وضع داكن
02-01-2025
Logo
الدرس : 47 - سورة آل عمران - تفسير الآيتان 164– 165 منهج الداعية إلى الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس السابع والأربعين من دروس سورة آل عمران، ومع الآية الرابعة والستين بعد المئة، وهي قوله تعالى: 

﴿ لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولًا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ (164)﴾

[  سورة آل عمران  ]


لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ


1 ـ هذه الآية منهج للدعوة إلى الله:

 أيها الإخوة الكرام، هذه الآية في هذه السورة تعد منهجاً للدعوة إلى الله.

الله أمَرَ في القرآن بالنظر في الكون:

  كلمة: ﴿لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ أي أنه تفضّل عليهم بما هو فوق حقهم، حقهم؛ خلقَ كوناً واسع الأرجاء، كل شيء فيه آية تدل عليه، تدل على وجوده، وعلى وحدانيته، وعلى كماله، وقد أُمِرنا أن ننظر في خلق السماوات والأرض، وأُمِرنا أن ننظر فيما خُلِقنا منه، قال تعالى: 

﴿  فَلْيَنظُرِ ٱلْإِنسَٰنُ مِمَّ خُلِقَ(5)﴾

[  سورة الطارق  ]

 أُمِرنا أن ننظر فيما نأكل وما نشرب، قال تعالى: 

﴿ فَلْيَنظُرِ ٱلْإِنسَٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِۦٓ(27)﴾

[  سورة عبس  ]

 أُمِرنا أن ننظر إلى السماء، قال تعالى: 

﴿ قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِى ٱلْآيَٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍۢ لَّا يُؤْمِنُونَ(101)﴾

[  سورة يونس  ]

 هذا الكون تجسيد لأسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى، من أعمل فكره في الكون وصل إلى خالقه، من أعمل فكره في تربية الله لعباده وصل إلى رب العالمين، من أعمل فكره في خلق الله وصل إلى خالق الأرض والشمس والقمر وما بينهما.
 إذاً: أودع الله في الإنسان عقلاً لو أعمله فيما خلقه الله عز وجل لوصل إليه، والآيات التي تتحدث عن العقل تقترب من ألف آية عن العقل والعلم، قال تعالى:

﴿ قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلَآ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّى مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَىَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلْأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)﴾

[  سورة الأنعام  ]

﴿ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ ۗ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)﴾

[  سورة يونس  ]

﴿  أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17)﴾

[  سورة الغاشية  ]

﴿  مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(154)﴾

[  سورة الصافات  ]

﴿ فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ ۖ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ (32)﴾

[  سورة يونس  ]

﴿ أَمَّنْ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيْلِ سَاجِدًا وَقَآئِمًا يَحْذَرُ ٱلْآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِۦ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلْأَلْبَٰبِ(9)﴾

[  سورة الزمر ]

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِى ٱلْمَجَٰلِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَٱنشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَٰتٍۢ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(11)﴾

[  سورة المجادلة  ]


مقومات التكليف طريق لمعرفة الله:


 أودع في الإنسان عقلاً يكفيه أن يعرف الله به، وخلق كوناً هو مظهرٌ لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، كل أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى تتجلى فيما خلق، ثم أعطاك فطرةً تكشف لك الخطأ، قال تعالى: 

﴿  وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8)﴾

[ سورة الشمس  ]

 ثم أودع فيك الشهوات لترقى بها إلى رب الأرض والسماوات، ثم منحك حرية الاختيار لِيُثَمَّن عملك، ثم بعث لك الشرائع لتكون منهجك إلى الله عز وجل أعطاك كل شيء، وفوق هذا وذاك: ﴿لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولًا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ﴾ .
 أيها الإخوة، مقومات التكليف كافية، مقومات التكليف كون ناطق بوجود الله وكماله، ووحدانيته، وعظمته، وعقل مبرمج وفق نظام الكون، ومتوافق في مبادئه مع مبادئ الكون كمبدأ السببية، والغائية، وعدم التناقض، وفطرة تكشف لك الخطأ كشفاً ذاتياً، وحرية اختيار كي يُثَمّن عملك، وشهوة دافعة إلى الله عز وجل، بها ترقى إلى رب الأرض والسماوات، هذه مقومات التكليف، وهي كافية كي تعرف الله، وكي تعرف أين أنت منه، وكافية أن تصل إلى الآخرة، وفوق هذا كله مَنّ الله علينا إذ بعث فينا رسولاً من أنفسنا.
 كأن يضع الأب ابنه في أرقى مدرسة، يدفع له أعلى قسط، يهيئ له مركبةً تنقله من بيته إلى المدرسة، ويعطيه مبلغاً من المال كي ينفقه، يخصص له غرفة خاصة ليدرس فيها، يهيئ له كل السبل، وفوق هذا وذاك هيّأ له أساتذةً يأتون إلى بيته ليعلّموه فضلاً عما تعلّمه المَدرسة، هذا عطاء زائد. 

مهمة الرسول :


 ﴿لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولًا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ﴾ الرسالة التي تمثلت برسول الله صلى الله عليه وسلم لها مهمتان كبيرتان؛ المهمة الأولى هي التبليغ، قال تعالى:

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُۥ ۚ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْكَٰفِرِينَ(67)﴾

[  سورة المائدة  ]

 لكن المهمة الأكبر أن يكون النبي قدوةً لنا، إنه بشر تجري عليه كل خصائص البشر، انتصر على نفسه فكان سيد البشر، النبي عليه الصلاة والسلام حينما يكون بشراً مثلنا، قال تعالى: 

﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَٰلِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدًۢا(110)﴾  

[ سورة الكهف ]


الرسول بشر تجري عليه خصائص البشر:


 وحينما تجري عليه كل خصائص البشر، وحينما ينتصر على بشريته، ويسمو إلى ربه هو حجة قاطعة على أن هذا التشريع واقعي، وفي إمكان كلِّ منّا، وهو قابل للتطبيق، كل إنسان يقول: إن هذا التشريع ليس واقعياً، يصعب تطبيقه، ليس لهذا الزمان، فهو يرفض كلام الله عز وجل حينما يقول: 

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (258)﴾

[ سورة البقرة ]

 كل تكاليف البشر من وُسعِ البشر، كل التكاليف التي كُلِّف بها البشر ضمن وُسعِهم وطاقتهم، لكن هذا الوسع والطاقة لا تحددها أنت، بل يحددها خالق الإنسان، فحينما كان الصيام شاقاً في السفر أباح لك أن تفطر، وحينما كان في المرض شاقاً أباح لك أن تفطر، وحينما تكون مسافراً أباح لك أن تقصر الصلاة، فالله وحده يحدد ما إذا كان هذا التكليف في وسعك أو فوق وسعك، إن كان في وسعك ألزمك به، وإن كان فوق وسعك خفف عنك برُخصة من الرُّخص، وبحالة من الحالات. 
﴿لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولًا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ﴾ هو بشر، ولو أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن من بني البشر، وأمرنا بغض البصر مثلاً لقال له كل الناس: لست بشراً مثلنا، لم تُودَع فيك الشهوات كما أُودِعت فينا، لو أنك بشر مثلنا لما أمرتنا بهذا. 

﴿ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ(128)﴾

[  سورة التوبة  ]

﴿قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

((  لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَال. ))

[  تخريج المسند لشعيب ]

يجوع كما نجوع، ويتألم كما نتألم، ويخاف كما نخاف، ويشتهي كما نشتهي، لكنه انتصر على شهواته، وعلى عوامل أرضيته، وسما إلى ربه، إذاً حينما كلفه الله أن يبلغنا كلفه أن يكون قدوةً لنا، وحينما كان قدوةً لنا أُقيمت الحجة علينا، قال تعالى: ﴿لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ .
﴿لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولًا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ﴾ ما مهمته؟ بل ما مهمة كل من جاء بعده؟ ما مهمته وما مهمة الذين أنابوا عنه في إبلاغ الناس الحق؟ قال تعالى: 

يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ


الآيات الكونية في السماء :

 ﴿يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِ﴾ ولأنه بعد قليل جاءت: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ﴾ ، فيغلب على الظن أن هذه الآيات التي يتلوها عليهم هي آيات الله الكونية، وآياته التكوينية التي تُعرِّف به، ماذا أقول لكم؟ نحن محاطون بآيات لو فكرنا فيها لخَرَرْنا على الأرض ساجدين لله عز وجل، قال لك الله عز وجل:

﴿  فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ(75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ(76)﴾

[  سورة الواقعة  ]

 بعض النجوم تبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية، والضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متراً، فكم يقطع بالدقيقة؟ وكم يقطع في الساعة؟ وكم يقطع في اليوم؟ وكم يقطع في الشهر؟ وكم يقطع في العام؟ وكم يقطع في عشرين مليار عام؟ هذه بعض أبعاد المجرات، قال تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ من كلمة (مواقع) ، لو أن عالم فلك قرأها لخرَّ ساجداً لله، مواقع، الموقع لا يعني أن صاحب الموقع في الموقع، هذا موقع، أي أن هذا النجم الذي كان في موقع ما، وأرسل ضوءًا إلينا مضى على هذا الضوء عشرون مليار سنة حتى وصل إلينا، وهو يقطع هذه المسافة بسرعة ثلاثمئة ألف كيلو متراً في الثانية الواحدة، ثم إن هذا النجم يسير بسرعة تقترب من سرعة الضوء، فإذا كان في هذا المكان قبل عشرين مليار سنة، وسرعته مئتان وأربعون ألف كيلو متراً في الثانية، أين هو الآن؟ بقي يسير في الفضاء الخارجي عشرين مليار سنة بسرعة مئتين وأربعين ألف كيلو متراً، فمن كلمة "مواقع"، ومن كلمة "مواقع النجوم" ما بين النجوم من مسافات، لو أن عالم فلك قرأ هذه الآية لخر مغشِيّاً عليه، ذلكم الله رب العالمين، قال تعالى: 

﴿ سَنُرِيهِمْ ءَايَٰتِنَا فِى ٱلْآفَاقِ وَفِىٓ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ(53)﴾

[  سورة فصلت  ]

 والله أيها الإخوة، لو أردنا أن نستقصي الآيات التي وردت في القرآن الكريم تتحدث عن الفلك، وعن المجرات، وعن الشمس، والقمر لأمضينا سنوات وسنوات.
بل إن مرصداً عملاقاً رصد نجماً اسمه عين القط يبعد عنا ثلاثة آلاف سنة ضوئية، الصورة وردة جورية بكل معاني هذه الكلمة، لها أوراق حمراء داكنة، محاطة بوريقات خضراء زاهية، في وسطها كأس أزرق، هذه الوردة الجورية ليست إلا انفجار هذا النجم الذي يبعد عنا ثلاثة آلاف سنة ضوئية، وقد قال الله عز وجل:

﴿ فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37 (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38)﴾

[ سورة الرحمن ]

  لكن لو تحدثنا عن أبعد المجرات إلينا، أو عن أبعد المجرات المُكتشَفة إلينا، ثم انتقلنا إلى أقربها إلينا، أقرب نجم ملتهب إلينا يبعد عنا أربع سنوات ضوئية، تلك عشرين مليار سنة ضوئية، وهذه أربعة، لو أردت أن تصل إلى هذا النجم الذي هو أقرب نجم ملتهب إلينا لاحتجت إلى خمسين مليون عام بمركبة أرضية، تركب مركبةً أرضية، وتتجه نحو أقرب نجم إلينا، القطب أربع آلاف سنة، عين القط ثلاث آلاف سنة، المرأة المسلسلة مليونا سنة، تلك المجرة عشرين مليار سنة، فهذا الكون يدل عليه، ويدل على قوته، وعلى عظمته، وعلى علمه، وعلى حكمته، وعلى رحمته.

الآيات الكونية في الأرض:


 لو نزلنا إلى الأرض، إلى أجسامنا، أنت تشم الروائح فهل تصدق أن هناك عشرين مليون عصب شمي، وكل عصب ينتهي بسبعة أهداب، وكل هُدْب مُغَمّس بمادة تتفاعل مع الرائحة، فيتشكل منها شكلاً هندسياً، هذا الشكل ينتقل إلى الدماغ يُعرَض على قائمة فيها عشرة آلاف رائحة، فإلى أن يتوافق شكل مع شكل تقول: هذه رائحة الياسمين، فمن أجل أن تشم الروائح هناك جهاز بالغ التعقيد.
 من أجل أن تعرف جهة الصوت هناك جهاز بالغ التعقيد، مركبة تطلق بُوقَها عن يمينك فيصل صوت بوقها إلى أذنك اليمنى قبل اليسرى بواحد على ألف وستمئة وعشرين جزءاً من الثانية.
 هناك في الدماغ جهاز يعلم أن الصوت وصل إلى اليمنى قبل اليسرى، إذاً: الصوت من جهة اليمين، فالدماغ يعطي أمراً أن تتجه إلى جهة الشمال دون أن تشعر.
 ملكة الغدد: غدة هي ملكة الغدد، وزنها نصف غرام في الدماغ، بالقرب من الجسم، تحت السرير البصري، مربوطة بالجسم بمئة وخمسين ألف عصب، هي ملكة الغدد، وزنها نصف غرام بالضبط، تفرز تسعة هرمونات، لو أن أي هرمون تعطل إفرازه لأصبحت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق. 
هرمون النمو مؤلف من مئة وثمانية وثمانين حمضاً أمينياً، يجب أن يكون في الدم عشرة ميكروغرامات في كل لتر، فإن قلَّت هذه النسبة تقزّم الإنسان، وإن زادت تَعملَق. 
هرمون الغدة النخامية يعطي أمراً إلى الغدة النخامية، فإذا واجه الإنسان خطراً هذه الغدة تعطي أمراً إلى الكظر، والكظر يعطي خمسة أوامر؛ أمرًا إلى القلب فيرتفع نبضه، وأمرًا إلى الرئتين فيزداد وجيبهما، وأمرًا إلى الأوعية المحيطية فتضيق لمعتها، وأمرًا إلى الكبد فيطرح كمية سكر إضافية، وأمرًا آخر إلى الكبد فيطرح هرمون التجلّط، دون أن تشعر في ثوان معدودات. 
هرمون النمو، هرمون توازن السوائل، هرمون اللون، الهرمون الجنسي، وهذه الغدة لا تزيد على نصف غرام، فالله عز وجل حينما قال: ﴿يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِ﴾ في القرآن ألف وثلاثمئة آية كونية، هل يُعقل أيها الإخوة أن يقول الله كلاماً لا معنى له؟ هل يُعقل أن يقول الله كلاماً له معنى ولكن لا يعنيك؟ هذا مستحيل، هل يعقل أن يقول الله كلاماً لا علاقة لنا به إطلاقاً؟ مستحيل، إذاً: لماذا أودع الله هذه الآيات في القرآن؟ كي تكون منهجاً لنا في التفكير، قال تعالى: ﴿يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِ﴾ لأنك إن عرفت الله، ثم عرفت أمره تفانيت في طاعته، أما إذا عرفت أمره، ولم تعرفه تفننت في التفلت من أمره، وهذه مشكلة العالم الإسلامي الأولى، يعرفون الأمر والنهي، ولكن معرفتهم بالله ضعيفة، ولأنها ضعيفة اجترؤوا وفعلوا ما نهى الله عنه، ثم اجترؤوا وقصروا فيما أمر الله به، إذاً في أية دعوة إلى الله -وهذا منهج الدعوة- في أية دعوة إلى الله ينبغي أن تتلى علينا آيات الله الدالة على عظمته.
 الشَّعر: شعرنا هذا الذي في رأسنا، لكل شعرة وريد، وشريان وعصب وعضلة، وغدة دهنية وغدة صبغية، وهناك تقريباً ثلاثمئة ألف شعرة عند الشاب.
 شبكية العين: مئة وثلاثون مليون مخروط، العصب البصري تسعمئة ألف عصب في قُطرٍ لا يزيد على نصف ملم، هذا خلق الله.
 الكبد: الكبد ثلاثمئة مليار خلية، كل خلية تقوم بكل وظائف الكبد، خمسمئة وظيفة.
 الكليتان: في الكليتين طريق يزيد عن مئة كيلو متر يقطعه الدم في اليوم خمس مرات من أجل التصفية .
 القلب: يضخ القلب في اليوم الواحد ما يملأ مستودعاً حجمه ثمانية أمتار مكعبة، القلب يضخ من الدم في العمر المتوسط ما يملأ أكبر ناطحة سحاب في العالم، هذا خلق الله عز وجل: ﴿يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِ﴾ في أية دعوة إلى الله لا بد أن تُعرِّف الناس بالله، معرفة الله أصل هذا الدين، التفكر في خلق السماوات والأرض أوسع باب ندخل منه إلى الله، وأقصر طريق نصل به إلى الله، والله عز وجل وصف المؤمنين لا بأنهم تفكروا مرةً واحدة، قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ(190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾

[  سورة آل عمران  ]

 الساعة البيولوجية: الإنسان مصمم تصميماً رائعاً، فأنت في النهار ينبض قلبك من عشرة إلى عشرين نبضة زائدة عنك في الليل، وأنت في النهار تستهلك السكر خمسًا وثلاثين مرة بالمئة زيادة عن الليل، وفي النهار يزداد وجيب الرئتين، وفي النهار ترتفع الحرارة نصف درجة، وفي الليل تنخفض نصف درجة، هناك قائمة طويلة جداً لا أذكرها كلها، تتحدث عن نشاط الجسم في النهار، أما في الليل فيرتفع هرمون النمو إلى أعلى درجة، ما الذي يُعلِم الأجهزة أن الوقت نهار أو ليل؟ أنت بعقلك تعلم أن الوقت ليل، أو الوقت نهار، لكن هذه الأجهزة؛ القلب، والرئتين، والغدد الصماء، والكبد كيف تعلم أن الوقت نهار أو ليل؟ هناك ساعة بيولوجية في الدماغ مرتبطة بقاع العين، فحينما يأتي الضوء إلى قاع العين تبرمج هذه الساعة كل هذه الأجهزة على أن ترفع نشاطها في النهار، وأن تخفضه في الليل، متى كُشِفت هذه الساعة؟ حينما تسافر إلى بلاد بعيدة جداً، فأنت هناك في الليل، والساعة البيولوجية مبرمجة في النهار، وقد حدث هذا معي، ومع كل أخ يسافر إلى طرف العالم الآخر، يبقى يومين ينام في النهار، ويستيقظ في الليل، لأن ساعته البيولوجية إذا كان الوقت ليلاً هي في النهار، إلى أن تعيد الساعة برمجة نفسها على الليل والنهار هناك، فإذا عدت إلى بلدك بقيت أيضاً يومين تنام في النهار وتستيقظ في الليل، إلى أن تعيد الساعة برمجتها مرةً ثانية، هذا معنى: ﴿يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِ﴾ .
 الحديث عن آيات الله في خلق الأكوان، وفي خلق الإنسان لا ينتهي، لكن حسْبُكم أيها الإخوة أن الآيات القرآنية التي تتحدث عن الكون هي منهج لكم، قال تعالى: 

﴿ وَعَلَٰمَٰتٍۢ ۚ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ(16)﴾

[  سورة النحل  ]

 البطيخ: لقد خلق الله علامات، حدثني أخ ضَمِنَ حقلاً من البطيخ في شمال سوريا، قال لي: قطفت منه ما يزيد على تسعين سيارة، كل يوم أقطف سيارة، وأبيعها، معنى ذلك أن الله صمم هذه الفاكهة -البطيخ- على أن تنضج على مدى تسعين يوماً، سألت صاحب هذا الحقل: ما لون هذا البطيخ؟ قال لي: كله أخضر اللون متشابه، كيف تعرف أن هذه البطيخة ناضجة؟ قال لي: هناك علامة، قلت له: أين هذه العلامة؟ قال: هناك خيط حلزوني في أعلاها، نمسكه فإذا انكسر، أي جف، فالحبة ناضجة، فإذا بقي طرياً فالحبة غير ناضجة، لولا هذه العلامة كيف تجني هذا البطيخ؟ ﴿وَعَلَٰمَٰتٍۢ﴾ ، قال تعالى عن الماء: 

﴿ وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَسْقَيْنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمْ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ (22)﴾

[  سورة الحجر ]

 الماء: لو أنني أردت أن أخزن ماءً يكفيني عاماً لاحتجت إلى بناء بحجم البناء الذي أسكنه تماماً، هناك دراسات أنّ أسرة تسكن في مئتي متر مربع، ارتفاع ثلاثة أمتار ونصف، لو أنها أرادت أن تُخزِّن ماء العام لاحتاجت إلى حجم بيتها تماماً، قال تعالى: ﴿وَمَآ أَنتُمْ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ﴾ خزّن هذا الماء، ولا سيما مياه عين الفيجة، مياه دمشق، خزّنها في جوفٍ يبدأ من عين الفيجة، وينتهي قُبيل حمص، وفي عرض يبدأ من سِيف البادية، وينتهي تحت لبنان، كل هذا الحوض مُخزّن، وفي هذا الجوف صخور معدنية "مياه معدنية" فيها فلور، فوسفور، كالسيوم، هذه المياه المعدنية هي المياه التي تصلح للشرب، وحتى مياه التحلية التي يحلّونها لا بد من خلطها بمياه معدنية حتى تكون صالحة للشرب، قال تعالى: ﴿وَمَآ أَنتُمْ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ﴾ قال تعالى:

﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)﴾

[  سورة الكهف  ]

 التقلب في أثناء النوم: أهل الكهف؛ حينما ينام الإنسان أيها الإخوة يوجد جهاز عظمي، هيكله العظمي، وهذا الهيكل محاط من كل الجهات بعضلات، فإذا نام الإنسان على سرير الجهاز العظمي مع ما فوقه من عضلات يضغط على ما تحته من عضلات، فإذا ضُغِطت انعدمت فتحة الأوعية فقلَّت التروية، وشعر الإنسان بتنميل في رجله، ينقلب على شِقّه الآخر، راقبوا إنسانًا ينام، تقلّب ثمانيةً وثلاثين مرة، مرةً على شِقّه الأيمن، ومرةً على شِقّه الأيسر، ولولا هذا التقليب لتفسّخ اللحم الذي علينا، وكلّ مريض الآن يُصاب بالسُّبات لا بد من تقليبه، وإلا اهترأ لحمه، وهذا شيء ثابت، قال تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ﴾ لولا هذا التقليب لمَا بقي أهل الكهف في كهفهم ثلاثمئة من السنين، هذه آية، والآيات التي يتحدث الله عنها لا تنتهي، قال تعالى: 

﴿ يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَٰهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَٰصِى وَٱلْأَقْدَامِ (41)﴾

[  سورة الرحمن  ]

 ناصية الرأس: جبهة الإنسان، محل الفصّ المهم جداً في الدماغ، محلّ محاكمته، فالإنسان يتخذ قراراً في الكذب في فَصّه الجبهي، ويتخذ قراراً بالإساءة والإفساد في هذا الفصّ الجبهي، قال تعالى:

﴿  فَلْيَدْعُ نَادِيَه(17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ(18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ(19)﴾

[  سورة العلق ]

 الآية الكريمة:

﴿ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ(15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ(16)﴾

[  سورة العلق  ]

 دقق في هذه الآية، ﴿نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾ ، أي الكذب والخطأ يبدأ من الفص الجبهي في الدماغ، لو مضينا في الحديث عن آيات الله على عظمته، إنْ في السماوات والأرض، إنْ في البحار، إن في الأسماك، إن في الأطيار فلا تنتهي.
الطير: حتى هذه اللحظة لا يعلم العلماء كيف تهتدي الطيور إلى بيوتها من خلال مسافات طويلة، الطير يقطع أكثر من سبعة عشر ألف كيلو متراً، ويبقى في الجو أحياناً ستاً وثمانين ساعة، أكبر طائرة عملاقة تقطع ما بين دمشق إلى سيدني سبع عشرة ساعة رحلة متصلة، أما هذا الطائر فيقطع ستاً وثمانين ساعة دون توقف، كيف يهتدي إلى هدفه؟ لا أحد يعلم، نظرية الشمس نُقِضت، نظرية الساحة المغناطيسية نُقِضت، نظرية ظواهر الأرض نقضت، ليس هناك من جواب إلا أن الله عز وجل قال:

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَٰٓفَّٰتٍۢ وَيَقْبِضْنَ ۚ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحْمَٰنُ ۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَىْءٍ بَصِيرٌ(19)﴾

[  سورة الملك  ]

 يعني تولى الله بذاته هداية الطير إلى أهدافه، هذه آية من آيات الله الدالة على عظمته.
 أنا ما أردت أن أستقصي، لكن أردت أن أضع أمثلة بين أيديكم، قال تعالى: ﴿يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِ﴾ كيف نعرف الله؟ من خلال خلقه، فالتفكر في خلق السماوات والأرض هو طريقنا إلى معرفة الله.

وَيُزَكِّيهِمْ


﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ ليس هناك إسلام أساسه المعرفة الفكرية فقط، ليس هذا إسلاماً: ﴿يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ﴾ 

التزكية:

 كيف يزكيهم؟ يدعوهم إلى طاعة الله، يدعوهم إلى الاتصال به، والإنسان إذا أطاع الله، واتصل به زكت نفسه، واصطبغت بالصِّبغة الكاملة، والإنسان مفطور فطرةً سليمة: 

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(30)﴾

[  سورة الروم  ]

 لكن إذا أقبل الإنسان على الله اصطبغ بصِبغة الكمال: ﴿يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ﴾   مستحيل وألف ألف مستحيل أن يكون المسلم حاقداً، أو غدّاراً، أو محتالاً، أو قاسي القلب، أو جاحداً، أو ظالماً، ولا قيمة لكل ما تعتنق من معتقدات إن كنت بهذه الصفات، لأن الله عز وجل جعل من مهمة النبي عليه الصلاة والسلام أنه يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، وفي القرآن لم ترد "قد أفلح" إلا بالتزكية، قال تعالى:

﴿  قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى(14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى(15)﴾

[  سورة الأعلى ]

﴿  قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا(10)﴾

[  سورة الشمس  ]

﴿  قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ(2)﴾

[  سورة المؤمنون ]

 فتزكية النفس هو غاية الغايات، لأنه ثمن الدخول إلى جنة الله عز وجل ﴿يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ﴾ .  

وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ


 الآن كمنهج تفصيلي افعل ولا تفعل، قال تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ﴾ الكتاب هو القرآن الكريم، والحكمة السنة النبوية، وعند الإمام الشافعي الحكمة: البيان النبوي لهذه الآيات. 

ينبغي اتباع هذا المنهج الدعوي :


 ﴿يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ أي داعية إلى الله، أيّ مدرس ديني، أي مرشد، أي عالم من علماء القلوب، أي خطيب منبر، أي مُصلِح ينبغي أن يتبع هذا المنهج، أن تُعرّف الناس بالله أولاً، ثم أن تدعوهم إلى الاتصال به كي تزكوَ أنفسهم، ثم تعلّمهم التفصيلات، المنهج التفصيلي: ﴿يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ﴾ .

تطبيق عملي لهذه الآية :


 الآن كتطبيق عملي لهذه الآية، كل الأفكار التي تعتنقها إن لم تصاحبها تزكية نفسية؛ خُلْق كريم، رحمة بالخلق، إنصاف، لطف، غيرة، بعدٌ عن كل انحراف، أو خديعة، أو حقد، إن لم تتمثل مكارم الأخلاق التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام فلا قيمة إطلاقاً لهذا الاتجاه الذي أنت فيه، لا بد من معرفة الله أولاً، ﴿يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِ﴾ الدالة على وجوده، ووحدانيته، وكماله، ثم يزكيهم بالاتصال به، ثم يعطيهم المنهج التفصيلي الشرعي: افعل ولا تفعل.
 معرفة الله، ومعرفة منهجه، وتزكية النفس، معرفة الله من خلال آياته، ومعرفة منهجه من خلال تشريعه، ثم تزكية النفس لتكون هذه التزكية ثمناً للجنة.
 هذه الآية أيها الإخوة منهج لكل داعية إلى الله عز وجل، هذه الآية منهج لكل مصلح اجتماعي، أما ألاّ تهتم بتزكية النفس، ويصبح الدين ثقافةً كأية ثقافة، يقترب إلى التقاليد والعادات، وقد يسميه الناس خطأً التراث التراث الإسلامي.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور