- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (007) سورة-الأعراف
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
التمسك بالقوانين الإلهية وجعلها منهجاً في حياتنا :
أيها الأخوة الكرام ؛ في سورة الأعراف قصص عدة عن أنبياء الله الكرام الذين أرسلهم إلى أقوامهم ، الشيء الذي يلفت النظر بعد أن حدثنا ربنا جلّ جلاله عن قصص الأنبياء جميعاً قال لنا :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾
وما أرسلنا في قرية من نبي ، هذه الآيات تأخذ طابع القانون ، المؤمن إذا قرأ القرآن الكريم ، ومرّ بآيةٍ فيها معنى القانون ، عليه أن يستمسك بها ، وعليه أن يجعلها منهجاً في حياته، مثلاً :﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾
قانون . مثل آخر :﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
قانون .﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾
قانون .﴿أَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾
قانون .﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
قانون . إذا أكرمك الله عز وجل ، وقرأت القرآن ، ومررت بآية فيها معنى القانون ، هذه الآية اكتبها واجعلها في جيبك ، واجعلها قانوناً في حياتك .سياسة الله مع عباده :
ذكرت هذه الآيات كي نستأنس بهذا القانون الجديد ، بعد أن حدثنا ربنا جلّ جلاله عن أقوامٍ كثيرين أرسل إليهم الأنبياء ، وأنزل معهم الكتب ، هؤلاء الأقوام كفروا واستهزؤوا وكذبوا فحاط بهم عذاب الله عز وجل .
من كل هذه القصص يستنبط القانون التالي :
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ﴾
معنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى أول شيءٍ يفعله يبلغ الإنسان ، يبلغه عن طريق نبي ، أو عن طريق رسول ، أو عن طريق عالم ، أو عن طريق داعية ، وقد يبلغ الحق عن طريق فاجر ، الإنسان في طريق خاطئ ، في معصية ، في انحراف ، يقال له : هذا حرام ، وهذا لا يرضي الله ،﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا﴾
هذا فيه قصر ، أي ما من قرية إلا أرسلنا إليها نبياً ، فإذا رفض الإنسان دعوة النبي ، إذا كذبها ، إذا سخر منها ، انتقل هذا الإنسان إلى مرحلة أخرى ، مرحلة العلاج .أول مرحلة : التبليغ بالحسنى ، كلام ، دعوة . المرحلة الثانية : بالعقاب :
﴿إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾
هؤلاء الذين أصابهم البأساء والضراء ماذا ينبغي أن يفعلوا ؟ ينبغي أن يتضرعوا ، فإذا تضرعوا توقف العلاج ، هؤلاء الذين جاءهم الأنبياء والمرسلون ، أو العلماء العاملون ، أو الدعاة الصادقون ماذا ينبغي أن يفعلوا ؟ ينبغي أن يستجيبوا ، فإذا استجابوا انتهى كل شيء ، وإن لم يستجيبوا انتقلوا إلى مرحلة أخرى ، مرحلة الشدة ،﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾
لماذا :﴿لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾
إنسان يأتي ربه بالدعوة الحسنة ، و إنسان يأتي ربه بعد الشدة ، كلاهما على العين والرأس ، واحد يأتي بالحسنى ، بالكلام ، لم يستجب بالكلام ، لم يصغ ، لم يهتم ، لم يعبأ ، هناك طريقة ثانية ، بالحمية ، ما احتمى ، هناك عملية ، تطبق الحمية أهلاً وسهلاً ، تحب بالعملية يوجد عملية ، فلما لم يستجيبوا، لما لم يؤمنوا ، لما لم يصدقوا ، لم يصطلحوا ، لم يعودوا ، لم ينيبوا ،﴿إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾
وهم في البأساء والضراء إذا تضرعوا انتهى البأساء والضراء .مثلاً طبيب قرر استئصال كلية ، وقبل أن يجري العملية عمل صورة أخيرة فإذا بها تعمل ، هل يعمل العملية ؟ مستحيل ، فإذا
﴿أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾
فإذا تضرعوا رفع الله عنهم البأساء والضراء .المرحلة الثالثة : دعوا بالحسنى فلم يستجيبوا ، ساق الله لهم الشدائد فلم يتضرعوا ، المرحلة الثالثة كي يقطع الله عليهم الحجة يعطيهم ، يمدهم ، كانوا في فقر هذا مال ، كانوا في قحط هذه أمطار ، كان كل شيء مغلقاً الآن كل شيء مفتوحاً ،
﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ﴾
المرحلة الثالثة مرحلة التبليغ القولي ، ثم مرحلة سوق الشدة ، والبأساء ، والضراء ، بالتبليغ القولي عليهم أن يستجيبوا فإذا استجابوا انتهى كل شيء ، ما استجابوا جاءت الشدة والبأساء والضراء ، عليهم أن يتضرعوا ، ما تضرعوا هناك مرحلة ثالثة ، الثالثة الإكرام الاستدراجي ، إكرام استدراجي ، يوجد فقر هذا غنى ، يوجد شدة هذا رخاء ، يوجد مرض هذه صحة ، ليقطع الله عليهم الحجة ،﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا﴾
الحسنة أنستهم السيئة ، الرخاء أنساهم الفقر ، الصحة أنستهم المرض ، يقول لك : أصبحت ذكرى ،﴿حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا﴾
هي الحياة هكذا ، يوم لك ويوم عليك ، نسي الله نهائياً ، يقول لك : الحياة مد وجزر ، دولاب ، مرة لك ومرة عليك ، يوم أبيض ويوم أسود ، يوم حلو ويوم حامض ، نسي الله ، نسي القرآن ، نسي المعالجة ، جعل هذا من الدهر .﴿وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾
يسب ابن آدم الدهر ، يسبني ابن آدم حينما يسب الدهر ، وأنا الدهر أقلبه كيف أشاء ، المرحلة الثالثة : جاءهم الرخاء ، فنسوا بالرخاء الشدة ، وقالوا : هذه أحوال الناس ،﴿حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ﴾
.المرحلة الرابعة : صاروا جاهزين للضربة القاصمة :
﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾
هذا قانون . أربع مراحل : أول مرحلة الدعوة بالكلام ، الثانية بالبأساء والضراء ، الثالثة الرخاء الاستدراجي ، الرابعة القصم ، هذا القانون يطبق على الأمم والشعوب والأفراد، إنسان الله عز وجل يسوقه لك كي يبلغك الحق ، ليتك استجبت ، ليتك أنبت ، ليتك أصغيت ، ليتك اهتممت ، لا . يوجد بأساء وضراء ، ليتك تضرعت ، انتهت البأساء ، ما تضرعت يوجد استدراج إكرامي ، إكرام استدراجي ، خذ ، ليتك تأثرت ، ليتك شكرت ، لا ، نسيت وقلت : هكذا الحياة ، مدٌ وجزر ، أخذٌ وعطاء ، غنى وفقر ، صحةٌ ومرض ، يوم لك ويوم عليك، حتى قالوا :﴿مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ﴾
القضية طبيعية جداً ، شيء مألوف ، سنة محل وسنة خير ، سنة شدة وسنة فقر ، هذه المرحلة الثالثة ، الرابعة : وضعوا في خانة الإهلاك .﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾
.ميت القلب من ضاقت به الدنيا ولم يتأثر :
أخواننا الكرام ؛ هذه سياسة الله مع عباده ، وهذه سنة الله في خلقه ، وهذا قانونٌ مستنبطٌ من قصص الأنبياء ، أنا أرى أن أسعد إنسانٍ هو الذي يستجيب إذا سمع الحق ، هذا أرقى إنسان ، أعمل عقله ، هناك مرتبة أدنى ، حينما تأتي الشدة يستجيب ، أيضاً على العين والرأس ، لعلهم يتضرعون ، لكن الثالث جاءه الرخاء ، كان بضيق صار برخاء ، كان بفقر صار بغنى ، كان مريضاً خطط فإذا به لا يعاني من شيء ، بهذا المكان شخص ركب سيارته ، أصيب بجلطة فاصطدم رأسه بالمقود ، أخذ إلى المستشفى كان صديقه قريباً منه ، أخذه إلى المستشفى ، بالعناية المشددة صحا فطلب مسجلة ، وشريط كاسيت ، المحل الفلاني لأخواتي أنا اغتصبته ، البيت الفلاني ، الأرض الفلانية ، صرح بكل الحقوق ، معنى هذا أنه تاب ، بعد يومين تعافى أحضر الشريط وكسره ، بعد ثمانية أشهر جاءت القاضية ، كان هذا إنذاراً مبكراً ، مات فجأةً موتاً نهائياً .
أخواننا قانون دقيق ، أول مرحلة إعلام ، كلام ، إن كنت ذكياً جداً على الكلام ابدأ ، استفد ، لم يستفد بالكلام ، يوجد شدة ، إن كنت أقل ذكاء تضرع يتوقف البلاء ، ما تضرعت ، يوجد رخاء استدراجي ، بالرخاء اشكر ، يا رب لك الحمد ، بدلت فقرنا غنى ، بالرخاء ما استفدت، المؤمن يفهم على الله ، المؤمن عنده حساسية بالغة ، المؤمن لأدنى ضيق يقول لك : معنى هذا أنا مرتكب شيئاً سيئاً ، هذه الآية أخواننا الكرام قانون ، سنة الله في خلقه .
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا﴾
تركيب قصري .﴿إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ﴾
ما تضرعوا﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا ﴾
نسوا .﴿وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾
هنيئاً لمن يستجيبوا بالدعوة القولية . هنيئاً لمن يستجيبوا بعد البأساء والضراء . هنيئاً لمن يأتي بالرخاء . الويل لمن لم يستفد لا من الدعوة السلمية ، ولا من البأساء والضراء ، ولا من الرخاء ، هذا عندئذٍ يتعرض لإهلاك الله عز وجل له .لذلك دققوا في هذه الكلمة: من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر ، هو المصبية ، إذا الإنسان ضاقت به الدنيا وما تأثر ، ولا استجاب ، ولا صحح ، ولا أناب ، ولا تاب ، هذا ميت القلب ، الله سبحانه وتعالى قال :
﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾
كم مرحلة ؟ أربع ؛ الأولى دعوة قولية ، والثانية دعوة عن طريق الشدة ، والثالثة عن طريق الرخاء ، والرابعة القصم .