وضع داكن
08-05-2025
Logo
الدرس : 60 - سورة آل عمران - تفسير الآية الأخيرة 200 الصبر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الستين والأخير من دروس سورة آل عمران، ومع الآية الأخيرة، وهي قوله تعالى : 

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ (200)﴾

[  سورة آل عمران  ]


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 


الحكمة من بدء الآية بالنداء بلفظ الإيمان :

 أية آية تبدأ بقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ أي إنكم أيها المؤمنون مرتبطون مع الله بعقد إيماني، أنتم آمنتم به موجوداً وواحداً وكاملاً، آمنتم به خالقاً ومربّياً ومُسيّراً، آمنتم بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، آمنتم أن الأمر كله بيده، وأن كماله كمال مطلق، وأن حكمته لا حكمة بعدها، ورحمته، وقدرته، وعدله بحسب إيمانكم، ومعرفتكم افعلوا كذا اصبروا .
الأمر بالصبر :
 ما من آية يحتاجها المسلمون في هذه الأيام الدقيقة التي لم يمر بها المسلمون في ظرف أصعب من هذا الظرف، هم في أمسّ الحاجة إلى هذه الآية: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ﴾ يقول الله عز وجل: 

﴿ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْـًٔا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ(120)﴾

[  سورة آل عمران ]

 

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ(46)﴾

[  سورة إبراهيم ]

 خالق الأكوان يقول: ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ ومع ذلك: ﴿وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْـًٔا﴾ كل ما تتصورون من قوة، ومن تَقنِية، ومن تفوّق تزول إذا آمنا وصبرنا، وأعددنا لأعدائنا ما نستطيع من قوة، أعددنا الإيمان الذي يحملنا على طاعة الله، هذا هو الحل ولا حلّ سواه. 

حقيقة النصر :


 ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ﴾ ذكرت اليوم أن النصر ليس أن تكتسح الأراضي، ولا أن تستبيح الأعراض، ولا أن تأخذ الأموال، ولا أن تُذِلّ الرقاب، النصر الحقيقي أن تثبُت على المبدأ، وأكبر دليل على ذلك أنّ الله جل جلاله في قصة أصحاب الأخدود، والقصة وردت في البخاري ومسلم، فهذا الملك أراد قتل الغلام الذي آمن بالله فلم يستطع، قال له الغلام لن تستطيع أن تقتلني إلا إذا جمعت الناس في مكان عام وأخذت من جعبتي سهماً ورميتني به وقلت: باسم رب الغلام، وفعل الملك ذلك فقتله، وقد فاته أن الناس آمنوا برب الغلام ولم يؤمنوا بألوهية الملك، فانتقم منه وحفر الأخدود، ووضع كل من آمن بالله بهذا الأخدود وحرقه.

((  إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ: قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، فَأُتِيَ الْمَلِكُ، فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ، قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَخُدَّتْ، وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا، أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا، فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ: يَا أُمَّهِ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ. ))

[ صحيح مسلم  ]

 بالعين، وبشبكية العين من الذي انتصر؟ الملك، لكن اقرأ الآية: 

﴿  قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُود ِ(4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ(5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ(6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ(7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(9)﴾

[ سورة البروج ]

 أيها الإخوة، هؤلاء ماتوا، وحُرِقوا، وعُذِّبوا، لكنهم انتصروا، لأنهم ماتوا على الإيمان، ولأنهم ما بدلوا، ولا غيروا، وهذه الدنيا مؤقتة عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، والآخرة وعدٌ صادق يحكم فيه ملك عادل، فالمسلم الصادق قوي الإيمان، لا يُؤخَذ بنصر شكلي أو مادي، لكن الحقيقة أنه إذا كان ثابتاً على مبدئه فهو المنتصِر حقيقة، وكفاك على عدوك نصراً أنه في معصية الله، فأنت مأمور أن تصبر على طاعة الله، وطاعة الله مُكلِفة ومنها التكاليف، وأن تصبر عن معصية الله، والشهوات متألّقة، والفتن يقِظَة، والدنيا خَضِرة نَضِرة، وكل شيء يدعو إلى أن تحب الدنيا.

الصبر على الطاعة وعن المعصية وعلى قضاء الله وقدره :


 ينبغي أن تصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وأن تصبر على قضاء الله وقدره ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ﴾ أمر إلهي، وحينما يكون الأمر واضحاً وضوح الشمس لا تحتاج إلى أن تصبر، لكن متى تصبر؟ حينما تختلط الأمور، وحينما تضيع القضية، وحينما لا يتضح الأمر فأنت مأمور أن تصبر على حكم الله، وعلى طاعة الله، وعن معصية الله ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ﴾ والله أيها الإخوة، آية في كتاب الله إذا قُرِئَت يقشعِرّ لها الجلد، ربنا يحدثنا عن أحد أنبيائه العظام قال: 

﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَٱضْرِب بِّهِۦ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَٰهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ ۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ (44)﴾

[ سورة ص ]

 وتكلم عن نبي آخر فقال: 

﴿  وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى(37)﴾

[ سورة النجم ]

 وفّى ما عليه، وفّى نعمة الله شكراً، وفّى منهج الله طاعة، وفّى اللهَ ذكراً ومعرفة ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ ﴿إِنَّا وَجَدْنَٰهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ ۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ﴾ ما تركت هذه الآية لدرسٍ بأكمله إلا لأننا في مَسيس الحاجة إلى الصبر، والصبر يتناسب مع قوة الإيمان ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ﴾ لنصبرْ على مكر أعدائنا، وعلى شظَفِ العيش أحياناً، ربما لا تدوم النعم، وقد يأتي ظرفٌ صعب تُحسَر عنا بعض الثروات، وربما لا يتاح لنا أن نعيش كما كنا نعيش، لأنك مؤمن، ولأن الإيمان أكبر قضية في حياتك، فينبغي أن تصبر.

الصبر هو الإيمان:


 ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ﴾ والصبر نصف الإيمان، بل هو الإيمان كله، الطاعة صبر، وغض البصر صبر، أن تنطق بالحق صبر، من السهل جداً أن تنطق بكلامٍ يرضي الأقوياء فتنعم بالأمن عندهم، لكنك إذا تكلمت كلاماً يزعجهم فقدت الأمن عندهم، فقد يكون النطق بالحق صبر، وقد يكون التحرّك في كسب المال صبر، لأن أبواب الربا مُفتَّحة على مصارعها.
 فيا أيها الإخوة، نحن في أمس الحاجة إلى الصبر، لكن من الذي يصبر؟ أنت إذا كنت مريضاً عند طبيب أسنان كريم، وقال لك: المُخدِّر لا يناسبك إطلاقاً، وله مضاعفات خطيرة، لا بد أن نقلع السن من دون مخدر، وبيّن له الأسباب الكافية، قلبك لا يحتمل أن تأخذ المُخدِّر، لأن الأمر واضح وضوح الشمس، فتصبر، أما إذا لم يكن الأمر واضحًا توقعت شيئاً، وجاءت الأخبار على خلاف الذي توقعته، تمنيّت شيئاً، ولم يحصل هذا التمني، أردت نصراً، ولم يكن هذا النصر، أردت أن يرغم أنف الكفار، فأرغموا أنوف المسلمين، تتألم أشد الألم، وألمك إيمان، ومحبة للمؤمنين، ولكن ينبغي أن تحترم قرار الله عز وجل ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ﴾ 

ينبغي أن يكون الصبر لله:


 لكن: واصبر، قال تعالى:

﴿ وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ(7)﴾

[ سورة المدثر ]

هناك إنسان يصبر، لأنه مقهور، أو ذليل، أو ضعيف، يصبر لأنه فقير، لكن الله يذكّرك أن صبرك ينبغي أن يكون لله، ﴿وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ﴾ فاصبروا لوجه الله تعالى.

معنى : صَابِرُوا


 ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ﴾ لكن ﴿وَصابِرُوا﴾ المعنى الذي يمكن أن يُستنبَط من كلمة ﴿وَصابِرُوا﴾ أي احملوا مَن حولكم على الصبر، اصبر وصابر.
أحياناً الإنسان من غير حكمة يشكو لك مشكلة، والله مشكلتك صعبة لا تُحتَمل، أعانك الله، ليس هذا هو الموقف الكامل، ينبغي أن تخفّف عنه، وأن تُهوّن في عينه الدنيا، وأن تطمّعه في الآخرة، وأن تُشعِره أن معظم الناس يعانون ما يعانون، فأنت ينبغي أن تصبر، وينبغي أن تحمل غيرك على الصبر، ينبغي أن تصبر، وينبغي أن تبيّن حكمة الله التي ينبغي أن نصبر عليها، ينبغي أن تصبر، وتبيّن ماذا ينتظر الصابرون.

الصبر: أجره بغير حساب :


 الحقيقة: دائماً لكل عمل صالح أجر من ضعف إلى عشرة أضعاف إلى سبعمائة ضعف إلا الصبر. 

﴿ قُلْ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هَٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّٰبِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍۢ (10)﴾

[  سورة الزمر  ]

يمكن أن نعطيك أمرَ دفع بمائة ألف، بمليون، بمائة مليون، أما إذا وقّعنا لك هذا الأمر، وقلنا لك: اكتب الرقم الذي تريد، هذا مفتوح، هكذا عطاء الصابرين ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّٰبِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍۢ﴾ هناك امرأة صابرة على زوج شرِس، هناك زوجٌ صابر على زوجة شرِسة، هناك شريك صابر على شريك متعِب، هناك ابن صابر لأب صعب المعاملة، هناك أب يصبر على ابنه، هناك مَن يصبر على الآخرين، يصبر ابتغاء وجه الله. 
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ﴾ احملوا غيركم على الصبر، اصبِر وصابِر، اصبر وانتظر من الله الفرج، اصبر واعلم علم اليقين أن الله يحب الصابرين، اصبر واعلم أن الله مع الصابرين، اصبر واعلم أن الله سيجزي الصابرين بغير حساب.

معنى : وَرَابِطُوا


 ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ﴾ لكن مركز الثقل في الآية: ﴿وَرَابِطُوا﴾ أوجَه معنى لهذه الكلمة مأخوذة من الرباط، من رباط الخيل، استعدوا للعدو، لأن معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية، وهذه المعركة قد تشتد في بعض العصور، وقد تخف حِدّتها في بعض العصور، وهي الآن شديدة جداً، معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية. 

﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا شَيَٰطِينَ ٱلْإِنسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍۢ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ(112)﴾

[ سورة الأنعام  ]

 لا بد من معركة بين الحق والباطل، وقد تكون بين أفراد أسرة بشكل مُخفف، ابن متفلّت، وابن ملتزم، فإذا كان الأب والأم ضعيفَي الإيمان وقفوا مع المتفلت، ولا يقبلان للملتزم عذراً، ويكبران أخطاءه، ويتغافلان عن إيجابياته، وإذا كان الأب والأم ملتزمَين فهما مع الملتزم، وضدّ المتفلت، فدائماً هناك معركة بين الحق والباطل تكون كلاماً، أو مُشادّة، أو آلامًا، وقد تكون سفكاً لدماء، وقهراً لأنفس ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ﴾

أحاديث نبوية متعلقة بالرباط :


 ولكن أنا مضطر إلى أن ألقي على مسامعكم بعض الأحاديث الشريفة المتعلقة بالرباط. 

(( عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:   رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ الْغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا.  ))

[ صحيح البخاري  ]


الرباط حفاظ على الدين من الغزو المادي والثقافي:


 قد تسألون: ما السبب؟ إنك إن أنشأت معهداً شرعياً فهذه صدقة جارية، أليس كذلك؟ إن أنشأت ميتماً فهذه صدقة جارية، إن أنشأت مشفى فهذه صدقة جارية ، إن ربّيت ابناً على طاعة الله فهذه صدقة جارية، إن ألّفت كتاباً ذا نفعٍ عَميم فهذه صدقة جارية.
 الآن دقق: إذا كان العدو قوياً، ولم ترابط في سبيل الله سوف يغلق لك هذا المعهد! وسوف يغيّر مناهج المسلمين في تدريس دينهم، وسوف يقصف المستشفيات، وسوف يقصف المياتم، وسوف يفعل ما يفعل، حتى الصدقة الجارية إن لم تكن هناك قوة تدعمها فلا تبقى جارية، تصبح منقطعة، إذا مات شاب في طاعة الله كان أبوه قد رباه ليكون عالماً جليلاً، قُتل قهراً كما يفعلون في فلسطين، وفي أماكن أخرى من العالم.
 هناك الآن من يمنع تدريس التربية الدينية، خمسة آلاف معهد أغُلِقت! لأن الرباط كان ضعيفًا، تقصير المسلمين في أربعمائة عام ندفع الآن ثمنه مع الفوائد المُترتِّبة، فلذلك الرباط، كما قال عليه الصلاة والسلام: (رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا) هذا في البخاري، أردت من هذا مع أن أعظم الأعمال هي التي تستمر بعد موت صاحبها؛ أنشأتَ مسجداً، ومعهداً شرعياً، وألّفتَ كتاب تفسير، أنشأتَ ميتماً، ربّيت ابناً صالحاً، إنْ لمْ ترابط في سبيل الله، وقويَ العدو هدم لك المسجد والمشفى، وأغلق لك الميتم، ومنع تدريس الدين، وأغلق المعهد الشرعي، أليس كذلك؟ حتى الصدقة الجارية التي هي أعظم الأعمال على الإطلاق يفوقها رباط يوم في سبيل الله، إذا قويَ العدو فرض عليك ثقافته، يجب أن يكون عقد الزواج عقداً مدنياً عند شراء مركبة أو أرض، يجب أن يكون عقد الزواج بين شخصين، لا بين ذكر وأنثى، هكذا هناك، انحلالهم الخُلُقي، وتفلّتهم الشهواني ينبغي أن يُعمَّم على العالم كله، وهذا ما يسمى اليوم "العولمة" .
 ينبغي أن نرفع سن الزواج إلى الثلاثين، ينبغي أن تعمل الزوجة أيّ عمل تشاء، ولو في الفن، ليس شرطاً أن تسكن الزوجة مع زوجها في بيت واحد، فرقٌ بين الزواج والإنجاب والعلاقة الجنسية، هذا كله في مؤتمر السكان، عُقِد ثلاث مؤتمرات، ويتمنون أكبر من ذلك، الغزو العسكري ليس بشيء أمام الغزو الثقافي.
 وانتشر زنى المحارم بفضل هذه الصحون، أنت حينما لا ترابط في سبيل الله يقوى عدوك عليك، ويفرض عليك ثقافته، بل يفرض عليك أساليبه في الاقتصاد.
 اتفاقيةGATT  لصالح الأقوياء فقط! أقول لكم هذه الآية دقيقة جداً: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ﴾ حتى إنّ الأعمال الصالحة التي لها أجر بعد موت صاحبها قولاً واحداً تنتهي بانتهاء هذا العمل، أنت أنشأت مشفى إذا قُصِفت، وأُغلِقت انتهى، أنشأت مدرسة أُلغِيت، ألّفت كتابًا أُحرِق، ربيت ولدًا صالحًا قُتل، الحق يحتاج إلى قوة، وهذا درس بليغ جداً، يجب أن يكون تحت سمع المسلمين، وتحت بصرهم.
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ﴾ ففي البخاري: (رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا) وفي صحيح مسلم عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: 

((  رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ. ))

[ صحيح مسلم ]

 الفتان هو الشيطان الذي يفتن الناس بالمرأة، الغرب الآن يحارب المسلمين بالمرأة، يعرضها كما ينبغي أن يكون العرض لزوجها فقط! لم يبقَ للزوج شيء، يعرِضها في الطريق كما لو أنها في غرفة نوم زوجها! فلذلك يقول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ) وهو الشيطان الذي يُضِل الناس، الشيطان ماذا يفعل؟ يغري الناس بالمرأة، لا يوجد حالة زنى إلا سبقها وسوسة من الشيطان، يغري الناس بأكل المال الحرام، والفساد كله حرية في العلاقة مع النساء دون ضابط، وحرية في كسب الأموال، هذا الفساد العام، منتهى الفساد أن تأكل المال الذي تريد بلا قيد، ولا شرط، ولا مانع، ولا رادع، ولا قانون، ولا مبدأ، أي مال تحت يديك تأخذه، وتضمّه إلى مالك، وأية شهوة سنحت لك تمارسها، ولا تعبأ لا بحدود، ولا بقيود، هذا عمل الفتّان، مادام الأقوياء الفُجّار يدعمون الشيطان، والإنجازات الضخمة من حرب معينة أن الناس استمعوا إلى صوت مذيعة، فُتحت دُور السينما، أشياء كلها متعلقة بالشهوات.
 وفي حديث آخر عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : 

((  كُلُّ الْمَيِّتِ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الْمُرَابِطَ، فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيُؤَمَّنُ مِنْ فَتَّانِ الْقَبْرِ. ))

[ سنن أبي داود ]

 كيف؟ ربّيت ولداً صالحاً على العين والرأس، مات الولد، مع موت الولد انتهى العمل، أنشأت معهداً شرعياً أُغلِق، انتهى العمل، تركت علماً نافعاً أُحرِق الكتاب، انتهى العمل، حتى الأعمال التي تبقى بعد الموت تنتهي إن لم يكن الحق مدعوماً بقوة.
 طبعاً عند الكفار القوة هي الحق، إن كنت قوياً فأنت على حق، وعند أهل الإيمان الحق ما جاء به الوحيان؛ الكتاب والسنة، ولكن هذا الحق يحتاج إلى قوة، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (كُلُّ الْمَيِّتِ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الْمُرَابِطَ، فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيُؤَمَّنُ مِنْ فَتَّانِ الْقَبْرِ)
 أيها الإخوة، هذا الملمح دقيق جدًّا، هذا متعلق بمجموع المسلمين في العالم، لا يتعلق بمدينة، أو بقطر، أو ببلد، لا، هذا متعلق بمجموع المسلمين في العالم، إن لم يكونوا أقوياء فرض القوي عليهم ثقافته وإرادته، وفرض عليهم نُظُمه، وفرض عليهم الربا، وفرض عليهم أنماط معيشتهم، ونظامهم الشخصي، مِن أدق خصوصيات الأمة قانون الأحوال الشخصية: الزواج بين ذكر وأنثى، وهو عقد مُقدَّس، ويوجد إيجاب، وقبول، وشاهد، ومهر، والطلاق يحتاج إلى مراحل متعددة، يطلقها طلقة تبقى في بيته، تتزيّن له إلى أن يأتي حيض، ثم حيض ثانٍ، ثم حيض ثالث، ثم طلقة ثانية، وثالثة، تسعة أشهر وهي في بيتها، أما الذي يحصل في بلاد الغرب فليس هناك زواج، وليس هناك زواج مدني، هناك شيء اسمه مساكنة، شاب تسكن معه فتاة، يمارس معها كما يمارس الزوج مع زوجته، ليس لها أي حق إطلاقاً، في أية لحظة يركلها بقدمه، وتغدو خارج البيت، تبحث عن شاب آخر، أما عندنا في بلاد المسلمين فهذه الزوجة مصونة، وهذا أقدس عقد في الأرض، عقد الزواج:

﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا(21)﴾

[ سورة النساء ]

 تجد المرأة المسلمة لها أولاد، وبنات، وأصهار، والكل يحتفي بها، ويُكرِمها، نظام إلهي، ومنهج رباني، بيوت المسلمين جنات إن طبقوا منهج الله عز وجل، فلذلك قضية فرض ثقافتهم، وأنماط حياتهم، وأنماط زواجهم هذا شيء، والفضل لله عز وجل كنت عضواً في لجنة مؤتمر السكان، وتم رفض توصيات المؤتمر بالإجماع من دون استثناء، أول مرة، وثاني مرة، والفضل لله عز وجل، ولا زلنا بخير، لكن أنا أتحدث عن بقية بلاد العالم، هناك أخطار تنتظر المسلمين، هناك تعديل للمناهج الإسلامية في التدريس، هناك إغلاق للمعاهد الشرعية، هناك هناك إلى ما لا نهاية، هذا بسبب ضعفهم، وبسبب قوة عدوهم.
 فيا أيها الإخوة الكرام، يقول الله عز وجل: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ﴾ 

شيوع المعصية لا يعني إباحتها :


 ينبغي أن تصبر على طاعة الله، وعن معصية الله ولو شاعت، هناك من يتوهم أن المعصية إذا شاعت لم تبقَ معصية! مَن قال لك ذلك؟ المعصية معصية شاعت أو لم تشعْ، فلذلك حينما ترى شيئاً شاع بين الناس، وانتشر حتى أصبح كل بيت يقتنيه فليس معنى هذا أنه حق، وقد يبقى باطلاً.
 قد يكون فردٌ وحده جماعة إذا كان على حق، وقد تكون الملايين الكثيرة ليست جماعة، لأنها على باطل. 

﴿ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ(116)﴾

[ سورة الأنعام  ]

 الرباط: الملازمة، في أيام السّلْم حينما تلازم المسجد، وتنتظر الصلاة إلى الصلاة، فأنت مرابط أيضاً، لكن النقطة الدقيقة أن هذا الرباط يحتاج إلى بحث طويل.

بداية الرباط من مجاهدة النفس :


 الحقيقة الرباط أول ما يعني أن تجاهد نفسك وهواك، أن هناك عدواً خطيراً هو نفسك! إن كنت مهزوماً أمام نفسك فلا يمكن أن تقاتل نملة، حتى إن بعض كبار العلماء يقول: إن مقاتلة الأعداء الكفار فرع من مجاهدة النفس والهوى، المهزوم أمام نفسه لا يمكن أن يواجه عدواً، وهذه مشكلة كبيرة.
 سيدنا خالد طلب المدد من سيدنا الصديق، طلب منه أن يمده بخمسين ألف مقاتل، لأنه واجه ثلاثمائة ألف، وهو معه ثلاثين ألف! فجاءه المدد، رجل واحد اسمه القعقاع ابن عمرو، عندما وصل القعقاع قال له سيدنا خالد: <<أين المدد؟ قال: أنا! قال: أنت؟! قال: أنا، معه كتاب من أبي بكر رضي الله عنه، يقول له في هذا الكتاب: لا تعجب يا خالد أني أرسلت إليك واحداً، فو الذي بعث محمداً بالحق إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم أبداً>> وانتصر، الصحابة كان الواحد منهم كألف، أنت حينما تكون مع الله فأنت أقوى إنسان، لأن الله معك، لا يوجد حل إخواننا، ولو اقترحت مليون حل، إلا أن نعود إلى الله، ونطبق منهجه، وننتظر وعده لنا بالصبر.
 فأول جهادٍ جهادُ النفس والهوى، والمهزوم أمام نفسه لا يستطيع أن يواجه نملة، مع أنّ بعضهم قال: "إن كان عدوك نملة فلا تنم له"، كن يقِظاً، ومع ذلك إن كان الإنسان مهزوماً أمام نفسه التي بين جنبَيه هو أضعف من أن يقاتل نملة، حتى قتال الأعداء فرع من جهاد النفس والهوى. 

الجهاد الدعوي نوع من الرباط :


 وبعد جهاد النفس والهوى يأتي الجهاد الدعوي، وهو الأصل في الجهاد، وما الجهاد القتالي إلا تمهيد للجهاد الدعوي، فإذا كان متاحاً لك أن تجاهد الناس بتعليم القرآن، وتبيين أحكامه، وأسسه، وقِوامه فأنت مجاهد حقاً، وهذا متاح لأي إنسان على سطح الأرض. 

﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَٰحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَٰدَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ ۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍۢ شَدِيدٍۢ(46)﴾

[ سورة سبأ  ]

 أيها الإخوة، الجهاد الثالث: عندما تُجتاح أرضنا -لا سمح الله، ولا قدر- فلا بد من جهاد قتالي، أما نحن الآن فأمام جهاد النفس والهوى.
 والذين لا يجاهدون أنفسهم، ولا أهواءهم ما أكثرهم في بلاد المسلمين، ثم نحن أمام جهاد القرآن الكريم،

(( فعَنْ عُثْمَانَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:   خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ. ))

[ صحيح البخاري  ]

 ومن أوتي القرآن فظن أن أحداً أوتي خيراً منه فقد حقّر ما عظمه الله.

خاتمة :


 هذه الآية التي ينتهي بها تفسير سورة آل عمران، والفضل لله عز وجل هي آية العصر، وآية المسلمين اليوم، ونحن في أمس الحاجة إلى أن نعرف أنه لا بد أن نكون أقوياء، ولن أكلّفكم أن تواجهوا الغرب المتغطرِس، ولا أن تمنعوا التطرّف، لكنني أرى أنّ كل واحد منا يمكن أن يبني لبِنَة في صرْح هذا الدين عن طريق إقامة الإسلام في بيته وعمله، لمجرد أن يكون عملك وبيتك إسلامياً فقد ساهمت في بناء صرْح النصر القادم، إن شاء الله عز وجل: 

﴿ وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ (139) إِن يَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحٞ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحٞ مِّثۡلُهُۥۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ (140)﴾

[ سورة آل عمران  ]

 لحكمة أرادها الله جعل النصر تارة للكفار، وتارة للمؤمنين، ليمتحن الفريقين، فالله عز وجل له امتحانان صعبان، يقوّي الكافر حتى يقول ضعيف الإيمان: أين الله؟ ثم يُظهِر آياته حتى يقول الكافر: لا إله إلا الله.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور