- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠45برنامج منهج التائبين - قناة الرحمة
مقدمة :
الدكتور بلال:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
أخوتي أخواتي؛ بتحية الإسلام نبدأ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحن معاً في حلقة جديدة، من برنامجنا: "منهج التائبين" في هذا البرنامج نلقي الضوء على الخطوات الصحيحة التي ينبغي أن يسلكها كل مؤمن في طريق توبته إلى الله تعالى، نتابع الحديث بصحبة شيخنا الفاضل فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، السلام عليكم سيدي.
الدكتور راتب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الدكتور بلال:
سيدي في منهج التائبين قضية ينبغي أن ننتبه لها، إنسان تاب إلى الله ومنذ اليوم الأول من التوبة بدأ يقيّم الناس، ويتألى على الله، ويدخل هذا في الجنة، وذاك في النار، هذا كفر، وهذا ابتدع، وهذا فعل، وهذا عصى، وهكذا من هذه السلسلة، التألي على الله، هل مهمتنا أن نقيّم الأشخاص؟ وما التألي على الله؟
تقييم الأشخاص من شأن الله وحده :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الحقيقة تقييم الأشخاص من شأن الله وحده، قولٌ فصلٌ، تقييم الأشخاص من شأن الله وحده، بدليل قوله تعالى:
﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ﴾
أذكر النبي الكريم من عادته الطيبة أنه يزور بيت المتوفى قبل دفنه، فزار قبر صحابي اسمه: أبو السائب، زار بيته قبل دفنه، سمع امرأة تقول: هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله. النبي وحده لو سكت لكان كلامها صحيحاً، النبي الكريم أقواله سنة، أفعاله سنة، إقراره أي صمته سنة، صفاته سنة، وحده لو سكت لكان كلامها صحيحاً، فقال لها: ومن أدراكِ أن الله أكرمه؟ قولي: أرجو الله أن يكرمه، بين أكرمك الله قطعاً يقيناً، تألياًعلى الله، وبين أن تقول: أرجو الله أن يكرمه، قال لها: وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم.
من لوازم العبودية ألا تحكم على المستقبل يقيناً، هذا هو الأدب مع الله عز وجل.
لذلك الإنسان أحياناً تزل قدمه يقول لك: هذا من أهل النار، من قال لك ذلك؟ هو الآن في معصية، قد يتوب ويسبقك، الحكم على الأشخاص هو من التألي على الله، والحكم على الأشخاص من شأن الله وحده، فالإنسان كلما تواضع لله رفعه الله، هذا أدب مع الله، عندنا قاعدة: قل لا أدري، لا أدري نصف العلم، أحياناً لا أدري شيء رائع جداً.
الدكتور بلال:
سيدي، أيضاً سيدنا الصديق رضي الله عنه، عندما قال: والله استخلفت عليهم أرحمهم لكن هذا علمي به.
الدكتور راتب :
نعم هذا علمي به، فإن بدل وغير فلا علم لي بالغيب، لا يوجد أروع من هذه المقولة، أنا أخترت أصلحهم، درست الوضع، اخترت أصدقهم، أرحمهم، أعدلهم، هذا اجتهادي، فإن بدل وغير هو مخير، فلا علم لي بالغيب.
أنا والله بأكثر الوصايا أكتب هذا الكلام، هذا علمي بفلان، إن بدل وغير فلا علم لي بالغيب.
الدكتور بلال:
ومن هنا سنّ العلماء سنة حسنة في التزكية، يقول: ولا نزكي على الله أحداً.
الدكتور راتب :
أبداً.
﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾
الدكتور بلال:
سيدي، أيضاً هنا يحضرني أمر هذا التائب نظر إلى العاصي إذاً لا يجوز أن يحتقره كما تكلمنا في اللقاء الماضي.
الابتعاد عن مدح الفاجر الفاسق :
الدكتور راتب :
بالمقابل ألا يعظمه، النص دقيق.
((إن الله عز وجل يغضب إذا مُدِحَ الفاسق))
يكون فاسقاً فاجراً، يقول لك: أكابر، فهيم، شاطر، هذا غلط.
((إن الله عز وجل يغضب إذا مُدِحَ الفاسق))
فكيف إذا مدح المجرم؟
الدكتور بلال:
إذاً لا يمدحه ولا يحتقره، يذم عمله، هذا ينقلني إلى ما أردت أن أصل إليه، نذم عمل العاصي، وقال على لسان شعيب أظن في القرآن:
﴿ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ ﴾
أي لمن الكارهين، فهنا تحضرني قصة عمير بن وهب عندما جلس مع صفوان بن أمية في صحن الكعبة، وتداولوا شأن محمد بعد غزوة بدر، جلسوا في صحن الكعبة، وقال: والله لولا ديون لزمتني.
الحكم على أفعال الشخص لا على ذاته :
الدكتور راتب :
لولا ديون لزمتني، وأولاد صغار أخاف عليهم العنت من بعدي، لذهبت وقتلت محمداً، وأرحتكم منه، فاتنهزها صفوان فرصة، قال له: ديونك عليّ مهما بلغت، وأولادك أولادي ما امتد بهم العمر، فاذهب لما أردت، سقى سيفه سماً، وتوجه نحو المدينة، لما وصل المدينة قبض عليه سيدنا عمر، عملاق الإسلام، شعر أن الوضع غير طبيعي، فذهب به إلى رسول الله، قال له: اجلس، ابتعد عنه يا عمر، ما الذي جاء بك إلينا؟ قال: جئت أفتدي ابني، قال له: وهذا السيف الذي على عاتقك؟ قال له: قاتلها الله من سيوف، وهل نفعتنا يوم بدر؟ قال له: ألم تقل لصفوان: لولا ديونٌ لزمتني، وأطفال أخاف عليهم العنت من بعدي لذهبت وقتلت محمداً؟ قال: أشهد أنك رسول الله، هذا الذي دار بيني وبين صفوان لا يعلمه إلا الله، وأنت رسول الله، فذهب واغتسل وحسن إسلامه.
طبعاً هذه من معجزات النبي الكريم، لكن هو لا يعلم الغيب بنفسه أعلمه الله بذلك.
الدكتور بلال:
هنا التعليق سيدي تعليق سيدنا عمر.
الدكتور راتب :
قال: دخل عمير على رسول الله والخنزير أحبّ إليّ منه، وخرج من عنده وهو عندي أحبّ إليّ من بعض أولادي.
الدكتور بلال:
إذاً هو كان يكره عمله، فلم أسلم أصبح قريباً منه.
الدكتور راتب :
أنا أقول: الإنسان لا تحكم على ذاته، احكم على أفعاله، أفعاله فيها خطأ، فإذا أعنته على طاعة الله انتهى الأمر.
الدكتور بلال:
وهذا ينقلنا إلى موضوع آخر متعلق بالتألي على الله وبقضية العمل، وهو الولاء والبراء، ما الولاء والبراء؟
الولاء و البراء :
الدكتور راتب :
يجب أن توالي المؤمنين، أن تحبهم، أن تدافع عنهم، أن تلتمس العذر لهم أحياناً، أن توالي المؤمنين ولو كانوا ضعافاً وفقراء، وأن تتبرأ من الكفار والمشركين ولو كانوا أقوياء وأغنياء، فالبراء والولاء هو الفريضة السادسة، أن توالي المؤمنين ولو كانوا فقراء وضعفاء، وأن تتبرأ من الكفار والمشركين ولو كانوا أقوياء وأغنياء.
لأنه يقع على رأس الهرم البشري زمرتان، الأقوياء والأنبياء، الأقوياء ملكوا الرقاب، الأنبياء ملكوا القلوب، الأقوياء عاش الناس لهم، الأنبياء عاشوا للناس، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء يمدحون في حضرتهم، والأنبياء في غيبتهم، والناس جميعاً تبعٌ لقوي أو نبي.
فالمؤمن كأنها فريضة سادسة يوالي المؤمنين ولو كانوا ضعافاً وفقراء، ويتبرأ من الكفار والمشركين ولو كانوا أقوياء وأغنياء.
الدكتور بلال:
إذاً سيدي، أنت قلت كلاماً واضحاً يتبرأ من الكفار والمشركين، أما العصاة فلا يتبرأ منهم هم ضمن الدائرة الإسلامية.
الدكتور راتب :
يحتويهم، يعينهم على طاعة الله، يعينهم على الشيطان، ولا يفضحهم، والنصيحة في الملأ فضيحة.
الدكتور بلال:
من هنا يقول ابن مسعود رضي الله عنه: إذا رأيتم أخاكم قارف ذنباً فلا تكونوا معواناً للشيطان عليه.
سيدي الفاضل، أيضاً في قضية الولاء والبراء لو تابعنا فيها، بعض الناس يظن أن التبرؤ من الكفار والمنافقين هو قطع العلاقة بشكل كامل، أي إغلاق الباب، وهذه أيضاً مشكلة، ما نوع العلاقة مع المؤمن وغير المؤمن؟
نوع العلاقة مع المؤمن وغير المؤمن :
الدكتور راتب :
أولاً: عندنا علاقات عمل، وعلاقات حميمة، علاقات العمل طبيعية جداً، أنت موظف في دائرة، قد لا ترتاح لدين رئيس الدائرة، أما أنت موظف، يوجد دوام، وعمل متقن، وإخلاص بالعمل، فأنت حينما تكون هكذا تقترب من الله، وتقرب هذا الذي ابتعد عن الله.
أذكر مرة أن موظفاً في شركة، بعدما قبض راتبه أرجع مبلغاً معيناً، قال له: ما هذا المبلغ؟ فالمدير بعيد عن الدين بعد الأرض عن السماء، قال له: أوقات الصلوات جمعتها وسأقطعها من راتبي، فكان سبب هداية المدير العام.
الطرف الآخر يريد إسلاماً يمشي أمامهم، لا يريد نصوصاً، ولا تعالياً، ولا يحتاج إلى فصاحة وبيان، يريد أن يرى إسلاماً.
كيف قيل إن القرآن كون ناطق، والكون قرآن صامت، والنبي قرآن يمشي، الناس اليوم يريدون أن يروا بأعينهم إسلاماً يمشي أمامهم، إن حدثك فهو صادق، إن استؤمنت على شيء فأنت أمين، عاملته متقن، صادق، أمين، نريد إسلاماً يمشي على الأرض، حتى يقنع الناس بهذا الدين، نريد نماذج.
الدكتور بلال:
نعم سيدي هذه القدوة، التي تحدثتم عنها في اللقاء السابق.
الآن سيدي أيضاً حتى يتضح موضوع الولاء والبراء بشكل كامل تفضلتم التبرؤ من المشركين والكفار لا يعني القطيعة معهم، وإنما يعني أن نحبب لهم الإسلام.
اقتناع الإنسان بالدين لا بالكلام بل بالفعل :
الدكتور راتب :
بالحد الأدنى، وإظهار ميزات هذا الدين.
الحقيقة أحياناً الإنسان يقنع بالدين لا بالكلام بل بالفعل، هذا الموظف عندما أعطاه فرق صلواته كبر عند هذا المدير العام.
خاتمة و توديع :
الدكتور بلال:
جزاكم الله خيراً سيدي، وأحسن إليكم.
أخوتي الأكارم، أخواتي الكريمات؛ لم يبقَ في ختام هذا اللقاء إلا أن نشكر لكم طيب المتابعة، وحسن الاستماع، نتابع في منهج التائبين إن شاء الله في حلقات قادمة، ونحن نرجو دائماً أن تكونوا في أسعد حال، وخير حال، إلى الملتقى نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته