- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠8الإيمان باليوم الآخر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا , وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً , وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً , وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الحدث الخطير في المستقبل هو الموت:
أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس الرابع من دروس اليوم الآخر. هناك من يقول:
أنا واقعي، أي أن الواقعَ هو مقياس حقائقه، فهل من حدث أكثر واقعيةً في حياة الإنسان من الموت ؟ هل من حدث يستطيع إنسان كائن أن ينجو من الموت ؟ كلا، ثم كلاّ، الحدث المستقبلِي الخطير هو الموت، لذلك قال تعالى:
﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا﴾
لماذا بدأ بالموت ؟ لأن الإنسان حينما يولد أمامه مليون خيار، أما حينما يموت هناك مصيران فقط. فو الذي نفس محمد ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار.
خيار الحياة واسع جداً، أما خيار الموت جنة أو نار، جنة يدوم نعيمها، أو نار لا ينفذ عذابها.
للموت حالتان:
1- النوم: هو الموت المؤقت.
أيها الأخوة، في الدرس الماضي بينت لكم أن حقيقة الإنسان جسم هو غلاف مادي، هناك انفصالات عديدة: انفصال مصغر كل واحد منا حينما ينام يموت موتاً مؤقتاً، تنفصل نفسه عن جسده، وتبقى معلقةً به نوعاً من التعليق، أما هو غائب في عالم آخر , من هنا عليه الصلاة والسلام كان يدعو قبل أن ينام ويقول:
((اللهم إنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي فارْحَمْها، وَإِنْ أرْسَلْتَها فاحْفَظْها بما تَحْفَظُ بِهِ عِبادَكَ الصَّالِحينَ))
أيها الأخوة، انتبهوا إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام كلما أوى إلى فراشه يظن أنه قد لا يستيقظ.
الموت إذا جاء لا يستأذن صاحبه:
كم من إنسان أوى إلى فراشه ولم يستيقظ، وكم من إنسان ذهب إلى عمله ولم يرجع، وكم من إنسان سافر ولم يعُد، وكم من إنسان دخل إلى البيت ولم يخرج إلا أفقياً، فلا بد أن تدخل المسجد مرةً ليصلى عليك، قد تدخله طوا ل حياتك لتصلي، وفي إحدى هذه المرات تدخله لِيُصَلَّى عليك، طوال حياتك تخرج وتعود، إلا في مرة واحدة تخرج ولا تعود، فإذا جاءت الساعة الثانية عشرة لا يقلْ أحد من أفرا د الأسرة: مات، ولا رجعة له إلى الدنيا، هذه الساعة الحرجة التي لابد منها كلُّ بطولتك في الإعداد لها، دقق.
﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً﴾
كم من إنسان أصيب بجلطة لتوهمه أنه سيمثل أمام المحاكمة، فكيف لو وقفت في محكمة خالق الأكوان ؟ وهو الذي يعلم السر وأخفى، لا تخفى عليه خافية.
أيها الأخوة، الموت حقٌّ، ولا بد منه، يقول الله عز وجل:
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾
سكرة الموت شيء، والموت شيءٌ آخر، نفس الإنسان تذوق الموت، لكنها لا تموت.
﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾
الموت الأكبر: هو قبض الروح من الجسد.
الانفصال الثاني: انفصال النفس عن الجسد عند الموت، هذا الموت الأكبر، وقال بعضهم: هذه القيامة الصغرى، يقول لك يوم القيامة: هناك قيامة لكل إنسان خاصة به، يوم موته هو يوم قيامته، إذا قلت: فلان قامت قيامته يعني مات، وهناك قيامة كبرى يوم يجتمع الناس جميعاً عند رب العالمين، وهناك قيامة صغرى عندما يموت الإنسان.
الأدعية الواردة في السنة ينبغي ذكرها عند النوم وفي زمن الاستيقاظ:
كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول إذا استيقظ من نومه:
((الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أحْيانا بَعْدَما أماتَنا وإلَيْهِ النشُورُ))
يحب أن تعتقد أن النوم موت مؤقت، ويجب أن تدعو قبل أن تنام: اللهم إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها، ويجب أن تقول حينما تستيقظ: الحمد لله الذي رد إلي روحي، وعافني في بدني، وأَذِن لي في ذكره، والإنسان العاقل يعيش حياته يومًا بيوم، استيقظنا: الحمد لله، جاهزية عالية، سمع، وبصر، وحركة، يا نفس لقد سمح الله لك أن تعيشي يوماً جديداً، فماذا تفعلين في هذا اليوم ؟
﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ﴾
الله يتوفى الأنفس حين موتها، والتي لم تمت في منامها.
في الدنيا عقاب ومكافئة جزئية لبعض الناس لردع المسيئين و تشجيع للمحسنين:
أيها الأخوة، الآية التي ترتعد لها الفرائص هي قوله تعالى:
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
فمعنى الآية أن بعض الناس في الدنيا يعاقَبون ردعاً لبقية المسيئين، وأن بعض الناس في الدنيا يكافََؤون تشجيعاً لبقية المحسنين، أما الحساب النهائي، وكشف الرصيد، والحكم القاطع الذي لا استئناف فيه هو يوم القيامة " وإنما توفون أجوركم يوم القيامة " فوطن نفسك.
ارتكب إنسان كل المعاصي والموبقات، ومات ولم يصبْ بمصيبة، هناك امرأة في بريطانيا انحلت أخلاقها إلى درجة غير معقولة، وفي مؤتمر صحفي سمعه أكثر من خمسين مليون إنسان قالت: أنا زنيت سبع مرات، مرة في المكان الفلاني مع فلان الفلاني، بلا حياء ولا خجل، فلما ماتت مشى في جنازتها ستة ملايين إنسان .
فالعبرة أن يكون الإنسان مطيعاً لله عز وجل، من الممكن أنْ يُعاقَب إنسان في الدنيا و ألاّ يُعاقَب، وأنْ يُكافَأ إنسان في الدنيا وألاّ يُكافَأ، يجب أن تعتقد أن الدنيا ليست دار جزاء، إنما هي دار ابتلاء، فإذا عاقب الله بعض المسيئين فإن ذلك ردعٌ لبقية المسيئين، وإذا كافأ الله بعض المحسنين فذلك تشجيعٌ لبقية المحسنين
﴿ وإنما توفون أجوركم يوم القيامة﴾
ينبغي على المؤمن أن لا يشتغل عن سر وجوده ورحلته في الدنيا ومطالبها:
فأنت في الحياة الدنيا , كيف تحكم على إنسان غاص في أعماق البحر، وتلهى عن قطف اللؤلؤ بقطف المحارات والأصداف ؟ أحياناً حبة لؤلؤ ثمنها مئات الألوف، بينما مائة قطعة صدف لا تساوي شيئاً، فاللهو كتعريف دقيق له: أن تشتغل عن النفيس بالخسيس، الآية:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾
جمع المال ممتع، وأن تكون مع أولادك تمتع نظرك بهم وتلاعبهم شيء آخر ممتع، لكن هناك إنسان يلهو وينسى ربه، وينسى سر وجوده، وغاية وجوده، فيؤثِر جلسةً مع أهله على درس علم، ويؤثر جمع المال على طلب مرضاة الله عز وجل.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ*﴾
الجواب:
﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
تفكَّرْ وتمعَّن في هذه الكلمة (لن) للتحدي لنفي التأبيد " ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها
الغنى والفقر بعد العرض على الله:
قد يملك شخصٌ شركة دخلها فلكي، فمرة قرأت في بعض الصحف عن شركة سيارات ألمانية، عندها فائض نقدي مئة مليار دولار، لا تدري أين توظف هذا المبلغ ؟ شركة كهذه الشركة لو أنك تملكها، ولم تعمل لآخرتك شيئًا فأنت خاسر
﴿لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ﴾
يُروَى أن أكبر غني في العالم يهودي اسمه روكشلد، دخل مرة إلى غرفة أمواله، أمواله ليست في صندوق، بل في غرفة، ولها باب محكم كالصندوق الحديدي، ونتيجة خطأ أراده الله عز وجل أُغلِق عليه باب الغرفة، وهذه الغرفة يبدو أنها عميقة في البيت، صاح وصاح، من غير فائدة، ويُعرَف عنه أنه كان كثير الأسفار، فتوهم أهله أنه مسافر، فمات من الجوع والعطش، ولم يعلم بخبره أَحَدٌ، فجرح إصبعه، وكتب على الجدار: أغنى إنسان في العالم يموت جوعا
ً﴿ لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله﴾
إنّ كل قوتك، وكل هيمنتك، وكل استمتاعك في الدنيا منوط بميل وربع ميل قطر شريانك التاجي، فإذا ضاق هذا الشريان التاجي بدأت متاعب لا حصر لها.
الموت مقدر في علم الغيب على كل إنسان في الظرف الذي يكون فيه:
أيها الأخوة يجب أن نعلم علم اليقين أنه:
﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾
الاستشهاد بأمثلة لتأكيد المعنى:
حدثني طبيب "جراح قلب" أنه أجرى عمليتين، العملية الأولى سهلة جداً ً، وهو يُجري المئات من مثيلاتهـا بلا اهتمام أبداً، توسيع الدسام، فجاءت امرأة وأُجريت لها هذه العملية ببساطة وبنجاح تام، وإنسان آخر أكثر من ساعة ونصف ظلّ يمسّد قلبه، إلى أن عادت له الحياة، كل اهتمامه موجه لهذا المريض الذي أوشك على الموت ثم ردت له الحياة , قال لي: بعد ساعة ماتت المريضة الأولى، وعاش هذا حياةً رائعةً متمتعاً بأعلى درجات صحته زمنًا طويلاً، إذًا فالموتُ مرهون بإرادة الله.
هناك أخ طبيب من أخواننا نسأل الله أنْ يشفيه ويعافيه , قال لي: كنت طالب طب في جامعة القاهرة، وفي مرحلة التدريبات صادف أنْ كان يوم عرفة، وأريد الذهاب إلى بيتي، فاستأذن من الدكتور المشرف أن يذهب فلم يسمح له، لأن عندهم مريضًا يعاني فشلاً كلويًا، وقد يموت بين اللحظة والأخرى، فانتظر ربع ساعة لعله يموت ثم أذهب، وعنده ممرضة قال لها: أحضِري لي كأسَ شاي بينما يموت هذا، فرفضتْ , فامتلأ غيظًا منها، فأراد أن يضايقها، فأمرها بإجراء تحليل لذاك المريض، قالت له: أمَا قال لك الأستاذ الآن يموت، قال لها: هذا ليس أمركِ، أجرِ تحليلاً، فهي ضجرت، وإذا بالمريضِ يتحسن شيئًا فشيئًا، وكانت المفاجأة، وقال لي: تابعت أخباره بعد أنْ تحسَّن، ومات هذا المريض بعد ما مات أستاذه بست سنوات، وهو الذي قال له سيموت بعد قليل.
أحد أخواننا الكرام قال لي: ولدت في بيت، ويوم ولدت كنا مجموعة أخوة يسكنون في بيت واحد، بيت عربي قديم، أنا وأبي وأمي بغرفة , وعمي وامرأة عمي بغرفة، وعمي الثاني وامرأته بغرفة، كل إنسان وزوجته في غرفة، وقال: يوم ولدت كانت امرأة عمي مصابةٌ بمرض الموت، قال لها الطبيب بالحرف الواحد: اكتبوا النعي لقد انتهت، وهذه المريضة التي قال الطبيب عنها: زارتني بعد خمس وأربعين سنة في بيتي بحيّ العدوي، فالموتُ كما قال تعالى:
﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾
كم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر.
أعرف شخصًا أصيب بشلل عاش ثلاثين سنة لا يغادر الفراش، وقبل أسابيع معدودة شخص رياضي من الطراز الأول، له ساعة جري كل يومٍ ما غاب عنها يوماً منذ عشرين سنة، وله ساعة سباحة كل يوم، وكل حديثه عن الأكل القليل والخضار والفواكه والخبز المصنوع من النخالة، وعليك أنْ تمشي، وتمارس الرياضة، فخرَّ ميتًا، وهو لا يشكو من شيء في حياته لي صديق مِن أقربائي له سهرة أسبوعية، كان يقول في أثناء جلساته مع أصدقائه: سأعيش طويلاً، أكْلي قليل، وأمشي كثيرًا، ولا أدخّن، و أعتني بصحتي، وليس عندي شدة نفسية هذا الكلام قاله يوم السبت، ويوم السبت الثاني كان تحت التراب مدفونًا.
أحد أخواننا الكرام دعاني إلى نزهة , قال لي: اخترْ عشرة من أخوانك، وكان بيننا إنسان محترم جداً وضعته في رأس القائمة، فالدعوة يوم السبت وقد توفي الجمعة، وكان اسمه في القائمة، المواعظ كثيرة جداً أيها الأخوة الكرام، يكون الشخص ملء السمع والبصر فيختفي فجأةً من عالَم الأحياء تخطفه يدً المنون.
كم من صحيح مات من غير علـة وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر وكم من عروس زينوها لزوجــها و قد قبضت أرواحهم ليلة القــدر تزود من التقوى فإنك لا تدري إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر ؟
إذاً:
وظيفة المسلم في دار الدنيا هي العمل الصالح:
رأخواننا الكرام، يجب أن تعلم علم اليقين أنك في الحياة الدنيا من أجل مهمة واحدة بعد الإيمان بالله، أن تؤدِّي ثمن الآخرة، إنه العمل الصالح، والآية:
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ ﴾
قيل له:
﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾
أيها الأخوة هذا اعتقادي، في الأرض ستة مليارات إنسان، مسلمون، وأهل كتاب، وبوذيون، وسيخ، وملحدون، وعباد النار، وعباد الأصنام، وعباد الشمس، وعباد الفرج، فيها أديان لا تعد ولا تحصى، كل هؤلاء حينما يأتيهم ملك الموت يعرفون الحقائق التي جاء بها النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى أني قرأت ترجمة لكتاب من أغرب الكتب، عنوانه (الحياة بعد الموت)، مؤلِّف الكتاب شخص أصيب بحادث سير، فيبدو أنه توقف قلبه لفترة طويلة، ثم عاد إلى الحياة، فسألوه: ماذا شعرتَ ؟ فهذا المؤلف جعل همه البحث عن مثيل لهذه القصص فجمعها مِن أكثر من مكان في العالم، سافر إلى قارات عديدة، وجمع حالات الموت المؤقت، الشيء الغريب والعجيب أن أكثر هؤلاء الذين ماتوا موتاً مؤقتاً أدلوا بوصف موحد لكل أحوالهم، أحد هذه الأوصاف أنهم يبتعدون عن جسدهم مسافة أربعة أمتار، فإنسان مات بحادث موت مؤقت رأى نفسه على ارتفاع أربعة أمتار، جاءت سيارة الإسعاف، وجاءت الشرطة، فكان يراهم جميعاً.
أول شيء مشترك أن النفس هي ذات الإنسان تبتعد عن الجسم، والجسم شيء ملقى أمامك، وأن الإنسانَ يتذكر كل أعماله السيئة التي فعَلَها هذا الشيء الثاني، الشيء الثالث يرى أن العملة الوحيدة الرائجة في هذا اليوم، "اليوم الآخر" هي العمل الصالح، هذا الذي يشعر به كل إنسان يدركه الموت ".
فوات الفرصة للكافر عند لقاء ربه:
﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ ﴾
فيكون الجواب:
﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾
ويكون المصير:
﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ *قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ﴾
﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾
حال الإنسان ومآله قبل الموت وبعده:
المعروف أنّ الإنسان إذا سافر إلى بلاد أخرى يزور معالمها، فلقد زرت مرة مصر، وبالقلعة تاريخ المماليك، فأين المماليك ؟ وأين قطز ؟ وأين هؤلاء الذين حكموا مصر ؟ أين هم الآن ؟.
﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾
كان شخصاً فصار قصة " وجعلناهم أحاديث " فدراسة الآثار مؤثرة جداً، ولما دخلت الأهرامات انتابني شيء لا يصدق، وتساءلتُ: أين الفراعنة الشداد ؟ أين الرومان الذين عاشوا في هذه البلاد، آثارهم واضحة، مدرج بصرى، وفي السويداء لهم أثار ضخمة جداً، أين الرومان ؟ أين الإغريق ؟ أين هؤلاء الأقوياء الذي حكموا العالم ؟
﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾
فمن هو سيد الخلق، وحبيب الحق ؟ إنه النبي عليه الصلاة والسلام، وقد قال الله له:
﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾
﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾
أنت ميت وغيرك ميت ينبغي أن تأخذ العبرة من ذلك:
هناك مَن يقول: فلان مات وارتحنا منه، فهل أنت خالد ؟ تموت كما مات، قد يكون الأب بخيل مثلاً، فيأتي الطبيب ويقول لهم: أزمة عَرَضية، فينزعجُ الأولاد، لا نريدها عرضية، نريدها القاضية، فالبخيل أقرب الناس إليه يتمنى موته، وإذا كان كريمًا فالكلُّ يحبُّه، "علامة نجاحك كأب إذا دخلت إلى البيت يجب أن يكون دخولُك عيدًا، وكل مَن حولك يتمنى بقاءك، ويدعو لك بطول عمرك ".
