- الفقه الإسلامي / ٠5العبادات الشعائرية
- /
- ٠3الصلاة
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
صلاة الوتر :
أيها الأخوة المؤمنون، وصلنا في موضوع الصلاة إلى موضوع صلاة الوتر، والوتر بالفتح والكسر، لك أن تقول: صلاة الوَتر، ولك أن تقول: صلاة الوِتر، لكن القرآن قال:
﴿ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾
الوتر واجب، وكلمة واجب أي أنه بين الفرض والسنة، فهو أقوى من السنة وأقل من الفرض، ولكن المسافر إذا قصر في صلاته يستطيع أن يصلي الظهر ركعتين فقط، ولا يصلي معها السنن، ويصلي العصر ركعتين، والمغرب ثلاث ركعات، والعشاء ركعتين، ولابد من صلاة الوَتر لأنه واجب، إذاً الوتر صلاة بين الفرض والسنة، وهو ثلاث ركعات بتسليمة، ويقرأ في كل ركعة منها الفاتحة والسورة، ما الفرق بين صلاة المغرب وصلاة الوتر؟ شيئان، الأول: أن صلاة الوتر تقرأ فيها سورة في كل ركعة، في الأولى والثانية والثالثة، في المغرب لا تقرأ سورة بالركعة الثالثة، وفي صلاة الوتر دعاء القنوت، وهذان الشيئان يختلف بهما الوتر عن صلاة المغرب، ويجلس على رأس الأوليين منه، أي يوجد عندنا جلسة أولى وجلسة طويلة، الأولى حتى التشهد والطويلة حتى السلام، ولا يستفتح عند قيامه للثالثة - إذا قام للثالثة لا يقول: سبحانك اللهم، لأن هذه الركعة عبارة عن تتمة لركعتين سابقتين - ولا يستفتح مصلٍّ صلاة الوتر بالركعة الثالثة، وإذا فرغ من قراءة السورة فيها رفع يديه لجانب أذنيه ثم كبر وقنت قائماً قبل الركوع في جميع السنة، أي بعد أن يصلي الركعة الثالثة وينتهي من قراءة الفاتحة وسورةٍ يرفع يديه إلى شحمة أذنيه ويكبر ويدعو دعاء القنوت ولا يقنت في غير الوتر.
والقنوت معناه الدعاء وهو أن يقول: اللهم إنا نستعينك، الاستعانة تعبير عن الافتقار والعبد فقير.
ما لي سوى فقري إليك وسيلة فبالافتقار إليك فقري أدفع
ما لي سوى قرعي لبابك حيلة فلئن رددت فأي باب أقرع
***
الناس رجلان مؤمن وكافر :
والناس رجلان مؤمن وكافر، وهذا التقسيم الوحيد، المؤمن مفتقر ومتواضع، والكافر متكبر مستغنٍ، المؤمن مفتقر متواضع مصبوغ بالكمال لافتقاره لذي العزة والجلال، بينما الكافر يستغني عن الله عز وجل لكبر في نفسه وباستغنائه يشقى، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا فَالنَّاسُ رَجُلانِ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ ))
والآن في الأرض مليون تقسيم، فقراء وأغنياء، العرق الآري، السامي، العرق السكسوني، أي تقسيمات عرقية، وتقسيمات إقليمية، و عشائرية، و قبلية، و قومية، و وطنية، وضمن الوطن الواحد يوجد طبقات، وضمن الطبقة الواحدة يوجد فئات، فالمجتمع الحديث مفكك، قال تعالى:
﴿ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾
تحسبهم جميعاً، لو نظرت إلى قلوبهم لرأيت كل واحد من بني البشر المعرضين عن الله عز وجل جزءاً مستقلاً بذاته، لا تعاون، ولا تعاطف، ولا رحمة، ولا شفقة، ولكن المؤمنين كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( المؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ نَصَحَةٌ مُتَوَادُّونَ، وَإِنِ افْتَرَقَتْ مَنَازِلُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ، وَالْفَجَرَةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ غَشَشَةٌ مُتَخَاذِلُونَ، وَإِنِ اجْتَمَعَتْ مَنَازِلُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ))
يوجد في قلب المؤمن رحمة، وإنصاف، و حب للخير، و قناعة، فإذا باعك المؤمن يصدقك، ويربح عليك ربحاً معقولاً، لا يستغلك بل يرحمك، وإذا وقعت بين يدي إنسان معرض ورأى أن لك عنده حاجة استغلك أبشع استغلال، فالمؤمنون بعضهم لبعض نصحة متوادون ولو ابتعدت منازلهم.
الاستعانة بالله دليل الافتقار إليه :
اللهم إنا نستعينك فالاستعانة دليل الافتقار إلى الله عز وجل، يا ربي أنا مفتقر إليك، فالمؤمن إذا دخل لحانوته: "اللهم افتح لي أبواب رزقك"، وإذا الطبيب وضع يده على مريض يقول: "اللهم لا علم لي إلا ما علمتني"، وإذا المحامي تسلم قضية: يا ربي ألهمني أن أكون مدافعاً عن الحق، وألا أكون عوناً للباطل، ترى القاضي، والطبيب، والمحامي، والمهندس، وصاحب المتجر، والتاجر، والصانع، حتى يوجد شيء آخر أذكره لكم الآن أن الله سبحانه وتعالى قال:
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾
وهناك دوام في الصلاة، كيف يداوم الإنسان على الصلاة؟ الصلاة خمسة أوقات يوجد آيات:
﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾
هذه واضحة أي يحافظ على صلاة الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء.
الدعاء صلاة :
ولكن الذين هم على صلواتهم دائمون أي دائمو الصلة بالله عز وجل، قال بعضهم: "الدعاء صلاة"، والنبي عليه الصلاة والسلام في كل حركة و سكنة يدعو الله عز وجل، أي وقف أمام المرآة يمشط شعره فقال: "اللهم كما حسنت خَلقي حسن خُلقي"، إنسان كامل لا يوجد فيه نقص ولا عيب مشين دخل إلى الخلاء فقال: "الحمد لله الذي أذاقني لذته - الطعام - وأبقى في قوته وأذهب عني أذاه".
فتح المفتاح ودخل إلى البيت: "الحمد لله الذي آواني وكم من لا مأوى له"، سافر: "اللهم أنت الرفيق في السفر والخليفة في الأهل والمال والولد"، أصبح يقول: "أصبحنا وأصبح الملك لله، إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب".
ركب دابة يقول: "اللهم إني أسألك من خيرها ومن خير ما خلقت له، وأعوذ بك من شرها وشر ما خلقت له"، الآن إذا ركب سيارته يقول: "اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما صنعت له، وأعوذ بك من شرها وشر ما صنعت له"، ترى كتاب الأذكار للنووي يجمع أدعية النبي عليه الصلاة والسلام في كل أحواله؛ في صحوه و نومه، وفي عمله و سفره، وجهاده، وعلاقته مع زوجه، و مع أولاده، وجيرانه، خرج من المسجد: "اللهم افتح لي أبواب فضلك"، دخل إلى المسجد: "اللهم افتح لي أبواب رحمتك"، في المسجد لابد من رحمة تتنزل على قلب المؤمن، خرج من المسجد: "يا ربي أعني على تطبيق ما سمعت، افتح لي أبواب فضلك وارزقني عملاً صالحاً يقربني إليك".
الغنى والفقر بعد العرض على الله :
اليوم أكرمني الله فالتقيت مع إنسان شعرت أنه على شيء من الغنى، فقلت: الغنى والفقر بعد العرض على الله، قلت له أيضاً: لو أن الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء، قلت له أيضاً قوله تعالى:
﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾
قلت له: "يقول الله عز وجل أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه؟ يقول هذا العبد لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي، يقول الله له: ألم تعلم بأني أنا الرزاق ذو القوة المتين، إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم، يقول لآخر: أعطيتك مالاً فماذا صنعت به؟ يقول: أنفقته على كل محتاج ومسكين لثقتي أنك خير حافظاً وأنت أرحم الراحمين، يقول: أنا الحافظ لأولادك من بعدك".
قلت له: يحشر الأغنياء أربع فرق يوم القيامة؛ فريق جمع المال من حلال وأنفقه في حرام فيقال: خذوه إلى النار، وفريق جمع المال من حرام وأنفقه في حلال فيقال: خذوه إلى النار، وفريق جمع المال من حرام وأنفقه في حرام فيقال: خذوه إلى النار، وفريق جمع المال من حلالٍ وأنفقه في حلال هذا يحاسب، هذا يقال له: قفوه فاسألوه عن كل صغيرة وكبيرة، هل ضيع فرض صلاةٍ أم كان منشغلاً بماله؟ وهل تاه على عباد الله؟ وهل قال جيرانه: يا رب لقد أغنيته بين أظهرنا فقصر في حقنا؟ هل؟ هل؟ ومازال يسأل ويسأل، قلت له: يقول الله عز وجل: سبحان الله! اللهم ألهمني كل الأحاديث المتعلقة بالغنى، يقول الله عز وجل: "عبدي خلقت لك السموات والأرض و لم أعي بخلقهن أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين؟ عبدي لي عليك فريضة ولك علي رزق فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزتي وجلالي إن لم ترض بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية ثم لا ينالك منها إلا ما قسمت ولا أبالي".
من اتكل على نفسه أوكله الله إياها :
ذكرت أحاديث كثيرة وشعرت أنه حصل تطور جذري في نفسه، فهذه الأحاديث شفاء للقلوب، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، استوقفني هذا كله كلمة: اللهم إنا نستعينك، هناك استعانة، من اتكل على نفسه أوكله الله إياها.
قال طالب: يا رب أنت تعرف أني في الهندسة قوي جداً فالجبر عليك يا رب والهندسة علي فأخذ في الهندسة صفراً وبالجبر نجح، وفي العام الثاني قال: يا رب الهندسة والجبر عليك، الاثنان معاً.
سبحان الله الإنسان عندما يعتمد على شيء من قدراته فالله عز وجل يغار على التوحيد، فلابد أن يؤتى الحذر من مأمنه، فطبيب معه بورد بأمراض الجهاز الهضمي هل يوجد معه قرحة؟ نعم معه قرحة، هو واثق أنه سوف يأخذ احتياطات كافية لصيانة جهازه الهضمي وهذه آية، وطبيب مختص بأمراض القلب هل يصير معه جلطة؟ يعرف أمراض القلب ما أسبابها، فالتوترات العصبية والراحة الجسمية أيضاً هذه آية، دائماً وأبداً من أي مكان أنت مطمئن إليه من هنا تأتي المشكلة، قال تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ اللَّهِ فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾
التوحيد هو الافتقار إلى الله :
ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، فالتوحيد هو الافتقار إلى الله، فكلما ارتقى الإنسان عند الله يفتقر في نفسه، وكلما هبط في دركات البعد يرتفع في نفسه، إنها علاقة عكسية بين الكبر والجهل، وبين العلم والتواضع، فمن علامات العلماء التواضع، والمتكبر جاهل، قال: يظل المرء عالماً ما طلب العلم فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل، الآن صار جاهلاً، عالم كبير دخل إلى مسجد فوجد شاباً ناشئاً يدرّس، والناس متحلقون حوله ومسرورون، و مقبلون، ومعجبون، فرآها كبيرة أن يهمله الناس و يلتفوا حول هذا الشاب، فجلس يستمع في نصف الدرس، قال له: يا هذا ما سمعنا بهذا الكلام؟ فقال الشاب: أحصلت جميع العلم؟ إذا قال له: نعم يكون كاذباً، قال تعالى:
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾
قال له: لا، قال له: أحصلت شطره؟ قال له: نعم، قال له: هذا من الشطر الذي لا تعرفه، فالإنسان يجب أن يتواضع، و ما من أحد أكبر من أن ينقد، وما من أحد أصغر من أن ينقد، تواضع، أحياناً يدخل مدرس إلى الصف ممتلئاً إعجاباً بشهادته، وذكائه، وشخصيته، فيطرح عليه طالب سؤالاً فيقف حائراً، فيكشفه الله ويفضحه، قال أحد العلماء جلس بمجلس والناس تحلقوا حوله، وشعر أن له مكانة كبيرة، فأراد أن يؤكد لهم اتساع علمه فقال: والله ما سمعت شيئاً إلا حفظته، وما حفظت شيئاً فنسيته، يا غلام هات نعلايَّ، فقال له الغلام هما في رجليك، فنظر فإذا هم في رجليه، ففضحه الله عز وجل في هذا الموقف، الإنسان لا يتكبر قال عليه الصلاة والسلام:
((لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ))
الكِبر من الشيطان :
و أعظم إنسان يفتح أكبر بلد يعاديه وليس الشيء سهلاً، فعمر طويل من الحروب، والإخراج، والائتمار من كفار قريش على النبي صلى الله عليه وسلم، وحينما دخل مكة فاتحاً دخلها مطأطئ الرأس، ما وجدت موقفاً يهز مشاعر الإنسان كقوله لسيدنا علي وأبي لبابة:
((كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ كُلُّ ثَلاثَةٍ عَلَى بَعِيرٍ كَانَ أَبُو لُبَابَةَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَكَانَتْ عُقْبَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالا نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ، فَقَالَ: مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي وَلا أَنَا بِأَغْنَى عَنِ الأجْرِ مِنْكُمَا ))
علي سلخها، علي طبخها، قال عليه الصلاة والسلام: وعلي جمع الحطب، نكفيك هذا، قال: أعلم ذلك ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه، هذا قمة المجتمع الإسلامي، و قمة البشرية، فهذه أخلاقه فمن أنت؟ الكبر من الشيطان.
من اعتمد على نفسه فقد خسر خسراناً مبيناً :
اللهم إنا نستعينك، ألا أنبئكم بمعنى لا حول ولا قوة إلا بالله، لا قوة على طاعته إلا به، ولا حول عن معصيته إلا به، إياك نعبد وإياك نستعين، ربي إن لم تصرف عني كيدهن أصبو إليهن، ربي أجنبني وبني أن نعبد الأصنام، أدعية الأنبياء، أحياناً الإنسان يستقيم استقامة تامة، يشعر بنشوة هائلة، شاب في مقتبل حياته يغض بصره، ويتابع دينه، أحياناً يأتيه الشيطان فيقول له: ليس مثلك شاباً، أنت الورع، أنت قوي الشخصية، أنت صاحب الإرادة القوية، ولما صلى نسي قوله تعالى: إياك نعبد وإياك نستعين، فقد تفتنه امرأة، وأحياناً إذا حصل اعتماد على النفس فهذا هو الخسران المبين.
الهدى خط مستقيم و هو هدى الله عز وجل :
اللهم إنا نستعينك ونستهديك، إن الهدى هدى الله، قال تعالى:
﴿ قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
لا يوجد هدى آخر، كما أنه لا يمر بين نقطتين خطان مستقيمان ولابد من انطباقهما على بعضهما، كذلك ليس في الأرض إلا هدى واحد ما سوى الهدى ضلال، يوجد آية هكذا قال تعالى:
﴿ فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّا تُصْرَفُونَ ﴾
الهدى خط مستقيم، خط آخر لا ينطبق عليه ما اسمه؟ منحنٍ، منكسر، لا يمكن أن يكون الخط الثاني الذي لا ينطبق على هذا الخط مستقيماً، يوجد آية دقيقة بهذا المعنى، قال تعالى:
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾
تصور نقطتين، ويوجد مستقيم بينهما، هذا هو الحق، فممكن أن ترسم مئة خط منحن، ومئة خط منكسر، فالباطل متعدد أما الحق فواحد.
الاستقامة قطعية والانحراف نسبي :
هذا الموضوع يقودنا إلى موضوع آخر فالاستقامة قطعية والانحراف نسبي كيف؟ مستودع للوقود له حالتان؛ إما أنه محكم أو أنه غير محكم، والإحكام حالة واحدة ومعنى هذه الحالة أنك إذا أودعت به ألف لتر وتركته خمس سنوات فالألف لتر تبقى ألف لتر، وهذا معنى أنه محكم، وإذا كان غير محكم فهذه الكمية تفرغ بساعة أو ساعتين، أو شهر أو شهرين، هذا كله غير محكم، وعدم الإحكام نسبي، فبالاستقامة لا يوجد حل وسط، أما بالانحراف فيوجد حل وسط، يوجد زنا ويوجد نظر، ومصافحة، ومغازلـــة، وشرب خمر، وبيعه، والإعلان عنه، والخطاطون يدخلون في الموضوع، خطاط ورسام، بالسرقة يوجد سرقة ليرة ويوجد ألف ومليون فالانحراف نسبي، والزنا نسبي، والخمر نسبي، أما الاستقامة فتامة، الاستقامة قطعية ذات حد دقيق ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:
((عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْتَ، قَالَ: شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلاتُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ))
ما معنى هذا الكلام، قوم هود شيبوه لا سورة هود؟ لأن فيها آية واحدة قوله تعالى:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾
كأن النبي عليه الصلاة والسلام استنبط من هذه الآية قوله الشريف:
(( وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين ))
الآن أكثر كلمة على لسان الناس: أنا لست نبياً، شيء جميل، فلو فرضنا كلفنا ممرضاً أن يضرب إبرة ألا يعقمها وحجته أن يقول: أنا ليست طبيباً؟ هذا لا يصح، فلو جئنا بأعلى طبيب في العالم وهو جراح قلب مفتوح وكلفناه بضرب إبرة، وكلفنا ممرضاً متخرجاً حديثاً بضرب إبرة، فعلى الاثنين أن يطبقا التعليمات نفسها في التعقيم، فالأول أعلم بالعلم أما السلوك فواحد، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين حتى لا يدخل الشيطان على الإنسان ويقول لــه: أنت لست نبياً هذه مرتبة الأنبياء، لا المرتبة بالمعرفة، والإقبال، والشفافية، والفتوح، والرؤية، و لكن الاستقامة واحدة:
(( وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين ))
توبة الله على العبد أن يسوق له من الشدائد ما يحمله على التوبة :
ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك، فموضوع التوبة موضوع دقيق جداً، وربنا عز وجل قال:
﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾
فبالمنطق أيهما أولى؟ تابوا فتاب عليهم أم تاب عليهم ليتوبوا؟ بالمنطق: تابوا فتاب عليهم، بمعنى أن الله قبل توبتهم، أما هذه الآية فتاب عليهم ليتوبوا، قال بعض العلماء: توبة الله على العبد أن يسوق له من الشدائد ما يحمله على التوبة، تاب عليهم ضيق عليهم، شح السماء، ارتفعت الأسعار ضاقت المكاسب، ضاقت الدنيا، تاب عليهم ليتوبوا، فدائماً وأبداً أريد أن يبقى هذا المعنى في أذهانكم، إذا شحت الموارد فليس هذا الشح عن عجز ولا عن افتقار ولكنه شح فمعالجة، تضيق فمعالجة، الله الغني كن فيكون، ومرة رأيت بأم عيني سنبلة قمح فيها خمس وثلاثون سنبلة أصلها قمحةٌ واحدة، أخذنا سنبلة وعددناها فكانت خمسين حبة، ضربنا خمسين في خمس وثلاثين فكان ألفاً وسبعمئة حبة من حبة واحدة، ذكرت قوله تعالى:
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً* لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾
كان في الشام قشاشو ثلج في الخمسينات والأربعينات، نهر يزيد كان عمره ثلاثة أمتار، العتيبة بحيرة ملآنة، أمطار غزيرة جداً، خيرات لا يعلمها إلا الله، قال تعالى:
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾
تضييق الله على العبد ليس عن فقر ولا عن عجز ولكن عن تربيةٍ و حكمةٍ :
ورغم شح الأمطار الشديد في هذا العام فالله عز وجل أذن للأشجار أن تضاعف ثمرها، فضاعفت ثمرها، وقل سعرها، فأكل الناس جميعاً فاكهةً في هذا الصيف، ما التفسير العلمي لهذه الظاهرة؟ لا أحد يدري، قال لي شخص: لا يوجد ضمان خسارته أقل من خمسين ألفاً، قلت له: ما السبب؟ فقال: إنه اشترى الكيلو بخمس ليرات وتوقع أن يبيعه بعشر، فباعه بثلاث، إنتاج غزير جداً، إذا أعطى أدهش، فكل شيء يحسبه الناس ضيقاً، هذا ضيق تربوي، ضيق معالجة، ضيق ليس عن فقر ولا عن عجز ولكن عن تربيةٍ، وعن حكمةٍ.
يقول أحدهم: أنا ما علاقتي إذا كان الناس فاسقين؟ أنا مستقيم، والله الذي لا إله إلا هو لو أنك أرضيت الله سبحانه وتعالى تماماً لأرضاك تماماً، ولعشت بين الناس وكأنك لست منهم، لعشت في ظروفهم وكأنها لا تؤثر عليك، كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك، أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد، فالتوبة إلى الله، توبوا إلى الله قبل أن يتوب عليكم، إذا تاب عليكم تضطرون إلى التوبة.
بطولة الإنسان أن يكون في الشدة كما في الرخاء :
ونؤمن بك ونتوكل عليك، فسهل على الإنسان بالرخاء أن يكون مؤمناً أما هذا الإيمان فيهتز أحياناً في الشدة، فربنا عز وجل قال:
﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾
بالمنحدر كل أنواع السيارات جيدها وسيئها، الكبيرة والصغيرة، ما كان ذا قوة كبيرة، وما كان ذا قوةٍ ضعيفة، كله ينطلق، ولكن الصعود الشديد يميز، كلهم يدعي حب النبي فلما أحاط المشركون بالمدينة، وجاؤوا قرابة عشرة آلاف، ونقض اليهود عهدهم، وانكشف ظهرهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، انكشف المشركون، أما المؤمنون الصادقون فقال تعالى:
﴿ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾
فالبطولة أن تكون أنت أنت في الرخاء والشدة، في الصحة والمرض، في القوة والضعف، في دخل محدود وفي دخل غير محدود، إن آتاك الله أولاداً أو لم يؤتك، إن كانت زوجتك على ما يرام أو ليست على ما يرام، هذه هي البطولة.
الخير كله من الله عز وجل :
ونثني عليك الخير كله، الخير كله من الله، نشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يكفرك، إذا التقيت بإنسان فاجر ليس لك الحق أن تصاحبه، والعلماء قالوا: هناك أشياء كثيرة تجرح عدالة الإنسان منه: صحبة الأراذل، والتنزه في الطرقات، والأكل في الطريق، والسير حافياً، والبول في الطريق، والحديث عن النساء، والتطفيف بتمرة، وأكل لقمة من حرام، والصياح في المنزل، ومن أطلق برزوناً - بغلاً - ومن أطلق لفرسه العنان - والسرعة بالسيارة - هذا كله يجرح العدالة، ومن لعب الشطرنج تجرح عدالته، والتطفيف بتمرة، وأكل لقمة من حرام، هذه الأشياء تجرحها، ولكن من عامل الناس فظلمهم، وحدثهم فكذبهم، ووعدهم فأخلفهم، تسقط عدالته، ويوجد فرق بين سقوط العدالة وبين جرحها، قال عليه الصلاة والسلام:
((من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته))
ونثني عليك الخير كله، ونشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق:
(( من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ))
(( احثوا التراب في وجوه المداحين ))
وسيدنا الصديق مدح فوقف أرقى موقف، قال: "اللهم أنت أعلم مني من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيراً مما يقولون - وكان طموحاً - واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تأخذني بما يقولون".
سيدنا عمر مدح فقال له رجل: "ما رأينا خيراً منك بعد رسول الله، فنظر فيهم محداً البصر وكأنما يهم بشيء إلى أن قال أحدهم: بلى لقد رأينا من هو خير منك، قال: ومن هو؟ قال: أبو بكر، قال: صدقت وكذبتم جميعاً" عد سكوتهم كذباً قال: "والله لقد كنت أضل من بعيري وكان أبو بكر أطيب من ريح المسك"، إنصاف لا يوجد نفاق، كان رضي الله عنه منصفاً.
الله عز وجل مالك كل شيء :
ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، لو قال: نعبد إياك لها معنى، لما تقدم المفعول به صار اختصاصاً، وقصر نعبدك وحدك، ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى، هذه الجهود، هذا العمل، قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
كم الزكاة يا سيدي؟ قال: عندنا أم عندكم؟ قالوا كيف عندنا أم عندكم؟ قال: عندكم واحد في الأربعين، أما عندنا فالعبد وماله لسيده، هؤلاء السابقون السابقون، لا يوجد عندهم هذا لي وهذا لله، ماذا أبقيت يا أبا بكر؟ قال: الله ورسوله، أعطاه كل ماله وتخلل بالعباءة.
إن عذابك الجد بالكفار ملحق، وصلى الله على النبي وآله وسلم.
العبرة في القلب وما وعى من حقائق :
والمؤتم يقرأ القنوت كالإمام، لأن القنوت في الوتر ليس جهرياً، وإذا شرع الإمام بالدعاء بعدما تقدم قال أبو يوسف رحمه الله: يتابعونه ويقرؤونه معه، فلو فرضنا الإمام قرأه لأنه عندنا وتر في التراويح، والوتر في التراويح يصلى جماعةً، فإذا الإمام قرأه جهراً يتابعونه ويقرؤونه معه، وإذا قرأه سراً يقرأه هو سراً، و يفضل أن يصلى الوتر في رمضان في التراويح جماعةً وجهراً.
قال محمد: لا يتابعونه ولكن يُؤَمنون، يقولون: آمين، ويوجد رأيان متنوعان، إذا رجل ما حفظه ماذا يقول؟ يقول: اللهم اغفر لي ثلاثاً؛ اللهم اغفر لي، اللهم اغفر لي، اللهم اغفر لي، أو ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، يا رب يا رب يا رب، أي توجه إلى الله عز وجل، وأنا أقترح على الأخ الحاج والمعتمر ألا يحمل دفتراً ويقرأ، ذهب حالك كله، توجه إلى الله عز وجل ادعُ من عندك، لأن الدعاء لو كان بلغة غير فصيحة يصل إلى الله عز وجل، لأن سيدنا هارون أفصح من سيدنا موسى، من كان النبي؟ إشارة دقيقة في القرآن يوجد إشارات دقيقة جداً، المرسل كان سيدنا موسى، والعبرة في القلب وما وعى من حقائق، أنا قرأت حديثاً تأثرت به كثيراً، قال:
((وَمَا أَقْبَلَ عَبْدٌ بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ جَعَلَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ تُقَادُ إِلَيْهِ بِالْوُدِّ وَالرَّحْمَةِ))
المؤمنون الصادقون الورعون الزاهدون ملوك الدار الآخرة :
يمكن أن تتعلم علماً دقيقاً جداً، تحفظ أشياء نادرة، وأن يكون عندك ثقافة واسعة، محفوظات غزيرة، لغة فصيحة، نبرات حادة، لهجة خطابية، قدرات على الإقناع، لكن لا يوجد قلب رغم هذا الضجيج والصياح لا أحد يتأثر بك، لأن النية انتزاع إعجاب الآخرين، وقد حصل هذا، حصل إعجاب ولكن إذا كانت النية هدايتهم، وإنقاذهم، عندئذٍ الله سبحانه وتعالى يلقي في قلوب المؤمنين مودةً ومحبةً لهذا الداعي، فالقضية ليست بالحفظ ولا في الشهرة، أشهر مخلوق من هو؟ الشيطان مشهور جداً في كل لغات العالم، ليست الشهرة مقياس العظمة:
(( رب أشعث أغبر ذي طمرين، مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره ))
و كلما رأيت مؤمناً مستقيماً استقامة تامة، وحريصاً على رضاء الله عز وجل، أقول له: أنت من ملوك الآخرة، فالدنيا لها ملوك والآخرة لها ملوك، والمؤمنون الصادقون الورعون، الزاهدون، ملوك الدار الآخرة.
* * *
التهليل :
سوف نأخذ بعض الأحاديث من إحياء علوم الدين من باب الأذكار.
في الدرس الماضي تحدثنا عن مجالس الذكر، وعن فضلها، واليوم في فضيلة التهليل فما معنى التهليل؟ رجل عمل تهليلاً يعتقد الناس عزيمة، التهليل قولك: لا إله إلا الله، فهلل قال: لا إله الله، كبر قال: الله أكبر، دمعز أي: أدام الله عزك، وسبحل قال: سبحان الله، و حوقل قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا اسمه نحت في اللغة، قال عليه الصلاة والسلام:
(( أفضل ما قلت أنا والنبيين من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له))
هذه الكلمة الأولى في الكون، لا إله إلا الله، والأديان كلها، رسالات الأنبياء كلهم، ودعوات العلماء كلها، وفحوى دعوة الله سبحانه تعالى لعباده لا إله إلا الله، علاقتكم كلها معي إذاً فاعبدوني، من خلال تفسير جزء عم توصلنا إلى أن هناك ثلاث كلمات تعد الأولى في الإسلام؛ أولاها: لا إله إلا الله، وثانيها: الحمد لله، وثالثها: لا نعبد إلا الله، التوحيد والحمد والعبادة، هذا هو الدين كله.
لا إله إلا الله كلمة التوحيد :
لكن علماء البلاغة يقولون: إن الكلمة إذا كثر استعمالها فقدت معناها، والآن الناس في اللغة الدارجة يقولون: سوف أقتلك، ما معنى أقتلك قتل أي أمات، وأخ قتله أي ضربه، كثرة استعمال هذا الفعل أفقده معناه، والآن إذا أراد الإنسان أن يقول: قتله، يقول: أرداه قتيلاً، و أزهق روحه، وألقاه صريعاً، ولقي نحبه، ومات حتف أنفه، ولابد من استعمال عبارات وكلمات تعني أنه مات، أما قتله باللغة الدارجة تعني أنه ضربه، و كلمة لا إله إلا الله هذه كلمة التوحيد، في أول الإسلام إذا قالها الإنسان مرة كفي، والآن يقولها الناس ليلاً ونهاراً وهم يعصون الله عز وجل، قال عليه الصلاة والسلام:
((مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ ))
فإن لم تحجزك هذه عن محارم الله فأنت لا تقولها ولو قلتها ألف مرة ومرة، تقول في العيد: الله أكبر بصوت مرتفع، وهذا التكبير المشهور والله شيء جميل، هذا شعار الإسلام، ولكن هذا الذي يقول: الله أكبر، لو أنه أطاع مخلوقاً وعصى الله عز وجل ما قالها ولا مرة ولو رددها بلسانه ألف مرة، فهذا هو الفرق بين مسلمي العصر و الصحابة الكرام، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
((يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الأكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا، قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ، قَالَ: أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ، قَالَ: قُلْنَا وَمَا الْوَهْنُ، قَالَ: حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ))
لا تبلغ ما تريد حتى يستوي عندك التبر والتراب :
الذي يعصي الله ويحب مخلوقاً ماذا يرى؟ يرى أن هذا المخلوق أكبر من إرضاء الله عز وجل، إذا زوجته قالت له: اترك هذا الدرس واجلس أما كنت تتعلم إلى الآن؟ هذه الدروس كلها مثل بعضها، فجلس، هذا معناه أن زوجته أغلى عليه من الله عز وجل، فهذا مجلس علم، و مجلس رحمة، فإذا أطاع شريكه بالربا، يقول لك: فيه ربح مئة ألف في السنة ورزق واسع ماذا أفعل؟ إن شاء الله برقبته، قال لي أحدهم: أنا لا أذهب إلى المطعم أبداً لأنهم يبيعون الخمر، وإن شاء الله برقبة شريكي، والله كثيراً نهيته ولم يرضَ، يقول: الحمد لله يأتيني ربح جيد أثناء السنة، وهو يصلي أول إنسان في الجامع على الأذان، ما قال الله أكبر ولا مرة لأنه شاهد التسعين ألفاً أغلى من الله عز وجل، لا تبلغ ما تريد حتى يستوي عندك التبر والتراب، المليون مثل الليرة.
لمن هذا الوادي؟ وادي غنم ثمنه ملايين، قال عليه الصلاة والسلام: هو لك، قال: أتهزأ بي؟ قال: هو لك، رأى هداية إنسان أغلى من كل الوادي، وكانوا قديماً إذا حلت مشكلة إنسان بمبلغ يقولون له: خذه ولكن صلِّ واحضر معنا، وإذا معلم عنده صانع و كان هناك درساً عند المغرب رجاه أن يحضر هذا الدرس، هو موظف في محل تجاري هلك أن يأخذ نصف ساعة ويحضر الدرس لم يسمح له أبداً، استغلال، دعه يتعلم كلمتين في صحيفتك، لا يرضى، ولا يوجد فيهم خير أبداً.
((عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: مَنْ قَامَ إِذَا اسْتَقَلَّتِ الشَّمْسُ فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ غُفِرَ لَهُ خَطَايَاهُ فَكَانَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ فَقُلْتُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي أَنْ أَسْمَعَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهم عَنْهم وَكَانَ تُجَاهِي جَالِسًا أَتَعْجَبُ مِنْ هَذَا فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْجَبَ مِنْ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ فَقُلْتُ وَمَا ذَاكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَقَالَ عُمَرُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ))
الدنيا دار تكليف والآخرة دار تشريف وإكرام :
قل: لا إله إلا الله، لا يوجد أحد غيره، لا أحد يخيفك، الخير كله منه، وحده يرفع، ووحده يخفض، ووحده يعز، ووحده يذل، ووحده يعطي، ووحده يمنع، ووحده يقبض، ولا يوجد أحد غيره، كل علاقتك معه، ترى المؤمن مرتاحاً، جعل همومه كلها هماً واحداً فكفاه الله الهموم كلها، فالمؤمن عجيب لا يرى رزقه مع أحد غير الله، ولا يرى حياته يقوى على إنهائها أحد، ولا ينهيها إلا الله، فقال النبي الكريم: " كلمة الحق لا تقطع رزقاً ولا تقرب أجلاً"، قلها، من أين تأتي العزة؟ من التوحيـــد، من أين يأتي الغنى؟ من التوحيد، من أين تأتي الجرأة؟ من التوحيد.
ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم، ولا في نشورهم، كأني أنظر إليهم عند الصيحة ينفضون رؤوسهم من التراب، ويقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور.
((عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ) فَأَمَّا الَّذِينَ سَبَقُوا بِالْخَيْرَاتِ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَأَمَّا الَّذِينَ اقْتَصَدُوا فَأُولَئِكَ يُحَاسَبُونَ حِسَابًا يَسِيرًا وَأَمَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ يُحْبَسُونَ فِي طُولِ الْمَحْشَرِ ثُمَّ هُمِ الَّذِينَ تَلَافَاهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ فَهُمِ الَّذِينَ يَقُولُونَ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ) إِلَى قَوْلِهِ ( لُغُوبٌ ) ))
أحياناً الإنسان في الدنيا يشعر بضيق لماذا؟ يذكر أنه سمع خبراً سيئاً، أو يذكر أن ابنه مريض والطبيب متخوف من مرضه، ويشعر بحزن دائم عندما يغلب الحزن على الوعي ويذكر أن ابنه مريض، و أحياناً يكون قد وجد بيتاً مناسباً وبيع البيت يتضايق، وجميع أنواع الحزن في الآخرة معدمة. قال تعالى:
﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾
لا صغيرة ولا كبيرة، لا على ما فات ولا لما سيكون، الحياة لا تخلو من أحزان مهما جهد الإنسان، لكن الجنة تخلو، الدنيا دار تكليف والآخرة دار تشريف، ودار عطاء، ودار إكرام فقط، ولذلك ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم، ولا في نشورهم، فالقبر روضة من رياض الجنة.
أهل لا إله إلا الله ليس عليهم وحشة في قبورهم :
هناك رجل كان له عمل في الشرطة - والقصة قديمة - فصار منازعة بالمقبرة، رجل متوفى من أربعين سنة ويجب أن ينزلوا عليه إنساناً آخر، فتحوا القبر فالميت مثلما هو، وهذا الإنسان ذهب حتى يفصل الموضوع قال لي: نزلت إلى القبر والله الذي لا إله إلا هو كأنه مات البارحة، هو هو ذقنه طويلة قليلاً، الشعر بعد الموت ينمو قليلاً، قال لي: أسبوع ورائحة المسك في يدي، أربعون سنة كما هو الكفن وجده مثل قميص اللوكس رماد أبيض أزاحه جلده هو هو، هذا الرجل إمام وحافظ القرآن الكريم، وكان ورعاً وصالحاً، وهذه القصة تطورت جداً، في السعودية بلغني أنهم نقلوا رفات بعض الصحابة كان الظن أن عملية شكلية أي عملية رمزية فوجدوا بعض الصحابة هم هم، و أجروا حفريات في القادسية فوجدوا بعض أجسام الصحابة كما هي، وفي اليرموك أيضاً، فهؤلاء الذين عرفوا الله تعالى لا يفنون، وليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم، فالقضية قضية هذا القبر وما بعد القبر، والناس كلهم الآن يعيشون لحظتهم، وأهل الهدى يعيشون ماذا سيكون.
سؤال و جواب :
س: وردني سؤال من امرأة تقول: رجل حلف على زوجته ثلاثة أيمان طلاق أن لا تخرج من بيته إلا بإذنه، وعندها طفل صغير خرج من البيت إلى بيت الجيران فذهبت إليه لتحضره فهل وقعت هذه الأيمان الثلاث مع العلم أن الزوج سأل شيخاً فقال له: ادفع كفارة تلك الأيمان؟ وقال له: اذهب واعقد عقداً جديداً لترجع زوجتك إليك؟
ج: كما قلت سابقاً: هناك طلاق سني وطلاق بدعي، الطلاق السني أن تطلق زوجتك في طهر لم تمسها فيه، وأن تبقى في بيتك تتزين لك ثلاثة قروء، فإذا راجعتها بلسانك أو لمستها بيدك فهذه مراجعة وتعود لك وتحسب طلقة، وإذا مضت العدة ولم تراجعها تملك نفسها فعليك أن تعقد عليها عقداً جديداً، ومهراً جديداً من دون تعقيدات، هذه الطريقة تعيدها ثلاث مرات، والمرة الثالثة تبين عنك بينونة كبرى وهذا هو الطلاق السني.
أما الطلاق البدعي فتقول لها: طلقتكِ، ابن تيمية رضي الله عنه قال: "إذا كان الرجل لا ينوي الطلاق إلا أنه يريد منع زوجته من عمل ما وكان يكره فراق زوجته كفراق دينه، وحلف يمين طلاق فهذا الطلاق لا يقع لأن أصله نية منعها من هذا الشيء"، هذا رأي تأخذ به المحاكم اليوم، طبعاً إذا المرأة ليس لها علاقة بالموضوع إطلاقاً، خلاف نشأ بين شخصين في محل تجاري وحلف بالطلاق فليست طرفاً في هذا الموضوع، أو لا ينوي الزوج تطليقها ولكن ينوي منعها، وكان يكره فراقها كفراق دينه، وفي هاتين الحالتين تنقلب يمين الطلاق إلى يمين عادية توجب الكفارة، كما قال الشيخ المسؤول في هذه الورقة، وعند الأحناف تطلق، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام بلغه أن إنساناً حلف ثلاثة أيمان طلاق في مجلس واحد فغضب غضباً شديداً وصعد المنبر وقال: "أيلعب بدين الله وأنا بين أظهركم" ربنا قال: "الطلاق مرتان"، والثالثة طبعاً طلاق كلي، فأنت جعلته مرةً واحدة أي أنت لم تعبأ بكلام الله، ولم تعبأ بتشريع الله، فثلاثة طلقات في مرة واحدة، و النبي عليه الصلاة والسلام غضب حينما استخدمها بعض الرجال، وأيضاً ابن تيمية يرى أن هذه المرات الثلاثة في حكم المرة الواحدة، وهذا الموضوع راجع إلى أن هذه الزوجة حينما خرجت من البيت أيضاً إن لم تكن تنوي إطلاقاً أن تحنث بيمين زوجها إلا أن حبها لابنها أعماها، وأنساها المشكلة، وخرجت عفوياً، وأغلب الظن أن هذا اليمين لا يقع، والتي تخرج من البيت كي توقع زوجها في حرج، وكي تلعب في عواطفه، وتخلق له مشكلة، فهذه يقع يمينه عليها، وإن لم تكن طرفاً بالموضوع أساساً وكان يكره فراقها كفراق دينه، وكان ينوي منعها فقط ليس غير فإن هذا الطلاق لا يقع وينقلب إلى يمين عادية، توجب التكفير إطعام عشرة مساكين، هذا الرأي الذي تأخذ به المحاكم اليوم، ولكن أحياناً قد يسأل بعضهم هذا السؤال فيقول له: طلقت المرأة ثلاثاً، اختلاف أمتي رحمة، اختلاف العلماء الكبار توسعة على الدين، اتفاقهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة، وعندما تسلك سلوكاً مغطى من أحد المذاهب فهو صحيح، أي سلوك عن علم أو عن غير علم مادام عملت هذا العمل وأحد المذاهب مغطى فهذا العمل صحيح، وهذا الشيء يليق بالمؤمنين المعاصرين، أما أن نعطي الحنفية لشافعي فهذه مشكلة، وهذا غلو في الدين، قال تعالى:
﴿