- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (027)سورة النمل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس السابع عشر من سورة النمل.
الله تعالى شبَّهَ الكفار بالأنعام وبالكلب وكأنهم خشب مسندة:
وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
﴿ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى
شيءٌ دقيق جداً، وهو أنَّ الإنسان قد يكون حيّاً وميتاً في وقت واحد؛ جسمه حيّ، وقلبه ينبض، ودمهُ يَجري، رئتاه تَخْفقان، وعضلاته تتحرّك، وأعصابه صالحة لِنَقل الإحساس والحركة، ولكنّ قلبه النفسيّ ميِّتٌ، لا يعي على خير، وربّنا عز وجل في هذا الموضوع ضربَ أمثلة كثيرة، فقد شبَّهَ الكفار بالأنعام، قال تعالى:
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ
شبَّهَ الذين حملوا التوراة أيْ تلقَّوْها مِن سيّدنا موسى، ولم يفْقهوها، ولم يعرفوا أبعادها، ولم يُطَبِّقوها بالحُمُر، قال تعالى:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا
شبَّهَ الكفار:
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ
وشبَّههُم بالكلب، قال تعالى:
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ
العناية بالجسد لا تنفعُ صاحِبَها شيئاً ولكنَّ البُطولة أن تعتني بالنَفس:
الإنسان ولو كان يتمتّع بِصِحّة طيّبة، وبِجِسم قويّ، العِبرة بِقَلب النفس، لأنَّه كما قال تعالى:
﴿ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾
ما الذي يعمله الناس الآن؟ عِنايَةٌ فائقة بالجَسَد؛ يخافُ على عَيْنَيْه، وعلى قلبه، ودائماً يُخَطِّط قلبهُ، يفحص عينيه، يجري فُحوصات دَوْريَّة، وتحليلات مِخْبريّة لأنَّه يحرصُ على صحَته، وقلَّما نجد إنساناً يحرص على صِحَّة نفسِهِ! وصِحَّة النَّفس هي المُعوَّلُ عليها، لأنَّ هذا الجسَد حينما ينتهي الأجل مصيرهُ إلى التراب:
إنَّ الطبيب لـه عِلْمٌ يُـدِلّ بـه إن كـان للناس في الآجال تأخير
حتى إذا ما انْقضَتْ أيَّام رحلتـه حار الطبيب وخانَتْهُ العقـاقيـر
***
انتهى الأمر، اعتنِ به ما شئت، مهما بالغْت في العناية به فلا بدَّ من ساعةٍ ينتهي فيها العُمُر، وينتقل فيها الإنسان إلى دار الحق، ولكنَّ البُطولة أن تعتني بهذه النَفس، والدليل قوله تعالى:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا(10)﴾
الكفار يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، يعرف من أين تؤكلُ الكتف، وكيف تُقتنص الفرَص؟ وكيف يكون الرّبح؟ عنده حواسّ ثابتة كثيرة جدّاً، في البيع والشِّراء، وفي المكاسب والمغانم، وفي المواقف، فهذه الخِبرات في الدنيا لا تنفعُ صاحِبَها شيئاً.
من آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً ومن آثر آخرته على دنياه ربحَهُما معاً:
قال تعالى:
﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ(7)﴾
في الآية إشارة دقيقة وهي أنَّهم حتى في الحياة الدنيا لا يعلمونها على حقيقتها، بل يعلمون فقط ظاهرها! والحقيقة أنَ المؤمن يسْعَدُ في حياته الدنيا سعادةً لا يعرفها أهل الدنيا، لأنّ اسْتِقامتهُ على أمر الله تعالى تجعلهُ يسْتحقّ حياةً هادئةً، وحياةً مطمئنَّةً، وحياةً متوازنةً، ولأنَّ توكّلهُ على الله تعالى يجعلُهُ في طمأنينة، لأن اعْتِقادهُ أنَّ الأمر كلّه بيَدِ الله تعالى يجعلهُ في راحةٍ قلبيَّة، لأنَّ اعتقادهُ أنّ الله تعالى حكيم، وأنَّ أفعاله كلّها في حقه خير، هذا يجعله ينتفي من قلبه الغلّ والحقد والحسد، فَطبيعة المؤمن إذا صحَّت عقيدتهُ، واسْتقام على أمر ربّه، وصحَّ عملهُ؛ هذه الحياة فيها ميزات لا يعرفها أهل الدنيا، فلذلك من آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً، ومن آثر آخرته على دنياه ربحَهُما معاً، والقضيّة خطيرة جدّاً، فأحياناً الإنسان لا يربح، وأحياناً يُحقق ربْحاً كبيراً جدّاً، وبِرأس مالٍ قليل، أحياناً أرباحٌ طائلة بِجُهودٍ صغيرة، أحياناً لا يربح، وأحياناً يدْفعُ خسارةً كبيرةً جدّاً، الإنسان إذا تنكّب طريق الحقّ يخْسرُ نفسهُ، ونفْسُه أثْمَنُ ما يمْلِكُ، فالجود بها أعلى أنواع الجود، والضنّ بها أعلى أنواع البُخل، وخسارتها أعلى أنواع الخسارة، فربّنا عز وجل أشار في هذه الآية إلى أنَّ هذا الكافر ميّت! قال لي بعضهم: إنه يعدَّ حياته منذ أن عرف الله عز وجل، فقبل معرفة الله:
﴿
كُتلة شهوات متحرّكة، إنسان وصولي، هدفُهُ ذاته، يُؤْثِرُ حظَّهُ على كلّ شيء، يُضَحّي بكلّ شيءٍ من أجل شيءٍ.
أعلى درجة في المؤمن خوفه من الله تعالى:
أحدُ السُياح جال في قريةٍ فإذا مقبرتها عليها شواهد كلّها مكتوب عليها أعمار الموتى بأرقامٍ قليلة، خمس سنوات، سبع سنوات، عشرون سنة، فسأل ما القِصَّة؟ فقالوا: نحن في هذه القرية لا نعدّ عمر الإنسان إلا بعد أن يؤْمن! وبعد أن يعرف الله، وقبل هذا
ليس مَن ماتَ فاسْتراحَ بِمَيِّتٍ إنَّما الـمـيّت مـيّــت الأحياء
***
أحياناً لا يجد الإنسان نبْضاً في قلبه! يا ترى هل هناك حياة؟! يضَعُ مرآةً على أنف هذا المريض، فإذا كان هناك تنفّس ضعيف جدّاً، لا بدّ من أن يرتسِمَ على المرآة بعض بخار الماء، إذا لم يجدوا شيئاً على المرآة يفتحون العَين ويوجِّهون إليها ضوءاً شديداً، فإذا كانت هناك بقية حياة تضيقُ قُزَحِيّة العين عن حالها، إذاً عظم الله أجركم، لا نبْض، ولا تنفّس، ولا ردود فِعل منْعَكِسَة إذن هو ميت، فأحياناً تلتقي بإنسان ميّت؛ هو خبير بأُمور الدنيا، ولكن أمور الآخرة، وأمور الدِّين، وأمور ما بعد الموت، وأمور هذا الخالق العظيم، إيمانه بربه، طاعته لأمره لا يعرفُ عنها شيئاً، ولا يريد أن يعرفَ عنها شيئاً، ويقول: هذا الموضوع لا يعنيني إطلاقاً!!
هذا الذي يرتكبُ المعاصي جِهاراً ولا يُبالي، ويأكل مالاً حراماً، ويأكل شيئاً ليس له، ويحتجّ دونك القضاء، فهذا
شيءٌ خطير أن يكون الإنسان ميّت ونعوذ بالله من موت القلب:
ويقرأ القرآن فلا يقْشعرّ بدنُه، الله عز وجل وصَفَ المؤمنين فقال:
﴿
يقرأ القرآن فلا يضطرب قلبه، يقرأ القرآن فلا تنهمرُ عَيناه بالدُّموع، قلبهُ قاسٍ يُصلِّي هذا إذا قام ليصلي وخواطرُهُ في تِجارته، وفي بيْتِهِ، وفي محلّه، وفي مشكلاته وفي حِساباته، حتى أنَّ أحدهم قال لي: حينما أجد خللاً في الصُّندوق لا أكْتشفُ الخطأ إلا في الصلاة!! هو أمين صندوق، ويوجد نقص، قال لي: أقوم لاصلي وأنا في الصلاة، أتذكر الدفعة الفلانية، من جاء إلى المحل؟ لمن دفعت؟ أكتشف الخطأ في الصلاة، أهذه صلاة؟! ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾ فهذا شيءٌ خطير أن يكون الإنسان ميّت، قد يكون في أبْهى زينة، وقد يكون وسيم القامة، جميل الشَّكل، أنيق الملبس، أذواقهُ رفيعةٌ في بيتهِ، ومع ذلك ميِّتُ القلب، ونعوذ بالله من موت القلب، حديث:
(( كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))
أخاف من هذه الكلمة؛
(( مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُناً بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ))
كان على قلبه الران، نكتت نكتة سوداء في قلبه.
أحوال أهل الدنيا شعور بالملل والضيق والقهر:
بمجرد أن يدَعَ الإنسان مجالس العلم ما الذي يحصل؟ ينْغمِسُ في الدنيا، في مشكلاتها، وهمومها، وأحزانها، ويشعر بالقهر والضِّيق، ويشعر بالملل، ويشعر بعَدم الانشِراح، وهذه أحوال أهل الدنيا؛ ضيق في ضيقٍ، أما النبي عليه الصلاة والسلام ماذا يقول:
(( لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة ولزارتكم في بيوتكم. ))
الإنسان إذا حضَرَ مجلس العلم يشْعر بالراحة وبالانْشراح، ومن علامات المؤمن الصادق كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( خيار عباد الله الذين إذا رءوا، ذكر الله. ))
أحياناً تلتقي بأخيك المؤمن فتقول ارْتاحَ قلبي! كنتُ في ضيقٍ شديد فلمَّا الْتَقَيْتُهُ ارْتاحَ قلبي هذه علامة الإيمان، حدَّثني أخ دخَلَ على صديق له فإذا هو يبكي بكاء شديداً فقال له: مالَكَ يا فلان؟ فقال: والله بقيتُ أُعاني من ضيق القلب يومين، فلمَّا دخلْتَ عليّ ورأيْتُكَ زال ما بي من هذا الضيق، فلهذا أبكي!! أحد أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام قال له:يا رسول الله، إنِّي كلَّما رأيْتك اطْمأنَّ قلبي، وارْتاحَت نفسي، دخلَ عليه فرآهُ يبكي، فقال له: مالكَ يا ثوبان تبكي؟ فقال:أنا معك في الدنيا ولكن أيْن أنا في الآخرة؟!! أخشى أن لا ألتقي بك، فنزل من أجله قوله تعالى:
﴿ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً(69)﴾
الكافر كالأموات تُحدِّثه عن آيات الله الباهرة فلا يتأثَّر:
الإنسان إذا تركَ مجالس العلم كأنَّ بطاريَّته فرغت من الكهرباء، فإذا شحَنها كلّ أسبوع، فهناك شحن أسبوعي، وهناك شحن بسماع درسي الجمعة والأحد، وهناك شحن بأن يحضر الخطبة ودرسي الجمعة والأحد، ويوجد شحن بحضور دروس الخميس والسبت والأحد والخطبة، كلما كثّرت الشحن تجدها ممتلئة بالكهرباء وهكذا، فهذه مجالس الإيمان، وهذه مجالس يرضى عنها الله تعالى، والمؤمن في المسجد كالسَّمكة في الماء؛ مرتاح، والمنافق في المسجد كالعصفور في القفص، ولا يستحقّ كلمة عصفور، لأنَه أقلّ من هذا لذلك قال تعالى:
قال تعالى:
من نوَّر الله قلبهُ وفتحَ بصيرتهُ يرى الحق حقّاً فيتَّبعَه ويرى الباطل باطلاً فيجْتنبه:
قال تعالى:
﴿
الذي فقَدَ بصرَهُ يُعطينا فِكرةً واضحةً عن عمى القلب، فالأعمى لا يرى ما في الطريق من حُفَر، من أكمات، من منزلقاتٍ، من مخاطر، ويستطيعُ طفلٌ صغير أن يُضلِله، فلو أنَّ شخصاً كفيف البصر، قال له طفلٌ: يا عمَّاه هناك حفرة، لَوَقَفَ وبحث عن الحفرة بعصاه، لكن هناك إنسانٌ قلبه أعمى لذلك تأخذهُ بعض النَّظَريات، وتُذْهبُه بعض النَّظريات، ساعة يؤمن وساعة لا يؤمن، أما الذي نوَّر الله قلبهُ وفتحَ بصيرتهُ، رأى الحق حقّاً فاتَّبَعَه، ورأى الباطل باطلاً فاجْتنَبَه، والله لو كُشف الغِطاء ما ازْدَدْتُ يقيناً، قال تعالى:
الحق له طريقان طريق السمع وطريق الرؤية:
﴿
ما ذنبهم إذا ختَمَ الله على قلوبهم؟ قال: لا، هذا خَتْمٌ حُكمي،
(( حب الدنيا رأس كلّ خطيئة. ))
حب الدنيا يعمي ويصم.
المؤمن بالآيات هو المُؤهَل أن يفْهم ما جاء في كتاب الله:
قال تعالى:
أَتَحْســبُ أنَّك جُـرْمٌ صغير وفيك انْطَوى العالم الأكبر
***
من يؤمن بآياتنا هو الذي يستمع إلى الحق وهو المؤهَّل أن يعقل وأن يسمع وأن يرى:
المؤمن لا يمرّ هكذا! هذا الطِّفل قد يجعلهُ يسجد لله عز وجل، إذا أكل بيضةً يقف عندها طويلاً، إذا شرب كأس حليب وعلم أنَ هذا الكأس وكل ليتر حليب يحتاج إلى أربع مئة ليتر يجول في الدم من أجل تصنيعه، وأنَ هذه البقرة معملٌ قائمُ بذاته، بل إنّ أعظم المعامل تعقيداً تبْدو أمام البقرة تافهة، معمل بلا ضجيج، تأكل وتحرث لك الأرض وتصنعُ لك الحليب، وقد ذلَّلها الله عز وجل، فالبقرة آية، والدجاجة آية، والخروف آية، قال تعالى:
﴿
لو أنَّ الله سبحانه وتعالى ركَّب في الغنمة أخلاق الضَّبع، كيف تأكلها؟ وكيف بإمكانك أن تستفيد من لحمها؟ لو أنَّ الغنم ركِّب فيهم أخلاق الكلاب، ترى قطيعاً بأكمله مع بعضه البعض، هل بإمكان إنسان أن يجمعَ مئة كلبٍ ويجعلها تسير مع بعضها البعض؟ كلّ واحدٍ في طرفٍ بِحَسب مهمّته، فهذا الذي يؤمن بآياتنا هو الذي يستمع إلى الحق، الذي يؤمن بآياتنا هو المؤهَّل أن يفهم وأن يعقل وأن يسمع وأن يرى قال تعالى:
﴿
هذه كلمة دقيقة جدّاً؛ ما هو القول؟
﴿
الله عز وجل له قرار قَطعي، وهؤلاء لن يؤمنوا، أنت إذا كنتَ في الجامعة، أو بمَدرسةٍ أو بمعهدٍ والطالب لم يتقدَّم إلى أيّ امْتِحان والنتائج لم تصْدُر بعدُ، هل بإمكانك أن تحكمَ عليه بالرُّسوب مئة بالمئة؟ نعم، لأنَّ نِظام الامتِحان هكذا ينصّ، لا ينجحُ الطالب إلا إذا قدَم الامتحان، ونال الدّرجات الكافيَة لنَجاحِهِ، فإذا نالَ الدرجات التي هي أقلّ من النجاح لا ينْجح فكيف إذا تغيَّبَ عن الامتِحان كلّه؟ إذاً هناك قوانين، وفي ضوء القوانين بإمكان الإنسان أن يُصْدِر حكماً قاطعاً، فكيف الله ربّ العالمين؟
الله تعالى له قوانين والآيات التالية تُظهر بعض هذه القوانين:
(( كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ))
قد تزلّ قدمه، إذا كان الحِجاب بينك وبين الله رقيقاً فهذا الحِجاب سهلٌ أن تُزيلَهُ، أما إذا بالَغْت في المعاصي، وابْتَعَدْتَ عن الدِّين، وأنْكَرْت العقيدة، وأنْكرتَ الأوامر فهذا الإنسان قد بلغ درجة من البُعْد قد لا ترْجى له عَوْدةٌ، فربّنا عز وجل قال:
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى
هذا قانون وقوله تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ(6)﴾
هذا قانون ثانٍ، وقال تعالى:
﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(55)﴾
أيْ لا يستجيب لهم، لأنَّه لا يُحِبّهم وهذا قانون رابع، فإذا قرأتم القرآن وحاولتم أن تستشِفُّوا منه بعض القوانين فإن هذه القوانين مهمّة جدّاً.
الله تعالى يتعامل مع عباده وفق القانون التالي: منكم الصدق ومني العدل:
قال تعالى:
﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(115)﴾
هذا قانون، فيا عبادي تعاملي معكم وفْق القانون التالي: منكم الصِّدْق، ومنّي العَدل، هذا القانون، ففي ضَوء بعض القوانين الإلهيّة هؤلاء لا يُرْجى منهم شِفاء ولا أمل، أوْضَح مثلٍ هذا الطالب الذي تخلَّف عن الامتِحان كله، ولمَّا تصْدر بعد النتائج، فهل في ضوء النِّظام الداخلي للجامعة ونظام امْتِحاناتها أن تحكُم عليه حكماً قَطْعياً أنَّه راسب؟ طبعاً، نحكم عليه حكماً قطعياً أنه راسب، هؤلاء الناس إذا تعلّقوا بالدنيا، وانْغَمَسُوا فيها، وأداروا ظهرهم للدِّين، بل كذَّبوا بِوُجود الإله، وكذَّبوا بكل ما يمتُّ إليه بصِلَة، هؤلاء ضَلُّوا ضلالاً بعيداً، يعني مثلاً أنت ذاهب إلى حمص، ولو فرضنا هناك لوحة كبيرة جداً، لوحة على عرض الطريق، ففي بعض البلاد كدَولة الحِجاز اللَّوحات على عرض الطريق تماماً، طريق عرضه ثلاثون متراً، ولوحات الاتجاهات على عرض الطريق وعالية جدّاً وفسْفوريّة، فأنت من مكانٍ بعيد إذا كنتَ تقود المركبة في الليل؛ مِن هنا مكّة، ومن هنا الطائف، فمَعَ هذه اللّوحة الواضحة جداً، والكبيرة جدّاً، والصارخة جدّاً، والمضيئة جدّاً، واتَّجَهْتَ إلى الطائف بدَل مكَّة، هَدَفُكَ مكّة فاتَّجَهْت إلى الطائف، نقول: هذا ضلال مبين! واضحة؛ لأنَّ لوحةً كبيرةً جدّاً على عرض الطريق عرضها خمسة أمتار طولها ثلاثون متراً، وخطّّ كبير وفسفوري، ثمَّ تذهب إلى الطائف بدَل مكَّة فهذا ضلال مبين، فأحياناً الإنسان يكون اتِّجاهه حمص، وهناك طريق يميني دَخَل به خطأً، حتى وصل إلى تدمر، فهذا ضلّ ضلالاً بعيداً، لكن هناك من يرجع بعد أمتار، أوبعد مئة متر يعود، أو بعد كيلو متر.
الذي ضلّ ضلالاً بعيداً ولعنه الله هذا أغلب الظنّ أنَّه وقعَ القول عليه بعدم جَدْوى هِدايتِه:
فالذي ضلّ ضلالاً بعيداً، ولعنه الله عز وجل، هذا أغلب الظنّ أنَّه وقعَ القول عليه، أيْ صدَرَ عليه أمر بعدم جَدْوى هِدايتِه، ضلّ ضلالاً بعيداً، وأوْغَلَ في الضلال، وأوْغَلَ في غَصْب أموال الناس بالباطل، وأوْغَلَ في انتِهاك الأعراض، وأوْغَلَ في إيذاء الناس، أوْغَلَ في تَكذيب الدِّين، وأوْغَلَ في إنكار الوُجود، هذا ضلّ ضلالاً بعيداً، يبْدو أنَّ الله سبحانه وتعالى جمع في آخر الزمان هؤلاء الذين ضلّوا ضلالاً بعيداً.
من علامات قيام الساعة خروج دابة من الأرض:
الدِّين هو دين الخالق ودستور قطعي الدلالة وهو منهَج متكامِل من تعليمات الصانع:
الله عز وجل قال:
﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ
حينما قال أولى يعني أنَّ هناك ثانية، فأين الثانية؟ قال تعالى:
﴿ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ(82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ(83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(84)﴾
والله أيها الأخوة الأكارم يعْتصِرُ قلبي ألماً حينما أرى إنساناً يُكذّب بالدِّين ولم يسْمَح لِنَفسِه أن يقرأ عن الدِّين شيئاً، قبل أن يطَّلِع عليه، هل تقبل إذا أتَتْكَ رسالة دون أن تفتحها، ودون معرفة المرسِل، ودون النَظر إلى توقيعه، ولم تقرأ ما فيها ثمَ تكذّبها؟! هل هذا موقف علمي؟ فقبل أن تكذّب ادرس، واطَّلِع، واقرأ، واسْتَمِع، عندئذٍ خُذْ موقفاً لا مانع، أما أن يأخذ الإنسان موقفاً من الدِين مُعادِياً قبل أن يعرف ما الدّين؟ الدِّين هو دين الخالق، ودستور قطعي الثُّبوت، وقطعي الدلالة، والدِّين منهَج متكامِل، والدّين هو تعليمات الصانع، فقبل أن ترفض الدِّين اطَّلِع على الدِّين، هذا الموقف الشريف والعلمي، قبل أن تكون لك اعْتراضات وملاحظات وتحفّظات على الدين، جمِّد كلّ ذلك، وانْكب على فهم الدِّين، اِفْهم كتاب الله عز وجل والسنّة النبويّة، تعرَّف إلى العقيدة الصحيحة، وادْرس سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، وسيرة أصحابه، ولا تحكم على الدِّين إلا بعد أن تطَّلِعَ عليه.
أعظم وأشرف وأخطر عمل في الدنيا أن تعرف الله عز وجل:
الآية الكريمة:
السُكوت قد يكون معبّراً:
قال تعالى:
﴿ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ(85)﴾
السُكوت قد يكون معبّراً، أحياناً مع ابنك، فقد يتلبَّس بِذَنب، وهناك أدلّة قاطعة، وأنت نبَهْتهُ أن لا يقعَ فيه، مَنْ فعَلَ هذا؟ فيسكت ولا يتكلم، هذا السُّكوت هو سُكوت الاعتراف بالذَّنب، وسُكوت الإحْباط، يقولون: أُسْقِط في يدِهِ، لذلك قال تعالى:
في الكون آيات كثيرة توصلنا إلى معرفة الله عز وجل:
قال تعالى:
﴿
ألم يرَوا؟ هذه هي آياتنا، وهذا هو طريق معرفة الله عز وجل، أليس الليل والنهار تحت سَمع الإنسان وبصرهِ كلّ يوم؟ كلّ يوم مغرب، وعشاء، وصبح، وعصر، هل فكَّرْت بالشَّمس والقمر والنّجوم؟ وبالليل والنهار؟ بالأرض؟ قال تعالى:
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.