ذات مرة دخلت إلى مزرعة فأعجبني مِن صاحبها أنْ كتَبَ جملةً: إننا نسعد بالضيوف، لكن بعضهم نسعد بقدومهم، وبعضهم نسعد بمغادرتهم، فإذا كان الإنسان محسنًا وكريمًا يسعد أولاده به ويتمنون بقاءه ويدعون له بطول العمر، أما إذا كان فيه بخل شديد وإمساك، وقال لهم الطبيب: أزمة عرضية ينزعجون، نريدها القاضية.
من أدعية النبي عليه الصلاة كما ثبت عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ:
((أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ))
الله حي باق على الدوام.
عندما تصطبغ بكمال العبودية لله لا تفزع لمصالحك أما مع غيره تنتهي مصالحك عند الموت:
بالمناسبة كل إنسان ربط علاقاته مع إنسان يموت فمشكلته كبيرة، إذا مات تلاشت كل آماله، أما إذا ربط الإنسان مصيره مع الحي الذي لا يموت فليست عنده مشكلة أبداً، اربط مصالحك، وآمالك، وأحلامك، وأهدافك مع الحي الذي لا يموت، فإذا ربطت آمالك ومصالحك مع الذي يموت، فإذا مات ماتت كل مصالحك بموته.
الموت بيد الله لا بيد زيد من الناس:
بالمناسبة أخطر حدث مستقبليّ في حياة الإنسان هو موته، وهذا الموت بيد الله وحده، ولو توهمتم أن شخصًا يقول لآخر: اقتله، فهل يقتله ؟ لا، هذا الشيء صورة، والموت بيد الله، لكن:
﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً﴾
الأمثلة لديكم:
يروى مرة عن جمال السفاح، كان طاغية، فأودع عند مدير سجن القلعة سبعة عشر سجيناً كي يعدمهم فهرب أحدُهم، مدير السجن من شدة خوفه من جمال السفاح أرسل اثنين من الشرطة إلى باب الجابية، وأخذ شخصًا لا على التعين ووضعه معهم، فرجعوا سبعة عشر لكن هذا لم يفهم السببَ، أخذوه ووضعوه بين المعدومين، لما وصل إلى المشنقة سأل: ما القصة ؟ الستة عشر معروف وضعُهم، أما هذا الذي أُخِذ من الطريق، لما تبيَّن أنه سوف يعدم قال: والله أنا قتلت قتيلاً في زماني، ولم يعلم به أحد، فهذا الشرطي ساقه الله إلى هذا الشخص المجرم فأخذه، وأما السبعة عشر:
﴿ وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ﴾
إياك أن تتوهم أن إنسانًا يميت إنساناً إلا أن يأذن الله عز وجل.
﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾
بعض الشعراء العباسيين اسمه أبو العتاهية قال هذه الأبيات: لا تأمنِ الموتَ في طَرْفٍ ولا نَفَسٍ ولو تـمتعتَ بـالحُـجَّابِ والـحرسِ واعلمْ بأن ســـهامَ الموتِ نافذةٌ في كل مدرَّعٍ منـــــا ومـترسِ أراك لست بوقاف ولا حذرٍ كــــ الحافظ الخالق الأعواد في الـــغلسِ ترجو النجاةَ و لم تَسْلُكْ مسـالكَها إِن السفينةَ لا تجري على اليَـــبَسِ
﴿ أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة﴾
الدعاء نصف العبادة فعليك أن تلتزم به من الكتاب والسنة:
الإنسان قد يسافر إلى أجله، فأم حبيبة، من هي أم حبيبة ؟ زوجة النبي عليه الصلاة والسلام، وهي بنت أبي سفيان، بماذا كانت تدعو ؟ قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ))
يا ربّ، أتمنى عليك أن تطيل أعمارهم حتى أتمتع بهم , فهذا الدعاء لا أثر له.
((قَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ))
هناك أدعية ليست ذات معنى، مثلاً أسمعه أحياناً: يا رب لا تسألنا عن شيء، إذا كان الله يقول في القرآن:
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
فإياك أن تدعو بدعاء لا معنى له، الآن نصف كلام العامة ليس له معنى، يا رب تأخذ من عمري وتضع في عمر ولدي، لا يرد عليك، كلام لا معنى له، الله يطيل عمرك، كلام فارغ، العمر لا يطول ولا يقصر،
((قَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ))
عوِّدوا أنفسكم أن يكون الدعاء شرعي.
أطوار الموت:
1- لايعرف صاحبه بأي أرض يموت:
يقول عليه الصلاة والسلام فيما يرويه البخاري في صحيحه عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ إِلَّا اللَّهُ وَلَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ وَلَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِلَّا اللَّهُ وَلَا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا اللَّهُ))
إنسان خطب فتاة وهو غني جداً، وكان له عمل متعلق بالخارجية، أرسل في مهمة إلى واشنطن، فهذا عَقَد قرانه عليها خارج المحكمة، وذهب إلى واشنطن، نزل من الطائرة، وبينما هو واقف في غرفة المسافرين فجأةً مات في المطار، لقد ركب سبع عشرة ساعة ليموت في واشنطن " وما تدري نفس بأي أرض تموت ".
2- الموت يأتي على هيئة صاحبه:
إنّ طريقة الموت مدروسة، وأحيانًا تلخص كل عمرك، شخص ركّب صحنًا لتلفازه، والصورة غير واضحة، وشجرة كينا أغصانها أمام الصحن تحجب الصورة، فوضعَ سلَّمًا وصعد على الشجرة، وفي أثناء قص الغصن لم ينتبه فأمسك الغصن وقصه فوقع مع الغصن ونزل ميتًا، هذا شهيد الصحن، فكيف، ولِمَ مات ؟ من أجل الصحن، أعرف رجلاً صالحًا جداً مات في المسجد وهو ساجد ليلة القدر بعد أن أتم ختم القرآن الكريم، فتأكَّدوا أن طريقة موت الإنسان تلخص كل حياته، فليست قضية صدفة، إنسان يموت في المرحاض أحياناً، وإنسان يموت في معصية، وإنسان يموت سارقًا، وإنسان يموت زانيًّا، وهناك رجلٌ قال لزوجته: أنا مسافر من أجل العمرة من منطقة الظهران، فجاء نعشه من شرق آسيا، وكان في وضع مشبوه، والآن يسافرون، ويسمونها سياحة جنسية، إنه مصطلح جديد، السياحة الجنسية يسافر ليزني، فهو أعلن أنه مسافر إلى العمرة، فذهب في سياحة جنسية، وكذب على الله كما كذب على أهله، فموت الإنسان يلخص حياته كلها، والموت مقدَّر بحادث مبرمج تماماً.
روى الإمام أحمد والترمذي في صحيحهما عَنْ أَبِي عَزَّةَ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَرَادَ قَبْضَ رُوحِ عَبْدٍ بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ فِيهَا أَوْ قَالَ بِهَا حَاجَةً))
3- مصير كل المؤمن والكافر أثناء قبض أرواحهما:
أيها الأخوة، في حديث صحيح دقيق جداً يروي كيف يقبض المؤمن ؟ وكيف يقبض الكافر؟.
فعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ وَكَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِنَا الطَّيْرَ وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ:
((اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ ـ يعني إذا انتهى أجله ـ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ ـ مواد عطرة ـ حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ قَالَ فَتَخْرُجُ - هذه النفس - تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ فَيَأْخُذُهَا ـ هي تنزل قطرة ببساطة بلا صوت، بلا منازعة ـ فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ قَالَ فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ يَعْنِي بِهَا عَلَى مَلَإٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ فَيَقُولُونَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى قَالَ فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ رَبِّيَ اللَّهُ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ دِينِيَ الْإِسْلَامُ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولَانِ لَهُ وَمَا عِلْمُكَ فَيَقُولُ قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ قَالَ فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ قَالَ وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ لَهُ مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ فَيَقُولُ رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي قَالَ وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ ـ متعلق في الدنيا منقطع عن الآخرة، أما المؤمن متعلق بالآخرة منقطع عن الدنيا ـ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنْ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ مَعَهُمْ الْمُسُوحُ فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَغَضَبٍ قَالَ فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ ـ يعني روحه تتوزع في جسده ـ فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ ـ نسيج يشتعل ـ وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَإٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ فَيَقُولُونَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ فَلَا يُفْتَحُ لَهُ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا ثُمَّ قَرَأَ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي فَيَقُولَانِ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي فَيَقُولَانِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ فَافْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنْتِنُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ فَيَقُولُ رَبِّ لَا تُقِمْ السَّاعَةَ))
فمثلاً أدخلْ قطعة خشب عليها مسامير بقدْر ألف مسمار، أدْخلها في صوف، وحرِّكها، فقد جمعت كل هذا الصوف، ثم اسحبها فمستحيل أن تسحبها وحدها، فتقطع معها العروق والعصب، هذه حال أهل الكفر عند الموت، لذلك المؤمن حينما يموت يقول لم أر شراً قط، حينما يرى مقامه في الجنة، والكافر حينما يموت يقول: لم أر خيراً قط، قد يكون دُعِيَ إلى ثلاثمئة وثمانين وليمة، وكل وليمة أطيب من الثانية، يقول لم أر خيراً قط، قد يكون ساكنًا في أجمل بيت، ويركب أجملَ مركبة، وعنده أجمل زوجة، ويتمتع بأكبر مكانة ووجاهة، لم أر خيراً قط، والمؤمن قد يكون فقيرًا، قد يكون مريضًا، وقد يعاني مشكلات كثيرة، فإذا رأى مقامه في الجنة يقول: لم أر شراً قط، وإليكم الآية الكريمة:
﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ﴾
4- الموت مصيبة على الكافر وليس على أهله:
يعني أهله حوله، منهم مَن يضع يده على جبينه، والثاني يا أبي هل أنت متضايق، سلامتك، أولاده حوله، وأيديهم فوق جسمه , " إذا بلغت الحلقوم، وأنتم حينئذ تنظرون، ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ".
﴿ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾
وقد ترى جنازة محمولة، هذه ليست جنازة، بل هو عبد ذاهب إلى ربه ليحاسب عن كل أعماله، عن كل أقواله، عن كل دخله، عن كل إنفاقه , عن زوجته، عن بناته، عن أولاده، عن كل كذبة كذبها، عن كل نظرة اختلسها، عن كل درهم أخذه حراماً، عن كل ابتسامة ساخرة " فوربك لنسألنهم أجمعين، عما كانوا يعملون " ثم لا يُؤذَن لهم فيعتذرون، وليست أمامه دورة ثانية، وليس له رب ارجعون .
﴿وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ * فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى * أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى﴾
5-لموت عرس المؤمنأما المؤمن في هذه الساعة الحرجة:
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾
6- العذاب الذي يتقطع به الكافر أثناء قبض روحه:
والآية الأخيرة:
﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾
في الدنيا إذا اعتُقِل المجرم يمكن من باب بيته للسيارة قد يُصفَع خمسين صفعة " "يضربون وجوههم وأدبارهم " أما إذا كان الإنسان مدعوًّا لاحتفال، وهو ضيف الشرف، يستقبلونه، ويفتحون له الأبواب، وقد فرشوا له سجادًا، ويجلسونه أولاً في قاعة الشرف، وقد تُقدَّم له كأس عصير، والورود أمامه، والفرق كبير شاسع بين واحد سيق ليحاكم، وإنسان دُعِي ليكرم.
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾
من قبل أن يقرع الباب فتحوه، ضيف عظيم مفتوحة له الأبواب كلها، يعني كل شيء مهيأ لاستقباله، فشتان بين مَن يساق إلى الله وفداً ؟ وأن يساق المجرم إلى ربه زمرا ؟ قد يكون أشخاص محكومون بأشغال شاقة، فيُؤخذون عشرة عشرة، فرق بين أن يساق الإنسان إلى الجنة وفداً، وبين أن يساق زمرا.
الأدلة عن اليوم الآخر قطعية فلا مجال للأحاديث الضعيفة في هذا المقام:
أيها الأخوة الكرام، أنا ملتزم بالآيات والأحاديث الصحيحة عن اليوم الآخر، هناك أحاديث ضعيفة، أو أحاديث موضوعة كثيرة، وقد تكون مؤثرة جداً، لكنْ هذا دين، إن هذا العلم دين، فلا يحتمل إلا الآية، أو الحديث الصحيح، والتعليقات التي قالها العلماء حول هذه الرحلة التي لابد منها.نحن كلنا محكوم علينا بالموت مع وقف التنفيذ، تمشي بالطريق فلان مات رحمة الله عليه، اليوم مات عميد كلية كذا، اليوم الطبيب الفلاني، اليوم فلان عميد أسرتهم، اليوم الشابة الفلانية، اليوم الشاب فلان، أنت تقرأ صفحات النعي كل يوم، لكن لابد من يوم يقرأ الناس فيه نعيَك، دخلتُ مرة في المغرب محلاً تجاريًا فقرأتُ عبارة فيه: [صلِ قبل أن يُصلَّى عليك]، لابد أن يقرأ الناس نعيَك في أحد الأيام، وهذا مصيرنا جميعاً من دون استثناء.
فرحة المؤمن وعرسه يوم لقاء ربه:
حكاية طالب من أول يوم بالعام الدراسي، وواقع الامتحان أمامه، قرأ الدرس ولخصه، وكتب التلخيص على دفتر، وناقش أسئلته، تُرى لو جاء هذا الموضوع فكيف أجيب ؟ احتلّت ساحة نفسه قضية الامتحان، فهو يستعد له ليلاً ونهاراً، صباحاً ومساءً، في المدرسة وفي البيت , وهو نائم، وقائم، وبالليل، وحينما يقرع جرس المادة الأولى يوم الخامس حزيران مثلاً، فقد هيَّأ نفسه، وكل وقته السابق مشغول بهذا اليوم، ومستعد للمواد كلها، وحلَّ مسائل ودرس اللغة العربية، ودرس الرياضيات، الامتحان ليس مخيفاً عنده، بل ممتع، لأن كل هذا الجهد خلال تسعة أشهر من أجل هذه الساعة.
دقِّقْ في حال المؤمن، يصلي، ويصوم، ويحج، ويزكي، ويغض بصره، ويضبط لسانه، ويضبط جوارحه، أب محسن، زوج محسن، ابن محسن، لصنعته متقن ، صادق لا يكذب له أوراده، له تلاوته، له أعماله الطيبة، كل أعماله فيها خير، فهذا إذا جاءه ملك الموت هل هو في محنة ؟ لا، الموت تحفته، والموت عرسه، وسأذكركم بحديث شريف: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ))
فرح مضاعف، يفرح يوم يلقى الله، لأن كل حياته استعداد لهذا اليوم، كل سعيه استعداد لهذا اليوم يوم الفرح، وعَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام:
((وَا كَرْبَ أَبَاهُ فَقَالَ لَهَا لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ يَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ يَا أَبَتَاهْ مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التُّرَابَ))
بعد فترة الموت لم يبق شيء، لا كرب على أبيك بعد اليوم.
الدليل من قصص الواقع:
مرة وقع تحت يدي كتاب لعالم جليل في تركيا، ألف كتيبًا صغيرًا عن التقيد بالسنة، ونبذ تقاليد الغربيين، وجرتْ تطورات في تركيا، فصار ممنوعًا ارتداء اللفة، وأرغموا الناسَ باللباس الغربي، فهذا الذي ألف هذا الكتاب سيق إلى المحكمة ليحاكم، فقد أخذ رخصة لطباعة الكتاب، والكتاب وفق الأنظمة، لكن هناك تعسف، فيروي زميله في السجن أنه كتَب مرافعة من حوالي ثمانين صفحة، جاء فيها: لم أخالف، فأولاً أخذت موافقة مسبقة، ونشر الكتاب بموافقة وزارة المعارف التركية، ولست مذنبًا، يقول صديقه في السجن: إنه مرة استيقظ بحالة فرح عجيبة لم يعهدها منه، الوضع غير طبيعي، ومزق كل أوراق المرافعة، ثمانين صفحة التي كتبها خلال شهر، فما القصة يا فلان ؟ قال له: رأيت رسول الله فقال لي: أنت ضيفنا اليوم، فمزق الورق واستبشر، وما رآه في حالة أسعد من هذه الحالة، في اليوم الثاني أُعدِم من أجل الكتاب، قصة قرأتها تأثرت لها.
فالإنسان عندما يشعر أنه دخل الجنة، فلا أحد في مثل فرحته يقول صديقه: أنا رأيته بحالة من حالات السعادة، والانطلاق، والسرور كهذه الحالة، لأنه قال له: أنت ضيفنا اليوم.
استبشار الصحابة عند لحظات الموت وبين غيرهم عند استقباله:
هناك حالات حين يتجلى ربنا عليك , وتذوق طعم القرب , تستحضر الموت عندئذ