- الفقه الإسلامي / ٠5العبادات الشعائرية
- /
- ٠3الصلاة
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
قضاء الفوائت :
أيها الأخوة المؤمنون، موضوع الفقه اليوم: "باب قضاء الفوائت"، والقضاء لغةً الحكم، ولكن شرعاً إسقاط الواجب بمثل ما عنده، أي عليك فرض صلاة فاتتك إذا صليتها بعد أن تذكرتها فقد قضيتها، فالعبادات تؤدى أداءً وقضاءً، إن صمت رمضان في رمضان فهذه عبادة أديتها أداءً، وإن كنت مريضاً، أو على سفر، وصمت أياماً أخر في وقت آخر، فهذه العبادة أديتها قضاءً، إما أن تؤدى العبادة أداءً أي في وقتها، وإما أن تؤدى قضاءً لعذر في غير وقتها.
فالترتيب بين الفائتة والوقتية وبين الفوائت مستحق، أي فاتتك صلاة الظهر وأذن العصر الترتيب بين الفائتة والوقتية مستحق أي عليك أن تصلي الظهر أولاً ثم العصر ثانياً، وبين الفوائت لو أنه فاتك عدة صلوات لأمر قاهر تصلي الصلوات التي فاتتك وفق ترتيبها الطبيعي الظهر فالعصر فالمغرب فالعشاء، وليس لك أن تصلي العشاء أولاً وهو أحدثها فالمغرب فالعصر، بل يجب أن ترتب الفائتة والوقتية وأن تراعي الترتيب فيما بين الفوائت.
شروط إسقاط الترتيب :
ولكن متى يسقط الترتيب؟ في ثلاث حالات؛ في ضيق الوقت المستحب، أي لو أنه بقي لاصفرار الشمس وقت قليل لا يتسع لصلاة الظهر الفائت والعصر الوقتي يجب أن تبدأ بالعصر، لأن صلاة العصر فيها وقت مستحب، وفيها وقت مكروه، وإذا بقي لدخول الوقت المكروه أمد قصير لا يسمح لك لصلاة الظهر أولاً ثم صلاة العصر ثانياً، يجب أن تبدأ بالعصر لأن العلماء قالوا كلاماً لطيفاً: ليس من الحكمة إضاعة الموجود في طلب المفقود، و الآن معك وقت صحيح لأداء صلاة العصر، أضعت الوقت الصحيح المستحب لصلاة فائتة فاتتك، فلما جاء الوقت المستحب انتهى الوقت المستحب ودخل الوقت المكروه، إذاً ليس من الحكمة إضاعة الموجود في طلب المفقود، ومن نام عن صلاة فنسيها فلم يذكرها إلا وهو يصلي مع الإمام فليصل التي هو فيها ثم ليقض التي تذكرها.
فأول سبب يوجب إسقاط الترتيب ضيق الوقت المستحب، ودخولك في وقت مكروه، فابدأ في الوقتية ثم صلِّ الفائتة.
والنسيان؛ لو أن صلاة الظهر فاتتك ولم تذكر أنها فاتتك وشرعت في صلاة العصر فأنت بهذا لم تراعِ الترتيب، ولكن صلاة العصر صحيحة لأنك لم تتذكر الصلاة التي فاتتك، فنسيان الصلاة الفائتة يسقط مراعاة الترتيب بين الفائتة والوقتية، أما العبرة في موضوع ضيق الوقت فعند الشروع لا عند الانتهاء، فيجب أن تحسب إذا بدأت في صلاة العصر يجوز ألا يبقى وقت لنهاية العصر، فيجب أن تراعي إذا صليت الظهر ودخل الوقت المكروه أن العبرة في نهاية الصلاة لا في بدئها.
شرط سقوط مراعاة الترتيب بين الوقتية والفائقة :
ولكن العلماء قالوا: إذا صارت الفوائت ستاً فما فوق فعندئذٍ يسقط مراعاة الترتيب، وهذا في الفوائد القليلة، أي لأمر قاهر مثل عملية جراحية، أو حريق نشب، أو شيء فوق طاقة الإنسان، فاته مجموعة صلوات، فيجب أن تكون هذه الصلوات دون الست حتى تراعي ترتيبها مع الوقتية، فإذا تجاوزت الفرائض الست فعندئذ يسقط مراعاة الترتيب بين الوقتية والفائقة، ولكن الشيء العجيب أن الإنسان ينسى أنه صلى أم لم يصلِّ، وقد رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، ولكن إذا نسي أنه صلى أم لم يصلِّ فهذه إشارة خطيرة إلى أن الصلاة عنده لا شأن لها، و نسيان أنك صليت أم لم تصلِّ هو نسيان ولن تحاسب علي،ه لكنه يعلن عن شيء، يعلن عن أن الصلاة في هامش حياتك وليست في صلب حياتك، والمؤمن الصادق ينتظر الصلاة إذا نادى المنادي يلبي النداء، حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح، ومن علامات المؤمن الصادق أنه لا تفوته الصلاة ولا ينساها، ولكن إذا نسيها فهذا هو الحكم، وسوف ننتقل في درس قادم إن شاء الله تعالى إلى باب إدراك الفريضة.
* * *
آداب المؤمن المسلم في أثناء الطعام والشراب :
1 ـ أن يبدأ بالتسمية :
والآن إلى متابعة آداب الطعام والشراب كما وردت في إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، وسوف ترون كيف أن الطعام من الدين، فإذا كان الطعام بنية التقوي على العلم والعمل اللذين هما قِوام حياة الإنسان في الدنيا والآخرة فسوف تعلمون كيف أن الطعام من الدين بشرط الأخذ بهذه الآداب، وقد تحدثنا في الدرس الماضي عن الآداب التي ينبغي لها أن تسبق الطعام والشراب واليوم نتحدث عن آداب المؤمن المسلم في أثناء الطعام والشراب.
قال الإمام الغزالي: ينبغي أن يبدأ باسم الله في أوله، فاسم الله قبل الطعام ماذا يعني؟ يعني شيئين، الأول: أن هذا الذي تأكله من نعم الله، والثاني يجب أن تأكله وفق سنة النبي عليه الصلاة والسلام التي هي تفصيل لشرع الله، فإذا بسمل العبد قبل كل عمل فمعنى ذلك أنه انتبه إلى أمر الله، وراعى أمر الله في هذا العمل، وانتبه إلى أن هذه النعم هي نعم الله عز وجل، ثلاث كلمات مهلكات: لي، وعندي وأنا، قال قارون، قال تعالى:
﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ﴾
فأهلكه الله عز وجل، وقال الشيطان، قال تعالى:
﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾
أهلكه الله عز وجل، وقال فرعون، قال تعالى:
﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾
فإذا الإنسان جاءته خواطر وهو يأكل أن هذا الطعام هو اشتراه، وهو حصل خبرةً عالية، درس الطب وأخذ بورد، وهو الآن طبيب كبير، وله دخل كبير، أتاح له هذا الانصراف للعلم، وتحصيل هذه الشهادات، أن يشتري ما لذّ وطاب من الطعام والشراب، إذا تصور هذا لم يقل بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم فهذا يعني أنه يرى نعمة الله عز وجل في هذا الطعام، وأنه يذكر أمر النبي عليه الصلاة والسلام في تناول الطعام.
2 ـ يأكل باليمنى ويبدأ بالملح ويختم به :
أن يبدأ بسم الله في أوله، والحمد لله في آخره، ولو قال مع كل لقمة بسم الله فهو حسن، أي إذا الإنسان قالها مرتين أو ثلاثاً أثناء الطعام فهو حسن، لماذا؟ حتى لا يشغله الشره عن ذكر الله تعالى، وأحياناً تأكل أمام إنسان يُكَرهك في الطعام فهو شره وما سمّى، وإذا الإنسان دخل إلى بيته ولم يسلم قال الشيطان لإخوانه: أدركتم المبيت، ترى طوال الليل مشاكل لأسباب تافهة لا قيمة لها، وإذا جلس إلى الطعام وما سمى يقول الشيطان: أدركتم العشاء، لا يوجد بركة، وأول صحن ملئ وما شبعوا، ثلاثة صحون، وإذا جلس الإنسان ولم يسمِّ قال الشيطان لإخوانه: أدركتم العشاء، وإذا دخل البيت ولم يسلم قال الشيطان: أدركتم المبيت، طوال الليل مشاكل، فإذا دخل الرجل إلى البيت ولم يسلم وجلس إلى الطعام ولم يسمِّ قال الشيطان لإخوانه: أدركتم المبيت والعشاء.
ولو قال الإنسان مع كل لقمة مرتين أو ثلاثاً بسم الله لا يشغله الشره عن ذكر الله تعالى، ويقول مع اللقمة الأولى بسم الله، ومع اللقمة الثانية بسم الله الرحمن، ومع الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم، ويجهر بذلك ليذكر غيره، فالإنسان يبسمل بينه وبين نفسه، ولكن إذا قال بسم الله الرحمن الرحيم أمام زوجته وأولاده فكأنه يقول لهم: بسملوا، ويأكل باليمنى، ويبدأ بالملح ويختم به، و لا يعلم إلا الله كم تنطوي هذه النصيحة النبوية على فوائد، ولو أن هناك متسعاً من الوقت لشرحت هذه الفوائد التي تنتج عن تناول شيء قليل من الملح قبل الطعام وبعده.
3 ـ تصغير اللقمة و إجادة مضغها :
ويصغر اللقمة، ويجيد مضغها وما لم يبتلعها لا يمد اليد إلى الأخرى - لقمة بفمه ولقمة بيده وعينه على الثالثة، لا ليس هكذا - فإن ذلك عجلة بالأكل.
4 ـ ألا يذم مأكولاً :
ألا يذم مأكولاً صلى الله عليه ما عاب طعاماً قط، ما رئي ماداً رجليه قط وما عاب طعاماً قط في كل حياته.
لكن النفس لها رغبات، فمن آدابه النبوية المطهرة لا يعيب مأكولاً، كان إذا أعجبه أكله وإلا تركه، وأحياناً تدعو إنساناً من أهل الدنيا إلى طعام فيقول لك: الملح قليل، وأما السمن فقد غشوك به، والزيت كذلك، تراه يخجلك، وهذه من صفات المنافقين أن يعيب الطعام، فالنبي الكريم قال: نعم الإدام الجوع، جوع وانظر ترى أي طعام كأنه الدنيا، نعم الإدام الجوع، تحدثنا في الدرس الماضي أنه لا يجوز لإنسان أن يأكل إلا وهو جائع، ولا أن يرفع يده عن الطعام إلا وهو جائع، أي قبيل الشبع.
لا يعيب مأكولاً كان إذا أعجبه أكله وإلا تركه.
5 ـ يأكل مما يليه و لا تجول يده على الطعام إلا الفاكهة :
وأن يأكل مما يليه، وألا أن تجول يده على الطعام مما يليه إلا الفاكهة، فإن له أن يجيل يده فيها، قال صلى الله عليه وسلم:
(( عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَعَامٍ وَمَعَهُ رَبِيبُهُ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ: سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ ))
فأحياناً إنسان متقدم في السن وأسنانه لا تساعده ويحتاج إلى مشمشة ناضجة، وهذا شاب يحبها حامضة، تعال وقل له: كُلْ مما يليك، فهذا يحب التفاحة أن تكون هشة، و يريدها حمراء، وهذا يحبها قاسية، النفس لها رغبات متباينة، والفاكهة منوعة، فهذا يحب الخيارة صغيرة وهذا أكبر، و هذه الأشياء يختلف فيها الناس، فالنبي عليه الصلاة والسلام سمح للإنسان أن يختار من الفاكهة، قال تعالى:
﴿ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ ﴾
حتى السنة أن تأكل الفاكهة قبل الطعام، لأن هذه الفاكهة فيها مواد سكرية بسيطة تنتقل إلى الدم في عشرين دقيقة، فلو أنك دخلت إلى البيت، وتناولت هذه البرتقالة التي مقرر أن تأكلها بعد الطعام أكلتها قبل الطعام وصليت الظهر، فحدة الجوع خفت، وكسرت، هذا الماء السكري الذي في الفاكهة سهل الهضم، وملأ المعدة وتمثلته بسهولة، إذاً حدة الجوع خفيفة،عندئذ نجلس ونأكل الطعام، والأفضل أن يكون بين تناول الفاكهة قبل الطعام وبين الطعام ما يزيد على عشرين دقيقة، و لذلك فالنبي الكريم في رمضان كان يأكل ثلاث تمرات وكأس ماء ثم يصلي المغرب قبل أن يأكل الطعام، وإذا جلس ليأكل يأكل كما يأكل وجبته العادية، ويكون الصيام سبع عشرة ساعة في أيام الصيف الحارة، فلو تناول ثلاث تمرات أو كأس عصير أو شيئاً من الفاكهة برتقالة أو تفاحة وتناول كأس ماء وقام وصلى المغرب والسنة ثم جلس ليأكل فإذا هو يتناول وجبةً عادية.
ومرة قيل له: يا رسول الله وكأن أحد الصحابة وجّه نظره أن يده الشريفة كانت تجول على طبق الفاكهة، فقال عليه الصلاة والسلام ليس هو نوعاً واحداً.
6 ـ لا يأكل من منتصف القصعة بل يأكل من الطرف الذي يليه :
وألا يأكل من منتصف القصعة بل يأكل من الطرف الذي يليه وهذا من السنة، و مرة كنت في دعوة طعام هناك أخ وضع قطعة خبز تحت القصعة لئلا تؤذي الخوان - المشمع - والقصعة ساخنة ويوجد أخ آخر نهاه عنها، فاختلفوا لكن وجدت أن من آداب الطعام ألا تضع قصعة الطعام على الخبز لأنك قد استخدمت الخبز استخداماً رخيصاً، فنعمة كبرى أنعم الله بها عليك لتأكلها لا لتجعلها عازلاً بين الخوان وبين القصعة، قال صلى الله عليه وسلم:
((أَكْرِمُوا الْخُبْزَ، فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهُ مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ))
الله مرة شاهدت إنساناً يمسح حذاءه بالخبز، وإنساناً آخر يليف الصحن بلب الخبز، يرغو عليه الصابون ويليف الصحن، فإذا كان مما ينافي الآداب النبوية المطهرة أن تضع رغيف الخبز تحت قصعة الطعام، كأنك جعلت هذا الخبز عازلاً، فكيف إذا مسحت يدك بالخبز؟
و عليك ألا تمسح يدك بالخبز، أي إذا أكلت أكلة فيها مرق فالعق أصبعك بفمك ولا تمسح بها الخبز.
7 ـ غسل اليدين قبل الطعام :
وقال عليه الصلاة والسلام:
((إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى وَلْيَأْكُلْهَا وَلا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ وَلا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ ))
مثلاً وقعت عنبة خذها واغسلها وتناولها، أو وقعت قطعة خبز أزل عنها ما أصابها، أما أن ترميها بالقمامة فهذا ليس من آداب المسلم في طعامه وشرابه، وبعض العلماء وجه لعق الأصابع بأنه إجراء احترازي ضماناً لنظافة الأصابع قبل الطعام، فانتبه أيها المسلم يجب أن تلعق أصابعك بعد الطعام إذاً عليك أن تغسل يديك قبل الطعام كي تستسيغ نفسك لعق الأصابع بعد الطعام.
8 ـ الوضوء قبل الطعام و بعده و عدم النفخ بالطعام الحار :
بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده، ولا ينفخ بالطعام الحار وقد قال عليه الصلاة والسلام:
((إنه أعظم للبركة))
بل يصبر إلى أن يسهل أكله.
9 ـ يأكل من التمر وتراً قبل الطعام :
يأكل من التمر وتراً، سبعاً أو إحدى عشرة أو ما اتفق، ولا يجمع بين التمر والنوى في طبق واحد، وأكثر الناس يضع في صحنه العظام المأكولة، أو بعض فضلات الطعام على طرف الصحن، ويعد هذا نوعاً من النظام الجديد، لا، النبي الكريم نهى أن يجتمع في طبق واحد التمر والنوى، لأن هذا النوى كان في فم الإنسان فإذا مست نواة تمرةً، فكأن سؤر هذا الذي أكلها قد انتقل إلى هذا التمر، وهذا قد يدعو إنساناً آخر إلى الاشمئزاز، فلا ينبغي لنا أن يكون النوى والتمر في طبق واحد، ولا يجمع في كفه، أي إذا أكل تمرة أخرج النواة أمسكها بيده وضعها في الصحن، أو وضعها على المائدة، وأمسك التمرة فوجدها قاسية وأخذ تلك، فهذا السؤر الذي خرج من فمه مع النواة - أمسك النواة بإصبعيه فوضعها على الخوان، ثم تناول تمرةً لن تعجبه وأخذ الأخرى- وصل إلى هذه التمرة، ماذا كان يفعل النبي عليه الصلاة والسلام؟ كان يأكل التمرة ويضع أصابعه الثلاث هكذا ويلفظها على ظهر أصابعه، ويضعها في طرف الخوان، ويتناول التمرة التي يجمع أكلها بإصبعيه من الداخل، هل يوجد أنعم و أنظف من هذا؟ وأحياناً الإنسان يأكل بطيخاً ينحت الحز ويضع على ظهره أي آثار أسنانه ظاهرة عليه، ويوجد إنسان يشمئز، فإذا الإنسان متبع للسنة يأكل الحز ويضعه على بطنه لكي لا تبدو آثار أسنانه عليه.
والخلاصة أن للإنسان في طعامه وشرابه آداباً كثيرة يجب عليه أن يتأدب بها.
10 ـ ألا يترك ما استرذله من الطعام ويطرحه في القصعة :
ألا يترك ما استرذله من الطعام ويطرحه في القصعة فأثناء تناوله للطعام وجد شيئاً من اللحم لا يؤكل كوتر العضلة لا يضعها على الصحن نفسه، بل بطرف الصحن، ويوجد آثار قطع لحم لم تؤكل معه فلفظها من فمه، وفي الطرف الآخر يوجد رز أو طعام لا يجوز هذا، فهذا الذي لا يعجبه ما استرذله من الطعام لا ينبغي له أن يبقى في الطبق، قال: حتى لا يلتبس على غيره فيأكله، ترك صحنه وقام جاء إنسان جائع وجد لحمة وأكلها وما أكلت معه لأنها مأكولة سابقاً فهذه مشكلة، والنبي الكريم نهى عن هذا.
11 ـ عدم الإكثار من الشرب أثناء الطعام :
وألا يكثر الشرب في أثناء الطعام، فالأطباء قالوا: كثرة الشرب في أثناء الطعام تمدد العصارة المعوية، ومع تمدد هذه العصارة تضعف فاعلية الهضم، إذاً أحد أسباب عسر الهضم كثرة شرب الماء في أثناء الطعام، إلا إذا غص في لقمةٍ، أو كان يأكل سفرجلاً، أو كان ذا عطش شديد، فقد قيل: إن ذلك مستحب في الطب.
آداب الشراب :
1 ـ أخذ الكوز باليمين :
وأما الشرب فأدبه أن يأخذ الكوز بيمينه، ويقول: بسم الله.
2 ـ الشرب مصاً لا عباً :
ويشربه مصاً لا عباً، كان يفتح البراد ويأخذ الماء ويكرع فيها، فشاربون شرب الهيم، أما المؤمن فيمص الماء مصاً ولا يعبه عباً، وفي حديث آخر:
((إن الكباد من العب ))
أي أمراض الكبد، وهذا العضو ثمين جداً فالذي لا يعيش الإنسان من دونه أكثر من ثلاث ساعات هو الكبد وهو ملاصق للمعدة، وحرارته سبع وثلاثون، فإذا أدخلت إلى جوفك ماءً مثلجاً بكميات كبيرة عببته عباً فإن هذا قد يؤذي الكبد وقد يصيبه بعطبٍ شديد لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( مصوا الماء مصاً، ولا تعبوه عباً فإن الكباد من العب ))
3 ـ عدم الشرب و أنت قائم أو مضطجع :
ولا يشرب قائماً ولا مضطجعاً فإنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائماً إلا في شرب ماء زمزم، وكان حكيماً حكمةً بالغة لو أنه شرب ماء زمزم قاعداً لمات نصف الحجاج، حينما كان الازدحام الشديد أكثر من حجي قال لي: إذا سقط الإنسان مات من شدة الازدحام، ولذلك قال بعض السلف الصالح: لو أن إنساناً سقاك ماء زمزم في الشام فالسنة أن تشربه قائماً، لأنه من بيت الله الحرام.
ويوجد حالات قاهرة رجل أصابه عطش ويريد أن يأخذ حبة في الطريق ولا يوجد مكان أن يجلس، فيوجد استثناءات حتى لا يصبح مضحكة للناس، وفي هذه الحالة نقول له: اشرب الماء قائماً، فالنبي الكريم في بعض الحالات شرب الماء قائماً لسبب قاهر، وفي بيتك اجلس واشرب، وفي المسجد اجث على ركبتيك واشرب، و لكن في الطريق، أو في مكان لا يقدرون السنة النبوية إذا شربت قائماً فلعلة قاهرة، وكأن النبي الكريم أدرك ذلك، ونهى عن الشرب قائماً وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام شرب قائماً، إذ يوجد حالات ضرورية يسمح لك أن تشرب الماء قائماً.
4 ـ ألا تشرب و عينك على الناس :
وألا تشرب الماء وعينك على الناس، فهذا الشرب لا يوجد فيه أدب فيجب أن يكون النظر إلى الماء أثناء الشرب، فالنظر في كأس الماء وفي الكوز ولا يتجشأ، كفّ عنا تجشؤك، وأحياناً يأتي رجل في مجلس العلم فيتثاءب بصوت عالٍ وكأنه يسبح هذا سوء أدب، التثاؤب من الشيطان، رجل سأل: إذا تثاءب النبي ماذا كان يفعل؟ أيضع يده اليمنى أم اليسرى؟ فكان الجواب لم يتثاءب قط، لكن نحن إذا تثاءبنا فالإنسان لا يفتح فمه، وإذا فتح فمه يضع يده أو كمه أو منديلاً من دون صوت، أما كأنه جالس في بيته وأخرج صوتاً عالياً وكأنه في بيته فهذا ليس من آداب المسلمين.
5 ـ عدم التنفس في الكوز أو التجشؤ فيه :
ولا يتنفس في الكوز ولا يتجشأ، يجوز أن يكون معه أمراض تنتقل عبر التنفس فإذا تنفس في الكوز اختلط هذا الجرثوم في الماء، ولما رأى رجلاً يتنفس في الماء قال:
(( أبن القدح عن فيك ))
أي أبعده، ثم ينحيه عن فمه بالحمد ويرده بالتسلية، وقد قال صلى الله عليه وسلم بعد الشرب:
(( الحمد لله الذي جعله عذباً فراتاً برحمته، ولم يجعله ملحاً أجاجاً بذنوبنا))
6 ـ أن يدور الماء بدءاً من اليمين :
يجب أن يدور الماء بدءاً من اليمين وقد شرب النبي عليه الصلاة والسلام لبناً وأبو بكر عن شماله وأعرابي عن يمينه، وعمر ناحياً في طرف المجلس فقال عمر رضي الله عنه للساقي أعط أبا بكر؟ فقال عليه الصلاة والسلام: الأيمن فالأيمن.
فالنبي الكريم أمر أن يدار الماء عن يمينه، و مرة غلام عن يمينه وعن يساره سيدنا الصديق قال له: أتأذن لي يا غلام لأنه حقه، ما أحب أن يعطي الغلام قبل سيدنا الصديق إلا عن رضا منه.
7 ـ شرب الماء في ثلاثة أنفاس :
ويشرب في ثلاثة أنفاس، ويحمد الله في أواخرها، ويسمي الله في أوائلها، ويقول في آخر النفس الأول: الحمد لله، وفي الثاني يزيد رب العالمين، وفي الثالث يزيد الرحمن الرحيم، قال: هذا قريب من عشرين أدباً في حالة الأكل والشرب دلت عليها الأخبار والآثار وقد أثرت عن النبي عليه الصلاة والسلام.
ما يستحب بعد الطعام :
1 ـ الإمساك عن الطعام قبل الشبع :
وأما ما يستحب بعد الطعام فإلى درس آخر إن شاء الله تعالى.
وهو أن يمسك عن الطعام قبل الشبع، قال لي طبيب: الإحساس بالشبع يحتاج إلى خمس عشرة دقيقة بدءاً من انتهاء الطعام، فإذا الإنسان أمسك عن الطعام قبل أن يشبع يعير الساعة بعد مضي هذه المدة يحس بالشبع، كيف تصير؟ إذا الإنسان تناول شطيرة وكان مضطراً فأكلها في الطريق، وهذا العمل يجرح العدالة تناول الطعام في الطريق أو صحبة الأراذل، وهي ثلاثة وثلاثون بنداً، صحبة الأراذل، الأكل في الطريق، المشي حافياً، من علا صياحه في البيت حتى سمعه من في الطريق، الحديث عن النساء، التنزه في الطرقات، أكل لقمة من حرام، تطفيف بتمرة، من اتخذ برزوناً فأخاف به الأطفال، من أطلق لفرسه العنان، من بال في الطريق، من لعب النرد، هذه الأشياء إذا وقعت تسقط عدالة الإنسان ومن بينها الأكل في الطريق، أنا قصدت إذا الإنسان دخل إلى بائع شطائر وأكل شطيرة مضطراً، انتهى عمله الساعة الثانية وعنده موعد الساعة الثانية والنصف وفطر الساعة السابعة، و لكن إذا تناول الطعام في الطريق يقول لك: أستطيع أن آكل عشراً، وبعد ربع ساعة يشعر بحالة عجيبة لا هي شبع مع الثقل ولا هي جوع، بل حالة خفة وراحة وارتياح، لأن الشعور بالشبع وصل إلى منطقة الجوع في الدماغ، وهذا الشعور يحتاج إلى خمس عشرة دقيقة، فالإنسان يجرب إذا قام عن الطعام قبل أن يشبع فهذه الإرادة كلها نصف ساعة، و بعد هذا يشعر أنه اكتفى، وأحياناً الإنسان يسكت جوعته ويقول: بعد قليل سوف آكل، بعد أن تسكت جوعته شبع، أما بعدما ترك الطعام فما كان شبعاناً.
2 ـ التقاط فتات الطعام :
و النبي الكريم من آدابه أنه يمسك عن الطعام قبل الشبع، ويلعق أصابعه ثم يغسلها، ويلتقط فتات الطعام، من أكل ما يسقط من المائدة عاش في سعة وعوفي في ولده.
3 ـ تنظيف الأسنان و التمضمض :
ويتخلل، فالله عز وجل خلق لنا الخلة خصيصاً لاستخدامها في تنظيف الأسنان، وليتمضمض بعد الخلال ففيه أثر عن أهل البيت عليهم السلام، وأن يلعق القصعة، أكل صحن بيض وقلاه بالسمن البلدي، وثمن الكيلو ثمانون ليرة، وبقي أثر من السمن إذا بلقمة صغيرة مسح السمن مسحاً جيداً فهذه من السنة، وهذا شيء ثمين.
ومن لعق القصعة كان له عتق رقبة، وإن التقاط الفتات مهور الحور العين.
4 ـ ذكر الله :
وأن يذكر الله في قلبه على ما أطعمه فيرى الطعام نعمةً منه، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾
والحمد على النعمة أمان من زوالها، ومهما أكل حلالاً يقول: "الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتنزل البركات، اللهم أطعمنا طيباً واستعملنا صالحاً"، هذا دعاء نهاية الطعام.
وإذا إنسان أكل من شبهة، أو أكل من طعام ليس متأكداً من كونه من مال حلال أو غير حلال فليقل: "الحمد لله على كل حال، اللهم لا تجعله قوة لنا على معصيتك"، ويقرأ بعد الطعام: قل هو الله أحد و لإيلاف قريش.
سمعت قصة أن رجلاً عنده ملهى له بنت لا تأكل من طعام أبيها لقمةً واحدة لأنها ترى مال أبيها حراماً بحرام وإذ تناولت لقمة من مال أبيها يفسد عليها حياتها.
آداب المضيف :
وأنت مدعو إلى وليمة، ولك طبيعة خاصة، أكلت لقمتين وشبعت، لك محل على المائدة تركته، وجلست في مكان آخر هذا خلاف السنة، ما عملت شيئاً فأنت لست مضيفاً، المضيف يجب أن يبقى على المائدة طوال الوقت، مادام هناك ممن يدعوهم يأكل، فيجب أن يبقى المضيف على المائدة يأكل معهم ببطء، لأنه إذا أكل بشكل سريع لآخر واحد يضر نفسه، و من آداب الضيافة أن الذي دعوته إلى الطعام تأكل معه لقمة خفيفة، قطعة بندورة، حتى تشعر أنه ما بقي أحد على الطاولة فهذه آداب المضيف.
آداب الآكل :
والآن آداب الآكل أي أنت آكل، و دُعيت لطعام، ويوجد كرسي على المائدة ووراء الكراسي يوجد أرائك مريحة، فانتهيت من الطعام وانسحبت وجلست على الأريكة فهذا خلاف السنة، فالنبي عليه الصلاة والسلام لا يقوم عن المائدة حتى ترفع أولاً، ابق في مكانك جالساً، توقف عن الطعام حتى ينتهي الجميع، و يرفعوا الطعام تقوم، لأنك أنت تأكل أكلاً قليلاً لسبب معين، وإلى جانبك إنسان جائع عندما أنت انسحبت أخجلته، فابق في مكانك، وليس للإنسان الحق أن يغادر الطاولة حتى يرفع الطعام كله، أما أن يأخذ مكاناً آخر فلا يجوز هذه من السنة النبوية المطهرة.
إن أكل طعام الغير هذا الدعاء الذي قلناه قبل قليل: "الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتنزل البركات، اللهم أطعمنا طيباً، واستعملنا صالحاً" فهذا إذا أكل من طعامه في بيته، أما إذا كان مدعواً إلى طعام فماذا يجب أن يقول؟ يقول: الله أكثر خيره، وبارك له فيما رزقته، ويسر له أن يفعل فيه خيراً، أقنعه بما أعطيته، واجعلنا وإياه من الشاكرين"، وإذا أفطر عند قوم والدنيا صيام فليقل: "أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة الأخيار"، فإن أكل من طعام غيره يقول: "اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، وارزقنا خيراً منه" كذلك الدعاء مما خصّ به النبي عليه الصلاة والسلام.
أما اللبن فلم يقل وارزقنا خيراً منه، لأنه أنفس شراب كان يقول: "وزدنا منه"، أكلت زيتاً و زعتراً قل: يا رب وارزقنا خيراً منه، الجبن قد تكون أطيب، أما إذا أكلت لبناً فقل: زدنا منه، وإذا قلت: ارزقنا خيراً منه فخلاف السنة.
ما يقال بعد الطعام :
ويستحب أن يقول بعد الطعام: "الحمد لله الذي أطعمنا، وسقانا، وكفانا، وآوانا، سيدنا ومولانا يا كافي من كل شيء ويكفي منه شيء، أطعمت من جوع، وآمنت من خوف، فلك الحمد آويت من يتم، وهديت من ضلالة، وأغنيت من عيلة، فلك الحمد حمداً كثيراً، دائماً، طيباً، نافعاً، مباركاً فيه كما أنت أهله ومستحقه، اللهم أطعمنا طيباً، واستعملنا صالحاً، واجعلنا عوناً لك على طاعتك، ونعوذ بك أن نستعين به على معصيتك"، ثم غسل اليدين بعد نهاية الطعام، فهذه السنن التي يجب أن تراعى قبل الطعام، وفي أثناء الطعام وبعده إذا كنت مؤمناً حقاً هكذا تفعل.
لكن لا تفعل معصية كبيرة وتأكل ملحاً قبل الطعام، مقبول لكن هذه معصية كبيرة، فالمسلم كل السنن السهلة الخفيفة التي لا تكلف شيئاً يطبقها بحذافيرها وينتقد الآخرين فيها، و هناك أشياء كبيرة جداً في حياته هو واقع بها، وهذه الدقائق لمن أتمّ الفرائض، ولمن استقام على أمر الله استقامةً تامة، لكن إذا كان تاركاً أمر الله شاهدنا مسلسلاً ثم نقول: الملح سنة، فهذا التناقض صفةٌ بشعة في شخصية المسلم الحالي، بلع الثور وغص في الذنب.
* * *
شمائل النبي صلى الله عليه و سلم :
1 ـ صادق الوعد و وفي :
والآن إلى بعض شمائله صلى الله عليه وسلم ونحن في عيده الشريف، كان النبي عليه الصلاة والسلام صادق الوعد يفي بوعده وإن شق ذلك عليه:
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْحَمْسَاءِ قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْعٍ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ وَبَقِيَتْ لَهُ بَقِيَّةٌ فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ بِهَا فِي مَكَانِهِ... ))
وأصعب موعد أن يكون في الطريق في مكان، في البيت مقبول التأخر وإن كان المسلم يفي بوعده، لكن في الطريق!!!
((.... فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ بِهَا فِي مَكَانِهِ فَنَسِيتُ ثُمَّ ذَكَرْتُ بَعْدَ ثَلاثٍ فَجِئْتُ فَإِذَا هُوَ فِي مَكَانِهِ فَقَالَ: يَا فَتًى لَقَدْ شَقَقْتَ عَلَيَّ أَنَا هَاهُنَا مُنْذُ ثَلاثٍ أَنْتَظِرُكَ ))
2 ـ مكرم لأصحابه :
وكان عليه الصلاة والسلام يزور أصحابه ليكرمهم بذلك، وليدخل السرور على قلوبهم، ولينفعهم بإرشاداته وتعاليمه.
(( حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكْثِرُ زِيَارَةَ الأَنْصَارِ خَاصَّةً وَعَامَّةً فَكَانَ إِذَا زَارَ خَاصَّةً أَتَى الرَّجُلَ فِي مَنْزِلِهِ وَإِذَا زَارَ عَامَّةً أَتَى الْمَسْجِدَ ))
وروى الترمذي والنسائي عن أنس رضي الله عنه قال:
((كان عليه الصلاة والسلام يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم))
و :
((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَارَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ طَعَامًا فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَمَرَ بِمَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ فَنُضِحَ لَهُ عَلَى بِسَاطٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُمْ))
عن جبير بن مطعم قال: كان النبي عليه الصلاة والسلام له صاحب من أصحابه كان كفيف البصر فأراد أن يزوره في البيت فماذا قال لأصحابه؟ قال: انطلقوا بنا إلى بني واقف نزور البصير ماذا سماه؟ البصير إكراماً له ما لفظ كلمة أعمى ولا كلمة كفيف:
((عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: زَارَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْزِلِنَا فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ قَالَ فَرَدَّ سَعْدٌ رَدًّا خَفِيًّا فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّبَعَهُ سَعْدٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ تَسْلِيمَكَ وَأَرُدُّ عَلَيْكَ رَدًّا خَفِيًّا لِتُكْثِرَ عَلَيْنَا مِنَ السَّلامِ قَالَ فَانْصَرَفَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ لَهُ سَعْدٌ بِغُسْلٍ فَوُضِعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ نَاوَلَهُ أَوْ قَالَ نَاوَلُوهُ مِلْحَفَةً مَصْبُوغَةً بِزَعْفَرَانٍ وَوَرْسٍ فَاشْتَمَلَ بِهَا ثُمَّ رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ عَلَى آلِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ ثُمَّ أَصَابَ مِنَ الطَّعَامِ فَلَمَّا أَرَادَ الانْصِرَافَ قَرَّبَ إِلَيْهِ سَعْدٌ حِمَارًا قَدْ وَطَّأَ عَلَيْهِ بِقَطِيفَةٍ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَعْدٌ يَا قَيْسُ اصْحَبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَيْسٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْكَبْ فَأَبَيْتُ ثُمَّ قَالَ إِمَّا أَنْ تَرْكَبَ وَإِمَّا أَنْ تَنْصَرِفَ قَالَ فَانْصَرَفْتُ))
ويوجد رواية أخرى للقصة قال: "والله كلما سلم علينا النبي صلى الله عليه وسلم كنا نحس أن رحمةً تنزلت علينا"، لهذا السبب أخفى الجواب رد عليه رداً خفياً حتى يعيد السلام عليه.
((... ثُمَّ أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الطَّعَامِ فَلَمَّا أَرَادَ الانْصِرَافَ قَرَّبَ لَهُ سَعْدٌ حِمَارًا قَدْ وَطَّأَ عَلَيْهِ بِقَطِيفَةٍ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَعْدٌ يَا قَيْسُ اصْحَبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَيْسٌ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْكَبْ فَأَبَيْتُ ثُمَّ قَالَ إِمَّا أَنْ تَرْكَبَ وَإِمَّا أَنْ تَنْصَرِفَ قَالَ فَانْصَرَفْتُ))
ويوجد رواية ثانية:
(( فأرسل سعد ابنه قيساً مع رسول الله ليرد الحمار فقال عليه الصلاة والسلام: احمله بين يدي، فقال سعد: سبحان الله أتحمله بين يديك يا رسول الله - ليس معقولاً - فقال: نعم هو أحق بدابته، فقال: هو لك يا رسول الله، قال: إذاً فاحمله خلفي، الرجل أحق بصدر دابته))
أحياناً يدخل إنسان لعند موظف ويجلس خلف الطاولة هذا ليس مكانك، هذا مكانه، هو الرجل أحق بصدر دابته، وهذه أيضاً لها معنى ثانٍ أحياناً الإنسان لا يحب أحداً أن يسوق له سيارته لعلك إذا جلست مكانه وحركتها ينزعج، الرجل أحق بصدر دابته فصدر السيارة مكان القيادة.
3 ـ يزور ضعاف المسلمين وعامة أهل الصفة :
وكان عليه الصلاة والسلام يزور ضعاف المسلمين وعامة أهل الصفة، فكان يزور هؤلاء، ويلاطفهم، ويؤنسهم، ويعود مرضاهم، ويحضر جنائزهم، وفي هذا تكريم لهم، وتبريك عليهم، ومواساة وإحسان إليهم، ليشعروا بعزتهم وكرامتهم وسعادتهم:
عن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: "كان النبي عليه الصلاة والسلام يأتي ضعفاء المسلمين، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم"، معنى عصابة بالمعنى القديم أي جماعة، الكلمة لها معنى تاريخي ومعنى مستحدث، فمرة الشاعر أبو تمام مدح المعتصم فقال له: أنت جرثومة الدين والإسلام والحسب، فالجرثومة في اللغة أي أصل الشيء فإذا قال أبو تمام يمدح المعتصم أنت جرثومة الدين يا أيها الخليفة، أي أنت أصل الدين، والعلماء المحدثون بحثوا عن أسباب الأمراض، فإذا هي كائنات صغيرة هي الفيروسات فسموها جراثيم، فإذا قلنا لطالب: أنت جرثومة الصف لها معنى آخر، فالكلمات تأخذ معنى آخر، كلمة استعمار مثلاً تعني إعمار الأرض ومعناها الاصطلاحي الآن قبيح جداً.
قال عليه الصلاة والسلام:
(( إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض ))
أي هذه الجماعة ومأخوذة من العصبة التجمع.
((عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ جَلَسْتُ فِي عِصَابَةٍ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَسْتَتِرُ بِبَعْضٍ مِنَ الْعُرْيِ وَقَارِئٌ يَقْرَأُ عَلَيْنَا إِذْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عَلَيْنَا فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَكَتَ الْقَارِئُ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: مَا كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ قَارِئٌ لَنَا يَقْرَأُ عَلَيْنَا فَكُنَّا نَسْتَمِعُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُمْ … ))
قال تعالى:
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾
((... قَالَ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسْطَنَا لِيَعْدِلَ بِنَفْسِهِ فِينَا...))
هؤلاء فقراء المسلمين أهل الصفة، الآن في الحرم النبوي بعد الحجرة النبوية المشرفة، بعد أن تسلم على النبي تنطلق شمالاً ثم تنحرف نحو اليسار فإذا بمكان في طرف المسجد النبوي هذا مكان أهل الصفة وهو موجود إلى الآن.
((... قَالَ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسْطَنَا لِيَعْدِلَ بِنَفْسِهِ فِينَا، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَتَحَلَّقُوا وَبَرَزَتْ وُجُوهُهُمْ لَهُ قَالَ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفَ مِنْهُمْ أَحَدًا غَيْرِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ صَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَذَاكَ خَمْسُ مِائَةِ سَنَةٍ ))
الاحتفال الصحيح بعيد المولد أن تجعل النبي أسوةً لك في حياتك :
وفي درس قادم إن شاء الله نتابع هذه النبذة عن أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام، وعن شمائل هذا النبي الكريم الذي شرفنا الله به، واليوم عيد مولده الشريف، والاحتفال الصحيح بعيد المولد أن تجعل النبي عليه الصلاة والسلام أسوةً لك في كل حركاتك، وسكناتك، وفي تواضعك، و محبتك للناس، و عطفك عليهم، و رحمتك بهم، و لطفك، و إنفاقك، ومودتك، قال تعالى:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