وضع داكن
24-11-2024
Logo
الدرس : 3 - سورة البلد - تفسير الآيات 8 -20 خلق الإنسان ولوازم الإيمان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا عِلم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه، وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.

الله تعالى رقيبٌ على كُلِّ إنسانٍ وهو لِكُلِّ إنْسانٍ بِالمِرْصاد:


وصَلْنا في الدرس الماضي في تفْسير سورة البلد إلى قوله تعالى:

﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8)  وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ(12) فَكُّ رَقَبَةٍ(13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15 ) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)﴾

[ سورة البلد ]

الله سبحانه وتعالى بعد أن حَدَّثنا عن هذا الإنسان الغافل الذي يحْسَبُ أنْ لن يقْدر عليه أحد، يظُنُّ أنَّهُ لا حِساب ولا مسْؤولِيَّة ولا جزاء، وأنَّ القَوِيَّ يأكل حقَّ الضعيف وقُضِيَ الأمر، وأنَّ الضعيف يُؤْكَلُ حقُّه وقُضِيَ الأمر! هذا الذي يحْسَبُ أن لن يقْدِرَ عليه أحد، الله سبحانه وتعالى يذكُر قوله:

﴿ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7)﴾

[ سورة البلد ]

أيْ أنَّ الله تعالى رقيبٌ على كُلِّ إنسانٍ، لِكُلِّ إنْسانٍ بِالمِرْصاد، يَرى كيف كَسَبَ المال؟ وكيف أنْفَقَهُ؟ ومن أين جمعهُ؟ وكيف تاهَ على عِباد الله؟!!

العين من آيات الله الدالة على عظمته:


ثمَّ يقول الله سبحانه وتعالى: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) فَهَل فَكَّرْتَ أيُّها الإنسان في هاتَيْن العَيْنَيْن؟ أوَّلاً هذه العَيْن وضَعَها الله عزَّ وجل في مغارة سَمّاها العلماء الوَقْب، على طرفِها عظْمُ الأنف، وفي أعْلاها نُتوء الجبْهَة، ونُتوء الجبْهَة يحْميها من الصَّدمات، ومن أشِعَّة الشمْس الحادَّة ومن التعرُّق، وهذه العَيْن موْضوعةٌ على وسائِد شَحْمِيَّة ودِهْنِيَّة، وهذه الوسائد تقيها الارْتِجاج، وهذه العَيْن خلقها الله عزَّ وجل في رَحِم الأمّ، فهناك الضَّوْءُ مُنعدِمٌ، والعَيْنُ لا ترى إلا بالضَّوْء، وكأنَّ الله سبحانه وتعالى أعدَّ الإنسان وجَهَّزَهُ بما يحْتاجه بعد خُروجِهِ من بطْن أُمِّهِ، فأيُّ طبيعَةٍ عَمْياء شَكَّلَتْ هذا الجنين؟! هذا كلامٌ لا يقْبَلُهُ عَقْلٌ! فالضَّوْءُ ترى به العَيْن، وكذلك الأُذُن تسْمعُ عن طريق الصوت، فلا سمْعَ بلا صَوْت، ولا رؤية بلا ضوء،(أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) .
قال بعض العلماء: هذه العَيْن التي أوْدَعَها الله في الإنسان مُؤَلَّفَةٌ من طبقاتٍ ثلاث: 
الطبقةُ الأولى: هي الطبقة القرْنِيَّة المتينة.
الطبقةُ الثانِيَة: هي الطبقة المشيمِيَّة التي تُؤَمِّنُ تغْذِيَة العَيْن بِمئات أُلوف الشرايين والأوردة والشَّعْرِيات.
الطبقة الثالثة: هي الطبقة الشَّبَكِيَّة التي تتلَقى الإشْعاعات الضَّوْئِيَّة.
 طبقةٌ قرنِيَّة وطبقةٌ مشيمِيَّة، وطبقةٌ شبَكِيَّة، وهذه الطبقات على مُسْتوى العَيْن كلها كَكُرَة، أمّا في مُقَدِّمة العَيْن فَشَيْءٌ لا يُصَدَّق، أوَّلاً الطبقة القَرْنِيَّة وهي في مُقَدِّمَة العَيْن شَفافَةٌ تماماً، وليس في جِسْم الإنسانٍ نسيجٌ مهما كان نوْعُهُ إلا وَيَتَغَذى عن طريق الشَّعْرِيات، إلا قَرْنِيَّةُ العَيْن فَمِن أجل أنْ تكون شَفافةً مئة بالمئة، فَهِيَ تتغَذى بِطَريقَةٍ فريدة، وهي طريقة الحُلول، فالخلية الأولى في القَرْنِيَّة تأخذ الغِذاء وتُعْطيهِ لجارَتِها عن طريق الحُلول لا عن طريق الشَّعْرِيات من أجل أنْ تكون قَرْنِيَّة العَيْن شَفافَةً مئة بالمئة، وقد َشَبَّهها بعضُهم ببلورة الساعة، وقد يظن أحدُنا أنَّ قرنيَّة العين طبقةً شفَّافة، إنها خمس طبقات شفافة، الطبقة الوسطى تتألّف من خمسين صفيحة شفَّافة متراكبة بعضها فوق بعض، لتؤمِّن الرؤية الصحيحة، ولا يعلم إلا الله سرَّ تكوُّنها من خمس طبقات، وهذه قرنية العين الخارجية، ماذا بعد القرنيّة؟ بعدها سائلٌ اسمه الخلط المائي، حجمه لا يزيد عن سنتيمتر واحد مكعب وربع، وهذا السائل يؤَمِّن توازن كُرة العين، ولولا هذا السائل لفقد الإنسان رؤيته، فمن منَّا يُصدِّق أن هناك آلاف الشرايين المائية التي تبدِّل هذا السائل الذي يقع خلْف القرنية باستمرار، وهو الذي يقوله العوام: المياه الزرقاء! سائلٌ له كثافةٌ مُعَيَّنة، يحْفظ توازن قَرْنِيَّة العَيْن، فلو ازْداد ضغْطه أو قلّ لانْعَدَمت الرؤية.

المُطابقة في العين يعْجَزُ عنها أكبر علماء الأرض:


ماذا يأتي بعد هذا السائِل، الخلطْ المائي؟ تأتي القُزَحِيَّة، فلان عَيناه زرْقاوان، وفلان له عينان عَسَلِيَّتان، وفلان له عينان سَوْداوان، القُزَحِيَّة فَتْحَةٌ بعد القَرْنِيَّة تضيقُ وتتَّسِع، فَمِن أجل أن تضيق هذه الفَتْحة أو تتَّسِع، من مِنّا يُصَدِّق أنَّ هناك عضلاتٌ دائِرِيَّة، وهناك عضلاتٌ شُعاعِيَّة، والعَضلات الشُّعاعِيَّة تتَّصِل بِعَصَبٍ، والعضلات الدائِرِيَّة تتَّصلُ بِعَصَبٍ آخر، عَصَبٌ وُدِّي وعصَبٌ نظيرُ الوُدِّي، فمِن تأثير هذين العَصَبَيْن تُفْتَحُ هذه الفتْحَة، فالإنسان إذا دخل إلى غُرْفَةٍ مُظْلِمَة، وكان بِيَدِهِ مرآة، لو نظر إلى عَيْنَيه قبل أنْ يدخل إلى هذه الغرفة لرأى حَدَقَتَهُ صغيرةً صغيرة، فإذا دخل إلى الغُرْفَة رآها تتَّسِع من دونِ حَوْلٍ منه ولا قوَّة، من دون إرادةٍ منه، فاتِّساعُ الحَدَقَة وضيقُها يتِمُّ بِشَكْلٍ لا إرادي، وبِتَوازُنٍ عجيبٍ بين عَصَبَيْن يعْملان عملاً مُتكامِلاً، الواحد مُرْتَبِطٌ بالنوم، إذا اشْتَدَّ تأثير هذا العَصَب تَضيقُ الحَدَقَةُ شيئاً فشيئاً ويضْعُفُ النور، والآخر يتَّصِل بالنَّشاط والحَيَوِيَّة، على كُلٍّ فتحة العَيْنُ تزيدُ وتنْقُصُ بِحَسَبِ شِدَّة الضوء، فهذا الذي نعْرِفُهُ من قبل، ولكنَّ العلماء اِكْتَشَفوا أنَّ فتْحَةَ القُزَحِيَّة تكْبُر وتصْغُر بِعامِلٍ آخر وهو بُعْد الإنسان وقُربه عن الشيء المرئي، فلو ابْتَعَد الشيء كثيراً تزْداد الفَتْحة كي تأخذ أكبر كميةٍ ممكنة من الضوْء والمنظر، وإذا اِقْتَرب تضيقُ الحَدَقَة، فهناك تطابُقٌ يعْجز عنه الإنسان يجْري في العَيْن، من حيثُ فَتْحَةُ القُزَحِيَّة ضيقاً واتِّساعاً بِحَسَبِ شِدَّة الضوء، وبحسب قُرب الشيء المرئي.
 فالإنسان إذا أمسك آلة تصْوير وأخْبروه أنَّ هذه الآلة تعمل بِشَكْلٍ أوتوماتيكي، يعني بِحَسَب الضوء تضيقٌ فتْحَتُها أو تزْداد تراهُ يعْجَبُ عجَباً شديداً ما هذا الاخْتراع العجيب؟! وهذه آلاتٌ نادرة أن فتحة العدسة تتسِّع أو تضيق بحسب شدَّة الضوء، لكن مُعْظمُ الآلات أنت الذي تُقَرِّر كم تكون الفَتْحَة بِحَسَب شِدَّة الضوء، لكنَّك إذا اطَّلَعْتَ على آلة تصْويرٍ فتحتها تعْمل ذاتِياً، لَدُهِشْتَ دهشاً شديداً! وكَيْفَ يفوتُك أنَّ هذه العَين التي تحْمِلُها تتَّسِعُ حَدَقَتُها وتضيقُ بِحَسَب شِدَّة الضَّوْء، أو قُرْبِك من الشيء المرْئي وأنت لا تشْعر، وكيف تَتِمُّ هذه الآلِيَّة؟! بِشَكْلٍ مُعَقَّدٍ جداً! مجْموعة عضلاتٍ دائِرِيَّة بعْضُها أكبر من بعض، ومجموعة عضَلاتٍ شُعاعِيَّة كالشُعاع وهذه مُتشابِكة، العضلات الدائِرِيَّة، والعضلات الشُعاعيَّة مُتشابكة بعضُها يأتمر بِعَصَب، وبعضُها الآخر يأتمر بِعَصَب، فإذا تقَلَّصَت العضلات الدائِرِيَّة ضاقتْ فتْحَةُ العَين، وإذا انبسطت اِتَّسَعَتْ، فسبْحان الخلّاق العليم.
 ماذا بعد القُزَحِيَّة؟ يأتي جِسْمٌ بِلَّوْري هو العَدَسَةُ في العَيْن، وليْس في الكون كُلِّهِ عَدَسَةٌ تُشْبِهُ هذه العَدَسَة إطْلاقاً، إنَّها عدسة ولكنها عَدَسَةٌ مَرِنَة يُحيطُ بها جِسْمٌ هُدْبي، له مئة وعشرون عضَلَة مربوطة بِأطْراف العَدَسَة، هذه العضلات إذا تقَلَّصَتْ، شَدَّتْ الجِسْم البِلَّوْري فَقلَّ احْتدابُه، وإذا اسْتَرْخت ازْداد اِحْتدابُ الجِسْم البِلَّوْري، لماذا كان هذا الجِسْمُ البِلَّوْري مَرِناً؟ ولماذا يزْداد اِحْتدابُه ويَقِلُّ أو يتقَطَّع؟ لأنَّ الإنسان إذا كان الشيء الذي يراهُ بعيداً عنه، فقد يقعُ الخيال قبل الشَّبَكِيَّة أو بعْدَها، فَمِنْ أجْل أنْ يقع خيالُ كُلِّ شيءٍ أمام عَيْنَيْك على الشِّبَكِيَّةِ تماماً لا بُدَّ من مُطابَقَة، وهذه المُطابقة يعْجَزُ عنها أكبر علماء الأرض، نحن نعْجَزُ عن فَهْمِها فَكَيْفَ بِصُنْعِها؟!!

إعجاز الله في خلقه:


المُطابَقَة شيءٌ لا يُصَدَّق، حينما يقْذِفُ لاعِب الكُرَةَ بعيداً، فالمسافة ازْدادَتْ، فَلَو أنَّ الجِسم البِلَّوْري صُلْبٌ، لا ترى الكُرةَ إلا في حالةٍ واحدة وعلى مسافَةٍ واحدة، أمَّا إذا ازْدادَتْ أو قَلَّتْ فتنْعَدِمُ الرؤية وتُصْبِحُ ضبابِيَّةً غير دقيقة، لكنَّ الجِسْم البِلَّوْري المرِن حينما تبْتَعِدُ الكُرة، فكأنَّ هناك عقْلاً عظيماً قاسَ المسافة بينك وبين الكُرة، ثمَّ ضغط على العضلات الهُدْبِيَّة التي تقلَّصَتْ وضَغَطَتْ على الجِسْم البِلَّوْري فازداد اِحْتدابُهُ فَوَقَعَ الخيال على الشَّبَكِيَّة، فيا تُرى هل رأيْتَ الشيء قبل أنْ تحْسب المسافة؟ أم حسبْتَ المسافة قبل أنْ ترى الشيء؟ هذا شيءٌ لا يسْتطيعُ العقْل تصْديقهُ ولكنه واقِعٌ.

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)﴾

[ سورة الحديد ]

هذا العمل المُعَقَّد، أنا أقول لكم، لو أعْطَيْنا عَدَسَةً مرِنَة لِدُكْتوراه في الضوء، وأمْسَكْنا شمْعَةً وَحَرَّكْناها حركةً عَشْوائِيَّة وقلنا لهذا الدكتور: أنت بِكُلِّ ما أوتيتَ من عِلْمٍ وفَهْمٍ، اِضْغَط على هذا الجسم من أجل أنْ يكون خيال هذه الشمْعة على هذه اللوحة باسْتِمْرار يقول لك: لا أعرف، وإذا عَرَفْتُ لن أسْتطيعَ مُتابَعَة الحركة، فكَيْفَ يتِمُّ التطابقُ في العَيْن؟! هذا الجِسْم البِلَّوْري بعد الأرْبعين يفْقِدُ بعض نشاطه، وتقِلُّ مُرونته فَنَحْتاجُ إلى هذه النَّظارات! وقبل الأربعين ترى الشيء قريباً وبعيداً، ولكن بعد هذه السِنّ يُصبح أكثر تصلُّباً وأقلَّ مرونةً، فلا تسْتطيع أنْ ترى الأشياء القريبة والكلمات الصغيرة، هذا الجِسم البِلَّوْري، (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) .

المخاريط والعصيات والحكمة من وجودها في العين:


هذه القَرْنِيَّة المتينة من أمْتَن الأنْسِجَة، القَرْنِيَّة متينة جداً، أحْياناً اللَّحام بِسِكِّينِةٍ حادَّة لا يسْتطيعُ قطْعَ القَّرْنِيَّة، قرنيَّةٌ شفافةٌ، مُؤلَّفة من خمْسِ طبقاتٍ مُتراكِبَةٍ، وبينها خمْسون صفيحة، وبعدها خلْطٌ مائي بِكَثافَةٍ مُعَيَّنة وبِنِسَبٍ مُعَيَّنة، يتِمُّ تجْديدهُ باسْتِمْرارٍعن طريق آلاف الشرايين المائِيَّة، وبعد هذا الخلْط المائي قُزَحِيَّةٌ تكْبر وتصْغُر بِعَمَلِيَّةٍ لا إرادِيَّةٍ فوق طاقة البشر، تتأثَّرُ بالضَّوْء والمسافة، وبعْدها تأتي العَدَسَة المَرِنَة المُحاطة بِمئةٍ وعشرين عَضَلَة، تضْغط وتسْتَرْخي بحيث يقعُ الخيال على الشِّبَكِيَّة دائِماً، وبعد هذا الجِسْمُ البِلَّوْري يأتي الخلْطُ الزُّجاجي، وكُلُّها أوْساطٌ شفافة يخْتَرِقُها الضوء إلى أنْ يصل الضوء إلى مكانٍ اسمُهُ الشِّبَكِيَّة، وإلى بؤرةٍ ضَيِّقَةٍ جداً اسمُها البؤرة الصَّفْراء، يجْتمع هناك مئةً وثلاثون مليون مخْروط وسبْعَة ملايين عُصَيَّة! لمَ المخاريط ولمَ العُصيَّات؟ المخاريط من أجل اسْتِقبال الألوان والإضاءة الشديدة، والعُصَيَّات من أجل اسْتِقْبال الضوء الضعيف والألوان البيْضاء والسَّوْداء، فالعُصيات لا ترى إلا الأبيض والأسود والرَّمادي مع الضوء الباهت، وفي المخاريط ترى الإضاءة الشديدة مع الألوان، مئةً وثلاثون مليون مخْروط وسبْعَةُ ملايين عُصَيَّة.
القُدْرة على الإبْصار ترْتفعُ من واحد إلى خمسمائة إلى خمْسة آلاف إلى عشْرين مليون ضِعْف، والعلماء اكْتَشفوا أنَّ هناك حيواناتٍ كثيرة، كالقِطط والكلاب والأغنام ليس في شَبكيتها إلا العُصَيَّات! فهي لا ترى إلا الأبْيض والأسْود.

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)﴾

[ سورة الإسراء ]

فلو أنَّك ترى الأبيض والأسْود والرمادِيّ فقط فما قيمة هذه الأزهار الجميلة؟ وما قيمة زُرْقَة السماء و زُرْقَة البحْر؟ وما قيمة هذه الألْوان الزاهِيَة؟ كُلُّ هذه الألْوان التي خلقها الله في الأرض المُمْتِعَة الجميلة، لا قيمة لها لو حُذِفَتْ من شَبَكِيَّة العَيْن المخاريط وبَقِيَتْ العُصَيَّات، سَترى ولكِنَّك ترى الأبيض والأسْود فقط! (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) .

الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في ثمانِيَ عشرة آية ذكر السَمْع والبصر:


والله الذي لا إله إلا هو، لو فَكَّرْنا في العَيْنَيْن وحدهما لذابت نُفوسُنا خَوْفاً وخُشوعاً وتعْظيماً، (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) .يا رب لمَ خَلَقْتَ لنا عَيْنَيْن؟ ماذا لو خلَقْتَ لنا عيْناً واحدة كما خَلَقْتَ لنا أنفاً واحِداً؟! بالعَيْن الواحِدة لا ترى إلا المُسَطَّحات، أمّا بالعَيْنيْن ترى الحُجوم، يعني بالعَيْن الواحدة ترى الطول والعرْض، وبالعَيْنَيْن ترى الطول والعرض والبُعْد، والتَّجْربة سهْلة في هذا، فلو حاوَلْتَ أن تضع الخيط في الإبرة بِعَيْنٍ واحدة، لأدْخَلْتَ الخيط عن بُعْد عشرة سنتمتر ظناً منك أنَّك تُدْخِلُهُ في الثُّقب!! لكن بالعَيْنَيْن تكْشِفُ المسافة التي هي العُمْق، ولولا العينين لما قدَّرْتَ المسافات، فأربع أخْماس حركاتنا في الطريق مشْياً أو ركوباً أو قِيادَةً للسيارات، تقدير مسافات، بعينٍ واحدة لا بُدَّ من أن تُرتكَب الحوادث (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) ، من جعل الضوء؟ بالمُناسبة الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، في ثمانِيَ عشرة آية ذكر السَمْع والبصر، وفي سبْعَةَ عشرة آية حصْراً ذكر السَّمْعَ قبل البصر! والشيء الثابت عِلْمِياً أنَّ حاسَّة السَّمْع تتشَكَّلُ قبل حاسَّة البصر، وأنَّ الجنيــن يسْمعُ بعض الأصوات وهو في بطْن أُمِّه، وأنَّهُ يسْتجيبُ للأصْوات بِحَركةٍ ما وهو في بطْن أُمِّه، ولكنَّهُ لا يسْتجيبُ للضَّوْء إلا بعد الوِلادة، ولذلك في سبعة عشرة آية قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (78)﴾

[ سورة المؤمنون ]

وفي آيةٍ واحدة: 

﴿ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12)﴾

[ سورة السجدة ]

لأنَّ الضَّوء سُرْعَتُهُ ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانيَة، أمّا الصوت فَسُرْعَتُهُ ثلاثمائة وثلاثون متراً في الثانِية، أنت ترى البَرْق قبل أنْ تسْمع الرَّعد مع أنَّهما يخْرُجان في وقْتٍ واحد، ترى البرْقَ أوَّلاً وتسْتَمِعُ إلى الرعد ثانِياً، (رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا) .
هناك أمْرٌ آخر، ربنا ركَّز على السمْع والبصر في القرآن بشكلٍ واضح، بخلاف بقية الحواس كالشمِّ واللمس والإحساس بالحرارة والضغط والبرودة والألم والذوق، ذُكِرت ولكن بشكلٍ قليل.

مَنْفَذَ القلب هو السمع و البصر مُغلَق بحبِّ الدنيا:


قال بعضهم: لأن السمع والبصر هما نافذتان تطلُّ منهما على العالم الخارجي، وعن طريقهما تتلقَّى الحالة الراهنة المرئية والمسموعة، ومن خلال هذا التقرير تستطيع التكيُّف في الحياة، ومن خلال السمع والبصر تُكتَسب المعارف، فلا نُطق بلا سمع، ولا كتابة بلا بصر، ربنا عزَّ وجل قال:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)﴾

[ سورة البقرة ]

منفَذَ القلب ختمه حُكماً، لأن مَنْفَذَ القلب وهو السمع و البصر مُغلَق بحبِّ الدنيا، هذا عن قوله تعالى: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) .
وهناك أشياءً كثيرة في العين، فهذه الأجفان التي تعمل بشكلٍ لا إرادي، ست عشرة حركة في الدقيقة، مع عشرين إلى ثلاثين فوهة من فوهات الغدد الدَّمعية مُركَّزة في أعلى الأجفان، من أجل تطهير العين وتسهيل حركة الجفن، وتعقيمها، وجعلها برَّاقةً جميلة، وهناك قناةٌ دقيقةٌ جدّاً، لا تستطيع العين رؤية فتحتها هي القناة الدَّمعية، هي التي تُصرِّف الدمع الذي ينهمر من الغدد، فإن كان الدمع المُنهمر أكثر من طاقة التصريف فاض الدمع، وهذا ما قاله الله تعالى:

﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83)﴾

[ سورة المائدة ]


بالسمع والبصر والأفئدة تُكتَسب المعارف:


البُكاء ليس هطول الدموع، الدموع تهطل ولكن البُكاء فيضان الدموع، وهذه القناة الدمعية لو أنها سُدَّتْ لأصبحت حياتُنا لا تُطاق، فلا بُدَّ من مسح هذا الدمع كل دقيقة إلى أن يحفر الدمع طريقاً على الجلد، فيلتهب الجلد لأن الدمع مادةٌ قلويَّةٌ مُذيبة، فلو أنَّ إنساناً دخلت في عينه حبةُ رملٍ لذابت بعد ساعات، مَن خلق هذا الدمع؟ تلك المادة القلوية التي تُذيب كل شيء، حتَّى أنَّ هناك بعض الحالات نثرات من الفولاذ يُذيبها الدمع، ويسهِّل حركة الجفن، ويعطيها هذا البريق(أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) .
من مِنّا يشكر اللهَ على عينيه؟! هذه الحواجب التي تحجُب العين عن الشمس وأشعَّتها الحادَّة، وتعيق هطول العرق عن العين، وتجعل الإنسان ذا منظرٍ حسَن، (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) من لوازمها الحواجب.
وهذا المكان المحمي، وهذه الوسائد التي ترتاح عليها العين، وهذه العضلات الجانبية، والعُلويَّة، والسُّفليَّة، والإنسية، والوحشية، والمائلة لتحريك العين، وهذا العصب البصري من ثقب له في قعر العين حفرةً، لا بُدَّ من مهندس، حينما ترى ثقباً كبيراً في جسم السيارة يمرّ فيه كبل كهربائي، هذا يعني أثناء التصنيع قبل تركيب الكهرباء في السيارة هناك مُخطِّط، هناك مهندس قد صمَّم هذا الثقب ليمرَّ منه هذا الكبل، كذلك في قعر العين ثقبٌ يمرُّ منه العصب البصري، فيه خمسمائة ألف عصب بصري، نصف مليون ومع ذلك الله عزَّ وجل قال:

﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)﴾

[ سورة النحل ]

معنى ذلك بالسمع والبصر والأفئدة تُكتَسب المعارف.( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) .

لا بُدَّ للعين من أربعة أشياء حتَّى تبصر:


ربنا عزَّ وجل قال عن هذا الإنسان الذي يقول: لن يقدر عليَّ أحدٌ، هذا الذي يرى نفسه فوق البشر، هذا (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) هو الذي صمَّمهُما، فالإنسان إذا اغتنى أو أصبح ذا شأنٍ بفضل ماله، يرى نفسه فوق الناس (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا) ، يقول أحدهم: كلَّفني زواج ابنتي في الفندق ثمانين ألفاً في حفلةٍ واحدة، (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا) .
(أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ) لماذا لم يُقدِّر الله عزَّ وجل؟ لأنه لم يفكِّر في عينيه، (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) يعني السياق في الآيات، لماذا قال هذا الكلام؟ لماذا قال: (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا) ، ولماذا يظن أنه لن يقدر عليه أحد؟ لأنه لم يفكِّر في عينيه (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) .
هناك شيءٌ آخر، هو أنَّ العين لا بُدَّ لها من أربعة أشياء تتوافر لها حتَّى تُبصِر، وإلا لا ترى، لا بُدَّ من شدَّة ضوءٍ كافٍ، بدون الضوء لا ترى العين، ولا بُدّ من طول الجسم الكافي، فهناك حجمٌ إذا قلَّ عنه لا ترى العين، ولا بُدَّ من وقتٍ كافٍ يبقى فيه الخيال في الشبكية، ولا بُدّ من طول موجةٍ بحدٍّ أدنى حتَّى ترى العين، ولذلك نحن لا نرى الأشعَّة تحت الحمراء، ولا فوق البنفسجية، فإذا وضعتَ مرآةً داخل وعاء فيه ماءٍ صافٍ، ووضعت الوعاءَ في الشمس فإنه يرى سبعة ألوان على الحائط، فموضوع الألوان موضوع حيَّر العلماء، فما هو اللون الأبيض؟ هو ضوءٌ سُلِّط على شيء فعكسَه كله، فما دام هذا الشيء عكَسَ الضوء كلّه فهو أبيض، وما هو اللون الأسود؟ ما دام قد امتصه كلَّه فهو أسود، وإذا امتصَّ بعضه وردَّ بعضه فهو رمادي، وإذا امتصه كلَّه عدا الأزرق فهو الشيء الأزرق، والشيء الغريب أنك تقول إن هذا الشيء أخضر، وليس هو الأخضر، إنه امتصَّ الألوان كلَّها إلا الأخضر فلا لون بلا ضوء،(أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ)، فلولا ضوء الشمس فما قيمة هذه العين؟! ولولا العين فما قيمة ضوء الشمس.

اللسان أيضاً من آيات الله الدالة على عظمته:


ربنا سبحانه وتعالى يقول: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8)  وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ) ، طبعاً "القرآن حمَّالُ أوجه" كما قال سيدنا علي، أي ألم ترَ هذه الآيات يا عبدي، ألم ترَ هذه السماوات والأرض بعينيك؟ وألم ترَ بعينيك الشمس والقمر؟ ألم ترَ بعينيك الجبال والصحارى والسهول والبحار والأنهار؟ ألم ترَ بعينيك الأزهار والأشجار؟ ألم ترَ الطيور والأسماك؟ ألم ترَ بعينيك نفسك في المرآة؟ ألم ترَ ابنك؟(أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) هناك آياتٌ كثيرة في الأرض

﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ (20)﴾

[ سورة الذاريات ]

تملك العينين وإن كنتَ لم ترَ هذه الأشياء، أي لم ترَ حقيقتها.
(وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ) لِمَ لا تسأل باللسان؟ فالسؤال نصف العِلم، ومفتاح العِلم السؤال، هذا اللسان يلفظ ثمانية وعشرين حرفاً، وفي كل حرفٍ تُسهم في صنعه سبع عشرة عضلة، اللسان مؤَلَّف من سبع عشرة عضلة، تأخذ أوضاعاً مُعيّنة فيظهر حرف الدال، وهذا يعرفه علماء التجويد، مخارج الحروف، وصفات الحروف، وقوَّتها، وهمسها، وصفيرها، وشدَّتها، ورخاوتها، وعلوّها، وما شاكل ذلك، فهذا اللسان الذي ينطق، إذا كان كل حرف سبع عشرة عضلة، والكلمة فيها خمسة حروف، فينتج حوالي ثمانين حركة عضلة، فإذا درس ساعة، كم حركة عضلة ساهمت في صنع هذا الدرس؟!(أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ)

بالبيان يتصِّل الإنسان


﴿ الرَّحْمَٰنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3)عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)﴾

[ سورة الرحمن ]

أحياناً الطفل يبكي، فتظن أنه جائع فلا يأكل، أو تظن أنه يحتاج إلى تغيير الملابس فتجده نظيفاً، وتحتار لبكائه، وبعدها تجد دبوساً دخل فيه لأنه لا يستطيع أن يتكلم، أمّا الراشد يقول لك أشعر بشيءٍ ينغزني هنا (الرَّحْمَٰنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3)عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) ، بالبيان الإنسان يتصِّل مع الناس جميعاً، الآن هناك اتصالٌ بيننا، اتصال لغوي، حتى أن تعريف اللغة: هي أداة اتصالٍ بين أفراد النوع، وهذا التعريف الاجتماعي، وهناك تعريف نفسي: فاللغة أداةٌ يعبِّر بها الإنسان عن أفكاره ومشاعره، وهناك تعريف بيولوجي أنَّ اللغة مقاطعٌ صوتية يعبَّر بها عن الفكر والعاطفة، فاللسان شيءٌ ثمين، وفوق أنه أداةً للتكلم، فهو أداةٌ للذوق، الحلو في المقدِّمة والمُرُّ في المؤخِّرة والحامض والمالح على الأطراف، وهناك تسعة آلاف حُلَيْمة، وكل حُلَيْمة فيها مئة وتسعون بؤرة تتلقَّى المواد الكيماوية.

(( أبردوا بالطعامِ فإن الحارَّ لا بركةَ فيه ))

[ أخرجه الديلمي  ]

لأنَّ الطعام الحار يضعِف خلايا الذوق، لا بركة في الطعام الحار، فهذا هو اللسان فيه حُلَيْمات، والحليمات فيها كؤوس، والكؤوس نهاياتٌ عصبية تتأثَّر كيميائياً بالطعوم، وهناك أربعة أطعمة: حلوٌ و مُرٌّ وحامض ومالح، فمن امتزاج هذه الأطعمة تتألف آلاف الطعوم، ومن تداخل الروائح تنشأ النكهات، لو لم يكن ثمة لسان لأكل الإنسان تبناً وشبع، ولكن باللسان يعرف الطعام، ويفرِّق بين السمن العربي والسمن الحيواني، ويقول: هذا الإجاص ليس له نكهة، فربنا عزَّ وجل قال: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) فهل تُحب أن توجه الآية لأنَّ أداة العِلم السؤال، (وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ) هل تحب أن توجهها كنعمةٍ من نِعم الله تنطق به، وتحس بالطعوم به، (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8)  وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) .

كل ما أمرنا به الله تعالى مُتَّفق مع الفطرة وكل ما نهانا عنه مُتَّفق مع الفطرة:


الطفل عندما يُولَد لا يعلم شيئاً، وكل المعارف والخبرات والمهارات والحقائق والمفاهيم تنشأ مع الطفل إلا منعكَساً واحداً مُعقداً يُولَد معه، وهو منعكس المصِّ، بمجرد ما يُولَد الطفل يضع شفتيه على حلمتي ثدي أُمِّه ويحكِم إغلاقهما، ويسحب الهواء، فيأتي مع الهواء الحليب، من علَّمه ذلك؟!
(أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8)  وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) بعضهم قال: النجدان طريق الخير والشر، أي الحلال بيِّنٌ والحرام بيِّنٌ من دون تعقيدات ومن دون كتب تفسير، فالسرقة حرام بالبديهة، والعمل حلال، والزواج حلال والزِنا حرام، وشرب الشاي حلال وشرب الخمر حرام، فالخير واضح والشَّر واضح، 

(( إنَّ الحلالَ بيِّنٌ، وإنَّ الحرامَ بيِّنٌ، وبينهما أمورٌ مُشتبِهاتٌ، وأحيانًا يقولُ: مشتبِهةٌ، وسأضرِبُ لكم في ذلك مثَلًا؛ إنَّ اللهَ حمَى حِمًى، وإنَّ حِمَى اللهِ ما حرَّم، وإنَّه مَن يرعى حول الحِمَى يوشِكُ أن يُخالِطَهُ، وإنَّه مَن يُخالِطِ الرِّيبةَ يوشِكْ أن يجسُرَ. ))

[ سنن أبي داوود ]

فالإنسان له حاسة يدرك بها الحقَّ من الباطل، والخير من الشر من دون أن يتعلَّم شيئاً إطلاقاً، هذه بالفطرة، ولذلك الإسلام دين الفطرة، فكل ما أمرنا به الله تعالى متوافقٌ مع الفطرة، وكل ما نهانا عنه متوافقٌ مع الفطرة، فالأجانب الذين لا يعلمون عن الدين شيئاً يقولون: بعد الانحرافات هناك شعورٌ بالكآبة، هذا عذاب النفس وعذاب الضمير، هذا شعور بالبعد، هذا الإحساس بالمعصية فربنا عزَّ وجل قال: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8)  وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) 
وبعض المفسِّرين قالوا: النجدان الثديان، هدية ثمينة، أوَّلاً بمجرَّد أن يبكي الطفل جوعاً فالحليب جاهز، لا يلزمه غليٌ ولا تعقيم، أو لا يوجد حليب، أو نسينا شراء الحليب، أو ليس هناك غاز لتسخين الحليب، فكل هذه المتاعب مُلغاة (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) ، حليبٌ يتوافق مع أجهزة الطفل، ومع قدرته على الهضم، ومع نموِّ عظامه، ونمو أنسجته، يوماً بيوم وساعةً بساعة.

كلمة (النجدين) لها تفسيران إما طريق الخير والشر أو الثديين:


لو أخذنا حليب الأم يوميّاً وحلَّلناه، كل يوم له تركيب، أمّا عُلب الحليب فيقولون: من الشَّهر الأول إلى الشهر الثالث ملعقتان، ومن الثلاث إلى الست ثلاث ملاعق، أمَّا على مستوى الأم فكل يوم هناك تركيب جديد، ثمَّ هناك اتِّصال لاسلكي بين الطفل وأُمِّه، تكون عند الجيران فتقول استيقظ ابني نزل الحليب، ما هذا الاتصال؟! ثم إنَّ الحليب ساخن في الشتاء بارد في الصيف، ومُعَقَّمٌ وفيه مناعة تامة، مناعة الأم كلها في حليبها، فإذا الطفل ألتقم ثدي أُمه فإن احتمال التهاب الأمعاء قليل جدّاً، لأن مع الحليب مناعة الأم، والأم أخذَت اللِقاحات ضدَّ كلِّ الأمراض، عندها مناعة، وهذه المناعة كلها في حليبها، وحليبها في الطفل، فالطفل عنده مناعة، وحليب الأم يُهضَم في ساعةٍ ونصف، بينما حليب البقر يحتاج إلى ثلاث ساعات بالضبط، نصف الوقت تماماً، (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) .
الآن حالات سرطان الثدي تزداد أربع مرات عند النساء اللواتي لا يُرضعن أولادهنَّ، فإذا أخذنا مائة امرأة ترضع أولادها، ومائة أُخرى فاحتمال مرض سرطان الثدي في اللواتي لا يرضعن أولادهن أربع أمثال، هذه قرينة، (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) أي الثديين، هذا التفسير قاله مجموعةٌ من التابعين منهم سعيد بن المُسيِّب، النجدان هما الثديان، وإذا قلنا: هما الخير والشرّ فهناك تناسب مع (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) يرى بهما الآيات، ولساناً يسأل به عن ربِّه، وشفتين ليسكت عن الباطل، وخيرٌ وشرٌّ واضحٌ للعَيان، فعليه أن يسلك طريق الخير ويبتعد عن طريق الشر، وإذا فهمنا العينين كنعمةٍ كبرى أنعمها الله علينا، واللسان للنطق والذَّوق، والشَّفتين لالتقام الثديين، فالنجدان هما الثديان، طبعاً هذه الآيات لا على سبيل الحصر بل على سبيل المثال، (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8)  وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)  

من أوجَه التفاسير لهذه الآيات أن تعتق رقبتك من الشهوات:


(فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) إلى الآن لم يقتحم العقبة، ماذا ينتظر؟ وماذا يفعل؟ وما الذي يحجزه عن اقتحام العقبة؟! وما الذي يؤخِّره، قال تعالى (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ)
(وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) من أوجَه التفاسير لهذه الآية، أن تُعتِق رقبتك من الشهوات

((  تعِس عبدُ الدينارِ، تعِس عبدُ الدرهمِ، تعس عبدُ الخميصةِ، تعس عبدُ الخميلةِ، تعِس وانتكَس وإذا شيكَ فلا انتقشَ ))

[ صحيح البخاري ]

إذا استطعتَ أن تُعتِق نفسك من الشهوات فقد اقتحمتَ العقبة، بينك وبين أن تكون مؤمناً عَقبةٌ واحدة، بَيْنَ أن تكون شقيّاً وأن تكون سعيداً عَقبةٌ واحدة، بينَ أن تكون في الجنَّة أو أن يكون الإنسان في النار عَقبةٌ واحدة، (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ) .

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ (40)﴾

[ سورة النازعات ]

فاقتحام العقبة أن تكون حُرّاً من الشهوات، يعني أن تنضبط، يعني أن تستقيم على أمر الله، يعني أن تلزم شرع الله.
هناك معنى آخر إن لم تستقِمْ على أمر الله فلا زال بينك وبين أن تكون مؤمناً عقبةٌ كبيرة:
(فَكُّ رَقَبَةٍ) لها معنى آخر، إذا اشتريتَ عبداً وأعتقتَه لوجه الله فهذا عملٌ يرقى بك، والعمل الصالح قد يقودك إلى طريق الخير، ومعنى أعتقتَه: أي جعلتَه مؤمنَاً فاستحقَّ العتق، وهذه الآية مستمرَّة، طبعاً قال بعضهم: إعتاق الرقبة أن تشتريها بمالك وأن تعتقها، أمَّا فكُّها أن تُسهم في عتقها، فإذا أنت نقلت هذا الدرس لأخ، أو لزوجتك وكانت زوجتك همُّها الأوحد الدنيا، والمظاهر، إذاً هي عبدةٌ  للمظاهر، فإذا عرفَت ربها فقد تحرَّرت، هذا المعنى الواسع للآية، هذا الواسع مستمر ليس له علاقةً بوجود العبيد، 

(( عجبتُ لمنْ يشترِي المماليكَ بمالِهِ ثمَّ يعتقُهم، كيفَ لا يشترِى الأحرارَ بمعروفِهِ ؟ فهوَ أعظمُ ثوابًا ))

[ أخرجه السيوطي ضعيف ]

فباب الآية مفتوحٌ وواسعٌ جدّاً، كأن هذه الآية تقول: إن لم تستقِمْ على أمر الله، فلا زال بينك وبين أن تكون مؤمناً عقبةٌ كبيرة، تقول: أنا الحمد لله مؤمن، لا يكفي هذا، هل اقتحمتَ العقبة؟ ضبطتَ أمورَك؟ استقمتَ على أمر الله؟ أَزلتَ المعاصي والمخالفات؟ إن لم تكن مستقيماً فالعقبة قائمة، والإقبال ممنوع والطريق مسدود والمعصية حجابٌ كثيف، (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ) بعد الاستقامة، الاستقامة عمل سلبي، أنت تحررت من كل الشهوات، أصبحت حُرّاً، بالاستقامة صار الطريق أمامك مُعَبَّداً، والآن نريد حركة، نريد أن نمشيَ في هذا الطريق.

الاستقامة والعمل الصالح:


(أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) صارت الاستقامةُ تعبيدٌ للطريق، والعمل الصالح سيرٌ في هذا الطريق. 

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾

[ سورة الكهف ]

فالاستقامة سلبية أمّا العمل الصالح إيجابي، الاستقامة امتناع، أمّا العمل الصالح تضحيةٌ وتقديمٌ وبذلٌ، فربنا عزَّ وجل قال: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) فإّذا أطعمتَ إنساناً أكرمَكَ الله، ولكن إذا أطعمتَ هذا الإنسان وهو جائع، أو في مجاعة، أو القوت قليل، فلك أجرٌ مضاعف (يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ) إذاً العقبة هي الاستقامة. 

﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (27) لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28)﴾

[ سورة التكوير ]

إذا لم تحصل الاستقامة فالعَقَبة قائمة.

لا بُدَّ مع الاستقامة من عمل صالح لأن العمل الصالح يرفع الإنسان:


(فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) ولا بُدَّ مع الاستقامة من عملٍ صالح، لأن العمل الصالح يرفع الإنسان، و به تلقى الله عزَّ وجل. 

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19)﴾

[ سورة الأحقاف ]

﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (32)﴾

[ سورة النحل ]

(أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) أي مجاعة.

يجب أن تكون الاستقامة والعمل الصالح على أرض الإيمان:


(يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ) ، إطعام الجائع عملٌ عظيم، أمّا اليتيم فعملٌ أعظم لأنه لا كافلَ له، ومَقرَبة أي قرابة، وبعضهم فسَّرها بالأقرب إلى الفقر، أو الأقرب نسباً أو الأقرب إلى الإيمان، يعني في توزيع الصدقات يجب أن تُرَاعي هذه العوامل الثلاثة، الأقرب نسباً له حقٌّ عليك، والأقرب إلى الإيمان أَولى من الأبعد عن الإيمان، والأقرب فقراً الذي يحتاج إلى الطعام والشراب أَولى مِنَ الذي يحتاج إلى غرفةً إضافيَّةً يتوسـَّع بها (يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) المسكين الذي لا شيء له، أمّا الصدقات للفقراء والمساكين، ما الفرق بين الفقير والمسكين؟ كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( ليسَ المسكينُ الَّذي يَطوفُ علَى النَّاسِ تردُّهُ اللُّقمةُ واللُّقمتانِ، والتَّمرةُ والتَّمرتانِ، ولَكِنِ المسكينُ الَّذي لا يجدُ غنيا يُغنيهِ، ولا يُفطَنُ فيتصدَّقُ علَيهِ ولا يقومُ فيسألُ النَّاسَ ))

[  صحيح البخاري ]

يعني الإنسان الذي دَخْلُه أقلُّ من مصروفه بكثير، هذا هو الفقير، أمّا المسكين لا شيء له إطلاقاً، صار كالتراب أو لصق بالتراب، (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) فالشرط الأول الاستقامة، والشرط الثاني العمل الصالح، والشرط الثالث أن يكون مؤمناً، أن تكون هذه الاستقامة وهذا العمل الصالح على أرضية الإيمان، ليس ثم أصبح، فالمعنى غير ذلك، ثم كان، ويضاف إلى هذين الشرطين (فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) أن يكون مؤمناً، فهناك أشخاصٌ كثيرون بدافع الوجاهة والمكانة أو أنه كبير الأسرة، يعمل الأعمال الصالحة ولا يبتغي بها وجه الله، لكنَّ المؤمن هو الذي يبتغي بعمله وجه الله، ثم يُضاف إلى هذين الشرطين، (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) ، الإيمان شرط والاستقامة شرط والعمل الصالح شرط، وإذا أردتَ أن تُلَخِّصَ الدين كلَّه، أقول لك: هو إيمانٌ وعملٌ صالحٌ واستقامة.

الصبر عمل سلبي والمرحمة عمل إيجابي فيجب أن نتواصى بالصبر والمرحمة:


ربُّنا سبحانه وتعالى لخَّص القرآن الكريم كلَّه في آية: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) 
يعني عملٌ صالح مبني على استقامة، أمّا عمل صالح من دون استقامة كَمنْ فتح صنبوراً على وعاءٍ لا قعر له، فمتى يمتلئ هذا الوعاء؟! لا يمتلئ، إذا المخالفة واحدة إلى القعر يوجد ثقب، المخالفة كبيرة فالثقب كبير، وكلما كَبُرت المخالفة كَبُر الثقب، فإن ضرب الشرع وراء ظهره كان إناءه لا قعر له، متى يمتلئ الإناء؟ فربنا عزَّ وجل قال: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) الصبر معالجة إلهية، نصف الإيمان صبر، (وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) الصبر عملٌ سلبي والمرحمة عملٌ إيجابي، فيجب أن نتواصى بالصبر والمرحمة، وأن يُصَبِّر بعضُنا بعضاً وأن يرحم بعضنا بعضاً، وهذا من لوازم الإيمان، لوازم المؤمن أن يوصي أخاه بالصبر ويوصي أخاه بالمرحمة.

الكفار هم الأشقياء في الدنيا والآخرة :


(أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) الشمس والقمر والمجرَّات والبحار والسهول والطيور والأزهار وآيات هذا الكتاب، طبعاً أولئك أصحاب الميمنة، سعداء في الدنيا والآخرة

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19)﴾

[ سورة البلد ]

هم الأشقياء في الدنيا والآخرة.

﴿ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ (20)﴾

[ سورة البلد ]

أي عليهم نار بشكلٍ مستمر، ولا يستطيعون منها فِراراً، هذه السورة، سورة البلد متكاملة، وفيها ترابط وفيها مقدَّمات وموضوع وخاتمة، وفيها كلُّ مقطعٍ فيها يشير إلى فقرةٍ أساسيةٍ في الحياة.

الملف مدقق

والحمد لله ربِّ العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور