- الفقه الإسلامي / ٠5العبادات الشعائرية
- /
- ٠3الصلاة
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
صلاة الجمعة :
أيها الأخوة المؤمنون، موضوع الفقه اليوم صلاة الجمعة، صلاة الجمعة فرض عين، وكما تعلمون الفروض على نوعين؛ فرض عين وفرض كفاية، فصلاة الجمعة فرض عين لا تسقط عن الفرد في كل الأحوال، أما صلاة الجنازة فهي فرض كفاية، إذا قام بها البعض تسقط عن الكل، وطلب العلم بإجماع العلماء فرض عين، وطلب العلم حتم واجب على كل مسلم، فمعنى الفرض الشيء الذي لا تقوم حياتك من دونه، فالطعام فرض لبقاء الجسم، وأكل بعض أنواع الفاكهة ليس فرضاً، أما تناول الخبز والإدام كل يوم فهو فرض لبقاء الجسم، فالفرض فرض عين وجب على كل إنسان أن يفعله، وصلاة الجمعة فرض عين بالكتاب والسنة والإجماع.
أدلة من الكتاب و السنة على أن صلاة الجمعة فرض عين :
أمّا الكتاب فقال تعالى:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
لو كان هناك عقد بيت ثمنه ثلاثة عشر مليونًا تمّ توقيعه في أثناء آذان الظهر، ورفع العقد إلى القاضي فالعقد باطل، أي عقد يوقع مع آذان ظهر يوم الجمعة فالعقد باطل، لقوله تعالى:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
هذا في الكتاب، أما في سنة النبي عليه الصلاة والسلام:
((عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا وَبَادِرُوا بِالأعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْكُمُ الْجُمُعَةَ فِي مَقَامِي هَذَا فِي يَوْمِي هَذَا فِي شَهْرِي هَذَا مِنْ عَامِي هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ تَرَكَهَا فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْدِي وَلَهُ إِمَامٌ عَادِلٌ أَوْ جَائِرٌ اسْتِخْفَافًا بِهَا أَوْ جُحُودًا لَهَا فَلا جَمَعَ اللَّهُ لَهُ شَمْلَهُ وَلا بَارَكَ لَهُ فِي أَمْرِهِ أَلا وَلا صَلاةَ لَهُ وَلا زَكَاةَ لَهُ وَلا حَجَّ لَهُ وَلا صَوْمَ لَهُ وَلا بِرَّ لَهُ حَتَّى يَتُوبَ فَمَنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَلا لا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلاً وَلا يَؤُمَّ أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا وَلا يَؤُمَّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا إِلا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ يَخَافُ سَيْفَهُ وَسَوْطَهُ ))
لا شيء يؤذي العين كأن ترى رجلاً يعد العدة لقضاء نزهةٍ في أثناء صلاة الجمعة، وقال عليه الصلاة والسلام:
((مَنْ تَرَكَ ثَلاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ))
ومن يطبع الله على قلبه يجعله في أسفل درك جهنم، ثلاث جمع من غير عذر، وفي رواية أخرى: "نكتت نكتة سوداء في قلبه"، ثلاث جمع لا تحضرها تصبح قيمك مثل قيم الناس، تشعر بالضيق والملل والسأم، وتحدثك نفسك بأكل المال الحرام، وتحدثك نفسك بالعدوان على أعراض الناس، وتشعر بمشاعر أهل الدنيا، ويصيبك ما يصيبهم هذا هو الران.
شروط صلاة الجمعة :
1 ـ الذكورة :
وقد قال العلماء: الجمعة فرض مؤكد أكثر من الظهر، أي فرضية الجمعة أشد قدسيةً من الظهر، وهي مؤكدة أكثر منه على كل من اجتمع به سبعة شرائط، فتجب عليه حينئذ صلاة الجمعة، وهي الذكورة، وقد خرج بهذا الشرط النساء فلا صلاة جمعة عليهن.
2 ـ الحرية :
الحرية: وخرج بهذا الشرط الأرقاء.
3 ـ الإقامة بمصر :
الإقامة: وخرج بهذا الشرط المسافر، والإقامة بمصر، وخرج به المقيم بقرية لا يوجد فيها مسجد ولا إمام، ولا خطيب، فتسقط عنه صلاة الجمعة إلا إذا كانت الشمس تؤويه إلى قريته، هكذا قال رسول الله، معنى ذلك إذا كانت المسافة بين قريته التي لا مسجد فيها ولا إمام فيها وبين مكان فيه صلاة جمعة إن ذهب إليه وصلى الجمعة هناك، وعاد إلى قريته مع المغيب وجبت عليه صلاة الجمعة، تصور من الظهر إلى المغرب سيرًا على الأقدام، فإذا سمحت لك الشمس من بعد صلاة الجمعة إلى غياب الشمس أن تذهب إلى هذه البلدة وتصلي فيها وتعود وجبت عليك صلاة الجمعة، وبحسب المواصلات الحالية اليوم من حمص إلى الشام مسيرة ساعتين، إذا انتهينا من صلاة الظهر مثلاً الساعة الثانية، وركبنا سيارة إلى مركز الانطلاق وصلنا الساعة الثالثة، و يتحمل الطريق ساعتين إلى حمص نصل الساعة الخامسة، فإذا كان الرجل يسكن في حمص مثلاً، ولا يوجد هناك صلاة جمعة، وفي الشام يوجد صلاة جمعة، وما دامت الشمس تؤويه إلى قريته، وإذا تصورنا قرية تبعد عن دمشق كبعد حمص عن دمشق، فسكان هذه القرية عليهم أن يأتوا إلى دمشق ليصلوا الجمعة، لأن الوقت كاف أن يؤويهم إلى قريتهم قبل مغيب الشمس.
أنا موجود في قرية لا يوجد فيها مسجد، فيجب أن تذهب مشياً، وأن تعود مشياً إلى قريتك، ولا تضيع عليك صلاة الجمعة، وشرط الإقامة بمصر:
((عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلا أَرْبَعَةً عَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ))
ولقولـه عليه الصلاة والسلام:
(( لا جمعة ولا تشريق ولا صلاة فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع أو مدينة عظيمة ))
فهذا الكلام بالنسبة لنا محلول، نحن في الشام وما أكثر مساجدها، إذاً الذكورة والحرية والإقامة بمصر أو فيما هو داخل في حدّ الإقامة فيها كرجل ساكن مثلاً في داريا، هي تعد من الشام، أو يسكن في بيت مثلاً بين دمشق ودوما، عمّر بيتًا في طريق عام، ولكن لا يوجد حوله بيوت، هذا في حكم الإقامة في الشام، لأنه إذا خرج منه يقصر في الصلاة، وإذا عاد إليه يتم، إذاً هذا في حكم الإقامة بالمدينة.
4 ـ الصحة :
والشرط الآخر في صلاة الجمعة الصحة، فخرج به المريض بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشيخ الكبير ملحق بالمريض، كشيخ كبير لا تحمله قدماه، أو بصره ضعيف يحتاج إلى قائد، أو يحتاج إلى عكاز، والطريق وعر، وربما وقع فتنكسر بعض أضلاعه.
5 ـ الأمن من ظالم :
والخامس الأمن من ظالم، فلو أن هذا المصلي إذا خرج من بيته أصابه ظلم ظالم سقطت عنه صلاة الجمعة، فلا تجب على من اختفى من ظالم، ويلحق به المفلس الخائف من الحبس، وعليه ديون والدائنون يلاحقونه، فلو عثروا عليه في الطريق لألقوا القبض عليه، وساقوه إلى السجن، والشرع ما كلف هذا المفلس بصلاة الجمعة.
لكن إذا قتل رجل مؤمنًا خطأ بسيارة واختفى، فلو ظهر للعيان لألقي القبض عليه، وهل إلقاء القبض عليه ظلم؟ لا، هو عدل، إذاً فعليه صلاة الجمعة.
6 ـ سلامة العينين :
السادس: سلامة العينين، فلا تجب على أعمى عند أبي حنيفة، إلا إذا وجد قائداً يقوده إلى المسجد فتجب عليه صلاة الجمعة.
7 ـ سلامة الرجلين :
السابع: سلامة الرجلين، فلا تجب عن المقعد لعجزه عن السعي اتفاقاً، ومن العذر أيضاً المطر العظيم، والسيول، والانهدامات في الطريق، فهذه أيضاً تسقط عن الرجل صلاة الجمعة.
يشترط أيضاً لصلاة الجمعة عدة أشياء :
1 ـ المصر أو فناؤه :
ويشترط أيضاً لصلاة الجمعة ستة أشياء ؛ الأول: المصر أو فناؤه، أي أن تكون في بلد فيه مساجد، أو محيط في هذا البلد، تصح إقامة صلاة الجمعة في مواقع كثيرة بالمصر، فالشام فيها ثلاثمئة مسجد، وهذه المساجد كلها تصح فيها صلاة الجمعة عند أبي حنيفة، وعند الشافعي الصلاة لمن سبق، وقد يحب الإنسان أن يصلي بعد الجمعة أربع ركعات، كصلاة ظهر، هذا مرفوض عند الأحناف، وضعيف عند الشافعية، لأن صلاة الجمعة تجزئ عن صلاة الظهر، فإذا قضيتم الصلاة فانتشروا في الأرض.
2 ـ أن يصلي بهم الأمير إماماً :
و من شروط الصحة أن يصلي بهم الأمير إماماً، والمفروض أن يصلي الأمير بالناس إماماً، وهذه لها معنى، لأنّ هذا الأمير اختير لصلاحه وتقواه، وهو يستطيع أن يخطب بالناس، ويصلي بهم، وإن لم يكن فنائبه، وقد ينيب الأمير عنه القاضي أو الخطيب، والآن الخطباء نواب الأمير في أداء الصلاة.
3 ـ أن يدخل وقت الظهر :
والشرط الثالث أن يدخل وقت الظهر، فلا تصح الجمعة قبل دخول وقت الظهر:
((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ إِذَا مَالَتِ الشَّمْسُ))
وتبطل صلاة الجمعة لخروج وقت الظهر، أي من دخول وقت الظهر إلى خروج وقته، فإذا خرج وقت الظهر بطلت صلاة الجمعة.
4 ـ الخطبة :
والشيء الذي لا بد منه وهو الخطبة، وهذه عبادة فيها توجيه، فأي شيء قاله الخطيب ولو كان آية أو حديثًا، ذكر الناس بأمر دينهم، وبكتابهم، وبسنة نبيهم، وحذرهم وزهدهم في الدنيا، ورغبهم في الآخرة، فهذه الخطبة تساوي شحن هذه البطارية، وكل أسبوع تشحن، وتخرج متحمسًا راغبًا في أن تصلي قيام الليل، وتعمل الصالحات، وتغض بصرك، فقد يأتي يوم الثلاثاء والأربعاء تشعر أنّ حماسك فتر، فالبطارية فرغت، فتأتي يوم الجمعة وتشحنها مرة أخرى، أما إذا كان الشحن مستمرًا، وهؤلاء عوام الناس يشحنون في الأسبوع مرة، أما المؤمن الصادق فيشحن كل يوم يصلي صلاة متقنة، ويلتقي مع أهل الحق يومياً، ويستمع إلى الحق، ويدعو إلى الله، فهذا مشحون دائماً وهذا شحن أتوماتيكي، فدائماً عنده بطارية من مستوى عالٍ، ولكن عوام الناس كلما ابتعدت المسافة الزمنية بين الخطبة وبين الوقت الذي هو فيه ضعفتْ همتهم.
والخطبة تكون قبل صلاة الجمعة، فهكذا السنة، وهكذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام، وأن تكون الخطبة مقصودةً لذاتها، فإذا أصاب الخطيب عطاس فعطس، وقال: الحمد لله رب العالمين، فليست هذه خطبة، وليس لها علاقة بالخطبة، هذا حمد بعد العطاس، فيجب أن تكون الخطبة مقصودةً لذاتها، ويجب أن يحضرها واحد، وليس لها معنى ألاّ يكون أحد في المسجد، هذه أشياء بديهية، ولو كان أصمَّاً أو نائماً أو بعيداً، فلا تنعقد الجمعة إلا بخطبة ومستمع، ولو كان أصمَّاً أو نائماً أو بعيداً، وقد قال الله عز وجل:
﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾
إنّ الله عز وجل وبّخ المنافقين لأنهم إذا حضروا مجلس النبي عليه الصلاة والسلام ثم خرجوا من عنده لا يعرفون ماذا قال لهم، فهم شاردون غارقون في مشكلاتهم، غارقون في همومهم، غارقون في الدنيا.
5 ـ ألاّ يفصل بين الخطبة والصلاة بأكل أو عمل :
ألاّ يفصل بين الخطبة والصلاة بأكل أو عمل، وسوف نتابع هذا الموضوع في درس قادم، لأنه طويل لا ينتهي في مجلس واحد.
* * *
نصائح الطبيب في موضوع الطعام والشراب :
1 ـ لا تأكل المطبوخ حتى يتم نضجه ولا تشرب دواء إلا من علة :
والآن إلى آخر فصل من فصول آداب الطعام والشراب عند الإمام الغزالي رضي الله عنه، وبعدها ننتقل إلى آداب أخرى.
نصائح الطبيب في موضوع الطعام والشراب قال: لا تأكل المطبوخ حتى يتم نضجه، ولا تشرب دواء إلا من علة، فهناك أشخاص مغرمون بالحبوب والفيتامينات، كل شيء كيميائي ضار بالإنسان، فالإنسان يتناول الدواء عند الضرورة، ولو لاحظت الطبيب نفسه لوجدت أنه أبعد الناس عن الدواء، لأن هذا الجسم نباتي، وإكثار المواد الكيميائية فيه يضعفه، وما من دواء كما قال لي بعض الأطباء إلا وله فائدة من ناحية، وضار من ناحية أخرى، وطبيب حدثني قال لي: مثلاً الكورتيزون، الكورتيزون يبيض وجه الطبيب، فيكون في المريض آلام مبرحة؛ آلام في المفاصل، آلام حساسية فيعطيه إبرة كورتيزون، فترى المريض ارتاح، ويثني على الطبيب، لكن هذا الكورتيزون له مضاعفات كبيرة، فلو أخذه الأطفال كثيراً لتوقف نموهم، ولو أخذه الكبار لالتهبت أكبادهم، فهناك مضاعفات خطيرة جداً من استعمال الكورتيزون، ولكن بعض الأطباء الذي يبتغون سمعةً عاجلةً سريعةً يعطون الكورتيزون، حدثني أخ قال لي: يوجد طبيب في بعض الأقبية، عليه ازدحام منقطع النظير، إذْ يكون ثمة آلام مبرحة، بإبرتي كورتيزون تذهب الآلام، فهذا المريض يلهج بالثناء على هذا الطبيب، لكن لا يعلم أنه دمر كليتيه، دمر كبده، ودمر صحته، الكورتيزون خطير، فالإنسان يقلل من استعمال الدواء قدر الاستطاعة، ويجعل الدواء في الغذاء، وفي الحمية، والحمية رأس الدواء، والمعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء.
تعلق سلامة القلب وحسن عمله وانتظامه بحجم الطعام في المعدة :
وأغرب شيء قرأته في بعض كتب أمراض القلب، أن سلامة القلب وحسن عمله وانتظامه متعلق بحجم الطعام في المعدة، ونوعية الطعام فيها، فما علاقة القلب بالمعدة؟ لأن هذا الطعام الذي في المعدة مصيره إلى الدم، فإن كان فيه مواد دهنية تزيد عن الحد المطلوب ترسبت في الشرايين، فأصيب صاحبها بما يسمى بتصلب الشرايين، وإذا تصلبت الشرايين تعب القلب، وتضخم تضخماً مرضياً، وانتهت الحياة بمآسٍ كثيرة، ولذلك قال بعض الأطباء كما يزعمون: عمر الإنسان من عمر شرايينه، والشرايين تبقى مرنة ما دام الغذاء صحيحاً وصحياً.
وسلامة القلب وحسن عمله وانتظام دقاته منوط بحجم الطعام في المعدة، وبنوعية هذا الطعام، ولذلك فإنّ تناول الأدوية بشكل غير صحيح أو بشكل متسرع هذا مما يتعب الجسم، ولا تشرب دواءً إلا من علة.
2 ـ لا تأكل من الفاكهة إلا نضيجها :
ولا تأكل من الفاكهة إلا نضيجها، هكذا قال الله عز وجل:
﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾
3 ـ لا تأكل طعاماً إلا إذا أجدت مضغه :
ولا تأكل طعاماً إلا إذا أجدت مضغه، لذلك فالمضغ الجيد من السنة، والحديث على المائدة من السنة، وأن تجلس مع إنسان تحبه من السنة، لأنك إذا جلست مع إنسان تحبه، تحدثه ويحدثك، وتؤنسه ويؤنسك، تأكل قليلاً، أما قول العوام: كُل أكل الجمال، وقم قبل الرجال، فهذا كلام جهل، فكُل أكل العصافير، وليس أكل الجمال.
4 ـ كُلْ ما أحببت من الطعام :
ولا تأكل طعاماً إلا إذا أجدت مضغه، وكُل ما أحببت من الطعام، والعلماء أجروا تجارب مثيرة جداً، فأتوا بعشرة أطفال ووضعوهم في مكان، ووضعوا أمامهم كل أنواع الطعام، وسمحوا لهم أن يأكلوا ما يشاؤون، وما يحبون، ثم جاؤوا بعشرة أطفال آخرين، ووضعوهم في مكان، وقدموا لهم طعاماً تحت إشراف التغذية، أن يكون الطعام مملوءً بالفيتامينات والمعادن، وحسب الحريرات والجهد والطاقة والمواد الدسمة والبروتينية والسكريات والمعادن، حسابات دقيقة، فوجدوا في المحصلة أن الأولاد الذين أكلوا ما يشاؤون وعلى رغبتهم كان نموهم أسرع وأنشط، وأما الذين أكلوا أكلاً وفق تعليمات علماء التغذية فلم يكن نموهم كنمو هؤلاء، فاستنبطوا أن شهوة الإنسان إلى الطعام متعلقةٌ بحاجته، فالإنسان أحياناً يشتهي أن يأكل خيارة، أو خسة، فيكون عنده عطش خلوي، أحيانا يشتهي أن يأكل موالح لنقص الملح عنده، حتى إن علماء أمراض النساء أشاروا إلى أن المرأة الحامل قد تشتهي بعض المواد، فتشتهي أحيانا رأس كرنب- يسمونه الوحم - ومن يدري أن هذا الوحم له علاقة بحاجة الجنين في بطن الأم، إذْ ينقص الجنين قليل من البوتاس، وحاجة الجنين إلى البوتاس تنتقل في شهوة أمه إلى هذه الخضار، فإذا طلبت الحامل من زوجها نوعًا من الطعام فلا ينبغي له أن يستخف بها، ولا أن يستهزئ منها، فهذه حاجة الجنين الذي في بطنها، وإذا أحب أن يتجاهل طلباتها فالجنين يعاني ويستهلك من أمه، فإذا لم يسقِ الزوجُ زوجته الحليب الكافي والمواد الكلسية اللازمة رأيت أسنانها تنتخر في أثناء الحمل، والجنين يحتاج إلى كمية ثابتة من الكلس، فإما أن تعطي الأم حليباً ومادةً كلسية ليأخذها الجنين، وإما أن يستهلك الجنين كلس أمه، ولذلك فبعض أمراض العظام تصيب المرأة الحامل، وكذلك تسوس الأسنان يصيب المرأة الحامل إذا قصر عليها في الحليب والمواد الكلسية، فالوحم إذاً له علاقة بحالة الجنين الذي في بطن الأم.
والعلماء استنبطوا أن الإنسان يشتهي ما هو بحاجة إليه، مثلاً الناس في الشتاء يميلون إلى الحلو، لأنهم يحتاجون إلى طاقة، والطاقة من السكريات، وفي الصيف يميلون إلى أشياء فيها ماء، كالبطيخ، والخيار، والخس، وهذه أمثال واضحة، أما أحياناً فالإنسان يحب المواد الحامضية فيكون كيمياء دمه حامضي، ويحضر إلى البيت برتقالاً، فترى أن البنت أكلت برتقالة حامضة، والشاب لم يأكلها، لكل إنسان كيمياء في دمه.
5 ـ لا تشرب فوق الأكل :
كُل من الطعام ما أحببت، ولا تشرب عليه، لأن الشرب ماذا يفعل؟ يمدد العصارات الهاضمة في حوالي لتر واحد تفرزها المعدة أثر كل طعام، فإذا شرب الإنسان خمسة كؤوس من المياه تكون هذه المادة الهاضمة قد تمددت.
والنبي الكريم نهى عن ذلك، حتى إن رجلاً دخل المسجد، وهو جاهل وما كان المسجد يومئذ بهذه الفخامة، أرضه حصى، وبال فيه، فلما قام له الصحابة ليزجروه منعهم النبي:
((عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُ وَلا تُزْرِمُوهُ قَالَ فَلَمَّا فَرَغَ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ ))
فهناك أشخاص جهلة يقول لك أحدهم: أنا قبل أن أنقض وضوئي سوف أصلي العصر، أي صلاة هذه؟! يُكره أن تصلي وأنت حاقن، أساسها لا رأي لحاقن أو حاقد، رأيه في إفراغ المثانة، هذا هو رأيه، فتكره الصلاة إن كان الإنسان حاقناً أو حاقداً.
6 ـ إذا أكلت في النهار فنم :
وإذا أكلت في النهار فنم، أي أن ينام الإنسان ساعة بعد الطعام:
(( قيلوا فإن الشياطين لا تقيل ))
ومن نام في النهار أعانه هذا على قيام الليل.
استعينوا على الصيام بالسحور وعلى القيام بالقيلولة.
7 ـ إذا أكلت في الليل فامشِ قبل أن تنام :
وإذا أكلت في الليل فامشِ قبل أن تنام، وهذه ملاحظة، فالإنسان يأكل وينام، ولا يوجد حركة، فهذا الطعام إذا لم يستهلكه انقلب إلى مواد دهنية عالقة في الدم، إذا نام الإنسان نوماً طويلاً وقاس نبضه وهو نائم فإنه يكون سبعين أو خمسًا وستين، أو ستين، لأنه لا يوجد حركة، فالدم يسير بطيئًا، وسير الدم البطيء في الشرايين يجعل المواد الدهنية تترسب في جدرانها، فالعلماء قالوا: الذي ينام نومًا متقطعًا من الساعة الحادية عشرة ويستيقظ الساعة الرابعة والنصف على صلاة الفجر وقيام الليل، وينام ويستيقظ الساعة الثامنة صباحاً، فهذا النوم مفيد جداً، أما إذا نام الساعة الحادية عشر حتى الساعة التاسعة ثاني يوم، فالنوم المديد يسبب ترسبات المواد الدهنية في جدران الشرايين، وهذا يسبب أمراض القلب، فالقيام لصلاة الصبح في وقته صحة جسمية قبل أن يكون صحة نفسية.
8 ـ لا تخرج من بيتك صباحاً إلا بعد أن تأخذ شيئاً تأكله :
ويوجد عندنا خطأ كبير في الطعام، فمعظم الناس ينطلق من البيت من دون طعام، مع أن وجبة الفطور أهم وجبة في حياة الإنسان، قال بعض الحكماء لابنه يا بني: لا تخرج من منزلك حتى تأخذ حلمك -أي تتغذى- إذاً به يبقى الحلم ويزول الطيش، فإذا خرج الساعة السابعة وما تناول طعام الفطور، ففي الساعة الحادية عشرة يشعر بجوع شديد، ويصير عصبيًا، فالنصيحة الطبية ألاّ تخرج من بيتك صباحاً إلا بعد أن تأخذ شيئاً تأكله، وطعام الفطور أهم بكثير من طعام العشاء، لأن بعده بذل طاقة، أما إذا لم يأكل صباحاً فيأكل الظهر عنه وعن أهله جميعاً، وهذا لا يناسب، تناول ثلاث وجبات معتدلة أفضل من اثنتين ثقيلتين، وخمس وجبات معتدلات أفضل من ثلاث ثقيلة.
والعلماء قالوا: من أكل قبل أن يخرج من بيته هو أقل لشهوته مما يرى في السوق، وكلما لمح بائع - شاورما - اشتهي أن يأكل، فإذا أكل صباحاً انتهى الأمر، أما إذا لم يأكل اشتهى، وإذا أكل في الطريق فهو دناءة، وإذا لم يأكل بقي جائعًا وهو في كل نهاره منزعج، فكُلْ صباحاً وانتهى الأمر، وهذه من نصائح الحكماء.
9 ـ احمل الطعام إلى أهل الميت :
أيضاً من النصائح أن يحمل الطعام إلى أهل الميت، ومن السنة إذا مات ميت هؤلاء مشغولون بميتهم، حزينون، فعَنْ جَعْفَرِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ:
(( لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْنَعُوا لأهْلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ))
أما ما يجري الآن فعكس السنة، أهل الميت مهتمون بميتهم، والقبر، والنعوة، وقراءة القرآن، والحاجات الأخرى، ويجب أن يصنعوا طعامًا للذين خرجوا في الجنازة، وهذا خلاف السنة.
10 ـ لا ينبغي لك أن تحضر طعام ظالم :
وأيضاً لا ينبغي لك أن تحضر طعام ظالم، فأنت تعرف أن هذا الإنسان مغتصب للمال الحرام، أو لمال أخوته، فوالده ترك ثروة، فاغتصب أموال أخوته ودعاك إلى بيته الفخم، فلا يجوز لك أن تجيب هذه الدعوة .
فإن أكره على أن يأكل من طعام الظالم فليقلل الأكل، ولا يقصد الطعام الأطيب، وبعضهم اعتذر وقال: كنت مكرهاً، فقال له أحدهم: رأيتك تختار الأطيب وتكبر اللقمة أي إكراه هذا؟ ولو كنت مكرهاً لأكلت طعاماً قليلاً و بشكل رمزي.
بعض ما قاله الإمام الشافعي :
والإمام الشافعي قال: الأكل على أربعة أنحاء؛، الأكل بأصبع واحدة من المقت، وبأصبعين من الكبر، وبثلاث أصابع من السنة، وبأربع أصابع من الشره - يمسك الخبزة ويهبطها على الطعام مثل المظلة - فهذه من الشره، أربعة تقوي البصر؛ الجلوس تجاه القبلة، والكحل عند النوم، والنظر إلى الخضرة، وتنظيف الملبس، وأربعة توهن البصر؛ منها النظر إلى القذر، والنوم على أربعة أنحاء؛ نوم على القفا، فهذا نوم الأنبياء، دائماً يتفكرون في خلق السموات والأرض، ونوم على اليمين، وهذا نوم العلماء والعباد، ونوم على الشمال، وهذا نوم الملوك والأغنياء، من كثرة أكلهم للطعام، ونوم على الوجه، وهذا نوم الشياطين، وأربعة من العبادة؛ لا يخطو خطوةً إلا على وضوء، خرجت من البيت فتوضأ، فإذا أذن المغرب دخلت لتصلي، وكثرة السجود، ولزوم المساجد، وكثرة قراءة القرآن، فهذه بعض النصائح التي نختم بها فصل آداب الأكل من كتاب إحياء علوم الدين للإمام الكبير أبي حامد الغزالي رضي الله عنه، وسوف ننتقل بعدها إلى آداب النكاح، وهناك آداب الكسب والمعاش لا أدري بأيهما نبدأ؟
* * *
رحمته صلى الله عليه وسلم باليتيم :
تحدثنا في الدرس الماضي عن رحمته صلى الله عليه وسلم بالصبيان ورحمته بأصحابه، وبالمساكين والضعفاء، أما اليوم فمع رحمته صلى الله عليه وسلم باليتيم، قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ﴾
وكان صلى الله عليه وسلم يحسن إلى اليتامى، ويبرهم، ويوصي بكفالتهم، و الإحسان إليهم، ويبين الفضائل المترتبة على ذلك، فقد روى البخاري عن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى ))
وقد روى ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ ))
أحيانا يكون الزوج غافلاً وجاهلاً خرج من البيت الساعة الثامنة صباحاً، وعاد الساعة الحادية عشرة مساءً، ويوجد في البيت يتيم؛ ابن أخيه، فهل يا ترى زوجته أكرمته؟ أكل أم لم يأكل؟ أين نام؟ الزوج لا يعفى من المسؤولية، بل يجب أن يتفقد الطفل أين نام؟ هل أكل الظهر وماذا أكل؟ هل غاب عن البيت وأين ذهب؟ أما إذا أهمل وترك الأمر لزوجته فالزوجة أحياناً تكون قاسية جداً، ومن عجيب أمر النساء يرحمن أولادهن رحمةً لا مثيل لها، وقد تقسو إحداهن على ابن غيرها قسوة لا مثيل لها، فالزوج مسؤول، وجاء في الأثر ذكرُ فضل امرأة مات زوجها فحبست نفسها على تربية أولادها ولم تتزوج:
(( أول من يمسك حلق الجنة أنا فإذا امرأة تنازعني وتريد أن تدخل الجنة قبلي، قلت من هذه يا جبريل؟ قال: هي امرأة مات زوجها وترك لها أولاداً فأبت أن تتزوج من أجلهن ))
طبعاً هذه صورة أدبية بلاغية، فإذا سمعت امرأة هذا الأثر ذابت شوقاً إلى تطبيقه، و عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْمَأَ يَزِيدُ بِالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ امْرَأَةٌ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى يَتَامَاهَا حَتَّى بَانُوا أَوْ مَاتُوا ))
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ لَهُ: إِنْ أَرَدْتَ تَلْيِينَ قَلْبِكَ فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ ))
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: السَّاعِي عَلَى الأرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَحْسِبُهُ قَالَ يَشُكُّ الْقَعْنَبِيُّ كَالْقَائِمِ لا يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لا يُفْطِرُ ))
رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوان :
أما رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوان:
((... خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَمَرَّ بِبَعِيرٍ مُنَاخٍ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ثُمَّ مَرَّ بِهِ آخِرَ النَّهَارِ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ فَقَالَ: أَيْنَ صَاحِبُ هَذَا الْبَعِيرِ فَابْتُغِيَ فَلَمْ يُوجَدْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ ثُمَّ ارْكَبُوهَا صِحَاحًا وَارْكَبُوهَا سِمَانًا كَالْمُتَسَخِّطِ آنِفًا إِنَّهُ مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُغْنِيهِ قَالَ مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ ))
(( وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفًا أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ قَالَ فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ فَقَالَ: مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: أَفَلا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ ))
(( وعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ وَهُمْ وُقُوفٌ عَلَى دَوَابَّ لَهُمْ وَرَوَاحِلَ فَقَالَ لَهُمُ: ارْكَبُوهَا سَالِمَةً وَدَعُوهَا سَالِمَةً وَلا تَتَّخِذُوهَا كَرَاسِيَّ لأحَادِيثِكُمْ فِي الطُّرُقِ وَالأسْوَاقِ فَرُبَّ مَرْكُوبَةٍ خَيْرٌ مِنْ رَاكِبِهَا وَأَكْثَرُ ذِكْرًا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْهُ ))
و قال عليه الصلاة والسلام:
((إن الله يوصيكم بهذه البهائم العجم، فإذا سرتم عليها فأنزلوها منازلها ))
((عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: ذَكَرَ طَبِيبٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَوَاءً وَذَكَرَ الضُّفْدَعَ يُجْعَلُ فِيهِ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الضُّفْدَعِ))
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ))
تسليط الحيوانات بعضها على بعض بالأذى، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
(( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ))
ولما رأى رجلاً يذبح شاةً على مرأى من أختها غضب النبي عليه الصلاة والسلام وقال: هلا حجبتها عن أختها تريد أن تذبحها مرتين؟
((عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ))
وإذا قتلت عقرباً فاقتله بضربة واحدة، أما أن تعذبه أو تحرقه فهذا مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
(( كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتِ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ ؟ قُلْنَا نَحْنُ قَالَ: إِنَّهُ لا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلا رَبُّ النَّارِ ))
الحمرة طائر صغير:
((عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّرِيدَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّ فُلانًا قَتَلَنِي عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ ))
الصيد حلال ولكن له شروط :
لا تظن أن مطلق الصيد حلال، الصيد حلال ولكن له شروط، أما للتسلية فتفجع البهائم كهواية ليس المطلق حلالاً بل المقيد حلالاً.
((وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ إِنْسَانٍ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا إِلا سَأَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا وَلا يَقْطَعُ رَأْسَهَا يَرْمِي بِهَا ))
يجب أن تصيد لتأكل، وهذا الحيوان قدم لك لحمه غذاءً لك، فتقرب إلى الله بهذا اللحم، أما إذا قتلته ولم تأكله ماذا فعلت؟ ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من اتخاذ الحيوان وكل ذي روح غرضاً أي هدفاً لغني.
((عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِنَفَرٍ قَدْ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَتَرَامَوْنَهَا فَلَمَّا رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا عَنْهَا فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا ))
الشيء المعروف الآن أن الإنسان إذا قتل حيوانًا فالقانون لا يحاسب عليه، كأنْ يسير في طريق سفر فقتل كلبًا، أو هرة، ولكن لو علمت أن هذا الحيوان الذي دهسته سوف يحاسبك عند الله عز وجل لكنت دقيقاً جداً في قيادة السيارة، طبعاً إذا دهست إنسانًا فهناك مسؤولية جزائية، ومحاكمة، أمّا إذا قتل غنمة فأهل الغنمة يوقفونه؟ أما هناك حيوانات لا يحاسب على قتلها القانون، فمن يحاسب على قتلها؟ الله سبحانه وتعالى، فليكن خوفك من الله أشد من خوفك من قوانين الأرض.
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَا خُفَّهُ مَاءً فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّه وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لأجْرًا فَقَالَ فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ ))