وضع داكن
23-02-2025
Logo
الدرس : 52 - سورة آل عمران - تفسير الآيات 173 – 176 الدنيا دار ابتلاء
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثاني والخمسين من دروس سورة آل عمران، ومع الآية الثالثة والسبعين بعد المائة، وهي قوله تعالى: 

﴿ ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنًا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ (173)﴾

[ سورة آل عمران  ]


مقدمة:


الدنيا دار امتحان وبلاء:

 أيها الإخوة، بادئ ذي بدء، إن المؤمن حينما يوقن أن هذه الدنيا دار ابتلاء، وأنها مركبة على الامتحان، وفي آية أخرى يقول الله عز وجل: 

﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)﴾

[ سورة المؤمنون ]

 وفي آية ثالثة: 

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(2)﴾

[ سورة الملك  ]

 أنت لست في دار نعيم، ولست في دار جزاء، ولست في دار سرور، أنت في دار ابتلاء، في دار امتحان، في دار تكليف، في دار تعب، قال تعالى: 

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَٰقِيهِ(6)﴾

[ سورة الانشقاق  ]


الابتلاء في المنع والعطاء:


 ذلك أن الله خلق الإنسان للجنة، وثمن الجنة في الدنيا هو نجاحك في هذا الابتلاء، الأصل أنك مُبتَلى، أي مُمتَحن، ممتحن في شيئين؛ أو في زمرتين، فيما أُعطيت، وفيما سُلِب منك، الدعاء الشريف: 

(( اللَّهمَّ ما رزقتَني ممَّا أحبُّ فاجعلهُ قوَّةً لي فيما تحبُّ اللَّهمَّ! ما زويتَ عنِّي ممَّا أحبُّ، فاجعَله فراغًا لي فيما تُحِبُّ. ))

[ ضعيف الترمذي ]

 إنسان آتاه الله الصحة، هو مبتلى بها، أينفقها في طاعة أم في معصية؟ 
 إنسان آتاه الله المال، هو مبتلى به، أينفقه في طاعة أم معصية ؟ 
 بل إنّ كلّ حظٍّ من حظوظ الدنيا آتاك الله إياه لا يعد نعمة ولا نقمة، شيء موقوف على طريقة استخدامه، فإن أنفقت المال في طاعة اله عُدَّ نعمة، وإن أنفقته في معصية الله عُدَّ نقمة، فإياك أن تقول: هنيئاً لفلان آتاه الله المال، قد يكون المال بلاء كبيراً إن أنفقه في معصية، فلذلك القصة أن توقن أن الحظوظ في الدنيا مُوزّعة توزيع ابتلاء، أنت مُبتلى بزمرتين من المواد، فيما آتاك الله، وفيما زوى عنك.
 سئل الإمام الشافعي : "أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين؟ قال: لن تُمكَّن قبل أن تُبتلى" .
 أنا أقول لكم: اعتماداً على نصوص من الكتاب والسنة لا بد للمؤمن أن يبتلى، ولمجرد أن تتوهم أن الله لن يبتليك فأنت واهم، قال تعالى: 

﴿  أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(2)﴾

[ سورة العنكبوت  ]

 قال تعالى: 

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّٰبِرِينَ(142)﴾

[ سورة آل عمران  ]

 يجب أن تتأكد، وأن توقن أنك في دار ابتلاء، بل مما ورد: "إن هذه الدنيا دار ابتلاء، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ومن عرفها لم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي"

الابتلاء لكشف حقيقة النفس :


 هذه أول حقيقة، أنت حينما توطن نفسك أن هذه الدنيا دار ابتلاء، ذاك من ماله، وذاك من صحته، وذاك من زوجته، وهذا من أولاده، وهذا في عمله، وهذا عنده مشكلة نفسية، ليس هناك إنسان على الإطلاق إلا وقد ابتلاه الله عز وجل، طبعاً الإيمان لا يظهر بالابتلاء الإيجابي، يظهر بالابتلاء السلبي، كما أن المركبة لا تظهر قوة محركها في الطريق الهابطة.
 أحيانا المدرس يسأل الطالب سؤالاً، فيجيب إجابة صحيحة، قد يكون هذا الطالب سمع الجواب من زميله، عندئذ المدرس يتأكد من وثوقه من معلوماته، يغالطه، فإذا تشبث الطالب بإجابته معناه أنه عن دراسة، أما إذا غالطه فغيّر الإجابة فوراً معنى ذلك أنه عن تقليد، لو كنت مؤمناً، ولو كنت مستقيماً، فلا بد أن تُبتلى ليظهر عمق إيمانك.
 كنت مرة في معمل إسمنت، ودخلت إلى مخبره، أطلعوني على مكعبات إسمنتية، كل مكعب خلطة، طبخة، يُمسَك المكعب من أعلاه ومن أسفله بكف، يضعون بها أوزاناً بالتدريج، على أي وزن قُطع المكعب هذه قوة تماسكه، فالطبخات مستويات، فكل واحد منا عنده تماسُك، على وزن معين يفقد تماسكه، فكل واحد قد يعصي الله بضغط معين، أو لإغراء معين، الله يمتحن، أما أن نعيش حياة وادعة ليس فيها ابتلاء، ونحن في ضعف في إيماننا، لكن لم نُمتَحن فلا، لا بد أن نمتحن، قال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾ لذلك أحياناً الله عز وجل يخلق ظروفاً معينة، ظروفاً صعبة جداً لإنسان، قد يسقط، قد يعصي الله، وقد يمد يده للحرام، فيرسب الإنسان في الامتحان.
 يجب أن تؤمن أنك ممتحن في كل شيء، واحد طرق بابك، إنسان طلب منك حاجة، إنسان استقرضك، إنسان تطاول عليك، أنت مبتلى، هل تكيل له الصاع عشرة؟ أم الصاع بصاع، هل تعفو عنه؟ هل ترثي بحاله، وتأخذ بيده؟ فلذلك نحن في الدنيا في دار ابتلاء، والمضائق الصعبة التي مر بها النبي عليه الصلاة والسلام لا بد لكل مؤمن أن يمر بمضائق مخففة، لكن لا بد منها.

الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ


 فمن هذا الابتلاء الذي ابتلى الله به المؤمنين قوله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ﴾ أحياناً إنسان وادع، مرتاح، مطمئن، أموره جيدة، معه رزقه وبيته وأولاده، فيأتي خطر خارجي، ماذا نفعل؟ هناك من ينقم، وهناك من يصبر، هناك من يكشف الحقيقة، هناك من يأخذ موقفاً، قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ﴾ .

الخطر الخارجي ابتلاء:


 والشيء المزعج أن الإنسان أحياناً لأنه قال: لا إله إلا اله أصبح مُداناً، في بلاد كثيرة -نحن الحمد لله ترون اجتماعكم في المسجد- لكن في بلاد لو دخل الإنسان المسجد مرة واحدة يُساءَل، فقد يسأل سائل: لماذا هذا الابتلاء؟ الابتلاء لفرز المؤمنين، فمن أنواع الابتلاء أن يأتيك خطر خارجي، يهدد.
﴿ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ﴾ حشدوا الأسلحة والجيوش، والطيران، والحاملات، والمروحيات، والقنابل العنقودية، والقنابل الانشطارية، والقنابل الذكية، والأقمار الصناعية، نسمع عن أسماء أسلحة ما سمعناها من قبل، فقد يأتي خطر خارجي فهذا ابتلاء، قد يأتي تهديد خارجي، هذا ابتلاء، قد يأتي وعيد، هذا ابتلاء، قد تُبتَلى بعدو قوي، عدو متغطرِس، عدو لا يرحم، عدو حاقد، عدو ناقم، هذا ابتلاء ﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾ ومن خلال هذا الابتلاء يُفرَز المؤمنون؛ فريق يخاف، فريق يركع، فريق ينبطح، وفريق يوقن بأن الأمر بيد الله، فربنا عز وجل بيّن بعض أنواع الابتلاء: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنًا﴾ .

