- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (007) سورة-الأعراف
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الزينة تعني النظافة والثياب الحسنة :
أيها الأخوة الكرام ؛ الآية الواحدة والثلاثون من سورة الأعراف وهي قوله تعالى :
﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
أولاً : المؤمن كما وصفه النبي عليه الصلاة والسلام قال :(( أصلحوا رحالكم ، وحسنوا لباسكم ، حتى تكونوا كأنكم شامة بين الناس ))
وقال عليه الصلاة والسلام :((من كان له شعر فليكرمه ))
وكان عليه الصلاة والسلام يعرف بطيب المسك ، وكان إذا شرب الماء أبان القدح عن فيه .النبي عليه الصلاة والسلام كان مثلاً أعلى في النظافة ، وفي اللطافة ، وفي الرقة ، وفي حسن الأدب . يقول الله عز وجل :
﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾
الإنسان أحياناً يرتدي أجمل ثيابه ، في احتفال ، في عقد قران ، لكن يستضيع لنفسه يوم الجمعة وهو عيد المسلمين أن يأتي بثيابٍ ليست مقبولةً ، هذا مخالف للسنة ، لكن القرآن كما يقول بعض العلماء أو كما يقول الإمام علي كرم الله وجهه : القرآن حمّال أوجه .وفي تفسير اسمه التفسير الإشاري ، بعضهم فهم من هذه الآية أن الإنسان إذا أتى بيت الله عز وجل ، عليه أن يتزين ، الزينة تعني النظافة ، والثياب الحسنة , وتعني أيضاً أن يكون معك هدية إلى الله، هذه أيضاً زينة ، الهدية هي العمل الصالح ، فإذا أردت أن تدخل بيت الله عز وجل فليكن معك هدية له وهي خدمة عباده .
كيف أن الجندي الغر ، حديث العهد بالخدمة الإلزامية ، لو أنه فعل عملاً طيباً مع أعلى رتبه في هذه القطعة ، أنقذ ابنه من الغرق ، هذا العمل الطيب لو وقف هذا الجندي الغر على باب هذا القائد الكبير وقال للحاجب قل له : فلان ، لماذا يقتحم الغرفة اقتحاماً ؟ لأن عمله صالحٌ ، فهذا العمل الصالح إنقاذ ابنه من الغرق جعله يدخل بلا استئذان ، فأنت أيضاً إذا أردت أن تدخل بيت الله عز وجل ، ولك عملٌ صالحٌ قبل الصلاة ، لك خدمةٌ لعباده ، لك نصحٌ لهم ، لك إنصاف لهم ، لك معونةٌ لهم ، فإذا دخلت بيت الله لتتصل بالله ، معك له هدية ، هديتك خدمة عباده ، هذا التفسير الإشاري لهذه الآية .
التفسير الظاهري أن تكون نظيفاً ، وأن ترتدي ثياباً أنيقةً أو نظيفةً ، كي لا تؤذي المسلمين في بيت الله ، هذا معنى مقبول .
والقرآن حمّال أوجه ، ولكن المعنى الإشاري أنك إذا أردت أن تقبل على الله ، وأن تتصل به ، فليكن معك شفيعٌ من عملٍ صالحٍ وهو في أصله خدمة الخلق .
الدين إحسان للخلق واتصال بالحق :
أخواننا الكرام ؛ الدين له حقيقتان أساسيتان ، أو الدين يضغط بكلمتين ؛ إحسان للخلق واتصال بالحق .
﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
ممكن تعرف الدين بألف صفحة ، هناك تعريفات جامعة مانعة مضغوطة .الدين في حقيقته إحسان للخلق ، واتصال بالحق . فإذا أردت أن تتصل بالحق ، وأن تدخل بيت الله ، لتعقد صلةً مع الله ليكن معك زينة ، هذه الزينة بمعناها الظاهري ، كن نظيفاً ، أنيقاً .
بمعناها الإشاري ، ليكن معك عملٌ صالح ، أي كل العباد عباد الله ، إذا كنت صادقاً معهم ، ما غششتهم ، ما آذيتهم ، ما أحرجتهم ، ما أكلت مالهم بالباطل ، ما احتلت عليهم، كنت صادقاً مخلصاً ، هذه الاستقامة قبل الصلاة هي زينتك عند الصلاة .
﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾
الأوامر في القرآن الكريم :
الآن :
﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾
هذا أمر إباحة . نحن عندنا أمر وجوب .﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾
وعندنا أمر ندب .﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ﴾
وأمر إباحة .﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾
وأمر تهديد .﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾
هناك أمر تهديد ، وأمر إباحة ، وأمر ندب ، وأمر وجوب .الآن :
﴿َكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾
أمر إباحة ، لك أن تأكل ولك أن تشرب ، لكن إياك أن تسرف ، أي المعدة بيت الداء ، والحمية رأس الدواء ، والله سبحانه وتعالى في آيةٍ دقيقة قال :﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ﴾
خلقني فهو يهديني ، الفاعل هو .﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ﴾
لكن :﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾
ما قال : والذي يمرضني ، وإذا أمرضني ، لماذا عزي المرض إلى الإنسان ؟ لأن المرض في أصله خروج عن منهج الله ، وإذا كان هناك أمراض الآن تتناسب مع العصر ، هناك خروج جماعي عن منهج الله ، أو خطأ في حياتنا ، بسبب نقص في معلوماتنا ، فأحياناً هذه المشروبات الغازية كلها أصبغة كيماوية ، هذه تتراكم في أجسامنا ، الزيوت المهدرجة ، هذه ضارةٌ في أجسامنا ، فهناك خطأ في غذائنا أحياناً ، الضجيج ، الضجيج الصوتي ، والضجيج الإعلامي، هذا الهواء كله ملوث بالبث ، والضجيج ، من حيث المواد الكيماوية العالقة في الجو ، فإذا كان هناك أخطاء عامة ، ارتفاع بأمراض معينة ، فهناك أخطاء على مستوى العصر ترتكب، يحضرون الدجاج ، يطعمونه غذاء مكثفاً ، كله هرمونات ، أربعون يوماً بدون أن ينام ، هذا وضع غير طبيعي ، أولاً : متراكم في جسمه مواد هرمونية تعين على النمو دون أن ينام لحظة .فلذلك أحياناً هناك أمراض تستشري ، لا بسبب خطأ يقع من الفرد ، بل بسبب خطأ يقع من المجموع .
لذلك :
﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾
قال :﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾
قد يقول أحدكم : لمَ لم يقل الله عز وجل : ولا تسرفوا في الأكل والشرب ، ماذا يفيد هذا القول ؟﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾
لمَ لم يقل ولا تسرفوا في الأكل والشرب ؟ طبعاً لو قال : وكلوا واشربوا ولا تسرفوا في الأكل والشرب ، صار الإسراف مقيداً في الطعام . لكن :﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾
في أي شيء ، لا بالسهر، ولا باللقاءات المباحة ، أي شيء مباح ، شرعه الخالق جلّ وعلا إياك أن تسرف به ، ينقلب الإسراف في أي شيء إلى مضرة ، وإلى مرض ، فالمؤمن الحق معتدل في كل شيء .نصائح جمعت الطب كله :
طبيب من أطباء القلب ، له أربع نصائح ، أنا أقول هذه النصائح الأربعة جمعت الطب كله ، يقول : أولاً : كُل كل شيء ، ثانياً : باعتدال . ثالثاً : ابذل جهداً . رابعاً : وحّد لئلا تصاب بشدة نفسية . التوحيد يعطيك صحة نفسية ، وبذل الجهد يعطي صحة قوية ، لأنه أحد الأطباء يقول : أجدادنا سر صحتهم القوية لأنهم يبذلون جهداً عضلياً كبيراً ، ويتمتعون براحة نفسية ، نحن بالعكس ، نحن نتمتع براحةٍ جسمية ، مصاعد ، كل شيء مريح أوتوماتيك ، لا يوجد جهد ، لكن يوجد متاعب نفسية كثيرة ، أمراض القلب أساسها توتر نفسي ، وكسل عضلي ، أمراض القلب كلها بدءاً من الضغط ، وضيق الدسامات ، واحتشاء العضلة القلبية ، والتوتر النفسي ، والكسل العضلي ، كان أجدادنا عندهم تعب عضلي ، وراحة نفسية ، وإذا الإنسان أراد أن يتمتع بصحة إلى أمد طويل عليه بالتوحيد ، لأنه ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، وعليه ببذل الجهد ، أي العمل المجهد هذا عنوانه الصحة .
تلخيص لما سبق :
لذلك :
﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
إذاً الآية تفيد أنك إذا أردت أن تدخل بيت الله عز وجل ، ينبغي أن تكون متزيناً ، والزينة هنا تعني النظافة ، والثياب النظيفة ، والأناقة ، لكن المعنى الإشاري أنك إذا أردت أن تتصل بالله في بيته فلا بد من هديةٍ بيدك ، هذه الهدية هي خدمة عباده ، وكل واحد بعمله يستطيع أن يؤدي خدمات خالصة لله عز وجل ، لعباد الله الضعاف التائهين ، أصحاب الحوائج ، الكلمة الطيبة ، والمعونة الصادقة ، والحديث اللطيف ، والإخلاص ، والصدق ، والأمانة . أما الذي يتوهم ، أخي إذا ما كذبنا لا نعيش ، هذا كلام الشيطان ، لا تعيش ونص بالصدق ، إذا ما غششنا لا نأكل الخبز مساء ، تأكل أطيب أكل بدون غش ، هذا كله كلام الشيطان . لذلك :﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾
هذا أمر إباحة ، لكن النهي عن الإسراف في كل شيء ، لنفرض شخصاً أكل كل يوم بيضتين مثلاً ، احتمال أن يلتهب كبده احتمال قائم ، عليه أن يأكل بالأسبوع مرتين أو ثلاث، أما كل يوم فالطعام طيب مفيدة ، لكن إن أكله كل يوم هذا يضر بالصحة ، الدول الغنية أمراض القلب ثمانية أمثال الدول الفقيرة ، الدول الغنية الصناعية ، أمراض القلب عندها ثمانية أمثال الدول الفقيرة ، السبب كثرة أكل اللحوم ، حتى اللحم لو كنت غنياً إن أكلته بإسراف له مضاعفات خطيرة .﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾
حتى الأشياء التي تظنها خيراً – الفواكه مثلاً - لو أسرفت منها يوجد مشكلة .﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