- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠71ساعة صيام - قناة الجزيرة
مقدمة :
المذيع :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشاهدينا يسعدني أن ألتقي بكم في نافذة جديدة من ساعة صيام، واليوم الخامس عشر من شهر رمضان الفضيل، في شهر القرآن كيف نصل إلى الله من كتابه الكريم؟ وكيف يثمر هدى ونوراً؟ قال تعالى:
﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾
يواصل فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، الداعية الإسلامي وعضو المجلس الإسلامي السوري حديثه معنا حول التعرف إلى الله عبر كتابه الكريم، وفي شهر رمضان الفضيل شهر القرآن يقبل المسلمون على كتاب الله عز وجل، ويتسابقون في ختم تلاوته مرات عديدة، فكيف يقودنا القرآن الكريم للتعرف إلى عظمة الخالق جلّ وعلا؟ وكيف يكون القرآن الكريم منهجاً وهدى للناس في المجتمع ككل وبخاصة داخل الأسرة وبين الزوجين وبين الآباء والأبناء؟ نجدد الترحيب فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، نرحب بك دكتور.
الدكتور راتب :
بارك الله بكم.
المذيع :
دكتور نبدأ ونحن في شهر رمضان نكثر من قراءة القرآن كيف نصل إلى الله ونعرف الله من خلال القرآن الكريم؟
حرص الإنسان على سلامته و سعادته و استمرار وجوده :
الدكتور راتب :
إذا أردت أن أبدأ بمقدمة؛ أقول: الإنسان أعقد آلة في الكون، هذا التعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولهذه الآلة البالغة التعقيد صانع عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، منطق الحياة المعاصرة، فانطلاقاً من حرصنا اللا متناهي على سلامتنا وعلى سعادتنا ينبغي أن نتبع تعليمات الصانع، الجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة الخبيرة، قال تعالى:
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
الإنسان مادام حريصاً على سلامته، في الأرض سبعة مليارات ومئتا مليون، ما منهم واحد على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، إلا وهو حريص على سلامته وسعادته واستمراره، فسلامته باتباع تعليمات الصانع، لأن الجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة التي تملك ما ينفعك وما يضرك، أي إنسان بالأرض حريص على سلامته بتعبير أدق على سلامة وجوده.
المذيع :
دكتور كأنك تريد أن تقول: معرفة الله ليس فقط بوازع إيماني بل بوازع مادي.
الدكتور راتب :
مصلحة، القاسم المشترك بين أهل الأرض على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، السلامة، من يحب المرض؟ من يحب الفقر؟ من يحب القهر؟ من منا لا يتمنى أن يكون بيته واسعاً، وزوجته تروق له، وأولاده أبراراً، نحن جميعاً عندنا دوافع عميقة جداً، فالإنسان حريص على سلامته وسعادته، وهناك دافع ثالث لعله أخطر هذه الدوافع هو استمرار وجوده، كل إنسان يحب أن يعيش أطول عمر، أما الحقيقة الدقيقة فاستمرار وجوده بأولاده، فإذا ربى أولاده تربية عالية إيمانية راقية كان ابنه امتداداً له، التحقيق الأساسي لسلامتك وسعادتك واستمرارك باتباع تعليمات الصانع.
انطلاقاً من حرصنا على سلامتنا، يجب أن أقول لكم شيئاً دقيقاً، أنت تمشي بأرض فلاة، وجدت لوحة كتب عليها: حقل ألغام، هل تشعر لثانية واحدة أن هذه اللوحة وضعت حداً لحريتك أم ضماناً لسلامتك؟ في اللحظة التي تفهم فيها أوامر الدين والنواهي هي ضمان لسلامتك من قبل الصانع الخبير، تقوم وتسعى لتطبيقها بأعلى دافع وهو أن تضمن سلامتك وسعادتك، ورضا الله عز وجل.
الأب هل يرضيه أن يمرض أولاده؟ فإذا كان الإنسان مؤمناً، وحقق سلامته وسعادته في الدنيا هذا يرضي الله عز وجل لأنه يحبنا، ولأنه يرحمنا.
المذيع :
دكتور يجب أن نعرف الله لنعرف كيف يريدنا أن نفعل؟
أصل الدين معرفة الله :
الدكتور راتب :
لذلك أقول: إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر، وكأني وضعت يدي على مشكلة المسلمين الأولى، الأمر بين أيدينا، درسناه في المدارس؛ الصلاة والصيام والحج والزكاة والصدق والأمانة، بين أيدينا والكتب كلها، لماذا نضعف في تطبيقه؟ لأننا ما عرفناه، ما عرفنا الآمر.
في الدنيا لو جاءتك ورقة من دائرة البريد: احضر حالاً، لا تهتز فيك شعرة وقد لا تذهب إطلاقاً، لكن إن لم تذهب لا يحدث لك شيء، وهناك جهة أخرى لو لم تلبِّ طلبها قد تخسر حريتك فلا تتوانى لحظة عن الذهاب، الأمر قيمته من الآمر، فإذا عرفت من هو الآمر تفانيت في طاعته.
المذيع :
دكتور كيف نعرف الآمر من خلال القرآن الكريم؟
كيفية معرفة الله من خلال القرآن الكريم :
الدكتور راتب :
أولاً: من رحمة الله بنا أن هذا الكون آياته الكونية، آيات الله الكونية خلقه، ما من شيء في الكون إلا ويدلك عليه، نظر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
(( هِلالٌ خَيْرٍ وَرُشْدٍ ))
يستفاد من هذا النص أن أي شيء خلق وهو بين يديك له وظيفتان؛ وظيفة تعريفية بالله، ووظيفة نفعية، قد تنتفع بالشيء لكن لا بد من أن تنتفع بوظيفته الإرشادية، أن تعرف الله من خلاله، لذلك قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
مثل سريع، الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، بين الشمس والأرض مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، هناك نجم صغير في برج العقرب اسمه قلب العقرب، يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، هذا الإله العظيم يعصى؟ يجب أن نعرف من هو الله، من خلال الآية:
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
الآيات الكونية والتكوينية والقرآنية هي القنوات الثلاث السالكة بنا لمعرفة الله، الآيات الكونية خلقه، التكوينية أفعاله، القرآنية كلامه، هذه القنوات التي نسلك بها لمعرفة الله.
المذيع :
دكتور ما الفرق بيت الخلق و بين أفعاله؟
الدكتور راتب :
الحروب، الزلازل، النكبات، الاجتياحات، شح الأمطار، هذه أفعاله غير الخلق، الجبل خلقه، الإنسان خلقه، النبات خلقه، الزلازل أفعاله.
المذيع :
يكثر كما ذكرنا قراءة القرآن في الشهر الفضيل كيفية القراءة حتى نفهم الآمر.
الفرق بين كلام الله و كلام البشر في الطبيعة لا في الدرجة :
الدكتور راتب :
الكونية خلقه، والتكوينية أفعاله، والقرآنية كلامه، القرآن بكامله أحد أكبر الآيات، لكن هذه الآية نصية قولية، فالكون خلقه، والحوادث أفعاله، والقرآن كلامه، هذا القرآن نزل من عند الله، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، كم هي المسافة بين الخالق العظيم وبين المخلوق الضعيف؟ نفس المسافة بين كلام الله المعجز وبين كلام البشر، فالفرق لا في الدرجة بل في الطبيعة، كلام الخالق، قال تعالى:
﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ﴾
أنت مع القرآن، القرآن كون ناطق، والكون قرآن صامت، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي.
هناك كون ناطق هو القرآن، و قرآن صامت هو الكون، و قرآن يمشي هو رسول الله.
المذيع :
يقول تعالى في القرآن الكريم:
﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾
يسرنا القرآن يفترض أن نفهمه بسهولة، ولكن كثيراً منا ربما خلاف العصر وضياع اللغة فيما بيننا لم يفهم القرآن ولم يستطع أن يتدبر القرآن.
آيات القرآن الكريم سهلة لا تحتاج إلى مفسر إلا ما ندر :
الدكتور راتب :
أنا أؤكد لك أن تسعين بالمئة بل خمسة وتسعين بالمئة من القرآن يفهمه الإنسان بديهة ومباشرة ومن دون مفسر، قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
هل تحتاج إلى تفسير؟ يحب الصادقين، يوجد اثنتا عشرة آية، ويوجد لا يحب الكافرين، الآيات واضحة، خمسة بالمئة من الآيات تحتاج إلى مفسر، قال تعالى:
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
جعل دوراً للعالم آيات قليلة تحتاج إلى مفسر، أما البقية فلا تحتاج.
المذيع :
كثرة التفاسير ..
تنوع التفاسير تنوع غنى لا تنوع تضاد وتناقض :
الدكتور راتب :
كثرة تنوع وغنى، عندنا كثرة تنوع وغنى لا كثرة تناقض وتضاد، هناك فرق كبير جداً أحياناً يكون هناك تفاسير عديدة، هذا التفسير لغوي من زاوية اللغة، هذا تفسير فقهي القرطبي، هذا تفسير أدبي سيد قطب، كل تفسير له طعم وله نكهة وله خاصية، لأن كلام الله واسع جداً ممكن أن تتناول هذا الكلام من مليون زاوية، تنوع التفاسير تنوع غنى لا تنوع تضاد وتناقض.
المذيع :
كما ذكرت شيخنا الجليل: الحلال بين والحرام بين، الأوامر والنواهي معروفة كما ذكرت، الأفضل أن نعرف من هو الآمر، ونحن نقرأ القرآن ماذا نفعل حتى نصل إلى الله؟ كيف يصف الله نفسه في القرآن الكريم؟
يسر القرآن الكريم وسهولة فهمه :
الدكتور راتب :
الآن يوجد كومبيوتر في كل بيت، وقرآن كريم، فلو بحثت في الكومبيوتر يا أيها الذين آمنوا، يظهر لك مئتان وثلاثون آية، الله يخاطب المؤمن، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾
لو أن إنساناً أخذ آيات: يا أيها الذين آمنوا، قرأها وطبقها يكون قد نجح نجاحاً كبيراً جداً، إن الله يحب عبارة عن اثنتي عشرة آية، إن الله لا يحب عبارة عن اثنتي عشرة آية، هناك طريقة لفهم القرآن يسمونها طريقة موضوعية، وهناك طريقة تسلسلية، لكن القرآن الكريم واضح عربي مبين.
المذيع :
هذا في إطار يسر القرآن الكريم وسهولة فهمه.
الدكتور راتب :
قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾
المذيع :
كيف نبحث عن الله في القرآن ونحن نقرأ القرآن؟
التفكر أقصر طريق إلى معرفة الله :
الدكتور راتب :
عندنا آيات في القرآن الكريم فيها أوامر، هذه آيات تقتضي أن نأتمر، آيات فيها نواه يقتضي أن نتهي، كل أمر في القرآن الكريم إطلاقاً يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، قال تعالى:
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
هذه لام الأمر، أمر تهديد ليس أمر تطبيق، كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، وكل نهي يقتضي الترك، هذه واحدة.
الآن قصص الأنبياء موعظة، ولكن إذا فوجئت أن في القرآن ألفاً وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون، قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾
﴿ وَالْفَجْرِ * ولَيَالٍ عَشْرٍ ﴾
﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ﴾
عندك ألف وثلاثمئة آية في القرآن تتحدث عن الكون، ما مهمتك حيال هذه الآيات؟ الأمر يقتضي أن تأتمر، النهي يقتضي أن تنتهي، القصة أن تتعظ، ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون والإنسان ما موقفك منها؟ الموقف هنا في قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
إذاً التفكر هو العبادة الأولى، هذه العبادة تضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله، هذه العبادة هي أقصر طريق إلى معرفة الله، وأوسع باب ندخل منه على الله.
المذيع :
دكتور في هذه النقطة وكأنك تتحدث عن مسألة التعقل، التدبر، التفكر، نقف أمام الآيات ونحاول أن نفهم ونطور الصور الموجودة في الآيات في الواقع ونتفكر بها هل هذا ما فهمت؟ هذا هو طريق الوصول على الله؟
آيات القرآن الكريم طريق الوصول إلى الله عز وجل :
الدكتور راتب :
نعم، بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب عدا الشمس أربع سنوات ضوئية، ماذا يعني أربع سنوات ضوئية؟ الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلومتر، في الدقيقة ضرب ستين، بالساعة ضرب ستين، باليوم ضرب أربع وعشرين، بالسنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، أربع سنوات ضرب أربع، هذا الرقم تحسبه بدقيقة بآلة حاسبة، لو أردنا أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب الذي هو أربع سنوات ضوئية كم نحتاج بسيارة أرضية؟
المذيع :
نحتاج إلى عمرين.
الدكتور راتب :
لاحتجنا إلى خمسين مليون عام.
المذيع :
ذكرت هذه المسافة ما بين الأرض وأقرب نجم ملتهب ما المغزى من الحكاية؟
الدكتور راتب :
متى نصل إلى نجم القطب؟ نجم القطب يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية، كنا بأربعة الآن أربعة آلاف، متى نصل إلى مجرة المرأة المسلسلة التي تبعد عنا مليوني سنة ضوئية؟ متى نصل إلى أحدث مجرة اكتشفت حديثاً تبعد عنا أربعة وعشرين ألف مليون سنة ضوئية؟ رقم مأخوذ من موسوعة لايف الأمريكية؟ اسمع الآية:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
هذا الإله العظيم ألا يخطب وده؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره. ألا ينبغي أن نعبده؟ ألا ينبغي أن نحبه؟ ألا ينبغي أن نطيعه؟
الفتنة تظهر الإنسان على حقيقته :
إذا عرفت الآمر تفانيت في طاعته، إن لم تعرف الآمر كحال المسلمين اليوم الأمر بين أيديهم، ما وقفوا وقفات متأنية عند الآية، النبي صلى الله عليه وسلم بقي مع أصحابه عشر سنوات يعرفهم بالآمر، جاء التشريع في المدينة، هناك مرحلة مكية بحياة الإسلام، بالدعوة الإسلامية هذه أخطر مرحلة، إنك إن عرفت الله تفانيت في طاعته، أما إن عرفت أمره ولم تعرفه تفننت في معصيته، أي مصيبة هي فتنة، إذا إنسان أصيب بمرض يفتن بهذا المرض، إما أن يصبر وينجح، أو أن يرفض الصبر ينحرف عن الله عز وجل، قال تعالى:
﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
الفتنة لا تعني سلباً قد تكون إيجاباً، هناك إنسان مؤمن يمتحن فينجح، فتن فنجح، الفتنة معناه شمولي - سلباً وإيجاباً- فأنت لا بد من أن تفتن، قال تعالى:
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾
﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
ليفتنكم، الفتنة أن تظهر على حقيقتك.
المذيع :
دكتور أهلاً بكم من جديد ولا يزال الحوار مقدم مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي، أهلاً بك من جديد، أريد التعليق على ما جاء من رسائل الجمهور، السؤال المحير دائماً: نعدد ختم القرآن الكريم في شهر رمضان أم يمكن أن نختم القرآن مرة واحدة بتدبر، أيهما أفضل؟
القراءة الأساسية للقرآن هي قراءة التدبر :
الدكتور راتب :
أنا أرى أن تقرأ ختمة قراءة تعبدية، وأن تقرأ ختمة قراءة تدبرية، التدبر قد تقرأ في اليوم آيتين، ثلاث، الكم لا يهم إطلاقاً، يهم العمق، عندك ختمة تعبد، تلحق بالتعبد، اختم القرآن في رمضان قراءة تعبدية، أما هذا القرآن فكتاب العمر، إذا كل يوم قرأت صفحة أو صفحتين وقفت عند آية أو آيتين وعمقت الفهم، وانقلبت هذه الآيات إلى منهج لك، هذا الانتفاع بالقرآن الكريم، هذه تعليمات الصانع، هذه شيء خطير جداً، لذلك أنا أتمنى بالإضافة إلى قراءة التعبد ولك أجر عليها أن يكون لك قراءة أساسية هي التدبر، قال تعالى:
﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾
ما معنى هذه الآية؟ قال العلماء: حقّ تلاوته أن تتلوه وفق قواعد اللغة العربية. لذلك قيل عن سيدنا عمر: " تعلموا العربية فإنها من الدين".
المذيع :
من أجل الجمهور يحب أن يأخذ الخلاصة نختم كم مرة في رمضان؟
الدكتور راتب :
اختم مرة واحدة تعبداً واقرأ ما تيسر لك تدبراً.
المذيع :
أحمد من الجزائر كان يتحدث عن ربط القرآن الكريم بالنظريات العلمية فماذا إذا أخطأت النظريات العلمية؟ هل هذا صحيح الاجتهاد في ربط القرآن بالنظريات؟
التوافق بين آيات القرآن العلمية وبين التطور العلمي أكبر دليل على أن الله أنزل القرآن :
الدكتور راتب :
إلى حد ما، لكن هناك آيات إعجاز، ما معنى إعجاز؟ مقولة علمية اكتشفت حديثاً تتوافق مع آية قرآنية نزلت قبل ألف وأربعمئة عام كيف؟ عندما صعد رائد الفضاء إلى القمر، في منتصف الرحلة صاح رائد الفضاء: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً؟ ما الذي حصل بعد ساعة أو ساعتين؟ الذي حصل أنهم تجاوزوا طبقة الهواء التي تبلغ ستة وخمسين ألف كيلو متر، فلما تجاوزوا طبقة الهواء انعدم الهواء، انعدم تناثر الضوء، صار هناك ظلام دامس، هذه الحقيقة كشفناها مع أبولو ثمانية أول رحلة للقمر، موجودة على النت ومشهورة، وأينما كانت موجودة، تفتح القرآن الكريم الذي نزل قبل ألف وأربعمئة عام يقول الله عز وجل:
﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾
تطابق الآية التي نزلت قبل ألف وأربعمئة عام مع حدث علمي قبل عشرين عاماً يؤكد قطعاً أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن، فالتوافق بين آيات القرآن العلمية وبين التطور العلمي أكبر دليل قطعي على أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.
بعد اكتشاف أشعة الليزر التي يقاس بها المسافات بدقة بالغة، قيست المسافة مع القمر، بعد اكتشاف هذه الأشعة قيس أعمق مكان على سطح الأرض فكان غور فلسطين، البحر الميت، أعمق مكان في الأرض كلها في اليابسة طبعاً، والتاريخ يؤكد أن المعركة التي تمت بين الفرس والروم في غور فلسطين، والآية تقول:
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ﴾
المذيع :
ما شاء الله، أحمد من موريتانيا، علاقة اللغة العربية بالقرآن؟
علاقة اللغة العربية بالقرآن :
الدكتور راتب :
قال تعالى:
﴿ لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾
القرآن الكريم باللغة العربية، معرفة أحكام هذه اللغة جزء من الدين، يقول سيدنا عمر: " تعلموا العربية فإنها من الدين :. حركة تغير المعنى، بَر اليابسة، بُر القمح، بِر الإحسان، خَلق، خُلق، خِلق.
المذيع :
أي يجب علينا تعلّم العربية؟
الدكتور راتب :
تعلموا العربية فإنها من الدين. هذه لغة القرآن الكريم، الإله اختارها لكتابه.
المذيع :
الإله كيف وصف نفسه بالقرآن؟ يمر علينا ونحن نتلو القرآن الكثير من أسماء الله الحسنى والكثير من صفات الله كيف نتدبر هذه الأسماء وهذه الصفات ونحن نقرأ القرآن الكريم؟
تدبر أسماء الله يكون بفهم القرآن فهماً عميقاً :
الدكتور راتب :
الله بسم الله الرحمن الرحيم، رحمن في ذاته، رحيم في خلقه، هو عدل، هو غني، هو قوي، الأسماء الحسنى كلها بالقرآن، وأساساً أنت عندما تدخل بيتاً بمناسبة عيد مثلاً تجد شخصاً، تأخذ فكرة عنه من ثيابه فقط، إذا تكلم نسيت ثيابه، فإن عاملك نسيت كلامه، أنت عندما تفهم القرآن فهماً عميقاً ترى أن هذا شيء كبير جداً، كلام خالق الأكوان، الكلام المعجز، الكلام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، كل كلمة تعني شيئاً، قال تعالى:
﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ﴾
كأن الله يقول: يا عبادي بيني وبينكم كلمتان؛ منكم الصدق، تتفاوتون عندي بصدقكم ومني العدل.
المذيع :
قراءة القرآن وتدبر معانيه كيف يجب أن تنعكس في حياتنا؟ في أخلاقياتنا؟ في التعامل مع من حولنا في المجتمع؟
كيفية انعكاس قراءة القرآن وتدبر معانيه على حياتنا و تعاملنا :
الدكتور راتب :
الأمر له مضمون، وما لم يطبق هذا المضمون لا قيمة للأمر إطلاقاً، هذا القرآن لا ننتفع به إلا إذا طبقناه، مثلاً إنسان زار طبيباً، أعطاه وصفة، هذه الوصفة التفت إلى خطها، الدكتور خطه جميل جداً في اللغة الإنكليزية، مثلاً انتبه للخط ثم رأى أن الحبر لونه جيد جداً، انتبه للورق، انتبه لتوقيعه، لكن الوصفة لم يشترها و لم يستعملها، كل هذه الأشياء لا قيمة لها إطلاقاً، هذا القرآن الكريم ما لم نطبقه لا نقطف ثماره، من دون تطبيق صار فولكلوراً، يقول لك: هذا رسم عثماني، وهنا قراءة معينة، علوم كثيرة جداً في القرآن الكريم لا تنتهي، مثلاً لو إنسان قرأ بلاغاً بمنع التجول تحت طائلة إطلاق الرصاص، مثل من عندي، وقف عند البلاغ لفت نظره أن الورق نوعه غال جداً، وشاهد التوقيع بلون جميل جداً من الوزير، والخط جميل، ولكنه بقي واقفاً جاءته رصاصة أردته قتيلاً، أول شيء انظر إلى المضمون واركض إلى البيت.
المذيع :
كانت هذه عينة من الآراء في الشارع المصري، ما رأيك فضيلة الشيخ؟
الدكتور راتب :
و الله القرآن الكريم كلام الله، من أي زاوية تناولته تنتفع به، تقرؤه قراءة تعبدية، تقرؤه قراءة تدبرية، تقرأ كل يوم صفحة، خمس صفحات، كل يوم جزء، هذا كلام الله عز وجل من أي زاوية أتيته تسعد به.
المذيع :
دكتور هناك أناس تتسابق في تحصيل الثواب والحسنات، يلزمون بختم القرآن أكثر من مرة والعديد من السور في شهر رمضان؟
تدبر القرآن الكريم أساس لقطف ثماره :
الدكتور راتب :
هذا أنا لا أعارضه ولكن لا يغني عن تدبر القرآن الكريم، هناك تعليمات للطبيب إذا قرأت الوصفة قراءة رائعة، وبصوت عال مرة، وبصوت منخفض مرة، و تعمل نغماً في القراءة، هذه الوصفة فيها دواء ما لم تتناول الدواء لا تنتفع منها مهما فعلت، هذا الملخص، هذا الكلام للتطبيق، تطبقه تقطف ثماره، لا تطبقه صار فولكلوراً، تراثاً إسلامياً، عادات، تقاليد، مع أنه كلام الله.
المذيع :
أهم شيء يجب أن ينعكس القرآن على المسلم القارئ في حياته.
انعكاس القرآن على حياة القارئ له :
الدكتور راتب :
سلوكه، كلمة دقيقة جداً لو فرضنا إنساناً قال: الدين ليس له أصل، الدين شعور بالضعف للإنسان، الدين أفيون الشعوب كما قال الملحدون، هذه المقولات مرفوضة كلياً، لكن هذا الدين أنت عندما تتناوله تطبقه الآن قطفت ثماره، أنأ أقول كلمة :
(( ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ))
عندما تخالفه أنت فعلت عملاً كبيراً جداً، هذه تعليمات الصانع، تعليمات الخبير، العليم، الرحيم، تعليمات لصالحك وسلامتك وسعادتك، لمستقبلك، لآخرتك، كل كلمة في القرآن تتعلق بك أيها الإنسان هذا كتاب الصانع ليست قضية ثانوية نقرأ أو لا نقرأ، هذا هواء نستنشقه، أحياناً إنسان يضع وردة على صدره، وقد لا يضعها، تزين له صدره، أما القرآن الكريم فهو هواء نستنشقه، تعليمات الصانع، كيف تعامل زوجتك، كيف تختار زوجتك أصلاً، كيف تربي أولادك، كيف تعامل جيرانك، كيف تعامل رجل الدين، كيف تطبق منهج الله عز وجل، كيف تغض بصرك، كيف تضبط لسانك، تضبط سمعك، تعليمات الصانع لأنك أنت أعقد آلة في الكون، ولهذه الآلة صانع عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، انطلاقاً من حرصك على سلامتك.
المذيع :
لدينا الكثير من الأسئلة وصلت على مواقع التواصل الاجتماعي وصفحتنا على الفيس بوك والتويتر، ومنها أيضاً الدكتورة ناديا الهواري تسأل: الصيام في الأيام القمرية منتصف الشهر مفيد صحياً بخلاف الأيام الأخرى ما صحة ذلك؟
الصيام عبادة لله عز وجل أولاً و أخيراً :
الدكتور راتب :
نحن في الصيام الصيام عبادة، الأصل أنه عبادة، إذا اكتشفنا فوائد صحية لا يوجد مانع لكن هناك من يقبل على الصيام بدافع الصحة، هذا خطأ كبير، العبادة ليس لها علاقة بالصحة مبدئياً، أما كل أمر إلهي له جوانب صحية فهذا موضوع ثان، أما عندما أروج للصيام من الناحية الصحية، فهذا غلط، الصيام عبادة لله عز وجل أدِّها وكفى.
خاتمة و توديع :
المذيع :
لا تبحث عن الأمور ... هذه الحلقة من ساعة صيام نشكر ضيفنا في الاستديو فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، الداعية الإسلامي، كما نشكركم مشاهدينا على طيب المتابعة، ونرجو لكم صوماً مقبولاً، والسلام عليكم.