التهديد الخارجي لم يؤثر في الصحابة ، بل زادهم إيمانا:


 فهذا التهديد ما أثّر بهم، وهذا الوعيد ما أثّر بهم، وهذا الحشد ما أثّر بهم، وهذا الكِبر ما أخافهم، وهذه الغطرسة ما أذلّتهم. 
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنًا﴾ زادهم إيماناً بأنه لا إله إلا الله، أي لا معطي، ولا مانع، ولا خافض، ولا رافع، ولا مُعِزّ، ولا مُذِلّ إلا الله.

أمرك بيد الله:


 بشكل مبسط: هذا الإله العظيم إذا سلّمك إلى مخلوق مثلك لئيم، ولا علاقة له بما يفعل بك كيف تعبده؟ لكنه طمأنك فقال لك: 

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[  سورة هود  ]

 ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر عائد إليه بشكل دقيق، هذا معنى قوله تعالى: ﴿فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنًا﴾ هناك مثل، وإن كان مثلاً مضحكاً، جندي التحق بثكنة، أو بقطعة عسكرية، وهناك متقدم عنه عريف، هدده، وقائد الجيش والد هذا الجندي، الذي بيده رتب عالية جداً، فلمجرد أن يبكي هذا الجندي من تهديد هذا العريف يكون أحمق، ولا يعرف أن والده هو قائد الجيش، وأنّ الأمر كله بيد والده، هذا مثل للتقريب، فأنت مؤمن، أمرك ليس بيد إنسان، ولا بيد جماعة، ولا بيد دولة، ولا بيد دولة عظمى، ولا بيد طاغية، أمرك بيد الله، ما دمت موقناً أن أمرك بيد الله فطِب نفساً. 
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنًا﴾ أحياناً الإنسان يتجلّد، أو يتصنّع الصبر، هذه القضية لا علاقة لها بدرسنا.

زعمَ الفرزدقُ أنْ سيقتلُ مربعاً    أبشِرْ بِطولِ سلامةٍ يا مربعُ

[ جرير ]

 أحيانا يكون هناك تجلّد فارغ، هذا يحدث قبل الانهيار، يتجلّد، يتجلّد، وبعد ذلك تجلّده لا معنى له، وليس مستنداً إلى قوة عظمى.

وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ


معنى : حَسْبُنَا :

 قال تعالى: ﴿فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنًا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ﴾ حسبنا: أي يكفينا، حسبك أي اكتفِ، إنسان يعطيك طعاماً، فقلت له: حسبك، أي اكتف، قال تعالى: ﴿حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ﴾ يكفينا أننا عبيد لله، يكفينا أننا طائعون لله، يكفينا أن الله بيده أمر عدونا وصديقنا ﴿حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ﴾ فقال تعالى: 

﴿ فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٍ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٌ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ (174)﴾

[ سورة آل عمران ]


فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ


 لذلك لما قال ربنا عزوجل على لسان المؤمنين: 

﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51( ﴾

[  سورة التوبة  ]

 لنا غير علينا، هذا المبلغ لي، لي تعني أنه لك، وأنه مكافأة، إنما علي تعني أنه عِبء، وأنه عقاب ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾

خذ مثلا فرعون الطاغية:


 ﴿فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٍ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٌ﴾ القضية قضية إيمان، هناك مثل حاد جداً، فرعون وما أدراك ما فرعون، فرعون بقوته، وجبروته، وأتباعه، وأسلحته، ولؤمه، وقسوته، وحقده، وغطرسته، يتبع سيدنا موسى مع أصحابه، الاتجاه نحو البحر الأحمر، البحر لاح في الأفق، قال تعالى: 

﴿ فَلَمَّا تَرَٰٓءَا ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّآ ۖ إِنَّ مَعِىَ رَبِّى سَيَهْدِينِ(62)﴾

[ سورة الشعراء  ]

 ليس هناك أمل، فرعون لا يقابل من حيث القوة، ولا يُسترحم من حيث الرحمة، وسيدنا موسى وأتباعه شِرْذمَة قليلون، هم في اتجاه البحر، والبحر مانع، وفرعون من ورائهم ﴿قَالَ أَصْحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ*قَالَ كَلَّآ ۖ إِنَّ مَعِىَ رَبِّى سَيَهْدِينِ﴾ والله عز وجل أجرى هذه المعجزة، سيدنا موسى ضرب بعصاه البحر فأصبح طريقاً يبساً في البحر، والله على كل شيء قدير.

لا مستحيل على الله: 


 يجب أن توقن في الأشياء التي تبدو لك مستحيلة، مرض عضال، قال لك خمسون طبيباً :لا أمل، ولا دواء له، وبقي لك بضعة أشهر، هناك أورام خبيثة عمرها شهر أو شهران، مهما كان المرض خبيثاً، مهما كان العدو مخيفاً فالله على كل شيء قدير.
 واللهِ أيها الإخوة، لي صديق مدرّس، أُصيب بمرض السرطان في رئتيه، أنا تابعت الموضوع، وُجد أن هذا المرض من الدرجة الخامسة، صاحبه مُنتهٍ، فأرسلوا خزعة إلى بريطانيا، الجواب نفسه، لا أمل أبداً، هناك أمل في المائة عشرون أن تُزرَع له رئة جديدة في أمريكا، والمبلغ يساوي ثمن بيته، ورث بيتاً في أرقى أحياء دمشق، ثمنه غالٍ جداً، هذه العملية تساوي ثمن بيته، لا بد من بيع البيت، وأن يبقى أولاده في بيت بالأجرة، وقد يموت في المائة ثمانون، لا أدري ماذا حدث، والذين عالجوه أصدقائي، والتحليلات في الشام وفي بريطانيا، وكل طبيب شاهده قال: لا أمل له، ثم إن هذا المرض تراجع شيئاً فشيئاً، والقضية مضى عليها أعتقد خمسة عشر عاماً، ولا يزال حياً يُرزق، حينما تؤمن أن الله على كل شيء قدير ترتاح.
أخ اشترى ورقة يانصيب، وربح خمسين ألفاً، ثم علم أن هذا مبلغ حرام، فأنفقه على فقراء المسلمين، قضية المشروعية موضوع ثانٍ، هذا الذي فعله ما أدخله إلى حسابه، يعمل في شركة، استدعاه مدير الشركة، قال له: هل تزوجت؟ قال له: أنا خاطب، قال له: عندك بيت؟ قال له: لا، قال له: خذ هذه المائة والخمسين ألف ليرة دفعة من ثمن بيت، شيء لا يصدق، الله على كل شيء قدير، بيد الله كل الخيارات.
 لو فتحنا باب القصص لا ننتهي، تحتاج إلى إيمان، والواحد منا -لا سمح الله ولا قدر- لو ركب قارباً في البحر ووقع، وجاء حوت التهمه، ودخل إلى بطن الحوت، والحوت وجبته المعتدلة أربعة أطنان، وزنه مائة وخمسون طناً، ينتج تسعين برميلَ زيتٍ، لحم خمسون طناً، دهنه خمسون طناً، وتسعون برميل زيت، دماغه وزنه أربعمائة وخمسون كيلوًا، نصف طن، وهذا الحوت ابتلعه، أحياناً الواحد يأكل كرزة أو زبيبة، الشخص الذي وزنه مائة كيلو إذا ابتلعه الحوت مثل الزبيبة بالنسبة لنا، هل هناك أمل ليعيش؟ سيدنا يونس التقمه الحوت، مقدار الأمل صفر، هذا الدرس بليغ لنا.

﴿ وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ (87)﴾

[ سورة الأنبياء  ]

 لم يكن معه خليوي، أساساً ليس هناك تغطية تحت في الماء: 

﴿ وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ(87) فَٱسْتَجَبْنَا لَهُۥ وَنَجَّيْنَٰهُ مِنَ ٱلْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُۨجِى ٱلْمُؤْمِنِينَ (88)﴾

[ سورة الأنبياء ]

 واللهِ هذه القصة لو أرويها مليون مرة لا أشبع منها، لأن من قوله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ نُۨجِى ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾ أيّ همٍّ يركبك، أي شيء يقلقك، لو أنك في بطن حوت، وفي ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، فنادى في الظلمات، وقلت: يا رب صادقاً لوجدت الله معك، كن مع الله ترَ الله معك.
القضية لا بد لها من إيمان، وقد تنجو بقدرة قادر، طائرة انشقت نصفين، فوق جبال الألب، ومات كل ركابها عدا واحداً مقعده مكان انشطار الطائرة، فوقع ونزل ثلاثة وأربعين ألف قدم، نزل فوق غابة كمية الثلج تزيد على خمسة أمتار، فوق أشجار الصنوبر، خمسة أمتار ثلج، مع أغصان الصنوبر، نزل واقفاً. 

وإذا العنايةُ لاحظَتْكَ عُيونُـها    لا تخشَ من بأسٍ فأنت تصانُ

وبكلّ أرضٍ قد نزلت قفارها    نَمْ فالمخاوفُ كلّهنَّ أمــــــــانُ

[ عمر اليافي ]

امرأة تسافر من جدة إلى الباكستان، معها طفلان رضيعان، حدث خللٌ في نافذة الطائرة، والطائرة مضغوطة ثمانية أمثال، فصار هناك قوة دفع نحو الخارج، فولداها الاثنان خرجا من النافذة، وسقطا حول دبي، في بحر الخليج، الموت مُحقق، بكت، بعد أيام جاءت برقية إلى الشركة بباكستان أنّ الطفلَين حيّان يُرزَقان، تابعت الأمر، سقطا إلى جانب صياد، فرأى شيئاً هبط من السماء إلى البحر، فغطس وأنقذهما، أخذهما إلى مستشفى، الله على كل شيء قدير، إياك أن تيأس، إياك أن تقول: انتهيت، إياك أن ينقبض قلبك. 

وإذا العنايةُ لاحظَتْكَ عُيونُهـا     لا تخشَ من بأسٍ فأنت تصانُ

وبكلّ أرضٍ قد نزلت قفارها     نَمْ فالمخاوفُ كلّهنَّ أمــــــــانُ

*****

فهنا ﴿ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنًا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ*فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٍ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٌ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ﴾ كن مع الله تر الله معك، وإذا كنت مع الله كان الله معك، وإذا كان الله معك فمن عليك؟ ويا ربي ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟ هذا الإيمان، تجد المؤمن كالباخرة العملاقة كأنها جبل، والمؤمن الضعيف الإيمان كأنه قارب، تتلاعب به الأمواج .
 ثم يخبرنا الله عن سبب ذلك، قال تعالى: 

﴿ إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ (175)﴾

[  سورة آل عمران ]


إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ


قد تخاف بغير سببٍ: 

 بالمناسبة ربما لا يكون هناك سبب للخوف، الخوف يُخلَق في نفس الإنسان خلقاً، والله عز وجل قادر أن يخيف الإنسان بلا سبب، يوهمه بمرض عضال، وليس كذلك، يوهمه بأشياء كثيرة، فالله عز وجل قادر أن يسوق مصيبة حقيقية، ومصيبة وهمية، قادر أن يملأ قلبك خوفاً، وقد تخاف بلا سبب، وقد تطمئن بلا سبب، الله عز وجل قد يملأ قلبك أمناً وطمأنينة، ولا يوجد سبب، السبب مخيف، لذلك الآية الكريمة: 

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰنًا ۚ فَأَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(81) ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82)﴾

[  سورة الأنعام  ]

 في هذه الآية: ﴿إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ﴾

معنى :إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ


 الحقيقة: المعنى الدقيق يخوّف المؤمنين من أوليائه، الطغاة أولياؤه، بل إن كل الأقوياء عِصيٌّ بيد الله.
بالمناسبة، من منكم -لا سمح الله ولا قدر- لو أن جهة ضربته بعصا يحقد على العصا، الحقد على العصا غباء، تحقد على من؟ على من أمسك بالعصا وضربك بها.
 في قضية التوحيد أنا حينما ينالني إنسان بأذى، وأنا أعلم أن هذا الإنسان بيد الله، كيف سمح الله له؟ فإذا نالني بأذى معنى ذلك أن الله سمح له، والله حكيم، ورحيم، وعادل، أنا عندي مشكلة، بدل أن أحقد على الآخرين، الكرة ارتدت إلي، تجد المؤمن حينما تأتيه المصيبة يفكر في السبب الحقيقي، ما الذي فعلته حتى ساق الله لي هذه المصيبة؟ ﴿فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٍ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٌ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ*إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾

فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ


 في هذا نهي، وكل نهي يقتضي أن تستجيب له، وكل أمر يقتضي أن تستجيب له ﴿فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ﴾ .

الخوف من غير الله دليل على عدم الإيمان أو ضعفه

 المقياس إذًا: لمجرد أن تخاف من غير الله فأنت لست مؤمناً، أو على جانب من الشرك كبير، ولمجرد أن تخاف من الله وحده فأنت مؤمن، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تخاف منه ثم يخيفك من غيره، إن خفت منه فلن تخاف من غيره، وإن لم تخف منه أخافك من أحقر خلقه، لذلك فهذا الأمن يُلقى في قلب المؤمن، والآية واضحة ﴿فَأَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ*ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ أولئك لهم الأمن وحدهم.

وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ


 ثم يقول الله عز وجل: 

﴿ وَلَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِۚ إِنَّهُمۡ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗاۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلَّا يَجۡعَلَ لَهُمۡ حَظّٗا فِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176)﴾

[ سورة آل عمران  ]

إنسان في الأعماق وإنسان على حرف 

 هناك إنسان في الأعماق، وإنسان على حرْفٍ، فالذي على حرف كلمة تأخذه، وكلمة تُذهِبه، هذا نمط شائع، خفيف.

﴿ فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُۥ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا فَٰسِقِينَ(54)﴾

[ سورة الزخرف  ]

 لمجرد أن أحاط الأعداء برسول الله في الخندق، قال أحدهم: أيعدنا صاحبكم أن تُفتَح علينا بلاد قيصر وكسرى، وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته؟ كأنه خرج من الدين، فالبطولة أن تكون في الأعماق، لا أن تكون على حرف، إذا كانت الأخبار سارة بالشرق، لا إله إلا الله، جلّت عظمة الله، وإذا لم تكن الأخبار سارة تجده سكنَ وهمدَ، كأنه شك في قدرة الله عز وجل، كأنه آمن بغير الله، لا. 
﴿إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ* وَلَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِۚ﴾

لا يفعل الكافر شيئا ما أراده الله:


 كلمة تأخذه، وكلمة تأتي به، خبر يُفرِحه، خبر يُبكِيه، هذا شيء غير طبيعي، لا بد من وجود ثوابت في حياتك، أولاً مؤمن أن الله حكيم، وعليم، وقدير، ولن يستطيع كافر ما أن يفعل شيئاً ما أراده الله، قال تعالى: 

﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْ ۚ إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ(59)﴾

[ سورة الأنفال ]

 هم في قبضة الله، لكن لله حِكَم لا نعلمها نحن، والمؤمن يحترم حكمة الله، يحترم قرار الله عز وجل، أنت لا تعلم.

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكْرَهُواْ شَيْـًٔا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيْـًٔا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾

[ سورة البقرة  ]


قد تحزن من شيء هو لك خير:


 أوضح مثل صلح الحديبية كان فيه مَهانة للمسلمين، سيدنا عمر رضي الله عنه قال له: 

(( يا رَسولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا علَى الحَقِّ وهُمْ علَى البَاطِلِ؟ فَقالَ: بَلَى. فَقالَ: أَليسَ قَتْلَانَا في الجَنَّةِ وقَتْلَاهُمْ في النَّارِ؟ قالَ: بَلَى، قالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا، أَنَرْجِعُ ولَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بيْنَنَا وبيْنَهُمْ؟ فَقالَ: يا ابْنَ الخَطَّابِ، إنِّي رَسولُ اللَّهِ. ))

[ صحيح البخاري ]

 معي أمر، لا يوجد صحابي إلا الصديق اقتنع بمواد الصلح، كانت مُهينة، ثم كان الخير من هذا الصلح بشكل لا يوصف، الله قدير، تكون المقدمة مزعجة، أما الخاتمة فجيدة جداً، تحتاج إلى إيمان، فضعف الإيمان كلمة تخرجه من الدين، وخبر يدخله في الدين، هؤلاء: ﴿يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِۚ إِنَّهُمۡ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗاۗ﴾ أرضوا أم لم يرضوا، قضاء الله وقدره نافذ في العباد.
 قلت اليوم كلمة دقيقة: قانون السقوط، سقوط الأجسام، قانون له علاقة بالوزن، والهواء، والجاذبية، والحجم...إلخ، هذا القانون آمنت به أم لم تؤمن، أعجبك أم لم يعجبك، أرضيت عنه أم لم ترضَ، فهمته أم لم تفهمه، هو مُطبَّق، وعدم إيمانك به لا يلغي وجوده، ولا يلغي فاعليته، السقوط سقوط، لو أنّ مظلياً كفر بقانون السقوط ولم يفتح المظلة هل يعطل هذا القانون، لا، ينزل ميتاً، قضاء الله واقع فينا، أعجبنا أو لم يعجبنا، آمنا به أو لم نؤمن، وفي الأثر: "أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، و إن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد" أمر الله هو النافذ.
 عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ : 

((  اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، َمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. ))

[ رواه البخاري  ]

 وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

((  مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا، قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا.  ))

[ رواه أحمد  ]

وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( اللَّهمَّ إليكَ أشكو ضَعفَ قوَّتي، وقلَّةَ حيلَتي، وَهَواني علَى النَّاسِ، أنتَ أرحمُ الرَّاحمينَ، أنتَ ربُّ المستضعفينَ، وأنتَ ربِّي، إلى من تَكِلُني؟ إلى بعيدٍ يتجَهَّمُني أَمْ إلى عدُوٍّ ملَّكتَهُ أمري. إن لم يَكُن بِكَ غضبٌ عليَّ فلا أبالي، غيرَ أنَّ عافيتَكَ هيَ أوسعُ لي أعوذُ بنورِ وجهِكَ الَّذي أشرَقت لهُ الظُّلماتُ، وصلُحَ علَيهِ أمرُ الدُّنيا والآخرةِ، أن يحلَّ عليَّ غضبُكَ، أو أن ينزلَ بي سخطُكَ. لَكَ العُتبى حتَّى تَرضى، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بِكَ.))

[ الألباني بسند ضعيف ]

 قال تعالى: ﴿وَلَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِۚ إِنَّهُمۡ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗاۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلَّا يَجۡعَلَ لَهُمۡ حَظّٗا فِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾

يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ


معنى الإرادة:

 معنى "يريد" أي سمح، وسمح تنفيذاً لاختيارهم، هذا هو المعنى، كل شيء يسمح الله به، أو لا يسمح، فإن سمح به أي أذِن أن يكون، وأنت مُخيَّر، فإذا رفض الإنسان الدين فإن الله عز وجل جعلك مخيراً، وأنت رفضت الدين، إذًا: سمح لك ألّا يكون لك حظ في الآخرة، هذا المعنى بالضبط، هنا الإرادة السماح، أراد كذا.
 عندنا قاعدة في علم العقيدة أراد ولم يأمر، أراد ولم يرضَ، إنسان أصرّ على السرقة، سمح الله له أن يسرق، مع أن الله لم يأمر بالسرقة، ولا رضي عنها، أراد أن يسرق تنفيذاً لاختياره، مع أن الله لم يأمر بالسرقة، ولم يأمر بالفحشاء.
 إذًا: هؤلاء الذين سارعوا في الكفر طبعاً: ﴿إِنَّهُمۡ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗاۗ﴾ هم في قبضة الله، ﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ﴾ أي ما دام اختاروا الكفر، وأصروا عليه، فكانت مشيئة أن يطلقهم لما يريدون ﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلَّا يَجۡعَلَ لَهُمۡ حَظّٗا فِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ .
والحمد لله رب العالمين.

دعاء الختام:


بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطِنا ولا تحرمْنا، أكرِمْنا ولا تُهِنّا، آثرنا ولا تُؤثِر علينا، أرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور