- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى :
الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر .
وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم ، رسول الله سيِّد الخلق والبشر ، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر .
اللهمَّ صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريَّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين .
تمهيد :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ فيما يناجي سيدنا داود ربّه قال :
(( إلهي ما حقُّ عبادك عليك إذا هم زاروك ؟ فإن لكل زائرٍ على المزور حقا ))
قال :
(( يا داود فإن لهم عليَّ أن أعافيَهم في دنياهم ، وأن أغفر لهم إذا لقيتهم ))
ويا أيها الإخوة المؤمنون ؛ ورد في بعض الأثر ، أن النبي عليه الصلاة والسـلام يقول :
(( أما خروجك من بيتك ـ أيها الحاج ـ تؤم البيت الحرام ، فإن لكل بكل وطأةٍ تطأها راحتك يكتب الله لك بها حسنة ، ويمحو عنك بها سيئة .
وأما وقوفك بعرفة فإن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول : هؤلاء عبادي جاؤوني شُعْثاً غبراً من كل فجٍ عميق ، يرجون رحمتي ويخافون عذابي ، ولم يرونِ فكيف لو رأوني ؟! .
فلو كان عليك مثل رمل عالجٍ ، ومثل أيام الدنيا ، ومثل قَطْر السماء ذنوباً غسلها الله عنك .
وأما رميك الجمار فلك بكل حصاةٍ رميتها تكفيرة كبيرة .
وأما نحرك فمدَّخرٌ لك عند ربك .
وأما حلقك رأسك فإنه مدخورٌ لك بكل شعرٍ تسقط حسنة ، فإذا طُفْت البيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك))
الإسلام : عبادات ومعاملات وحدود .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ في الإسلام عبادات ، ومعاملات ، وحدود .
فالعبادات : تحدد علاقة الإنسان بربِّه .
والمعاملات : تحدد علاقة الإنسان بأخيه الإنسان .
والحدود : تضمن سلامة المجتمع مِن أن يعتدى على الدين ، وعلى العقل ، وعلى المال ، وعلى النفس ، وعلى العِرض .
العبادات :
العبادات أيها الإخوة جوهرها الاتصال بالله عزَّ وجل ، لأن النفس إذا اتصلت بربها تطهَّرت مِن كل خُبْثٍ ، مِن كل شهوةٍ ، مِن كل دناءةٍ ، مِن كل انحرافٍ ، مِن كل صفةٍ مذمومة ، مِن كل هبوطٍ ، مِن كل أنانيةٍ .جوهر العبادات الاتصال بالله عزَّ وجل ، لذلك كانت الصلاة عبادةً يومية ، يؤديها الإنسان في كل يومٍ خمس مرات ، وهناك عبادةٌ سنوية يؤديها المؤمن في العام مرة وهي الصيام ، وأما الحج فهو عبادة العمر تؤدَّى في العمر كله مرةً واحدة ، على سبيل الفرض .
المعاني الدقيقة للحج :
يا أيها الإخوة المؤمنون ؛ للحج معانٍ كبيرة ، وحِكَمٌ عظيمة . مِن معاني الحج :
أنك إذا ذهبت إلى الديار المقدَّسة خلعت عنك كل الأقنعة المُزَيَّفَة .
الإنسان في بلده قد يكون ذا بحبوحةٍ ، فتوافر المال بين يديه قناعٌ مزيفٌ يُنسيه مصيره في الآخرة .
قد يكون ذا شأنٍ وجاهٍ ، شأنه وجاهه في الدنيا قناعٌ مزيَّف ، يحجُبه عن مصيره في الآخرة .
قد يكون ذا عزوةٍ وذا مكانةٍ .
إنه إذا سافر حاجاً ومعتمراً إلى البلاد المقدسة ، فإن الناس هناك سواسيةٌ كأسنان المشط ، لا فرق بين غنيّهم وفقيرهم ، ولا بين قويِّهم وضعيفهم ، ولا بين صحيحهم ومريضهم ، كلهم على صعيدٍ واحد ، كلهم يرتدي ثياباً موحَّدة ، غير مخيطة ، ليعرف الإنسان مصيره ، لابدَّ مِن أن يخلع عنه الثياب الأنيقة ، لابدَّ من أن ينْخلع مِن مكانته الاجتماعية ، لابدَّ من تذهب عنه أمواله الطائلة ، يذهب إلى هناك ليعود إلى حجمه الحقيقي ، ليعود فرداً ، الله سبحانه وتعالى جعل تلك البلاد ـ التي نَحُجُّ إليها ـ كما وصفها :
﴿ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ﴾
لو أن هذه البلاد كانت بلاداً جميلة ؛ حيث الجبال الخُضْر ، والمياه العَذْبة ، والسواحل الجميلة لذهب الناس إليها سائحين ، ولاختلط السائح بالحاج ، ولكن هذه البلاد التي فرض الله علينا الحج إليها ؛ بلادٌ حارَّة ، قاحلة ، لا نبات فيها ، يذهب الحاج إليها ولا يبتغِ إلا وجه الله سبحانه وتعالى ، لا يبتغِ إلا ابتغاء رضوانه .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ كأن الإنسان إذا حجَّ البيت عرف حجمه الحقيقي ، أقنعةٌ كثير ، كثيرةٌ كثيرة ، تحجب عنه الحقائق وهو في بلده ؛ المال قناع ، وهو حجاب ، والمكانة الاجتماعية حجاب ، والزوجة والأهل حجاب ، وتوافر حاجاته حجاب ، وبيته المريح حجاب يحجبه عن مصيره ، لكنك إذا ذهبت البيت الحرام ، ورأيت نفسك واحداً مِن الناس ؛ لا فضل لك عليهم ، لا في ملبسٍ ، ولا في مأوى ، ولا في شيءٍ مِن هذا القبيل ، عندئذٍ تعرف كيف أن الله سبحانه وتعالى سيجمع عباده يوم الحَشْر ، ويقفوا على صعيدٍ واحد ، ليحاسبهم عن أعمالهم كلها، صغيرها وكبيرها ، جليلها وحقيرها .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ هذا معنىً مِن معاني الحج ؛ أن يعرف الإنسان حقيقته ، أن يعرف الإنسان ضعفه ، أن يعرف الإنسان مصيره ، أن تزول عنه هذه الحُجُب التي تحجب عنه الحقائق ، هذا معنىً مِن معاني الحج .
والمعنى الآخر : أن الله سبحانه وتعالى في كل مكان ، ومع كل إنسان ، ولكنه نَسَبَ الكعبة إلى ذاته فقال :
(( هذه بيتي ، فمن أرادني فليزرني في بيتي ))
إنك إذا تجشمت مشاق السفر ، ودفعت النفقات الباهظة ، مِن أجل أن تزور الله في بيته ، الحُجَّاج والعُمَّار كما قال عليه الصلاة والسلام :
(( وفد الله .. ضيوف الرحمن .. زوار بيته الحرام ))
إنك إذا توجَّهت إلى الكعبة المشرفة لتحج البيت فكأنما ذهبت إلى الله عزَّ وجل ..
﴿ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
كما قال سيدنا إبراهيم ..
﴿ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
سياحةٌ روحيَّة ..
﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾
إنك إذا ذهبت إليه ، وقطعت كل العلائق التي تحول بينك وبينه ، إنك إذا ذهبت إليه ، وتركت الزوجة والولد ، إنك إذا ذهبت إليه ، وتركت البيت المريح لتنام تحت خيمةٍ قد لا تستريح بها ، إنك إذا ذهبت إليه ، مُنِعْتَ مِن أن ترتدي الثياب المخيطة ، وأن تستخدم بعض المباحات التي أبيحت لك في بلدك ؛ منعت من قص أظافرك ، منعت من حلق شعرك ، منعت مِن التطيُّب لتعرف خشونة الحياة ، ومُنْقَلب الإنسان إلى الدار الآخرة .
معنىً آخر من معاني الحج : أنك ذاهبٌ إلى الله عزَّ وجل .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ ربما طَغَت المشكلات ، ربما طغت المشاغل ، وتمكَّن الحِرْص ، وتوجَّهت النفس إلى الدنيا ؛ تبحث فيها عن راحتها ، وتستكمل منها زينتها ، وزخرفها ، فترى هذا العبد الذي شُغِلَ بالدنيا ؛ فكانت أكبر همه ، ومبلغ علمه ، يحافظ على الصلاة شكلاً لا مضموناً ، يحافظ على أدائها وينسى حقيقتها ، يحافظ على ركوعها وسجودها وقلبه ساهٍ ولاهٍ ، يحافظ على سُنَنِها ويجهل حكمتها ، إلى أن تصبح الصلاة نوعاً من العادة يؤدّيها كل يوم ولا يفقه حكمتها ، عندئذٍ يأتي الحج لينزعه مِن بين أهله ، يأتي الحجُّ لينزعه مِن أهله وولده ، وعمله وتجاره ، مِن قصره ومِن أصدقائه ، وأحبابه ، مِن حفلاته وأسماره ، من مظهره الأنيق ، يأتي الحج ليضعه في حجمه الحقيقي ، كأن الله سبحانه وتعالى يقول : يا عبدي خَلِّ الدنيا وتعالَ إليَّ ، خلِّ همومك وتعالَ إلي . لذلك يقول العبد : لبيك اللهمَّ لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والمُلك لك لا شريك لك .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ تعالَ يا عبدي لأريحك مِن همومٍ كالجبال تجثُم على صدرك ، تعالَ لأطهرِّك مِن شهواتٍ تنغِّص حياتك ، تعالَ وذُق طعم محبتي ، تعالَ وذق حلاوة مناجاتي ، يقول العبد : لبيك اللهمَّ لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والمُلك لا شريك لك .
تعال لأريك مِن آياتي الباهرات ، تعال لأريك ملكوت الأرض والسماوات ، تعال لأعمِّر قلبك بنوري الذي أشرقت له الظُلمات ، لأملأ نفسك غنىً ورضىً ، تعال لأخرجك مِن ظلمات الشهوات إلى أنوار الطاعات ، تعال لأنقلك مِن دنياك المحدودة وعملك الرتيب إلى آفاق معرفتي . فيقول الحاج : لبيك اللهمَّ لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والمُلك لا شريك لك .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ كما قلت لكم : حكمة الحج كامنةٌ في أنه ذهابٌ إلى الله عزَّ وجل ، فإذا ذهبت إليه فحقٌ عليه أن يكرمك .
(( من توضأ في بيته فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد فهو زائر الله وحق على المزور أن يكرم الزائر ))
كيف لو زرته في بيته الحرام ؛ حيث المسافات بعيدة ، والنفقات كثيرة ، والمشاقُّ عظيمة ؟ إذا زرته هناك فحقٌ عليه أن يكرمك ، وأن يطهرك ، وأن يغفر لك ، وأن تعود مِن ذنوبك كيوم ولدتك أمك .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ الحج عبادة العمر ، بها يرقى الإنسان مِن مرتبة العُبَّاد إلى مرتبة العلماء ، مِن مرتبة مدافعة التدنّي إلى مرتبة متابعة الترقيّ .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ أيها السادة الأعزاء ؛ سيدنا عمر ، رضي الله عن عمر ، خطب خطبةً استهلَّ بها عهد خلافته فقال : بلغني أن الناس قد هابوا شدتي ، وخافوا غلظتي ، وقالوا : كان عمر يشتدُّ ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ، ثم اشتدَّ علينا وأبو بكرٍ والينا ، فكيف وقد صارت الأمور إليه ؟ .
كان النبي عليه الصلاة والسلام لرحمته العظيمة ، ولحلمه الشديد يخفِّف مِن شدتي ، وكان أبو بكر الحليم عليه رضوان الله تعالى يخفف مِن شدته ، فكيف إذا صارت الأمور إليه ؟!.
قال سيدنا عمر : ألا مَن قال هذا فقد صدق ، فإني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عونه وخادمه ، وكان عليه السلام مَن لا يبلغ أحدٌ صفته في اللين والرحمة ، وكان كما قال الله تعالى :
﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾
فكنت بين يديه سيفاً مسلولاً ، حتى يغمدني أو يدعني ، فأمضي، فلم أزال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى توفَّاه الله وهو عني راضٍ ، الحمد لله على ذلك كثيرا ، وأنا به أسعد ، ثم ولِيَ أمر المسلين أبو بكرٍ ، فكان مَن لا تنكرون دَعَتَهُ ، وكرمه ، ولينه ، فكنت خادمه وعونه ، أخلط شدتي بلينه ، فأكون سيفاً مسلولاً حتى يغمدني أو يدعني فأمضي ، فلم أزل معه كذلك ، حتى قبضه الله عزَّ وجل وهو عني راضٍ ، والحمد لله على ذلك كثيرا ، وأنا به أسعد ـ الآن ـ ثم إني قد ولِّيت أموركم أيها الناس ، فاعلموا أن تلك الشدة قد أُضعِفَت ... .
كان أبٌ وأم ؛ الأم رحمتها تغلب عليها ، والأب شدته تغلب عليه، فلما توفّيَت الأم ؛ يجب أن يأخذ الأب دور الأب والأم .
أيها الإخوة ؛ يقول سيدنا عمر : ... إني قد وليت أموركم ، فاعلموا أن تلك الشدة قد أضعفت ، ولكنها إنما تكون على أهل الظُلم والتعدّي ، فأما أهل السلامة والدين والقَصْدِ فأنا ألين لهم مِن بعضهم لبعض ـ أهل الظلم والتعدي أنا شديدٌ عليهم ، أما أهل الدين والقصد فأنا ألين لهم مِن بعضهم لبعض ـ ولست أدع أحداً يظلم أحداً ، أو يعتدي عليه ، حتى أضع خدَّه على الأرض حتى يُذْعِن ، وإني بعد شدتي تلك أضع خدّي على الأرض لأهل العَفاف، وأهل الكفاف ، وأهل التُقى والصلاح ، ولكم علَيَّ أيها الناس خصالٌ أذكرها لكم فخذوني بها ـ أي حاسبوني عليها ـ لكم عليَّ ألا أجبي شيئاً مِن أموالكم إلا بالحق ، ولكم عليّ إذا وقع في يدي مِن أموالكم شيء ألا أنفقه إلا بالحق ، ولكم عليَّ أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله تعالى ، ولكم علي أن أسدَّ ثغوركم ـ أي أن أحمي حدودَكم ـ ولكم عليَّ ألا ألقيكم في المهالك ، وإذا غبتم في البعوث ـ أي في الجهاد ـ فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم ، فاتقوا الله وأعينوني على أنفسكم بكفّها عني ، وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المُنكر ، وإحضار النصيحة فيما ولاّني الله مِن أمركم .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ سيدنا عمر رضي الله عنه كان يخرج إلى ظاهر المدينة ، ليتلقى الرُكبان ، ليسألهم عن أحوال البلاد ، التقى مرَّةً بأحد الركبان ، فسأله عن أحوال البلد التي جاء منها ، فقال هذا الرجل ـ ولا يعرف انه أمير المؤمنين ـ قال : رأيت فيها الظالم مقهوراً ، والمظلوم منصوراً ، والغني موفوراً ، والفقير مجبوراً ، والأمير مشكوراً ، وأعماله مبرورة . فوقع على الأرض ساجداً شكراً لله عزَّ وجل .
أيها الإخوة الأكارم ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن مَلَكَ الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا ، وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا ، الكيس مَن دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز مـَن أتبع نفسه هواها ، وتمنَّى على الله الأماني .
والحمد لله رب العالمين
***
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد ألا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد ،ن سيدنا محمد صاحب الخُلق العظيم ، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمداً وعلى آله وصحبه أجمعين .
القلب :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ ما منا واحد ، إلا وبين جوانحه ، قلبٌ ينبض ، ولكننا قد نجهل حقيقة هذا القلب ، والدور الذي يؤدّيه ، والمجهود الكبير الذي يتحمَّله .
إن القلب في بعض الإحصاءات الأخيرة : يضخُّ في الدقيقة الواحدة خمس لترات ، وهو في حالة استرخاء ، وهو نائم ، كل دقيقة ، انظر إلى الساعة ، عيِّر دقيقةً واحدة ، اعلم أن القلب ، في نبضاته الثمانين يضخ خمس لترات ، قارورة الماء لتر ونصف ، فتقريباً ثلاث أو أربع قوارير من الماء ، الذي يباع معبَّأً ، هذا ما يضخُّه القلب ، في الدقيقة الواحدة .
لكن حينما يبذل الإنسان مجهوداً كبيراً ، في الركض والمشي ، يضخ القلب خمساً وعشرين لتراً في الدقيقة ، وعند بعض الرياضيين في أثناء بذل الجهد العالي ، يضخُّ القلب في الدقيقة أربعين لتراً ، ما هذه المضخة التي تتراوح استطاعتها ، بين خمس لترات ، وأربعين لتراً ؟ أي أنها تبذل عند الحاجة ثمانية أضعاف الطاقة .
أيها الإخوة الأكارم ؛ مَن مَنا يصدق أن القلب يضخُّ في اليوم الواحد ، عشرة آلاف لتر مِن الدم ، فالذي لديه مستودع للوقود السائل يتسع لمتر مكعب واحد ، أي خمسة براميل القلب يضخ في اليوم الواحد، أي في الأربعةٌ وعشرين ساعة عشرة آلاف لتر من الدم ، فإذا عنده عشرة مستودعات ، كل مستودع خمس براميل ، العشر مستودعات ، يضخها القلب في اليوم الواحد ، وأن ما يضخه القلب في العام ، ثلاث آلاف وستمئة طن مِن الدم .
شيءٌ لا يصدق ، إنما يضخه القلب ، في اليوم الواحد يكفي لسحب قاطرة ، لو أن جهد القلب حوِّل إلى استطاعة ، لكفى ، ما يبذله القلب في اليوم الواحد أن يسحب قاطرةً متراً واحداً .
هذا صنع الله ، القلب الذي يضخ ، يتحرَّك وينبض مِن الشهر الثالث ، والإنسان في رحم أمه ، ولا يتوقَّف ، ولا يتعب ، ولا يكلُّ ، إلا حينما يقف الوقفة النهائية ، وعندها ينتهي أجل الإنسان . سبحان من خلق هذا العضو الذي يعدُّ ، كما قال عليه الصلاة والسلام :
(( أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ ))
الدعاء :
اللهمَّ اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَّنا فيمن توليت، وبارِك اللهمَّ لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرَّ ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك .
اللهمَّ أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمنا ولا تُهنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارض عنا .
واقسم لنا مِن خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومِن طاعتك ما تبلغنا بها جنَّتك ، ومِن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا، ومتّعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على مَن ظلمنا ، وانصرنا على مَن عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ، ولا مبْلغ علمنا ، ولا تسلِّط علينا مَن لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين .
اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخيا ، وسائر بلاد المسلمين .
اللهم أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعزَّ المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنه على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .