- أحاديث رمضان
- /
- ٠03رمضان 1417 هـ - تأملات قرآنية
نعمة الوجود أكبر نعمة أنعمها الله على الإنسان :
أيها الأخوة الكرام؛ في مطلع سورة الأنعام قوله تعالى:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾
الحمد لله الذي خلق السموات والأرض؛ أي خلق السموات والأرض إجمالاً يُحمد الله عليه، لذلك أكبر نعمة أنعم الله علينا أن خلقنا، وأوجدنا، بعد أن لم نكن شيئاً مذكوراً. أوضح هذا بمثل: أنشئت جامعة كبيرة لتخرج قادة للأمة، أحد طلاب هذه الجامعة غش في الامتحان فحرم من تقديم الامتحان ست دورات، فأصيب بأزمة نفسية، فإذا قال هذا الطالب الغاش في الامتحان: يا ليتهم لم ينشئوا هذه الجامعة، هل كلامه مقبول؟ الجامعة أنشئت لخير الأمة، فإذا أخطأ طالب من طلابها، وغش في الامتحان، وحرم ست دورات لا يعني هذا أن الجامعة شر.إذا خرج عن منهج الله أكثر الناس، تأتيهم مصائب- شدائد- يتمنون أن لم يخلقوا، أو يقولون بشكل فاضح: الله خلقنا ليعذبنا، لا، الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، لأنه خلق السموات والأرض يحمد على هذا العطاء الكبير.
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾
أكبر نعمة أنعمها الله عليك أنه أوجدك.الحكمة من نعمة الإيجاد :
السؤال الثاني: لماذا أوجدك؟ ليرحمك، ليسعدك، أوجدك لجَنَّةٍ عرضها السموات والأرض، وبعث بك إلى الدنيا لتتأهل لدخول الجنة، ولتدفع ثمن الجنة، معرفة، واستقامة، وعملاً صالحاً، فإذا الإنسان خرج عن منهج الله، وأراد الله أن يؤدبه ليرده إلى منهجه، يقول هذا الإنسان: يا ليتني مت قبل هذا، ليت الله لم يخلقني، ليته ما خلق الكون، هذا كلام ما أنزل الله به من سلطان، أما السيدة مريم حينما قالت:﴿ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا ﴾
فلأنها امرأة عفيفة، وشريفة، وصديّقة، وحملت من دون زوج. خافت العار قالت: يا ليتني مت قبل هذا. وضعها هذا استثنائي.أما لا يتمنى أحدكم الموت، هذا الذي ينتحر له النار، لماذا؟ لأنه رفض الوجود، أوجده الله ليسعده، فحينما أدبه رفض الوجود كله، لكن عظمة هذا القرآن دقيقة جداً، الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور أي خلق ونوّر، خلق وبيّن، خلق وأرشد، خلق وعلّم، لذلك الحمد لله على نعمة الإيجاد، والحمد لله على نعمة الإرشاد، أحياناً أنشئ طريقاً مهماً جداً، لكن بلا لوحات، يوجد منعطف خطر، جسر ضيق، منحدر زلق، من دون لوحات، تقع حوادث، الطريق مهم جداً، مفيد جداً، لكن ليت الذين أنشؤوا الطريق وضعوا اللافتات والإشارات واللوحات المضيئة لئلا تقع الحوادث، فإنشاء الطريق نعمة كبيرة، وإرشاد سالكي الطريق بلوحات مضيئة وواضحة وكبيرة هذه نعمة ثانية.
فربنا عزّ وجل خلق وبيّن، خلق وأرشد، خلق ونوّر، الكون أمامكم، وهذا هو التنوير، كتاب الله، خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور، إن قرأت كتابه ألقى الله في قلبك نوراً، إن فكرت في خلقه ألقى الله في قلبك نوراً. ومع كل هذا قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾
يعدلون عن الإيمان إلى الكفر، لذلك شخص دخل على الحجاج. قال له: ما قولك في الحجاج؟ قال له: قاسط، عادل، فالحاضرون توهموا أنه يمدحه، وكان ذكياً جداً، قال: أتعلمون ماذا قال لي؟ قال لي: أنت كافر ظالم، قالوا: كيف؟ قال: قال تعالى:﴿ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً ﴾
القاسط هو الظالم. ويعدلون أي عدلوا من الإيمان إلى الكفر، قال له: أنت قاسط عادل، أي كافر ظالم. ثم الذين كفروا بربهم يعدلون.العاقل يتأدب مع الوقائع والحقائق و لا يعيش في الأوهام :
النقطة الدقيقة هذا الوهم الذي عند الناس أن الله في السماء، والأرض لها قواعدها ولها مراكز قواها، ولها أسيادها، وهو الذي في السماء إله. قال الله تعالى في سورة الأنعام:﴿ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾
شخص جالس قال في نفسه: سأذهب إلى بيت فلان، وسأحاول أن ألتقط منه بعض العناوين التجارية كي أنافسه في عمله. سأجلس جانب الطاولة، وسأقلب الأوراق، فإذا ذهب ليأتيني بضيافة قلبت في أوراقه فلعلي آخذ بعض العناوين مثلاً، قال هذا وهو ساكت، لا يعلم أحد بما خطر في باله، هذا الخاطر يعلمه الله، يحول بين المرء وقلبه.قال له شخض: والله كنا بأمريكا وتزوجنا فتاة أمريكية، الحمد لله عمرها خمسون سنة، الهدف أن نأخذ بيدها إلى الله، قال له: لا، بل بسبب الإقامة.
من يعرف الحقيقة تزوجها بسن متأخرة، قال: ليأخذ بيدها إلى الله، وهو بحاجة ماسة إلى الإقامة، فالله وحده يعلم ماذا تريد، ماذا تنوي، عن أي شيء تبحث، قال تعالى:
﴿ فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾
سمعت بالقاهرة عن بناء أنذر سكانه بإخلائه فوراً لأنه خطر، رفض سكان البناء أن يخرجوا منه، يخرجون منه إلى أين؟ لكن السلطات أجبرتهم على أن يغادروا البناء، بعد أربع وعشرين ساعة بالضبط، وقع البناء، رأيته بعيني، انهار البناء، إذاً هناك إنذار، أما سقوط البناء فهو نبأ هذا الإنذار، أي وقوع الإنذار. يوجد إنذار، ويوجد نبأ هذا الإنذار:﴿ فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾
البطولة أن تعتقد شيئاً سيقع، والخسارة الكبيرة أن تكذب بشيء سيقع، كل الذكاء والعقل والتوفيق أن تؤمن بأشياء لابد من أن تقع، والموت أحدها، والحساب أحدها، والخسارة الكبيرة والغفلة و الحمق أن تكذب بأشياء لابد من أن تقع، كذبوا﴿ فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ﴾
هذه سوف للتهديد،﴿ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾
أحياناً الإنسان يستهزئ بشيء ثم يكون هذا الشيء الطامة الكبرى، فالعاقل هو الذي يتأدب مع الوقائع، يتأدب مع الحقائق، وهناك أناس يعيشون بالأوهام.معرفة أهل الكتاب بالنبي فطرة و مع ذلك كذبوه :
أخواننا الكرام؛ يوجد معرفة بديهية ما هو أكبر شيء تعرفه بديهةً، بلا جهد، بلا تردد، بلا تريث، بلا زمن، أحياناً تشم رائحة، ما نوعها؟ تفكر، أحياناً تلتقي إنساناً في الطريق، يقول لك: عرفتني؟ تفكر، أما لو وقعت عينك على ابنك، كم ثانية تتردد لتعرفه؟ ولا ثانية، ولا ثانية، الزمن ملغى، فانظر أيها الأخ الكريم ماذا يقول الله عزّ وجل في سورة الأنعام:
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾
الذين آتيناهم الكتاب يعرفون النبي، يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، ومع ذلك كذبوه، فأنت علاقتك بالحق، علاقتك بمعرفة الحق كعلاقتك بأولادك، تعرفهم بداهة، تعرفهم فطرة، تعرفهم عقلاً، تعرفهم بمليون دليل، ومع ذلك كذبوه.ظلم النفس أشدّ أنواع الظلم :
قال:﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾
ومن أظلم، هذه من تفيد أنه استفهام إنكاري، ليس في الأرض كلها، ليس في الخمسة آلاف مليون إنسان شحص أشدّ ظلماً ممن افترى على الله كذباً، اخترع نظريات ما أنزل الله بها من سلطان وهو يعلم وحده علم اليقين أنها غير صحيحة.إنسان كان يعمل عتالاً على دابة فماتت الدابة، فافتقر، دفن هذه الدابة - هكذا القصة الرمزية - وأنشأ عليها بناء متواضعاً وعمل له قبة خضراء - وسماه اسم ولي - الناس أقبلوا على هذا الولي يستشفعون به، ويأتون بالهدايا، فهذا الإنسان هو دفن الحمار بيده، يوجد شخص كذبه كاد يقتله، كفرت هذا ولي، الولي فلاني، أي من هو أشدّ معرفة بحقيقة هذا القبر؟ الذي دفنه، ومع ذلك يكذب، ويفتري لأنه مرتزق، المرتزق لا يناقش، المنتفع لا يناقش، الغبي لا يناقش، القوي لا يناقش. قال:
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾
أنا أقول لك: أخطر شيء بالحياة أن تفتري شيئاً ما أنزل الله به من سلطان، أن تؤلف كتاباً وتدّعي أنك فهمت القرآن فهماً ما فهمه أحدٌ قبلك، أبداً، وأن تلغي الأحكام الشرعية كلها، وأن تلغي الحدود والقيم بدعوى فهم معاصر للقرآن الكريم، هذا افترى على الله كذباً، أو كذب بآياته، إما أن يكذب وإما أن يخلق الكذب، قال: هذا أظلم إنسان على وجه الأرض:﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾
وظلم النفس أشد أنواع الظلم:﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾
علاقة الإنسان بالحق علاقة مصيرية :
قال:
﴿ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾
أي أنت علاقتك بالحق علاقة مصيرية، علاقة فطرة، علاقة منطق، علاقة واقع، أوضح مثل؛ إنك مصمم لمعرفة الحق كما إنك مصمم لمعرفة ولدك: لا يوجد أقرب من ابنك، لو كان بين مليون إنسان تعرفه، لا يوجد أقرب إليك من ابنك، إنك مصمم ومولف لمعرفة الحق كما إنك مصمم لمعرفة ابنك، يعرفونه كما يعرفون أبناءهم فالذي يكذب بالحق يكذب إما حسداً، أو بغياً، أو خوفاً على مصلحة راجحة عنده، أو خوفاً على مكسب مادي، لا يوجد تكذيب موضوعي، انظر كيف كذبوا على أنفسهم، والله ربنا ما كنا مشركين، فكل إنسان يكذب إما أنه يدافع عن شهواته، أو عن مصالحه، أو عن مكتسباته، أو غيظاً، أو حسداً، أو عدواناً، أو بغياً. غير ذلك لا يوجد تكذيب.أما لو إنسان تجرد من الحسد، والبغي، والعدوان، والحفاظ على مصالحه، ومكانته، ومرتبته. إذا تجرد من هذه الدوافع الدنيوية لابد من أن يؤمن.
سحرة فرعون؛ لماذا جاء بهم فرعون؟ ليدحضوا سيدنا موسى بمعجزته، هم سحرة، يعرفون بأنهم يأتون بأنابيب يطلونها بألوان مشابهة للأفعى، يضعون فيها زئبق، يسخنون الأرض، يتمدد الزئبق، تتحرك الأفاعي، أما حينما رأوا كلهم ثعباناً مبيناً حقيقة فسجد السحرة كلهم أجمعين لهذه المعجزة.
فالإنسان إذا تجرد عن حسده، وعن بغيه، وعن عدوانه، وعن ظلمه، وعن مكاسبه، وعن مصالحه، وعن مكانته، إيمانه بالحق حتمي، إنه يعرف الحق كما يعرف أولاده، يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته، إما أن تخترع نظرية جديدة تلغي قواعد الدين، أو أن تكذب بالدين تكذيباً سلبياً، والاختراع إيجابي، الكاذب هو أخسر الناس على الإطلاق يوم القيامة. قال تعالى:
﴿ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾
وهم ينهون عنه وينأون: ينهون عن هذا الدين وينأون عنه.. قال:﴿ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾
الإنسان الذي يندفع لإثبات شخصيته، أو لإثبات ذاته، فيكذب الحق، يهلك نفسه وهو لا يشعر.من ازداد علمه ازداد خوفه من الله :
يوجد نقطة دقيقة؛ النبي عليه الصلاة والسلام عندما أُمر أن يقول كما قال الله تعالى في سورة الأنعام:
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ﴾
قال النبي صلى الله عليه وسلم:(( رأس الحكمة مخافة الله ))
فكلما ازداد علمك بالله يزداد خوفك منه، فأنت تخافه بقدر ما تعرفه، الطبيب أحياناً يبالغ في غسل الفاكهة لأنه يعرف الجراثيم، و الإنتانات، والأمراض السارية و المعدية، والمشكلات الصحية، لأنه يعرف مضاعفات التلوث يبالغ في غسل الفواكه، كل طبيب بحسب اختصاصه يتقي عوامل المرض لأنه يعلم.لذلك تخاف الله بقدر علمك به، فكلما ازدادت معرفتك به ازددت خوفاً منه، وخوفاً على انقطاع الصلة بينك وبينه.
فلذلك الأنبياء أشدّ الناس خوفاً من الله، سمعت أو قرأت أن النبي صلى الله عليه وسلم انقطع عنه الوحي أسبوعين أو ثلاثة وقع في حيرة , قال لها: يا عائشة لعلها تمرة أكلتها من تمر الصدقة، تمرة واحدة رآها على السرير فأكلها، يعلمنا الورع، يا عائشة لعلها تمرة أكلتها من تمر الصدقة.
الفوز الحقيقي هو النجاة من العذاب المحقق :
أيها الأخوة؛ إذا كان عليه الصلاة والسلام أشدّ خوفاً..
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ﴾
فالفوز الحقيقي لا في امتلاك أجمل بيت، ولا في امتلاك أجمل مركبة، ولا في امتلاك أرض جميلة، ولا بتزوج امرأة بارعة الجمال، الفوز الحقيقي أن تنجو من عذاب محقق لأهل الكفر:﴿ مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ﴾
تلخيص لما سبق :
صار عندنا أربعة أشياء؛ الشيء الأول: الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، لا تقل: يا ليتني لم أكن شيئاً مذكوراً، لا تقل: ليت الله لم يخلقنا، لا، يحمد على أنه خلقنا. لأنه خلقنا ليرحمنا، فإذا كان هناك إنسان شذّ واستحق التأديب أو المعالجة، هذا ليس مبرراً كي تتمنى ألا يخلق الله الكون.
والشيء الثاني معرفتك بالحق معرفة فطرية كما تعرف ابنك، الطفل أحياناً يبكي، عمره أيام، فإذا وضعته أمه على صدرها سكت، لو جاءت امرأة أخرى لا يسكت، يعرف أمه وعمره أيام، أي أمتن معرفة وأسهل معرفة معرفة الابن لأمه والأم لولدها.
أنت مهيأ ومصمم لمعرفة الحق كما تعرف أولادك، أو كما يعرف الأولاد أمهم وأباهم، فإذا أنكرت فلسبب أرضي، وهذه الأسباب البغي، الحسد، العدوان، الحفاظ على مكانة، على شأن. هذا الذي يمنع من الهدى، لو تخليت عن هذه العوامل لوجدت نفسك مع الحق مباشرة.