وضع داكن
22-12-2024
Logo
الدرس : 46 - سورة آل عمران - تفسير الآيتين 161 – 162 لا يستوي من هو في رضوان الله ومن هو في سخطه
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس السادس والأربعين من دروس سورة آل عمران، ومع الآية الواحدة والستين بعد المئة الأولى، وهي قوله تعالى: 

﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٍ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ (161)﴾

[  سورة آل عمران  ]


وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ


1 ـ أشد صيغ النفي( ما كان ):

 أيها الإخوة: أول ملاحظة أنّ في اللغة العربية صِيغة من أشدّ صِيَغ النفي على الإطلاق، هي قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ﴾ قال عز وجل: 

﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(33)﴾

[  سورة الأنفال  ]

 يمكن أن تفهمها على الشكل التالي: مستحيل وألف ألف مستحيل.

﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنۢبِهِۦ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(40)﴾

[  سورة العنكبوت ]

﴿ مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِى مِن رُّسُلِهِۦ مَن يَشَآءُ ۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ ۚ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ(179)﴾

[  سورة آل عمران  ]

2 ـ بين نفي الحدث ونفي الشأن:

 فأية صيغة تأتي على شكل "ما كان" تفيد أن هذه من أشد صيغ النفي، ذلك أن النفي نوعان؛ نفي حَدثٍ، ونفي شأنٍ، قد نلتقي بسارق كبير، نسأله: أسرقت هذه الحاجة؟ يقول لك: لا، لم أسرقها، هو نفى سرقة هذا القلم، لكن سرق أشياء أكبر من هذا بكثير، أما إذا سألت إنساناً شريفاً، هل أخذت هذا؟ يقول لك: ما كان لي أن أفعل، أي هذا ليس من شأني، ولا من طبيعتي، ولا أرضاه، ولا أقبله، ولا أُقِرُّه، ولا أفكر فيه، ولا يخطر على بالي، ولا أشجعه عليه، ولا أُوقِّر من فعله. 

3 ـ النبي معصوم:

 هذا معنى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ﴾ جاء النفي نفي شأن، لا نفي حدث، لأنه معصوم، النبي عليه الصلاة والسلام معصوم من أن يخطئ، لماذا؟ لأنه مُشرِّع، ولأن الله أمرنا أن نأخذ منه كل شيء، بدليل قوله تعالى:

﴿ مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ كَىْ لَا يَكُونَ دُولَةًۢ بَيْنَ ٱلْأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ ۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ(7)﴾

[  سورة الحشر ]

 فلو أنه يخطئ، لو أنه غير معصوم، كأنّ الله أمرنا أن نعصيه، فما دام الله عز وجل قد أمرنا بآية قطعية الدلالة، واضحة، أن نأخذ منه، وأن ننتهي عمّا نهى عنه، إذاً فهو معصوم، معصوم أن يخطئ في أقواله، وفي أفعاله، وفي إقراره، وفي صفاته، لا في أقواله يخطئ، ولا في أفعاله يخطئ، ولا في إقراره يخطئ، ولا في صفاته يخطئ. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : 

((  كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ، وَقَالُوا: أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا؟ فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ، فَقَالَ: اكْتُبْ فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ.  ))

[ أخرجه أبو داود ]

 لا ينطق إلا بالحق، لا في غضبٍ ولا في رضا، لا ينطق إلا بالحق، في غضبه وفي رضاه، وفي كل أحواله جميعاً.

4 ـ أمة النبي معصومة بالمجموع:

 إذاً: كلّ مَن لم يعتقد عصمة النبي فعقيدته زائغة، بالمقابل، وكل من يعتقد العِصمة في غيره عقيدته زائغة، أمة النبي صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معصومةٌ بمجموعها، بينما النبي عليه الصلاة والسلام فمعصومٌ بمفرده، بمفرده معصوم، بينما أمته بمجموعها معصومة، فَعَنْ عبد الله بن عمر يَقَولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: 

(( إنَّ اللَّهَ لا يجمعُ أمَّتي -أو قالَ: أمَّةَ محمَّدٍ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- علَى ضلالةٍ ويدُ اللَّهِ معَ الجماعةِ ، ومَن شذَّ شذَّ إلى النَّارِ. ))

[ صحيح الترمذي ]

 يُلقى في اليوم ألوف المحاضرات، وتُؤلَّف مئات الكتب، وتسجل آلاف الأشرطة، وما دام المسلمون، ولا سيما علماء المسلمين ساكتون فهذا سماه العلماء إجماعًا سكوتيًا، أي ليس هناك خطأ، ألقيت خطبة وفق منهج الله، وفق آيات وأحاديث، واستنباطات دقيقة جداً، ما دام الناس أخذوها بالقَبول فمعنى ذلك أن كلامك لا شائبة فيه، لكن لو أُلِّف كتاب مثلاً يفسر القرآن تفسيراً غير معقول، بعيداً عن المألوف، بعيداً عن منهج النبي عليه الصلاة والسلام تقوم الدنيا ولا تقعد، معنى ذلك أن المسلمين معصومون بمجموعهم: (إنَّ اللَّهَ لا يجمعُ أمَّتي علَى ضلالةٍ) لكن ليس معنى هذا أن الأكثرية على حق، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ(116)﴾

[  سورة الأنعام ]

 الآن نريد أن نفصّل؛ عندنا مليون إنسان، سبعمئة وخمسون ألفًا شاردون، تائهون، ضالون، جاهلون، غارقون في المعاصي والآثام، والباقي هم المؤمنون، لا تُسمّى الأكثرية إجماعًا، إذا قلنا: إجماع نقصد به المؤمنين فقط، وإذا كنت على حق فأنت وحدك جماعة، والجماعة لا علاقة لها بالعدد، علاقتها بمدى انضباطها بالحق، لذلك أخطر مقياس أن نعرف الحق بالرجال، هذا مقياس فاسد، المقياس الصحيح أن نعرف الرجال بالحق، هناك منهج مَن استوعبه، مَن طبّقه إنسان كبير، أما أن آخذ الدين من أشخاص لهم شهرة! كل إنسان يُؤخَذ منه، ويُرَدّ عليه إلا صاحب هذه القبة الخضراء، هو عليه الصلاة والسلام، ما جاءنا عن رسول الله فعلى العين والرأس، وما جاءنا عن سواه، فنحن رجالٌ وهم رجال، تسمعون الحق، ويُسمَع منكم، ويسمع من يسمع منكم، شهد النبي عليه الصلاة والسلام للقرون الثلاثة الأولى بالخيرية، وذلك في حديث عُمرَ بنِ الْخَطّابِ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: 

((  خَيْرُ النّاسِ قَرْنِي، ثمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ  ))

[  أخرجه الشيخان والترمذي، واللفظ له  ]

 إذاً: ينبغي أن نفهم القرآن الكريم والسنة المطهرة وفق ما فهمها أصحاب النبي في قرونهم الثلاثة، الأصحاب الكرام، والتابعون، وتابعو التابعين، وبعدئذٍ نحتاج إلى تمحيص دقيق، وإلى مراجعة طويلة.
 فالنبي عليه الصلاة والسلام مرة ثانية معصوم بمفرده، بينما أمته معصومة بمجموعها، وردَ في أسباب النزول أن بعض المنافقين اتّهم النبي عليه الصلاة والسلام، فجاءت الآية قاطعة الدلالة.

5 ـ مستحيل أن يقع من النبي غلول:

 ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ﴾ أيْ مستحيل، وألف ألف ألف مستحيل أن يقع النبي في معصية من نوع الغلول، ما الغلول؟ تُتَرجم بالخيانة، أي هناك غنائم، حُصِّلت من معركة، يأتي أحد الجنود، ويأخذ بعضها قبل أن تُقسّم الغنائم، أي يأخذها خِفيةً، المشكلة في هذا الإثم الكبير، إثم الخيانة، وقد ورد في بعض الأحاديث أن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ذكروا اسماً عند رسول الله، فقال: هو في النار، تعجبوا، كان في معركة مع رسول الله، ثم علموا أنه دخل النار في عباءةٍ غلّها، أيْ أخذها من دون حق قبل تقسيم الغنائم. 
ماذا يشبه الغلول في حياتنا اليومية؟ حينما يموت الأب، ويدع إرثاً، ويأتي بعض الإخوة الكبار فيأخذون ما طاب لهم، قبل أن تُقسَّم الممتلكات، يأخذ شيئاً ثمينًا غالياً، يقول: هذا من رائحة والدي، هذا اسمه غلول، إذا مات الإنسان أصبح ماله للورثة، وينبغي أن يوزع المال وفق قواعد الإرث، أما إذا أجاز بقية الورثة، فلا شيء عليه، هذه قضية أخرى.
 لذلك ﴿وَمَا كَانَ﴾ أيْ مستحيل، وألف ألف مستحيل، لأن هذا نفي الشأن، لا نفي الحدَث، الآن لو أردت أن تقرأ القرآن، وأن تتتبّع هذه الصيغة: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾ مستحيل أن يظلم الله أحداً، ليس هناك ظلم حقيقي في الكون، هناك ظلم ظاهري.

﴿ وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّى بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضًۢا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ(129)﴾

[  سورة الأنعام  ]

﴿مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ﴾

لابد من امتحان لفرز المؤمنين:


 لا بد من امتحان يفرِز المؤمنين، قال تعالى: 

﴿ إِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلْأَبْصَٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠ (10) هُنَالِكَ ٱبْتُلِىَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالًا شَدِيدًا(11)﴾

[  سورة الأحزاب  ]

 إن الصحابة الكرام عندهم شعور أنّ هذا نبيٌّ عظيم، وسوف ننتصر على الكفار، وسوف نفتح بلاد الغرب والشرق، وسوف نأخذ ثروة كسرى وقيصر، فلما جاء الأحزاب، وقد اجتمعوا على أن يستأصلوا المسلمون من جذورهم، لم تكن معركة الأحزاب معركة غلَبة، بل كانت معركة استئصال: ﴿إِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلْأَبْصَٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠*هُنَالِكَ ٱبْتُلِىَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾ وأما الذين في قلوبهم مرض فقالوا:

﴿ وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ إِلَّا غُرُورًا(12)﴾

[  سورة الأحزاب  ]

 بل إن بعضهم قال: أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى، وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته، ثم يقول الله عز وجل:

﴿ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلًا(23)﴾

[  سورة الأحزاب  ]

 فمعركة الخندق فرزت المؤمنين، والهجرة فرزت المؤمنين، وقصة الإسراء والمعراج فرزت المؤمنين، وكل حدث جلل في حياة المسلمين هو فرز للمؤمنين، هناك من يخاف، إذاً هو مشرك، هناك من لا يخاف إلا الله، إذا هو مُوَحّد، هناك من يجْبُن، هناك من يكون شجاعًا، هناك من يعمل عملاً طيباً، ما من حدث عام إلا وهو في حقيقته فرز للمؤمنين.
 إذاً : ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ﴾ مستحيل.

المؤمن الحقيقي لا يأكل المال الحرام:


 ولو أردنا أن نوسع الدائرة قليلاً، مؤمن حقيقي يعلم أن الله حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأنه لا إله إلا الله، وأن الأمر كله بيد الله، هل يمكن أن يأكل درهماً حراماً، مستحيل أيضاً، لذلك من أروع ما قرأت أنه من أساء الظن بأخيه فكأنما أساء الظن بربه، فقد أختصم مع أخ لي أحياناً، لكن لا تحملني هذه الخصومة على أن أتهم أمانته، ولا على أن أتهم عقيدته، لا أقول هذا عصمة، هذا حفظ، النبي معصوم بمفرده، بينما الولي محفوظ، ومعنى محفوظ أي لا يصر على صغيرة، ولا يرتكب كبيرة، فإذا بدرت منه صغيرة سرعان ما يتوب، وسرعان ما يراجع نفسه. 
﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ﴾ وفي قراءة "أن يُغَلّ"ـ "أن يَغُل" أن يرتكب معصية الغِلّ، يعني الخيانة.
 بالمناسبة عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 

((  يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ. ))

[  أخرجه أحمد في مسنده عن أبي أمامة  ]

إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ ! إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ ! إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ !
 أيضاً مستحيل لمؤمن أن يكذب، ومستحيل لمؤمن أن يخون، لكن هناك طباع أخرى قد توجد في المؤمن، قد يكون عصبي المزاج، وقد يكون هادئاً جداً، وقد تجده يحب العلاقات الاجتماعية، وقد تجده يحب العُزلة، فهذه طِباع لا تُقدّم ولا تُؤخّر، أما أن يرتكب المؤمن خيانة، أن يكذب، فهذا مستحيل، وألف ألف مستحيل، إذاً ينبغي أن تحسن الظن بأخيك. 
الطرف الآخر الذين يقفون في خندق آخر يسهل عليهم كثيراً أن يتهموا المؤمن بأشنع الذنوب، يستحيل على المؤمن أن يأخذ ما ليس له، وأن يخون، بل إن الله عز وجل حينما قال: 

﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)﴾

[  سورة الفرقان ]

 إذاً: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ﴾ بالفتح، أن يقع في معصية الغل، وفي قراءة ثانية: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلَّ﴾ بالضم، أي أن يُنسَب إلى الغِل، وكلاهما لا يصحّ أن يكون من نبي، لذلك من أجمل ما في مجتمع المؤمنين، رغم وجود أخطاء كثيرة، لكن من الصعب جداً أن يخونك مؤمن، ومن الصعب جداً أن يكذب عليك مؤمن، من الصعب جداً أن يطعنك مؤمن في ظهرك، هذا مستحيل، هناك أخطاء كثيرة، لكن تبقى مجتمعات الإيمان مجتمعاتٍ مريحةً جداً، مجتمعات فيها طُهر، فيها صدق، فيها أمانة، فيها رحمة، فيها إنصاف، فيها حكمة. 

وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ


ما أشدَّ عقابَ من يغلّ :

عففت فعفوا ، ولو وقعت لوقعوا :
 ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ﴾ يبدو أن عقاب من يَغْلُل أليم جداً يوم القيامة، نوع من الخيانة، لمّا جاءت كنوز كسرى، ورآها عمر رضي الله عنه، وتروي الروايات أن صحابيَّين رفعا رُمحيهما فلم يرَ الأول رمح الثاني، وكلها ذهب، وألماس، وما إلى ذلك، سيدنا عمر أخذته الدهشة، قال: إن الذي أدى هذا لأمين، هذا الذي جاء بالغنائم لمَ لمْ يذهب بها إلى أنطاكيا، فيبيعها، ويعيش حياة فارهة إلى أن يموت؟ فقال سيدنا عمر: <<إن الذي أدى هذا لأمين>> ، إلى جانبه الإمام علي كرم الله وجهه، قال: <<يا أمير المؤمنين أعجبت من أمانته فقد عففْتَ فعفّوا، ولو وقعت لوقعوا>> ، وفي رواية: <<ولو رتعت لرتعوا>> .
(( لما أُتِيَ عمر بتاج كسرى وسواريه جعل يقلبه بعود في يده ويقول: والله إن الذي أدى إلينا هذا لأمين، فقال رجل: يا أمير المؤمنين أنت أمين الله يؤدّون إليك ما أدّيت إلى الله فإذا رتعت رتعوا، قال: صدقت" ))

[ رواه ابن قتيبة في عيون الأخبار ]

 حينما يغض الأب بصره عن محارم الله يكون في البيت جو من الانضباط، أما حينما ينفرد الأب، فيتابع بعض الأفلام التي لا ترضي الله، على مرأى من أولاده، وعلى مسمع منهم، فلن يستطيع أن يضبطهم بعد ذلك، الأب إن لم يكن صادقًا فلن يستطيع أن يحمل أولاده على الصدق، الأب إن لم يكن عفيفاً فلن يستطيع أن يحمل أولاده على العفة، والأب الذي يدخن، ثم رأى ابنه يدخن لن يستطيع أن يقول كلمة.
 إن الابن يقلد الأب، لذلك من أنجع أساليب التربية أن تكون أنت قدوة فقط، أن تكون قدوة، واسكت، لأنّ فِعلك تعليم، فالنبي عليه الصلاة والسلام ليست مهمته التبليغ فحسب، مهمته الخطيرة أنه قدوة، لذلك نجح الأنبياء في أن يقلبوا وجه العالم في ربع قرن، بينما لم ينجح المصلحون في أن يغيروا شيئاً من البيئة، يتكلمون كثيراً، لكن لا أثر لكلامهم، ذلك أن الأنبياء يُبلِّغون الناس بأقوالهم، وبأفعالهم، بل إن أفعالهم تبليغ، بل إن أفعالهم سنة، سمّاها علماء السنة: السنة العملية، هناك سنة قولية، وهناك سنة عملية.
لذلك لا بد من قراءة سنة النبي العمليّة، لا بد من قراءة سيرة النبي، بل إن بعض العلماء يرى أن قراءة سيرة النبي فرض عين، كيف نستنبط ذلك؟ كيف أنّ الوضوء فرضٌ، لأن الصلاة التي هي فرضٌ لا تتم إلا به، فالقاعدة الأصولية: ما لم يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، إذاً حينما أمرك الله بآية هي قطعية الدلالة :

﴿  لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا(21)﴾

[  سورة الأحزاب  ]

 كيف يكون النبي عليه الصلاة والسلام أُسوة حسنة لي إن لم أعرف سيرته؟ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ما لا يتم أن يكون النبي أسوة حسنة لي إلا بقراءة سيرة النبي فقراءة سيرة النبي فرض عين على كل مسلم، حتى يتحرك في بيته، وفي عمله، ومع إخوانه، ومع أقاربه، ومع بناته، وفق منهج النبي. 
﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ﴾ يمكن أن تنتفع من طبيب، وقد يكون فاسقاً، وقد يكون ملحداً، وقد يكون شارب خمر، يعنيك علمه، لكن في الحقل الديني لا يمكن أن تنتفع بدعوة إلى الله عز وجل إلا إذا رأيتها مُطبّقة بحذافيرها من قِبَل من يدعوك إليها، في حقل الدين لا يمكن أن نفصل القول عن العمل ﴿وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٍ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ﴾ .

أَفَمَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّهِ


1 ـ المتبع لرضوان الله عزيز ، والمتبع لسخط الله ذليل:

﴿ أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَىٰهُ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ(162)﴾

[  سورة آل عمران  ]

 كيف أنه لا يستوي العالم والجاهل، لا يستوي الحَرّ ولا القَرّ، لا تستوي الظلمات ولا النور، لا يستوي الأحياء ولا الأموات، إنسان حيّ، متكلم، متحدث، لبِق، لطيف، عالم، كجثة هامدة تحتاج إلى دفن فقط، لا يستوي الأحياء ولا الأموات، لا يستوي الظل ولا الحَرور، كذلك لا يستوي مَن كان في رضوان الله كمن كان في سخط الله، إن كنت في رضوان الله فقد ملكت كل شيء، ولو فاتك كل شيء، وإن كنت في سخط الله فقد خسرت كل شيء، ولو كان في حوزتك كل شيء.
 أنت حينما تفعل أشياء لا ترضي الله، حينما تظلم الناس، حينما تأخذ ما ليس لك، حينما تبني مجدك على أنقاضهم، حينما تبني غناك على فقرهم، حينما ترتكب المعاصي والآثام، حينما تكون متلبِّساً بمعصية كل يوم، حينما تبني مكانتك على إيقاع الأذى بالناس، حينما تهدِم بنيان الله وهو الإنسان، فمِثلُ هذا الإنسان يمشي في سَخَط الله، يجب أن يكون مُحتَقراً في نظر الناس، هو أحقر من أن تخاطبه، من الذي ينبغي أن تُعِزّه، مَن كان في رضوان الله.
 والله فيما أذكر كنت مرة في مؤتمر إسلامي، ووصلت إلى الفندق ليلاً، وفي وقت الفجر سمعت قراءة قرآن فأطللْتُ من الشرفة، فرأيت عامل الحديقة يصلي الفجر في وقته، بصوت شَجِيّ، والفندق من أرقى فنادق المغرب، تُعقَد بها مؤتمرات القمة، ونزلاؤه كُثُر، من عِلْيَة القوم، والله شعرت أن هذا الذي يصلي الفجر في وقته، ويقرأ القرآن أقرب إلى الله من هؤلاء جميعاً، مقاييسك ينبغي أن تكون إسلامية، أن تمشي في رضوان الله، أن يكون الكسب حلالاً، أن يكون البيت إسلامياً، أن يكون الحديث إسلامياً، أن تكون العلاقات إسلامية، أن تكون الأفراح إسلامية، أن تكون ربّانياً، قريباً من الله، كل بطولتنا -إنْ سمح الله لنا- أن نكون في رضوان الله، وأنت بفطرتك تعرف بفطرتك تعرف ما إذا كنت في رضوان الله، أو كنت في سخط الله.

2 ـ أمثلة لمتبعي سخط الله:

 هناك أشياء دقيقة جداً، ربما لا ننتبه إليها، جاءك شخص ليشتري حاجة، قال لك: انصحني، أي لون أختاره؟ فأنت عندك لونٌ كاسد، فنصحته به، ماذا فعلت؟ بِعته بنطالاً، وقبضت ثمنه، لكنه استنصحك باللون، فنصحتَه باللون الكاسد، لقد خنته، تشعر أنك محجوب عن الله، أنا جئت بمثل صغير جداً، في حياة المسلمين أمثلة صارخة جداً؛ اغتصاب، وأخذُ ما ليس لك، وعلاقات شائنة، وانحرافات أخلاقية، وبيوت فاجرة، وأجهزة تحرّك الحائط، كلها تعرِض مفاتن النساء، فهذه البيوت بيوت المسلمين، كيف تنعقد الصلة مع الله عز وجل؟ لذلك حينما ترون ملياراً ومئتي مليون مسلم ليس أمرهم بيدهم، وليست كلمتهم هي العليا، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيلٍ وسبيل، ينبغي أن تعلموا السبب، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: 

﴿ ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوٓاْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَٰفِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوٓاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۚ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلً ا(141)﴾

[  سورة النساء  ]

 هذا كلام خالق الأكوان، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَٰلِبُونَ(173)﴾

[  سورة الصافات  ]

 قولاً واحداً: ﴿أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ﴾ عندك مطعم عادي، دخله محدود جداً، تعيش منه، لكن تبيع الناس طعاماً شرعياً، وثمة مطعم خمس نجوم، دخلُه فلكي، ولكن يُوزَّع فيه الخمر، نقول له: ﴿أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ﴾ ليس هناك نسبة مقارنة، فالبطولة أن تكون في رضوان الله، أن يكون عملك مشروعاً، أن تبني دخلك على نفع الآخرين، لا على إيذائهم، هذا كلام طويل، والإنسان يعلم حقيقة نفسه، قال تعالى:

﴿  بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ(15)﴾

[  سورة القيامة  ]

 هناك مِهَن أساسها إيذاء الآخرين، ومِهَن أساسها إفساد الآخرين، الذي يبيع الدخان مثلاً ماذا يفعل مع الناس؟ يؤذي صحتهم، فالبطولة أن تكون حرفتك وفق منهج الله، وأن يكون بيتك وفق منهج الله، وأن تكون حركاتك، وسكناتك وفق منهج الله، وأن يكون لهوك وفق منهج الله، وأن يكون بيتك وفق منهج الله، وهذا تعلمه بفطرتك من دون معلم، فهناك من يمشي برضوان الله.
 أتى رجلان من أوروبا إلى الشام، هما من دمشق، لكنهما ذهبا ليشتريا سيارتَين، ويعودا بهما إلى الشام ليُتاجرا بهما، يقول لي أحدهما: نزلنا في فندق في إحدى مدن أوروبا الشرقية، في الساعة الثانية عشرة طُرِق باب الغرفتين، كل واحد بغرفة، الأول فتح الباب، وارتكب الفاحشة، والثاني ما فتح الباب، ثم تابعا طريقَيهما إلى الشام، الأول في صعودٍ مستمر في عمله، وفي بيته، ومع أهله، والثاني في انهيارٍ مستمر إلى إن طلّق زوجته، وباع محله، وصار في وضع صعب جداً، نقول له: ﴿أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ﴾ .
 والأمثلة لا تعد ولا تحصى، وقت الفجر أين أنت؟ في المسجد، وهناك أناس يدخلون إلى البيت بعد الفجر من الملاهي، هناك مَن يكون وقت الفجر في ملهى، وهناك مَن يكون وقت الفجر في المسجد، هناك من يكون وقت صلاة الجمعة في نزهة يشوي اللحم، وهناك من تجده وقت صلاة الجمعة في المسجد، هناك من يربّي أولاده تربية دينية، وهناك من يدَعُهم يربيهم الطريق، وأصدقاء السوء، الحديث لا ينتهي.
﴿أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ﴾ بحرفتك، هناك من ينصح، هناك من يغش، هناك من يصدق، وهناك من يكذب، هناك من يعطي، وهناك من يأخذ، هناك من ينظر، ويملأ عينيه من الحرام، وهناك من يغض البصر عن محارم الله، هناك ابن بار، وهناك ابن عاق، هناك صانع أمين، وهناك صانع خائن. 
﴿أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ﴾ لا يستويان، المسافة بينهما كما بين الليل والنهار، وكما بين السماء والأرض، لا يستويان.

وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا


 أيها الإخوة، هذه الآية دقيقة جداً، تنطبق على رجل معه مال، وآخر ليس معه شيء من المال، هل يستويان! واحد بكامل صحته، والثاني بأمراض كثيرة، هل يستويان، يجب أن تدركوا أن البَونَ شاسعٌ جداً بين مَن يمشي في رضوان الله، ومَن يمشي في سخط الله، في كل شؤون حياتك، فأنت تنجح وترقى عند الله، وتسعد إذا كنت في رضوان الله، والإنسان كما قلت قبل قليل بفطرته يعلم علم اليقين أنه في رضوان الله، وبفطرته يعلم أنه في سَخط الله، والإنسان حينما يمشي في سَخط الله ينقطع عن الله، وحينما ينقطع عن الله ينطفئ نوره، فيرتكب حماقات ما بعدها حماقات، ولو كان ذكياً، إذا أراد ربك إنفاذ أمرٍ أخذ من كلِّ ذي لُبٍّ لُبَّه، والشيء الثابت أن المؤمن يُؤتَى الحكمة، وأن غير المؤمن لا يؤتى الحكمة، بل يُؤتَى الحماقة، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ يُؤْتِى ٱلْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ ٱلْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلْأَلْبَٰبِ(269)﴾

[  سورة البقرة ]

 الآن القوي حينما يكون مقطوعاً عن الله يتوهم أن القوة هي الحق، ثم يُفاجَأ من دون أن يحتسب أن القوة من دون حكمةٍ تدمر صاحبها، الحق يصنع القوة، ولكن القوة لا تصنع الحق، والقوي من دون حكمة يدمر ذاته، والمؤمن بحكمته يحقق مراده، فأنت حينما تكون في رضوان الله معك نور، معك نور بنص القرآن الكريم.

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِۦ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِۦ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(28)﴾

[  سورة الحديد  ]

 قلّمَا تخطئ، قلّمَا تقع في ورطة كبيرة، معك نور، معك رؤية صحيحة، إذا كنت في رضوان الله معك نور الله.

3 ـ الشر كله في اتباع سخط الله:

 دخل شخص إلى ملهى، فأحبّ راقصة، ثم تزوّجها، تتلقى اتصالات مخيفة، مئة رجل في حياتها، لم يحتمل فطردها، أقامت عليه دعوى من أجل المهر المتقدّم، المبلغ لا يملكه، في ساعة غضب -هذه قصة وقعت في الشام- أطلق النار عليها، وعلى أمها، وعلى أختها، ثم أطلق النار على نفسه، مات هو، وبقي الثلاثة أحياء، عولجوا وبقوا، إنسان دمر نفسه، طبعاً هذه حالة حادة، وهناك حالات أقل من ذلك، إذا مشى الإنسان في سخط الله فهو أعمى لا يرى، يرتكب حماقات، يخرب بيته في يده، يطلق زوجةً من الدرجة الأولى، بينما إذا كنت مع الله تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة، إذا كنت مقطوعاً عن الله يغدو أولادك أعداءك، إذا كنت مع الله يغدو أولادك أحبابك، فرق كبير، كل الخير أن تكون في رضوان الله، وكل الشر أن تكون في سخط الله. 
﴿أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ﴾ كيف تعامل من حولك؟ حينما تعاملهم بهَدْيٍ من الله، أنت رحيم، يلتفّون حولك، يحبونك، تعيش في جنة، وحينما تعامل مَن حولك بالقسوة، والعنف، والمصلحة، والأنانية ينفضّ الناس مِن حولك، ويكيدون لك، يعني مستحيل، وألف ألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، ومستحيل أن تعصيه، وتربح.

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾

[ سورة الأحزاب ]

 إذا طلق الإنسان زوجته طلاقًا تعسفيًّا، فهو في سخط الله، طلقها بلا ذنب منها، لكنه اشتهى غيرها، فطلقها، وإذا كنت في رضوان الله فأنت مع:

﴿ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُوْلَٰٓئِكَ رَفِيقًا (69)﴾

[  سورة النساء ]

 الدين ليس أن تكون في المسجد، الدين في أيام الأسبوع كلها، ماذا تفعل؟ كيف تبيع وتشتري؟ دخلت امرأة إلى محلك، هل تملأ عينيك منها؟ دخل إنسان جاهل هل تستغل جهله فتبيعه بسعر مضاعَف، وتظن نفسك ذكياً؟ العبرة ألا تكون في سخط الله، في بيعك، وشرائك، وحركاتك، وسكناتك، واحتفالاتك.
 المشكلة أيها الإخوة، بدأ يظهر انحراف خطير في المسلمين، يعيش الناس جواً لا يرضي الله عز وجل، الأجانب هكذا جوّهم جو جنس فقط، فحينما يكون بيت الإنسان كالمسجد يُتلى فيه القرآن، وتُصلَّى فيه الصلوات، يجلس الرجل مع أهله وأولاده يحدثهم، أما حينما تُشَدّ الأبصار إلى هذه الأجهزة الملعونة التي تقلب الإنسان رأساً على عقب، كيف يتصل بالله عز وجل.
﴿أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَىٰهُ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ﴾ هناك آيات من هذا القبيل:

﴿  أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ(18)﴾

[  سورة السجدة ]

﴿  أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(36)﴾

[  سورة القلم  ]

﴿ أَفَمَن وَعَدْنَٰهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَٰقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَٰهُ مَتَٰعَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ(61)﴾

[  سورة القصص  ]

﴿ أَمَّنْ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيْلِ سَاجِدًا وَقَآئِمًا يَحْذَرُ ٱلْآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِۦ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلْأَلْبَٰبِ(9)﴾

[  سورة الزمر  ]


وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا


 والله مرة دخلت إلى بيت أحد علماء دمشق، وجدت آية قرآنية في صدر الغرفة، والله قرأتها وما في جسمي خلية إلا وتأثرت، ما هذه الآية؟ هي قوله تعالى: 

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ۚ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)﴾

[ سورة النساء ]

 ما قال الله لمَن يملك ملايين كثيرة: ﴿وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ لأنه أعطى المال لمن لا يحب، فأعطاه لقارون، وأعطى المُلْك لفرعون، وما قال لفرعون: ﴿وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ لكنه قاله للنبي عليه الصلاة والسلام: ﴿وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ وهذا الفضل بين يديك، متاح أن تُحصِّله في أي وقت: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ ينبغي أن يُطلَب العلم تقرباً إلى الله، وينبغي أن يكون العلم باعثاً على طاعة الله، ينبغي أن يكون العلم سبيلاً إلى القرب من الله، هذا العلم وهذا كتاب الله بين أيدينا، والله ما من حدث يقع في الأرض الآن، أترون إلى الدنيا، وهي تضطرب الآن، ما من حدث وقع إلا والقرآن يغطيه، أبداً. 

﴿ هُوَ ٱلَّذِىٓ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمْ لِأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ ۖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ ۖ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِى ٱلْأَبْصَٰرِ(2)﴾

[  سورة الحشر  ]

 طفل صغير ضرب باب الطيار، هذا استدعى الأمر أن تقلع طائرتان أف 16 ليراقبوا الطائرة، وعلى وشك أن تُضرَب: ﴿وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ﴾ هذا قانون، ونحن كذلك، هناك إشراك فهناك رعب، أنت تخاف بقدر ما أنت مشرك، وأنت تطمئن بقدر ما أنت مؤمن، أبداً. 

﴿ إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَآءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(175)﴾

[  سورة آل عمران  ]

 كلام واضح مثل الشمس، هذا الحدث فرْزٌ، فرَزَ الناس جميعاً، الذين امتلأ قلبهم خوفاً وهلعاً، في الأصل توحيدهم ضعيف:

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ(213)﴾

[  سورة الشعراء ]

 أما الذين امتلأت قلوبهم بالإيمان، فيقينهم بالله عز وجل، هو خلَقَهم، هو الذي يحفظهم، هو الذي يرعاهم، هو الذي يوفقهم، هو الذي يعطيهم، هو الذي يحميهم، هو الذي ينصرهم، هو الذي يوفّقهم، القضية قضية إيمان أيها الإخوة، نحن في أمسّ الحاجة إلى التوحيد الآن، وإلى العودة إلى الله.

ليس بمثل هذا الوضع ننتصر !!!


 أنا لا أتشاءم، أنا والله متفائل على الرغم مما حدث، عملية قفزة نوعية للمؤمنين، لكن ينبغي أن نستفيد منها، لأنهم في بلاد الغرب يقولون: سوف نستفيد مما حدث بلا حدود، نحن أَولى منهم أن نستفيد مما حدث بلا حدود، كيف؟ أن نعود إلى الله، أن نُحكِم اتصالنا بالله، أن نقيم الإسلام في بيوتنا، أن نحب بعضنا بعضاً، أن نسعى لخدمة بعضنا بعض، أن نقوم بما يسميه المُنَظِّرون بانتفاضة دينية، راجِع كل حساباتك، راجع كل سهراتك، كل جلساتك، كل أصدقائك، وكل علاقاتك، وكل أهوائك، تجد المسلم في سهرة يلعب النرد، لَعِبُ نردٍ، وغيبة، ونميمة، ومتابعة مسلسلات، هكذا الناس يعيشون سَبَهْلَلَة، ويقولون: "يا أخي الله ينصر المسلمين"، هذا كلام، لا بد من موجبات الرحمة، كان عليه الصلاة والسلام أديباً مع الله، قال 

(( اللهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مُوجِباتِ رَحْمَتِك. ))

[ تخريج رياض الصالحين ]

 هناك امتحان شديد، على مستوى العالم الإسلامي كله، امتحان شديد، ولا يصمد إلا المؤمن، ولا يصمد إلا المستقيم، ولا يصمد إلا الورِع، ولا يصمد إلا الوقّاف عند كتاب الله، لا يصمد إلا من كان بيته إسلامياً، وقد أمر الله عز وجل ملائكته بإهلاك قرية، قالوا: يا رب، إنّ فيها صالحاً، قال به فابدؤوا، قالوا: ولمَ يا رب؟ قال: لأن وجهه لم يكن يتمعّر لمنكرٍ رآه، يعيش لوحده، يجب أن تسهم في حل مشكلة المسلمين، أن تنصحهم، وينبغي أن تدعو إلى الله بشكل أو بآخر، أعطِ شريطًا، ادعوه إلى درس علم، تقرب من أخيك، من صديقك، اجعل دائرة الحق تتنامى، ولا تسمح لدائرة الباطل أن تتنامى، كن قدوة لأولادك، اكتفِ بأولادك، ربِّ أولادك، تجد الأطفال شاردين في الطرقات، وكلامهم بذيء، تقصير في الدراسة، والأب في وادٍ، والأولاد في وادٍ، هذا لا يرضي الله، فهذه الآية: ﴿أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ﴾ لاحظ نفسك، علاقتك مع جسمك، مع زوجتك، مع أولادك، مع بيتك، في كسب مالك، في حديثك، أين تسهر، وماذا تتكلم؟ غيبة، ونميمة، فلان وعلان، وفي موضوعات لا تقدم ولا تؤخر، أم تتكلم في الحق؟ قال عليه الصلاة والسلام : 

(( أمرني ربي بتسع: خشية الله في السر والعلانية، وكلمة العدل في الغضب والرضى، والقصد في الفقر والغنى، وأن أصل من قطعني، وأعطي من حرمني، وأعفو عمن ظلمني، وأن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرة، وآمر بالعرف.   ))

[ رواه رزين ]

﴿ وَفِى ٱلْأَرْضِ ءَايَٰتٌ لِّلْمُوقِنِينَ(20)﴾

[ سورة الذاريات ]

ما أكثر العِبَر، وما أقلّ المعتبرين، فهذه الآية شعرت أنها آية أساسية في هذه السورة، ومحورية، مفصلية . 
﴿أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَ ٱللَّهِ﴾ تعلم بفطرتك أنك في رضوان الله، دخلت إلى بيتك، سلمت على أهلك، داعبت أولادك، عطفت عليهم، أطعمتهم، لبَّيتَ حاجاتهم، صليت فرضك، أويت إلى فراشك، أنت في رضوان الله، لكن سهرة مختلطة، هذه غير زوجتي، أجمل بكثير، عينك عليها طيلة السهرة، ومزح، وضحك، وأذن العشاء قوموا لنصلي، أي صلاة هذه، أنت غارق في مخالفات كثيرة، فإذا كانت السهرة إسلامية بلا اختلاط، ولا معاص فلا مانع.
 عَدَّ الإمام الغزالي أربعة عشر معصية باللسان، قالت: إنها قصيرة، الآن تجد النساء حينما يجلسْنَ إلى بعضهنّ بعضاً يتحدثن عن الفتيات بشكل غير معقول، يصفْنَ عيوب بعضهن وصفاً صارخاً، قالت: إنها قصيرة، قال: 

(( لقدْ قلتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بماءِ البحْرِ لَمَزَجَتْهُ. ))

[ صحيح الجامع ]

 ما قالت شيئًا، قصيرة، أين جلسات النساء، جلسات الرجال، اللهو، متابعة المسلسلات، الفضائيات، ألا تحب أن ينصرنا الله عز وجل؟ أن يأخذ بيدنا؟ أن يحمينا من أعدائنا الأشداء، الأقوياء، قُساة القلوب، الذين لا يرحمون، كما ترون وتسمعون، ليس لديهم رحمة أبداً.
 فيا أيها الإخوة، أرجو الله أن تكون هذه الآية شعاراً لنا في هذا الأسبوع ﴿أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَىٰهُ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ﴾ .

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور