الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الواحد والأربعين من دروس سورة آل عمران، ومع الآية التاسعة والأربعين بعد المائة، وهي قوله تعالى:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ(149) بَلِ ٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلنَّٰصِرِينَ (150)﴾
طاعة غير المسلمين واتباع منهجهم خسارة ما بعدها خسارة:
ذكرت في الدرس الماضي في تفسير هذه الآية أن المسلم حينما يؤدي عباداته الشعائرية، ثم يطبق في حياته اليومية مناهج غير المسلمين ينقلب خاسراً أشد الخسارة، الإسلام منهج كامل في كل شؤون حياتك، فما لم تعتمده في أمورك اليومية، وفي كل المجالات لا تفلح، لذلك اكتفى المسلمون اليوم من الإسلام بعباداته الشعائرية، وغاب عنهم أن المنهج الإسلامي ينبغي أن يكون في كسب المال، وإنفاقه، وفي الزواج، والطلاق، وفي الأفراح، وفي الأتراح، وفي الحِلِّ وفي السفر، حينما تأخذ مفردات هذا المنهج ثم تطبقه على حياتك اليومية عندئذ تنجو من أن تخسر، أو أن تهلك.
التسويق عند المسلمين نسخة طبق الأصل للتسويق الغربي:
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ﴾ ذكرت في الدرس الماضي مثلَين صارخين، قضية التسويق، هناك في جامعات في الغرب اختصاصها التسويق، التسويق عند الغرب هو الإعلان، والدعاية فقط، والإعلان لا ينجح إلا بامرأة شبه عارية، هكذا التسويق الغربي، أما التسويق الإسلامي فأنا لا أنكر قيمة الإعلان، لكن هناك منهج يضبط هذا الإعلان.
لا بد من تربية المجتمع على هذا الدين في جميع المجالات:
حينما أتقن صناعتي، وأدفع زكاة مالي، وحينما أنصح المسلمين فهذا هو التسويق الإسلامي، فلذلك المسلم يُغفِل منهج الإسلام في تسويق البضاعة، ويأخذ منهج الغرب، قد أطبق منهج الغرب في تربية أولادي، أعطيهم حرية، قد يتفلّتون، أهتم بتحصيلهم الدراسي فقط، ولا يعنيني إيمانهم أبداً، قد أرسلهم إلى بلاد بعيدة، وأنا لست واثقاً من انضباطهم، التفوق في تربية الأولاد بمنهج غربي هكذا، أما التفوق في تربية الأولاد أن يكون ابنك معك، أن تلزم أولادك، أن تأتي بهم إلى المسجد، أن تربيهم على حب الله وحب رسوله، ففي تربية أولادنا منهجنا غربي، في تسويق بضاعتنا منهجنا غربي، في أفراحنا، وفي أتراحنا منهجنا غربي، في حل مشكلاتنا منهجنا غربي، حتى في قضايانا الكبرى.
﴿ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا ۖ فَإِنۢ بَغَتْ إِحْدَىٰهُمَا عَلَى ٱلْأُخْرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِى تَبْغِى حَتَّىٰ تَفِىٓءَ إِلَىٰٓ أَمْرِ ٱللَّهِ ۚ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوٓاْ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ(9)﴾
نحتكم إلى أعداء الله، وإلى الكفار كي يحلوا مشكلاتنا فيما بيننا.
القضية خطيرة جداً أيها الإخوة، هذا الإسلام لن نستطيع أن نقطف ثماره إلا إذا طبّقناه كله من دون استثناء، أنا لا أقول كما يقول بعضهم: إما أن تأخذه كله، أو تدعه كله، لا لكن أقول: ينبغي أن تأخذه كله في كل شؤون حياتك.
﴿إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ﴾ لا بد أن نؤمّن على البضاعة، التأمين حرام إلا إذا كان تعاونياً، هناك من يُؤمّن على البضاعة عند الله بدفع القيمة لفقراء المسلمين، ما من تشريع غربي إلا له بديل إسلامي، لا بد من استخدام اليانصيب في ترويج السلع، أضيفُ مبلغاً على ثمن القطعة، وأجمعه من كل القطع ثمن سيارة، ثم أجعله يانصيباً، هكذا التسويق الغربي، فالذي يؤلم أن المسلمين في شكلهم الظاهري مسلمون، مسلمون في عباداتهم الشعائرية، ولكنهم حينما يدخلون حياتهم العملية يطبقون مناهج غربية.
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ﴾ لا بد أن تخرج المرأة من البيت لتعمل، وقد يكون العمل مناقضاً لمنهج الله عز وجل، وقد يكون مع العمل فتنة، ومع الفتنة فساد، ومع الفساد انحراف، ومع العمل اختلاط، فلا بد أن نقلد الأجانب، هذه هي المشكلة، الإسلام منهج متكامل يجب أن نأخذه كله حتى نستطيع أن ننتظر من الله أن ينصرنا، حتى نقطف ثمار هذا الدين، لذلك تجد في أُسَر كثيرة مخالفات للشرع كبيرة جداً في البيوت، وربّ الأسرة محسوب على المسلمين، ويأتي إلى بيوت الله، ويجلس في دروس العلم، وهو مسلم، لكن لو دققت في عمله لا يُطبّق الإسلام.
دعوة إلى تطبيق منهج الله الكامل:
أنا أدعوكم أيها الإخوة من خلال هذه الآية إلى تطبيق منهج الله كاملاً، المسلم الحقيقي هو مسلم ينصاع لأمر الله.
﴿ إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلْإِسْلَٰمُ ۗ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ(19)﴾
أما أن نطبق في تجارتنا منهج الأجانب، وفي تسويق البضاعة منهج الأجانب، وفي صنع البضاعة؛ قد أغير خلق الله عز وجل، قد أطعم هذه الحيوانات التي أتاجر بها مسحوق اللحم الحرام، لماذا جن البقر؟ لأنه أُطعِم مسحوق الجِيَف، صممه الله نباتياً فجعلته لاحماً، فجنّ البقر، وما جنون البقر إلا من جنون البشر، هذه الآية واسعة جداً، حتى في الزراعة، والصناعة، والتجارة، والتسويق، وفي الزواج، والطلاق.
سمعت البارحة عن إنسان يقيم في بلاد غربية حينما كبر أولاده خاف على دينهم، ومستقبلهم، فأراد أن يعود إلى بلده، يقول: إن زوجته داعية، وقفت أمامه معارضة العودة إلى بلاد المسلمين، فلما اشتد الخلاف بينه وبينها، رفعت قضيتها أمام القضاء الأمريكي لتأخذ من زوجها نصف ما يملك، ولم ترضَ بالقضاء الإسلامي أن تأخذ مهرَها فقط، أين الدعوة؟ الذي لا يقبل منهج الله عز وجل، ويحتكم إلى مناهج أخرى هذا ليس من الله في شيء، فالذي يلفت النظر أن المسلمين أنفسهم لا يطبقون منهج الله، توهموا وهماً عجيباً، توهموا أنهم إذا صلوا وصاموا، وحجوا، وزكّوا، فقد طبقوا الإسلام، وما هي إلا عبادات شعائرية، لا يمكن أن تُقبَل عند الله إلا إذا صحّت العبادات التعاملية، إلا إذا انصعت لأوامر الله، على كلٍّ هذا شرحته في الدرس الماضي.
بَلْ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِين
1 ـ النموّ الاقتصادي ليس إلهًا يُعبَد:
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ*بَلِ ٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلنَّٰصِرِينَ﴾ لا يرتقي دخلنا إلا بالسياحة، ومن لوازم السياحة الفنادق الفخمة، وأن تبيع الخمور، وأن يكون فيها نساء كاسيات عاريات، والمسابح، والمقاصف، وما إلى ذلك، فهذا أيضاً منهج غربي.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦٓ إِن شَآءَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(28)﴾
لا ينبغي أن نُؤَلِّه النمو الاقتصادي، لا ينبغي أن نجعل هذا النمو إلهاً نعبده من دون الله، لا ينبغي أن نضحي بقيمنا، ومبادئنا من أجل دخلنا.
2 ـ الله هو الرازق وهو الناصر:
﴿بَلِ ٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ﴾ هو الذي يرزقكم، وينصركم، ويحفظكم، ويؤيدكم، وهو مولاكم.
﴿وَهُوَ خَيۡرُ ٱلنَّٰصِرِينَ﴾ مشكلة المسلمين مشكلة عويصة أيها الإخوة، أنهم استغربوا، أصبحوا غربيين في كل شؤون حياتهم، ولم يبقَ لهم من الإسلام إلا هذه العبادات الشعائرية، لماذا ينتظرون أن ينصرهم الله عز وجل؟ لماذا يعتَبون على الله عز وجل؟ شيء لا يُصدَّق؛ في كل شؤون حياتي غربيّ الملبَن، أما في مظهري فشرقيّ الضّرع، لا أن تكون غربيّ المَلبن شرقيّ الضرع، ينبغي أن تكون شرقي الضرع، وشرقيّ الملبن، أي إسلامي الضرع والملبن.
﴿بَلِ ٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلنَّٰصِرِينَ﴾ بيد الله عز وجل الخيارات لا تعد ولا تحصى، يقويك فينصرك، أو يلقي الرعب في قلب أعدائك فينصرك.
﴿ سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّٰلِمِينَ (151)﴾
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ
1 ـ الكافر في رعب بسبب الشرك:
اجعل هذا قانوناً، أيّ كافرٍ قلبه ممتلئٌ رعباً، والمؤمن يلقي في قلبه الأمن، قانون الأمن والخوف.
﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰنًا ۚ فَأَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82)﴾
من لوازم إيمانك أن قلبك ممتلئٌ أمْناً، ومن لوازم الكفر والشرك أن القلب ممتلئ رعباً، فإذا كان قلب الإنسان خاوياً، وممتلئاً خوفاً هذه علامة الشرك، وعلامة البعد عن الله، وإذا كان قلب المؤمن ممتلئاً إيماناً وأمناً فهذه علامة الإيمان.
﴿سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ﴾ هذه الباء باب السبب، أي بسبب شركهم.
﴿بِمَآ أَشۡرَكُواْ﴾ بسبب شركهم، معادلة: قلْبٌ معه شركٌ يساوي رعبًا شديدًا، قلب معه إيمان يساوي طمأنينة شديدة.
﴿سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ﴾ الآية الكريمة:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ(213) وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين(214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ(215)﴾
2 ـ سبب العذاب الدنيوي هو الشرك:
أحد أسباب العذاب في الدنيا الشرك، لا بلسانك، ولكن بلسان حالك، قد تتعلق بإنسان قوي من أقربائك، قلبك ممتلئ تعظيماً له، وهو لا يعرف الله، لأنه قوي، فاعتمادك عليه نوع من العبادة، قد تعتمد على مالِكَ فهذا شرك، قد تعتمد على نفسك، على خبراتك، على شهادتك، على مكانتك، على منصبك، فهذا نوع من الشرك، قد تعتمد على ابنك، وهذا نوع من الشرك، الاعتماد النفسي قد تستعين به دون أن تعتمد عليه، قد تعتمد على زوجتك، أو على شريكك، هذا نوع من الشرك.
﴿سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِاللهِ﴾ بسبب شركهم ﴿سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ﴾ وكأنّ هذا مقياس دقيق للإيمان، قلب ممتلئٌ رعباً دليل شركه، وقلب ممتلئٌ أمناً دليل إيمانه، المؤمن في قلبه من الأمن ما لو وُزِّع على أهل بلد لكفاهم.
3 ـ ليس هناك دليل على الشرك:
﴿سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ﴾ ليس هناك دليل على الشرك، أنت توهّمت أنه قوي، وهو في قبضة الله عز وجل، توهمت أنه يعطيك، والمعطي هو الله، أنت توهّمت أنه يمنع عنك، والمانع هو الله، توهّمت أنه سيرفعك، والرافع هو الله، توهمت أنه سيخفضك، والخافض هو الله، توهمت أن بهذه العلاقة المتينة يُعِزّك، والمعزّ هو الله، توهمت أنه يُذِلّك لو أغضبته، والمُذِلّ هو الله.
أرأيت إلى هذا التابعي الجليل الحسن البصري، حينما كان عند والي البصرة؟ جاءه توجيه من يزيد، هذا التوجيه لعله لا يرضي الله عز وجل، فلو أنه نفّذه لأغضب الله عز وجل، ولو لم ينفذه لأغضبَ يزيد، ولَعَزله من ولاية البصرة، كان عنده الحسن البصري قال: يا إمام ماذا أفعل؟ أجاب هذا الإمام إجابة يمكن أن تكون شعاراً لكل مؤمن إلى يوم القيامة، قال له: "إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله" .
الله عز وجل يمنعك من أقوى قوي، ولكنك لو أطعت القوي، وعصيت الله، هذا القوي لا يمنع عنك الورم الخبيث، لا يمنع عنك الفشل الكلوي، أو تشمع الكبد، أو خثرة في الدماغ، أو الشلل، "إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله" ، فكُنْ مع الأقوى لمصلحتك، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان الله عليك فمن معك؟
4 ـ لا تتوهم النفع والضر عند غير الله:
﴿سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ﴾ نحن توهمنا أشخاصاً أقوياء، توهمنا أنهم يرفعون، ويخفضون، ويعزون، ويذلون، ويعطون، ويأخذون، نحن توهمنا ﴿مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ﴾ ، وما سوى الله لا يفعل شيئاً، الفعال هو الله، لا يكمل إيمانك إلا إذا رأيت يد الله وحدها تعمل، وليس مع الله أحد.
﴿ وَهُوَ ٱلَّذِى فِى ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٌ وَفِى ٱلْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ(84)﴾
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
كله: توكيد، قال لي أحدهم: أخاف أن أطيع الله فأخسر عملي، قلت له: الإله الذي تعبده إذا كان لا يحميك فلا تعبده، ينبغي أن تعبد إلهاً يحميك، ينبغي أن تعبد إلهاً كل أقوياء الأرض بيده.
﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى(45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى(46)﴾
هذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، ألّا ترى مع الله أحداً، كما قلت قبل قليل: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾
﴿ قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ ۖ لَهُۥ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِۦ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِىٍّۢ وَلَا يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِۦٓ أَحَدًا (26)﴾
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(62)﴾
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)﴾
﴿ إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّى وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذٌۢ بِنَاصِيَتِهَآ ۚ إِنَّ رَبِّى عَلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ(56)﴾
هذا هو الإيمان.
﴿ إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلْأَنْعَٰمُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَٰدِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَىٰهَآ أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَٰهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلْآيَٰتِ لِقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ(24)﴾
كما هي الآن: ﴿وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَٰدِرُونَ عَلَيْهَآ﴾ قالوا قبل حين: إن هذه الكتلة الشرقية عندها من القنابل الذرية ما تستطيع به تدمير الأرض خمس مرات! هم دُمِّروا من داخلهم، تهاوت قلعتهم من الداخل.
أيها الإخوة الكرام ﴿حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَٰدِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَىٰهَآ أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَٰهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلْأَمْسِ﴾
ستهلك عاد الثانية كما أهلك عاد الأولى:
وهذا الذي ترونه أيها الإخوة من شأن عاد الثانية، التي وصفها القرآن الكريم فقال:
﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجْحَدُونَ(15)﴾
﴿ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ(8)﴾
﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ(128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ(129)﴾
هذه عاد الثانية، الله عز وجل قال:
﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى(50)﴾
هذا يعني وجود عاد ثانية على شاكلتها ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ أقوى دولة في العالم ﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾ أجمل بلاد في العالم ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ*وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ أقوى قوة غاشمة في العالم.
﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ(130)﴾
وعندهم أذكياء العالم.
﴿ وَعَادًا وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَٰكِنِهِمْ ۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَعْمَٰلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ (38)﴾
أرأيت إلى هذه الآيات؟ واحدة تلوَ الأخرى، كانوا أذكياء مستبصرين، وكانوا بطّاشين، وكانوا يبنون بكل رِيع آية يعبثون، ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون، وقالوا من أشد منا قوة، ووُصِفت أنه لم يخلق مثلها في البلاد.
﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ(6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ(7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ(8)﴾
هذا مصيرها الذي ينتظرها.
أيها الإخوة الكرام: ﴿سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ﴾ .
نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ !!!
والله هؤلاء الأقوياء ينفقون على تسليح بلادهم من شِدّة الخوف الذي يملأ قلوبهم ما لو أُنفِق على العالم كله لملأه أمناً وطمأنينة ورخاء، والأرقام التي تُنفَق على التسليح في العالم لا يقبلها العقل، أرقام فلكية، ألوف ألوف ألوف البلايين من شدة الخوف الذي ملأ القلوب، أما النبي عليه الصلاة والسلام فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي، نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً. ))
أما حينما تركت أمته سنته هُزِمت بالرعب مسيرة عام!
﴿بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ﴾ نحن أسبَغْنا على بعض الأشخاص قوة، هم ليسوا أقوياء، نحن توهمنا أن بعض الدول لا تُهزَم، هي ليسوا كذلك، هم بشر، نحن أسبغنا عليهم هذه الأوهام، وهذه الهالات الكبيرة، وهم ليسوا كذلك، هم أقل من ذلك بكثير، لكن الضعيف أحياناً يعظّم القوي، ويُسبِغ عليه من الصفات ما ليست فيه إطلاقاً، هذا شأن الضعيف دائماً، كم توهمَ الناس أن هؤلاء الأعداء لا يُقهرون، إن قلوبهم الآن ممتلئة رعباً.
سمعت من أخ أنه حتى الآن عادَ إلى أمريكا مليون يهودي! وأن الخوف والفزع ملأ قلوبهم، وأن شدة الرعب لا تُوصَف، بسبب شباب مؤمنين أرادوا أن يضحوا بأنفسهم في سبيل هز كيان الأعداء، أليس كذلك؟ فنحن واهمون مهما تصورنا أعداءنا أقوياء هم أقلّ من ذلك، لكن المؤمن يملأ الله قلبه أمْناً وطمأنينة.
﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُۥٓ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِۦ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَٰزَعْتُمْ فِى ٱلْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّنۢ بَعْدِ مَآ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ(151)﴾
﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُۥٓ﴾ حينما وعدكم بالنصر صدق وعده، فنصركم في بدر، ثمّ نصركم في أول مرحلة في أُحُد.
وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِه
1 ـ معنى : تَحُسُّونَهُمْ
﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُۥٓ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ﴾ معنى تحسونهم تقتلونهم، سلّطكم عليهم، فقوّاكم وأضعفهم، ملأ قلوبهم خوفاً، حسّ: قتل، وجعله بلا إحساس، وجعله جثة هامدة.
﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُۥٓ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ﴾ شيء دقيق جداً: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا فَشِلْتُمْ﴾
2 ـ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ
معصية الرماة الذين نصبهم النبي على جبل أُحدٍ:
ضعفتم، رأيتم أن النصر قد تحقق، وأن أرض المعركة ممتلئة بالغنائم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبقى الرماة في أماكنهم، ولو تخطّف الكفارُ أصحابَ النبي، أمر واضح من عند رسول الله، ابقوا في أماكنكم، حينما ضعفت نفوسهم أمام الغنائم هنا المشكلة، ضعف النفس، وعصوا أمر رسولهم ضعفوا، تأتيك القوة من طاعة الله، ويأتيك الضعف من معصية الله، بالتعبير المألوف: معنويات المطيع عالية جداً، ومعنويات العاصي متدنية، لذلك: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا فَشِلْتُمْ﴾ ضعفتم أمام الغنائم.
﴿وَتَنَٰزَعْتُمْ﴾ بعضهم قال: الغنيمةَ الغنيمَةَ، وبعضهم قال: ألم يأمر رسول الله أن نبقى في أماكننا؟ ﴿فَشِلْتُمْ﴾ أي ضعفتم أمام الغنائم، ﴿وَتَنَٰزَعْتُمْ﴾ أي اختلفتم، بعض أصحاب النبي كان حريصاً على تطبيق أمر النبي، وأمر النبي واضح وضوح الشمس، لو رأيتم الكفار يتخطّفوننا فلا تغادروا أماكنكم، موقع استراتيجي.
النصر يشترط له الإيمان والإعداد:
بالمناسبة أيها الإخوة، المسلمون انهزموا مرتين؛ مرة في أحد؛ لأنهم عصَوا أمر قائدهم عليه الصلاة والسلام، ومرة في حنين لأنهم أشركوا، وقالوا: لن نغلب من قلة، اعتمدوا على عددهم، في أُحُد عصَوا أمراً، وفي حنين وقعوا في الشرك، وهذان درسان بليغان.
أول حقيقة أن النصر بيد الله وحده، وأن هذا النصر له أسباب بأيدينا، قال تعالى:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ(7)﴾
﴿ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦ ۗ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ(126)﴾
بيد الله النصر، الآن سببه: ﴿إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾ التفاصيل:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾
الإيمان شرط لازم غير كافٍ للنصر، الأمر الثاني:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)﴾
والإعداد شرط لازم غير كافٍ، الإيمان الحق الذي يحملنا على طاعة الله، وهو شرط أول، والإعداد إعداد القوة المتاحة، وهو شرط ثانٍ، فإذا تحقق الإيمان الذي يحملنا على طاعة الله، والإعداد الذي يكون سبباً آخر للنصر جاء نصر الله، وزوال الكون أهون على الله من ألّا يحقق وعوده للمؤمنين، هذا هو النصر.
لابد من إرجاع الأمور إلى أسبابها الحقيقية:
أما أن تحلل، وأن تذكر أسباباً للنصر ليست في كتاب الله، ولا في سنة رسوله فهذا نوع من الجهل، إذا كنا مع هؤلاء انتصرنا، وإذا لم نكن معهم انهزمنا، هذا شرك، لذلك الشيء المؤلم إذا وقع فوقوعه ثابت، لكن الاختلاف في تحليل هذا الشيء، إلى أي سبب يُرَدّ؟ بطولة المؤمن أن ترُدّ الشيء إلى سببه الحقيقي، فإذا ردَدْته إلى سببه الحقيقي ألغيتَ السبب، فأُلغِيت النتيجة، شيء واضح تماماً، هذه المشكلة سببها هذا الشيء، عُد إلى كتاب الله، وإلى سنة رسوله، عُد إلى الوحيَين؛ الكتاب والسنة، واستنبط منهما أسباب ما يعاني منه المسلمون اليوم! أزل السبب يأتِ ما يسعدنا.
أمة انحرفت، وتركت منهج الله، أعرضت عن منهج خالقها، فقيّدَ الله لها كابوساً يؤلمها، هذا الكابوس لن يُزاح عنها إلا إذا عادت إلى منهج الله، هذا ملخص الملخص.
﴿حَتَّىٰٓ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَٰزَعْتُمْ فِى ٱلْأَمْرِ وَعَصَيْتُم﴾ ضعفتم أمام الغنيمة، تنازعتم، بعضهم أراد أن يبقى مطيعاً لرسول الله، وبقي نفر من أصحاب النبي، وبعضهم نزلوا إلى ساحة المعركة ليأخذوا الغنائم، وعصيتم أمر نبيكم ﴿مِّنۢ بَعْدِ مَآ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَ﴾ من بعد ما أراكم ملامح النصر، والتفوق، قال: ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلْآخِرَةَ﴾
مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ
أرادوا الدنيا والغنائم فانهزموا:
آية صريحة، بعض أصحاب النبي أرادوا الدنيا، لو أن الله نصرهم على ما هم فيه لاختلّ نظام الدين، البطولة أن تأتي النتائج وفق المقدمات.
﴿إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾ لو أن الله نصرَهم على معصيتهم لسقطت الطاعة، ولا قيمة لها إطلاقاً.
مثل بسيط جداً: مدرس يعطي طلابه وظيفة، يأتي في اليوم التالي يقول: افتحوا الوظائف، نصف الطلاب ما كتبوا الوظيفة، لو أنه تساهل مع الذين لم يكتبوا الوظيفة فلن يكتبها أحد في اليوم التالي، لا بد أن يأخذ موقفاً من الذي لم يكتبها، وإلا سقط أمره، وانتهى هذا النظام، نظام التدريس، والوظائف، والمتابعة، متى ينتهي؟ إذا استوى الذي كتبها والذي لم يكتبها، ولو أن المسلمين في أُحد انتصروا على معصيتهم لرسول الله لسقطت قيمة الأمر إطلاقاً، إذاً لا بد أن يدفعوا ثمن معصيتهم.
ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ
﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ ابتلاهم بهذه الغنائم، بعض مَن كان مع النبي عليه الصلاة والسلام صبر، وصمد، ونجح في الامتحان، وبعضهم ضعفت نفسه، وعصى، لكن لأعمالكم الصالحة السابقة، ولنصرتكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾
﴿ إِذۡ تُصۡعِدُونَ وَلَا تَلۡوُۥنَ عَلَىٰٓ أَحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ فِيٓ أُخۡرَىٰكُمۡ فَأَثَٰبَكُمۡ غَمَّۢا بِغَمٍّ لِّكَيۡلَا تَحۡزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا مَآ أَصَٰبَكُمۡۗ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ (153)﴾
تبتعدون عن ساحة المعركة.
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ
﴿ إِذۡ تُصۡعِدُونَ وَلَا تَلۡوُۥنَ عَلَىٰٓ أَحَدٍ﴾
1 ـ تفرّق المسلمين يوم أحدٍ والنبي يدعوهم للقتال:
من شدة الخوف تفرّق أصحاب النبي، ولم يبقَ معه إلا عدد لا يزيد على عشرة من الصحابة، جيش عرمرم تفرّق، ﴿إِذۡ تُصۡعِدُونَ وَلَا تَلۡوُۥنَ عَلَىٰٓ أَحَدٍ﴾ وكان النبي يخاطبهم: ارجعوا قاتلوا.
﴿وَلَا تَلۡوُۥنَ عَلَىٰٓ أَحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ فِيٓ أُخۡرَىٰكُمۡ﴾ هو يدعو أصحابه أن يصمدوا، وأن يقاتلوا، هم أُلقِي في قلبهم الخوف والرعب.
2 ـ من قصّر في العمل ابتلاه الله بالهمّ:
﴿فَأَثَٰبَكُمۡ غَمَّۢا بِغَمٍّ﴾ مَن قصّر في العمل ابتلاه الله بالهَمّ، الهَمّ مصيبة كبيرة، أصابهم غمّ لأنهم عصَوا ربهم، وهذا أكبر غمّ، أصابهم غمّ أن أصحابهم قُتلوا، وأن بعضهم جُرِحوا، أصابهم غمّ الهزيمة، وأنهم سمعوا أن النبي قُتل!
قال علماء التفسير: هذه الآية لا تعني غمّين، بل تعني غموماً متتابعة، غمّ المعصية، وغمّ الهزيمة، وغمّ قتل الأقارب، وغمّ الجراح، وغمّ نبأ مقتل النبي.
﴿فَأَثَٰبَكُمۡ غَمَّۢا بِغَمٍّ﴾ ولو أردنا أن نستنبط من هذه الآية شيئاً؛ من قصّر في العمل ابتلاه الله بالغم، هذا الحزن والخوف والقلق والانقباض.
﴿فَأَثَٰبَكُمۡ غَمَّۢا بِغَمٍّ لِّكَيۡلَا تَحۡزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ﴾ لو أنهم في وعيهم لتألموا أشد الألم بهذا النصر الذي فاتهم، والنصر شيء ثمين جداً.
﴿ فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)﴾
الإنسان لو لم ينجح في علاقة مع إنسان، لو خسر عمله أحياناً، لو نشأت مشكلة مع زوجته يتألم ﴿فَأَثَٰبَكُمۡ غَمَّۢا بِغَمٍّ لِّكَيۡلَا تَحۡزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا مَآ أَصَٰبَكُمۡۗ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾ قد يكون العمل ظاهره طيب، لكن حقيقته يعلمها الله وحده ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلْآخِرَةَ﴾ مرأى الغنائم أضعَفهم، وحملهم على أن يعصوا أمر النبي عليه الصلاة والسلام ﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ .
﴿ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةً مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٌ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٍۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٌ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ (154)﴾
على الذين نفذوا أمر النبي عليه الصلاة والسلام ﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا﴾
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا
1 ـ بعض الصحابة أخذهم النعاس في أرض معركة أُحد:
المعروف أن الإنسان لا ينام إلا إذا كان في بيته مرتاحاً مطمئناً، أما أن يكون في ساحة معركة، وروحه على كفه، وقتله قائم، وينام فهذا إكرام من الله عز وجل.
فالذين التزموا طاعة الله أكرمهم الله بالأمن قال: ﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا﴾ هذه الأَمَنة التي هي نعاس ﴿يَغۡشَىٰ طَآئِفَةً مِّنكُمۡۖ﴾ من هم؟ الذين نفذوا أمر النبي، معنى ذلك هذا بشارة كبيرة جداً، فإنك إن أطعت الله عز وجل فأنت مستثنى من الخوف العام، قد يقع خوف عام يأكل القلوب، إن كنت مع الله أنت مستثنى من هذا الخوف العام.
﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةً مِّنكُمۡۖ﴾ معنى ذلك الذين عصوا الرسول صلى الله عليه وسلم وهم صحابة كرام، أُلقِي في قلبهم الغمّ، غمّ على غمّ على غم، وقد تجد إنسانًا كل أمور الدنيا مريحة له، ومع ذلك يكاد يخرج من جلده غماً وهماً، فهو متألم، قلِق، مضطرب، خائف من لا شيء، بل من المجهول، خائف من المستقبل، هذا عقاب من الله.
إذا ملأ الله قلب الإنسان خوفاً وغمّاً وحزَناً فهذا عقاب من الله عز وجل، ﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةً مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٌ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ﴾ هؤلاء الذين عصوا أهمّتهم أنفسهم، عصَوا أمر النبي، وحُجِبوا عن الله عز وجل، وخافوا، وامتلأ قلبهم خوفاً وغمّاً، قال: ﴿قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ﴾
2 ـ القسم الثاني من الصحابة أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ:
أحياناً يقول الإنسان في ساعة غفلة عن الله: أعداؤنا أقوى منا، ليس لنا أمل أن ننتصر، ينسى أن الله موجود، وأن الأمر بيد الله وحده، يغلب عليه التشاؤم واليأس، هذا اليأس من معاصينا، أنت حينما ترى عدوك قوياً، ولا سبيل أن تنتصر عليه فهذا نوع من اليأس والضعف .
﴿يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٍ﴾ لو أننا بقينا في المدينة، ولم نخرج ما قُتِلنا ﴿هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٍ﴾ لو أن النبي أخذ برأينا، وأقمنا في المدينة ما قُتِلنا، ولا جُرِحنا، ولا هُزِمنا، ولا خفنا.
﴿قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ﴾ خروجك سمحَ الله به، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادته متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
4 ـ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ
﴿يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ﴾ العبرة ما في نفسك، لا ما تقوله على لسانك، كل إنسان يقول كلامًا مقبولًا عند الناس حفاظاً على مكانته وسمعته، أما حينما يظن بالله ظن السَّوء والجاهلية تظهر حقيقته، وما أكثر المسلمين اليوم الذين يظنون بالله ظن الجاهلية، يقول لك: أين الله؟ لِمَ لا ينصر المسلمين؟ لمَ تخلى عنهم؟ أنت هل رأيت ما يفعل المسلمون أساساً؟
أُجرِيت مقابلة مع مفتي البوسنة منذ خمس سنوات، وصديقي استمع إلى هذه المقابلة، شيء لا يُصدَّق قال: إخواننا في المشرق لا ينبغي أن يعتبوا على الله من أجلنا، نحن لسنا مسلمين، نحن نأكل الربا، ونشرب الخمر، ونأكل لحم الخنزير، لكن بعد هذه المِحنة الشديدة أصبحنا مسلمين، فحينما تأتي مصيبة متعبة جداً للمسلمين فهذا يعني أن هناك معالجة إلهية ﴿قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٌ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ﴾ .
5 ـ لابد من حسن الظن بالله:
ينبغي أن تُحسِن الظن بالله، ينبغي أن تكون معنوياتك عالية جداً، ينبغي أن تنطبق عليك الآية الكريمة:
﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ (146)﴾
الملف مدقق