الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
حقيقة الكون يعرفها العلماء فيطيعون خالقهم:
أيها الأخوة الكرام؛ مع الدرس الخامس والأخير من سورة الواقعة، ومع الآية الخامسة والسبعين، فالله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)﴾
وقد يكون من بعض معاني هذه الآية تلك المسافات الشاسعة بين النجوم:
﴿ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)﴾
﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)﴾
الذين يعلمون حقيقة الكون هم الذين يخشون الله عز وجل، ويؤمنون به، ويطيعونه، جواب القسم:
﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77)﴾
الذي خلق السماوات والأرض، والذي خلق هذا الكون العظيم، هو الذي أنزل هذا القرآن الكريم.
لذلك شرف الأمر من شرف الآمر، شرف الرسالة من شرف المرسل، عظمة هذا القرآن من عظمة الذي أنزله.
حفظ القرآن الكريم من الإضافة عليه أو الحذف منه:
﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ ومعنى كريم أي نقي من كل شائبة:
﴿ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78)﴾
محفوظ، محفوظ من أنْ يُبَدَّل، محفوظ من أنْ يُغَيَّر، محفوظ من أنْ يُضَاف عليه، محفوظ من أنْ يحذف منه.
الله تعالى تولّى بنفسه حفظ القرآن الكريم:
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)﴾
الله سبحانه وتعالى تولّى بذاته حفظ كتابه، فهذا الذي تقرؤونه هو نفسه الذي أُنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، وإن النبي عليه الصلاة والسلام يُؤَكِّدُ أنَّ الذي أُنزل عليه هو آيةٌ مستمرة إلى يوم القيامة، هو خاتم النبيين، والآية التي أُنزلت عليه قائمة إلى يوم الدين، كل معجزات الأنبياء وقعت وانتهت وأصبحت خبراً، يصدقه من يصدقه، ويكذبه من يكذبه، إلا القرآن الكريم، فهي المعجزة الدائمة الخالدة، وكلما تقدم العلم كشف عن جانبٍ من إعجاز القرآن الكريم.
معنى: ﴿فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ﴾ أي محفوظ، لا يمكن للشياطين أن تصل إليه، ولا يمكن لأهل الكفر أن ينالوا منه، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه.
﴿ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ(79)﴾
بيّنت لكم في الدرس الماضي أن المطهرين من معاني هذه الكلمة الملائكة، الملائكة الذين أكرمهم الله عز وجل بالإقبال عليه، هم مطهرون من كل دَنَس، بمعنى أن الشياطين لم تصل إليه، وما تنزلت به، الذين حملوا هذا الكتاب ونزّلوه إلى النبي عليه الصلاة والسلام هم الملائكة المطهرون، إذاً: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ هذا هو المعنى الأول.
2 ـ الأتقياء الذين تطهروا من الشرك والشك:
و: ﴿لا يمسه إلا المطهرون﴾ هم الأتقياء الذين تطهروا من الشرك والشك، و: ﴿لا يمسه إلا المطهرون﴾ أي هم الذين لم يكونوا مُحدثين حدثاً أصغر ولا أكبر، أي إما أن تفسَّر المطهرين بأنها طهارة البدن والثوب، فالذي أحدث حدثاً أصغر أي هو غير متوضئ، لا ينبغي أن يمسه، كذلك الذي أحدث حدثاً أكبر أي هو جنب، لا ينبغي أن يمسه، كذلك الذي على ثوبه نجاسة لا ينبغي أن يمسه، هذا المعنى المادي.
الطاهر من الشكِّ والشرك والظلم والانحراف يستطيع أن يمسه، ثم إنَّ الشيطان لا يستطيع أن يمسه، الملائكة هم المطهرون وليسوا الشياطين، والتقي المنيب المستقيم الطاهر هو الذي يفهم معانيه، وليس المنحرف الفاسق الفاجر الكافر، لأنه هو عمى عليهم، لأنه كما قال الله عز وجل:
﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)﴾
وكذلك الذي كان متوضئاً، طاهراً من الحدث الأصغر والأكبر هو الذي يمكن أن يقرأه.
تعظيم القرآن هو تعظيم لله عز وجل:
لذلك ورد في هذا الموضوع بعض الآيات الكريمة، وبعض الأحاديث الشريفة، عن علي رضي الله عنه قال:
(( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقْرِئُنَا القرآنَ على كلّ حال، ما لم يكن جُنُباً. ))
العلماء أجمعوا على أنَّ الجُنُبْ لا ينبغي لا أنْ يقرأَ القرآن، ولا أنْ يمسَّ القرآن، شيءٌ مقطوعٌ به، الجُنُبْ لا يقرأُ القرآن، ولا يمسُّ القرآن، ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقْرِئُنَا القرآنَ على كلّ حال، ما لم يكن جُنُباً)) وقالَ عليٌ رضي الله عنه وقال أبو عيسى: حديث علي رضي الله عنه حديث حسن صحيح.
لذلك قضية أنْ تقرأَ القرآنَ متوضئاً أو غير متوضئ قضية خلافية، أما إذا كان الإنسان جُنُباً لا ينبغي أنْ يقرأَهُ، ولا ينبغي أنْ يمسَّه على الإطلاق، تعظيماً له، وإجلالاً لقدره، وتعظيم القرآن هو تعظيم لله عز وجل:
﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)﴾
المؤمن متوضئ أو غير متوضئ لا ينجس أبداً:
قال التابعون: يقرأ الرجل القرآن على غير وضوء، لك أن تقرأه غير متوضئ، تركب سيارة عامة، تمشي في الطريق، لك أن تقرأ القرآن دون أن تكون متوضئاً، ولا يُقرأ في المصحف إلا من هو طاهر، أصبح عندنا القراءة غير المس، لك أن تقرأه طاهراً، متوضئاً أو غير متوضئ، أما المؤمن كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَأَهْوَى إِلَيْهِ قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي جُنُبٌ. قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ. ))
ولو كان جنباً.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)﴾
المشرك هو النجس: ﴿فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ أمَّا المؤمن متوضئ، غير متوضئ، جُنُب، غير جنب؛ لا ينجس أبداً.
عدم مس الإنسان للقرآن الكريم إلا وهو طاهر تعظيماً للخالق:
لذلك العلماء والتابعون فرَّقوا بين قراءة القرآن وبين مسِّهِ، لك أن تقرأ القرآن متوضئاً أو غير متوضئ، لكن ليس لك أن تمسَّه إلا وأنت طاهر تعظيماً لقدره، وتعظيماً لمن أنزله: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ .
في كتابٍ كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قال في هذا الكتاب -من جملة هذا الكتاب-:
(( عن عبد الله بن عمر: لا يمسُّ القرآنَ إلَّا طاهرٌ. ))
[ عبد الحق الإشبيلي: الأحكام الشرعية الصغرى : خلاصة حكم المحدث : صحيح الإسناد : أخرجه الطبراني ]
المس شيء والقراءة شيء.
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ: الأحكام المتعلقة بهذه الآية:
1 ـ القرآن نقي من كل شائبة:
هذه بعض الأحكام المتعلقة بهذه الآية: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ نقي من كل شائبة، مطلق، أيُّ كتابٍ ألّفه بني البشر، فيه صواب وفيه خطأ، فيه عمق وفيه سطحية، فيه صحة وفيه أغلوطة، أما كتاب الله عز وجل لا ريب فيه، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه.
2 ـ القرآن الكريم كالحجر الكريم:
﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ كالحجر الكريم، قطعة ألماس صافية صفاءً عجيباً، حينما قلدوا الألماس هذا المُقَلَّدُ ينطفئ بريقه على الاستعمال، إذاً ليس كريماً، أما الألماس حجر كريم، نقيّ وَهَّاج، وكذلك القرآن، قرآن كريم: ﴿فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ﴾ أي شيء نفيس، ليس مبتذلاً.
أول معنى ﴿فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ﴾ الله حفظه من أنْ يُبَدَّل، من أن يغير، من أنْ يضاف عليه، من أنْ يُحذف منه، وفوق أنَّه حفظه، الإنسان العاصي، الفاسق، الشارد، المنحرف، الفاجر يقرؤه فلا يفهم منه شيئاً، هو عمى عليه، لا يزيده إلا ضلالاً.
من شروط فهم القرآن الكريم أن تكون قريباً من الله، وهذا تؤكده آيات كثيرة:
﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)﴾
أما المؤمن فيُنَادى بالقرآن من مكان قريب، فأحد أسباب فهم كتاب الله تعالى فهماً صحيحاً أن تكون قريباً من الله، وأنت الآن إذا كنت قريباً من إنسان تفهم كلامه، أمَّا إذا ابتعدت عنه لا تفهم كلامه.
معنى أعمق؛ إذا كنت قريباً في المستوى الفكري، والعقلي، والثقافي، من إنسان تفهم أبعاد كلامه، أمَّا إذا كنت بعيداً عنه لا تفهم من كلامه شيئاً، فحينما تقترب من الله في الطهارة والكمال والاستقامة والإخلاص يفتح الله على قلبك مغاليق القلب، إذاً:
﴿ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)﴾
لا يصل إلى القرآن الكريم إلا الملائكة وحدهم:
الملائكة وحدهم هم الذين يصلوا إليه وليس الشياطين وما تنزلت به الشياطين:
﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210)﴾
﴿ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)﴾
شيء آخر؛ المطهرون هم الملائكة وليسوا الشياطين، المطهرون الأتقياء لا العصاة، المطهرون من الحدث الأصغر والأكبر وليس الذي وقع في جنابة أو في حدث أصغر، والمطهرون كلمة قال عنها علماء الأصول إنَّها من المشترك اللفظي، والمشترك اللفظي إذا ورد في كتاب الله عز وجل فالله يريد كل المعاني المحكمة له، أي كن طاهراً طهارة بدن، كن طاهراً طهارة ثوبٍ، كن طاهراً طهارة قلبٍ، من أجل أن تقف على معانيه الدقيقة، من أجل أن تبرُقَ أمامك معانيه الرائقة.
القرآن الكريم كتاب مطلق في بيانه وكماله:
أيها الأخوة؛ ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ لماذا؟ لأنه: ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ .
مرة ثانية وثالثة ورابعة أقول لكم: لمَّا قال سيدنا سعد: ثلاثة أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس، ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً إلا علمت أنَّه حقٌّ من الله تعالى، يُقاس على هذا الكلام أنَّه ينبغي للمؤمن أن يشعر أنَّه مع كتابٍ لا كأيِّ كتاب، مع كتابٍ من خالق الكون، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، مع كتابٍ لا ريب فيه، مع كتابٍ مطلقٍ في كمالهِ، مطلقٍ في بيانهِ، مطلقٍ في إعجازهِ، مطلقٍ في تشريعهِ، مطلقٍ في أخبارهِ، مطلقٍ في آياتهِ الكونية.
﴿ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80)﴾
أي هذا الكتاب أيها الأخوة كتابنا المقرر، كتاب الحياة الدنيا، منهجنا، دستورنا:
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)﴾
إنْ وضعناه أمامنا سَلِمْنَا وسعدنا، وإنْ نبذناه وراء ظهورنا شقينا في الدنيا والآخرة، إنَّه سرُّ سعادتنا، سرُّ سلامتنا، سرُّ تفوقنا، سرُّ انتصارنا، سرُّ قهرنا لأعدائنا. هذا: ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ .
على الإنسان ألا يداهن لأن المداهنة من صفات المنافقين:
﴿ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81)﴾
معنى مُدهن من المداهنة، والمداهنة: الملاينة، إنْ جعلت دهناً على شيءٍ أصبح ليناً، المداهنة هنا أي أن تجامل الكفار، أنْ تجري معهم قليلاً، أنْ توافقهم على مقولتهم، إنْ طعنوا في هذا الدين، تقول: معك الحق، كيف تقول: معك الحق؟ داهنتهم، والله سبحانه وتعالى طهَّر النبي صلى الله عليه وسلم عن أنْ يداهن:
﴿ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)﴾
لم تداهن أبداً، المداهنة من صفات المنافقين، فإذا إنسان طعن في أحقية هذا الكتاب، وتملك الحجة على أنْ ترد عليه، وبقيت ساكتاً، فقد داهنته، إنسان انتقص من دينك، وتملك أنت الجواب فَسَكَتِّ، أي اتقاء للمشكلة، وطلباً للسلامة قد داهنته.
الحياة الدنيا لا تحتمل التقصير فكيف بخالق السماوات؟
﴿أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ﴾ قال علماء التفسير: "إنكم إنْ جاملتم أو إن لاينتم أعداء الدين حينما يطعنون بهذا الكتاب أو بأحقيته"، أي إذا قال لك شخص من الناس: أين النظام الاقتصادي في القرآن الكريم؟ لا يكفي لمعالجة مشكلات المجتمع الحديث؟ تجيب: والله معك حق، معنى ذلك داهنته، أنت إمَّا أنْ تعلم، وإمَّا ألا تعلم، إنْ لم تعلم فأنت مقصر، وإنْ علمت الجواب وسكت فأنت مداهن، فالحياة لا تحتمل التقصير، هذا كتاب الله، كتاب الله بين أيدينا، كما أنَّ الإنسان لا يُقبل منه أنْ يكون جاهلاً، والقانون لا يحمي المغفلين، ولا جهل في القانون، قانونٌ وضعه بنو البشر، لا يقبل واضع القانون أن تكون جاهلاً فيه، لا يقبل واضع القانون أنْ تكون مغفَّلاً، لا يحميك القانون إذا كنت مغفَّلاً، فكيف بالذي خلق السماوات والأرض؟!
إنْ كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
الفرق بين المداراة والمداهنة:
المداهنة أحياناً من المسلمين، أي إنسان يزعم أنَّ الكتاب لا يتناسب مع روح العصر، لابأس، فالمسلم إذا سكت، وهو لا يدري ماذا يجيبه معنى هذا أنه مقصِّر في العلم، وإذا كان يعلم الجواب وسكت مداهنةً فارتكب ذنباً أكبر، لذلك إذا أردت الآخرة فعليك بالعلم.
إذاً: المداهنة ليست من صفات المؤمن، لكن المؤمن يداري، والمداراة شيء والمداهنة شيء آخر، قيل: "بُعِثْتُ بمداراة الناس" والباء هنا للاستعانة، أي أنا أستعين على هدايتهم بمداراتهم، أنا أداريهم ولا أداهنهم، أُداريهم: أبذل من دنياي من أجل دينهم، ولا أداهنهم: إذ أبذل من ديني من أجل دنياهم، إن بذلت الدين من أجل الدنيا فأنت مداهن، أمَّا إن بذلت الدنيا من أجل الدين فأنت مدار، والنبي عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نداري الناس.
وقوع المسلم في معصية كبيرة إن سقط عن الحق:
رأس الحكمة بعد الإيمان بالله مداراة الناس، ابذل لهم من مالك، ابذل لهم من وقتك، ابذل لهم من خبرتك، ابذل لهم من وقت راحتك، فلعلك تأخذ بيدهم إلى الله، اصفح عنهم، لا تنتقم منهم، اعْفُ عنهم، أَعْطِهِم ولا تحرمهم، صِلْهُمْ ولا تقطعهم، أَنْصِفْهُمْ ولا تظلمهم، ابذلْ لهم من دنياك، من أجل دينهم، فأنت تتبع سنة النبي، أمَّا إن بذلت من دينك من أجل دنياهم فأنت تداهنهم، وهذه كبيرة من أكبر الكبائر، لأنك إذا داهنت المنافق والفاجر شكّ الناس في كلامك فسقطت دعوتك، إن داهنت الكافر والمنافق وَجَّهْتَ الناس إليه وصدقوك.
إنَّ الله ليغضب إذا مُدِحَ الفاسق ، شيءٌ خطير، إن داهنت الفاجر، إنْ داهنت الفاسق، العاصي، إن داهنت الذين يكيدون للدين، إن داهنتهم، وأثنيت عليهم، ومدحتهم، إن صَدَّقَكَ الناس أَوْقَعْتَهُمْ في الضلال، وإنْ كَذَّبوك سقطت من أعينهم، أي بين مصدِّقٍ لك ومُكَذِّب، الذين صدَّقوك اعتقدوا عقيدة مغلوطة، والذين كذَّبوك سقطت من أعينهم، لذلك لا تداهن، دارِ ولا تداهن: ﴿أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ﴾ أي إذا كنت قادراً على إيضاح الحقيقة وسكتَّ طلباً للسلامة أنت داهنت، سكوت المسلم عن الحق يوقعه في معصية كبيرة.
معاني قوله تعالى: ﴿أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ﴾:
﴿أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ﴾ من معاني هذه الآية لو أنّ الطعْنَ في الدين أو في القرآن لم يكن من قِبَلك بل كان من قِبَل آخرين ووافقتهم على ذلك، أو طيَّبتَ كلامهم، أو هزَزْت برأْسك إقراراً، أو سكتَّ خوفاً؛ فأنت قد داهنتهم وأنت لا تدري، إلا –وهذا حكم شرعي-إنْ كان الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر يسبب فتنة أشد من المنكر الذي تنكره لا عليك إن سكتَّ، هذا حكم شرعي، مثلاً ابن أخيك تكلم كلمةً في كتاب الله غير صحيحة، لا تبق ساكتاً، هذا ابن أخيك، أقنعه، خذ بيده، ائتِ به إلى مجلسِ علمٍ، اجمعه مع عالمٍ، أسمعه شريطاً، ليقرأْ كتاباً، فإذا وضَّحْتَ الحقيقة لمن تمون عليه، لمن تثق به، لمن لك كلمة عنده، هذا واجب، أمَّا لو أنَّك أنكرت منكراً نتج عنه فتنة أشدّ من المنكر الذي تُنكره عندئذ أنت معذور، عندئذ تقول: اللهم هذا منكر لا أرضى به، والقاعدة التي تقول: لا يقبل الله منك أن تنكر منكراً بلسانك وأنت قادر على أنْ تنكره بيدك، كما أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يقبل منك أنْ تُنكر منكراً بقلبك وأنت قادر على أنْ تنكره بلسانك، هذا على موضوع: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ ، ﴿أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ﴾ .
الرزق سبب الشكر:
﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)﴾
أيها الأخوة؛ هذه آية دقيقة يجب أنْ نقف عندها قليلاً، ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ الرزق مطلق العطاء، الله عز وجل يعطي، يعطي الصحة، هذا رزق، يعطي العقل في الرأس، هذا رزق، المجنون محروم العقل، يعطي الحركة، هذا رزق، يوجد إنسان مشلول، يعطي البصر، يوجد إنسان أعمى، يعطي السمع، يوجد إنسان أصم، يعطي الحكمة، يوجد إنسان أحمق، يعطي الزوجة، يوجد إنسان لا زوجة له، يعطي الأولاد رزق، يعطي الطمأنينة، يعطي السكينة، يعطي السعادة، يعطي الرضا، يعطي الجنة، الرزق مطلق العطاء، الرزق سببه الشكر، الدليل:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)﴾
حرمان الإنسان من نعم الله إن كذب به:
هذا الكون الذي سخره الله لك تسخيرين اثنين، تسخير تعريف من أجل أن تؤمن، وتسخير تكريم من أجل أن تشكر، إنَّك إنْ آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك، إنَّك إنْ آمنت وشكرت كان إيمانك وشكرك سبباً في كل خير، في الخير المطلق، في الدنيا أنت في خير، وفي سلام، وفي طمأنينة، وفي سعادة، وفي رضا، وفي رقي، وفي تألُّق، وفي فوز، وفي فلاح، وفي نجاح، فإذا جاء الأجل انقلبت إلى جنة عرضها السماوات والأرض، اتصلت نِعَمُ الدنيا بنعَمِ الآخرة، هذا الرزق الكريم سببه الشكر، أمَّا الذي يكذب بوجود الله، يكذب بأسمائه الحسنى، يكذب بوحدانيته، يكذب عدالته، يكذب رحمته، يكذب منهجه، مطلق التكذيب، أي هو حرم نفسه كل عطاء بسبب هذا التكذيب.
مثلاً: جامعة لك أن تدخلها مجاناً، وأنْ تنال وأنت طالبٌ فيها مرتباً خيالياً، وأنْ تتلقى مسكناً فخماً، ومركبة فارهة، ومنصباً رفيعاً، ودرجةً علميةً، كلُّ هذا إذا اعترفت بوجود هذه الجامعة، ودخلت إلى رحابها، وتلقيت العلم فيها، فكانت هذه الجامعة مثلاً سبب سعادتك كلها في الدنيا، أمَّا إذا أنكرت أن تكون هذه الجامعة معطاءة، أنكرت أنْ يكون فيها علم، أنكرت أن ينال فيها الإنسان ثمرةً، إنكارك لهذا العطاء منعك من نيله، الكافر مسكين، هو خُلِقَ ليرحمه الله، نصيبه من الله أنَّه كذب بالله، كذَّب بوجوده –الإلحاد-، أو كذب بأسمائه، أو كذب برحمته، أو بعدالته، أو بمنهجه، أو كذب برسوله، أو كذب بأحقية كتابه، أو كذب بالآخرة، أو كذَّب بقضائه وقدره، وتجعلون نصيبكم من الله أنَّكم كذَّبتم به، أي حرمتم أنفسكم نصيبكم العظيم لأنكم كذَّبتم به.
أطيب ما في الدنيا معرفة الله عز وجل:
أيها الأخوة؛ مسكين هذا الذي جاء الدنيا وغادرها ولم يذق أطيب ما فيها، إنَّها معرفة الله، مسكين هذا الذي أتى إلى الدنيا وغادرها ولم يتعرف إلى أولياء الله، لم يتعرف إلى منهج الله، لم يتعرف إلى سعادة سببها الاتصال بالله، لم يتعرف إلى أجمل ما في الحياة الدنيا العمل الصالح، لم يتعرف إلى سرِّ وجوده، لم يتعرف إلى غاية وجوده: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ ابن عباس رضي الله عنه قال: تجعلون رزقكم أي شكركم، أي بدل أن تشكروا فيأتيكم الرزق من كل جانب، كذبتم وكفرتم فحرمتم، هؤلاء في الدنيا كذبوا هذا الدين، كذبوا هذا القرآن، كذبوا ذاك المنهج، كذبوا أحقية الدين، ماذا هم صانعون إذا جاء ملك الموت؟
الموت مصير كل كائن حيّ:
الآن دققوا أيها الأخوة؛
﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83)﴾
بلغت الحلقوم هي النفس، أي جاء ملك الموت، وانسحبت النفس من الأطراف، وانتقلت إلى الحلقوم قبيل النزع الأخير، أيها الأخوة؛ هذه ساعة ما نجا منها أحدٌ على وجه الأرض، ولا الأنبياء، ساعة الموت، ساعة النزع، والله سبحانه وتعالى قهرنا بالموت، مهما كنت عظيماً، مهما كنت قوياً، مهما كنت صحيحاً، مهما كنت عالِماً، كن في أية مكانة شئت، وفي أي مكان شئت، لابُدَّ من أنْ تلقى الواحد الديّان، لابُدَّ من أنْ تموت، كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت:
والليل مهما طال فلابد من طلوع من الفجر والعمر مهما طال فلابد من نزول القبــر
[ صالح بن محمد بن عبد الله ]
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فإذا حملت إلى القبــور جنــازة فاعـلم بأنـك بعدهــا محمـول
القبر هو المثوى الأخير للإنسان:
أنا والله لا أرى مانعاً من أنْ يشتري الإنسان قبراً في حياته، هذا القبر في حياته يعطيه مواعظ لا حدود لها، هذا هو المصير، اذهب إليه من حينٍ إلى آخر، هنا المصير، هنا الحساب، لا زوجة، لا ولد، لا تجارة، لا مكتب، لا مقصف، لا بيت في المصيف، لا مركبة فارهة، لا شأن، ولا مكانة، لا عز، لا سلطان هنا، كل مخلوق يموت، بل إنَّ بعض الصالحين كانوا يضطجعون في قبرهم، وهم أحياء، ويقرؤون قوله تعالى:
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)﴾
يقول لنفسه: قومي يا نفس لقد أرجعناك.
قال: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ﴾ الإنسان يسافر، يتاجر، يؤسس شركة، يشتري بيتاً، يتزوج، ينال دكتوراه، يقول لك:
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)﴾
ولكن لا مندوحة من أنْ ينزل في هذا القبر، يشتري بيتاً أربعمئة متر وآخرته متر بمترين، يشتري بيتاً أربعة طوابق آخرته متر بمترين، يسكن ببيت قبو آخرته متر بمترين، أي بيت، كبير، صغير، عال، منخفض، مُلْك، أجرة، المسألة نفسها، هذا مسكن مؤقت، أمَّا المثوى الأخير بالباب الصغير، المثوى الأخير غير المثوى المؤقت.
على الإنسان أن يحضّر جواباً لكل سؤال قبل أن يلقى ربه:
قال: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ﴾ هل هناك يوم لا يوجد فيه أكثر من خمسين نعوة؟ أنا سألت أحد الإخوة الكرام يعمل في مكتب دفن الموتى، أخبرني بأنه يوجد خمسون ميتة كل يوم بالشام، يوجد عشرون نعوة تقريباً، هل يوجد يوم بدون نعوات جديدة؟! تاجر، وطبيب، ومحام، وفقير، وغني، ووزير سابق، ومحافظ سابق، أيمر يوم لا يوجد نعوات على الجدران؟ اعلموا أنَّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، ماذا تجيب الله عز وجل إذا سألك لماذا فعلت كذا؟
﴿ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)﴾
ماذا تقول إذا قال الله لك: لِمَ حَرَمت البنات وأعطَيت الذكور؟ لِمَ خالفتَ الشرع؟ ماذا تقول إذا قال لك: لماذا طلقت هذه المرأة؟ ما الذنب الذي ارتكبته بحقك؟ لماذا شردتها وقطعتها وكسرتها؟ لماذا اغتصبت هذا المحل التجاري وأخرجت منه شريكك؟ ماذا تجيب؟
بطولة المؤمن أن يفكر في الموت بكل لحظة:
﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ﴾ كل بطولتنا، وكل ذكائنا، وكل تفوقنا، وكل فلاحنا، وكل نجاحنا، أن نفكر في هذه اللحظة، طبعاً نشاهد بأعيننا، من أين تبدأ؟ من القلب، أو من الكليتين، أو من الكبد، أو من الدماغ، يقول لك: خثرة بالدماغ، بدأت من هنا، أو من القلب، أو من الكليتين، أو من الكبد، أو حادث، إثر حادثٍ مؤلم، خير إن شاء الله: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ﴾ هذه الساعة التي لابد منها:
(( جاءَ جبريلُ إلى النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وآلِه وسلَّمَ فقالَ لَه : يا محمَّدُ عِشْ ما شئتَ فإنك ميِّتٌ، وأحبِبْ ما شئتَ، فإنك مُفارِقُه، واعملْ ما شئتَ فإنك مَجزِيٌّ به، واعلمْ أنَّ شرَفَ المؤمنِ قيامُه بالَّليلِ، وعِزَّه استغناؤه عن الناسِ.))
[ السلسلة الصحيحة عن سهل بن سعد الساعدي وجابر بن عبد الله وعلي بن أبي طالب ]
كل مخلوق يموت.
الله عز وجل قهر عباده بالموت:
﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84)﴾
أولاده، زوجته، إخوته، أخواته، أبناء إخوته، أبناء أخواته، أبناء أبنائه، أعمامه، أخواله، كلهم متحلقون حوله، هذا يضع يده على جبينه، وهذا يقيس حرارته، وهذا يقيس نبضه، والطبيب بينهم لا يدري ماذا يفعل:
﴿ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85)﴾
قال بعض العلماء: "الله جلّ جلاله أقرب إليه بعلمه وقدرته" ، وسبحان من قهر عباده بالموت.
مشكلة الإنسان ليس في الموت وإنما بما بعد الموت:
﴿ فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86)﴾
أي أكبر مصيبة تصيب الإنسان أن يموت، والله سبحانه وتعالى سمَّى الموت في القرآن مصيبة، لأن الحقيقة أنت تنمو، كنت طالباً، أخذت شهادة عليا، تعينت، جمعت من رواتبك سابقاً الآن لا يكفي هذا الراتب، اشتريت بيتاً صغيراً وسَّعته، فرشته، تزوجت، أنجبت أولاداً، بسن الخامسة والأربعين أخذت مركبة صغيرة موديل 1948 ركبتها، تنمو شيئاً فشيئاً، يأتي الموت يأخذ منك كل شيء في ثانية واحدة.
إذا وجد سنّ من ذهب يسحبونه من فمك، الحي أولى، لم يعد لك شيء، لا بيت، لا زوجة، لا ولد، لا مركبة، لا مكتبة، أبداً والكفن لا يوجد فيه جيب، دفتر شيكات لا يوجد لتأخذه، فلذلك ربنا عز وجل يقول:
﴿ فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87)﴾
أي لو أنَّ الإنسان يصنع مصيره، لينجو من الموت، ليردَّ مَلَكَ الموت، ليرفض أن يموت، ارفض أنْ تموت، ﴿فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ قل: أنا لا أموت، ارفض أن تموت، مهما علا الإنسان، مهما كبر، مهما قوي، مقهور بالموت، والمشكلة ما بعد الموت.
النزاع أخفّ مرحلة من مراحل الموت:
الحقيقة أنَّ أخف شيء النزاع، لكن الشيء الصعب ما بعد الموت، الحساب: ﴿فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(87)﴾ فهذا الذي يقول: الإنسان الإله، هكذا بأوروبا يقولون، أنَّ الله خلّاق لكن ليس فعَّالاً، هم فعَّالون، هم بيدهم مصير العالم:
﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)﴾
هذا الذي يزعم أنَّه بيده مقاليد الأمور، ويفعل ما يشاء، ولا راد لحكمه، هو مشرك، قال: ﴿فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(87)﴾ لكنكم لا تستطيعون أن ترجعوها، هذا الميت وقد فاضت روحه إلى ربها، قال:
﴿ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88)﴾
الذي أمضى حياته في طاعة الله، في معرفة الله، في خدمة الخلق، كان وقَّافاً عند كلام الله، لم يأخذ ما ليس له، لم يستخفه الفرح في الدنيا فيعصي ربَّه، لم يفْجُر، لم ينزجر، هذا الذي طبق أمر الله عز وجل وعرفه، وأقبل عليه، وسعد بقربه، ووضع كل طاقاته في خدمة الحق، وقته وماله وصحته وخبرته:
﴿ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89)﴾
روح: سعادة لا توصف، وريحان: نعيم لا يوصف، في جنة نعيم: ﴿فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾ الإنسان أحياناً يكون في مكان جميل جداً، أمَّا في انقباض، يقول لك: أنا متألم ألماً لو وزع على أهل بلدٍ لكفاهم، وهو يرفل في أثواب الخز والحرير، ويسكن في أجمل مكان، ويركب أجمل مركبة، وإنسان آخر هو سعيد، لكن حياته خشنة، أمَّا في الآخرة فروح وريحان، أي معنوياً ومادياً، نفسياً وجسمياً، ويوجد جنة، وجنة نعيم.
أصحاب اليمين في الجنة لكن بمرتبة أدنى:
﴿ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90)﴾
هذا لم يعصِ الله في الدنيا، لكن كان مقتصداً، نجح، مقبول، يوجد امتياز وجيد جداً وجيد ومقبول، على الحدود:
﴿ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)﴾
هذا الإنسان ناج، في سلام، في الجنة، لكن بمرتبة أقل.
الضال من يعدّ أن الطاعات تعيق النفس عن تحقيق ذاتها:
﴿ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92)﴾
كذَّب بالدين، كذَّب بالقرآن، قال: الدين تعبير عن ضعف الإنسان أمام قوى الطبيعة، هكذا نتج عنه:
﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)﴾
يَعُدُّ كل الطاعات تعيق النَفْسِ عن تحقيق ذاتها، أحياناً يكون هناك طبيب نفسي درس بأوروبا، يأتيه مريض، ألَكَ صاحبة؟ يقول: لا، يجيبه: عليك بصاحبة، الصحة النفسية أن يكون للإنسان صاحبة، يوجد جهل.
النار مصير أهل التكذيب والضلال:
﴿ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92)فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93)﴾
أي مكان ملتهب:
﴿ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94)﴾
هذا مصير أهل التكذيب، أهل الضلال، هذا مصير أهل الفسق والفجور، هذا مصير من أصغى إلى الدنيا، وأصمّ أذنه عن الآخرة، هذا مصير من ارتاد دور الملاهي وترك المساجد، هذا مصير من أطلق لشهوته العنان، هذا مصير من قال:
﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)﴾
هذا مصير من طغى وبغى ونسي المبتدى والمنتهى، هذا مصير من قال:
﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)﴾
كقارون، هذا مصير من آثر الدنيا على الآخرة، من آثر الشهوة على العقل، من آثر المعصية على الطاعة، من آثر سخط الله على رضوانه، هذا مصير من أرضى الناس بسخط الله، هذا مصير من قال: عشْ لحظتك، تُقَال هذه المقولة، كن واقعياً، عِش لحظتك، هذه الجوارح ينبغي أن ترتوي من الشهوات، مصيره.
﴿ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94)﴾
القرآن وحقيقة النار والجنة هي عين اليقين:
﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95)﴾
هذا القرآن، أو إنَّ هذه الحقائق: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ﴾ عندنا علم اليقين، وعندنا عين اليقين، وعندنا حق اليقين، علم اليقين: الاستدلال، وحقّ اليقين أنْ يُحَقَّق الاستدلال، أمَّا عين اليقين أن تعاين الاستدلال، أي دخان وراء جدار تقول: لا دخان بلا نار، هذا علم يقين، سِرْت وراء الجدار فرأيت النار بعينك، هذا حقّ اليقين، اقتربت من النار فشعرت بوهجها، هذا عين اليقين: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ﴾ ماذا عليك أن تفعل؟
العاقل من يفكر في ملكوت السماوات والأرض:
﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)﴾
طبعاً أن تقول: سبحان الله من التسبيح، أمَّا الأعمق من ذلك أن يجول فكرك في ملكوت السماوات والأرض، أن تفكر في خلقك، في طعامك، في شرابك، في أصلك، في نهايتك، أن تفكر في كل شيء أمامك: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ هذا هو الحل، إذاً يمكن أن نلخص الآيات الأخيرة في سورة الواقعة بأنَّ الإنسان لابد من أن يموت، وأنَّ كل بطولته تتحقق إذا كان مهيئاً للموت.
تفاوت الناس في الاستعداد للموت:
إخواننا الكرام؛ لا يوجد إنسان على وجه الأرض يمكن أن يُنكر حدث الموت، واقع، لكن الناس يتفاوتون لا في الإنكار وعدم الإنكار، لا، يتفاوتون في الاستعداد للموت، والموت يُسْتَعَدُّ له بالتوبة، يُسْتَعَدُّ له بالطاعة، يُسْتَعَدُّ له بطلب العلم، يُسْتَعَدُ له بتعليم العلم، يُستعد له بالدعوة إلى الله، يُستعدّ له بإقامة الإسلام في بيتك، وفي عملك، يُستعدّ له بالصلة بالله عز وجل:
﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)﴾
أيها الأخوة الكرام؛ والله الذي لا إله إلا هو أعرف رجلاً كان من مشاهير التجار، وكان على مستوىً رفيعٍ جداً في حياته، في بيته، في مركبته، في إنفاقه، في طعامه، في شرابه، في الثامنة والثلاثين أصيب بمرض عضال، في أول الأمر لم يدر حقيقة المرض، أخفى عليه الأطباء حقيقة المرض، ثم بعد حين كُشِفت له الحقيقة، مرض خبيث، حدثني ابن عمه وهو صديق لي قال لي: والله تأتيه نوبات هستريا كأنَّه دجاجة، يرتجف، يضطرب، يصرخ، يقول: لا أريد أن أموت، حين جاءه ملك الموت وفاضت روحه يُحَدث جيرانه -في البناء أربعة طوابق- يقسم بالله العظيم أحد جيرانه في الطابق الرابع حينما جاءه ملك الموت صاح صيحة ما بقي في البناء إنسان إلا وسمع صيحته، لهول الصدمة.
أكبر خسارة تصيب الإنسان أن يخسر آخرته:
لذلك الإنسان حينما يرى مكانه في النار، أو حينما يرى مكانه في العذاب، يصيح صيحة لو سمعها أهل الأرض لصعقوا، سنأخذ مثالاً بسيطاً جداً: إذا باع شخص بيته، وباع مركبته، وباع معمله، وباع بيتاً في حاليا، وكل ثروته اشترى بها عملة أجنبية، كانت مزورة كلها، وسيحاسب على اقتناء هذه العملة، لم يعد عنده شيء، لم يعد يملك ثمن شطيرة طعام يأكلها، هذا الخبر في الدنيا ألا يصيبه بمرض عضال؟ يوجد أشياء في الدنيا تصعق، فكيف إذا أيقن الإنسان أنَّه خسر الآخرة؟ لم يعد يوجد شيء، الإنسان أحياناً يفلِّس، يعود ويغتني، يرجع من الصفر، يستدين، يتاجر، يوفي دينه، تعود ثروته للنمو، ثم يصبح غنياً ثانية، أمَّا إذا جاء ملك الموت والإنسان كافر، والإنسان عاصٍ، والإنسان فاسق، لهذا قال الله عز وجل:
﴿ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)﴾
أكبر خسارة أن تخسر الآخرة، فلذلك المؤمن على ضعفه، على خشونة حياته، يوجد أمل، قال:
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾
لا يستويان.
مصير الإنسان الأبدي مرتبط بمعرفته بمنهج الله وطاعته له:
إخواننا الكرام؛ لا القضية هي قضية مجلس عِلْم ممتع، ولا القضية يقول لك: هذا المسجد فيه روحانية، لا، القضية أخطر من ذلك، القضية مصيرك الأبدي، هذا مرتبط بمعرفتك بالله، ومعرفتك منهج الله، وطاعتك له، وأنْ تعرف لماذا أنت في الدنيا، أنت في الدنيا من أجل العمل الصالح.
إنسان سافر إلى فرنسا ليأخذ دكتوراه، يوجد ألف شيء يصرفه عن الدراسة، أمَّا إذا كان واعياً الهدف الذي جاء من أجله لا يغيب عنه ولا لحظة، يدرس، فإذا عاد بالدكتوراه إلى بلده نال خير الدنيا، بحسب مقاييس العصر، والمؤمن لا يغيب عن ذهنه لثانية واحدة لماذا هو في الدنيا؟ فإذا تزوج لله، تاجر لله، كسب المال لله، أنفقه لله، أعطى لله، منع لله، وصل لله، قطع لله، غضب لله، رضي لله، أبداً:
﴿ وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)﴾
الإنسان يحتاج لأن يعرف الله:
(( أحبُّ البلادِ إلَى اللهِ مساجدُها، وأبغضُ البِلادِ إِلَى اللهِ أسواقهَا. ))
الزم المسجد، احضر دروس العلم، تعلم، هذه الدروس هي مأدبة الله عز وجل، ماذا نقرأ؟ كتاب الله، آيات كتاب الله، قيل: "القرآن مأدبة الله"، أنت مدعو لوليمة، طبعاً لا يوجد طعام مادي، لكن يوجد حقائق، هذه الحقائق تُسهم في إيمانك، وفي استقامتك، وفي الحكمة التي هي أفضل شيء يكسبه الإنسان، فأنت تسعد إذا عرفت الله، والمسجد المكان المناسب لمعرفة الله، والحقائق تتراكم، بعد حين تجد نفسك تحب الحق وتكره الباطل، تجد نفسك تستقيم ولا تنحرف، تصْدق ولا تكذب، تكون أميناً ولا تخون، تُخلص ولا تخون، وأنت لا تشعر، فالقناعات إذا تراكمت ولَّدَت السلوك الحسن، والجنة أساسها العمل الصالح.
فيا أيها الأخوة الكرام؛ أرجو الله سبحانه وتعالى أنْ ينفعنا بهذا القرآن الكريم، فهو ربيع القلوب، وهو حبل الله المتين، وهو الصراط المستقيم.
الملف مدقق