف من إنسان أن يركب معه بمفرده، وكان يردف صبيان أصحابه وراءه، فإذا كان لصحابي ابن كان يركبه والطفل يحب أن يركب الدابة.
((عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلا أَخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ ابْنَ جَبَلٍ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لا يُعَذِّبَهُمْ ))
وبما أنهم عبدوه فلا يعذبهم، فإذا كنت مستقيماً استقامة تامة اكتسبت حقاً على الله عز وجل، ألم يقل رجل لأبي الدرداء: احترق حانوتك تعال وانظر، بكل أعصاب باردة قال: ما كان الله ليفعل، فقال له: احترق، فقال: ما كان الله ليفعل، جاء رجل قال له: لا لم يحترق حانوتك بل حانوت جارك الذي احترق، قال: أعرف ذلك.
للعبد حق على الله عز وجل، أنت تغض بصرك، وتدفع زكاة مالك، وتحرر دخلك من الحرام، وتخاف من الله عز وجل وليس لك ميزة؟ وحق على الله ألا يعذبك، لي صديق مؤمن استيقظ صباحاً وجد ابنته مشلولة، والزوجة صرخت، قال كلمة مشابهة لهذا الكلام: الله عز وجل لم يفعل هذا إذاً يوجد مرض مشابه جداً للشلل، بعد عدة أيام تشفى، وفعلاً بعد ستة أيام شفيت، إنه واثق أنه لا يستحق هذه المصيبة الكبيرة، بنت في البيت مشلولة وصغيرة لا يستحق هذا، اعرف ذلك، فإذا أنت استقمت على أمر الله تماماً تشعر أنك بعين الله، يمكن لا يوجد آية تثير مشاعر الإنسان كقوله تعالى:
﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾
إذا طفل محبب وعمره خمس سنوات وهو جالس في الغرفة فراقب أمه كيف تحرسه فلا ترفع عينها عنه أبداً، مهما سار من مكان إلى مكان، وهذا دليل المحبة، إذا إنسان أخلاقه عالية جداً، ومتواضع، و محب لله، ويؤدي الصلاة بإتقان، ويدفع من ماله الحلال للفقراء والمساكين، وهو في خدمة الخلق، إنه جندي من جند الحق، والله عز وجل يحبه كثيراً، فإنك بأعيننا، فأنت جندي من جنود الله، والله يدافع عنك، ولك رعاية خاصة تحت المظلة:
((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ))