- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠11برنامج كلمات مضيئة - قناة الشارقة
مقدمة :
الدكتور عمر :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه ، يا سيدي يا رسول الله ، صلاة وسلاماً متلازمين إلى يوم الدين .
أما بعد : أحبتي في الله أحييكم جميعاً أينما كنتم في الأرض بتحية الإسلام والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، كن صاحب استقامة لا طالب كرامة ، هكذا قال لنا علماء القلوب ، وإذا استقام القلب استقامت الجوارح هكذا علمنا أهل العلم وهكذا علم السلف الخلف كيف يستقيم الإنسان على طريق الخير وفي طريق الخير ، وكل يوم يقول المسلم والمسلمة سبع عشرة مرة على الأقل اهدنا الصراط المستقيم ، فما هي الاستقامة ؟ ما تعريفها ؟ كيف نستقيم على طريق الله ؟ ما الذي حدث للأمة عندما بدأت في خط الانحراف ؟ هل هي تبعت سنن من كان قبلنا ؟ واستغرب البعض منا أو صار غربياً ، وأثّرت عليه أفكار هؤلاء الذين لم يستنيروا بنور الله عز وجل ، أم أن الشرور الموجودة بالنفس الأمارة بالسوء تضع عراقيل أمام قضية الاستقامة ؟ وهل البعد عن الاستقامة هل هذا من الأزل عندما وجد الإيمان وجد الانحراف ؟ عندما تاب آدم عصى إبليس ، عندما قتل الأخ أخاه ووارى سوأته وقال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب وأصبح من النادمين ثم بعد ذلك توالت الأحداث أم أن الإسلام من فضل الله ورحمته رسم لنا الطريق وما تعبنا إلا عندما ابتعدنا عن طريق الله عز وجل ؟
ترحيب حارٌ من الدكتور عمر بالأستاذين الكريمين :
طريق الاستقامة موضوع ثري ومن فضل الله عليّ شخصياً أولاً والمشاهدين والمشاهدات أن أصحبكم مع الضيفين الجليلين والعالمين الكبيرين الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق .
الدكتور راتب :
بكم أيها العالم الجليل أنت أستاذنا .
الدكتور عمر :
وأرحب أيضاً بأخي الدكتور عربي الكشاط ومعه دكتوراه في علم الاجتماع من جامعة السوربون وعميد الدعوة في باريس نحييكم وأهلاً بكم جميعاً في حلقتنا هذه لنجدد اللقاء بما تثري به أسماعنا وتنتقي ألفاظاً نرقى بها بعد هذا التلوث السمعي معذرة الذي نسمعه في أماكن كثيرة .
الدكتور عربي :
شكراً لك دكتور عمر وهذا من إيحاءاتك ، يغيب عنا في هذه الحلقة الأخ الكريم الدكتور سعد الدين الهلالي لانشغاله في الجامعة ولكن يلحقنا في الحلقات القادمة إن شاء الله رب العالمين ونبدأ بالدكتور راتب النابلسي ، دكتور راتب الاستقامة يعني نريد أن نهيم معك بقلوبنا وعقولنا في وادي الاستقامة ، وأسمعنا مما علمك الله من فضله ورحمته .
كل إنسان في أصل جبلته مفطور على حبّ الكمال والجمال والنوال :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين أمناء دعوته وقادة ألويته و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، لابن القيم كلمة رائعة يقول من أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه ، ومن أعجب العجب أيضاً أن تحبه ثم لا تطيعه
فالإنسان حينما يعرف من هو الله ، حينما يعرف الآمر ثم يتلقى أمره يتفانى في طاعة الآمر ، أما حينما يعرف الأمر بحكم دراسته في المراحل المدرسية أو حضوره بعض الخطب ، حينما يعرف الأمر ولا يعرف الآمر يتفنن في التفلت من الأمر ، ذلك أن الإنسان في أصل جبلته مفطور على حبّ الكمال والجمال والنوال ، الله جل جلاله أصل الكمال و الجمال والنوال فإذا عرفنا الله تفانينا في طاعته .
من أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه ولكن ...
الدكتور عمر :
ما عودنا إلا خيراً .
الدكتور راتب :
على وجه الأرض ستة آلاف مليون إنسان كل هؤلاء من دون استثناء جبلوا جبلة واحدة واكتسبوا فطرة واحدة هم جبلوا على حبّ وجودهم وعلى حبّ سلامة وجودهم وعلى حبّ كمال وجودهم وعلى حبّ استمرار وجودهم .
الدكتور عمر :
عند الصغير والكبير .
الاستقامة على أمر الله أساس سلامة وجود الإنسان :
الدكتور راتب :
بدل أن نقول جبلوا أو فطروا أو برمجوا أو ولفوا في المصطلحات الحديثة ، هناك حبّ الوجود وحبّ سلامة الوجود وحبّ كمال الوجود وحبّ استمرار الوجود ، والإنسان أعقد آلة بالكون ، تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز ، ولهذه الآلة صانع حكيم ، ولهذا الصانع تعليمات التشغيل والصيانة ، الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها هي الجهة الصانعة فلذلك الإنسان حينما يستقيم على أمر الله .
الدكتور عمر :
دكتور راتب الجهة الخالقة حتى لا يطلع لنا واحد ويقول لنا ، الله يرضى عليك يا رب .
الدكتور راتب :
الإنسان حينما يستقيم على أمر الله يحقق سلامة وجوده ، يحقق سلامة وجوده لكن حينما يعمل الأعمال الصالحة يحقق كمال وجوده ، أما إذا ربى أولاده تربية إيمانية يحقق استمرار وجوده ، سلامة الوجود أساسها الاستقامة على أمر الله وهذا موضوع هذا اللقاء الطيب ، وكمال الوجود هو البذل والعطاء عندئذ يرقى إلى الله دائماً هناك من يسأل في بعض حلقات العلم أنه هو مستقيم على أمر الله لكن لا يشعر بسعادة ، أنا أجيبه السعادة تحتاج إلى عمل صالح ، إلى بذل ، الاستقامة كلها سلبية يقول لك أنا ما كذبت ، ما أكلت مالاً حراماً ، ما اغتبت ، أكثر صفات الاستقامة .
الدكتور عمر :
البعد عن المنهيات أو المحظورات .
الإنسان عندما يستقيم يحقق سلامته فقط أما السعادة فتحتاج إلى عمل صالح :
الدكتور راتب :
الإنسان لما يستقيم يحقق سلامته فقط ما أكل مالاً حراماً ، ما اغتاب ، ما كذب ، ما غش.
الدكتور عمر :
دكتور راتب أن تريد أن تقول أن الاستقامة هي الحد الأدنى في طريق أو سلوك العبد إلى طريق الله ؟
الدكتور راتب :
سأوضح نحن في طريق ؛ في هذا الطريق عقبات كأداء كبيرة هذه تحول بيني وبين السير في هذا الطريق بادئ ذي بدء لا بد من أن أزيل هذه العقبات ، في دخل حرام ، في علاقة آثمة ، في غيبة ، في نميمة ، في تساهل بالعبادات ، كلما أزلت عقبة أصبح الطريق سالكاً إلى الله أما العمل الصالح هو الحركة على هذا الطريق .
الدكتور عمر :
نحن مع الآثام في حقل ألغام وكلما نزعنا لغماً كلما أمنا سلامة خطوة .
الدكتور راتب :
فإذا نزعت جميع الألغام أصبح الطريق سالكاً ، متى نتحرك إلى الله ؟ بالعمل الصالح والعمل الصالح يرفعه ، بالمناسبة :
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾
أعمال الخير التي يمكن أن تنقلنا إلى الله عز وجل لا تعد و لا تحصى :
دكتور عمر بكل جيوش العالم في مجند وفي فريق وفي رتب بينهما ممكن مجند يلتحق بقطعة عسكرية ويقابل فريق بلا أذن ؟ مستحيل في كل جيوش العالم إلا في حالة واحدة أن يرى ابن هذا الفريق على وشك الغرق فينقذه يدخل ، هذا معنى قوله تعالى :
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا (110)﴾
الاتصال بالله يحتاج إلى عمل ، إلى عمل تقدمه بين يدي الله عز وجل ، خدمت إنساناً ، نشرت دعوة ، عالجت مريضاً ، أطعمت فقيراً ، رحمت أرملة ، الأعمال الصالحة كثيرة والطرائق إلى الخلائق بعدد أنفاس الخلائق ، فالإنسان يحقق سلامته باستقامته .
الدكتور عمر :
هل هي طرائق أم هي طريق واحد ؟
الدكتور راتب :
قصدت بالطرائق الأعمال الصالحة ، أعمال لا تعد ولا تحصى ، هذا أنشأ بناء ، مسجداً ، قصدي بالطرائق أعمال الخير التي يمكن أن تنقلنا إلى الله عز وجل .
الدكتور عمر :
دعني أن أكون أُذناً .
الدكتور راتب :
أنا شاكر جداً ، أنت أستاذنا ، أنت عالم جليل وداعية كبير وأخ حبيب .
لن نقطف ثمار الدين حتى نستقيم على أمر الله :
الآن الاستقامة يبنى عليها كل شيء ولا يبنى على فقدها شيء ، تقريباً التجارة هناك نشاطات في التجارة لا تعد ولا تحصى من شراء مكتب ، إلى شراء مستودعات ، تعيين موظفين ، سفر إلى معارض ، أخذ وكالات ، ترويج البضاعة ، دفع ثمنها ، توزيع الأرباح ، نشاطات لا تعد ولا تحصى ، أيمكن أن أضغط نشاطات التجارة كلها بكلمة واحدة ؟
ممكن إنها الربح فإن لم تربح فلست تاجراً ، سؤال الدين فيه نشاطات لا تعد ولا تحصى تأليف كتب ، إلقاء محاضرات ، حضور مؤتمرات إلى آخره ، هذا في الأصول ، في العقيدة ، في المواريث ، بأحكام الفقه ، للفقه المقارن ، بأصول الفقه .
الدكتور عمر :
هذا من الناحية العلمية والناحية التطبيقية .
الدكتور راتب :
أنا أرى أن هذه النشاطات الدينية بمجملها يمكن أن تضغط بكلمة واحدة هي الاستقامة فإن لم نستقم لن نقطف من ثمار الدين شيئاً ، ذلك لأن الدين عندئذ يصبح ثقافة إسلامية ، وخلفية إسلامية ، وأرضية إسلامية ، واهتمامات إسلامية ، ونزعة إسلامية ، شعور إسلامي ، اهتمام إسلامي ، في أقواس إسلامية ، في فسيفساء إسلامية ، في زخرفة إسلامية لا تعد ولا نحصى أما حينما أقطف ثمار الدين يجب أن أكون مستقيماً .
الدكتور عمر :
تحويل الأوامر إلى واقع في حياتي والبعد عن المَنهيات واقعاً أيضاً في حياتي .
عظمة الأنبياء أنهم ربطوا بين أقوالهم و أفعالهم :
الدكتور راتب :
وعالم بعلمه لم يعملنْ معذَّب من قبْل عباد الوثن
* * *
عظمة الأنبياء ما وجد أتباعهم مسافة إطلاقاً بين أقوالهم وأفعالهم ولا ينجح الداعية أساساً إلا إذا كان مستقيماً على أمر الله ، بل إنني أنتفع من أي عالم عدا عالم الدين ، من طبيب من مهندس من خبير يعنيني علمه فقط لا يعنيني سلوكه ، إلا أن الرجل الداعية لا يمكن أن ينتفع به أحد إلا إذا رأى أتباعه المسافة بين أقواله وأفعاله معدومة .
الدكتور عمر :
يعني إذاً استقامته هو بتطبيقه لما يقول هي إطار دعوته وصدقه وتصديقه .
الراحة النفسية و الشعور بالأمن يشدان الإنسان إلى الإسلام :
الدكتور راتب :
في نقطة واحدة لا بد منها ، الإنسان حينما يستقيم يقطف ثمار استقامته فالذي يشده إلى الله ، فكرة دقيقة جداً
الحقيقة الإسلام قدّم تفسيراً عميقاً متناسقاً دقيقاً للكون والحياة والإنسان ، قدم هذه التفسيرات بشكل رائع جداً ، إلا أن الذي يشدنا إلى الإسلام فيما أرى وقد أكون مخطئاً معاملة الله لنا بعد أن نستقيم على أمره ، بعد أن نصطلح معه ، الذي يشدنا إلى الله التوفيق ، التيسير ، الراحة النفسية ، الشعور بالأمن .
الدكتور عمر :
الذي لا تشترى بأموال الدنيا .
الدكتور راتب :
لذلك قال بعضهم : هناك علم بخلقه هذا اختصاص الجامعات في العالم ، وعلم بأمره هذا اختصاص كليات الشريعة في العالم الإسلامي ، أما هناك علم به ، العلم بخلقه وبأمره يحتاجان إلى مدارسة ، إلى كتاب ، وإلى معلّم ، وإلى شهادة ، وإلى امتحان ، هذه مدارسة ، لكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة ، لذلك قال أحد علماء القلوب جاهد تشاهد .
الدكتور عمر :
شكر الله لك وبارك الله لك هذه المجاهدة وتلك المشاهدة ، بارك الله فيك ، دكتور عربي هذا الكلام الجميل للدكتور راتب بصراحة يريح القلب ، لأنه لا نزكيه على الله يخرج كلامه من قلبه ، تشعر أن قلباً تكلم في صورة شفتين .
مفهوم الجاهلية :
دكتور عربي الجاهلية ليست فترة زمنية كما درس ويدرس لأبنائنا في مدارسنا في العالم الثالث ، تدرس أن الجاهلية كانت فترة سبحان الله انتهت بـ اقرأ ولكن فيما أرى وقد أكون مخطئاً أن الجاهلية إنما هي حالة تعتري البشر عندما يبتعد الإنسان عن هدي الله ويتمرد على حكم الله عز وجل ، قال تعالى على بعض الأقوام :
﴿ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى (17)﴾
الغرب انتقل من حالة عدائه للدين نتيجة ما صنعته الكنيسة في العصور الوسطى إلى مرحلة إنكار الدين ، ولذلك لما جاء دارون وهو أحد مثلث التغيير في الغرب بكتابه أصل الأنواع سنة 1859 م وقد بلغ من العمر خمسين عاماً ، دارون جاء بفكرة تعادي الدين تماماً وتصادم الفطرة الإنسانية وتصادم فكرة الاستقامة وبجواره كان البعد الآخر فرويد وقضية الكبت النفسي وعقدة أوديب ، وقبل ماركس الذي كان يقول الدين أفيون الشعوب و دورتايم الذي قال إن الدين ليس فطرة وإن الزواج ليس فطرة ، وعظم الغرب هذه الفكرة وللأسف الشديد درست لأبنائنا في كليات الآداب وقسم الاجتماع وقسم الفلسفة وأن هذه حقائق وأن هذه عقول كبيرة ، لا ننكر أنها عقول كبيرة ونحيي فكرها لكن لا نحيي فلسفتها لأنها فلسفة مبتوتة عن الدين تماماً ، لكن قضية الضلال نشأت مع بداية الهدى ، يعني إما هدى وإما ضلال قال تعالى :
﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا (50)﴾
أصبح الأمر إما حكم الجاهلية وإما حكم الله ، كالدنيا والآخرة ، كالليل والنهار إما هذا أو ذاك ، إذا قلنا إن جاهلية الآخر كانت عبارة عن إيمان مطلق بالحواس والمحسوس وإنكار للغيب ، ويحدثوننا الآن عن الحداثة وعن ما بعد الحداثة ، كيف ترى منظور الاستقامة الذي تنكب لها الآخر أو لم يعطها اهتماماً وقال إن الإنسان يُشرع لذاته ، أنت تعبر عن هذا المصطلح بقولك الذاتوية ، هل في كلامي هذا قد أكون أطلت قليلاً ، هل شرحت فكرة معينة تطيلها لنا بما تراه بموضوع الاستقامة .
الاستقامة سنة خلقية كونية وسنة خُلقية :
الدكتور عربي :
شكراً دكتور عمر وإذا سمحت لي بمقدمة خفيفة ، هذا المنبر منبرك ومن ثمرات الاستقامة أنك أتحت الفرصة لإخوانك كي يتواصلوا معاً هذا الدرب .
الدكتور عمر :
هذا منبركم .
الدكتور عربي :
وهذه حصة يستمع إليها كثير من المسلمين ويلاحظون منذ شرفك الله عز وجل بتنويرها بأنها حصة مستقيمة تقوم الفكر وتقوم نظرتنا إلى نفوسنا وإلى ما حولنا ومن حولنا ، لذلك أنا أقترح باسم المستمعين كلهم أن تضيف إلى استقامتها استقامة أخرى بعدم اكتفائك بالأسئلة وأسئلتك ليست أسئلة مستعلم ولكنها أسئلة معلمة ، وتضيف أيضاً إلى استقامتها ما وهبك الله عز وجل من أسلوب خاص يستطيع توظيف الطرفة الهادفة ويستطيع شد الانتباه بتقديم خفيف العلم لكي يتمكن ثقيل العلم من التمكن من القلوب والعقول .
اليوم سعدت كما سعد المستمعون إليك في خطبة الجمعة بتذكيرك لنا بأن هناك سنناً ، الكون يدور دورات سليمة بفضل عدم انحرافه عنها والاستقامة سنة خلقية كونية وسنة خُلقية في عالم الخلق الطبيعة لا تتمرد على سنة الاستقامة .
الدكتور عمر :
أتينا طائعين .
الدكتور عربي :
يعني مثل هذا الكأس ، هذه الطاولة ، هذه الورقة ، هذه مفردات يشاهدها الإنسان في عالم المادة كل مفردة تؤدي مهمة خاصة بها وهذه المهام كلها تتضافر ، لو جاء إنسان وخلع هذه القائمة لسقطت الطاولة إذاً الاستقامة هي ما يقوم به الشيء وما يضمن استمراره .
الإنسان مجموعة من الطاقات تحتاج إلى محفز و موجه :
في عالم الناس الإنسان مجموعة من الطاقات هذه الطاقات تحتاج إلى محفز وإلى موجه ، فإذا ما تخلى المحفز عن عملية التحفيز وغفل الموجه عن عملية التوجيه تضاربت هذه الطاقات ومن هنا نلاحظ أن فلاناً من الناس قد يستقيم وقد لا يستقيم ، وأن ثقافة من الثقافات قد تستقيم إلى حين وقد تنحرف ، يستطيع الإنسان ألا يعرف نظرية الجاذبية الأرضية ويعيش قبل نيوتن لم يكن التفاح يسقط ؟ كان يسقط إذاً جاء نيوتن بعبقريته الخاصة وفي محيط اجتماعي خاص فلاحظ هذا وسجل هذه الحقيقة فالعلم البشري كشاف لا خلاق .
الدكتور عمر :
لأنه موجود .
الدكتور عربي :
والتراكم المعرفي جعل الناس يدركون بشكل بسيط ، بشكل تقريب عفوي أن المعادن تتمدد بالحرارة ، لكن هذا التضخم في عالم المادة كان على حساب ظهور ملاحظة السنن الاجتماعية هل المشكلة ، هناك فجوة كبيرة بين المستوى العلمي والضمير الخلقي ، أوجدها الآخر وارتفعت أصوات في الجهة الأخرى لكنها كانت أصوات خافتة ، مثلاً أحدهم يقول : العلم دون ضمير خراب . ولكن على مستوى الفرد تفضلت في المقدمة فذكرتنا بالذين تركوا بصمات سلبية دارون ، و فرويد ، وماركس ، لم يبدعوا في عالم المادة ، الناس عندنا يظنونهم علماء لا لم يبدعوا شيئاً ، أنا مثلاً إن تحدثت عن دارون وفرويد وماركس وغيرهم يعني أذكر قمة باستور ، أذكر قمة من قمم الفكر أن هؤلاء كلود برنارد الذي ترك للأطباء مبدأً ذهبياً عندما يقول أنا لا أهتم بالجراثيم بقدر ما أهتم بالمزاج الداخلي ، عملية تقوية جهاز المناعة المعنوي ، هذه المشكلة إذاً لكن كما أقول دائماً إذا أصيب إنسان بزكام لما أعطس مكانه أنا ، المشكلة بعض الزعانف عندنا يعطسون لأن الآخرين مزكومون .
الدكتور عمر :
لأنهم زعانف ، لو كانوا رؤوساً لما عطسوا .
الحياة بمفهوم الغرب هي إرادة القوة :
الدكتور عربي :
الرأس يشمخ ويرتفع ولا يلتقط الفضلات ، الآن مثلاً أنا من حين لآخر اقرأ ما يكتب ، ما ينشر في الإعلان المكتوب أو المقروء عندنا فأجد بعضاً من جماعتنا يقولون : أن العالم العربي والعالم الإسلامي متأخر ، أولاً متأخر بالنسبة لأي
شيء نسبياً تأخر في أي ميدان هذه مسألة
المسألة الأخرى يقولون الخروج من هذه المآزق بالتنويع ، أكثر من مئة كتاب خرج في باريس وحدها يحمل عناوين مخيفة من جملة هذه العناوين إفلاس العقل ، نهاية العقل ، التنوير المظلم ، هذا لسنا نحن ، هذه المشكلة ، جماعتنا الآن يرتكبون خطأً تاريخياً نحن الآن الغرب خرج من فترة الحداثة ، الآن ما بعد الحداثة وآخر ما وصل إليه الغرب الآن ليس الإنسان ما بعد الإنسان ، الآن الإنسان لم يعد إنساناً ، الآن نحن في مرحلة تسمى مرحلة ما بعد الإنسان لماذا ؟
الدكتور عمر :
كما بعد الحداثة .
الدكتور عربي :
ما بقي ما بعد الحداثة انتهت .
الدكتور عمر :
دكتور عربي حتى الجمهور يكون معنا ، الحداثة التي يقصدونها هي قطع الصلة بالغيب .
فطرة الإنسان لا تتحمل أكثر مما يجب :
الدكتور عربي :
الحداثة كما تستنتج من بعض عبارات ديكارت ولم يكن هو الذي حمل الفأس إنما تمثلت في تقليص الوجود الإنساني فرداً وجماعة إلى المستوى الأفقي ، البعد الأفقي فقط ، قبل لمّا سقطت الدولة المؤسسة اللاهوتية ، سقطت الكنيسة ودورها ، وكان طبيعي تسقط لما ؟ كل ما لا يوافق الفطرة يسقط .
الدكتور عمر :
وهم صدموا الفطرة .
الدكتور عربي :
الفطرة لا تتحمل أكثر مما يجب ، الضغوط والأكاذيب ، إذاً فلما سقط البعد الشاقولي الذي يربط الإنسان بالله عز وجل أصبحت الساحة الأفقية يتضارب فيها الأقوياء وهنا قال أحدهم : البقاء للأقوى وليس للأصلح مثلاً ، والآن كثيراً من النقاد في الغرب بدؤوا يشعرون بما يسمونه الداروينية الاجتماعية ، الداروينية الاجتماعية تتمثل في الأقوى والحياة تساوي ماذا ؟ الحياة هي إرادة القوة ، لماذا عندما أعلن قال موت الإله ، هو كان يقصد فرض عليهن ومن معاني هذه الكلمة نفاذ المخزون الغربي من الناحية القيمية ، موت الإله في مفهوم نيتشه لم يعد الغرب قادراً على أن يستمد مواقفه ومسالكه من القيم .
ما قامت به الكنيسة في العصور الوسطى لا علاقة له بدين الله عز وجل :
الدكتور عمر :
دكتور عربي ما قامت به الكنيسة في العصور الوسطى هذا من اختراع الباباوات لا علاقة له بدين الله عز وجل ، واتهام أي إنسان ثم محاكم التفتيش ، فإذا كان هذا دين فالعقلاء قد .
الدكتور عربي :
هذه حقيقة ذكرتمونا بها وهذا يذكرني بمقولة خطيرة ذات شأن كبير لن يتنصر الغرب إنما الغرب غربن المسيحية أي جعلها غربية .
الدكتور عمر :
أوربا لم تتنصر .
الدكتور عربي :
لم تتنصر وإنما رونمت هذه المسيحية ، ولذلك يقول بعض النقاد الذين نقدوا الفكر الديني في أوربا يقولون من الخطأ أن نقول المسيحية الصواب أن نقول البوليسية نسبة إلى بولس ، الآن بعدما استنفذ الغرب تجاربه بدأ يرفع رأسه إلى الأفق ويقول أحد الرومانسيين : أن سماء أوربا لم تعد توحي بأي شيء ، ويقول أحد كبار الكتاب وكان شاعراً عملاقاً يقول : الرومانسية عندي أن أخرج مسدسي وأطلق أول رصاصة على أول من ألقاه . هذه الحياة أصبحت لا أهمية لها .
كل إنسان مسلم مسؤول عن عمله أمام الآخر :
الدكتور عمر :
دكتور عربي العجيب أنا أقرأ أبيات شعر لامرئ القيس وكأن الرجل يعيش في عصر العولمة وعصر ما بعد الحداثة ، يقول لعنيزة :
وكنت كذباح العصافير دائبـا وعيناه من وجد عليهن تهمل
فلا تنظري إلى العين وانظري إلى الكف ماذا بالعصافير تفعل
* * *
تعملوا لنا حقوق الإنسان وبعد ذلك أشياء والقضية نحن نبكي ، الاستقامة بدأت في التباعد عن الآخر لأنه أنشأ نظرياته وأفكاره بعيداً عن السماء أو بعيداً عن تعاليم السماء ، فبدأ خط الانحراف يأخذ هكذا ، مشكلتنا يتامى الشيوعية إذا جاز التعبير أو يتامى هؤلاء المفكرين الزعانف الذين عبرت عنهم ، ماذا نقول لأبناء جلدتنا ؟ نحن غير مكلفين كمسلمين لمجرد أن نسلم فقط وأن نسلم غيرها ، ليس دعوة قهر إلى الإسلام و لكن الآخر ينتظر منا لأنه مازالت كما قلنا في منظومة القيم مازال الغرب وما زال الآخر يحتاج إلى هدايتنا ، يحتاج إلى ما عندنا ، أصبح الشيء الموثوق منه والوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، إذا كنت أنا أيها المسؤول كمسلم أقصد من دعوة الآخر إلى ديني بسلوكي وأنا سلوكي معطوب وعملي ومواعيدي مخربة وألفاظي غير سليمة وأكذب وأغتاب ويعني :
ظلماً علينا أو قهراً علينا وجبناً عن عدوكم و لبئس الخلتان القهر والجبن
أنا بعد أن كان أنا وأخي على ابن عمي ، أنا وابن عمي على أخي وأنا والغريب على ابن عمي ، أصبحت هكذا ، هذا الانحراف وأنقل الموضوع للدكتور راتب هل الاستقامة لها خصائصها ؟ دكتور عربي رفع أفكارنا إلى وضع صورة متكاملة ماذا صنع الآخر بنفسه ؟ ونحن لا نريد أن نصنع بأنفسنا دون تجارب والحضارات أو المدنية أو سمها ما شئت .
العقل البشري محدود المهمة فعلينا ألا نجعله أداة مطلقة للمعرفة :
الدكتور راتب :
إلا أنني أتمنى عليكم أن أدلي ببعض المداخلات في الموضوع الذي كنا فيه قبل قليل ، أولاً هذه العين لا ترى إلا بوسيط هو الضوء فلو وضعنا في غرفة إنسان بصير وإنسان كفيف من دون ضوء يستويان ، هذه الحقيقة تنسحب على شيء آخر ، هذا العقل البشري بالأساس محدود المهمة فإذا جعلناه أداة مطلقة للمعرفة وقعنا في خطأ كبير هذا ما وقع به الغرب .
الدكتور عمر :
أن نطلق عنان العقل .
تكامل العقل مع الوحي :
الدكتور راتب :
هذا يقودنا إلى موضوع جداً هو أن هناك دوائر ثلاث دائرة المحسوسات ، وأداة اليقين بها الحواس الخمس واستطالتها كالميكروسكوب والتلسكوب ، ودائرة المعقولات ، وأداة اليقين بها العقل ، ودائرة الإخباريات ، وأداة اليقين بها الخبر الصادق .
فالمحسوسات شيء ظهرت عينه وظهرت آثاره ، أما في المعقولات غابت عين الشيء وبقيت آثاره ، لكن المشكلة الكبيرة أن هناك دائرة ثالثة دائرة الإخباريات شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به ، هذا الميزان مصمم للاستخدام بين خمس غرامات ، وخمسة كيلو ، وفيه ذواكر ، وأشياء دقيقة ، فإذا أردت أن تزِن به مركبة كسرته ، هل يعد هذا عيباً في الصانع ؟ أبداً العيب في المستخدم ، أنا حينما أعد العقل قوة إدراكية مطلقة أقع كما وقع الغرب في متاهات كبيرة جداً لذلك كما أن النور ضروري جداً لرؤية العين الأشياء المنظورة الوحي للعين كالنور تماماً فالعقل والوحي يتكاملان ، الإنسان يعقل ويتلقى الوحي من الله عز وجل .
الدكتور عمر :
عين الباصرة وعين البصيرة .
ابتعاد الغرب عن الدين و اعتماده على العقل فقط أوقعه في خطأ كبير :
الدكتور راتب :
لذلك حينما الغرب ابتعد عن الدين وطلقه واكتفى بعقله وقع في أخطاء لا تعد ولا تحصى .
في شيء آخر لي تعليق آخر ، هؤلاء كبار العمالقة الذين جاؤوا بأشياء غير صحيحة أنا أرى أن خطأهم ليس علمياً إنه خطأ أخلاقي والفرق بينهما ، أنا أحياناً قد أتوهم شيء وأقول هذا خطأ علمي أما حينما أعرف الحقيقة وأتكلم بخلافها كما لو أن مفتياً أفتى بجهل هو عند الله آثم ، أما المجرم الذي يفتي بخلاف ما يعلم من أجل الدنيا ، في نقطة ثالثة مثلاً دارون قال : إن لم يثبت العلم نظريتي فهي باطلة . هو يرى بكتاب أصل الأنواع أن الضفدع تأتي من الوحل وأن الفأر يأتي من خرق بالية وأن الدود يأتي من اللحم الفاسد ، العلم أثبت بطلان هذا ، دارون بكل ما يملك بما أنه جاء بالتطور فلا بد من مخلوقات مرحلية الآن كشفوا أحافير من خمسمئة وثلاثين مليون سنة تطابق تماماً المخلوقات التي تعيش معنا الآن إذاً ألغي المخلوق المرحلي ، لأنهم اعتمدوا على العقل وحده وبعدوا عن الوحي هذه مداخلتي التي أردت أن أدلي بها .
علاقة الاستقامة بالعقل :
سيدي الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط ، خط النقل الصحيح ، وخط العقل الصريح ، وخط الفطرة السليمة ، وخط الواقع الموضوعي ، ما علاقة الاستقامة بالعقل ؟ دكتور عمر بمثل منتزع من بلادنا في الشام في عندنا دمشق وحمص ، وأيام الشتاء القارسة في منتصف الطريق في النبك ، إنسان له مبلغ ضخم جداً في حمص أراد أن يذهب إلى حمص ليأخذ المبلغ فإذا لوحة كتبت في ظاهر دمشق الطريق إلى حمص مغلقة بسبب تاركم الثلوج في النبك ، يرجع ، لو أن دابة تمشي أين تقف ؟ عند الثلج ما الذي حكم العاقل ؟ النص ، ما الذي حكم غير العاقل ؟ الواقع ، فالإنسان حينما يعمل أن هذه الأوامر من عند الخبير .
الدكتور عمر :
سبحانه وتعالى .
الدكتور راتب :
لذلك إذا طبقها لسلامته ولسعادته ، فعلاقة الاستقامة بالعقل أن العاقل يحكمه النص بشكل أو بآخر ، إنسان يدخن المفروض إذا كان عاقلاً إذا قرأ بحثاً علمياً عن مضار التدخين أو قرأ حكماً شرعياً أن يرتدع ، الذي يدع الدخان بعد إصابته بالورم الخبيث في رئتيه ، هذا عطل عقله وهبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ، العقل والاستقامة ، العقل يقتضي أن نستقيم لأن العلاقة بين الأمر والنهي علاقة علمية سأشرحها في وقت آخر إن شاء الله .
من كانت فطرته وفق منهج الله عز وجل فسيكشف خطأه ذاتياً :
الفطرة : الفطرة الله عز وجل برمج وصمم هذه النفس البشرية بشكل رائع أنها تكتشف خطأها ذاتياً ، الآن بالطائرات الحديثة لوحة صماء إذا كان في خطأ يظهر رسالة ، الطائرة تنبئك بالخطر ، الإنسان مبرمج برمجة عالية جداً تؤكدها الآية الكريمة :
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾
فالإنسان بفطرته يكشف خطأه ذاتياً .
الدكتور عمر :
إذا تركها سوية دون أن يطمسها بإعمال عقله .
الدكتور راتب :
لذلك أنا قلت في بداية هذه المداخلة العقل الصريح ، الفطرة السليمة ، الواقع الموضوعي ، والنقل الصحيح ، هذه خطوط تتقاطع في دائرة واحدة هو الحق ، نقل صحيح غير موضوع وغير ضعيف ، أو تأويل صحيح بنص صحيح ، الفطرة السليمة ، مرة في إنسان دهس طفلاً في مدينة عربية الساعة الثانية ليلاً أرسله أبوه ليشتري له حاجة في الليل في الصيف ، دهسه ولم يدرِ به أحد كتب الضبط ضد مجهول ، هذا الإنسان لثلاثين يوماً لم يذق طعم النوم التقى بطبيب نفسي قال له ادفع الدية لأهل القتيل وإلا تبقى بهذه الحالة ، ما أحد عاقبه .
نحن لما ننتبه أن الإنسان فطرته مبرمجة وفق منهج الله ، الله عز وجل أمرك أن تكون مستقيماً فطرتك تقتضي ذلك ، أمرك أن تكون رحيماً تقتضي الفطرة ذلك .
الدكتور عمر :
الحقيقة أن الكلام مسترسل ونحن داخلين ومازلنا على باب الاستقامة نريد أن ندخل على وادي الاستقامة ولكن بعد الفاصل .
الاستقامة عين الكرامة :
الدكتور عمر :
مرحباً بكم أحبتي في الله مرة أخرى ونحن نتحدث عن هذا الموضوع المهم عن الاستقامة عين الكرامة ولا كرامة لإنسان أبداً إلا أن يستقيم على طريق الله سبحانه وتعالى ولذلك كان الشيطان إبليس عندما ضحك على أبينا آدم هزّ عنده وتراً حساساً قال :
﴿ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)﴾
والإنسان بطبيعته يتمنى أن ينقلب إلى ملك من الملائكة وهذا أمر يدغدغ مشاعر أي إنسان حتى اللص يتمنى ، بعض الناس في البلاد العربية اللص عندما يذهب ليسرق يقول الله يستر ، سبحان الله الفطرة لم تنطمس بعد ، وإنما هو يدعو الله عز وجل بالستر ، فهي فطرة في غير مكانها ، داعبه إبليس بهذا إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ، لو وضعنا أنفسنا مكان أبينا آدم عليه السلام أنا أصير ملكاً وأخلد ، نحن نتزوج ونتناسل حب البقاء ، أصير ملكاً فلا أخطئ ، مدخل إبليس هكذا مدخل مفكر إذا جاز التعبير ، الثاني يعمل عقله في إغواء الآخر .
الدكتور راتب :
ما كان في كذب سابقاً .
اختراع الآخر من عنده ديناً خاصاً له و وضع قوانين صارمة له :
الدكتور عمر :
ولذلك يقال أن ابن آدم لما تسمع الشيطان وتعصي الرحمن ؟ قال ما ظننت أن أحداً يقسم بالله كذباً :
﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)﴾
قضية طيبة أبينا آدم ولا أقول سذاجة فطرية ، أن واحداً يقسم له بالله إن أكلت أنت وزوجك من هذه الشجرة تصبح ملكاً ، سبحان الله ، ولذلك لما ارتكب أبينا آدم وتاب تاب الله عليه ، لكن إبليس عصى الأمر وعصيان الأمر أصعب من ارتكاب المنهج ، فلما عاد يا رب غفر له :
﴿ وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)﴾
نزل وقد تاب الله عليه ، دكتور عربي الآخر أوجد الإنسان بخطيئة والإنسان في الإسلام طاهر مطهر ينزل إلى هذه الدنيا نقياً طاهراً لا يحمل إنسان وزر إنسان ، إذا وقعت على ثيابه شيء من القذارة لا تغسل أنت ثيابك وإنما أنا الذي أغسلها ، بهذه المنظومة أو بهذا الفكر الذي لا يصادم الفطرة ، الآخر اخترع من عنده ديناً خاصاً له إذا جاز التعبير ، لماذا الغرب وضع قوانين صارمة له واحترمها الجميع ؟ لا يستطيع أحد أن يتهرب من الضرائب ، الإنسان تحت القسم لا يستطيع أن يكذب ، يقف الكل في طابور ينتظر دوره ، ما الذي شوش عنده مسألة الاستقامة عن الفطرة ؟ هي فطرة يجب أن تكون سليمة دكتور عربي برأيك ما شاء الله .
العقلانية عند الغرب فقط في مجال المادة :
الدكتور عربي :
هو في مقدمتك الدافئة أشرت إلى ضرورة ترجمة الاستقامة إلى مواقف إنصاف ، الآن نحن الغرب والشرق متداخلان ، الغرب الإبداع المادي ، المشكلة لأن الناس عندما يستمعون عندنا يقولون كيف ، نحن لا نظلم الغرب :
﴿ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ (85)﴾
التسهيلات والترقيات المادية لم تكن ثمرة الغريزة إنما كانت ثمرة احترام الغرب للعقل في فترة من فترات حياته ، الآن لا تستغربوا إذا قلت لكم ما في عقل في الغرب لا تستغربوا ما في عقل .
الدكتور عمر :
رغم هذا الذي نراه ؟
الدكتور عربي :
نحن نرى آثار استخدام العقلانية في مجال المادة ، اليوم التاريخ يحدثنا بأن المجتمعات البشرية أول ما تنشأ تنشأ بباعث سماوي ، ولحكمة ما يقسم القرآن الكريم :
﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)وَطُورِ سِينِينَ (2)وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)﴾
قال المفسرون : الشجرة نفسها أم الأماكن نفسها ، لما هذه الأماكن ؟ هذه الأماكن كانت منطلقات لتنفيذ أمر الله عز وجل ، التين والزيتون إشارة إلى رسالة موسى وعيسى والخاتم صلى الله عليه وسلم ، المجتمعات تنصب شبكاتها الاجتماعية بوحي من فكرة تتجاوز مستوى الإنسان ، حتى فكرة الخلود الذي أشرت إليها كان أبانا آدم عليه السلام يشعر بمحدوديته زماناً ويشعر بمحدوديته إرادة .
تخلي أوربا عن الدين و مع ذلك لم تستطع أن تُسكت صوت الفطرة :
لذلك :
﴿ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)﴾
فالمرحلة الثانية مثلاً أوربا لما تخلت عن الدين وكان تخليها عن الدين نصراً جديداً للإنسان ، كما يقول المثل الفرنسي أراد الناس أن يتخلصوا من الدين فتخلصوا من الدين ومن كل ما يمت بصلة إلى أي دين . في مثل فرنسي يقول : رمى الرضيع ورمى الماء الذي غسله به .
والغرب عنده مجروح الآن كلما ذكرت كلمة دين خاف ، خاف من الكبت ، خاف من الظلم .
الدكتور عمر :
هذه بقايا من رأيه أم بقايا من الفطرة السوية تنغص عليه حياته لإنكاره للدين ؟
الدكتور عربي :
لأنه كانت حملات عنيفة ضد الدين ومع ذلك هذه الحملات لم يستطع ذويها أن يسكت صوت الفطرة .
الدكتور عمر :
لم تنطمس الفطرة ؟
الدكتور عربي :
لم تنطمس الفطرة .
الدافع الذي يتحكم في سلوكية الناس هو الغريزة و ليس العقل :
لذلك أيضاً بعض ما نراه من تشوهات سلوكية ، هذه عملية تعويضية ، إنسان لا نراه من انحرافات في العلاقات بين الجنسين كما نراه من انحرافات في العلاقات الاقتصادية مثلاً ثقافة تؤثر أن ترمي أطناناً من القمح في البحر حتى لا
يغلى ثمنها وآلاف ملايين الأطفال يموتون في قارات أخرى أي حضارة هذه ؟ أي ثقافة هذه ؟
ثقافة الجزء الشمالي من الكرة الأرضية مأهول بأقل من عشرين بالمئة من البشر وهؤلاء العشرون بالمئة يملكون أكثر من ثمانين بالمئة ، هذا اختلال كبير ، على ماذا يدل هذا ؟ هذا الإنسان الذي انسحب الدين من ساحته الاجتماعية ظلت الفطرة الدينية توقظه في كل ركن من أركان حياته ، كما تفضلت بتذكيرنا بالحداثة ، الحداثة ماذا تعني ؟ الحداثة مزامنة للاستعمار ، الحداثة التخلص من الإله ، التخلص من الكنيسة ، التخلص أيضاً من استغلال الثروات واستعمار الشعوب واحتلال البلاد .
الدكتور عمر :
نسمي بدل الاستعمار الاستدمار أو الاستخراب .
الدكتور عربي :
الاستدمار أفضل ، كان الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله من أئمة البيان في الجزائر كتب سلسلة مقالات عنوانها كلمات مظلومة من جملة الكلمات المظلومة كلمة استعمار استعمركم فيها ، قال هذا الاستعمار يخرب لا يعمر رحمه الله ، الآن الدافع الذي يتحكم في سلوكية الناس هو الغريزة وأصبح العقل الآن يساوي أداة ، العقل يستخدم أداة للحصول بأي ثمن على ما يلبي شهوات الناس .
الدكتور عمر :
بعقلنة كل شيء .
الاستقامة هي المحور الثابت الذي يضمن للناس أن ينشؤوا علاقات اجتماعية سليمة :
الدكتور عربي :
لذلك في مصطلح في اللغات الغربية ليس العقل ، ممكن أن أترجمه بالعربية العقلانوية ، ليس عقل الذي كان يقول مثلاً ديكارت ، نحن كنا نقول الواقع ، الآن يقول أحد آخر نجم من عظماء الفكر الغربي يقول : نحن كنا نخدع أنفسنا بالغرق فيما نسويه بالواقع ، قال حتى هذا الواقع منذ الحداثة واقع افتراضي وليس واقعاً حقيقياً . ويقول نحن الآن في واقع افتراضي وانتهينا إما وإما .
الدكتور عمر :
الواقع المتخيل .
الدكتور عربي :
يقول الواقع الذي تخيلناه إما وإما ، الواقع الذي تخيلناه على حساب الفطرة الآن استنفذ أغراضه وأصبحنا الآن أموات أحياء .
الدكتور عمر :
أصبح في فضاء .
الدكتور عربي :
ما عندهم ، والاستقامة هي المحور الثابت الذي يضمن للناس أن ينشؤوا علاقات اجتماعية سليمة ، الاستقامة هذا الذي جاء إلى سيدنا سعد رضي الله عنه جندي بسيط من جنود المسلمين ويأتي بتاج كسرى ، ولا يعلن عن اسمه ، هذا العقل عنده لم يكن وسيلة لإشباع رغبة من رغباته إنما كان المحور الثابت إرضاء الله عز وجل ، فإن رب عمر يراني ويعلم اسمي ، قال له عمر يريد أن يعرف اسمك ، قال رب عمر يعرف اسمي .
فقدان الغرب الأسس و المقومات :
الآن أشبعنا الغريزة نأتي الآن بالعالم الإسلامي ، العالم الإسلامي يعني انحرافنا سيئة مضاعفة لماذا ؟ لأن الغرب معذور فقد الأصول والمحور ، الثوابت فقدها ، يقول مفكر فرنسي كبير وهو حي يرزق قال : أزمتنا الآن الخانقة أننا فرغنا من جميع اليقينيات ، لا شيء يقيني حتى الإنسان ، حتى الإنسان لا يقيني .
الدكتور عمر :
كيف يعيش الإنسان هذا الفراغ ؟ يقول علماؤنا يا رب لا كرب وأنت رب ، الله يرحم شيخنا الشعراوي يقول : لا يقلق من له أب فكيف الذي له رب ؟ كيف يعيش هذا بهذا المنطق .
الدكتور عربي :
هذه مشكلة الغرب أنه فقد المقومات ، الأسس .
الدكتور عمر :
لكن سيئاتنا أيضاً مضاعفة .
الدكتور عربي :
منذ أيام كنت واقفاً في طابور من الطوابير وكانت موظفة وحيدة ، والكراسي الأخرى فارغة والطابور كان ضخماً ، كان أمامي رجل يحمل طفله ولاحظت أنهما كادا يسقطان تعباً فتكلم الرجل لست أدري ماذا قال للموظفة فغضبت وماذا كان جوابها ؟ قال من فضلك أسرعي أنا أكاد أسقط والولد يكاد يموت ، قالت وربنا كبير ، أنا سكت لكن قلت هذه الكلمة عظيمة ، في هذا المكان ، لكن قلت ما مدلولها النفسي والاجتماعي ؟ الله كبير ، إذا قلنا الله أكبر ، أكبر من شهواتي ، أكبر من كسلي ، أكبر من أداء الواجب ، فكلماتنا عظيمة الله أكبر ، لما كلمة سيدنا بلال رضي الله عنه يقول أحد أحد زلزلت قريش وكلمتنا اليوم أحد أحد لا تخيف ذبابة لما ؟ مع أن الكلمة هي الكلمة ؟ الشحنة الفعالة التي تنطوي عليها كلمات القرآن هي هي لكن جهاز الاستقبال خربان .
الاستقامة تأتي نتيجة سلوك الإنسان مع الآخرين :
أيضاً ونحن بصدد الحديث عن الاستقامة كثير منا يظنون أن الاستقامة لفظ تقال ليملأ بها فراغنا ، الله عز وجل يقول :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾
هذا التوحيد ، هذا البعد الباطني الداخلي ، بعض الناس يظنون واستقاموا قولاً لا استقاموا فعلاً ، يعني قالوا ربنا الله هذا فعل قلبي ، ثم استقاموا سلوك تطبيق عملي ، والسلوك لا يحتاج إلى ، وكل عاقل يرى السلوك ، لذلك كثير من أخواننا في الغرب اعتنقوا الإسلام نتيجة سلوك الناس ، تأثروا بسلوكهم ، موقف معين تأثروا بسلوكهم فقدر الله عز وجل الهداية .
الدكتور عمر :
ولذلك أنا أذكر كنت في كندا أكثر من عشر سنوات وكنت أتحدث عن مشاهدة أمنا عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، الأحباش يلعبون في المسجد ويضع يده النبي على الباب هكذا وهي تضع ذقنها وتقول انتظر يا رسول الله . رجل مسلم معه زوجته غير مسلمة كندية ، ففي اليوم التالي في المؤتمر يبشرني أن زوجته دخلت الإسلام بعد معيشة اثنين وعشرين سنة وهو مسلم ، ما الذي أثارها ؟ قالت : الشيخ يتحدث عن رقة وحنان محمد بن عبد الله رسولكم مع المرأة ، ونحن نريد هذا الإنسان موجود في هذا الكون ، ودخلت الإسلام بشيء بسيط ، فما رأيك هي لمحت أحدنا هو يتبسط مع زوجته أو يتودد .
الدكتور عربي :
أو يسابقها
الدكتور عمر :
دكتور راتب مازلنا في خصائص الاستقامة .
على كل مسلم أن يُحسن فهم دينه و تطبيقه لأن خلاص العالم في الإسلام :
الدكتور راتب :
أولاً حينما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة ؛ دعته بيوتاتها ليبيت عندهم فقال لهم : انصبوا لي خيمة عند بيت خديجة ، ليعلم العالم كله أن هذه المرأة التي في القبر هي شريكته في النصر .
يوجد تعقيب آخر ، في بلد يصدر الأغنام تمّ إعدام عشرين مليون رأس غنم وتمّ دفنها تحت الأرض حفاظاً على الأسعار المرتفعة ، هذه ثقافة الغرب ، لذلك قال بعض علماء الغرب وقد هداه الله إلى الإسلام ، قال : أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اليوم اللحاق بالغرب على الأقل في المدى المنظور لاتساع الهوة بينهما ، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين لا لأنهم أقوياء ولكن لأن خلاص العالم في الإسلام ، ولكن بشرط أن يحسن المسلمون فهم دينهم ، أن يحسنوا تطبيقه ، أن يحسنوا عرضه على الطرف الآخر .
الدكتور عمر :
دكتور راتب أذكر في سنة 1968 م كان وزير دفاع الكيان الصهيوني مدعواً عند عمدة ... بعد أحداث وهزيمة 1967م فقال له يا جنرال أليس عندك يقين أننا سوف ننتصر عليكم يوماً ؟ قال نعم ، قال هذا اليقين كلام ولا مجرد أنك موجود ؟ قال لا يقيني بهذا لكن العرب الآن والمسلمون الآن لا يقرؤون وإذا قرؤوا فكثير منهم لا يفهمون وإذا فهموا سريعاً ما ينسون الكلام .
فتشخيص دائماً من أن الآخر يرصدنا ونحن نظن أنه لا ، وهو يرصد المصلين في المسجد وحركة الدعاة ، ويحلل كلام الدكتور راتب أين يوجهه ؟ هل يوقظ العقول أم يخمدها ؟ هل يضحك عليهم بالتواكل أم يحدثهم عن التوكل الصادق ؟
انطلاق الإنسان إلى طاعة الله عز وجل انطلاقاً من حبه لذاته :
الدكتور راتب :
الآن بقي في الفطرة ، مثلاً في فندق بألمانيا كتب على السرير إذا لم تنم هذه الليلة فالعلة ليست في فراشنا إنها وثيرة ولكن العلة في ذنوبك إنها كثيرة . فالإنسان أحياناً يحاسب نفسه حساباً عسيراً ، والكآبة شعور بالنقص ، الإحباط ، الملل ، السأم ، كلها عقاب نفسي لذاتها حينما تخرج عن منهج الله عز وجل ، حينما تبتعد عن الاستقامة .
الآن الواقع أنا حينما أرى لوحة في الفلاة كتب عليها حقل ألغام ، ممنوع التجاوز هل أشعر بحقد على واضع اللوحة ؟ بالعكس أشكره ، لأنني أفهمها ليست حداً من حريتي ولكنها ضمان لسلامتي .
أنا حينما أفهم الأمر والنهي الإلهيين أنهما ضمان لسلامتنا ننطلق إلى طاعة الله عز وجل انطلاقاً من حبنا لذواتنا .
الدكتور عمر :
يعني الاستقامة مبنية على مدى ، كما قال الحسن البصري عندما سأله رجل قال : يا بصري كم أنا عند الله ؟ قال كم الله عندك ؟ إذا أردت أن تعرف عند الله مقامك انظر فيما أقامك .
من استقام على أمر الله عز وجل اصطلح مع نفسه :
الدكتور راتب :
الفطرة تؤكد الاستقامة لأن برمجة النفس البشرية متطابقة تماماً مع منهج الله ، إذا أمرك الله أن تكون رحيماً أنت في فطرتك تحب أن تكون رحيماً ، فالإنسان حينما يستقيم يصطلح مع نفسه .
الدكتور عمر :
دكتور راتب هؤلاء القساة .
الدكتور راتب :
انطمست فطرتهم .
الدكتور عمر :
لأن الرجل يقول : أَمُر بالحجر القاسي فألثمه لأن قلبك قاسٍ يشبه الحجر .
هذا القلب القاسي يعني كيف ؟
الدكتور راتب :
الأربع أركان للحق العقل قد يكون تبريرياً وهذا انحرافه ، إذا كان صريحاً هذا صوابه فإذا كان قائداً هو الصواب أما إذا كان مقوداً انحراف ، الفطرة قد تكون سليمة وقد تنطمس .
الدكتور عمر :
لكن أنا الذي أطمسها .
الدكتور راتب :
كلا بل ران على قلوبهم .
اتهام المسلمين بالأعمال العنيفة و هذا واقع مزور :
والواقع قد يكون مزوراً هناك من يتهمنا كل عمل في الأرض عنيف سببه المسلمون هذا واقع مزور ، في أحد أخوتنا الكرام في أمريكا أجرى دراسة كلفته سنتين المفاجأة كانت 3% من أعمال العنف خلال سنة من فعل المسلمين فقط ، ففي واقع مزور .
الدكتور عمر :
دكتور راتب وما تكرر تقرر ، لذلك قرروا علينا المسألة كل ما نجلس في مكان لسنا إرهابيين ، نحن لسنا متطرفين ، معذرة بقي دقائق ، قرأت فيما قرأت أن رجلاً من الصالحين كان يعيش في بلاد فاس في المغرب ، وبعد هذا نام فرأى في الرؤيا أعزكم الله إبليس عرياناً فقال له يا لعين ألا تستحي من الناس ؟ قال وهل هؤلاء ناس ؟ قال وأين الناس ؟ قال الناس في مسجد الشنزية أين هذا ؟ في حدود بلاد فارس ، قام الرجل ، وهؤلاء أكيد في نور القلب ونور الاستقامة ، أخذ راحلته ورحل إلى الشرق دخل المدينة سأل في مسجد الشنزية فدخل قال : فوجدت بعد صلاة العصر كوكبة من الناس وجوههم كالأقمار ليلة البدر واضعين لحاهم على أكفهم فلما رأوني في الباب قالوا يا سهل لا يغرنك كلام اللعين في الرؤيا هذه مسائل هؤلاء الذين ارتقوا ما حاولوا أن يطمسوا الفطرة بل فعلوها وأضافوا إليها والذين جاهدوا فينا ، والمسألة كما قال ابن عربي ليست مسألة كلمات ولا ركون عند طقوس معينة نصلي ولا يعرف الواحد منا من عن يمنيه ومن عن شماله ، دكتور راتب نحن نريد أن نحفز، طبعاً موضوع الاستقامة موضوع يحتاج إلى حلقات ، نريد أن نحفز الهمم بوصفة من الدكتور راتب النابلسي سهلة الهضم سهلة التنفيذ عظيمة التأثير بالضبط كلمتان خفيفتان .
قضية الاستقامة مرتبطة بالفطرة و الواقع و النقل و العقل :
الدكتور راتب :
أنا حينما أشتري آلة غالية الثمن عظيمة النفع معقدة التركيب والآلة جاءتني بلا تعليمات فإن استخدمها بلا تعليمات أتلفتها وإن خفت عليها جمدت ثمنها ، أليست التعليمات أهم من الآية هذا معنى قوله تعالى :
﴿ ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ ﴾
أيعقل أن يُعلم الإنسان القرآن قبل أن يُخلق ؟ لكن العلماء قالوا : الترتيب بالآية ترتيب رتبي ، لا ترتيب زمني بمعنى لا معنى من وجود الإنسان من دون منهج يسير عليه ، في بعض الأمثلة أنا حينما أرى لوحة إلى جانبها توتر عالي ممنوع الاقتراب ، خط كهربائي فإذا توهم الواقف أن في شرطي يراقبني ؟ ليس موضوع شرطي يا أخي التيار يعاقبك ، من السذاجة والغباء أن يبحث عن شرطي .
قضية الاستقامة مرتبطة بالفطرة ، مرتبطة بالعقل ، مرتبطة بالواقع ، مرتبطة بالنقل ، النقل الحسن ما حسنه الشرع والقبح ما قبحه الشرع ، لكن هناك حب عقلي وحب حسي ، إنسان معه أزمة قلبية في أكلات تؤذيه كثيراً يحبها حباً حسياً عالياً لكن يكرهها بعقله لأنها تؤذيه وتضر به ، فأي شيء الله عز وجل نهانا عنه قد يكون عند الناس محبباً إلا أن الإنسان حينما يؤمن أن هناك آخرة ، هناك حياة أبدية ، هناك جنة عرضها السماوات والأرض ، هذه تبعده عن الله .
الدكتور عمر :
دكتور راتب هل الهوى يحجبني عن الاستقامة ؟
الجنة مأوى من خاف مقام ربه و نهى نفسه عن الهوى :
الدكتور راتب :
﴿ ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ ﴾
يعني شاب سمع من شيخه أن لكل معصية عقاباً ، يبدو أن قدمه زلت ، فارتكب معصية صغيرة ، بحسب كلام شيخه هو ينتظر العقاب من الله ، مضى أسبوع ، صحته ، بيته ، أهله ، سيارته لا شيء فيها ، في أثناء المناجاة قال : يا رب ، لقد عصيتك ولم تعاقبني ، قال : وقع في قلب هذا الشاب : أن يا عبدي ، قد عاقبتك ولم تدر ، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟ الواقع الإنسان لما يستقيم على أمر الله يصبح خط هاتفه حاراً ، لو شخص عنده جهاز هاتف من أعلى مستوى لكن ما في خط لا قيمة له إطلاقاً .
الدكتور عمر :
دكتور راتب يعني لما سألوا ابن قيم الجوزية عن رأيه في شيخه ؟ قال جملة أغرب من الخيال : قال قهر الهوى حتى تجنبه الهوى ، متمثل بعمر رضي الله عنه ما رآك الشيطان سالكاً طريقاً إلا وسلك طريق غيره . أنا خطوة خطوة أنا الأول أعالج مسألة الهوى المردي الذي أضيع إذا سرت خلفه .
من عرف الله عز وجل بادر إلى طاعته لأن سعادته في طاعة الخالق :
الدكتور راتب :
أنا حينما أؤمن أنني خلقت لجنة عرضها السماوات والأرض الحقيقة أن الناس في ضوء هذه المعلومة ينقسمون إلى قسمين :
﴿ ﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾ ﴾
صدق أنه مخلوق للجنة وهذا التصديق من أولى نتائجه اتقى أن يعصي الله وبنى حياته على العطاء، والذي كذب بالحسنى استغنى عن طاعة الله بنى حياته على الأخذ ، فلذلك المؤمن يعطي ، بنية حياته العطاء ، غير المؤمن الأخذ ، يا من جئت الحياة فأعطيت و لم تأخذ ، يا من قدست الوجود كله .
لذلك الإنسان حينما يعرف الله عز وجل يبادر بطاعته لأن سعادته في طاعته بل هناك نقطة دقيقة الإنسان إذا ذاق طعم القرب ثم زلت قدمه فحجب عن الله هو يرى أن أكبر عقاب يعاقب الله به المؤمن حجبه ، يبقى بمكانته الاجتماعية .
الدكتور عمر :
سبحان الله في نقطة أدق دكتور راتب هو أن المخرج يشير إلي بأن الوقت انتهى ما بين فكي الراحة، نستميح عذراً في أن نواصل بإذن الله ، رغم أن أعطونا إشارة لأنهم وجدوا الدكتور راتب بالاسترسال ، تفضلوا .
قيمة الاستقامة أنها اختيارية وليست قسرية :
الدكتور راتب :
الآن النقطة الدقيقة جداً أن الاستقامة اختيارية لماذا ؟ ما قيمة طاعتك ؟ لأنه بإمكانك أن تعصيه ، ما قيمة صلاتك ؟
بإمكانك ألا تصلي ، ما قيمة أمانتك ؟ بإمكانك ألا تكون أميناً ، العمل لا يثمن إلا بالاختيار ، سيدنا عمر جاؤوا إليه بشارب خمر قال : أقيموا عليه الحد ، قال : والله يا أمير المؤمنين قدر علي ذلك ، قال : أقيموا عليه الحد مرتين مرة لأنه شرب الخمر ، ومرة لأنه افترى على الله ، قال ويحك يا هذا إن قضاء الله لن يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار .
بل إن الله عز وجل أراد أن تكون علاقته مع عباده علاقة محبوبية :
﴿ ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي (256)﴾ ﴾
لو أن الله أراد أن نطيعه أطعناه قهراً منا ، هذه الطاعة لا قيمة لها إطلاقاً ، أرادنا أن نأتيه طائعين، أن نأتيه محبين ، أن نأتيه بمبادرة منا ، فلذلك قيمة الاستقامة أنها اختيارية وليست قسرية .
الدكتور عمر :
لكن الناس تتفاوت بقدر ما تطرق باب الاستقامة .
تفاوت الناس في الاستقامة :
الدكتور راتب :
وهذا المعنى تؤكده آيات كثيرة :
﴿ ﴿ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا (31)﴾ ﴾
مثلاً لو رئيس جامعة أراد أن ينجح جميع الطلاب وزع عليهم أوراق عليها الإجابة التامة وعلامة من مئة اكتب اسمك فقط ما قيمة هذا النجاح ؟ لا قيمة له إطلاقاً ، الهدى القسري لا قيمة له ، أراد الله أن نكون مختارين والاختيار يثمن العمل ، وإذا ألغينا الاختيار ألغينا الدين ، ألغينا الجنة ، ألغينا النار ، ألغينا الثواب ، ألغينا العقاب والتكليف وحمل الأمانة .
الخلل الذي بدأ عند الإنسان المفكر في الغرب فصادم قضية الاستقامة :
الدكتور عمر :
بارك الله بك دكتور راتب هذا الكلام جميل ، دكتور عربي الآخر أخطأ كثيراً عندما أدخلنا أو أدخل نفسه أولاً ثم نحن كأنهم أغوونا فغوينا أو بعضنا بقضية التفسير المادي للتاريخ ، كل شيء مادة جعلوا البحث عن الطعام ورائد التفكير عند الإنسان وفرويد جعل العلاقات كذا والجنس رائد المشاعر، والتفسير الجسماني للجسد جعله الذي يتحكم في النفس الإنسانية ، هذا الخلل الفكري الذي صنعه أخواننا في الإنسانية وأضروا أنفسهم وعادوا علينا الضرر بأن أصبح لهم تلاميذ ينظرون ويتكلمون وظهر من بيننا من يتكلم عن قضية الاتحاد وهذه القضايا الكبيرة .
يعني في علم الاجتماع وأنت أحد رواده دكتور عربي ، العلاقة بين الفرد والمجتمع ، ما هو الخلل الذي بدأ عند الإنسان المفكر في الغرب فصادم قضية الاستقامة أو أنكرها ؟ وسار نحو تأليه العقل، وصلت النتيجة إلى ما قلته في أنه المخزون الفكري انتهى ، هو في حالة من الضياع والمبهورون به ليسوا معذورين بل هم معذرة أغبياء ؛ لأنني عندما أبهر إذا كان الغرب عملاقاً فهو مصاب بالسرطان ، لأن عملقته في المادة والتقنية ويجب أن نتعلم منه أمر طبيعي ولا نبخسه حقه ووضع قوانين لحماية الإنسان ، وحقوق الإنسان وإن كان عندنا أفضل لكن نحن ما طبقناه ، أين المفتاح الذي نستطيع أن نفهم به ؟
الفراغ في الغرب ناجم عن فصل حياة الإنسان عن المفاهيم كالاستقامة :
الدكتور عربي :
الشرق والعالم الإسلامي في التقائه بالغرب عاش مرحلتين ، المرحلة الأولى مرحلة الانبهار المذل ، يعني انبهار بالأقوى ، الآن الغرب لم يعد مبهراً انتهى بالنسبة للغرب نفسه وبالنسبة لنا أيضاً ، الغرب لم يعد مصدراً لنموذج مشروع اجتماعي انتهى ، الغرب الآن ماذا نستفيد منه نحن كمسلمين؟ نعتبره مختبراً أجريت بين جدرانه تجربتان تجربة الإبداع المادي ، وتجربة السقوط الإنساني (الإفلاس الفكري) ، التجربة الأولى الغرب لما كثف طاقاته أبدع وأنتج وهذا لا ينكره عاقل ، لكن بالمقابل الآن الغرب لما فصل حياته عن مفاهيم مثل مفهوم الاستقامة والقداسة ، هذا الفصل أحدث بين الفرد والفرد فراغاً ، الفراغ هذا بما يملأ في الغرب ؟ يملأ بالأشياء .
الإنسان لا يحدد وجوده إلا بما ينجز من أعمال :
مثلاً الآن إذا بلغ الإنسان سناً معيناً امرأة أو رجلاً ، لا يقال له يا فلان أو يا فلانة يقال له يا بطال أو بطالة ، صار الإنسان يحدد وجوده بما ينجزه من أعمال ، بما يملكه من أدوات هذه المشكلة ، مثلاً فيها بعض المباهر نلاحظ نحن نعيش في الغرب
هناك في لباقة وأنا أحب اللباقة الأدب مثلاً الغربي مستحيل أن يكون مع امرأة لا يعرفها لا يتقدم ويقول لها تفضلي ، تركب في المترو ، لكن أنا نفسي لاحظت هذا لا يطبق إلا على شريحة سن معينة ، فإذا بلغت المرأة سناً معيناً قليلاً ما تقول تفضلي .
الدكتور عمر :
ذهب جمالها وذهبت أنوثتها ذهب الاحترام مع ضياع المغيرات .
الدكتور عربي :
على الرغم من الشعارات الضخمة احترام الإنسان ، واحترام المرأة ، مازال الإنسان محكوماً بجاذبية الأشياء ، عندنا شيء جميل جداً وكامل جداً لكن البعد النفسي والاجتماعي عندنا ما زال يلح علينا في أن نعيش الحقيقة الإسلامية ، فإذا رجعنا إلى ديننا ، وتأكيدات الإسلام ، والنبي عليه الصلاة والسلام ، والجيل الرائد الأول ، نجد الاستقامة كانت عملة رائجة ، مثلاً الاستقامة تتمثل في إنسان يبدأ الشغل في الساعة التاسعة ، التاسعة ليس العاشرة الاستقامة في موعد .
خاتمة وتوديع :
الدكتور عمر :
وطالما الكلام عن الموعد كان هذا النداء الأخير عن الموعد مع الأخوة الفنيين ويشيرون إلينا للأسف هذا الكلام الممتع الجميل قد وصل إلى نهايته في هذه الحلقة ، ائذنوا لي أن نكمل إن شاء الله عن موضوع الاستقامة لأنه موضوع ثري ، بارك الله فيكم ، وأن يجعلنا وإياكم من أهل الصراط المستقيم ، ومن الناجين على الصراط المستقيم يوم القيامة ، إن ربي على ما يشاء قدير .
سعدت بكم ، أشكر كل المشاهدين والمشاهدات الذين تابعونا في هذه الحلقة القادمة شكر الله لكم الدكتور محمد راتب النابلسي والدكتور عربي القشاط ونستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين