الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الطريق إلى الله يبدأ بمعرفته:
أيها الأخوة الأكارم؛ مع الدرس الرابع من سورة يس.
وصلنا في الدرس الماضي إلى الآية الثالثة والثلاثين في قوله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)﴾ بعد أن بيّنَ الله جلّ جلاله مغبة الصد عن سبيل الله، ورَفْض رسالات الأنبياء، وضرب لنا مثلاً حياً عن أقوام كذبوا رسلهم، وأهلكهم الله عز وجل، وأوقعهم في شر أعمالهم، وكيف أن الذي عرف الله عز وجل لقي الله وهو عنه راض فدخل جنة الخلد، بعد أن بيّنَ الأمور النظرية والأمثلة التطبيقية، بيّنَ الله جل وعلا الطريق إليه، الطريق إليه يبدأ بمعرفته، ومعرفة الله عز وجل هي أصل الدين، أصل الدين معرفة الله عز وجل، هذه أصول، وفروع الدين كثيرة، إذا خضنا في فروع الدين ولم نملك هذا الأصل القويم فإننا في متاهات كثيرة، ماذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام في مكة المكرمة؟ لماذا الآيات المكية كلها تتحدث عن الله وعن آياته الكونية؟
مراحل الدعوة إلى الله:
إذاً مرت الدعوة إلى الله بمرحلتين: مرحلة مكية، ومرحلة مدنية، في المرحلة المكية تمّ التعريف بالله من خلال آياته، وإذا قرأت الآيات المكية لوجدت العجب العجاب، كلها إشارات إلى آيات الله في الأرض:
﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)﴾
[ سورة الشمس ]
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4)﴾
[ سورة الشمس ]
﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1)﴾
[ سورة الإنفطار ]
﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)﴾
[ سورة التكوير ]
﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)﴾
[ سورة الذاريات ]
قيمة الأمر من قيمة الآمر:
لو تتبعت الآيات الكونية لوجدتها كلها حول محور واحد: الإيمان بالله من خلال آياته، والإيمان باليوم الآخر، إذا صحّ إيمانك بالله صحّ كل شيء، عندئذ يأتي دور الفروع: دور التشريع، أحكام الزواج، أحكام الطلاق، أحكام البيوع، كل هذه الأوامر والنواهي لها معنى عندئذ، إنها طريقٌ إلى الله، إنها تنفيذٌ لأمر الله، إنها طاعةٌ لله. الأمر والنهي لا معنى له قبل معرفة الآمر والناهي، لذلك ما من دعوة تنجح إلا إذا بدأت بتعريف الناس بالله، وما من دعوة بدأت بالعكس، بدأت بتعريف الناس بشرع الله دون أن يُعَرِّفُوهم بأمر الله عز وجل، هذه الدعوة لا تنجح، لأن قيمة الأمر من قيمة الآمر، فإذا لم تعرف للآمر قدراً هل تعرف لأمره قدراً؟ ربنا عز وجل قال:
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)﴾
[ سورة الأنعام ]
من أراد أن يتعلم أو يُعلّم فعليه أن يُعرِّف الناس بالآمر أولاً:
إذاً دائماً إذا أردت أن تُعلِّم أو أردت أن تتعلم، ابدأ بالآمر قبل الأمر، ابدأ به، من هو الآمر؟ هذا الذي أمرني أن أفعل كذا وكذا، من هو؟ الله عز وجل قال:
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)﴾
[ سورة الأعراف ]
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)﴾
[ سورة الرعد ]
﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)﴾
[ سورة الأنعام ]
﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)﴾
[ سورة المزمل ]
حينما يُسَلِّم المريضُ نفسه لطبيب، نقول: هذا الطبيب دَرَسَ في بلد أجنبي، معه بورد مثلاً، متفوق باختصاصه، شهادته امتياز، أجرى عشرة آلاف عملية كلها نجحت، يطمئن المريض، حتى المريض يُسلِّم نفسه لطبيب يجب أن نُعَرِّفَهُ بهذا الطبيب.
وحتى الإنسان يعرف يستسلم لله عز وجل في تنفيذ أمره وفي الانتهاء عما عنه نهى يجب أن يعرفه، هنا النقطة.
آيات الله عز وجل كلها تعرفنا بذاته العلية:
الذي فعله النبي عليه الصلاة والسلام هو أنه أمضى ثلاث عشرة سنة في مكة يُعَرِّف أصحابه بالله وباليوم الآخر من خلال الآيات الكونية، فلما جاء للمدينة بدأ الشرع ينزل تباعاً؛ آيات الدَّيْن، آيات الطلاق، آيات البيوع، هذا كله جاء في مرحلة مدنية، فالله عز وجل حينما أراد أن يعرفنا بذاته بدأ بهذه الآيات قال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ﴾ انظر بشكل بسيط إلى الأرض في الشتاء، تراب، انظر إلى الأشجار في الشتاء، خشب يابس، أرض ترابية قاحلة وخشب مغروس فيها، انظر إليها في الربيع؛ الحشيش الأخضر، الأزهار، الورود، الرياحين، الأشجار اكتست حلة قشيبة، أين كان هذا الجمال كله في الشتاء؟ أين كان مخبئاً؟﴿وَآيَةٌ لَهُمُ﴾ .
النبات من آيات الله الدالة على عظمته:
الأرض بأشجارها وترابها في الشتاء انظر إليها في الربيع: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا﴾ اذهب إلى سهول حوران في الربيع تراها بساطاً أخضر كلها حبوب أنبتتْ، الحبة عبارة عن رشيم، هذا الرشيم له سويق وله جذير وهو كائن حي وله محفظة غذائية وله قشرة، فإذا جاءته الرطوبة نما جذيره، ونما سويقه على حساب المحفظة الغذائية، إلى أن تتمكن جذوره أن تمتص الغذاء من التربة، عندها تصبح نبتة، هذه آية من آيات الله الدالة على عظمته: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)﴾ .
تناسق غذاء الإنسان مع حاجاته تناسقاً عجيباً:
تحدثت في الدرس الماضي عن أن القمح هو الغذاء الأول، الغذاء الرئيس في حياة الإنسان، وهو متناسق تناسقاً عجيباً مع حاجات الإنسان، الأمر الذي يدعو إلى أن تقول يقيناً: إن الذي خلق هذه الحبة حبة القمح، والذي خلق الإنسان هو إله واحد؛ للتناسق الدقيق بين بنية هذه القمحة ومكوناتها الغذائية وبين بنية الجسم وحاجاته الطبيعية؛ فيه نشاء، فيه حديد، فيه منغنيز، فيه فوسفور، فيه كذا، ستة معادن في القشرة، كذا فيتامين، مواد سكرية، مواد نشائية، كلها في هذه القمحة، والقمح خبز، وأنواع منوعة، يمكن إذا نظرت إلى محل يبيع المواد الغذائية لرأيت معظم مكونات هذه البضاعة من القمح، الحلويات وأنواع المعجنات وأنواع الخبز كل هذه المواد الغذائية أساسها القمح: ﴿وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)﴾ فعندما الإنسان يشتري ربطة خبز، ويقول: بسم الله الرحمن الرحيم، هل تعرف ماذا تعني كلمة: بسم الله الرحمن الرحيم؟ أي أيها الإنسان هل فكرت في هذا الخبز؟ أولاً هل نفذت أمر الله في تناول الطعام؟ هذه البسملة كي تَذْكُرَ أمر الله في تناول الطعام، والبسملة كي تذكر نعم الله عز وجل، بسم الله الرحمن الرحيم آكل، أي هذه آكل بعد بسم الله الرحمن الرحيم، أي وفق أمره ومستنيراً بنوره، فإذا شربت قل: بسم الله الرحمن الرحيم، أي هذا الماء من نعمة الله علينا أن جعله عذباً فراتاً، وسوف أشربه وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نضج المحاصيل في وقت واحد لتسهيل الأمر على الإنسان:
﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ﴾ الأرض غير القمح، وغير المحاصيل؛ القمح والشعير والعدس والحمص إلى آخره... هذه الأصناف يعلمها الأخوة الذين يعملون في الزراعة، هذه المحاصيل لحكمة أرادها الله تنبت في وقت واحد، تنضج في وقت واحد تسهيلاً على الإنسان، وفوق هذا وذاك يصيبها السوس بعد حين، لولا هذا السوس الذي يصيب هذه الحبوب والمحاصيل لاحتكر الإنسان قوت أخيه الإنسان، ولأمكن للإنسان أن يجمع القمح كله وأن يبيعه بمئة ضعف عن رأسماله، لكن هذا السوس الذي يصيبه هو الذي يفقده ثمنه بعد حين، إذاً لابد من أن يبيعه، هذا من حكمة الله عز وجل، حكمة بالغة.
النخل من آيات الله الدالة على عظمته:
﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ﴾ الحقيقة العلماء قالوا: إن أطول الأشجار عمراً هي النخيل، بعض أشجار النخيل عمرها أكثر من ستة آلاف عام، أطول الأشجار عمراً من دون استثناء هو النخيل، وهناك صفات كثيرة للنخيل، أنه إذا قطع رأسها لا تنمو كالإنسان، وأن ثمار النخيل عُقِدَت عليه مؤتمرات، أنا قرأت عن مؤتمر في العالم عُقِد لدراسة بنية ثمرة النخيل، حتى أنهم قالوا عن ثمرة النخيل إنها صيدلية في حبة، إذ أنَّه ستة وأربعون مادة داخلة في تركيب التمر.
فوائد التمر:
1 ـ التمر مادة مسكنة لأعصاب الإنسان:
التمر مادة مسكنة، إذا إنسان أعصابه مشدودة يُنصح بأكل التمر.
2 ـ التمر مادة مهدئة:
إذا طفل شرس الطباع تُنصح أمه بإطعامه التمر، فيه مادة مهدئة.
3 ـ احتوائه على مادة تقبض الأوعية:
لما ربنا عز وجل قال:
﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)﴾
[ سورة مريم ]
التمر فيه مادة تقبض الأوعية، فالمرأة التي ستولد، أخطر شيء في الولادة النزيف، لأن مئات الألوف من الأوعية التي في الرحم سوف تتمزق، فإذا كان هناك مادة تقبض هذه الأوعية فالولادة سليمة، فلذلك التمر يفيد المرأة التي على وشك الولادة لأن المادة في التمر تقبض الأوعية فتسهم في انقطاع النزيف.
4 ـ في التمر مادة ملينة:
في التمر مادة ملينة، لأن الأمعاء في المرأة إذا كانت ممتلئة بالفضلات تعسر الولادة، مما يسهل الولادة أن تفرغ أمعاؤها، ففي التمر مادة مسهلة ملينة، وفي التمر مادة قابضة، وفي التمر مادة مضادة للنزيف، وفي التمر مادة تُسَرع في تقلص العضلات، أي كل المواد التي في التمر لها علاقة مَسِيسة بالولادة، هذا معنى قول الله عز وجل: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)﴾ .
5 ـ التمر لا يتلوث:
فوق هذا وذاك التمر لا يتلوث، لأن شدة تركيز المادة السكرية فيه تمتص ماء أية جرثومة تقع على التمر، معقم دائماً ويخزن التمر، كما قرأت عنه صيدلية في حبة، حتى إن أخوة كثر حدثوني عن النتائج الطيبة التي عاينوها في أجسامهم بعد تناول التمر، ﴿ وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ والتمر أنواع منوعة، سمعت عن تمر ثمن الكيلو مئة ريال أي ألف ليرة سوري للكيلو الواحد، أي أفخر أنواع الحلويات لا يرقى إلى مستواه، أنواع منوعة.
العنب من آيات الله الدالة على عظمته:
﴿مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ العنب يُعدّ المادة الغذائية الأولى في الفواكه، أي فيه سكريات، وفيه فيتامينات، وفيه مواد مرممة لدرجة أنه يُعد الفاكهة الأولى، أيضاً أنواع منوعة العنب، ويمكن أن يخزن زبيباً، قوت أساسي، نعم.
الينابيع وطبقات الأرض آية من آيات الله الدالة على عظمته:
﴿وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ﴾ كل كلمة في هذه الآية موضوع للتفكر، موضوع تَفَجُر الينابيع موضوع طويل، أساسه تصميم طبقات الأرض، طبقة نفوذة، طبقة كتيمة، طبقة نفوذة، طبقة كتيمة، حوض مثلاً، فتحة هذا الحوض، صخور معدنية تُذاب قليلاً قليلاً في الماء، الماء الذي يخرج منها ماء معدني يُرَمم الجسم البشري، حديث طويلٌ طويل حول: ﴿وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ﴾ .
الماء آية من آيات الله الدالة على عظمته:
الماء أساسه مالح، والبحر لولا أنه مالح لما تمت حياة على سطح الأرض، ثم يُبَخر، يُقطر هذا الماء عن طريق السطوح المائية الواسعة، وعن طريق أشعة الشمس، وعن طريق سطوح التبخر، وعن طريق تحمل الهواء بخار الماء، وعن طريق سوق الرياح لهذه السحب، وعن طريق انعقاد السحاب على شكل حبات مطر،...وبحث طويل طويل كيف يتخلى الهواء عن بخار الماء إذا برد، وكيف يستوعب هذا البخار إذا سخن، وكيف قال الله عز وجل:
﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14)﴾
[ سورة النبأ ]
كيف أن الضغط الجوي يُسهم في تحويل بخار الماء إلى قطرات ماء، وكيف أن هذه القطرات لا تنعقد إلا على ذرات من الغبار الذي في السماء، بحث طويل طويل.
الثمار آية من آيات الله الدالة على عظمته:
﴿وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ﴾ هذه لام التعليل، أي هذه الثمار، قف أمام بائع فاكهة: كل هذه الثمار مصممة لك، لإكرامك، في لونها، في حجمها، في قوامها، في رائحتها، في شكلها، في طعمها، الطعم والرائحة والحجم والقِوام والشكل واللون هذه كلها تُسهم في إكرام الإنسان، الفواكه لها منظر جميل بحدّ ذاتها قبل أن تأكلها، الفاكهة من حيث الجمال قطعة فنية، تصميم مُبدع، تصميم إله عظيم، فهذه الفاكهة، ﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ هذه إشارة دقيقة في القرآن إلى أن النبات له فوائد لا تعد ولا تحصى تزيد على أنه نبات تأكله.
فوائد النبات لا تعدّ ولا تحصى:
الآن الأساس من الخشب، أكثر الأدوية النافعة المفيدة من النبات، أدوية نباتية، الأصبغة من النبات، الأدوية من النبات، الخشب من النبات، الفلين أصله نبات، المطاط أصله نبات، السواك أصله نبات، الخُلة أصلها نبات، أدوات التنظيف القش هذا أصله نبات، القش الخشن والقش الناعم كله نبات، أشجار الزينة نبات، أشجار الحدود نبات، يوجد نبات أوعية، وهناك نبات سبحات، أي لو أن الإنسان حصر ذهنه في الفوائد العظمى التي يجنيها الإنسان من النبات لما انتهى إلى إحصائها، قال: ﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ .
النبات خلقه الله عز وجل لإمتاع العين وإكرام الإنسان:
الخشب من النبات، انظر إلى البيت فيه أثاث، فيه نوافذ، فيه غرف ضيوف، فيه غرف نوم، فيه طاولات، فيه كراسي، كلها أساسها من النبات، قد تستخدم القماش من النبات؛ الكتان والقطن من النبات، فالنبات تارة كساء، تارة دواء، تارة صباغ، تارة شيء يُمْتع البصر، كم نوع من نباتات الزينة؟ أي كتب مُؤلفة، يوجد كتاب ضخم عن نبات الصالونات، هذه النباتات التي تعيش في غرف الضيوف في الشتاء بحث قائم بذاته، الورود باب آخر، الأبصال باب آخر، الأزهار باب آخر، العدد يأخذ بالألباب.
ادخل عند أخ بائع زهور انظر كم نوع عنده؟ هذه المستحية، خير إن شاء الله، هذه الشاب الظريف، هذه راخ شعره، اسمع الأسماء، شيء يضحك، أسماء وأنواع، وهذه ساعة، وهذه قنديل، وهذه ياسمينة عراتلية، شيء عجيب، هذه خلقت للطعام؟ لا والله، للزينة، لإمتاع العين، لإكرام الإنسان.
النبات من تصميم الخالق سبحانه:
﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ النبات أحياناً أساس الصناعات الغذائية، الشاي نبات، البن نبات، أنواع منوعة من الزهورات، هذه للسعلة، وهذه لترطيب الجوف، وهذه مسكن، وهذه مقشع....، تجد كتباً ضخمة جداً؛ التداوي بالأعشاب الآن، يوجد موسوعات ومعاجم عن الأعشاب أي حوالي ألفي صفحة: كل نبات صورته، ومقوماته، وفوائده، واستعمالاته، تصميم من هذا؟ ﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)﴾ .
لن تعذبوا إذا شكرتم وآمنتم:
يا أخوان، إذا آمنت بالله وشكرته حققت المراد من وجودك لقول الله عز وجل:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)﴾
[ سورة النساء ]
أي إن شكرتم وآمنتم فلن تعذبوا، أي إن آمنتم وشكرتم حققتم المراد الإلهي من خلقكم، لذلك: ﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)﴾ النبي عليه الصلاة والسلام كانت تَعْظم عنده النعمة مهما دقت، مهما دقت النعمة تَعْظم عند الله عز وجل، فالمؤمن إذا شرب كأس ماء، إذا أكل تفاحة، إذا تناول طعاماً، إذا أكل رغيف خبز، إذا شرب كأس حليب، دائماً فكره يفكر في هذه النعم من خلقها؟
الانتقال من النعمة إلى المنعم:
أيها الأخوة؛ يجب أن نعلم، الآن سأذكر لكم شيئاً تحدثت به سابقاً، كل شيء خلقه الله عز وجل له هدفان أساسيان: الهدف الأكبر أن تعرف الله من خلاله، والهدف الأصغر أن تستفيد منه، فإذا استفدت منه ولم تتعرف إلى الله من خلاله ضيعت أثمن ما فيه، إنسان أكل العسل، وما عرف الله من خلال النحل والعسل، خسر خسراناً مبيناً، لو أنه أكل آلاف الكيلو غرامات من العسل في حياته كلها، وإنسان ما أتاح له دخله أبداً أن يأكل لعقة عسل، لكنه قرأ كتابا عن العسل ففاضت عيناه بالدموع خشية لله عز وجل، هذا الإنسان الذي لم يذق العسل في حياته حقق المراد من خلق النحل، وخلق العسل، لهذا ورد: "هلال خير ورشد" .
دائماً أيها الأخوة إذا فكرك أعملته في نِعم الله عز وجل معنى ذلك أنك حققت المراد الإلهي من خلقه، الانتفاع بالشيء فرع من فروع وجوده.
دعوة الله عز وجل الإنسان إلى التفكر:
عند الأجانب وعند أهل الدنيا الانتفاع بالشيء هو أصل الوجود، لكن المؤمنين الانتفاع بالشيء فرع من فروع وجوده، لكن الاهتداء به إلى الله أصل وجوده، لذلك:
﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)﴾
[ سورة الذاريات ]
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)﴾
[ سورة عبس ]
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5)﴾
[ سورة الطارق ]
دعوة إلهية إلى التفكر: ﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)﴾ .
نظام الزوجية في الإنسان والذرات والمجرات والنبات والجماد يؤكد وحدة الخالق:
الآن ربنا عز وجل أشار بهذه الآية القادمة: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كلّها﴾ يوجد في الكون ظاهرتان اثنتان: الأولى ظاهرة التنوع، والثانية ظاهرة التوحد، الآن كل إخواننا الحاضرين كل واحد له وجه غير وجه الآخر، لو دققت في ألوان الوجوه لرأيت أن كل واحد له لون لا يشركه فيه آخر، أبداً، كل إنسان له لون خاص بقزحية عينه، له رائحة خاصة، إذا الله عز وجل خلق خمسة آلاف مليون إنسان، كل إنسان له رائحة تختلف عن الآخر، والدليل تَتَبع المجرمين عن طريق الكلاب البوليسية، إذا أعطيت الكلب البوليسي شيئاً من حاجات المُلاحق فشمها، تَتَبع رائحته من بين آلاف الأشخاص، فالآن العلم يؤكد أن لكل إنسان رائحة لا تتشابه مع رائحة إنسان آخر، ولكل إنسان لون لقزحية العين لا تشترك مع قزحية عين آخر إطلاقاً، ولكل إنسان تركيب لدمه لا يشترك مع تركيب دم آخر، ولكل إنسان بنية نسيجية، عندنا زمر دموية هذه معروفة، عندنا الآن بنية نسيجية، أحدث بحث عن البنى النسيجية أن عدد البنى النسيجية الآن تقريباً 2,5 مليار وحدة أي تقريباً في كل الأرض يوجد شخص آخر يشبهك في تركيبك النسيجي، وهذا ما يدعو الذين يزرعون الكلية في اختيار إنسان معين مقترب إلى حد ما من نسيج الآخذ.
كل شيء في الكون أساس توالده النظام الزوجي:
إذاً هناك بنى نسيجية تتميز بها، هناك بلازما للدم تتميز بها، هناك رائحة خاصة تتميز بها، هناك شكل خاص للقزحية تتميز بها، هناك بصمة تتميز بها، هناك نبرة صوت تتميز بها، نبرة الصوت، وقزحية العين، وتركيب الدم، ورائحة الجلد، وبصمة اليد، هذه كلها أشياء منوعة.
أما إذا تناولت دواء صُنِع في كندا فرضاً، تناوله إنسان يعيش في أستراليا، هذا الدواء مسكن يسكن ألمه، ما معنى ذلك؟ أن الخمسة آلاف مليون إنسان مصممة وفق بنى واحدة، إذاً من أسماء الله الواحد، تشعر أن في الكون وِحْدَة، من أسمائه الواسع تشعر أن في الكون سعة، يوجد تنويع شديد، ويوجد وحدة. ونظام الزوجية مما يؤكد وحدة الخالق، كل شيء في الكون أساس توالده النظام الزوجي.
التلقيح في النبات:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ﴾ عملية تأبير النخل عملية مزاوجة، والآن يوجد مخابر أرقى شركات البذور يتم التلقيح باليد، يلقحون النبات باليد، ويغلقون الزهرة بملقط لئلا يدخل غبار طلع آخر يُفسد هذه المزاوجة، إذاً التلقيح في النبات يوجد نبات مؤنث، ويوجد نبات مذكر، فالتلقيح يتم تارة عن طريق النحل، وتارة عن طريق الرياح، وتارة عن طريق الإنسان نفسه، أشجار التين تلقح عن طريق الإنسان، والنخل يلقح اسمه: تأبير النخل يتم عن طريق الإنسان، وهناك نباتات تلقح عن طريق الرياح:
﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)﴾
[ سورة الحجر ]
وهناك نباتات تلقح عن طريق النحل، والنحل ربما كانت وظيفته الأولى تلقيح النباتات، ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)﴾ .
قانون الله عز وجل يشمل كل شيء:
الآن نظام الذرة؛ أصغر وحدة وظيفية في الكون هي الذرة، أصغر وحدة وظيفية وليست وحدة بنيوية هي الذرة، فيها إلكترون سالب وموجب وفي مدارات، نظام الزوجية في الذرات، نظام الزوجية في المجرات، في كواكب مزدوجة تترافق مع بعضها، فنظام الزوجية في الإنسان وفي الحيوان، وفي النبات وفي الجماد، إذاً يوجد وحدة، إذاً يوجد مصمم واحد، خالق واحد يتضح قانونه في كل خلقه.
الليل آية من آيات الله الدالة على عظمته:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ﴾ هذا الليل الله جعله سكناً، الإنسان ينام في النهار ساعات طويلة يبقى مشدود الأعصاب، ساعة في أول الليل لا تعدلها ثلاث ساعات في آخر الليل، من جعل الليل سكناً؟ والذي صمم حجم الأرض لو أن حجمها أكبر لكان انجذابها للشمس مختلفاً، وإذا كان انجذابها للشمس مختلفاً تبدل الليل والنهار، فالليل والنهار متعلق بحجم الأرض، متعلق بسرعة دورتها حول نفسها، لو أن الأرض تدور حول نفسها كل ساعة، نصف ساعة ليلاً، نصف ساعة نهاراً، أي دائماً يوجد ليل و نهار، تريد أن تفعل هكذا ظهر الصبح. لو كان الليل ثلاثين ساعة تنام ثماني ساعات تكتفي من النوم، ولازال الليل قائماً، في أربع ساعات أخرى صار الليل يساوي النهار تقريباً، فهناك تناسب. من صمم هذا التناسب؟ من نسَّق بين الليل والنهار وبين حاجة الإنسان؟ الله سبحانه وتعالى، ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ﴾ الليل موضوع للتفكر.
الشمس من آيات الله الدالة على عظمته:
﴿اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ﴾ قيل: "سبحان الله! أين النهار إذا جاء الليل؟" تجد الشمس مشرقة، الجبال متألقة، السهول نضرة، يأتي الليل فإذا هو ظلام دامس، موحش، أين كان ذلك الأنس مع الضوء؟ وأين ذهب ذلك الأنس مع ذهاب الضوء؟ ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ﴾ لكن انسلاخ لطيف، أحياناً الإنسان يتألق المصباح فجأة فتنبهر عيناه، أو ينطفئ فجأة فلا يرى شيئاً، لكن هذا التدرج في ذهاب الشمس شيء عجيب، بينما هي مشرقة غابت، بينما هي قد غابت والأرض منيرة بدأ هذا الضوء يضعف قليلا قليلاً، فإذا جاء وقت العشاء وغاب الشفق الأحمر رأيت الظلام الدامس، هذا معنى قوله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي﴾ .
التناسق بين الليل والنهار وبين حاجة الإنسان:
الأرض تدور حول نفسها دورة، وحول الشمس دورة، حول نفسها كل أربع وعشرين ساعة، أي سرعتها عند خط الاستواء ألف وستمئة كيلو متر في الساعة، أسرع طيارة يركبها الإنسان طبعاً تجارية ألف كيلو متر، الطائرات العسكرية تصل إلى ألف وستمئة، الطائرة العسكرية ممكن تنطلق من كراتشي إلى أمريكا والشمس هِي هِيَ، تنطلق مع الغياب وتصل بعد سبع عشرة ساعة طيران مع الغياب، ما معنى ذلك؟ أنها سارت بسرعة الأرض، فالشمس بقيت في مكانها، فالأرض تدور حول نفسها وحول الشمس، لكن حول الشمس تدور بسرعة ثلاثين كيلو متراً في الثانية، نحن بدأنا الدرس الساعة الثامنة والربع الآن التاسعة إلا عشر دقائق، أي مضى على بدء الدرس خمس وثلاثون دقيقة، كم ثانية؟ ضرب ستين، خمس و ثلاثون ضرب ستين ضرب ثلاثين كيلو متراً، نحن الآن قطعنا مسافة تقدر بمئات ألوف الكيلو مترات، هذه أشياء بديهية جداً، مفروغ منها، الأرض تدور حول الشمس بسرعة تزيد على ثلاثين كيلو متراً في الثانية، أما الآن بالآية الكريمة هذه: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي﴾ الشمس تدور حول نفسها كل خمسة وعشرين يوماً دورة، وتجري بسرعة مئتي كيلو متر في الثانية الواحدة، أي المجموعة الشمسية كلها تجري، هذه حقيقة أيضاً ثابتة.
المجموعة الشمسية كلها نقطة في طرف درب التبان:
نحن في مجرة درب التبان قطرها ثلاث عشرة ساعة، بالمناسبة بين الأرض والقمر ثانية ضوئية واحدة أي ثلاثمئة وستون ألف كيلو متر، عندما أرسلوا مركبة للقمر وهي أول مركبة كلفت أربعة وعشرين ألف مليون دولار، وبقيت في الطريق إليه ثلاثة أيام، وسرعتها أربعون ألف كيلو متر بالساعة، بعد ثلاثة أيام وصلت للقمر، يقول لك: غزونا الفضاء، أي قطعوا ثانية ضوئية واحدة، بعد الشمس ثماني دقائق، الآن: المجموعة الشمسية قطرها ثلاث عشرة ساعة ضوئية، أي الضوء يقطع قطرها في ثلاث عشرة ساعة، درب التبان المجرة التي نحن فيها المجموعة الشمسية كلها نقطة في طرفها، المجموعة الشمسية بكل نجومها وكواكبها نقطة في طرف درب التبان، درب التبان طوله مئة وخمسون ألف سنة ضوئية، الرقم دقيق! الآن أقرب بعد نجم ملتهب إلى الأرض في المجموعة الشمسية أربع سنوات ضوئية، هذا النجم لو أردنا أن نصل إليه بمركبة أرضية نحتاج إلى خمسين مليون عام، احسبوها عندكم سهلة جداً على الآلة الحاسبة، أربع سنوات ضوئية اضربوها، ستون ضرب ستين ضرب ثلاثمئة وستين إلى آخره، تجد رقماً قسمه على أربع وعشرين ثم على مئة بالساعة تمشي المركبة، يظهر رقم قريب من خمسين مليون عام، إلى أن تصل لأقرب نجم ملتهب للأرض، نجم القطب أربعة آلاف سنة، إذاً المرأة المسلسلة مليون سنة ضوئية، أحدث نجم ستة عشر ألف مليون سنة، فربنا عز وجل قال: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)﴾ تمشي الشمس ﴿لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ الشمس آية من آيات الله تتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض، ستة آلاف حرارة سطحها، بأعماقها عشرون مليون درجة، لو أُلقيت فيها الأرض لتبخرت في ثانية واحدة، ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي﴾ ومع ذلك تجري، يقدر العلماء أنه مضى على تألقها خمسة آلاف مليون عام.
القمر آية من آيات الله الدالة على عظمته:
﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ﴾ انظر إلى القمر، أول القمر هلال – قيل:
كهِلاَلِ الشّكّ لولا أنَهُ أنّ عَيني عَيْنَهُ لم تتأيْ
* * *
[ ابن الفارض ]
هلال رفيع، يزداد هذا الهلال حجماً إلى أن يصبح بدراً، تقويم في السماء، ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ (39)﴾ في آية أخرى:
﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)﴾
[ سورة يونس ]
أي القمر يدور حول الأرض، والأرض تدور، لو جاءت سرعة القمر في دورته حول الأرض مع سرعة الأرض في دورتها حول نفسها لأصبح القمر في مكان واحد ثابت، لكن حكمة الله عز وجل أن هناك تفاضلاً بين سرعة دورة الأرض حول نفسها وسرعة دورة القمر حول الأرض، من هذا التفاضل تجد القمر يشرق ويرتفع ويغيب، لولا التفاضل لبقي القمر مع الأرض في مكان واحد ثابت، هذا التفاضل هو روعة الخلق، تفاضل سرعة القمر في دورته حول الأرض مع سرعة الأرض في دورتها حول نفسها سَبَّبَ شروق القمر، لأن القمر لو تحرك مع الأرض هكذا لما كان هناك شروق وغروب ولبقي القمر مثلاً فوق أمريكا، دائماً فوق أمريكا يوجد قمر وغائب عن كل القارات مثلاً، لكن السرعة متفاوتة فهو أقل أو أكثر يُشرق ويعلو في السماء ويغيب مع الفجر أحياناً.
الحكمة من ذكر كلمة قديم في الآية التالية:
﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ﴾ عِزق النخيل، عنقود النخيل إذا نزعت عنه الثمر يبقى خيطاً أصفر اللون، فربنا عز وجل شبه القمر بالعرجون، أما كلمة ﴿القديم﴾ ما معناها؟ العلماء قالوا: الهلال حينما يولد يبدو متألق اللون، أما حينما فيقترب من نهايته يبدو شاحب اللون، فجاءت كلمة القديم إشارة إلى أن الهلال قبل أن ينمحق يبدو في لون أقل تألقاً من لونه حينما يولد، هذا معنى قوله تعالى: ﴿كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ .
الكون آية من آيات الله الدالة على عظمته:
﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ﴾ نحن نسمع كل يوم عن اصطدام بين قطارين، بين طائرتين، أو بين باخرتين، اسمعوها، باخرتان عملاقتان اصطدمتا تلوث البحر بالنفط، طائرتان اصطدمتا، قطاران تداخلا ببعضهما بعضاً، صار هناك كوارث، ولكن لم نسمع أبداً أن خطأ حدث في الجو: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ(40)﴾ واستنبط علماء التفسير أن هذه الآية فيها إشارة إلى أنّ ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ أي كل شيء، كلّ تفيد الشمولية المطلقة، أي كل شيء خلقه الله في فلك يسبح، بدءاً من الذرة وانتهاء بالمجرة: ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾.
قانون دفع الماء للأشياء نحو الأعلى آية من آيات الله الدالة على عظمته:
﴿وَآيَةٌ لَهُمْ (41)﴾ آية ثالثة ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)﴾ ..نظام الماء؛ المادة الصلبة يثبت شكلها وحجمها، والمادة السائلة يثبت حجمها لا شكلها، والمادة الغازية حجمها غير ثابت وشكلها غير ثابت، فتعريف السائل حجمه ثابت لكن شكله متغير بحسب الإناء، هذا الماء أودع الله فيه قوة تماسك، هذه القوة هي التي تجعله يحمل السفينة، أي السفينة مبنية على دافعة أرخميدس - هذا العالم الذي وضع يده في وعاء الماء وهو في الحمام فشعر بقوة تدفعها نحو الأعلى فخرج عارياً وقال: وجدتها وجدتها- وجد قانوناً، الإنسان يحمل وعاء يملؤه ماء، يغمسه في البحرة ذهب نصف وزنه، ذهب ثلاثة أرباع وزنه، أين ذلك الوزن؟ هناك في الماء قوة تدفعه نحو الأعلى، هذا قانون أرخميدس، له قانون دقيق بقدر الماء المزاح، فالناقلات الضخمة مكونة على أساس أنها تزيح ماء أكبر من وزنها، أما لو فرضنا ألقينا قضيب حديد يسقط إلى أعماق البحر لماذا؟ لأنه يزيح ماء أقل من وزنه، لا يطفو الحديد على سطح الماء إلا إذا أزاح ماء أكثر من وزنه، لذلك تُبْنَى السفن على أساس مجسمات كبيرة جداً وسطها فارغ كي تزيح ماء كثيراً، وتتسع لبضاعة كبيرة جداً، الآن الناقلات أكثر من مليون طن صار، الآن يوجد ناقلات تحمل ألفَ ألف طن كلها مبنية على قاعدة أرخميدس، قانون دفع الماء للأشياء نحو الأعلى، هذه آية.
إكرام الإنسان بتسخير البر والبحر له:
﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ أي الفلك إن كان بخارياً، وإن كان حرارياً، وإن كان رياحياً، وإن كان على الشراع، وإن كان على الذرة، الأساس واحد، لولا أن الله خلق في الماء قوة تدفع نحو الأعلى لما كانت هذه السفن، انتهى الأمر، طبعاً في هذه الآية إشارة إلى سفينة نوح التي حملت ذرية البشرية: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ في البحر هناك سفن، وفي البر هناك جمال وخيول و بغال وحمير، ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ هذه السيارات والقطارات والطائرات والصواريخ ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ :
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)﴾
[ سورة النحل ]
دخلت فيها كل المركبات.
الله عز وجل قادر على كل شيء:
﴿وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ)﴾ لا يتذوق هذه الآية إلا من ركب البحر، أضخم سفينة عملاقة هي سفينة صنعت بعام 1912 اسمها التيتانيك، مشهورة كثيراً، سفينة قيل في كتيب أصدرته الجهة الصانعة: إن هذه السفينة لا يستطيع القدر إغراقها، من أضخم السفن التي بُنيت في وقتها، وقامت بأول رحلة من بريطانيا إلى أمريكا، ركب في هذه السفينة علية القوم في أوروبا، أغنياء أوروبا، حملوا من الذهب، من الحلي، من الألماس، من الأحجار الكريمة، ما يُقدر ثمنه بألوف الملايين، طبعاً النساء، السفينة مدينة عائمة؛ الحمامات، المسابح، المطاعم، الأثاث، الثريات، أي أفخر ما في أوروبا وُضِع في هذه السفينة، أساس أنها لا تغرق صُنِعت من جدارين اثنين، وبين الجدارين حواجز عرضية، فلو أنها خرقت من مكان أُغلقت الحواجز فمنعت دخول الماء، فهذه السفينة من عجائب صنعها أنها لم يُصنع لها قوارب نجاة لأنها لا تغرق، وفي أول رحلة لها غرقت في عرض المحيط الأطلسي، اصطدمت بجبل جليدي شطرها إلى شطرين، وأرسلت استغاثات، كل السفن التي حولها ظنت أنها تحتفل بأول رحلة، وقرأت عنها مقالة قبل حين قبل سنة أخرجوها، عثروا عليها قبل عام، لأنهم يطمعون بما فيها من ثروات، وذهب، وألماس، عثروا عليها بقاع المحيط الأطلسي قال: ﴿وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43)﴾ ..
من جاء أجله لا يستأخر ساعة ولا يستقدم ساعة:
مَنْ قرأ منكم غرق الباخرة المصرية بين جدة وبين مصر، أنا قرأت تفاصيل عنها، شيء عجيب، تُحِس أن قدرة الله عز وجل ليس إلا الله، إنسان بقي على خشبة ثلاثة أيام وفي بطنه تحويشة العمر كما يقولون ونجا، وأشخاص كانوا في أفخر درجات هذه السفينة في غرف فخمة جداً ماتوا غرقاً، أي الرقم وصل إلى ثمانمئة إنسان مفقود في هذه السفينة، وغرقت في ثوان، أقل من عشر دقائق كانت في قعر البحر الأحمر، أقل من عشر دقائق، أي خطأ بعض التفسيرات حصل فاتجه باتجاه الجزر المرجانية فانشطرت شطرين وغرقت فوراً، فهي إن نشأ نغرقهم، شخص راكب طائرة فهو برحمة الله وبلطفه، أي خلل تسمع خبراً سقوط الطائرة وموت جميع ركابها، في الأخبار حوادث طيران كثيرة ومات جميع ركابها، بالطيران إن نشأ نسقطهم، وفي البحر إن نشأ نغرقهم، وفي البر إن نشأ نصدمهم، فلا صريخ لهم، إنسان راكب سيارته بفضل الله عز وجل، وبتوفيقه، ورحمته، أي هناك الكثير من الحوادث، انفجار عجلة يموت كل ركاب السيارة، عجلة واحدة، إذا انفجرت العجلة الأمامية بسرعة فوق الـ120 تعمل حادثاً مميتاً لكل ركاب السيارة، أحياناً جمل يقع من عليه يُدق عنقه، جمل حرون، لو ركب الإنسان جملاً لو ركب حصاناً، يوجد حالات وفاة إن ركب الإنسان جملاً أو حصاناً، وفاة بالسيارة، وفاة بالطيران، وفاة بالبواخر:﴿وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)﴾ أي أنت سُمِحَ لك أن تعيش كذا سنة، لماذا لم يصبني أي حادث؟ لأنه مسموح أن تعيش لسن معين، لماذا لم يحدث هذا الحادث؟ لأن الله عز وجل كتب لك عمراً معيناً:
إن الطبيب له علـــــم يُدل بــــه إن كان للناس في الآجال تأخير
حتى إذا ما انتهت أيام رحلتـــه حـار الطبيب وخانتــــه العقاقير
[ هارون الرشيد ]
* * *
عندما ينتهي الأجل تجد لأتفه سبب جاء الموت.
أقاويل الكفار:
الآن ربنا عز وجل سيشير بعد قليل إلى أقاويل الكفار، قال: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ(46)﴾ أي لم يعد هناك تأثير، يا أخي الله عز وجل خالق الكون يقول لك صح، يوجد موت، يقول: الموت حق، يوجد شرع، يقول: صح، إذاّ لماذا لا تستقيم؟ حتى الله يهديني، كلام فارغ، ليس لك أي حجة، الله عز وجل موجود، وهذا الكون يدل عليه، وهذا الكتاب كلامه وإعجازه يدل عليه، وهذا النبي نبيه وهذا الكتاب يدل عليه، عندك إله له كلام وله نبي وله سنة إذاً لماذا لم تستقم؟
امتحان الغني بالإنفاق وامتحان الفقير بالصبر:
﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)﴾ إذاً لماذا لا تعاون الناس؟ ادفع يا أخي أنت رجل غني، قال: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ (47)﴾ هذا منطق الكفار، يا أخي لا يكفي العباد إلا الله عز وجل، إذاً أنت عاونه، له رب لا ينساه، هذا كلام ظاهره فيه تلبسة، لكن باطنه فيه بخل..، أخي لا يكفي العباد إلا رب العباد، الله عز وجل أمرك أن تعمل الصالحات، ﴿أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47)﴾ الإنسان الله جعله غنياً ليتصدق، وجعله قوياً ليعاون الضعيف، وجعله عالماً ليعلّم، إذا الله أعطاك شيئاً، الله عز وجل وصف المؤمنين بأنهم:
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)﴾
[ سورة البقرة ]
فيقول الإنسان: أنا ليس لي علاقة، الإنسان له رب لا ينساه، الله عز وجل لا ينساه عن طريقك، أفقره وأمرك أن تعطيه، من أجل أن تُمْتحن أنت ويُمْتَحن هو، يمتحن هو بالصبر وتمتحن أنت بالإنفاق، فهذا منطق أهل الدنيا.
على الإنسان أن يتوب إلى ربه قبل أن يأتيه الموت فجأة وهو لا يعلم:
ثم يقولون استهزاءً: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)﴾ أحياناً الإنسان يستهزئ متى يا سيدنا؟ هذا ليس سؤالاً، هذا استهزاء: ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ – استهزاء- إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)﴾ قال: ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)﴾ هو له قضية بقصر العدل ضد خصمه أثناءها مات أحد الخصمين، أثناء الحساب مات أحد المتحاسبين، أثناء مُشادة ما مات أحد الطرفين وهم يخصمون: ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)﴾ لا يتمكن من أن يكتب وصية، يتصل بأهله، وهذا موت الفجاءة، نعوذ بالله منه، لا وصية، ولا توبة، ولا إشارة، ولا عبارة، ولا تنبيه، ولا تبيين إطلاقاً: ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)﴾ .
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين