الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس السابع والخمسين من دروس سورة آل عمران، ومع الآية التسعين بعد المائة، وهي قوله تعالى:
﴿ إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٍ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ (190)﴾
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ
خلق السماوات والأرض مظهرٌ لعظمة الله:
أيها الإخوة، كلمة السماوات والأرض في المصطلح القرآني تعني الكون، والكون ما سوى الله.
إنّ خلق السماوات والأرض تتمثل فيه عظمة الله عز وجل، فكأن أسماء الله الحسنى مُجسَّدة في خلق السماوات والأرض، وكأن صفاته الفضلى واضحة في خلق السماوات والأرض، فطبيعة البشر لا تستطيع أن تدرك الله عز وجل بحواسها، لأن الله عز وجل يقول:
﴿ لَّا تُدْرِكُهُ ٱلْأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلْأَبْصَٰرَ ۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ(103)﴾
﴿ وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِىٓ أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِى وَلَٰكِنِ ٱنظُرْ إِلَى ٱلْجَبَلِ فَإِنِ ٱسْتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوْفَ تَرَىٰنِى ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَٰنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ(143)﴾
الله لا يُرى في الدنيا ، بل يُرى يوم القيامة:
فطبيعة البشر في الدنيا لا تسمح لهم أن يرَوا ربهم، لكنّ المؤمنين في الجنة يرون ربهم رأي العين، لذلك في قوله تعالى:
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ(22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ(23)﴾
ورد في بعض الأحاديث أن المؤمنين ينظرون إلى وجه الله الكريم فيغيبون خمسين ألف عام من نشوة النظر! بل إن هناك فوق النظر إلى وجه الله الكريم رضوانٌ من الله أكبر! هناك جنة فيها ما تشتهي الأنفس، فيها فاكهة، فيها أنهار، فيها حور عين، فيها ولدان مخلدون، هذا النعيم الأول، هناك نعيم أرقى من ذلك هو نظرة إلى وجه الله الكريم:
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ(26)﴾
الجنة ﴿وَزِيَادَةٌ﴾ النظر إلى وجه الله الكريم، وفوق الزيادة رضوان من الله، قد تدخل بيتاً تجد فيه ما لذّ وطاب، قد تستمتع بالطعام وبالشراب، وبالورود، وبالمناظر الجميلة، لكنك إذا نظرت إلى صاحب البيت وجدت في وجهه جمالاً يحير العقول، لكن هذا الصاحب لو أنه استقبلك بترحاب شديد، ومودة بالغة، فترحاب صاحب البيت أبلغ من التمتع بالنظر إلى وجهه، والنظر إلى وجه صاحب البيت أبلغ من التمتع بما في البيت من طعام وشراب ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ﴾ الجنة ﴿وَزِيَادَةٌ﴾ النظر إلى وجه الله الكريم، وفوق هذه الزيادة رضوان من الله أكبر.
نظام أجسامنا في الدنيا لا يتيح لنا أن ندرك الله عز وجل بعيون رؤوسنا، لكننا نستطيع أن ندركه بعقولنا، لذلك الكون الذي هو ما سوى الله ينطق بوجوده، وبكماله، وبوحدانيته، وكماله منوع، ينطق بلطفه، ينطق برحمته، ينطق بحكمته، ينطق بمودته، ينطق بقوته، ينطق بعظمته.
وفي كلّ شي له آيةٌ تدلّ على أنَّه واحد
[ لبيد بن ربيعة العامري ]
الكون طريق إلى معرفة الله:
إذا كان أصل الدين معرفة الله، ومعرفة الله لا تتم إلا من خلال التفكر في خلق السماوات والأرض، لذلك المعرفة قد تكون حسية، وقد تكون عقلية، وقد تكون إخبارية، فالشيء الذي يعجز العقل عن إدراكه عن ذات الله أخبرنا الله به من خلال قرآنه، ومن خلال حديث رسوله صلى الله عليه وسلم، والشيء الذي بإمكان العقل أن يدركه فهو متاح لكل إنسان.
المقولة والمُسلَّمة الثابتة أن أصل الدين معرفة الله عز وجل، ومعرفته تحتاج إلى تفكّر في خلق السماوات والأرض، بل إنّ هذا الكون في عِلّة وجوده من أجل أن تعرف الله من خلاله، ولا أدلَّ على ذلك من قوله تعالى:
﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍۢ وَمِنَ ٱلْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمًۢا(12)﴾
من أجل أن تعلموا أن علمه يطولكم، وقدرته تطولكم، فإن أيقنتم أن علمه يطولكم وقدرته تطولكم استقمتم على أمره، ولعل الاسمَين اللَّذَين ينفردان من بين بقية الأسماء ويحملان الإنسان على طاعة الله: العليم والقدير، يعلم ويعاقب! علمه يطولك، وقدرته تطولك، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام قرأ هذه الآية وقال :
(( قال: يا رسولَ اللهِ، تَبكي وقد غفَرَ اللهُ لكَ ما تَقدَّمَ مِن ذَنبِكَ وما تَأخَّرَ! قال: وما لي لا أَبْكي وقد أُنزِلَتْ علَيَّ اللَّيلة: إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٍ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ، وَيلٌ لمَن قرَأَها ثُمَّ لم يَتفكَّرْ فيها، وَيحَكَ يا بِلالُ، ألَا أكونُ عبدًا شَكورًا؟! ))
﴿إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٍ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾ الحقيقة السماوات؛ كل ما علاكَ فهو سماء، يوجد مجرات تزيد على مائة ألف مليون مجرة في العدد الذي توصّل العلماء إليه حتى الآن! في المجرة الواحدة تقريباً مائة ألف مليون نجم، ومجرتنا درب التبانة مجرة متوسطة.
لو أننا رسمناها على شكل عضلة مِغزلية، المجموعة الشمسية لا تزيد على نقطة على درب التبانة على هذه المجرة! المجموعة الشمسية فيها كواكب كثيرة تدور حول الشمس، أرضنا يأتي في المركبة الثالثة من هذه الكواكب، وتبعد عن الشمس مائة وستة وخمسين كيلو مترًا، والشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرة.
هذه المجموعة الشمسية من آيات الله الدالة على عظمته، أما بقية المجرات فالحديث عنها يطول، هذا من خلق السماوات والأرض، وأقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، القطب أربعة آلاف سنة، عين القط ثلاثة آلاف عام، إن أردت أن تقطع هذه المسافة على مركبة أرضية لاحتجت إلى خمسين مليون عام! هذه إن أردت أن تقطع أربع سنوات ضوئية، فماذا لو أردت أن تقطع أربع آلاف سنة!
مليونا سنة ضوئية بيننا وبين مجرات المرأة المسلسلة، عشرون مليار سنة ضوئية بيننا وبين أبعد مجرة اكتشفت حتى الآن، كم هذه المسافة بيننا وبين مجرة تبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية، والضوء يقطع ثلاثمائة ألف كيلو متر بالثانية، وبالدقيقة ضرب ستين، وبالساعة ضرب ستين، وباليوم ضرب أربعة وعشرين، وبالشهر ضرب ثلاثين، وبالعام ضرب اثني عشر، اعمل حسابًا بسيطًا، كم يقطع الضوء في سنة ضوئية؟ ضرب عشرين مليار، وهذا ما قاله الله عز وجل:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ(75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ(76)﴾
وكلمة "مواقع" تخِرّ لها رؤوس العلماء خشوعاً لله عز وجل، الموقع لا يعني أن صاحب الموقع في الموقع، لأنّ هذا النجم الذي أرسل ضوءه، وسار الضوء إلينا خلال عشرين مليار سنة، وهو يسير بسرعة تقترب من الضوء؛ مائتين وأربعين ألف كيلو متر في الثانية، أين هو الآن؟ مائتين وأربعين ألف كيلو متر كل ثانية ضرب ستين، ضرب ستين، ضرب أربع وعشرين، ضرب ثلاثين، ضرب اثني عشر، ضرب عشرين مليار ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ*وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ والحديث عن الكون لا ينتهي، وآيات الله كثيرة في الآفاق وفي الأرض وفي الجسم.
أتحسبُ أنك جرمٌ صغيرٌ وفيك انطوى العالمُ الأكبرُ
جسم الإنسان عالَم قائم بذاته:
جسمك عالَمٌ بذاته، إذا شبكية العين فيها مائة وثلاثون مليون مخروط وعُصيّة، والعصب البصري تسعمئة ألف عصب، وكل عصب له أغماد، وكلها في قطر ميليمترين.
الحديث عن العين وعن الأذن، والأنف؛ عشرون مليون نهاية عصبية، كل نهاية فيها سبعة أهداب، كل هُدب مُغمَّس بمادة مخاطية، تتفاعل مع الرائحة، يتشكل شكل هندسي يُشحَن إلى الدماغ، ويُعرَض على الذاكرة الشمية المؤلفة من عشرة آلاف بند، فحينما يتطابق بند مع بند تعرف أن هذه رائحة الياسمين، هذا الشم، والعين.
الأذن: آلية الأذن معقدة تعقيداً بالغاً، أربعة عظام، وغشاء الطبل، والأذن الوسطى والداخلية، وكيف تميّز النغم عن الضجيج، وكيف تفهم الكلام، علوم من مئة عام، وبحوث، وأجهزة، وجامعات، ولا يزال العلم يحبو، ولم تبتلّ بعدُ أقدام العلماء ببحر المعرفة.
أتحسبُ أنك جرمٌ صغيرٌ وفيك انطوى العالمُ الأكبرُ
النبات: إنْ نظرتَ إلى ما حولك من نباتات فهي آية من آيات الله الدالة على عظمة الله، لا يوجد في حياتنا سائل يصبح خشباً، وحديداً، وقماشاً هو النُّسُغ النازل، يُصنَع في أوراق النباتات، منه يتشكل الجَذع، والأغصان، والأوراق، والأزهار، والثمار، والجذر، من سائل واحد هو النُّسغ النازل، والحديث عن أوراق النبات، وعن اليخضور، وعن استهلاك الطاقة الشمسية، وكيف أنّ النبات يمتص غاز الفحم، ويطرح الأوكسجين لحكمة بالغة بالغة، النبات وحده آية، بل إنّ الله سبحانه وتعالى ذكر أنّ النبات متنوعٌ جداً، حتى إنه قال:
﴿ وَهُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِۦ نَبَاتَ كُلِّ شَىْءٍۢ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّٰتٍۢ مِّنْ أَعْنَابٍۢ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ ۗ ٱنظُرُوٓاْ إِلَىٰ ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِۦٓ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكُمْ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ(99)﴾
يوجد أوانٍ من نبات، وحبات مسبحة من نبات، ويوجد نبات حدودي، ونبات هدفه أنْ تستخدم خشبه، يوجد حوالي مائة نوع من الأخشاب، وكل خشب له وظيفة يتميز بها، ونبات دواء، ونبات صباغ، ونبات فِلِّين، ونبات كوشوك، ونبات طعام، ونبات تأكل من جذوره، ونبات تأكل من ساقه، ونبات تأكل من أوراقه، ومن أزهاره، ومن ثماره.
الحديث عن النبات لا ينتهي، وهناك أشجار مهمتها أن تكون مظلة، وأشجار تُزرَع بينك وبين جارك نباتات حدودية، ونبات لسِواك أسنانك، ونبات لتنظيف ما بين الأسنان، ونبات على شكل لِيف لتنظيف جسمك، والحقيقة قضية النبات لا تنتهي.
الحيوان: هناك مليون نوع من السمك! من سمك عملاق؛ الحوت الأزرق يزن مائة وخمسين طنًا، خمسون طنًا لحمًا، وخمسون طنًا دهنًا، وخمسون طنًا عظمًا، وتسعون برميلاً زيتًا، ودماغ الحوت وزنه أربعمائة وخمسون كيلو غرامًا، والحديث عن الحوت لا ينتهي، ويوجد فيروسات لا تُرى بالعين، والآن كائنات حية أقل من الفيروس! أحياء دقيقة جداً.
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(62)﴾
لذلك الذي ينقص العالم الإسلامي هو معرفة الله، وكلما ازددت معرفة بالله ازددت انصياعاً له، وخضوعاً لأمره، وطاعة ومحبة له، وشوقاً إليه، فأنت تحب الله بقدر معرفتك له، وأنت تنصاع لأمر الله بقدر معرفتك له، وأنت تخشى الله بقدر معرفتك له.
فلذلك أيها الإخوة، لا يمكن أن ترى إنسانًا يعصي الله إلا لنقصٍ في معرفته بالله، ولا يمكن أن ترى إنساناً مُستخفاً بأوامر الله إلا لنقص في معرفة الله عز وجل، ومعرفة الله تحتاج إلى تفكر، والتفكر مدرسة قرآنية، بل هي عبادة من أرقى العبادات، لأنها عبادة تضعك أمام عظمة الله وجهاً لوجه، بل إن هذه الآيات التي بثّها الله في الآفاق وفي الأرض وفي النفس هي أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب تدخل منه على الله.
الماء الذي تقوم عليه الحياة:
﴿إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٍ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾ أحصى عالم أشكال ذرات الثلج، لو أخذت ذرة ثلج، وكبّرتها لوجدت أشكالاً لا تُصدَّق، أشكال تقارب خمسين ألف شكل! هذا الثلج الأبيض الذي تراه عينك كأنه قطن، لو أخذت بعض ذرات الثلج، وكبّرتها لوجدت أشكالاً هندسية تأخذ بالألباب.
هذا الماء الذي نشربه شأنه شأن أي عنصر في الكون، إلّا أنّ له خصيصة لو لمْ تكن لمَا كانت حياة على سطح الأرض، هو أن هذا الماء إذا برّدته ينكمش، كشأن أي عنصر، أما إذا وصل التبريد إلى زائد أربعة تنعكس الآية فيتمدد، بسبب التمدد تطفو على سطوح البحار طبقات الجليد، وتبقى أعماقها دافئة صالحة للحياة، لو أن هذا الثلج كلما برّدته يقِلّ حجمه، فتزيد كثافته، فيهوي في أعماق البحار لأصبحت البحار متجمدة، ولانعدم التبخر، وانعدم المطر، ويبس الزرع، ومات الحيوان، وتبعه الإنسان.
العين آلة تشهد بعظمة الله:
﴿إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ﴾ إنسان يسكن في فنلندا، قد تهبط الحرارة إلى ما دون السبعين تحت الصفر، والإنسان هناك عليه أن يحتاط، فيرتدي المعاطف الصوفية، والجوارب السميكة، والقمصان الداخلية الصوفية، ويضع شيئًا على رأسه، ويقي عينيه، ويقي أذنيه ورقبته، وقفازات يضعها في يديه، لكن لا يستطيع أن يغلق عينيه من أجل أن يمشي، وماء العين على تماسٍ مع حرارة تقلّ عن سبعين درجة تحت الصفر، ما الذي يمكن أن يحدث؟ يتجمد ماء العين، فيفقد الإنسان البصر، لذلك أودع الله في ماء العين مادة مضادة للتجمّد، لو ذهبت إلى بلدٍ تقِلُّ حرارته عن سبعين تحت الصفر، فلك أن تفتح عينيك، وأن ترى كل شيء، وأنت في مأمن من أن يجمُد ماء العين، لأن في ماء العين مادة مضادة للتجمد.
﴿إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ﴾ والمؤمن يفكر في خلق السماوات والأرض، يفكر في طعامه:
﴿ فَلْيَنظُرْ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ(6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ(7)﴾
هذه آية خلْق الإنسان، في اللقاء الزوجي يوجد خمسمائة مليون حُوَين! وتحتاج البويضة إلى حوين واحد.
﴿ فَلْيَنْظُرْ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ(24)﴾
هذه هي الأرض وما يخرج منها:
انظر إلى القمح؛ المحاصيل تنضج في يوم واحد، رحمةً بنا، بينما الفواكه تنضج على مدى شهر أو شهرين أو ثلاثة، الفواكه والخضراوات وهذا رحمة بنا، والفواكه مبرمجة على أن لا تنضج في يوم واحد، كل نوع ينضج في وقت، وعلى مدار الصيف تنضج كل ألوان الفاكهة، وهذه من حكمة الله عز وجل، والنوع الواحد من المحاصيل، أو من الفواكه، والثمار، والخضراوات أنواع منوعة، أربعمائة وخمسون ألف نوع للقمح، أربعمائة نوع للعنب، عشرات أنواع للتفاح، وأنواع منوعة لا يعلمها إلا الله، هذا كله من إكرام الله للإنسان، خلْق السماوات والأرض؛ المجرات، الكواكب، النجوم، المذنبات، الكازارات، الثقوب السوداء، السماء الدنيا، ما فوق السماء الدنيا، منطقة انعدام الجاذبية...إلخ.
والأرض: الجبال أوتاد، ومصدات، ورواسٍ، الحديث عن الجبال يطول، السهول؛ الأغوار، البحيرات، البحار، الأنهار، فأنت أمام مظاهر كل هذه المظاهر تدل على عظمة الله عز وجل.
النبات: نباتات الزينة أنواعها بالمئات وبالألوف، نباتات داخل المنازل صالونات أيضاً بالمئات، نباتات الزينة، نباتات الغذاء، نباتات الدواء، نباتات الصناعة، أنواع منوعة لا تعد ولا تُحصى.
الحيوانات: مليون نوع حيوانات، الطيور الطير آية من آيات الله، الزواحف، وما إلى ذلك، بعض الحيوانات ترى بالأشعة تحت الحمراء!
البعوضة الحشرة المحتقرَة:
البعوضة حينما تحطّ على جبين طفل صغير تستخدم جهاز الرادار، فتهتدي إلى جبينه مباشرة، ثم تستخدم جهاز التخدير كي لا يصحو، ثم تستخدم جهاز التمييع، تم تستخدم جهاز التحليل، عندها جهاز تحليل، وتمييع، وتخدير، ورادار، ثم إنّ لها ثلاثة قلوب؛ قلب مركزي، وقلب لكل جناح، وإنّ أجنحتها ترِفّ أربعة آلاف رفّة في الثانية، وإنها تشمّ رائحة عرق الإنسان من ستين كيلو مترًا، وإنها إذا وقفت على سطح أملس استخدمت محاجمها، وإن وقفت على سطح خشِن استخدمت مخالبها، والله عز وجل يقول:
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسْتَحْىِۦٓ أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِۦ كَثِيرًا وَيَهْدِى بِهِۦ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا ٱلْفَٰسِقِينَ(26)﴾
النحلة آية من آيات الله الدالة على عظمته، النحلة من أجل أن تصنِّع كيلو من العسل وحدها تحتاج إلى طيران أربعمائة ألف كيلو متراً، عشر دورات حول الأرض في خط الاستواء! من أجل أن تصنع من هذه الحركة كيلو من العسل، والعسل من آيات الله الدالة على عظمته.
النمل من آيات الله الدالة على عظمته.
العنكبوت الخيط الذي تنسجه لو سُحِب الفولاذ بقطره لكان خيط العنكبوت أمتنَ من الفولاذ!
أيها الإخوة، يمضي العمر ولا تنقضي بعض آيات الله، لذلك قال تعالى:
﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ(18)﴾
النعمة الواحدة لو ذهبتَ تعدد فوائدها وبركاتها لا تنتهي، وإذا كنت عاجزاً عن إحصائها فلأن تكون عاجزاً عن شكرها من باب أولى.
﴿إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٍ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾ أولوا الألباب من هم؟
اختلاف الليل والنهار وعلقته بدوران الشمس والقمر:
﴿إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ﴾ والله أيها الإخوة، في اختلاف الليل والنهار آياتٌ كبرى دالة على عظمة الله، من معاني اختلاف الليل والنهار تعاقب الليل والنهار، كرة هي الأرض تدور، الشمس هنا، لأنها تدور على محور لا يوازي مستوي دورانها يكون الليل والنهار، تدور هكذا، والشمس هنا لأنها تدور على محور لا يوازي مستوي دورانها، لو أنها تدور هكذا كأنها لا تدور، لأن أشعة الشمس سوف تُسلَّط على نصفها والنصف الثاني بلا شمس، فنصفها ترتفع حرارته إلى ثلاثمائة وخمسين فوق الصفر، ونصفها الآخر إلى مائتين وسبعين تحت الصفر، وتنتهي الحياة، تدور لا على محور يوازي مستوي دورانها، بل على محور متعامد تقريباً مع مستوي دورانها، هذا مستوي دورانها، سطح.
إذا كان هناك سطحٌ تمر فيه الأرض في دورانها حول الشمس فهذا السطح يسمى مستوي دورانها، يجب أن تدور على محور متعامد تقريباً مع مستوي دورانها، كي يكون الليل والنهار، يجب أن تدور هكذا والشمس هنا، لو أن هذا المحور متعامد مع مستوي دورانها تماماً لمَا كان صيف، ولا ربيع، ولا خريف، ولا شتاء، كل منطقة على سطح الأرض فصل أبدي، عند خط الاستواء صيف أبدي، وفي المنطقة المعتدلة ربيع أو خريف أبدي، وفي المنطقة الشمالية شتاء أبدي، ولكن لأن الأرض تدور على محور مائل عن التعامد على مستوي الدوران، محور مائل، من ثلاث وثلاثين درجة إلى سبع وعشرين درجة من هذا الميل، إذا كان هكذا، والشمس هنا تأتي أشعة الشمس عمودية على نصف الكرة الشمالي، فإذا الأرض وصلت إلى هذا المكان تأتي أشعة الشمس عمودية على نصف الكرة الجنوبي.
في منتصف شتاء العام الماضي ذهبت إلى أستراليا، هذه القارة في نصف الكرة الجنوبي، هنا برد، وأمطار، وثلوج، وهناك حر لا يُحتَمل، بل إنّ المسلمين هناك صاموا أطول رمضان في حياتهم! جاء في الصيف، ونحن نصوم هنا أقصر رمضان في حياتنا تقريباً، معنى ذلك أن الشمس تكون عمودية على نصف الكرة الجنوبي، فيكون عندهم الصيف، الآن بالبرازيل والأرجنتين وأستراليا صيف، عندنا شتاء، والآية تُعكَس من حين إلى آخر، فاختلاف الليل والنهار، واختلاف الفصول بسبب أن الأرض تدور على محور ليس موازياً لمستوي الدوران، وليس عمودياً على مستوي الدوران، محور مائل، وحكمة المَيل لا تعد ولا تحصى، مَيل هذا المحور يسبب اختلاف الليل والنهار، وتنوع الفصول في الأرض، هذه الآية.
الكون بوضعه الراهن دليل على حكمة الله:
﴿إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٍ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾ يوجد خالق حكيم، الحكمة تدل على الحكيم، أنت إذا دخلت إلى بيت، وجدت مفتاح الكهرباء على ارتفاع متر ونصف، وهو ارتفاع مناسب جداً، ما قولك لو رأيت مفتاح الكهرباء في أعلى الحائط؟ وتحتاج إلى سلّم كي تفتح الكهرباء؟ هذا مكان غير حكيم، لو أنك رأيته في أسفل الحائط لا بد أن تنبطح حتى تفتح الكهرباء، أما حينما تراه في مكان مناسب جداً يتناسب مع طول الإنسان تشعر أن هناك مُرجِّحًا، ولا ترجيح بلا مُرجِّح، أن هناك حكمة، ولا حكمة من دون حكيم، وكل شيء في الكون ينطق بحكمة الله تعالى.
هذا الطير وهو في البيضة كيف يخرج منها؟ ينمو على منقاره نتوء مُدبَّب مُؤنَّف يكسر القشرة، فإذا خرج إلى خارج البيضة ذاب هذا النتوء، وتلاشى، وعاد منقاره طبيعياً، من صمم ذلك؟
انظر كيف هدى ربُك الطفل !!!
الطفل حينما يُخلَق لا يعلم شيئا، لقول الله عز وجل:
﴿ وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْـًٔا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلْأَبْصَٰرَ وَٱلْأَفْـِٔدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(78)﴾
ولنفرض أنه ولد الآن، فلمجرد أن يُولَد يلتقم ثدي أمه، والتقام الثدي عملية بالغة التعقيد، فلا بد أن يضع شفتيه على حلمة الثدي، ولا بد أن يحكم شفتيه حول حلمة الثدي، ولا بد من سحب الهواء حتى يأتيه الحليب، بربك هل تستطيع أن تعلّم المولود الذي وُلِد لتوّه لو لم يحسن مصّ الحليب؟ ولولا هذا المُنعَكس الذي سماه العلماء منعكس المص لمَا كان إنسان على قيد الحياة.
بين الأذينَين ثقب بوتال، الطفل لمجرد أن يولد -هكذا قال علماء الطب- تأتي جلطة فتغلق هذا الثقب، فإذا لم تُغلَق يصاب الطفل بداء الزرق، لا يعيش أكثر من عشر سنوات، ولونه أزرق، لأن الدم بدل أن يذهب إلى الرئتين كي يُنقَّى من غاز الفحم، لأن هناك ثقب مباشرة بين الأذينين ينتقل من أذين إلى أُذَين، ولا يذهب إلى الرئتين، من الذي يخلق هذه الجلطة حينما يولد الإنسان؟
أنا أضعكم أمام آيات دالة على عظمة الله في خلق الإنسان، وفي خلق الحيوان، وفي خلق النبات، وفي خلق الجبال، وفي خلق البحار، وفي خلق السماوات والأرض.
هذه الآيات لأولي الألباب فقط:
﴿إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٍ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾ لأصحاب العقول، لمن استخدموا عقولهم في معرفة ربهم، في القرآن آيات تقترب من ألف آية، تتحدث عن العقل، وعن العلم، وعن التفكر، وعن التذكر، فهذه الآيات دالة على عظمة الله، ولكنّها لأولي الألباب، ماذا يقابل أولي الألباب؟ السطحيون، إنسان بلا لُبّ ساذج، مادي، شهواني، أناني، يعيش لحظته، همّه الطعام والشراب والمتعة، إنسان فارغ من مضمون، هؤلاء:
﴿ إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٍ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ(190) ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلًا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ (191)﴾
لا يوجد حالة رابعة، إما أن تكون واقفاً، وإما أن تكون قاعداً، وإما أن تكون مضطجعاً في سريرك، هذه كل حالات الإنسان، هؤلاء المؤمنون الصادقون الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض، يذكرون الله في كل أحوالهم؛ قائمين، وقاعدين، ومضطجعين.
رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
﴿رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلًا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ الباطل هو الشيء الزائل، هذا الكون مخلوق لهدف كبير، كي يسعد الإنسان بربه إلى أبد الآبدين، مخلوق هذا الكون، والذي يخلقه الله من نوره لا يفنى.
﴿ كُلُّ نَفۡسٍ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ (185)﴾
يتحول ولا يفنى، فنحن قد نخلع هذا الثوب الذي هو الجسد عند الموت، ولكن ذات الإنسان ونفسه خالدة مُخلَّدة، إما في دار النعيم، وإما في دار الجحيم، لذلك: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلًا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾
أكبر إنجاز، وربح، وكسب، ومرتبة تصلها أن تُزحزَح عن النار ﴿فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ﴾
﴿ رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَيۡتَهُۥۖ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٍ (192)﴾
لو أنك ضعيف، وقُهِرت، وأسلمت روحك إلى الله، ووصلت إلى الجنة فأنت الفائز الأكبر، ولو أن الذي قهرك، واستعلى، وتغطرس، وتكبر انتهى إلى النار فهو الخاسر الأكبر، العبرة أن تكون وفق منهج الله، قوياً كنت أو ضعيفاً، مضطهداً كنت أو مُستضعَفاً.
﴿رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَيۡتَهُۥۖ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٍ﴾ من مشاهد يوم القيامة أن رجلاً له صديق في الدنيا من أهل الدنيا المترفين، ولعله من الطغاة قال: إنه كان لي قرين فاطلع فرآه في سواء الجحيم.
﴿ رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَيۡتَهُۥۖ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٍ (192)رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعۡنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلۡإِيمَٰنِ أَنۡ ءَامِنُواْ بِرَبِّكُمۡ فَـَٔامَنَّاۚ رَبَّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرۡ عَنَّا سَيِّـَٔاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلۡأَبۡرَارِ (193)﴾
رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا
الدعاة ينادون الناس إلى الإيمان بالله، والمؤذن حينما يؤذن ينادي الناس إلى أداء الصلوات، والقرآن حينما تتلوه يناديك إلى طاعة الله، فالمُنادون كُثُر في الدنيا، المؤذن يناديك، وخطيب الجمعة يناديك، وأبوك الملتزم بالدين يناديك، وأستاذك يناديك، ومقالة أحياناً تناديك، وشريط، ومشهد أمامك، وقصة سمعتها كلها تناديك، الله عز وجل جعل الطرائق إليه كثيرة جداً.
﴿رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعۡنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلۡإِيمَٰنِ أَنۡ ءَامِنُواْ بِرَبِّكُمۡ فَـَٔامَنَّاۚ رَبَّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرۡ عَنَّا سَيِّـَٔاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلۡأَبۡرَارِ﴾ اغفر الذنوب، وكفر السيئات.
﴿وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلۡأَبۡرَارِ﴾ أن نكون من أهل الجنة، فالذنب يُغفَر، والسيئة تُكفَّر، المغفرة ألا تُعاقَب، أما التكفير ألّا تذكر هذا الذنب.
﴿ رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخۡزِنَا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ إِنَّكَ لَا تُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ (194)﴾
رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ
إن زوال الكون أهون على الله من أن لا يحقق وعوده للمؤمنين، الجنة حق والنار حق، والناس في غفلة عنهما، والغنى الحقيقي بعد العرض على الله، والفقر الحقيقي بعد العرض على الله، والنصر الحقيقي والانهزام الحقيقي بعد العرض على الله، هذا الذي في الدنيا لا قيمة له إطلاقاً، لأنه عرَضٌ زائل، لا مستمرٌ ولا مستقر.
وفي درس آخر إن شاء الله نتابع شرح هذه الآيات.
الملف مدقق