- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠17برنامج عقل وقلب - قناة شام
مقدمة :
الأستاذ جميل :
السلام عليكم ورحمة الله أيها الأخوة والأحبة ، أسعد الله أوقاتكم بكل خير ، وأهلاً بكم في لقاء جديد في برنامجنا عقل وقلب .
ضيفنا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، ما زال الحديث مستمراً عن طائفة من الناس ، اختارهم الله لمحبته فكانوا أحبابه ، من الذين يحبهم الله ؟ لعلنا أن نجد لأنفسنا باباً ندخل فيه إلى محبة الله ، ومعكم فضيلة الدكتور .
على كل إنسان أن يتقي غضب الله عز وجل بطاعته و اتباع منهجه :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ جميل ، الإنسان كائن متميز ، ركب الملك من عقل بلا شهوة ، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان ، هذا كلام الإمام علي رضي الله عنه .
يتضح من هذا الكلام أن الإنسان أودع الله فيه الشهوات ، وخلقه لجنة عرضها السماوات والأرض ، فيه جزء علوي ، وفيه جزء دنيوي ، فحينما يتقي الإنسان أن يقع في سخط الله ، أو أن يقع في غضب الله ، أو أن يقع في معصية الله ، أو أن يقع تحت استحقاق غضب الله ، يكون متقياً ، والتقوى من الوقاية ، والمؤمن يتقي غضب الله بطاعته ، يتقي نار جهنم باتباع أمره ، يتقي سخطه بإرضائه ، لكن المشكلة أي شهوة أودعها الله بالإنسان بإمكان الإنسان أن يتحرك من خلال هذه الشهوة بمستوى يساوي 180 درجة ، لكن الله سبحانه وتعالى سمح لهذا الإنسان بحيز محدود ، وليكن مئة درجة .
فالمؤمن يوقع حركته في الحياة بدافع من شهواته ، في هذا الحيز الذي سمح الله به ، لذلك هو يتقي الله .
أي شيء أراده الإنسان فللجهة الخالقة منهج يمكن أن تلبي هذه الرغبة بطريق مشروع :
كأن المؤمن مركبة ، شهوته هي المحرك ، وعقله هو المقود ، والمنهج الإلهي هو الطريق
كيف يتقي غضب الله ؟ كيف يتقي سخط الله ؟ كيف يتقي عقاب الله ؟ كيف يتقي نار جهنم ؟ حينما يحاول من خلال المقود ، ومن خلال الحركة الجانحة التي يحدثها المحرك أن يبقي المحرك على الطريق ، على منهج الله ، هذا هو المتقي ، أكل وشرب ، لكن أكل من مالٍ حلال ، اشترى طعاماً بمال حلال ، لا شيء عليه ، اشتهى المرأة فتزوج ، زوجة صالحة ، تسره إن نظر إليها ، تحفظه إذا غاب عنها ، تطيعه إن أمرها ، ولود ودود ، يعني أي شيء أراده فللجهة الخالقة منهج يمكن أن تلبي هذه الرغبة بطريق مشروع من هنا قال تعالى :
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
من هو المتقي ؟ الذي اتقى أن يعصي الله ، المتقي هو الطائع ، قال تعالى :
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
أنا حينما أتيقن قطعاً أن الجهة الصانعة هي الجهة الخبيرة ، والجهة الصانعة بالنسبة إلي هي الله عز وجل ، هو الله ، هو الخبير ، وقال تعالى :
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
عظمة هذا الدين أن أوامر الله بمجرد أن تطبقها تقطف كل ثمارها :
إذاً الله وحده يعلم ما الذي يسعدني ، وما الذي يشقيني ، ما الذي يسلمني ، وما الذي وما الذي يغويني ، أنا حينما أتبع منهجه ، لكن في ملمح دقيق جداً هذا الملمح الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به .
يعني يأتي إنسان أميّ لا يقرأ ولا يكتب ، يشتري مكيفاً ، يفتح مفتاح التشغيل يأتيه الهواء البارد ، ينتفع بكل ما في هذا المكيف ، من مزايا ، وهو يجهل كلياً آلية عمله ويأتي دكتور بالتكييف ، ويشتري مكيفاً ، ويفتح مفتاح التشغيل فيأتيه الهواء البارد ، كالأول تماماً .
فعظمة هذا الدين أن أوامر الله بمجرد أن تطبقها تقطف كل ثمارها ، إن علمت حكمتها أو لم تعلم ، لأن هذا الدين لكل الناس ، هذا الدين كالهواء يجب أن نستنشقه ببساطة ، فالذي يعلم الحقائق والحكم هذا يصبح داعية ، فالذي لا يعلم لمجرد أن يطبق يقطف كل الثمار ، أي ثمار الدين تقطفها لمجرد التطبيق ، إلى ماذا ينقلنا هذا ؟ ينقلنا إلى حقيقة أخطر أن أوامر الدين العلاقة بينها وبين نتائجها علاقة علمية ، يعني علاقة سبب بنتيجة .
لو جاء إنسان ملحد ، وطبق منهج الله قطف كل ثماره ، بل إنني أرى أن الإيجابيات في العالم الغربي كلها إسلامية ، لا لأنهم يعبدون الله ، بل يعبدون الدولار من دون الله ، الدين منهج موضوعي شيء رائع جداً ، أي جهة طبقته تقطف ثماره ، إلا أن الذي طبقه بسبب ذكائه ، واكتشاف حقيقة ناصعة في المنهج هذا استفاد من هذا المنهج في الدنيا فقط ، أما المؤمن استفاد منه في الدنيا والآخرة ، في الدنيا قطف ثماره يانعة ، وفي الآخرة كافأه الله على طاعته بجنة عرضها السماوات والأرض .
المتقي إنسان ذكي جداً تكيف مع الذي خلقه و صوره و منحه السمع و البصر :
لذلك المتقي إنسان أولاً ذكي جداً ، وقد قيل : الذكاء هو التكيف ، لمجرد أن تتكيف مع الذي خلقك ، وصورك ، ومنحك السمع والبصر ، وأعدك لجنة عرضها السماوات والأرض ، فأنت من المتقين ، لذلك أول سورة فيها أول أية :
﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾
من هم ؟
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
يعني هناك جانب عقدي ، فكري ، اعتقادي ، وجانب روحي اتصال بالله ، وجانب سلوكي العطاء ، وسيدنا المسيح عليه وعلى سيدنا محمد أفضل الصلاة والسلام قال :
﴿ وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ ﴾
حركة نحو الخالق ، طاعة ، وعبادة ، وإقبال ، وسعادة ، وحركة نحو المخلوق انضباط ، وإحسان ، هذا هو المتقي ، اتقى أن يعصي الله .
الأستاذ جميل :
دكتور ، يظن بعض الناس أن التقي أو الولي :
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
هؤلاء الناس يعتقدون أنهم ليسوا بشر ، أنهم مخلوقات من الفضاء ، ولا يمكن لأحد أن يداريهم منزلة ، فالتقوى ، طريق التقوى كما ذكرتم .
النبي عليه الصلاة والسلام سيد البشر لأنه انتصر على بشريته وأقام منهج ربه :
الدكتور راتب :
واقعي ، لولا أن النبي عليه الصلاة والسلام بشر ، تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر ، لأنه انتصر على بشريته ، وأقام منهج ربه ، ومنهج رسول الله نحن جميعاً مكلفون به ، وهذا المنهج ضمن طاقتنا ، وإمكاناتنا ، لأن الله ما كان له أن يكلفنا مالا نطيق ، أبداً ، إذا أردت أن تطاع فأمر بالمستطاع .
فلذلك نحن إذا قلنا ولي هناك تعريف قرآني جامع مانع ،
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
من هم ؟
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾
فهذا الذي لا يعلم وهو عبء على الناس ليس ولي الله .
حرفتك التي ترتزق منها إذا كانت مشروعة
ولم تشغلك عن واجب ديني انقلبت إلى عبادة :
رأى النبي شاباً يتعبد الله في أثناء وقت العمل ، قال له : من يطعمك ؟ قال له : أخي ، قال : أخوك أعبد منك .
(( اليدُ العليا خير من اليدِ السُّفْلى ))
أمسك النبي عليه الصلاة والسلام بيد ابن مسعود وكانت خشنة من العمل ، أمسك يده ، ورفعها وقال : هذه اليد يحبها الله ورسوله .
فلذلك حرفتك التي ترتزق منها إذا كانت في الأصل مشروعة ، وسلكت بها الطرق المشروعة ، وابتغيت منها كفاية نفسك ، وأهلك ، وخدمة الناس ، ولم تشغلك عن واجب ديني ، ولا عن فريضة ، ولا عن عمل صالح ، ولا عن طلب علم ، انقلبت إلى عبادة لذلك قالوا : عادات المؤمن عبادات ، وعبادات المنافق سيئات .
فالمتقي هو الذي اتقى أن يعصي الله ، لكن في شهوات ، هذه الشهوات تدفعه إلى اقتراف المعاصي والمبيقات ، لكنه ضبط نفسه إذاً هو يحتاج إلى صبر ، وهذا مما سوف يُشرح إن شاء الله .
الأستاذ جميل :
للحديث مساس بنا وبواقعنا ، المستفيد من محبة الله هو الإنسان ، فما هي بقية الصفات التي يحبها الله في عبده ؟.
التناقض بين الطبع والتكليف ثمن الجنة :
الدكتور راتب :
ذكرت قبل قليل : أن الإنسان عنده شهوات تشده إلى الأرض ، وعنده طموحات تشده إلى الله عز وجل ، فحينما تزل قدمه فتح الله له باب التوبة ، لكن الآن لابدّ من توضيح حقيقة ، لماذا الصبر ؟
الإنسان له طبع ، ومعه تكليف ، الطبع مرتبط بالجسم ، الجسم يميل إلى النوم المديد ، يأتي التكليف فيأمره أن يصلي صلاة الفجر ، إذاً الطبع متناقض مع التكليف ، الطبع يدعوه إلى النوم ، والتكليف يأمره أن يستيقظ ، الطبع يأمره أن يأخذ المال .
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ﴾
فطبعه أخذ المال ، والتكليف إنفاق المال ، طبعه أن يملأ عينه من محاسن المرأة والتكليف أمره أن يغض البصر .
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾
طبع الإنسان يحب أن يخوض في فضائح الناس ، والتكليف أمره أن يسكت ، هذا التناقض بين الطبع والتكليف هو ثمن الجنة .
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
من آثر رضا الله عز وجل على شهوته وحمل نفسه على طاعته يوفى أجره بغير حساب:
لذلك هو بحاجة إلى الصبر ، بحاجة أن يقمع شهوته ليرضي ربه ، لكن :
(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
فالمؤمن انتصر على نفسه ، وقادها ، ولم يسمح لها أن تقوده ، تحكم بها ، ولم يسمح لها أن تتحكم به ، إذاً هو صابر ، لكن الله عز وجل يقول :
﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾
إنسان يعطيك ألف بشيك ، أو يعطيك مليون ، أو مئة مليون ، لكن في إنسان يوقع لك شيكاً ، يقول لك : أنت ضع أي رقم تريده ، هذه بغير حساب أصبحت .
أنا أرى أن الذي آثر رضا الله على شهوته ، وضبط نفسه ، وحمل نفسه على طاعة الله ، هذا يوفى بغير حساب ، والصابر إنسان عظيم ، لأن له هدف كبير ، وأوقع حركته بالحياة وفق منهج الله ، ولم يسمح لشهوته أن تحجبه عن الله .
الأستاذ جميل :
دكتور بعدها الواحد يتمنى البلاء طالما أنه شيك بغير حساب .
الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر :
الدكتور راتب :
ممنوع أن نسأل الله البلاء ، الدليل قول النبي الكريم في الطائف حينما بالع أهل الطائف في تكذيبه ، وفي الاستهزاء به ، بل وأغروا صبيانهم بضربه ، وسال الدم الشريف من رجليه ، قال :
(( إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي ، ولك العتبى حتى ترضى لكن عافيتك أوسع لي ))
سأل الله العافية ، إذاً الصبر جزء من إيمان المؤمن بل إن الإيمان نصفان نصف صبر ، ونصف شكر ، فالإنسان إذا شيئاً أراده لم يحقق فهو صابر ، إذاً هو مأجور ، والإنسان إذا طمح إلى شيء فناله ، فهو شاكر ، فإما أن تكون شاكراً ، وإما أن تكون صابراً ، والإيمان نصف صبر ونصف شكر ، الدين كله انضباط ، يوجد شهوة ضبطها وفق منهج الله ، العلاقة بالمرأة الزواج فقط ، العلاقة بالمال الكسب المشروع ، العلاقة بالعلو في الأرض ليست إيذاء الناس ، خدمتهم ، وتعليمهم ، والأخذ بيدهم ، ورحمتهم .
انضباط المؤمن بمنهج الله عز وجل :
لذلك الصابر يصل إلى أهدافه كلها عن طريق ضبط نفسه ، الدين كله ضبط ، الإنسان الذي ما فيه دين متفلت ، والإنسان المؤمن منضبط بمنهج الله عز وجل ، لذلك الإنسان بلا منهج إلهي حياته فيها شقاء الدليل قال تعالى :
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾
يوجد تساؤل بالآية : يا رب أيعقل أن يعلم الإنسان قبل أن يولد ؟
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴾
أجاب علماء التفسير : أن هذا الترتيب في الآية ليس ترتيباً زمنياً بل هو ترتيب رتبي ، بمعنى أن وجود الإنسان لا معنى له إطلاقاً من دون منهج يسير عليه فالمنهج مقدم .
عندك جهاز ثمنه أربعون مليوناً ، ولم ترسل لك الشركة تعليمات التشغيل ، إن استخدمته من دون تعليمات أعطبته ، وإن خفت عليه جمدت ثمنه ، أليست هذه التعليمات أهم من الجهاز ؟ .
هكذا الإنسان ، الإنسان له منهج يسير عليه .
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
الأستاذ جميل :
إذاً نحن ممتحنين فضيلة الدكتور في هذه الحياة ، ولكن الامتحان إما أن يكون امتحان شكر ، أو أن يكون امتحان صبر .
الحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء لا توزيع جزاء :
الدكتور راتب :
البطولة أن الحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء لا توزيع جزاء ، الغني يمتحن بغناه ، فقد يسقط بالامتحان ، والفقير يمتحن بفقره فقد سينجح ، فإذا نجح الفقير بامتحان الفقر ، ولم ينجح الغني بامتحان الغنى ،سعد الفقير بجنة عرضها السماوات والأرض
لا سبيل إلى أن ننتصر على عدونا إلا أن نلغي الظلم في حياتنا :
بقي المقسط .
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾
العدل ، الله عز وجل عدل ، وعدل ساعة يعدل أن تعبد الله ثمانين عاماً ، لذلك إن الله ينصر الأمة العادلة الكافرة على الأمة المسلمة الظالمة ، العدل قيمة كبيرة جداً ، الله عدل ، فما لم يكن العدل بيننا ، فالطريق إلى النصر ليس قريباً ، لذلك قال النبي الكريم :
(( إنما تُنصرون بضعفائكم ))
هذا الضعيف ينبغي أن تطعمه إن كان جائعاً ، ضعيف يمكن أن تهمله ، يمكن أن تسحقه ، يمكن أن تلبسه تهمة هو منها بريء ، ينبغي أن تطعمه إن كان جائعاً ، وأن تكسوه إن كان عارياً ، وأن تؤويه إن كان مشرداًَ ، وأن تعلمه إن كان جاهلاً ، وأن تعالجه إن كان مريضاً ، وأن تنصفه إن كان مظلوماً ، إذا فعلت هذا مع الضعيف ، وبإمكانك أن تهمله ، هنا الجواب : كافأك الله بمكافأة من جنس عملك ، فنصرك على من هو أقوى منك .
لذلك لا سبيل إلى أن ننتصر على عدو يبدو أنه أقوى منا ، إلا أن نلغي الظلم في حياتنا .
(( إنما تُنصرون بضعفائكم ))
هناك رواية ثانية :
(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))
هذه دعوة إلى إنصاف الظلوم ، إلى إطعام الفقير ، إلى إيواء المشرد ، إلى معالجة المريض ، وأية أمة تقيم العدل بين أفرادها تستحق أن تؤيد ، وأن تنتصر ولو أنها كافرة ، وأية أمة مسلمة لا تقيم العدل بين أفرادها لا تستحق نصر الله ولو كانت مؤمنة .
فلذلك هذا قول قاله بعض العلماء : إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة .
الأستاذ جميل :
فضيلة الدكتور ، من الغذاء القلبي إلى الغذاء العقلي ، نحن عقل وقلب .
الأدلة على عظمة الله عز وجل كثيرة منها :
الدكتور راتب :
الحقيقة أنه يوجد أشياء قريبة للإنسان هو يسعى إلى إرضاء الله ، لكن الأدلة على عظمة الله بين يديه ، هناك آية كريمة تقول :
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾
خلق الإنسان و دور الغشاء العاقل :
سأضع بين أيدي الأخوة الكرام حقيقة يعرف مظهرها كل إنسان ، حينما يولد الجنين ينزل معه قرص لحمي ، هذا القرص يسميه الناس بالخلاص ، لكن يسميه علماء الطب بالمشيمة ، هذه المشيمة عبارة عن قرص لحمي تجتمع فيها دورة دم الأم مع دورة دم الجنين .
بالمناسبة : لو أن إنساناً أعطيناه دماً من زمرة غير زمرته لمات في ثانية واحدة بسبب انحلال دمه ، فلابدّ من أن يكون الدم الذي يأخذه الإنسان متوافقاً 100% مع دمه ، الشيء الذي لا يصدق أن هذا القرص اللحمي الذي اسمه المشيمة تجتمع فيه دورة دم الأم مع دورة دم الجنين ، وكل دم من زمرة ولا يختلطان ، إذاً ولا ينحل دم أحدهم ، لماذا لا يختلطان ؟
قال : بين الدورتين غشاء رقيق اسمه الغشاء العاقل ، سماه الأطباء الغشاء العاقل لأنه يقوم بأعمال يعجز عنها الأطباء العقلاء ، بماذا يقوم ؟ هذا الغشاء العاقل يأخذ الأوكسجين من دم الأم يضعه في دم الجنين ، فقام بدور جهاز التنفس في رحم المرأة ، ثم يأخذ السكر من دم الأم ويضعه في دم الجنين ، صار في سكر وأوكسجين ، ثم يأخذ الأنسولين من دم الأم يضعه في دم الجنين ، صار هناك سكر ، أوكسجين ، أنسولين ، قام بدور جهاز الهضم ، وجهاز التنفس ، والبنكرياس ، احترق السكر بالأوكسجين بوساطة الأنسولين ، شكّل طاقة ، والجنين حرارته 37 ، ناتج الاحتراق ثاني أوكسيد الكربون ، يأتي الغشاء العاقل يأخذ ثاني أوكسيد الكربون من دم الجنين يضعه في دم أمه ، فنفس الأم جزء منه نفس جنينها .
الآن يأخذ هذا الغشاء عوامل المناعة من دم الأم ويضعها في دم الجنين ، فالجنين محصن من كل الأمراض التي أصيبت بها أمه قبل أن يولد ، يقوم بمهمة أخرى هي أصعب مهمة ، هذا الغشاء كأنه يعلم كم يحتاج الجنين من جميع المواد الغذائية ، السكريات ، البروتينات ، الشحوم الثلاثية ، الفيتامينات ، المعادن ، أشباه المعادن ، بالآلاف ، يعرف كم يحتاج الجنين من هذه المواد ، وينفذ هذه الحاجة ، يلتقطها من دم الأم ، ويضعها في دم الجنين .
الحقيقة شيء مذهل ! فهذه المواد أصبحت جاهزة للإستقلاب في دم الجنين ، بعد الاستقلاب ينتج حمض البول ، يأتي الغشاء العاقل يأخذ حمض البول من دم الجنين ، ينقله إلى دم الأم ، فجزء من دم الأم هو دم جنينها .
الآن هذا الجنين يحتاج إلى بوتاس ، والأم فقيرة لا تأكل أطعمة فيها بوتاس عندئذٍ الغشاء العاقل يسهم في أن الأم الحامل تشتهي أكلة فيها بوتاس ، أرأيت إلى دقة الخلق ؟ هذا الغشاء يلقى بالمهلات بعد الولادة ، يقوم بدور لا يستطيعه أطباء الأرض مجتمعين ، هذه من آيات الدالة على عظمته ، يهب هذه المشيمة وفيها الغشاء العاقل .
من ازداد تفكراً في خلق السماوات والأرض ازداد تعظيماً وخشوعاً لله تعالى:
لذلك الأدلة التي تقوم على العلم ، إن في خلق السماوات والأرض ، أو في خلق الإنسان ، أدلة قاطعة تأخذ بالألباب ، فالإنسان لو تفكر في خلق جسمه ، في دماغه ، في عينيه ، في أنفه ، في أذنيه ، في فمه ، في لسانه ، في رئتيه ، في قلبه ، في جهاز الهضم ، لأخذه العجب العجاب ، وحجمك عند الله بحجم معرفتك به ، وكلما ازداد الإنسان تفكراً في خلق السماوات والأرض ازداد تعظيماً ، وازداد خشوعاً ، وطاعة ، وحقق الهدف الذي خلقه الله له .الأستاذ جميل :
جزاكم الله خيراً فضيلة الدكتور ، وأحسن إليكم ، مشاهدينا الأعزاء نودعكم على أمل اللقاء ، نستودعكم الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .