- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠56برنامج رياض الجنة - قناة قطر
مقدمة :
الدكتور محمد المري :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله جامع الشتات ، ومحيي الأموات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تكتب بها الحسنات ، وتمحى بها السيئات ، وتنجي من المهلكات ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بجوامع الكلمات ، الآمر بالخيرات ، والناهي عن المنكرات ، صلى الله تعالى عليه وعلى آله أصحابه الأثبات ، ورضي الله عنهم وعمن ترضى عنهم إلى يوم المسرات والحسرات .
وبعد حياكم الله مشاهدي الكرام في برنامجكم الأسبوعي : رياض الجنة ، والذي أسأل الله سبحانه وتعالى أن يكتب به النفع للقائل والسامع ، يسرنا في هذه الحلقة أن نستضيف فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي المعروف ، فأهلاً ومرحباً بكم وحياكم الله فضيلة الشيخ .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم.
الدكتور محمد المري :
اللهم آمين جزاكم الله خيراً .
مشاهدينا الكرام ؛ إن تجديد الإيمان في القلوب والنفوس ، وتوثيق الثقة بالله سبحانه تعالى أمر جاءت به نصوص الكتاب والسنة ، فقد قال تعالى :
﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾
وجاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فسلوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم ))
فإذا أضفنا العوامل ، والفتن ، والابتلاءات التي تحيط بنا من كل مكان فلا ريب أن كل ذلك يؤثر في القلب والنفس ، وربما وقع صاحبها في الضيق والإثم لضعف العامل الإيماني والوازع الشرعي في القلب والنفس .
حول موضوع ظاهرة ضعف الإيمان يسرنا أن نبدأ بسؤالنا الأول لفضيلة الشيخ : هل هناك شيخنا فعلاً ظاهرة لضعف الإيمان في القلوب ، وما معنى ذلك ؟
الدين توقيفي :
الدكتور راتب :
لكن أريد أن أبدأ بموضوع دقيق ذكرت عنوانه ، هو : التجديد ، الدين توقيفي من عند الخالق ، من عند المطلق ، لا يجدد ، أما التجديد إن أصررنا عليه فهو أن ننزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه ، الدين توقيفي .
الدكتور محمد المري :
وهذا هو المقصود .
الدكتور راتب :
لا يضاف عليه ، إن أضفنا عليه اتهمناه بالنقص ، إن حذفنا منه اتهمناه بالزيادة ، الدين توقيفي .
الدكتور محمد المري :
وهو قد اكتمل .
الدكتور راتب :
أما التجديد إذا أصررنا عليه فأن ننزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه .
الدكتور محمد المري :
وهذا هو المقصود ، لنتكلم شيخنا عن ظاهرة ضعف الإيمان هل هناك ظاهرة تسمى ضعف الإيمان ؟ وما معنى ذلك ؟
ظاهرة ضعف الإيمان كلمة واسعة جداً :
الدكتور راتب :
كلمة واسعة جداً ، ضعف في العقيدة ، ضعف في طلب العلم ، ضعف في الاستقامة ، ضعف في العمل الصالح ، ضعف في الدعوة إلى الله ، ضعف في التزام منهج الله في حياتنا ، كل شيء ، الإنسان مخير ، ولولا أنه إنسان مخلوق أول لما كان مخيراً ، هذا التخيير هو بين أن يكون متفوقاً ، أو متوسطاً ، أو متأخراً .الدكتور محمد المري :
شيخنا الذي دعاني أن أسأل هذا السؤال أن البعض يقول : أنا مسلم ، وأنت مسلم لا فرق بيني وبينك ، هل هناك فرق بالإيمان والعقيدة بحيث أن هذا يكون عنده ضعف ، هو مسلم لكن عنده ضعف .
العمل الصالح علة وجود الإنسان في الدنيا :
الدكتور راتب :
القرآن :
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
الإنسان علة وجوده في الدنيا العمل الصالح ، طبعاً هناك عقيدة ، وهناك إيمان بالآخرة ، لكن علة وجوده الأولى في الحياة العمل الصالح .
الدكتور محمد المري :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
الدكتور راتب :
الآية الدقيقة الأوضح :
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾
وسمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة .
المذيع :
ولا شك أن هذا العمل يتفاوت من إنسان لآخر .
الدكتور راتب :
الآن :
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
يقيّم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح ، أنت عند الله بحجم عملك الصالح .
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
الدكتور محمد المري :
جميل ! إذاً شيخنا قبل أن نأتي إلى محاور هذه الظاهرة ، وأسباب هذه الظاهرة ، وعلاج هذه الظاهرة ، أستأذنك شيخي الكريم أن نستطلع رأي الجمهور ، أخذنا رأي الجمهور عن ظاهرة ضعف الإيمان ، وماذا يعرفون عن هذه الظاهرة ، نرى هذا التقرير إن أذنت لي شيخي والسادة المشاهدين جميعاً ، ثم نعود إليكم ، لنكمل المحاور فكونوا معنا .
رأي الجمهور في ظاهرة ضعف الإيمان :
مشاهد ـ 1 ـ
هناك الكثير من الظواهر تدل على عدم التدين ، التدين عال جداً في الفترة الأخيرة، سواء في الانترنيت ، في القنوات الاجتماعية ، في الانستغرام ، في الفيس بوك ، الناس لا تهتم بالدين ، الناس تعمل مواضيع دينية ، ويقول : الدين يسر وليس عسراً ، وتقول : المواضيع الدينية أو الشرعية على مزاجها ، على حسب كيف يفكر يؤول الموضوع .
مشاهد ـ 2 ـ
قبل كان هناك أكثر انضباطاً ، وأكثر تديناً في العادات ، والتقاليد ، الحين العالم انفتح صرنا قرية واحدة .
مشاهد ـ 3 ـ
طبعاً كان هناك تدين ، وتمسك أكثر بالقيم ، والأخلاق ، قبل كان الإنسان منشغلاً بالعبادة ، والصلاة ، والقرآن ، والأمور الثانية ، نحن عقب الجوالات ، وظاهرة الجوالات ، والسوشل ميدا ، والبرامج هذه ، حتى الصغار لا يلتفتون إلى القرآن والعبادة .
مشاهد ـ 4 ـ
بصراحة نعم ، طبعاً كنت تحس أن الناس أقرب ، خاصة ونحن صغار كنا نحس أن هناك حرصاً أن نتربى على قراءة القرآن ، على أن نتعلم أمورنا الشرعية والدينية ، إلى الآن هذا موجود والحمد لله ، لكن تشعر أن التربية رافضة التطبيق خاصة من الأهل ، من الأبوين ، لا يوجد تطبيق ، لم أعد أرى أن الأهل يتابعون أولادهم .
مشاهد ـ 5 ـ
الخير موجود في العلم ، الحمد لله رب العالمين مواظبون في كل شيء ، خاصة في أخلاقهم ، في دينهم ، في عاداتهم وتقاليدهم ، إلى الآن الدين فيه خير .
مشاهد ـ 6 ـ
نعم ، يوجد مواقف كثيرة ، هناك أناس يعاملون ربنا قبل كل شيء ، قبل فترة كانت سيارتي واقفة أمام البيت ، جاء أحدهم و صدمها ثم مشى ، ولكنه قبل أن يمشي وضع لي رقمه، وعمل محضراً ، وبعث لي رسالة اعتذار أنه هو صدم السيارة من دون قصد ، وأنه يريد أن يصلحها على حسابه ، ووضع لي ورقة على السيارة ، فقالوا لي : إنه يخاف ربنا ، ومتدين ، ولم يره أحد ، كان من الممكن أن يمشي .
مشاهد ـ 7 ـ
الناس فيها خير ، إن شاء الله نرجع مثل الأول وأحسن إن شاء الله ، الحمد لله يوجد لمة وخير إن شاء الله ، الحمد لله أمورنا كلها بخير.
(( الخير في أمتي إلى يوم القيامة ))
الحمد لله ، الأخيار أناس كثر ، والخير موجود ، قبل أن يكون هناك ابتعاد عن الدين ، لكن نحن كطبيعتنا ، وكأمة شرعية عندنا نخوة ، فطرنا على النخوة ، وحب الغير ، وحب الخير للغير .
الدكتور محمد المري :
أهلاً ومرحباً بكم أيها الأخوة ، عدنا إليكم مرة أخرى ، شيخنا شاهدنا هذا التقرير طلبت مني أن ألخص لك التقرير ، طبعاً أجمع الجمهور هؤلاء ، انتقينا أناساً عشوائيين من الشارع مثلاً ، وأخذنا معهم لقاء عن ظاهرة ضعف الإيمان ، هل فعلاً هناك شيء اسمه : ظاهرة ضعف الإيمان ، أم يتفاوت الإيمان عند الناس ، قالوا : نعم ، البعض أرجع ذلك إلى الزمن ، البعض إلى الحضارة ، البعض إلى التقليد ، البعض تمييع الدين ، الدين يسر ، أن هذا غير مهم ، البعض رده أيضاً إلى التربية ، قال : ضعف التربية أدى مثلاً إلى ضعف الإيمان عند بعض النفوس ، لكن الخير لا زال في الأمة ، أجمعوا على أن الخير لا زال في الأمة ، ولو قلنا إن هناك ضعفاً بالإيمان نقول : إن هناك أناساً لا زالوا على إيمانهم القوي .
الدكتور راتب :
(( الخير في ّوفي أمتي إلى يوم القيامة ))
الدكتور محمد المري :
وهذا الذي ختم فيه التقرير ، هذا حديث شيخنا .
شيخنا ؛ بعد أن تأكدنا أن هناك ضعفاً للإيمان نريد أن نتكلم عن مظاهر ضعف الإيمان ، ما هي مظاهر هذا الضعف ؟
ضعف العقيدة مظهر من مظاهر ضعف الإيمان :
الدكتور راتب :
ضعف العقيدة ، إيمانه بالله إيمان تقليدي ، إيمان تصديقي .
الدكتور محمد المري :
هل هذا أشد مظاهر ضعف الإيمان شيخنا ؟
الدكتور راتب :
لا ، الإيمان بحث واعتقاد ، هذا أحد أكبر الأسباب ، لأن الإنسان حركته في الحياة تنطلق من تصوره ، فإذا فهمنا أن هناك شفاعة بالمعنى الذي ما أراده الله يتساهل بالاستقامة ، أحياناً الاعتقاد أحد أكبر أسباب ضعف الإيمان ، ممكن أن يكون هناك شفاعة للنبي عشوائية للمقصرين ، لأصحاب الذنوب الكبيرة ، هذا الفهم الساذج للشفاعة أحياناً ينقلب إلى تساهل في الطاعات .
الدكتور محمد المري :
وهذا سبب الخلل في العقيدة .
أنواع اليقين :
1 ـ اليقين الحسي :
الدكتور راتب :
العقيدة لا يوجد بها حل وسط ، لا بد من أن تعتقد اعتقاداً جازماً ، نحن عندنا شيء اسمه : الوهم ، ثلاثون بالمئة ، ويوجد شك ؛ خمسون بالمئة ، وظن ؛ سبعون بالمئة ، وغلبة ظن ؛ تسعون بالمئة ، وقطع ، ديننا يقينيات كله ، عندنا يقين حسي ، يقين عقلي ، يقين إخباري ، الحسي هذه طاولة ، كأس ماء يقين حسي ، اليقين الحسي شيء ظهرت عينه وآثاره ، كأس ماء شربت منه ، يقين حسي ، أدواته الحواس الخمس واستطالاتها ، الميكروسكوب لما دق، والتليسكوب لما بعد ، اليقين الحسي أدواته الحواس الخمس واستطالاتها ، هذا اليقين .
الدكتور محمد المري :
الحسي أنه محسوس شيخنا .
الدكتور راتب :
نحن وبقية المخلوقات سواء ، هناك مخلوقات غير بشرية ، تعرف طريق وكرها مثلاً هذا يقين حسي ، ليس له قيمة إطلاقاً بموضوع الإيمان ، نحن والحيوانات سواء .
2 ـ اليقين العقلي :
اليقين العقلي شيء غابت عينه ، بقيت آثاره ، جدار وراءه دخان ، عقلك يقول : لا دخان بلا نار .
الدكتور محمد المري :
لكني لم أشاهد هذه النار .
الدكتور راتب :
أنت لم تشاهد النار ، الشيء الأول ظهرت عينه ، وآثاره ، العقلي غابت عينه بقيت آثاره ، لا دخان بلا نار .
الدكتور محمد المري :
العقل يقول هكذا .
الدكتور راتب :
أبداً ، لا شيء من دون سبب ، لا نظام من دون منظم ، لا حكمة من دون حكيم .
الدكتور محمد المري :
لا أثر بلا عين مثلاً ، إذا وجدت الأثر أقول إن كان .
الدكتور راتب :
الأقدام تدل على المسير ، والبعرة تدل على البعير ، أفسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، ألا تدلان على الحكيم الخبير ؟ يقين عقلي ، اليقين العقلي أروع أنواع اليقين ، لكن يوجد يقين شهودي .
الدكتور محمد المري :
وهل للإيمان العقلي علاقة بالإيمان ؟
الدكتور راتب :
طبعاً ، بالقرآن يوجد آيات أمر واضحة ، ينبغي أن تأتمر ، وآيات نهي ينبغي أن تنتهي ، وآيات قصص تقتضي أن تتعظ ، وألف وثلاثمئة ألف آية تتحدث عن الكون والإنسان ، ماذا يقتضي ؟ أن تفكر ، الدليل :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ ﴾
الفعل مضارع ، والمضارع يعني الاستمرار :
﴿ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
فالتفكر أقصر طريق إلى الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله ، لأنه يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله ، دقق :
﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
ضع تحت عظيم خمسة خطوط ، لأن إبليس آمن بالله ، قال له :
﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
وهو إبليس اللعين .
الدكتور محمد المري :
﴿ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾
الدكتور راتب :
نحن مليارا مسلم ، كلهم يصلون ، لكن كأن وعود الله ليست محققة ، العبرة ليست أن تؤمن إيماناً بسيطاً ، أن تتفاعل مع إيمانك ، الإيمان الذي لا يحملك على طاعة الله لا وزن له عند الله ، الإيمان الذي لا يحملك على طاعة الله بدءاً من أخص خصوصياتك وانتهاءً بالعلاقات الدولية هذا الإيمان لا ثمرة له .
الدكتور محمد المري :
يحتاج إلى مراجعة .
الدكتور راتب :
طبعاً .
الدكتور محمد المري :
﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ﴾
الدكتور راتب :
﴿ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
يجب أن تؤمن بالله العظيم .
الدكتور محمد المري :
وإلا كان هذا مصيرك ، والله المستعان .
هذا شيخنا الدليل العقلي أو الإيمان العقلي، ثم بعد ذلك تكلمنا عن الحسي والعقلي.
3 ـ اليقين الإخباري :
الدكتور راتب :
والإخباري .
شيء ظهرت عينه وآثاره هذا اليقين الحسي ، هذا ليس له شأن بلقائنا.
الدكتور محمد المري :
وهنا قلنا إن الحيوانات والإنسان به سواء ، يقين حسي .
الدكتور راتب :
العقلي ، شيء غابت عنه ، وبقيت آثاره ، أما الإخباري فهو شيء غابت عينه وآثاره ، الإيمان بالملائكة ، بالجن ، بالآخرة ، بالجنة ، بالنار ، هذه كلها أشياء غيبية ، غابت عينها وآثارها ، فالإيمان بها إيمان إخباري ، دقق الآن ، الله عز وجل قال - الإيمان الإخباري يجب أن تتلقاه من الله وكأنك تراه - :
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴾
هذا خبر .
الدكتور محمد المري :
مع أني لم أرَ .
الدكتور راتب :
كأن الله أراد منا أن نتلقى إخباره لنا كأننا نراه ، هو الصادق المصدوق ، فهو إيمان غيبي ، إيمان شهودي ، الإنسان إذا ارتقى في مستوى التقوى الله عز وجل يلقي في قلبه نوراً .
عفواً ؛ هذه الغرفة لولا هذا الضوء ما رأيتك ولا رأيتني ، فالضوء يتوسط بين العين والمرئي، العقل كالعين تماماً لولا أن هذا العقل يستنير بنور الله لما كان للعقل قيمة إطلاقاً .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾
فالعين تحتاج إلى نور مادي كي ترى المبصرات ، والعقل يحتاج إلى نور إلهي ليرى الحقائق ، فالعقل من دون نور إلهي قد يلحد .
الدكتور محمد المري :
شيخنا التصديق بالغيبيات أيضاً الله سبحانه وتعالى حينما سأل الملائكة :
(( ومم يستعيذون ؟ قالوا : من النار ، قال : فيقول : وهل رأوها ؟ قال : فيقولون: لا يا رب ))
إذاً لو رأوها .
الدكتور راتب :
إيمان إخباري .
الدكتور محمد المري :
لكانوا أشد منها هرباً ، هذا هو الإيمان الإخباري .
الدكتور راتب :
لكن الخبر تستمد قيمته من المخبر ، فإذا كان المخبر هو الله .
الدكتور محمد المري :
أو كان رسول الله .
الدكتور راتب :
أو رسول الله ، الصادق المصدوق ينبغي أن تتلقى هذا الخبر وكأنك تراه .
شخص يركب مركبة ، انحدارها شديد ، وتنتهي بمنعطف حاد عبارة عن تسعين درجة ، والمكبح تعطل ، ماذا يقول ؟ يقول : انتهيت ، هو لم ينتهِ بعد ، شيء محقق ، انحدار شديد ، سرعة متسارعة ، المكبح تعطل ، يقول : انتهينا ، والمؤمن يرى المصائب وكأنها وقعت، وهذا أحد أسباب إيمانه الكبير ، هذا الذي يأكل المال الحرام سوف يدمر ، وهذا الذي يبني مجده على أنقاض الآخرين سوف يدمر ، حياته على موتهم ، عزه على ذلهم ، أمنه على خوفهم ، أبداً .
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
الدكتور محمد المري :
الله أكبر ، نسأل الله أن يلطف بنا .
فضيلة الشيخ لكل ظاهرة أسباب تصنعها ، أريد أن نتحدث في هذا المحور عن أسباب ضعف الإيمان ، ما هي الأسباب ؟
الإيمان مصيري :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم .
الإيمان يسمى مصيرياً ، هذا البيت لم يعجبك تبيعه ، هذه الحرفة ما ارتحت لها تغيرها ، أما الإيمان فمصيري ، معنى مصيري ؛ الإنسان يعيش عمراً مديداً ، بعد هذا العمر يوجد جنة يدوم نعيمها ، أو نار لا ينفذ عذابها ، هذه خطيرة جداً ، هناك أشياء مصيرية ، أشياء طارئة ، الطارئات لا قيمة لها ، أما المصيري فمخيف ، سلامتك ، وسعادتك ، واستقرارك، وفوزك ، ونجاحك ، وتألقك بالإيمان ، فإذا أهملت الإيمان الدنيا تنتهي بالموت ، الموت ماذا يفعل ؟ ينهي قوة القوي ، وضعف الضعيف ، ينهي وسامة الوسيم ، ودمامة الدميم ، ينهي غنى الغني ، وفقر الفقير ، ينهي كل شيء ، الموت ينهي كل شيء ، إلا المؤمن عندنا خط بياني ، ولد ، كبر ، درس ، تخرج ، توظف ، اشترى بيتاً ، تزوج ، خط صاعد .
الدكتور محمد المري :
مرحلة ، مرحلة .
الدكتور راتب :
صاعد ، جاء ملك الموت ، للصفر ، انتهى كل شيء ، الزوجة ، والأولاد ، والمكانة ، والوظيفة ، والسيارة ، والمرتبة ، والسفر ، والسياحة ، والرحلة ، والولائم ، كله انتهى إلا المؤمن ، إذا جاءه الموت خطه البياني يتابع الصعود ، وما موت المؤمن إلا نقطة على هذا الخط ، ويبقى صاعداً ، هذا أهم شيء بالمؤمن ، المؤمن وعد بدخول الجنة ، والجنة :
(( فيها ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
لذلك أُثر أن أهل النار إن وصلوا إلى النار يقولون : لم نرَ خيراً قط ، يكون قد اشترى عدة بيوت ، ويختاً ، وطائرة خاصة ، وعاش حياة من النعيم تفوق حدّ الخيال ، يقول : لم نرَ خيراً قط ، وأهل الجنة ، أحياناً عذبوا ، ودخلوا السجون ، وتعذبوا ، عندما دخلوا الجنة ، يقولون : لم نرَ شراً قط ، هذا:
﴿ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
طفل عظيم قال لك : معي مبلغ عظيم ، عقب العيد ، أي مئة دينار تقريباً ، إذا رئيس مؤسسة ضخمة قال : أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً أي حوالي مئتي مليار ، فإذا قال خالق الأكوان ، ورب الأرض والسماء :
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
كلمة عظيم من العظيم شيء لا يصدق ! الله أعدّ للمؤمن جنة عرضها السماوات والأرض .
(( فيها ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
الدكتور محمد المري :
هذا من العظيم .
الدكتور راتب :
هذا العظيم ، فلذلك ضعف الإيمان .
الدكتور محمد المري :
ما هي أسبابه شيخنا؟
أسباب ضعف الإيمان :
1 ـ الابتعاد عن الأجواء الإيمانية :
الدكتور راتب :
ضعف الإيمان ، الإيمان تقليدي ، ما طلب العلم ، ما حضر دروساً .
الدكتور محمد المري :
أي الابتعاد عن الأجواء الإيمانية فترة طويلة ، هل هذا سبب من أسباب ضعف الإيمان ؟
الدكتور راتب :
سيدي ؛ النقطة الدقيقة الدقيقة :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾
كأنه في فراغ ، لكن لن تستطيعوا ، بل :
﴿ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
تحتاج إلى حاضنة إيمانية ، تحتاج إلى صديق مؤمن ، إلى شريك مؤمن ، إلى زوجة مؤمنة ، الحياة فيها تعقيدات كبيرة جداً ، فأنت حينما تختار من تعيش معه لأطول فترة مؤمناً تتعاون على الإيمان ، فإذا كان الطرف الآخر غير مؤمن يغيرك بالمعصية ، والمعصية لذائذها قريبة ، لكن مآلاتها بعيدة ، هناك أشياء اللذة حاضرة لكن العاقبة مخيفة .
الدكتور محمد المري :
إذاً شيخنا الابتعاد عن القدوة الصالحة لها أثر ؟
الدكتور راتب :
لابد من طلب العلم ، طلب العلم فريضة على كل مسلم ، على كل شخص مسلم أي مسلم ومسلمة ، طلب العلم ، أنت أعقد آلة بالكون .
الدكتور محمد المري :
ما المقصود بالعلم شيخنا ؟
تعليمات الصانع هي الجهة الوحيدة التي ينبغي أن نتبع تعليماتها :
الدكتور راتب :
قبل ، أنت أعقد آلة بالكون تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز ، ولهذه الآلة صانع عظيم وهو الله ، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة ، فانطلاقاً من حرصك اللامحدود على سلامتك ، وعلى سعادتك ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع .
مثل قريب : اشتريت مركبة أحدث مركبة ، تألق ضوء أحمر على لوحة البيانات ، إن فهمت هذا التألق تزيينياً احترق المحرك ، إن فهمته تحذيرياً ، أوقفت المركبة وأضفت لتر زيت ، تعليمات الصانع ينبغي أن تتبع ، لا تحب أحداً أحب نفسك ، أنت حينما تتبع تعليمات الصانع تضمن سلامتك وسعادتك في الدنيا والآخرة .
﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ﴾
الدكتور محمد المري :
﴿ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾
لأنه خالف أوامر الله سبحانه وتعالى .
الدكتور راتب :
أوامر الصانع ، وتعليمات الصانع هي الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها .
الدكتور محمد المري :
شيخنا ، إذا كنا في الدنيا نتبع التعليمات من أجل المحافظة فهي بالآخرة من باب أولى .
الدكتور راتب :
أولى طبعاً .
الدكتور محمد المري :
شيخنا ؛ وجود الإنسان المسلم في وسط يعج بالمعاصي ، هذا أيضاً سبب من أسباب ضعف الإيمان ؟
2 ـ وجود الإنسان المسلم في وسط يعج بالمعاصي :
الدكتور راتب :
والله هذا له أجر مضاعف .
الدكتور محمد المري :
إذا صبر على إيمانه ؟
الدكتور راتب :
طبعاً .
(( اشتقت لأحبابي ، فقال الصحابة الكرام : أو لسنا أحبابك ؟ قال : لا ، أنتم أصحابي ، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان ، القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر ، أجرهم قال : أجر سبعين، قال : منا أم منهم ؟ قال : بل منهم ، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون))
مؤمنو آخر الزمان أحباب رسول الله .
الدكتور محمد المري :
اللهم صلّ وسلم على رسول الله .
الإغراق في الاشتغال بالدنيا شيخ ؟
3 ـ الاشتغال بالدنيا :
الدكتور راتب :
والله الدنيا ! الله قال :
﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ﴾
المنكب ؛ طرف الشيء ، اشترِ بيتاً لا يوجد مانع ، تزوج لا يوجد مانع ، اشتر أثاثاً جميلاً لا يوجد مانع ، كله مباح ، أما لا يوجد لك همّ إلا الدنيا ، يأتي الموت مفاجأة ماحقة، ساحقة .
(( عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ))
شخص اشترى طابقاً مزدوجاً - أي اشترى شقتين – ومنته ، كامل ، ألغى كل كسوته ، كسر البلاط ، كسر النوافذ ، قلع الأبواب ، أعاد كسوته بأعلى درجة ، بقي سنتين يكسو هذا البيت صار قصراً ، بعد يومين من انتهائه توفاه الله .
(( عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ))
أخي الكريم ، إذا الإنسان آمن بالآخرة إيماناً حقيقياً لا بد من أن تنعكس مقاييسه ، كان يهتم بالأخذ ، انقلبت إلى عطاء .
يا سيدي يا رسول الله ، يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ ، يا من قدست الوجود كله ورعيت قضية الإنسان ، يا من زكيت سيادة الحق ، ونهنهت غريزة القطيع ، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع فعشت واحداً بين الجميع ، يا من أعطيت القدوة ، يا من كانت الرحمة مهجتك ، والعدل شريعتك ، والحب فطرتك ، والسمو حرفتك ، ومشكلات الناس عبادتك .
بعد الإيمان الحقيقي حتماً تنعكس المقاييس ، تعطي وتأخذ ، أصل العطاء ، تعطي من وقتك ، من مالك ، من علمك ، من جاهك ، تعتني بأولادك ، بتربية أولادك .
الدكتور محمد المري :
جميل ! بما أننا تكلمنا عن الأولاد ، الانشغال بالمال والزوجة فوق الحد ، هذا يؤدي إلى ضعف الإيمان ؟
4 ـ الانشغال بالمال والزوجة فوق الحد :
الدكتور راتب :
طبعاً كل شيء له حد مقبول ، إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده ، زاد إيجاباً أو سلباً، إذا تعلق بهم تعلقاً أنساه دينهم خطأ كبير ، أهملهم ، خطأ أكبر ، هناك حد وسطي ، إسلام وسطي ، والوسطية كمال بين طرفين مرفوضين ، البخل خطأ ، والإسراف خطأ ، الإنفاق باعتدال هو الوسط ، المحبة المنضبطة ممتازة ، المحبة التي تحمل الأب أن يتغاضى عن معاصي ابنه هذه غلط ، دائماً الحقيقة والكمال وسط بين طرفين .
الدكتور محمد المري :
والوسط شيخنا ، أننا نقول : لا تنس نصيبك من الدنيا ، ولا تبغض أولادك وزوجتك لكن يكون بحد ، وبقدر معين .
الدكتور راتب :
بتعبير آخر : أعطِ كل ذي حق حقه ، أي إعطاء الزوجة حقها لا يلغي حق الأم ، إعطاء الأم حقها لا يلغي إلغاء حق الزوجة ، إعطاء الأولاد حقهم لا يلغي حق الآباء ، أعطِ لكل ذي حق حقه .
الدكتور محمد المري :
وكل هذه الحقوق لا تلغي حق الله سبحانه وتعالى .
الدكتور راتب :
أبداً .
الدكتور محمد المري :
جزاكم الله شيخي .
فضيلة الشيخ ؛ نريد أن نأتي إلى محور جديد : البعض يعلم أن عنده نقصاً بالإيمان ، لكن من الصعب أو من العسير تغيير حاله ، العاصي سيبقى عاصياً هل هذا صحيح ؟
الوقوع في المعاصي وارتكاب المحرمات ظاهرة أخرى من مظاهر ضعف الإيمان :
الدكتور راتب :
القنوط من رحمة الله ، أو اليأس ، أو التشاؤم يقترب من الكفر .
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾
بالمعاصي :
﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
القنوط ، واليأس يقترب هذا من الكفر .
الدكتور محمد المري :
إذاً عليه ألا يقنط ، في المقابل :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
الدكتور راتب :
هذا موضوع ثان .
كلمة دقيقة جداً بارك الله بك ، شخص له صلة بالله ، بيته إسلامي ، عمله إسلامي، دخله إسلامي ، إنفاقه إسلامي ، نقول له : لا تقلق من المستقبل لا تغير لا يغير ، لا تغير ، ما دمت على استقامتك ، وعلى ورعك ، وعلى تربية أولادك ، لا يوجد شيء مقلق بالمستقبل ، يبقى الخط صاعداً إلى ساعة الموت ، لا تغير لا تغير ، الآن عندك مشكلة كبيرة ، في بيتك ، مع زوجتك ، بعملك ، مع أولادك ، مع أصهارك ، مع كنائنك ، مع صحتك ، نقول له : غير ليغير ، هذا الدين مليون موضوع ، مليون بحث ، ضغط بأربع كلمات لا تغير لا يغير ، غير ليغير ، الدليل :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
هناك ملمح دقيق جداً ، التغيير يبدأ من الداخل ، التوبة ، الندم ، الألم من معصية سابقة ، إذا كان هناك تغيير من التداخل كله قابل للتصليح ، لا يوجد آية أدق من ذلك :
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا ﴾
أسرف بالمعاصي :
﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
الدكتور محمد المري :
والوقوع في المعاصي وارتكاب المحرمات هي ظاهرة من مظاهر ضعف الإيمان .
الدكتور راتب :
طبعاً ، لكنها تصحح ، ما دام القلب ينبض تصحح .
الدكتور محمد المري :
جميل ! العلاج شيخنا ، نريد أن نتحدث عن العلاج ، هل تدبر القرآن يعد علاج لضعف الإيمان ؟
علاج ضعف الإيمان :
1 ـ البحث عن البيئة الملائمة :
الدكتور راتب :
أنا اجتهادي المتواضع أنت بحاجة إلى حاضنة إيمانية ، ما دام الأصدقاء متفلتين ، الأقارب غير مطبقين ، أنت محاط بحاضنة سيئة جداً ، لا بد من حاضنة إيمانية ، من صديق مؤمن ، من زوجة مؤمنة ، من أهل ملتزمين ، فأنت إذا بحثت عن حاضنة إيمانية ضمنت استمرار إيمانك .
عندنا لعبة اسمها : شد الحبل ، أنت ضمن جماعة ، سهرة ، لقاء ، سفر ، رحلة ، أي شركة ، الطرف الآخر إن استطاع أن يشدك إليه ، إلى ترك الصلاة ، إلى متابعة الأفلام ، إلى ، إلى ، إلى ، إن استطاع أن يشدك إليه انتهيت ، ويجب أن تتركه فوراً ، أو بنعومة ، أو بتدرج ، لا يوجد مانع .
الدكتور محمد المري :
التدرج جاءت به الشريعة ؟
الدكتور راتب :
نعم .
﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾
هذا تدرج ، أما إذا استطعت أن تأخذ بيده إلى الله فابقَ معه ، هذا الضابط ، أي إذا أنت تمكنت أن تقنعه بالصلاة ابق معه ، تقنعه بغض البصر ابق معه ، تقنعه بزواج إيماني ابق معه ، بأي مجتمع .
الدكتور محمد المري :
إذاً العلاج شيخنا هو البحث عن البيئة الملائمة التي تعين .
الدكتور راتب :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
آية ثانية :
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾
الدكتور محمد المري :
جميل ! شيخنا ؛ تدبر القرآن هل له علاقة أو سيكون علاجاً ؟
2 ـ تدبر القرآن :
الدكتور راتب :
طبعاً، هناك قراءة صحيحة ، واضحة ، لا يوجد بها أخطاء لغوية ، وقراءة مجودة أفضل ، وقراءة مع الفهم ، أفضل وأفضل ، وقراءة مع التدبر ، أين أنا من هذه الآية ؟ يوجد مئتان و ثلاثون آية يا الذين أمنوا ، أين أنت منهم ؟ هذه أرقى شيء ، قراءة صحيحة ، قراءة مجودة ، قراءة مع فهم ، الآن قراءة مع تدبر ، أين انت من هذه الآية ؟
الدكتور محمد المري :
مثل ماذا شيخنا ؟ لو أردنا أن نتحدث عن تدبر آية مثلاً .
الدكتور راتب :
مثلاً :
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾
الدكتور محمد المري :
كيف أتدبر هذه الآية ؟
الدكتور راتب :
أن تغض بصرك ، أن تضبط الشاشة ، ألا يكون هناك لقاء مختلط لا يرضي الله ، شاشة متفلتة ، صداقة إنسان متفلت ، هذا هو التدبر .
الدكتور محمد المري :
طلب العلم الشرعي شيخنا تكلمت عنه أيضاً أنه من أسباب العلاج .
3 ـ طلب العلم الشرعي :
الدكتور راتب :
الحقيقة أنت كائن متميز بقوة إدراكية أودعت فيك ، هذا الجماد ، وزن ، حجم ، طول ، عرض ، ارتفاع فقط ، يأتي النبات يضاف إليه النمو ، يضاف النمو لصفات الجماد ، يأتي الحيوان يضاف إليهما بالحركة ، الهرة تمشي ، يأتي الإنسان .
الدكتور محمد المري :
شيخنا لنعيدها مرة أخرى ؟ الجماد بماذا يتميز ؟
الدكتور راتب :
الجماد ، وزن ، حجم ، طول ، عرض ، ارتفاع فقط .
الدكتور محمد المري :
صحيح ، مثلاً الجبل .
الدكتور راتب :
يوجد الطاولة ، إذاً الجماد يشغل حيزاً في الفراغ .
الدكتور محمد المري :
ثم يأتي النبات بعد ذلك .
الدكتور راتب :
يضاف على خصائص الجماد أنه ينمو ، الحيوان يضاف عليهما ينمو ويتحرك ، الإنسان كالجماد له وزن ، وطول ، وعرض ، وارتفاع ، وكالنبات ينمو ، وكبقية المخلوقات يتحرك ، إلا أن الله أودع فيه قوة إدراكية ، العقل ، هذه فقط للإنسان ، هذه القوة الإدراكية تلبى بطلب العلم ، فإن عزف عن طلب العلم - دقق الآن- هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ، دقق :
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
وصف الله عز وجل .
الدكتور محمد المري :
مع أنهم أحياء .
الدكتور راتب :
تأتي قلبه مثالي ، ثمانون نبضة بالدقيقة ، ضغطه 8 ـ 12 وهو عند الله ميت .
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
موت الإيمان ، موت القيم ، موت الفضائل ، موت بمعرفة الآخرة ، الآن :
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
هذا القرآن .
﴿ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
الثالثة :
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ﴾
دواب .
﴿ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
الأنعام غير مكلفة ، الإنسان مكلف ، الأنعام طعام وشراب .
آخر شيء أقسى واحد :
﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
حمار على ظهره كتاب بالفيزياء النووية ، اسأله سؤالاً لا يفهم شيئاً .
الدكتور محمد المري :
مع أن الكتاب عنده .
الدكتور راتب :
هذه كلها آيات قرآنية لمن عزف عن طلب العلم ، سيدي العلم لا يحقق كمال وجودك ، يحقق وجودك فقط ، وليس كمال وجودك ، وجودك .
الدكتور محمد المري :
لذلك أنزل الله :
﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾
الدكتور راتب :
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، و الإنسان يظل عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما غير المؤمن يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
الدكتور محمد المري :
والله المستعان ، شيخنا التفاعل مع الآيات الكونية والإكثار من ذكر الموت .
4 ـ التفاعل مع الآيات الكونية والإكثار من ذكر الموت :
الدكتور راتب :
إذا الله قال :
﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ ﴾
فعل مضارع ، معنى التفكر ، يومي ، وساعي ، ولحظي ، كأس الماء تشربه ، هذا الماء فيه صفة لولاها لما كان هناك حياة إطلاقاً ، أي شيء بالحياة يتمدد بالحرارة و ينكمش بالبرودة إلا الماء ، حرارته ثلاثون ، خفضتها للخامسة والعشرين ، للعشرين ، للخامسة عشرة ، للعاشرة ، للخامسة ، إلى زائد أربع يزداد حجمه ، لولا هذه الخاصية لما كان هناك حياة إطلاقاً ، لأنه كلما تجمدت طبقة من البحر ازدادت كثافتها فغاصت ، يأتي وقت البحار كلها متجمدة ، التبخر تعطل ، المطر تعطل ، النبات تعطل ، الإنسان تعطل ، تنتهي الحياة بإلغاء هذه الظاهرة ، لأن الماء يزداد حجمه بالتجمد ، لا ينقص حجمه ، هذا سر الحياة في الأرض .
الدكتور محمد المري :
التفاعل مع الكون ، شيخنا نحن الآن أيام الربيع ، وأيام المخيمات و الحطب أو النار التي يوقدها الناس ، كيف له أن يتفكر فيها ؟
الدكتور راتب :
والله سيدي يضع إصبعه فقط إذا تحملها يعصي الله ، يضع إصبعه بالنار إذا تحملها يعصي الله ، بين أيدينا .
الدكتور محمد المري :
والنار التي في الدنيا مصغرة .
الدكتور راتب :
طبعاً لا شيء أمام الآخرة .
الدكتور محمد المري :
شيخنا الإكثار من ذكر الموت ، كيف يكون علاجياً ؟
الدكتور راتب :
والله يومياً صباحاً بعد الصلاة يتصور حاله توفاه الله ، البيت تركه ، ترك الزوجة ، الأولاد ، السيارة ، المكانة ، الولائم ، السفريات ، السياحة ، كله انتهى .
(( عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ))
والله الذي لا إله إلا هو ما رأيت أذكى ، ولا أعقل ، ولا أكثر نجاحاً ممن يعد لهذه الساعة التي لا بد منها ، يدخل لبيته ستاً و ثمانين مرة قائماً ، مرة واحدة يخرج بشكل أفقي ، فكر بهذه .
كنت مرة بالمغرب مكتوب كلمة دقيقة جداً : صّ قبل أن يصلى عليك .
(( رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ))
الدكتور محمد المري :
شيخنا ؛ إذا كان بعض الشباب يقولون : لا زلنا صغاراً على التوبة ، ويغرق نفسه بالمعاصي .
الموت يأتي فجأة والقبر صندوق العمل :
الدكتور راتب :
جواب واحد : هلك المسوفون .
الدكتور محمد المري :
لكن يظن أن الموت لا يأتي إلا لكبير السن .
الدكتور راتب :
مخطئ ، قد يأتي ، والموت يأتي فجأة ، والقبر صندوق العمل .
الدكتور محمد المري :
عليه أن يتفكر ، شيخنا ؛ تذكر منازل الآخرة كيف يكون ؟
5 ـ تذكر منازل الآخرة :
الدكتور راتب :
الآخرة غيب ، أنت لست مكلفاً بالتفاصيل ، الله ذكر آيات محدودة عن الآخرة ، أنت لست مكلفاً أن تخترع من عندك تفاصيل ، أن تكتفي بما ذكره القرآن .
الدكتور محمد المري :
وتؤمن بذلك كي تكون السبب ، شيخنا نختم بمحاسبة النفس ، هل محاسبة النفس مهمة ؟
6 ـ محاسبة النفس :
الدكتور راتب :
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ـ دقق ـ من حاسب نفسه في الدنيا حساباً عسيراً كان حسابه يوم القيامة يسيراً ، ومن حاسب نفسه في الدنيا حساباً يسيراً كان حسابه يوم القيامة عسيراً .
الدكتور محمد المري :
كيف تكون محاسبة النفس شيخي ؟
الدكتور راتب :
بالعلم ، لا بد من طلب العلم