- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠17برنامج عقل وقلب - قناة شام
مقدمة :
الأستاذ جميل :
السلام عليكم ورحمة الله ، أيها الأخوة والأحبة ، أسعد الله أوقاتكم بكل خير ، وأهلاً بكم في لقاء جديد في برنامجنا عقل وقلب .
حديثنا اليوم عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تحدثنا عن أبي بكر وعمر ، ونتحدث اليوم عن سيدنا عثمان وعلي عليهم رضوان الله ، ضيفنا هو فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، فضيلة الدكتور هل لكم أن تحدثونا عن بقية صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
إكرام الله عز وجل سيدنا عثمان بن عفان بالمال :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، الحقيقة أن هناك عبادة اسمها عبادة الهوية ، الذي أكرمه الله بالمال عبادته إنفاق المال ، وسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه يمثل هذا النموذج ، جهز بماله الخاص جيش العسرة ، واشترى بئراً وجعله وقفاً لكل الناس ، وأنفق إنفاقاً كبيراً حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :اللهم إني أمسيت راضياً عن عثمان فارضَ عنه ، بل قال : ما ضرّ عثمان ما فعله بعد اليوم .
وكان يلقب بذي النورين ، لأنه تزوج ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الغني أمام خيارات للعمل الصالح لا تعد ولا تحصى :
الحقيقة المال قوة ، والله عزّ وجل جعل المال قواماً للإنسان ، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيف ))
بإمكان الغني أن يعمل الأعمال الصالحة التي يعجز عنها معظم الناس ، بل كلما ازداد مالك ازدادت خياراتك في العمل الصالح ، فمن إنشاء ميتم ، إلى إنشاء مستشفى ، إلى إنشاء مستوصف ، إلى إنشاء دور للعجزة ، إلى تزويج الشباب ، إلى إنشاء بيوت رخيصة ، إلى إطعام الطعام ، هناك أعمال لا تعد ولا تحصى ، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، الغني أمام خيارات للعمل الصالح لا تعد ولا تحصى ، ولكن هذا المال أحياناً يصبح دركات يهوي بها الإنسان حينما يسخر للملذات المحرمة ، والانغماس في الأعمال التي لا ترضي الله عز وجل ، فالمال حيادي إما أن يكون سلماً نرقى به أو دركات نهوي بها ، هذا الصحابي الجليل سيدنا عثمان الحيي ، الكريم ، المنفق ، السخي ، يمثل المال في وجوهه الإيجابية ، والنبي أثنى عليه ثناء كبيراً حينما قال : ما ضرّ عثمان ما فعله بعد اليوم .
اللهم إني أمسيت راضياً عن عثمان فارضَ عنه ، زوجه ابنته الأولى فلما توفيت زوجه ابنته الثانية .
الأستاذ جميل :
ماذا عن علي رضي الله عنه فضيلة الدكتور ؟
فصاحة سيدنا علي وحكمته :
الدكتور راتب :
سيدنا علي هو في الحقيقة عالم كبير ، وفصيح فصاحة ما بعدها فصاحة ، قال مرة : " قوام الدين والدنيا أربعة رجال عالم مستعمل علمه ،وجاهل لا يستنكف أن يتعلم " ، أخطر شيء في حياتنا نصف العالم ، لا هو عالم فيفيد من علمه ، و لا هو جاهل فيتعلم ، خطير جداً ، بل إن بعض الجامعات في بعض الدول المتخلفة هي في الحقيقة جامعة يدخلها الطالب جاهلاً متواضعاً يخرج منها جاهلاً متكبراً ، أضيف له الكبر فقط ، فهذا الصحابي الجليل كان يؤكد : " يا بني العلم خير من المال ، لأن العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق ، يا بني مات خزان المال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة ".
بلاغة سيدنا علي رضي الله عنه :
بلاغته رائعة حتى إن كتاب نهج البلاغة ينطق بذلك :
قال : " قوام الدين والدنيا أربعة ؛ رجال عالم مستعمل علمه ، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم ، وغني لا يبخل بماله ، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه " ، واضح الآن في تحريك ، قال : " فإذا ضيع العالم علمه ، أي لا يطبق علمه ، استنكف الجاهل أن يتعلم ، وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره " .
ما الذي يزهد الناس في العلم ؟ أن يكون أناس امتهنوا العلم كمهنة وكحرفة ، قال الإمام الشافعي : " لأن أرتزق بالرقص أفضل من أن أرتزق بالدين ".
فهذا الصحابي الجليل سيدنا علي له كلمات رائعة ، قال :
" و الناس ثلاثة ، عالم رباني ، موصول بالله ، مستنير بنور الله ، مخلص ، ورع ، و متعلم على سبيل نجاة ، القسم الثالث : و همج رعاع أتباع كل ناعق لم يستضيئوا بنور العلم ، و لم يلجؤوا إلى ركن وثيق ، فاحذر أن تكون منهم ".
صار في عالم رباني ومستمع على سبيل نجاة وهمج رعاع ، بعضهم يقول :
ما الناس سوى قوم عبدوك ، وغيرهم همجٌ همجُ .
هذا الصحابي الجليل يقول : " رُكِّب الملَك من عقل بلا شهوة ، وركِّب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركِّب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان ".
هذا الصحابي الجليل في بعض الروايات تؤكد أنه في أعلى درجة من العلم ، والفصاحة ، والبيان ، وكان شاباً صغيراً حينما دخل في الإسلام ، هذه بعض خصائص هذين الصحابيين الجليلين اللذين ينتميان إلى منظومة الخلفاء الراشدين .
الأستاذ جميل :
فضيلة الدكتور ذكرنا الصحابة ونريد أن نذكر الصحابيات ، فهناك صحابيات فاضلات نريد أن نسمع منكم عنهن .
السيدة خديجة المثل الأعلى للزوجة الصالحة الوفية :
الدكتور راتب :
والله أنا أذكر رواية عثرت عليها لكن تأثرت لها كثيراً ؛ أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما فتح مكة ، دعته بيوتاتها ليبيت عندهم فقال لهم : لا ، انصبوا لي خيمة عند بيت خديجة ، وركز لواء النصر أمام قبرها ليعلم العالم كله أن هذه المرأة التي في القبر هي شريكته في النصر .
عاش معها ربع قرن وكانت في سن أمه ، وكان وفاؤه لها منقطع النظير ، مرة تداعبه السيدة عائشة :
(( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ قَالَتْ : فَغِرْتُ يَوْماً فَقُلْتُ : مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْراً مِنْهَا ، قَالَ : مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْراً مِنْهَا قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاس ))
وفاؤه عجيب ، أما لو اطلعنا على سيرة هذه الصحابية الجليلة السيدة خديجة لرأينا العجب العجاب ، أنا أتمنى من الأخوة المشاهدين أن يعدوا هذه المرأة المثل الأعلى للزوجة ، كانت زوجة من الطراز الأول ، فلذلك أكرمنا الله بهذه النماذج البشرية الراقية .
عظمة تربية الأولاد في الإسلام :
لكن هناك قصة قد لا تصدق ، النبي عليه الصلاة والسلام خطب امرأة لتكون زوجة رسول الله ، زوجة سيد الأنبياء ، بالتعبير المعاصر لتكون السيدة الأولى فاعتذرت ، الاعتذار لا يصدق ، سألها النبي عليه الصلاة والسلام لما ؟ قالت : لي خمسة أولاد ، أخاف إن قمت بحقك أن أقصر بحقهم ، وأخاف إن قمت بحقهم أن أقصر بحقك ، يعني هذه الصحابية من المستوى الإيماني الرفيع بحيث لم تقبل أن تكون زوجة وهذا الزواج يعفيها من المسؤولية ، مسؤولة أمام الله ، لذلك ورد في بعض الروايات :
(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا ، فإذا بامرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي ، قلت من هذه يا جبريل ؟ قال : هي امرأة مات زوجها ، وترك لها أولاداً فأبت الزواج من أجلها ))
يعنيني من هذا الحديث كم هي عظيمة تربية الأولاد في الإسلام .
أولادنا الورقة الرابحة والوحيدة التي بقيت في أيدينا :
أنا أقول دائماً أولادنا الورقة الرابحة ، وأحياناً أقول الوحيدة ، التي بقيت في أيدي المسلمين فنحن يمكن أن نواجه القنبلة الذرية بقنبلة الذرية :
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ (21)﴾
فهذا الصحابية الجليلة اعتذرت عن أن تكون السيدة الأولى من أجل تربية أولادها وهذا درس بليغ لكل أمهات المسلمين.الأستاذ جميل :
نتابع الحديث لكن عن التابعين ، التابعون الذين يمثلون الحلقة الثانية في سلسلة النور التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
توظيف التابعي الجليل عمر بن عبد العزيز منصبه الرفيع لآخرته :
الدكتور راتب :
أستاذ جميل سيدنا عمر بن عبد العزيز من كبار التابعين ، وكان خليفة المسلمين ، بل عُدّ بحق خامس الخلفاء الراشدين ، هذا الخليفة كان زاهداً قال مرة : تاقت نفسي إلى الإمارة فلما بلغتها تاقت نفسي إلى الخلافة ، فلما بلغتها قال : تاقت نفسي إلى الجنة .
هذا التابعي الجليل وظف منصبه الرفيع وهو المنصب الأول لآخرته ، للعمل الصالح ، قد يتوهم الناس أن المناصب تتناقض مع التدين ، لا أبداً ، هذا التابعي الجليل سيدنا عمر وصل إلى أعلى درجات القرب من الله وهو في أعلى منصب تسلمه وهو خلافة المسلمين .
أرسل أحد الولاة إلى سيدنا عمر رسالة قال فيها : يا أمير المؤمنين ، إن أناساً اغتصبوا مالاً ليس لهم ، لست أقدر على استخراجه منهم إلا أن أمسهم بالعذاب ، يعني نعذبهم حتى يعترفوا ، فإن أذنت لي فعلت ، استأذنه في تعذيب بشر ، فأجابه عمر : يا سبحان الله ! أتستأذنني في تعذيب بشر ؟ وهل أنا لك حصن من عذاب الله ؟ وهل رضائي عنك ينجيك من سخط الله ؟ أقم عليهم البينة ، معك أدلة ، معك مستمسكات ، معك إيصال ، معك تصريح ، معك إقرار ، فإن قامت فخذهم بالبينة ، فإن لم تقم فادعهم إلى الإقرار ، فإن أقروا فخذهم بإقرارهم ، والإقرار سيد الأدلة ، فإنْ لم يقروا فادعهم لحلف اليمين ، فإذا حلفوا فأطلق سراحهم ، وأيم الله ، لأن يلقوا الله بخيانتهم أهون من أن ألقى الله بدمائهم .
ما هذه الحرية والديمقراطية إن صحّ التعبير ؟ ما هذه القنوات الشرعية لأخذ الحقوق ؟ هكذا كان فهم هذا التابعي الجليل .
من الطرف أن أحدهم قال لمن هو إلى جانبه ، أقطعني سليمان بن عبد الملك أراضٍ واسعة وجاء عمر بن عبد العزيز رحمه الله فانتزعها مني ، دون أن يشعر ترحم على من انتزعها منه ولم يترحم على الذي منحه إياها ، لأن العدل أساس الملك .
ورع الحسن البصري و استغناؤه عن دنيا الناس :
كان هذا التابعي الجليل من الورع بمكان ، لذلك نحن عندما نرى مثل هؤلاء نرى الناس بخير ، أستاذ جميل الحسن البصري أيضاً من كبار التابعين سئل مرة بما نلت هذا المقام ؟ فقال بحاجة الناس إلى علمي واستغنائي عن دنيا الناس
، متى يرتفع العلم ؟
إذا كان العالم مستغنياً عن دنيا الناس وكان الناس بحاجة إلى علمه ، فإذا انعكست الآية إذا استغنى الناس عن علم العالم ، وكان هو بحاجة إلى ما عند الناس سقط العلم ، لذلك مرة كان هذا التابعي الجليل "الحسن البصري" عند والي البصرة ، فجاء توجيه من الخليفة يبدو أنه لو نفذ أمر الوالي لأغضب الله عز وجل ، ولو لم ينفذه لأغضب الخليفة ، وربما عزله ، فوقع في حيرة من أمره ، وعنده الإمام الجليل الحسن البصري ، قال له : إن الله يمنعك من يزيد ، ولكن يزيد لا يمنعك من الله .
لذلك هذا التابعي الجليل الحسن البصري أدى رسالة العلم ، بيانه أغضب الحجاج ، فقال لجلسائه يا جبناء والله لأروينكم من دمه وأمر بقتله ، وجاء بالسياف وجيء بالنطع ومُدّ ولم يبق إلا قطع رأسه ، فلما دخل على مجلس سيقتل فيه ، رأى السياف ينتظر ، والنطع قد مُدّ فحرك شفتيه بكلام ما سمعه أحد ، فإذا بالحجاج يستقبله يقول : أهلاً بأبي سعيد ، أنت سيد العلماء ، ومازال يقربه من مجلسه حتى أجلسه على سريره واستفتاه ، وأكرمه ، وعطره ، وضيفه ، وشيّعه إلى باب القصر ، السياف صُعق وكذلك الحاجب ، تبعه الحاجب قال : يا أبا سعيد ، لقد جيء بك لغير ما فعل بك ، ماذا قلت لربك ؟ قال له : قلت : يا ملاذي عند كربتي ، يا مؤنسي في وحشتي ، اجعل نقمته عليّ برداً وسلاماً ، كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم .
هذا الموقف يؤكد مقولته لوالي البصرة إن الله يمنعك من يزيد ، ولكن يزيد لا يمنعك من الله .
مرة أبو جعفر المنصور سأل الإمام الجليل أبا حنيفة النعمان ، قال له : يا أبا حنيفة لو تغشيتنا ، فقال : ولمَ أتغشاكم وليس عندكم شيء أخافكم عليه ؟ وهل يتغشاكم إلا ما خافكم على شيء ، إنك إن أكرمتني فتنتني ، وإن أزريت بي فتنتني أيضاً .
فلذلك كان العلم عزيزاً ، والعلماء أعزّوا علمهم فانتفع الناس بعلمهم ، فإذا قصر العالم في إعزاز علمه وفي ترفعه عن دنيا الناس قد لا يؤدي العلم وظيفته .
القاضي شريح و قصته مع زوجته الصالحة :
على كل من هؤلاء التابعين القاضي شريح ، القاضي شريح لقيه صديقة الفضيل فقال له : يا شريح كيف حالك في بيتك ؟ قال : منذ عشرين عاماً لم أجد من يعكر صفائي ، قال : وكيف ذلك يا شريح ؟
قال : خطبت امرأة من أسرة صالحة فلما كان يوم الزفاف وجدت صلاحاً وكمالاً ، يقصد صلاحاً في دينها وكمالاً في خَلقها ، أي فقيهة متعلمة وجميلة ، فصليت ركعتين شكراً لله على نعمة الزوجة الصالحة ، فلما سلّمت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي ، وتسلم بسلامي ، وتشكر شكري ، فلما خلا البيت من الأهل والأحباب دنوت منها ، فقالت لي : على رسلك يا أبا أمية
فقامت فخطبت ، قالت : أما بعد ، يا أبا أمية إني امرأة غريبة لا أعرف ما تحب ولا ما تكره ، فقل ما تحب حتى آتيه وما تكره حتى أجتنبه ، ويا أبا أمية قد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك ، وكان لي من رجال قومي من هو كفء لي ، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنة رسوله ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، فاتقِ الله فيّ وامتثل قوله تعالى :
﴿ فإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ (229)﴾
أي زواج بني على طاعة الله يتولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين :
القاضي شريح ليلة عرسه ما كان يفكر أن يلقي خطبة ، ثم قعدت
قال : فألجأتني إلى أن أخطب ، وقف وقال : أما بعد ، فقد قلت كلاماً إن تصدقي فيه وتثبتي عليه يكن لك ذخراً وأجراً ، وإن تدعيه يكن حجة عليك ، أحب كذا وكذا وأكره كذا وكذا ، الآن دقق ، ما وجدت من حسنة فانشريها وما وجدت من سيئة فاستريها . قالت : كيف نزور أهلي وأهلك ؟ قال : نزورهم غباً مع انقطاع بين الحين والحين حتى لا يملونا .
وفي الحديث الشريف :
(( زر غِبَّاً تزدد حبَّاً ))
قالت : فمن من الجيران تحبَّ أن أسمح لهنَّ بدخولِ بيتك ومن تكره ؟ قال : بنو فلان قومٌ صالحون ، وبنو فلان قومٌ غير ذلك ، قال : ومضى عليَّ عامٌ جئت إلى البيت فإذا أم زوجتي عندنا فلمَّا دخلت رحَّبتُ بها أجمل ترحيب ، قالت لي أمها : يا أبا أمية كيف وجدت زوجتك ؟ قلت : والله هي خير زوجة ، قالت : يا أبا أميَّة ما أوتي الرجال شراً من المرأة المدلَّلة فوق الحدود ، فأدِّب ما شئت أن تؤدِّب وهذِّب ما شئت أن تهذِّب ، ثم التفتت إلى ابنتها تأمرها بحسن السمع والطاعة .
نستفيد من هذه القصة أن أي زواج إذا بني على طاعة الله يتولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين أما إذا بني على معصية الله يتولى الشيطان التفريق بينهما ، وما من حديث شريف ينطبق على الزوجين المؤمنين كهذا الحديث :
(( والذي نفس محمد بيده : ما تواد اثنان ، ففرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما ))
الأستاذ جميل :
سؤال أخير ، كيف اللحاق بهذا الركب ، ركب الصحابة والتابعين ؟ أم أنهم حازوا فضل السبق فلا لحاق بهم ؟
التزام منهج الله عز وجل طريق الإنسان للحاق بركب الصحابة و التابعين :
الدكتور راتب :
والله الأبواب مفتحة على مصارعها لكن مقام سيدنا الصديق هذا مغلق ، هذا مكان الصديقية مغلق أما البقية مفتوح ، اشتقت لأحبابي ، قالوا : لسنا أحبابك ؟ قال : لا ، أنتم أصحابي ، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر ، أجرهم كأجر سبعين ، قالوا : منا أم منهم ؟ قال : بل منكم ، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون ، لذلك :
(( عبادة في الهرج كهجرة إلي ))
هذه طمأنة للأخوة الكرام الذين التزموا منهج الله في ظروف صعبة جداً .
خاتمة و توديع :
الأستاذ جميل :
نشكر لكم فضيلة الدكتور هذا الكلام الطيب ، وشكراً لكم أيها الأخوة المشاهدون نراكم إن شاء .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .