- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠45برنامج منهج التائبين - قناة الرحمة
مقدمة :
الدكتور بلال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أخوتي وأخواتي أينما كنتم، أسعد الله أوقاتكم بالخير، واليمن، والبركات، والطاعات.
ولا تحسبن الله يغفل ساعـــــــــــــة ولا أن ما تخفيه عنـــــه يغيب
لـــــــــهونا لعمر الله حتى تتابعــت جنوبٌ على آثارهـــــــــن ذنـوب
فياليت أن الله يغفر مـــــا مضــى ويأذن فــــــــــي توباتنا فنتـــوب
***
منهج التائبين هذا عنوان برنامجنا الجديد، بصحبتكم نتحدث فيه عن التوبة، وعن شروطها، وعن أركانها، وعن الذنوب، وكيف يتوب الإنسان إلى ربه.
يسعدنا في هذه الحلقات أن يكون ضيفنا الدائم فيها فضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي، السلام عليكم سيدي.
الدكتور راتب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الدكتور بلال:
نتشرف بكم سيدي في هذه الحلقات الطيبة.
الدكتور راتب :
وأنا كذلك.
الدكتور بلال:
مع أخوتنا المشاهدين جزاكم الله خيراً، سيدي لو بدأنا في منهج التائبين من بدايته من الذنب، لماذا يقع الإنسان في الذنوب؟ ألا يمكن أن يكون كالملائكة؟ والملائكة:
﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾
بطولة الإنسان أن يتحرك وفق منهج الله ليعيش في سلامة و سعادة :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
أنا أقول وأظن أنني على حق لولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات، الشهوة قوة دافعة، كأن السيارة فيها محرك، فالشهوة هي المحرك، والشاب في أعلى درجات القوة، ودور الشيوخ والعلماء الربانيين توجيه هذه السيارة، والشرع هو الطريق المعبد، فإذا انطلقت مسيرتنا بقوة الشباب، وتوجيه الشيوخ، والانضباط بالشرع تفوقنا، فإذا اكتفينا بواحدة تطرفنا، لولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات، فالشهوة حيادية.
تقريباً الشهوة لو رمزنا لها بمئة وثمانين درجة، سمح الله لنا بمئة وعشر، بقي ثمانون أو سبعون بالمئة محرمة، فالبطولة أن نتحرك بدافع من شهواتنا وفق المساحة التي سمح الله لنا بها، بالإسلام لا يوجد حرمان، بتعبير آخر ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناةً نظيفة طاهرة، إذاً لا يوجد حرمان، يوجد تنظيم، أي إن تحركنا وفق منهج الله عز وجل فنحن في سلامة وسعادة.
صفيحة البنزين تشبه الشهوة، إذا وضع البنزين في المستودع المحكم، وسال هذا البنزين في الأنابيب المحكمة، وانفجر في الوقت المناسب، والمكان المناسب، ولّد حركة نافعة، قد تقلك إلى مكان جميل في العيد، هذه الصفيحة نفسها إن صبت على السيارة، وأصابتها شرارة، أحرقت المركبة ومن فيها.
فالشهوة قوة دافعة أو قوة مدمرة، فإذا تحركنا وفق منهج الله بحسب منهج الله أخذنا من الشهوات ما سمح لنا به، وابتعدنا عما حرم علينا، سلمنا وسعدنا في الدنيا والآخرة.
الدكتور بلال:
جزاكم الله خيراً، إذاً سيدي سبب الوقوع في الذنب هو وجود الشهوة عند الإنسان؟
الشهوة بلا منهج سبب للوقوع في الذنب :
الدكتور راتب :
بلا منهج، حركة عشوائية، حركة بلا توجيه، أو سير ليلاً بطريق فيه منعطفات، وأكمات، وحفر، بلا ضوء.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾
فالشهوة بلا موجه، بلا منهج، بلا نور يضيء لك الطريق هناك مشكلة.
الدكتور بلال:
ما هي الشهوات سيدي التي إن تحرك بها، ما هي الشهوات شهوة المال مثلاً؟
الإنسان كائن متحرك تحركه ثلاث حاجات :
الدكتور راتب :
الشهوات تجمع بعدة شهوات، أولاً: الشهوة إلى الطعام والشراب، حفاظاً على بقاء الفرد، شهوة أخرى إلى الزواج، حفاظاً على بقاء النوع، هناك شهوة ثالثة بقاء الذكر، التفوق، أن يشار لهذا الإنسان أنه الأول، الطبيب الأول، المهندس الأول، عندنا شهوة حفاظاً على بقاء الفرد، إلى الطعام والشراب، وشهوة حفاظاً على بقاء النوع، الزواج، وشهوة حفاظاً على بقاء الذكر، التفوق، ثلاث حاجات أساسية تحقق كاملة في الدين.الدكتور بلال:
لو أخذنا نموذجاً سيدي حتى يتحقق للأخوة المشاهدين، نأخذ الشهوة من أجل الحفاظ على بقاء النوع، كيف يتحرك بها الإنسان وفق المنهج؟ وكيف يتحرك بخلاف المنهج؟
من تحرك بشهوته خلاف المنهج وقع في المعاصي و الانحرافات :
الدكتور راتب :
أي تتفوق، هذا التفوق رفع ذكرك، أنت شكرت الله، جعلت هذا التفوق في خدمة هذا الدين، في خدمة أمتك، في خدمة مجتمعك، في خدمة وطنك، في خدمة الصالح العام، أي شيء يمكن أن يوظف في الخير، أما لو الإنسان تفوق من أجل أن يغرق في المتاعب، والملاهي، والانحرافات، هذا مال وهذا مال.
أذكر أنه يوجد طريق؛ عن يمينه ملهى، وعن يساره جامع، فصاحب الملهى توفي بعد حين، والذي أنشأ الجامع توفي بعد حين، كل موبقات هذا الملهى في صحيفة من أنشأه، وكل حسنات هذا المسجد في صحيفة من بناه، المشكلة ليست عند الموت، بعد الموت.
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ﴾
أي ألحقنا بهم أعمال ذريتهم.
الدكتور بلال:
سيدي، إذاً الشهوة إن تحرك بها الإنسان بخلاف المنهج وقع في الذنوب، والمعاصي، والآثام، الآن سيدي هذه الشهوة هل هي دائماً تتعارض مع التكليف أم تتعارض مع الطبع أم كيف؟
تطابق الشرع مع الواقع :
الدكتور راتب :
ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناةً نظيفة طاهرة تسري خلالها، لا يتناقض هذا الشرع مع الواقع.
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
الدكتور بلال:
قيل: الملائكة كما تعلمون سيدي:
﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾
كما ورد في القرآن الكريم، لماذا الملك لا يعصي الله عز وجل؟
عدم عصيان الملائكة لله عز وجل :
الدكتور راتب :
لأنه خلق من عقل بلا شهوة، والحيوان خلق من شهوة بلا عقل، أما الإنسان فخلق من عقل وشهوة، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان.
الدكتور بلال:
لكن طبع الإنسان سيدي أحياناً يقوده إلى المعصية.
الطباع لا علاقة لها بالتكليف :
الدكتور راتب :
الحقيقة يوجد كلام دقيق:
(( يطبع المؤمن على الخلال كلها))
هناك إنسان طبعه كلي، وإنسان طبعه جزئي، قال لك: قابلته؟ قال: عنده ازدحام شديد ومدير أعماله سيئ جداً، وقد انتظرت ساعتين، أخي هل قابلته بالنهاية؟ هذا نمطه جزئي، الآخر كلي، قابلته ورفض.
الدكتور بلال:
بكلمتين.
الدكتور راتب :
(( يطبع المؤمن))
يوجد إنسان دقيق، وإنسان عريض بخطوط حياته، إنسان يتتبع الجزئيات، وإنسان يتتبع الكليات، إنسان عصبي المزاج، وإنسان هادئ المزاج.
(( يطبع المؤمن على الخلال كلها))
والخلال كلها على العين والرأس.
(( إلا الخيانة والكذب ))
هذا ليس طبعاً بل خيانة.
الدكتور بلال:
سيدي إذاً هذه الطباع ليس لها علاقة بالتكليف، أي هو لن يحاسب عليها، أما الأمور التي لها علاقة بالتكليف فيحاسب عليها.
الدكتور راتب :
هناك مشروع الآن لتأسيس علم الطباع، إنسان كلي، إنسان جزئي، إنسان انفعالي، إنسان هادئ، إنسان تفصيلي.
الدكتور بلال:
سيدي إذاً نعود إلى قضية الشهوة، الإنسان يتحرك بدافع من شهوته، فيقع في الذنب، وإن تحرك بدافع من الشهوة المحرمة دون التقيد بالمنهج كما قلتم، هل هناك شهوة سيدي مع التقيد بالمنهج؟
ما من شهوة أودعت في الإنسان إلا لها قناة نظيفة طاهرة :
الدكتور راتب :
ما من شهوة أودعت فينا إلا لها قناة نظيفة طاهرة، لا يوجد حرمان بالدين أبداً.
الدكتور بلال:
إن اشتهى المرأة؟ يتزوج، وإن اشتهى المال.
الدكتور راتب :
يعمل.
الدكتور بلال:
ويتاجر، وإن اشتهى أن يكون له مكانة كبيرة بين الناس؟
من دعا إلى الله و خدم الناس رفع الله له ذكره :
الدكتور راتب :
يقدم أعمالاً طيبة جداً، يعلو مكانه.
﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
النبي رفع ذكره، وكل مؤمن له أعمال عظيمة يرفع الله ذكره.
عفواً الأئمة الكبار، الصحابة الكرام، الأعلام الربانيون، هؤلاء يذكرون باليوم ألف مرة، مئة ألف مرة، رفع الله ذكرهم، والآية تقول:
﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
طبعاً كل آية تخص الأنبياء والمرسلين لكل مؤمن منها نصيب، كما أن الله يرفع ذكر النبي، المؤمن الطيب دعا إلى الله، خدم الناس، أحبه الناس، رفع ذكره.
﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
الدكتور بلال:
والله تعالى يقول في كتابه الكريم:
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
الدكتور راتب :
يوجد معنى مخالف عند علماء الأصول؛ الذي يتبع هواه أي شهوته وفق منهج الله لا شيء عليه.
الدكتور بلال:
جزاكم الله خيراً .
سيدي لو انتقلنا إلى الذنب، الذنب نفسه، أصل الذنب، تكلمنا عنه، وفلسفة الوقوع فيه، لكن الآن لو انتقلنا إلى الذنوب نفسها، هناك ذنوب كبيرة يقع بها الإنسان، وذنوب صغيرة كبائر وصغائر.
أنواع الذنوب :
الدكتور راتب :
ذنب يغفر، وذنب لا يترك، وذنب لا يغفر، ما كان بينك وبين الله يغفر مباشرة بتعبير آخر الصلحة بلمحة، يا رب قد تبت إليك، يقع في روعه، وأنا يا عبدي قد قبلتك.
ذنب لا يترك ما كان بينك وبين العباد.
صحابي جيء به ليصلي عليه النبي، قال: أعليه دين؟ قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم، جاء رجل قال: عليّ دينه، فصلى عليه النبي، سأله في اليوم التالي: أديت الدين؟ قال: لا، سأله في اليوم التالي: أديت الدين؟ قال: لا، في اليوم الرابع قال: أديت الدين؟ قال له: نعم، قال: الآن ابترد جلده.
ما كان بينك وبين العباد لا يغفر إلا بالأداء أو المسامحة.
الدكتور بلال:
وإذا ذهب إلى الحج ورجع كيوم ولدته أمه؟
الدكتور راتب :
هذا وهم كبير، يغفر لك من الذنوب ما كان بينك وبين الله، لكن ما كان بينك وبين العباد لا يغفر إلا بالأداء أو المسامحة.
أما الشرك بالله فلا يغفر، لأن هذا الإنسان بحاجة إلى مستشفى، أخذناه لمكان فيه منتزه، هنا لا يوجد معالجة، مشى بطريق آخر.
لك مثلاً بمدينة معينة مبلغ ضخم، ركبت قطاراً قطعت درجة أولى، بالخطأ دخلت درجة ثالثة، لكن القطار في طريقه إلى مكان قبض المبلغ، كان ي بالغرفة شباب غير مهذبين، أزعجوك، لكن الطريق إلى مكان قبض المبلغ، شرح طويل، و لكن هناك خطأ خطير أن تركب قطاراً باتجاه معاكس، هنا لا يوجد أداء الدين، لا يوجد مبلغ، ولو كانت الغرفة راقية جداً، وكان القطار مريحاً جداً.
فالشرك لا يغفر لأنك تمشي بطريق معاكس.
خاتمة و توديع :
الدكتور بلال:
جزاكم الله خيراً سيدي، هذا الموضوع يحتاج إلى تفصيل أكثر في موضوع الذنوب، سنعود إليه في لقاء قادم إن شاء الله، جزاكم الله خيراً.
الدكتور راتب :
بارك الله بك.
الدكتور بلال:
وأنتم إخوتي الكرام لم يبقَ لي في نهاية هذا اللقاء الذي طاب بحضوركم وبمتابعتكم إلا أن أشكر لكم هذه المتابعة سائلاً الله تعالى أن نلقاكم دائماً، وأنتم في خير حال، وأحسن حال.
إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته