وضع داكن
01-07-2024
Logo
الدرس : 5 - سورة التحريم - تفسير الآيات 9 ـ 12 لا ينفعك إلا عملك الصالح وكلٌ محاسبٌ بعمله - المرأة مستقلة في دينها
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا عِلم لنا إلا ما علّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتنا، وزِدنا علماً، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة الكرام، مع الدرس الخامس ولعلَّه الأخير من سورة التحريم، ومع الآية التاسعة وهي قوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(9)﴾

[ سورة التحريم  ]


 يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ


 1 ـ ينبغي إيقاظ همّة الكافر والمُذنِب ليرجعا إلى الله:

لو أنَّ الإنسان داهَن الكافر أو جامله أو أثنى عليه، هذا الكافر والمنافق يبقى على حاله، ولا يتحرَّك نحو الأحسن، لا يتحرَّك نحو التوبة، لابُدَّ من أن توقظ عقله، فأي أسلوبٍ من شأنه أن يوقظه، أن يُبصِّره بكفره أو بنفاقه، أن يدعوه إلى باب الله عزَّ وجل، أن يدعوه إلى التأمُّل في الكون، إلى معرفة سرّ وجوده، إلى معرفة غاية وجوده هو الأسلوب الذي يرضى الله عنه، أمّا أن ترضي الناس جميعاً، أمّا أن تثني عليهم جميعاً، أمَّا أن تكون مجاملاً لهم لدرجة أن أحداً من هؤلاء المنحرفين في عقيدتهم أو في سلوكهم لا ينتبه إلى أنه على خطأ، فالعبرة أن تنقذه من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فإذا كانت القسوة، والمقاطعة أحياناً، وإيقاظ العقول، وإيقاظ الهِمم سبيلاً إلى هُداه فينبغي أن تفعل هذا.
فماذا نستفيد من هذه الآية؟ لو أنَّ إنساناً صديقاً، أو أخاً في أسرة انحرف أشدَّ الانحراف، وبقي إخوته يُثنون عليه، ويرحبِّون به ويودّونه، هذا الإنسان كيف يهتدي إلى أنه على خطأ؟ أما إذا وجد إعراضاً من أُمِّه وأبيه، إعراضاً من إخوته وأخواته، إذا وجد نفسه منبوذاً لعلَّه يستيقظ، لعلَّه يهتدي.
قال لي أحد الإخوة الكرام: إن سبب إيماني وتوبتي إلى الله سائق سيارة، ركبت معه، ومعي مشروبٌ كحولي، فلمَّا رآه طردني من السيَّارة، وقفت ساعةً ولم أجِد مركبةً أُخرى تُقِلُّني إلى بيتي، فتألَّمت أشدَّ الألم، وشعرت بصَغارٍ ما بعده صَغار، وكان هذا الموقف القاسي من هذا السائق سبب توبتي.
أحياناً إنسان مُنحرِف لا ينبغي أن نضحك في وجهه، لا ينبغي أن نحترمه، لا ينبغي أن نَشُدَّ على يده في أثناء المصافحة، ينبغي أن يشعُر أنه مُنحرِف عقيدةً أو سلوكاً، طبعاً هذا لا يقودنا إلى أن نُعادي الناس، ولكن هذه الابتسامة الرقيقة، وهذا الودّ البالغ هذا لا يكون إلا للمؤمن، أمّا غير المؤمن فيجب أن يرى منك إعراضاً، أو تأنيباً، أو موقفاً يشعِره أنه على باطل لا على حق، لعلَّ هذا يكون سبباً في هدايته.
الإنسان اجتماعيٌ بالطبع، فإذا وجد نفسه أنه منبوذٌ في مجتمعٍ ما، بعيدٌ عن ودِّهم، عن ملاطفتهم لعلَّه يستيقظ، لعلَّ في هذا تذكرةً أو تنبيهاً إلى خطئه.
العبرة أن قلب المؤمن يتَّسع للناس جميعاً، فإذا كانت الحكمة أن يصِلهم وصلهم، إن كانت الحكمة أن يقطعهم قطعهم، إن كانت الحكمة أن يعطيهم أعطاهم، إن كانت الحكمة أن يمنع عنهم منع عنهم، عطاؤه ومنعه، وصِلته وقطعه، وغضبه وابتسامته، موظَّفةٌ كلّها في سبيل الله، موظَّفةٌ كلّها في رد الناس إلى باب الله، وفي دعوتهم إلى الله.
قد يكون من الحكمة أن تكون لطيفاً في موقف، قد يكون هذا أقوى منك، فإن رأى منك مودَّةً، وحُسن صلةٍ لعلَّ قلبه يميل، وإن كنت أقوى منه، ورأى منك إعراضاً وصدَّاً لعلَّه يتوب إلى الله عزَّ وجل.

 2 ـ الحكمةُ في استعمال الشدة واللين كلٌّ في موضعه المناسب:

ليس هناك قاعدة ثابتة، القاعدة الثابتة أن تجتهد في أن هذا الأسلوب يردُّه إلى الله، في أن هذا الأسلوب يُعينه على نفسه.
سيدنا عمر عندما بلغه أن أحد أصدقائه قد سافر إلى الشام، وانغمس في الملاهي، والمجون، والخمر، كتب له كتاباً رقيقاً يقول فيه: << أما بعد، فإني أحمد الله إليك، غافر الذنب، قابل التوب، شديد العقاب ذي الطول >> ، وذكر له عن رحمة الله وعن حكمة الله الشيء الكثير، فبكى هذا الإنسان، وحمله بكاؤه على التوبة.
ينبغي أن تجتهد، لعلَّ في هذا الأسلوب إيقاظاً له، لعلَّ في هذا الموقف، في هذا الوصل، في هذا القطع، في هذا العطاء، في هذا المنع، في هذا التغاضُب، أو هذا التلاطُف، لعلَّ في أحد هذه الأساليب ما يردَّه إلى الله عزَّ وجل، أنت هدفك الأكبر أن تدفع الناس إلى باب الله.
أحياناً المؤمن تبالغ في مودَّته، وغير المؤمن قد تجد من الحكمة أن تقاطعه، أو أن لا تجامله، أو أن لا تداهنه، تجد من الحكمة أن تكون جافَّاً في معاملتك معه، أو غير ملاطفٍ له إلى درجةٍ يتوهَّم أنه على حق، هذا يعود إلى حكمة المؤمن، ولكل زمانٍ أساليبه، وكل زمان هناك ظروف، وهناك أساليب تكون فعَّالةً في تحقيق الأهداف، وهذه الأساليب الناجحة لا يعدَمُها المؤمن، لأن الإنسان حينما يصدُق مع الله سبحانه وتعالى في هداية الخلق، يلهمه الأسلوب المناسب والطريقة المثلى.
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ، أُريد من هذه الآية أن يتضِح لكم أنَّ المؤمن ليس معنياً أن يُرضي الناس جميعاً، ليس معنياً أن يُحبَّه الناس جميعاً، لا بُدَّ للمؤمن من خصوم، خصوم عقيدة، خصوم سلوك، فأنت كُن على حق، ولا يعنيك أمر الآخرين إلا بالقدر الذي تأخذ بيدهم إلى الله عزَّ وجل.
أيُّها الإخوة الكرام، نحن أمام آياتٍ قد يتوهَّمها الإنسان بسيطة، ولكن هي من أخطر آيات هذه السورة، يقول الله عزّ وجل:

﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ(10)﴾

[ سورة التحريم ]


ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ


 1 ـ لا ينفعك مصاحبةُ النبي إن لم تستفد منه:

الإنسان أحياناً يكون مع نبيٍّ عظيم، لو أنه جلس إلى جنب النبي، ولامست كتفه كتف النبي، ولم يكن على منهج النبي فإنه لا يستفيد شيئاً، الذي جلس إلى جنب النبي، وكان رئيس المنافقين قبيل وفاته قال: "أعطوني قميص النبي عليه الصلاة والسلام " ، وفيما قرأت من السيرة أنَّ النبي ألبسه قميصه بيده، ثم مات، فلمَّا مات قال عليه الصلاة والسلام: (الآن استقرَّ في جهنم حجرٌ كان يهوي به سبعين خريفاً) .

(( هذا حجَرٌ رُمِيَ بهِ في النارِ مُنذُ سبعينَ خرِيفًا ، فلَهُوَ يَهوِي في النارِ ، الآنَ حِينَ انْتهَى إلى قعْرِها ))

[ أخرجه مسلم ]

لا ينفعك أن تكون قريباً من النبي، ولا أن تعامل النبي، ولا أن تجالسه بل ينفعك أن تكون على منهجه، الإنسان أحياناً يطمئن لفتوى قالها إنسانٌ يعمل في الحقل الديني.
أقول لك أيُّها الأخ الكريم: لو أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام أفتى لك، لا أقول لك: عالمٌ جليل، أو مُفتٍ عظيم، أو مجتهدٌ كبير، لا.. لو أنَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم التقيت به، وعرضت عليه قضيةً، وأفتى لك، أو لو أنك اتجهت مع خصمٍ لك إلى النبي، وحكم النبي عليه الصلاة والسلام بينكما، وكان الحكم لصالحك، الآن دقق فيما سأقول.. ولم تكن مُحِقَّاً فإنك لا تنجو من عذاب الله، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( إنَّما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، فأقْضِي علَى نَحْوِ ما أسْمَعُ، فمَن قَضَيْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذْهُ فإنَّما أقْطَعُ له قِطْعَةً مِنَ النَّارِ.  ))

[  أخرجه مسلم ]

هل من علاقةٍ بين شخصين على وجه الأرض أَمْتَن وأعمق وأكثر التحاماً من زوجين؟ سيدنا نوح ألم يُنجِب من امرأته ابنه؟ إنَّ أشدّ علاقةٍ بين شخصين هي علاقة الزواج، وهي أكثر العلاقات عُمْقَاً واتصالاً، ومع ذلك: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا) .

 2 ـ معنى خيانة امرأة نوح وامرأة لوط لزوجيهما:

امرأة نوح كانت تصف زوجها بأنه مجنون، وامرأة لوط كانت تشعل النيران لتدل قومها على ضيوفه، إنهم منحرِفون أخلاقياً، لا امرأة نوحٍ استطاعت أن تنجو من عذاب النار لأنها زوجة نبيٍّ عظيم، ولا امرأة لوطٍ استطاعت أن تنجو من عذاب النار لأنها زوجة نبيٍّ عظيم، هل من علاقةٍ أكثر التصاقاً ومتانةً، وعمقاً واستمراريةً من علاقة الزوج بزوجته؟ ومع ذلك لم تنجو امرأة نوحٍ ولا امرأة لوطٍ من عذاب النار.
أيُّها الإخوة الكرام، هذا مثلٌ.. أحياناً إنسان يدعو بعض العلماء، ويفرح بوجودهم، ويتبارك بوجودهم، يلقون الكلمات في حفلته ويطمئن، القضية انتهت، لا لم ينتهِ شيء، إن لم تُطبِّق أمر الله، وإن لم تنتهِ عمَّا نهى الله، فإنك لا تستفيد من واحدٍ منهم شيئاً، والدليل: أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قال لابنته فاطمة، وهي أحبُّ الناس إليه: ( يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، يا عبّاس عَم رسول الله، أنقِذا نَفسَيكُما من النار، أنا لَا أُغْنِي عَنْكُما مِنْ اللَّهِ شَيْئًا) (لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، من يُبطئ به عمله لم يُسرِع به نسبه) .

(( يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ -أوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ؛ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شيئًا، يا بَنِي عبدِ مَنَافٍ، لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شيئًا، يا عَبَّاسُ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ، لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شيئًا، ويَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسولِ اللَّهِ، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شيئًا، ويَا فَاطِمَةُ بنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي ما شِئْتِ مِن مَالِي، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شيئًا.))

[ أخرجه البخاري ومسلم ]

(( ما من رجلٍ يَسلُكُ طرِيقًا ، يَطلُبُ فيه عِلْمًا إلَّا سَهَّلَ اللهُ لهُ طريقَ الجنةِ ، و مَنْ أبْطأَ بهِ عملُهُ لمْ يُسرِعْ بهِ نَسبُهُ ))

[ أخرجه أبو داوود وابن حبان ]

يا أيُّها الإخوة الكرام، ينبغي أن تعلموا عِلم اليقين، أنَّ خيانة زوجة نوحٍ وزوجة لوطٍ لم تكن خيانة فِراش، ولا يمكن لامرأة نبيٍّ أن تخونه في الفِراش، هذا مستحيل، لكنها خانته خيانة دعوة، لم تؤمن بدعوته، وصفته بأنه مجنون كما تروي كتب التفسير، أو دلَّت قومها على ضيوفه كما رَوَت أيضاً كتب التفسير، أي لم تؤمن به، وخانت دعوته، لذلك كان مصير امرأة نوحٍ، ومصير امرأة لوطٍ النار، (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ)

 3 ـ لا ينفعك إلا عملك الصالح، ولا أحد من الناس يملك ضراً ولا نفعاً:

مرَّةً كنت في العمرة فرأيت أُناساً يُصلّون مكان ما صلَّى النبي عليه الصلاة والسلام، وهُم يبكون، وأنا صلّيت والله، وبكيت كثيراً، ولكن جاءني خاطر أنَّ أستاذاً كبيراً جدّاً، يحمل أعلى الشهادات، له أكثر من مئة مؤلَّف، لو أنَّ خادمه أو حاجبه في غيبته جلس على كرسيّه هل يرقى شيئاً؟ أبداً، لو أنه قرأ كتاباً واحداً فإنه سار في طريق أستاذه، فلا يُنجي الإنسان أن يُقلِّد، بل يُنجيه أن يتّبِع سُنَّة النبي، أن يُطبِّق منهجه، أن يطلب العِلم، أمّا إذا جلس في مكان النبي، أو صلَّى مكان النبي فهذا شيءٌ طَيِّب، ويُدخِل على القلب السرور، ولكن لا ينجي من المسؤولية إذا كان الإنسان مُنحرِفاً، القضية ليست بالتقليد، ولا بالتبرُّك، القضية بالمتابعة.

﴿ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ(108)﴾

[  سورة يوسف ]

﴿  فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(112)﴾

[  سورة هود ]

الإنسان العاقل يتعلَّق بالثوابت، لا يتعلَّق بغير الثوابت، الثوابت طاعة الله، وهي كل شيء، لأن الله عزَّ وجل يقول:

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾

[  سورة الأحزاب ]

لك أن تجلس مع الصالحين، وترتاح إلى مجلسهم، وتستفيد من عِلمهم، وتستفيد من أحوالهم، ولكن إن لم تسِر على منهج الله فلا تنفعك هذه المجالسة، لك أن تتبرَّك بالصالحين، أمّا أن ينفعك هؤلاء، لا.. لماذا؟ لأنَّ الله عزَّ وجل يُخاطِب نبيَّه الحبيب يقول له:

﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا(21)﴾

[ سورة الجن ]

وفي آيةٍ أُخرى: 

﴿  قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(188)﴾

[  سورة الأعراف ]

فلأن لا أملِك لكم من باب أولى.
في آيةٍ ثالثة: 

﴿ قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)﴾

[ سورة الأنعام  ]

(وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ)
في آيةٍ رابعة:

﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15)﴾

[ سورة الأنعام  ]

 4 ـ لا نَسَب يوم القيامة ولا خلَّة:

أيُّها الإخوة، لا تقبلوا منّي إلا القرآن الكريم وسُنَّة النبي الصحيحة، هذه ثوابت الدين، فإذا كان عليه الصلاة والسلام يقول: (وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ) .
هل تنفعك شفاعة العلماء؟ لا، لكنك تستفيد من عِلمهم، ومن أحوالهم، وإن لم تُطبِّق منهج الله عزَّ وجل، فإنك لا تنجو من عذاب الله، وهذه الآية تؤكِّد هذه الحقيقة، فكل إنسانٍ على صلةٍ مع رجُلٍ صالح، مع مؤمنٍ، فإنَّ هذه الصِلة، وتلك المُجاملة، وهذه الزيارة، وهذه الدعوة، هذه إن لم تكن مستقيماً على أمر الله عزَّ وجل، لا تنتفع منها إطلاقاً، والإنسان لا ينجو بتقليده، بل ينجو باستقامته، ينجو بطاعته لله عزَّ وجل، (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا) .

﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)﴾

[ سورة المؤمنون ]

وَرَد عن النبي صلى الله عليه وسلَّم، أنَّ السيدة عائشة سألته: يا رسول الله أيعرِفُ بعضنا بعضاً يوم القيامة؟ قال: (نعم يا أمَّ المؤمنين إلا في ثلاثة مواطن: إذا الصحف نشرت وعند الميزان وفي موطنٍ ثالث، وفيما سوى هذه المواطن قد تقع عين الأم على ابنها، أو قد تقع عين الابن على أمه) هكذا يقول عليه الصلاة والسلام.

(( أنَّها ذكَرَتِ النَّارَ، فبَكَتْ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما يُبكيكِ؟ قالت: ذكَرتُ النَّارَ، فبَكَيتُ، فهل تَذكُرونَ أهْليكم يومَ القيامةِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أمَّا في ثلاثةِ مَواطِنَ فلا يذكُرُ أحدٌ أحدًا: عندَ الميزانِ حتى يعلَمَ أيخِفُّ ميزانُه أو يَثقُلُ، وعندَ الكتابِ حينَ يُقالُ: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] حتى يعلَمَ أين يقَعُ كتابُه أفي يَمينِه، أمْ في شِمالِه، أمْ من وراءِ ظَهرِه، وعندَ الصِّراطِ إذا وُضِعَ بيْنَ ظَهْرَيْ جَهنَّمَ. ))

[ سنن أبي داوود بإسناد ضعيف ]

وقد ورَد في تفسير القرطبي أنَّ الفضيل بن عياض قال: << تقول الأم: يا بني، لقد جعلت لك صدري سقاءً، وحجري وطاءً، وبطني وعاءً، فهل من حسنةٍ يعود عليّ خيرها اليوم؟ يجيبها ابنها يوم القيامة: ليتني أستطيع ذلك يا أُمَّاه، إنني أشكو مما أنت منه تشكين >> .
 (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ) فإذا كانت زوجة نبي دخلت النار فكيف بزوجة رجُلٍ يدعو إلى الله؟ لم تلتزم، أو لم تأتمِر، لا تنجو أبداً، فلا تتوهّم أنَّ هذه العلاقات الطيّبة مع أهل الإيمان تشفع لك يوم القيامة، لا يشفع لك إلا طاعتك لله، واستقامتك على أمره، وهذا كلام دقيق، هذا كلام مأخوذٌ من كتاب الله ومن سُنَّة رسول الله، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( إنِّي فَرَطُكُمْ علَى الحَوْضِ، مَن مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، ومَن شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أقْوامٌ أعْرِفُهُمْ ويَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحالُ بَيْنِي وبيْنَهُمْ. قالَ أبو حازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمانُ بنُ أبِي عَيَّاشٍ، فقالَ: هَكَذا سَمِعْتَ مِن سَهْلٍ؟ فَقُلتُ: نَعَمْ، فقالَ: أشْهَدُ علَى أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، لَسَمِعْتُهُ وهو يَزِيدُ فيها: فأقُولُ إنَّهُمْ مِنِّي، فيُقالُ: إنَّكَ لا تَدْرِي ما أحْدَثُوا بَعْدَكَ، فأقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَن غَيَّرَ بَعْدِي. ))

[ أخرجه مسلم ]

فكل إنسانٍ تعلَّق بصلةٍ، بعلاقةٍ طيّبةٍ، بزيارةٍ، بدعوةٍ، بقرابةٍ، مع رجُلٍ صالح، وهو يفعل ما يشاء، وهو مرتاح، يقول لك: أنا فلان، جدّي فلان، جدّي العالِم الفلاني، عمي العالِم الفلاني، هذه القرابات لا تُقدِّم ولا تؤخِّر.

 فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ


ذكرت لكم في مطلع الدرس، ما من علاقةٍ على وجه الأرض، أشدُّ عمقاً، ومتانةً، واستمراريةً من علاقة الزوج بزوجته، أنجَب منها ابناً، ومع ذلك: (فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) .

 لا أحدَ يحمل وزرَ أحدٍ:

الشيء الأساسي، وهذا شيء مريح جداً أنه:

﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ۚ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)﴾

[   سورة الأنعام ]

كلٌ محاسبٌ بعمله، لا تُحاسَب عن غيرك، ولا يُحَاسَب غيرك عنك.

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ(286)﴾

[ سورة البقرة ]

الإنسان بهذه المعاني يكون واقعياً، وموضوعياً، وعلميّاً، يتعامل مع الله مباشرةً، لا يُنجيه نَسَبٌ ولا صلةٌ، ولا مودَّةٌ، ولا قرابةٌ، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول لابنته فاطمة: ( يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، يا عبّاس عَم رسول الله، أنقِذا نَفسَيكُما من النار، أنا لَا أُغْنِي عَنْكُما مِنْ اللَّهِ شَيْئًا) (لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم) (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا) .
أُذكِّركم مرَّةً ثانية بأنه لا يمكن لامرأة نبيٍّ أن تكون بَغيّاً، ولا أن تخونه في الفِراش، إلا أنَّ الخيانة هنا خيانة دعوة، أي لم تؤمن بدعوته، الأولى اتهمته بالجنون أمام قومها، والثانية دَلَّت قومها على ضيوفه ليفعلوا معهم الفاحشة، وهذه من أفظع الخيانات.

﴿ وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ(10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)﴾

[ سورة التحريم ]


وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ


 1 ـ المرأة مستقلة في دينها:

الآن هذه الآية موجَّهةٌ إلى النساء جميعاً، المرأة مستقلةٌ بدينها، فأية امرأةٍ تقول: هكذا زوجي، هكذا يريد ماذا أفعل؟ يُطلّقني، هذا كلامٌ مرفوض، المرأة إنسانةٌ مكرَّمةٌ، مسؤولةٌ محاسبةٌ، مكلَّفةٌ بالإيمان والإسلام، محاسبةٌ عن أفعالها محاسبةً دقيقة، ولا يُنجيها من محاسبتها أنَّ زوجها يأمرها أن تفعل كذا وكذا، المرأة مستقلَّةٌ في دينها، وإيمانها، واستقامتها، ومسؤوليتها عن زوجها، لذلك المرأة العالِمة الفقيهة إذا أمرها زوجها بمعصيةٍ تقول: لا أفعل

(( لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ ))

[ الألباني صحيح الجامع ]

 ولو هدَّدها، افعل ما بدا لك، فإن الله لا يُضيعني، ولا يتركني، وسينصُرني، وسيُكرمني، أمّا هذه المرأة التي تقول: هكذا زوجي، هكذا يريد، هكذا يُحب، ماذا أفعل معه؟ هو المسؤول، هذه الآية تنفي هذا الكلام كلَّه، (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ)

 2 ـ امرأة فرعون إحدى النساء الكاملات:

شاءت حكمة الله أن تكون السيدة آسية امرأة فرعون إحدى أربع نساءٍ كاملاتٍ في الأرض، قال عليه الصلاة والسلام: 
(كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إلا أربع: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وَمَرْيَمُ بنْتُ عِمْرَانَ، و آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ)  

(( كَمُلَ من الرجالِ كثيرٌ ولم يَكْمُلْ من النساءِ إلا ثلاثٌ مريمُ بنتُ عمرانَ وآسيةُ امرأةُ فرعونَ وخديجةُ بنتُ خويلدَ وفضلُ عائشةَ على النساءِ كفضلِ الثريدِ على سائرِ الطعامِ ))

[  ابن كثير البداية والنهاية ]

هذه السيدة إحدى أربع نساء في الأرض كَمُلَتْ، وجعلها الله عزَّ وجل زوجةً لأكبر طاغيةٍ كافرٍ جبَّار، وفيما تروي الكتب اضطهدها، وعذَّبها لأنها عبدت غيره، عبدت ربَّها، وكانت قد آمنت بسيدنا موسى، (إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)

إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ


تروي بعض الكتب أنه كان يعذِّبها أشدّ العذاب، وهي تضحك، فعجِب، وقال: لعلَّها جُنَّت، لقد أراها الله قصرَها في الجنَّة، فكانت تضحك، (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
هذا يقودنا إلى قوله تعالى:

﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ۚ أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)﴾

[ سورة النور ]


وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ


هذه الآية ليست أمراً تكوينياً، بل هي أمرٌ تكليفيٌ، لو أن هذه الآية أمرٌ تكويني لوجب أن تكون كل زوجةٍ على شاكلة زوجها، (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) وما دمنا نجِد نساءً كثيرات طاهراتٍ عفيفات، مؤمناتٍ مسلمات، صائماتٍ مُصلّيات، ولهن أزواجٌ منحرِفون، فاسدون، جبَّارون، عُصاة، والعكس أيضاً، قد نجِد رجلاً صالحاً، مؤمناً، مستقيماً وله زوجةٌ فاجرة، ماذا نفعل بقوله تعالى: (وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) .
العلماء قالوا: "هذه الآية هي أمرٌ تكليفي وليست أمراً تكوينياً " ، فإذا كانت أمراً تكليفياً فإنهم يُقَدِّرون هذه الكلمة معها، أي ينبغي أن يكون الطيبون للطيبات، يعني يا عبادي إذا زوَّجتم بناتكم، أو زوَّجتم شبابكم فابحثوا عن الطيبين للطيبات، هذا أمر تكليفي، فإذا خالف الناس هذا الأمر فقد نجِد طيّبةً تحت إنسانٍ سيئ، أو طيّبٌ مع امرأةٍ خبيثة، فإذا كان كذلك فلا بُدَّ من أن يُحاسب كل امرئٍ عن نفسه، فالزوجة لا يعفيها من مسؤوليتها أنَّ زوجها مُنحرِف، وأنَّ زوجها يأمرها بأن تعصي الله عزَّ وجل، هذا لا ينجيها من مسؤوليتها أبداً.
أيُّها الإخوة الكرام، (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) 

حظوظ الدنيا موزَّعةٌ في الدنيا توزيع ابتلاء، وفي الآخرة توزيع جزاء:


أضع بين أيديكم هذه الحقيقة: حظوظ الدنيا موزَّعةٌ في الدنيا توزيع ابتلاء، وسوف توزَّع في الآخرة توزيع جزاء، فالمرأةُ زوجها مِن قدرِها، والرجُل زوجته مِن قدرِه، أولادُها من قدرِها، وأولاده من قدر الله عزَّ وجل، كلُّ إمكانات الإنسان وقدراته وحظوظه من الدنيا امتُحِن بها في الدنيا، لكن هذه الحظوظ سوف توزَّع في الآخرة توزيع جزاء، يعني امرأةٌ صالحةٌ، طيبةٌ مؤمنةٌ، مسلمةٌ تقيةٌ، عفيفةٌ طائعةٌ، صائمةٌ عابدةٌ، ذاكرةٌ مُصلِّيةٌ.. إلخ، لو أنَّ زوجها كان سيئ الأخلاق، فَظَّ الطباع، بعيداً عن منهج الله، ماذا نقول لها؟ الدنيا محدودة، إذا نجحتِ في هذا الامتحان، وصبرتِ عليه، وأدِّيتِ الذي عليكِ، وطلبتِ من الله الذي لكِ، وحظُّك من الزواج لم يكن وافياً، لكن الآخرة المديدة هذه سوف تنعمين بها في جنّةٍ عرضها السماوات والأرض، ونقول لرجُل له زوجةٌ على غير ما يريد، ليست صالحة، أتعبته كثيراً، نقول له: اصبِر عليها، فهذه مِن قدرِك، فإذا صبرت عليها فلعلَّ الله سبحانه وتعالى يُدخلك جنةً عرضها السماوات والأرض، وفيها من الحور العين كما وصف النبي عليه الصلاة والسلام، فالدنيا دار ابتلاء، والآخرة دار جزاء، الدنيا دار عمل، والآخرة تشريف.
الآية الأخيرة:

 وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا


﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)﴾

[ سورة التحريم ]

 كما قال عليه الصلاة والسلام: (كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إلا أربع: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وَمَرْيَمُ بنْتُ عِمْرَانَ، و آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ) (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا) .

 1 ـ من صفات المؤمن والمؤمنة إحصانُ الفرج:

فمن أولى صفات المؤمن أنه يُحصِن فرجه، ومن أولى صفات المؤمنة أنها تُحصِن فرجها، ماذا قال سيدنا جعفر للنجاشي؟
<<أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ >> أربع صفات: صدقه وأمانته وعفافه ونسبه، فأحد أكبر صفات المؤمن عفّته عمَّا حرَّم الله عليه.

من إحصان الفرج الإحصانُ من مقدِّماته:


فهذه امرأة عمران أحصنت فرجها، والحقيقة قضية إحصان الفرج تحتاج إلى مُقَدِّمات كثيرة، فغض البصر من إحصان الفرج، لأن الله عزَّ وجل يقول:

﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ(30)﴾

[ سورة النور ]

جاءت هذه الآية قبل الثانية لتُشير إلى أنَّ حفظ الفرج أساسه غض البصر، فالمرأةُ من إحصان فرجها غض بصرها، والرجُل من إحصان فرجه غض بصره، عدم الخَلوة من إحصان الفرج، عدم التعامل مع أُناسٍ ساقطين من إحصان الفرج.
ذكرت لكم من قبل أن ثلاثاً وثلاثين صفةً تجرح عدالة الإنسان، وكلكم يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: 

(( من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدَّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كَمُلَت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوَّته، وحرمت غيبته ))

[ الديلمي في إعلام الدين  ]

أي ظهرت عدالته، فعدالة الإنسان إحدى صفتين أساسيتين في المؤمن، الضبط صفةٌ عقلية، والعدالة صفةٌ نفسية، هذه العدالة تَسْقُط إذا كذَب الإنسان، وتسقط إذا ظلم الإنسان، وتسقط إذا أخلف وعده، لكنها تُجْرَح، وجرحها شيء، وسقوطها شيءٌ آخر، تُجرَح بأن يمشي الإنسان في الطريق حافياً، أو أن يبول في الطريق، أو أن يأكل في الطريق، أو أن يتنزَّه في الطريق، أو أن يصحب الأراذل، أو أن يأكل لقمةً من حرام، أو أن يُطَفِف بتمرة، أو أن يتحدث عن النساء، أو أن يقود برذوناً يُخيف الناس به، أو أن يُطلِق لفرسه العِنان، أو أن يعلو صوته في البيت، هذا كلُّه مما يجرح العدالة، (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا) .
من إحصان الفَرج غض البصر، من إحصان الفرج عدم الخلوة بأجنبي، من إحصان الفرج ألا تَصْحَب الأراذل، إن صحبتهم جرحوا عدالتك، من إحصان الفرج ألا تتحرك خطوةً نحو شيءٍ لا يرضي الله عزَّ وجل، لأن الله عزَّ وجل يقول:

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)﴾

[ سورة الإسراء ]

ينبغي أن تُبقي بينك وبين المعصية هامش أمان.

﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)﴾

[ سورة البقرة ]

 أبقوا بينكم وبينها هامش أمان.
فهذه مريم ابنة عمران أحصنت فرجها، فإذا طَبَّق الإنسان وسائل حفظ الفرج حفظه الله عزَّ وجل، وما من إنسان يقع في الفاحشة إلا بسبب أنه لم يأخذ بأسباب حفظ الفرج.
أضرِب لكم هذا المثل: صخرةٌ مُتَمَكِّنَةٌ في قمة جبل، أنت أمام أحد الخيارين، إمّا أن تبقيها في مكانها المنيع، وإمّا أن تدفعها، إن دفعتها فلن تستقر إلا في قاع الوادي، هناك من يَزْعُم أنه يدفعها لتقطع متراً واحداً، إن دفعتها من قمة الجبل فلن تستقر إلا في قعر الوادي، وكذلك الشهوة، إمّا أن تضبطها كما أراد الله عزَّ وجل، فإن لم تضبطها فالأمر لا ينتهي إلا إلى قاع الوادي، (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا) 

 2 ـ معنى: أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا

بالمناسبة في البلاغة شيءٌ اسمه الاستخدام، يضربون على هذا الضرب من البلاغة.
 مثلاً: تقول لإنسان: أقرَّ الله عين الأمير، أيْ عينه هذه، وأجرى له ماءها، عين الماء، ووقاه الله شرَّها، عين الحسود، أنت ماذا فعلت؟ ذكرت العين على حقيقتها، ثم أعدت عليها ضميراً إلى معنىً مجازيٍ لها، ثم أعدت ضميراً ثالثاً إلى معنىً مجازيٍ لها، فالفرج فتحة القميص، هي أحصنت فرجها، (أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا)

 3 ـ فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا

هذه الهاء تعود على معنىً آخر من معاني الفرج، وهي فتحة القميص، جيب الرداء، (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا) أي أنها جاءت بسيدنا عيسى من دون أب، وهذه معجزة، (وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ) .

 4 ـ وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ

الإيمان تصديق، المؤمن هو الذي يُصدِّق بكلام الله، يُصدِّق وعد الله، يُصدِّق وَعيد الله، يُصدِّق منهج الله، (وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ) المنقطعين لله.
هذه آيةٌ ثالثة، (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ) لذلك لمّا ربنا عزَّ وجل قال:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1)الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ(2)وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ(3)وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ(4)وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(5)إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(6)فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ(7)﴾

[ سورة المؤمنون  ]


 ملخص القول:


الذي يبتغي وراء زوجته 

﴿ بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (86)﴾

[ سورة هود ]

ماذا بقي لك من النساء؟ زوجتك، لا تثريب عليك، ما سوى الزوجة محاسبٌ أشدَّ المحاسبة.

 1 ـ علاقة المعصية بنتائجها الحتمية:

وشيءٌ آخر أيُّها الإخوة أذكره لكم، الإنسان إذا سلك منهج الله عزَّ وجل، فغض بصره عمَّا سوى زوجته أكرمه الله بمودةٍ بالغةٍ بينه وبين زوجته، أمّا إذا أطلق بصره دَفَعَ الثمن باهظاً في بيته، وكلّ شيء له ثمن، وإنَّ كل طاعةٍ لله فيها بذور نتائجها، فلو أنَّ إنساناً لمس مدفأة مشتعلة فاحترقت يده، نقول: لمسُ المدفأة سببٌ علميٌ لاحتراق اليد، فإنَّ كل طاعةٍ هي سببٌ علميٌ لنتائجها، وإنَّ كل معصيةٍ هي سببٌ علميٌ لنتائجها، فلذلك هناك علاقةٌ علميةٌ بين المعاصي ونتائجها وبين الطاعات ونتائجها، فهذه السيدة الكريمة الصدِّيقة، (الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ)  

 2 ـ يعنينا من القصة الدروس والعبر لا الأحداث:

أيُّها الإخوة الكرام، لا يعنينا قصةٌ وقعت قبل ألفي عام، الذي يعنينا من هذه القصة الحقيقة التي تَشُعُّ منها، الذي يعنينا من هذه القصة القاعدة التي قَعَّدَها الله في هذه القصة، الذي يعنينا من هذه القصة السُنَّة التي بيّنها الله عزَّ وجل من خلالها، (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ) كلٌ محاسبٌ بعمله، (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) لا يطمع الإنسان أن يصِل إلى الجنَّة إلا إذا كان على صلةٍ طيبةٍ بأهل الإيمان، لا يصِل إلى الجنَّة إلا إذا كان مستقيماً على منهج الواحد الديان، والذي يخرج عن منهج الله بضغطٍ من قريبٍ منه، فهذا القريب لا ينفعه، لأنه (لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق) .

 3 ـ المرأة مستقلة في دينها، وهي مسؤولة عن عملها:

فأول شيءٍ أتمنى أن يكون واضحاً في هذا الدرس، أنَّ المرأة مستقلةٌ في دينها، وفي إيمانها عن زوجها، وأكبرُ مثلٍ امرأة فرعون، صِدّيقة تحت يدي كافرٍ طاغٍ، ومع ذلك لم يستطع أن يحملها على أن تعبده، ولم تخضع له، وأطاعت ربها، وهذا الذي أرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون واضحاً لديكم، لا تعتذر بعذرٍ رفضه الله عزَّ وجل، لا تقل امرأةٌ لا أستطيع، هكذا زوجي يريد، المرأة الصالحة ترضي الله عزَّ وجل، وترضي زوجها في حدود منهج الله، أمّا أن تستجيب له في معصية فعندئذٍ لا تنجو من عذاب الله، لأنها مسؤولةٌ مسؤوليةً تامّةً عن عملها، والحمد لله ربِّ العالمين.

الملف مدقق

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور