الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثامن والخمسين من دروس سورة آل عمران، ومع الآية الرابعة والتسعين بعد المئة، وهي قوله تعالى:
﴿ رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخۡزِنَا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ إِنَّكَ لَا تُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ (194)﴾
رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ
أيها الإخوة، يمكن أن تُلخَّص العبادة كلها بالدعاء، وعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ. ))
ذلك أن الإنسان لا يمكن أن يدعو جهة ما إلا إذا كان موقناً بوجودها، ولا يدعو جهة ما إلا إذا كان موقناً أنها تسمعه، ولا يدعو جهة ما إلا إذا كان موقناً أنها قادرة على تلبية طلبه، ولا يدعو جهة ما إلا إذا كان موقناً أنها تحب أن تلبي طلبه، موجود، سميع، قدير، رحيم، لمجرد أن تؤمن أن الله موجود، وأنه سميع عليم، وأنه قدير مقتدر، وأنه رحيم ودود تدعوه، لذلك مَن لم يدعُ الله عز وجل لا يعرفه:
﴿ قُلْ مَا يَعْبَؤُاْ بِكُمْ رَبِّى لَوْلَا دُعَآؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًۢا(77)﴾
لولا أنكم تدعونه لا يعبأ الله بكم إطلاقاً، الحد الأدنى من معرفة الله أن تدعوَه، والدعاء سلاح المؤمن، وأنت بالدعاء أقوى إنسان في الكون، بالأرض، بالدعاء، ومن دون الدعاء أضعف إنسان، هناك آلاف وملايين أقوى منك، أما حينما تدعو الله يكون الله معك، وإذا كان الله معك فمن عليك؟ أعجز إنسان هو الإنسان الذي عجزَ عن الدعاء، لكن لماذا يعجز عن الدعاء؟ لأن حِجاباً بينه وبين الله، المعصية تجعل حجاباً بينك وبين الله، لذلك تستحي أن تدعوه، أما إذا كنت مقيماً على أمره، طالباً ودّه، ملتزماً بمنهجه، ليس بينك وبينه حجاب، تدعوه.
يا أيها الإخوة، الأحاديث النبوية كثيرة تبيّن أن الله يحب من عبده أنْ يسأله شِسْعَ نعله إذا انقطع، إن الله يحب من عبده أن يسأله ملح طعامه، إن الله يحب من عبده أن يسأله حاجته كلها، قبل أن تخرج من بيتك، قبل أن تدخل، قبل أن تأكل، قبل أن تنام، بعد أن تستيقظ، إذا دخلت إلى الحمام، إذا خرجت منه، إذا دخلت إلى عملك، إذا خرجت منه، إذا ارتديت ثوباً جميلاً، إذا وقفت أمام المرآة قل:
(( اللهم كما حسّنتَ خلقي فحَسِّن خُلقي. ))
إذا أكلت طعاماً يا رب لك الحمد، إذا جاءتك ميّزة، فالمؤمن دائماً يدعو الله، ودعاء الله عبادة، وأنت بالدعاء أقوى إنسان، وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ إذا كنت في موقف عصيب يمكن أن تدعو الله دعاء خفياً:
﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا(3)﴾
سيدنا زكريا، يمكن أن تدعوَه في سرّك، كنت مرة في سفر رأيت مسجداً رائعاً، صليت فيه، فدعاني رجل إلى ضيافة، قال لي: أنا أنشأت هذا المسجد، قلت له: هنيئاً لك، أقسمَ بالله قبل عشرين عاماً انتهى من خدمته الإلزامية، وأخذ من أخته سِواراً ذهبياً، وباعه، واشترى به بطاقة طائرة إلى الخليج، قال لي: وأنا في الطائرة -ويقسم بالله- ما تحركت شفتاي، لكنني نويت في قلبي أن الله إذا أكرمني سأبني له مسجداً، وقد أكرمه الله، وجاء ليبني مسجداً في مكان ليس منظماً تنظيماً بلدياً، والقوانين لا تسمح، قال لي: بتيسير عجيب لا يُصدَّق المسؤولون وافقوا وأُنشِئ هذا المسجد، أقسم لي أنه ما تحركت شفتاه، لكنه دعا بقلبه.
فيا أيها الإخوة، الله عز وجل مُطَّلع على قلبك، قال تعالى:
﴿ وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُۥ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى (7)﴾
يعلم سرك ويعلم ما خفي عنك، فأنت إذا دعوته، ما الذي تظنه بالله عز وجل؟ أنت شاب إذا أردت الستر، إذا أردت عملاً ترتزق به، إذا أردت زوجة تحصّنك، إذا دعوت الله أن يهبك بيتاً يؤويك، ما الذي تظنه بالله عز وجل؟
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِىٓ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(60)﴾
الدعاء هو العبادة، لذلك المؤمن الصادق يدعو الله ليلاً نهاراً، يدعو الله في أدق الأمور، وفي أبسطها، وفي أصغرها، وفي أقلها، وفي أكبرها، وصدقوا أيها الإخوة أنه ما من مؤمن يدعو الله مخلصاً إلا والله عز وجل يُريه آياته، يريه آياته واضحة جليّة، قد يكون لك عدوّ شرس إنْ دعوتَ الله يصرفه عنك، وقد تكون هناك عقدة، أقسمَ لي أخ أنه درس الرياضيات في دولة غربية، واختار موضوعاً بالفضاء الخارجي، وسار في الموضوع أربع سنوات، ينبغي أن يصل إلى معادلة متوازنة، لم تتوازن المعادلة، أستاذه نصحه بأنّ هذا الموضوع صعب جداً، فإنْ لم تتوازن سوف يختار موضوعاً آخر، ويعيد أربع سنوات أخرى، أقسمَ لي بالله أنه خرّ ساجداً لله، وقال: يا رب أعِنّي، نزل إلى مكان دراسته، والله ألهمه حلاً للمعادلة، وانتهت بالتوازن، ونال الدكتوراه بالرياضيات، أي مهما تكن القضية صعبة، فأنت حينما تستعين بالله تُذلَّل لك، مهما يكن مرض عضال بالدعاء الصادق -ما لم يكن مرض الموت- يُشفى منه الإنسان.
أيها الإخوة، والله الذي لا إله إلا هو لو أيقنت أنه مستحيل، وألف ألف مستحيل أن تضع كل ثقتك بالله، الله لا يخيبك أبداً، لكن لا توجد هذه الثقة، النبي عليه الصلاة والسلام كان ملاحقاً في الهجرة وُضِعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، تبعه سراقة ليقتله، قال له: يا سراقة كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ النبي واثق أنه سيصل إلى المدينة، وسينشئ مجتمعاً إسلامياً، وسيؤسس دولة، وسيحارب الفرس، وسينتصر عليهم، وسيأخذ كنوز كسرى، وسيُلبِس سراقة الذي وراءه سوار كسرى، هذا الإيمان، الإيمان ثقة بالله، مهما بدت الأمور صعبة، مهما تعقدت الأمور، مهما بدا الباطل قوياً، مهما بدا الطاغية شرساً، مهما رأيت المستقبل مظلماً، ما عند الله ليس عند عبيد الله، ادعُ الله: ﴿رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخۡزِنَا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ إِنَّكَ لَا تُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ﴾ قال تعالى:
﴿ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(6)﴾
إن زوال الكون أهون على الله من أنْ يُخلِف وعده للمؤمن، والأنبياء والرسل جاؤوا بالحق المبين، ولا يمكن، ويستحيل أن يُخزِيَهم الله عز وجل، هذا يذكرني أن النبي عليه الصلاة والسلام في معركة بدر حينما وُضع صناديد قريش في القليب (البئر) سماهم باسمهم واحداً وَاحداً، فَعَنِ أنس بن مالك:
(( أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عليهم فَنَادَاهُمْ، فَقالَ: يا أَبَا جَهْلِ بنَ هِشَامٍ يا أُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ يا عُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ يا شيبَةَ بنَ رَبِيعَةَ أَليسَ قدْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فإنِّي قدْ وَجَدْتُ ما وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ يَسْمَعُوا وَأنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا؟ قالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ ما أَنْتُمْ بأَسْمع لِما أَقُولُ منهمْ، وَلَكِنَّهُمْ لا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا ثُمَّ أَمَرَ بهِمْ فَسُحِبُوا، فَأُلْقُوا في قَلِيبِ بَدْرٍ. ))
يجب أن يكون الخط بينك وبين الله مفتوحاً، والخط فيه حرارة، والطريق إلى الله سالك، وأنت بالدعاء أقوى إنسان، من هو خصمك؟ إذا كان الله معك فأكبر خصم في الأرض في قبضة الله، وإنْ لم يكن الله معك فأقل خصم في الأرض يقوى عليك، ويزدريك ويضايقك.
﴿ رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخۡزِنَا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ إِنَّكَ لَا تُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ (194) فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٍ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّٰتٍ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ ثَوَابًا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ (195)﴾
فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ
تصور عملاً، أي أنت تتوضأ أنقذت نملة من الغرق، تريّثت حتى صعدت إلى أعلى المغسلة، أيّ عملٍ تتصوره مهما بدا لك صغيراً، ابتسمت في وجه طفل، طمأنتَ موظفاً عندك، أكرمت عاملاً، أطعمتَ امرأتك لقمة، أيّ عمل مهما بدا لك قليلاً لن يضيع عند الله: ﴿فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٍ مِّنكُم﴾ مهما قلّ، عمل مادي، عمل معنوي، إنفاق، ابتسامة، تسامح، تساهل، حل مشكلة.
لي صديق -توفي رحمه الله- كان في دمشق في مركبته رجع إلى الوراء فصدم سيارة، وهناك أضرار لا بأس بها، أنا توقعت أنّ صاحب السيارة سوف يرفع صوته عليه، نظر إليه، وقال: أنت مُسامَح، تفسير الحادثة صعب جداً، الضرر كبير، والرجل غني، وليس فقيراً، نظر إليه، عرفه أنه من لبنان قال له: مسامح، وجدت على خدِّ صديقي دمعة، صديقي ميسور مالياً، قلت: لمَ تبكي؟ قال لي: والله قبل سنتين إنسان في بيروت يركب مركبة، والمركبة من دمشق، ونساؤه محجبات، وقد صدمني، وأحدث بمركبتي أضراراً كبيرة، إكراماً لأنه ضيف، ولأن نساءه محجبات أردت ألا أزعجه، قلت: تيسّر، ولا يوجد مشكلة، بعد عامين عُومل المعاملة نفسها في دمشق، أنا هذا إيماني، لا يمكن أن تعمل عملاً طيباً ويضيع عليك في الدنيا قبل الآخرة، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ. ))
أي إنسان حينما يفعل الخير الله عز وجل شكور.
الذكر والأنثى في العمل والجزاء سواء:
﴿فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٍ﴾ بالمناسبة، أية آية موجهة للذكور هي موجهة حكماً للنساء:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعْدِلُواْ ۚ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا تَعْمَلُونَ(8)﴾
أي يا أيتها المؤمنات افعلوا ذلك، حُكماً أية آية في القرآن موجهة إلى الرجال هي موجهة حكماً إلى النساء، ولكن من أجل أن يؤكد الله لنا أن المرأة مساوية للرجل تماماً، والله الذي لا إله إلا هو كلما تقدم بي العمر أزداد يقيناً أن المرأة مساوية للرجل تماماً في كل شيء، ترقى إلى الله كما يرقى إليه، وتتقرب إلى الله كما يتقرب إليه، ويُجري الله على أيديها الخير كما يجريه على يديه، وقد تكون عند الله أغلى من ألف رجل، وقد يكون قُلامة ظفر امرأة مؤمنة بمليون رجل فاسق، لذلك الإيمان الحقيقي، والإسلام الحقيقي أنْ توقن أن المرأة مساوية للرجل في التكليف، كلّفها كما كلّفه، أمرها كما أمره، وفي التشريف، شرّفها كما شرفه، وكرّمها كما كرمه، وفي المسؤولية سيسألها كما سيسأله، كل مؤمن أو مؤمنة مسؤول عما ولّاه الله، فعَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. ))
كل إنسان مسؤول في التشريف، وفي التكيف، وفي المسؤولية، والحقيقة التي أرددها كثيراً: لكنه ليس الذكر كالأنثى، هناك خصائص نفسية، وجسمية، واجتماعية، وعقلية للمرأة تتناسب مع رسالتها الخطيرة التربوية، وهناك للرجل خصائص جسمية، ونفسية، واجتماعية تتناسب مع رسالته في الحياة:
﴿ فَلَمَّا وَضَعَتۡهَا قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي وَضَعۡتُهَآ أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ وَلَيۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ وَإِنِّي سَمَّيۡتُهَا مَرۡيَمَ وَإِنِّيٓ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ (36)﴾
لا يتناقض مع أنها مُكلَّفة كما هو مُكلَّف، مُشرَّفة كما هو مُشرَّف، مسؤولة كما هو مسؤول، الرجل يحتاج إلى من يدعمه من داخل البيت، الرجل لا يحتاج إلى أن تكون امرأته عبئاً عليه، تطالبه كل يوم بحاجات فوق طاقته، تعكّر عليه مزاجه، تعكّر عليه دعوته، تعكّر عليه رسالته، الرجل يحتاج إلى مَن تدعمه من الداخل، إلى من تهيّئ له بيتاً مريحاً، تهيئ له جواً مناسباً، ولذلك حينما فتح مكة ركز الراية عند قبر خديجة ليشعر الناس جميعاً أنّ هذه المرأة التي كانت سنده الداخلي، لها جزءٌ كبير في هذا النصر، وما من رجل ينجح في عمله إلا أحد عوامل نجاح عمله أنه مرتاح في بيته، أن امرأته صالحة، تسرّه إن نظر إليها، وتحفظه إن غاب عنها، وتطيعه إن أمرها، أما هذه المرأة التي هي عِبٌء على زوجها، ثقيلة عليه، لا تفتأ تطالبه بشيء فوق طاقته، يغدو البيت جحيماً لا يطاق، لذلك حينما يغيب الرجل عن البيت كثيراً معنى ذلك أن في البيت إزعاجًا مستمرًا.
المرأة الصالحة يرقى عملها إلى مرتبة الجهاد:
إذاً: ﴿فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ﴾ إن الأنثى حينما تكون زوجة صالحة ترقى إلى مستوى الجهاد:
(( انصرِفي أيَّتُها المرأةُ وأعلِمي من وراءكِ من النِّساءِ أن حُسنَ تَبعُّلِ إحداكنَّ لزوجِها وطلبَها مَرضاتَهُ واتِّباعَها موافقتهُ يعدِلُ ذلِكَ كلَّهِ. ))
الأم التي ربّت أولادها على الصدق والأمانة، والصلاة والصيام، وغض البصر والعفة، الأم التي ربّت بناتِها على الطاعة والحياء والتستر، هذه أم لها الجنة، الأمومة وحدها تؤهّلها كي تدخل الجنة، فالأمومة الكاملة سبب لدخول الجنة، والأبوّة الكاملة سبب لدخول الجنة، والبنوّة الكاملة سبب لدخول الجنة، هذا الكلام سقته لقوله تعالى: ﴿فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٍ﴾ وكل إنسان يستهين بالمرأة، يستخفّ بها، يُذِلّها، يحتقرها، يهضم حقّها، هو إنسان جاهلي، جاهل، كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً، كان عليه الصلاة والسلام يقول:
(( لا تَكرَهوا البناتِ فإنَّهنَّ المؤنِساتُ الغالياتُ ))
[ الجامع الصغير بسند ضعيف ]
أنا أقول: من علّم شاباً علّم شاباً، لكن من علّم فتاة علّم أسرة بأكملها، لا يوجد شيء يدمر المجتمع كالأم الجاهلة التي تهمل أولادها، تدعهم في الطريق، تهمل إطعامهم، تهمل تغذيتهم، تهمل تربيتهم، تهمل مظهرهم الخارجي، والأم المثالية هي التي ترعى أولادها وزوجها ﴿فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٍ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ﴾
الهجرة وترك الديار عملٌ عظيم:
أي إنسان صاحب مبدأ ترك بلداً مصالحه فيها محققة إلى بلد دخلُه فيه قليل، تحمّل خشونة العيش في سبيل الله، أتظنون أنّ هذا الذي آثر أن يهاجر في سبيل الله يستوي عند الله مع الذي لم يؤثر الهجرة؟ أحياناً طبيب يكون له دخل فلكي في بلد غربي، يتألم لمَ لا يخدم المسلمين؟ يأتي إلى بلده، يفتح عيادة، قد يعاني متاعب كثيرة جداً، لكن هو نيّته أن يخدم المسلمين، هذه ترفعه عند الله عز وجل.
على كل الآية الكريمة:
﴿ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ(21)﴾
مستحيل، وألف ألف مستحيل أن تخافه ولا يُطمئِنك، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطمَئِن اطمئناناً ساذجاً وأنت في معصيته، ثم لا يخيفك، تخاف منه فيُطمئنك، لا تخافه فيخيفك: ﴿فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ﴾ عن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَدَّهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ))
[ مسلم، الترمذي، ابن ماجه، أحمد ]
عبادةٌ في الهرج أي في زمن الفتن كهجرةٍ إلي، أي شخص جاء من أطراف المدينة ليستمع إلى درس علم، ويوجد إنسان يجلس وراء الشاشة كي يتابع مسلسلاً، يوجد إنسان يذهب إلى مقهى، وإنسان إلى سهرة مختلطة، وإنسان إلى متعة رخيصة، لكن كل شيء له حساب عند الله عز وجل: ﴿فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي﴾ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ. ))
الجنة لها ثمن، وطلب الجنة من غير عمل ذنب من الذنوب، أن تطلب الجنة من غير عمل هذا ذنب كبير: ﴿وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي﴾ .
الصبر على الأذى عمل عظيم:
لأنك مسلم فاتتك هذه الفرصة، لأنك مسلم ملتزِم لم تُتَح لك هذه البعثة، لأنك مسلم ملتزم لا تستطيع متابعة هذه الشركة، فيها دخل حرام، لأنك مسلم ملتزم لا تستطيع أن ترتفع في عملك؛ لأن المنافقين يسبقونك، فلذلك أحياناً لأنك ملتزم قد تخسر بعض الدنيا ﴿وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ﴾ أي هاجروا من ديارهم ﴿وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّٰتٍ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ﴾ أي إذا شخص قُتل ظلماً، أيهما أرجا لرحمة الله الذي قُتل ظلماً أم الذي قتله ظلماً؟ فإذا كان الخيار صعباً ولا بد من أحدهما؛ أن تكون ظالماً أو مظلوماً، أفضل ألف مرة أن تكون مظلوماً من أن تكون ظالماً ﴿ثَوَابًا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ﴾ .
والثواب هو ما يعود عليك من الله عز وجل، أنت عملت عملاً طيباً فارتفعَ إلى الله، ما الذي يعود من هذا العمل إليك؟ يعود ثوابه، أي تعود رحمة تملأ قلبك، تعود حكمة تملأ كِيانك، تعود طمأنينة تطمئن نفسك، تعود رؤية ثاقبة تهتدي بها في الحياة، المؤمن يتمتع برؤية صحيحة، يتمتع بحكمة، يتمتع بسكينة، يتمتع بالشعور بالأمن، هذا كله من رحمة الله، أنت حينما ترفع عملاً صالحاً إلى الله يعود منه خير كثير هو الثواب: ﴿ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ معنى ثواباً: من فعل ثابَ، أي رجع، أي رجع لك من الله هذا الخير، وعطاء الله عز وجل عطاء مذهل؛ يُلهمك الحكمة، يلهمك حسن تربية أولادك، تملك أولادك، المال تنفقه بحكمة فيحبك الناس، إنْ أنفقته تبذيراً وإسرافاً حقدَ عليك الناس، يُلهمك أن تعامل امرأتك معاملة طيبة تُصفي لك الود، فالحكمة أكبر عطاء إلهي: ﴿ثَوَابًا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ﴾ في الدنيا والآخرة، ثم يقول الله عز وجل:
﴿ لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ (196)﴾
لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ
الدنيا تغُرّ وتضرّ وتمرّ، الدنيا خَضِرة نضِرة، سُمّها في دسمها، المرأة أحد متع الدنيا، والبيت الفخم، والدخل الكبير، والطعام النفيس، والسفر الممتِع، والعلوّ في الأرض، هذا كله من الدنيا، يقول الله عز وجل: ﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ﴾ من مكان إلى مكان، من بيت إلى بيت، من مركبة إلى مركبة، من منصب إلى منصب، من سفر إلى سفر، يختار أجمل شيء دائماً، متفوق في دنياه، المؤمن أحياناً بساعة ضعف وغفلة عن الله يرى هذا الكافر متمتعًا في الحياة، فربنا سبحانه وتعالى ينصحه.
بالمناسبة، لا يُعقَل أن يكون عطاء الله في الدنيا، لأن الدنيا منقطعة، لا يليق بكرم الله أن يكون عطاؤه في الدنيا فقط، العطاء الذي يليق بكرم الله عطاءٌ أبديّ، لذلك العطاء الذي يليق بكرم الله هو الجنة، قال عليه الصلاة و السلام:
(( بل الرّفيقُ الأعلى. ))
فهؤلاء الذين كفروا عطاؤهم في الدنيا:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44)﴾
﴿لَا يَغُرَّنَّكَ﴾ الغرور أن ترى الشيء بأكبر من حجمه، الدنيا تغر، الشيطان سماه الله الغَرور:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ(5)﴾
الشيطان يزين الدنيا، الدنيا خَضِرَة نَضِرَة، فِتنتها يَقِظَة، سُمّها في دسمها.
﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ﴾ تقلب، تنقّل من بيت لأجمل، من منصب لأعلى، من امرأة لامرأة، من سفر لسفر، من مقتنيات لمقتنيات، هناك تقلّب لأن هناك دخلاً كبيرًا، وتنوعًا في الحياة.
متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد:
﴿ مَتَٰعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ (197)﴾
إلهنا يقول: ﴿مَتَٰعٌ قَلِيلٌ﴾ قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوٓاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلَآ أَخَّرْتَنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ قَرِيبٍۢ ۗ قُلْ مَتَٰعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا(77)﴾
﴿مَتَٰعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ﴾ إذا خيّرنا إنساناً، وقلنا له: نعطيك مليوناً، ومعك شهر، اذهب أينما شئت، وكُل أي طعام تريد، واجلس مع أية امرأة تريد، ولا تدعْ شيئاً إلا وتفعله، وبعد هذا الشهر هناك سنوات، وسنوات تُعذَّب بها بأحدث آلات التعذيب هل يقبل؟ مستحيل، الدنيا منقطعة، والآخرة أبدية، لذلك الله عز وجل يقول: ﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ*مَتَٰعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ﴾
لذلك العبرة بالنهاية، العبرة لمن يضحك آخراً، هناك من ينتصر الآن، معه أسلحة فتاكة، وأمامه شعب أعزل، ولا يوجد أحد يحاسبه، الجو راقَ له، لا يوجد توازن قوى في الجو العالمي أبداً، يوجد قوة واحدة، وقوة واحدة جبارة متألِّهة، متغطرسة، وسلاح فتاك، وتكنولوجيا عالية جداً، وإصابة دقيقة، وشعوب ضعيفة، وهناك انتصار مزيف، يوجد تبجّح وخطابات... هؤلاء الضعاف مَن لهم إلا الله؟ هؤلاء الضعاف لهم الجنة إن شاء الله، هؤلاء الضعاف لهم جنة إلى الأبد، وهؤلاء الأقوياء الظلام سوف يُمحَقون، قال لك الله عز وجل: ﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ* مَتَٰعٌ قَلِيلٌ﴾ كم سنة؟ أربعون، خمسون سنة، وبعد ذلك، كل إنسان مهما كان قوياً فلا بد أن يموت، كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت.
واللّيــلُ مهمــا طـــــــالَ فلا بدّ من طُلـوعِ الفجْـرِ
والعُمـــرُ مهمــا طـَــــالَ فلا بدّ مـن نُـزولِ القَبــرِ
كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ
فـإذا حملتَ إلى القبـــــورِ جنــازةً فـاعلمْ بأنّك بعدَهـــــــا محمـولُ
الأنبياء ماتوا، والأقوياء ماتوا، والملوك ماتوا، والعلماء ماتوا، والضعفاء ماتوا، والفقراء ماتوا، والأذكياء ماتوا، والأغبياء ماتوا، سبحان مَن قهر عباده بالموت ﴿مَتَٰعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ﴾ لكن الله عز وجل يقول:
﴿ لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ جَنَّٰتٌ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۗ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٌ لِّلۡأَبۡرَارِ (198)﴾
الملف مدقق