- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى :
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر .
وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر .
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين .
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الدعاء مخ العبادة :
أيها الإخوة الكرام ؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( الدُعاءُ مخُّ العِبَادَةِ ))
ومخ الشيء أصله وقوامه ، فالعبادات كلها من صلاة ، من صيام ، من حج ، من زكاة .
يقول عليه الصلاة والسلام :
(( الدُعاءُ مخُّ العِبَادَةِ ))
لماذا ؟ لأن في الدعاء اتصالاً وثيقاً بالله عز وجل ، وهل العبادات كلها إلا صلة بالله ؟
قد تكون الصلة شكلية ، ولكن العبد في الدعاء يتصل بالله صلة حقيقية ، قوامها الحاجة ، أو الخوف ، أو الرغبة ، فلذلك أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية كثيرة ، جاءت في كتب السنة ، وفي كتب الصحاح ، وقد ورد في الجامع الصغير مئات الأدعية المأثورة عن النبي عليه الصلاة والسلام ، وفضلاً عن أن في الدعاء صلة ، وعن أن في الدعاء إقبالاً على الله عز وجل ، وعن أن في الدعاء استجارة بالله عز وجل ، فضلاً عن كل هذا لو قرأنا أدعية النبي عليه الصلاة والسلام لوجدنا فيها علماً جماً .
في أدعية النبي عليه الصلاة والسلام وصف لأحوال أهل الدنيا وشقائهم ، وفي أدعية النبي عليه الصلاة والسلام وصف لأحوال المؤمنين وسعادتهم ، وفي أدعية النبي عليه الصلاة والسلام وصف للمكاسب الحقيقية التي قد يكسبها الإنسان ، وفي أدعية النبي عليه الصلاة والسلام وصف للأخطار الحقيقية التي قد يقع فيها الإنسان في الدنيا .
فضلاً عن أن الدعاء مخ العبادة ، وعن أن في الدعاء إقبالاً ، وعن أن في الدعاء اتصالاً محكماً ، لأن العبد يخاف أن يرجو أو يطمع ، إن في أدعية النبي عليه الصلاة والسلام علماً جماً .
1-اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة .
فمن أدعيته صلى الله عليه وسلم ، عن سهل بن سعد رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ))
يعني كلما وقعت عين المؤمن على شيء من زينة الدنيا ؛ بيت فخم ، بستان جميل ، حانوت كبير في موقع حساس من مواقع المدينة ، دخل كبير ، وظيفة مرموقة ، رتبة اجتماعية ، شهادة علمية عالية ، مكانة ، قوة ، مركب وطيء ، امرأة تسير في الطريق ، كلما وقعت عين الرجل المؤمن على شيء من زينة الدنيا عليه أن يقول تأسياً بالنبي عليه الصلاة والسلام :
((اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ))
لماذا ؟ لأن أي عطاء في الدنيا ينتهي بالموت ، إذاً ليس عطاءً ، لا يُعد هذا كرماً ، لأن الكرم أن تُعطى عطاءً سرمدياً أبدياً ، فمادام هذا العطاء ينتهي بالموت ، وما دام الموت يضع حداً لهذا العطاء ، ومادام هذا البيت الفخم تغادره عند الموت ومادامت هذه السيارة الفاخرة تتركها لمن بعدك عند الموت ، ومادام هذا البستان الجميل لن يُتاح لك أن تعود إليه ثانية بعد الموت ، ومادامت هذه المسافة الاجتماعية وتلك القوة تنتهيان بالموت ، إذاً :
((اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ))
هذا الدعاء كلما وقعت عين المؤمن على شيء من الدنيا بدلاً أن تقول كما يقول الناس ، يا ليت لي مثل مال فلان .
أهل الدنيا إذا نظروا إلى شيء من مباهجها زادت نفوسهم حسرةً على أنفسهم ، وشعروا بالحرمان ، وشعروا بالهوان ، قال تعالى :
﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾
أهل الدنيا المتعلقون بها إذا رأوا شيئاً من مباهجها ، وزينتها ، ومتعها ومكاسبها ، زادت نفوسهم حسرةً على أنفسهم على أنهم محرومون ، وعلى أنهم عند الله مهانون ، وهذا من وساوس الشيطان ، إن كنت مؤمناً حقاً فتأسى بالنبي عليه الصلاة والسلام ، كلما وقعت عينك على شيء من مباهج الدنيا ، ولا تملكه ولا تستطيع أن تملكه ، فقل :
((اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ))
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها الكافر شربة ماء ))
إن الله يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب .
دعاء آخر : لكن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث آخر متمم لهذا الدعاء كان يقول عليه الصلاة والسلام :
(( إياكم وفضول النظر ، فإنه يبذر في النفس الهوى ))
يعني إذا دُعيت إلى التجول في أسواق فخمة جداً ولا تملك ثمن الحاجات التي فيها ، لا شأن لك بهذه الزيارة ، ولا جدوى منها ، ولو أنك تملك ثمن بعضها فيها ، إنك إذا دخلت ونظرت فهذا فضول النظر فإنه يبذر في النفس الهوى .
2-اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق .
ويقول عليه الصلاة والسلام واصفاً أحوال أهل النفاق ، وأحوال أهل الدنيا وأهل الكفر ، عن أبو هريرة رضي الله عنه ، أَن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول :
(( اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق ، وسوء الأخلاق ))
بلاغة نبوية ، ومعان عميقة .
الشقاق : فساد ذات البين ، الخصومات المناقشات الفارغة ، الحسد ، الغيرة ، العداوة ، البغضاء ، الجفاء ، الحقد ، جمعتها كلها كلمة الشقاق .
والنفاق : أن يكون لك شخصية مزدوجة ، شخصية معلنة ، وشخصية أخرى تبطن الحقد ، والكراهية ، والحسد ، تبطن كراهية الناس .
هذا الذي يُستعاذ منه ، هذا هو الشقاء الكبير ، أن يكون في شقاق مع الله ، ليس قلبه عامر بذكر الله ، ليس قلبه عامراً بذكر الله ، العلاقة بينه وبين الله خربة ، علاقة سيئة قوامها النفاق ، قوامها العصيان ، قوامها اللعن والبعد ، هذا الذي ينبغي أن تستعيذ منه .
(( اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق))
أن يكون لي ظاهر وباطن .
(( من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله ))
أن يكون لك موقف معللاً ، وموقف حقيقي ، أن تكون مع أهل الإيمان كأنك واحد منهم نفاقاً ، وإذا كنت مع أهل الفسق والفجور كأنك واحد منهم حقيقة ، هذا هو النفاق .
عن أبو هريرة رضي الله عنه ، أَن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو يقول :
(( اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق ، وسوء الأخلاق ))
اللؤم ، العنف ، الأثرة ، الأنانية ، الاستعلاء ، رد الإحسان بالإساءة ، استعاذ النبي عليه الصلاة والسلام من هذه الأخلاق الذميمة التي تسيء إلى آخرة الإنسان وإلى سعادته الأبدية ، وإن كنت مصدقاً النبي عليه الصلاة والسلام لأنك أحد أتباعه وفرد من أفراد أمته ، وأنه نبيك ، عن أبو هريرة رضي الله عنه قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول :
((اللهم اجعل رزق آل محمد كفافاً ))
معنى كفافاً : يعني لك رزق يسد كل حاجاتك ، من دون أن تكون غنياً غنىً طاغياً ، أو غنىً فاحشاً ، أو غنى يسلمك إلى المعاصي ، أو غنى يؤدي لك إلى الكبر ، أو غنى يؤدي بك إلى أن تقول أنا أفضل الناس ، هذا الغنى الذي يؤدي إلى الغرور ، أو إلى الكبر ، أو إلى المعاصي ، أو إلى الاعتداد بالنفس ، لا كان هذا الغنى لأنه طريق إلى النار .
(( اللهم من أحبني ـ رواية أخرى ـ فاجعل رزقه كفافاً ))
لذلك حينما يملك الإنسان أكثر مما يحتاج تأتيه الهموم أكثر مما ينبغي ، من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه ، أخذ من حتفه وهو لا يشعر .
حدثني صديق لي يعمل طبيباً أنه طُلب إلى أحد البيوت في ساعة متأخرة من الليل ، السبب أن رب هذه الأسرة أصابته أزمة قلبية حادة بسبب انخفاض أسعار بعض العملات .
خذ من الدنيا ما شئت وخذ بقدرها هماً ..
3- اللهم إني أعوذ بك من الجوع والخيانة.
عن أبو هريرة رضي الله عنه أَن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول :
(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ ))
أحدنا حينما يأكل ويشبع ، لينظر أن في بعض القارات مجاعات ، وأن الناس يموتون جوعاً ، وأن الله سبحانه وتعالى قد تفضل علينا برزق يكفينا ، إنك إذا أكلت فشبعت ، لا تنس أن تحمد الله عز وجل على أنه أطعمنا من جوع ، وآمنا من خوف .
﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾
(( يا عائشة أحسني جوار نعم الله ، فإنها قل ما نفرت عن أهل بيت فكادت ترجع إليهم ))
إذا شربت كأس ماء فقل الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً طيباً على نعمة كأس الماء ، فكم من بلاد لا تملك هذا الكأس ، وكم من بلاد تشتري هذا الكأس بثمن باهظ .
عن أبو هريرة رضي الله عنه أَن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول :
(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ ))
أن يكون لك شريك يخونك ، أو أن تكون لك زوجة تخونك ، أو أن يكون لك صديق يخونك ، يكذب عليك ، الخيانة بئست البطانة ، والجوع بئس الضجيع ، النبي عليه الصلاة والسلام تعوذ بالله من هذه وتلك .
4-اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر .
عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
(( اللهم إني أعوذ بك وبوجهك الكريم واسمك العظيم من الكفر والفقر))
ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا
وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل
كفر يودي في الآخرة إلى جهنم وفقر حــرمان في الدنيا .
5-اللهم إني أعوذ بك من فتنة النساء.
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو ربه ويقول :
(( اللهم إني أعوذ بك من فتنة النساء ))
النساء لهن فتنة ، والنساء كما قال عليه الصلاة والسلام :
((النساء حبائل الشيطان ))
والحبائل : شباك .
شبكة الشيطان المرأة . قد تدخل إلى المحل التجاري فإن لم يغض صاحب المحل بصره عن النساء ونظر إليهن ، ربما كان هلاكه عن طريق إحداهن ، ربما كان هلاكه ، وربما خرب بيته ، وطلق زوجته وشرد أسرته ، وضيع أولاده ، وعاقبه الله وأذاقه شقاء الدنيا ، بسبب امرأة أطلقت بصرك إليها . فالنبي عليه الصلاة والسلام قال :
" عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( إياك والخلوة بالنساء والذي نفسي بيده ما خلا رجل بامرأة إلا دخل الشيطان بينهما ))
لم يقل ما خلا كافر ، لم يقل ما خلا معتقد ، لم يقل ما خلا مؤمن ، قال ما خلا رجل ، أي رجل ، وكلمة رجل نكرة ، تشمل أي إنسان على وجه الأرض كائناً من كان . لا تقل أنا مؤمن ، أنا لا أخاف على نفسي ، أنا لي نفس شريفة لا تحدثني ، كلا ، هذا كلام الشيطان ، يقول لك : إنك مؤمن لن تقع في معصية ، فإذا سمحت وخلوت بامرأة لا تحل لك ربما وقعت في معصية ، ربما وقعت في كل ما يُتوقع ، لذلك النبي الكريم استعاذ من النساء فقال :
(( اللهم إني أعوذ بك من فتنة النساء ))
يعني حينما تعمل في البيت عملاً شاقاً ، أفضل من أن يكون في البيت امرأة لا تحل لك ربما وقع الإنسان في شرك ، مهما دفعت من ثمن ، ومهما تجشمت من مشاق ، ولا أن تقع في فتنة تودي بك إلى الشقاء في الدنيا والآخرة ، النبي عليه الصلاة والسلام استعاذ من فتنة النساء ، عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( ما خلا رجل بامرأة إلا دخل الشيطان بينهما ))
(( من ملأ عينيه من الحرام ملأهما الله من جمر جهنم ))
(( النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ))
(( من غض بصره عن محارم الله أورثه الله حلاوة في قلبه إلى يوم يلقاه ))
هذه من صفات المؤمنين :
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾
أمر إلهي ، ما دام قد ورد في القرآن فهو أصل كبير من أصول التعامل بين الناس .
6-اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع....
والنبي عليه الصلاة والسلام يستعيذ أيضاً من علم لا ينفع ، ومن عمل لا يُرفع ، ومن دعاء لا يُسمع .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول :
(( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ))
دراسات وجهود ، وسهر ، وسنوات يمضيها الإنسان في علم لا ينفع لا ينفعه لا في دنياه ولا في آخرته ، علم عقيم لا ينفع من تعلمه ، ولا يضر من جهل به ، الوقت ثمين ، تعلموا شيئاً ينفعكم في الآخرة ، تعلموا كتاب الله فليس دونه علم ، من تعلم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت ، افهموا آيات الله ، طبقوها ، تعلموا سنة النبي عليه الصلاة والسلام ، تعلموا ما ينفعكم ، تعلموا الشيء الذي يكون ذخراً لكم في آخرتكم ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول :
(( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وعمل لا يرفع ))
فيه شرك ، ليس فيه إخلاص .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:
((ودعاء لا يسمع))
فيه شرك ، ليس فيه إخلاص .
يقول العبد يا رب يا رب ، ومأكله حرام ، ومشربه حرام ، وغذي بالحرام فأنى يُستجاب له .
7-اللهم ارزقني حبك ....
والدعاء الأخير ، عن عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري رضي الله عنه أَن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه :
(( اللهم ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ ))
قد تحب جاراً لك ؛ لبق دمث ، تحبه ، تسهر معه ، يسهر معك تذهبان إلى نزهة ، الحديث عن الدنيا ، هذه المحبة ما ثمنها ؟ ما قيمتها ؟ لا تنفعك ، ولا تقدم لك شيئاً ، ولا ترفعك ، لكنك إذا أحببت مؤمناً اقتبست من علمه ، واقتبست من خلقه ، واقتبست من نورانيته ، واقتبست من نفسه المستأنسة بالله عز وجل .
لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله ، ولا يدلك على الله مقاله .
قد تقيم صداقة من غير جدوى ، من غير نفع ، عن عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري رضي الله عنه أَن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه :
(( اللهم ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ ))
إن أحببت الصحابة الكرام فإن حبهم في قلبك نوراً لك في الدنيا ، إن أحببت أناساً مؤمنين فإنهم ينهضون بك ، إن أحببت أناساً طاهرين فإنك تطهر بطهارتهم ، إن أحببت أناساً مستقيمين فإنك تستقيم كاستقامتهم .
(( ابن عمر دينك دينك ، إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا ))
إن أحببت عاصياً أحببت المعصية معه ، إن أحببت آكل الربا شجعك على أكل الربا ، إن أحببت رجلاً دنيوياً غرس في نفسك حب الدنيا واشتهيت الدنيا وزينتها ، وانغمست فيها إلى قمة رأسك ، عن أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال :
(( الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ))
فلينظر أحدكم من يحب ، عن عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري رضي الله عنه أَن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه :
(( اللهم ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ ))
عن عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري رضي الله عنه أَن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه :
(( اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ ))
أحب المال فرزقتني إياه ، أحب الوجاهة فأعطيتني إياها ، أحب أن أحمل شهادة رفيعة في البلاد فحملتها ، أحب أن يكون لي أولاد كثيرون فمنحتني هذه النعمة ، عن عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري رضي الله عنه أَن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه :
(( اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ ))
تحبني أن أكون مستقيماً ، تحبني أن أكون محسناً ، إذاً ليكن هذا المال الذي أحبه من أجلك ، وفي طاعتك ، وقربةً لك .
ليكن هذا الجاه الذي أحبه في عون الضعفاء والمساكين ، ليكن هذا العلم الذي حصلته ينفق في سبيلك ، وابتغاء مرضاتك ، عن عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري رضي الله عنه أَن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه :
((اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ))
شيء أحبه لم أحصله في الدنيا ، لم يُرزق هذا الإنسان ولداً ، جعله الله عقيماً ، لو أنه مؤمن لرضي بهذا ورأى أن هذا عين الحكمة ، وأن هذا الوقت الذي كان سيمضيه في التعامل مع أولاده ينبغي أن يمضي في خدمة عباد الله والتقرب إلى الله ، يعني الشيء الذي رُزقته ليكن قوةً لك على أمر آخرتك ، والشيء الذي زُوي عنك ليكن الفراغ الناتج عن حرمانك إياه في طاعة الله عز وجل وهل من سعادة أبلغ من هذا ، مالك لله ، وما ليس لك لله ؛ لأن الوقت الذي وجد من انزوائه عنك كان هذا في طاعة الله ، عن عائشة رضي الله عنها أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه :
(( اللهم إني أعوذ بك من شرِّ ما علمت ، وشر ما لم أعلم ))
كيف يكون العلم شراً ، إن لم تطبقه ، شر ما علمت : أن أعلم شيئاً ولا أطبقه . وشر ما لم أعلم هو الجهل ، إن لم تعلم فهذا شر ، وإن علمت فالشر أن لا تكون في مستوى ما علمت ، كلاهما شر . فالنبي الكريم استعاذ بالله من شرِّ ما علمت ؛ أي أن أعلم الحق ولا أسير فيه ، أن أعلم السنة ولا أطبقها ، ومن شر ما لم أعلم ؛ أي أن أكون جاهلاً .
أيها الإخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني .
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم .
قصة كتاب أضواء على الحياة بعد الحياة .
أيها الإخوة الكرام ؛ كتاب ظهر في الأسواق عنوانه (أضواء على الحياة بعد الحياة) كتاب مُترجم ، تصفحت الكتاب فرأيت فيه العجب العجاب ، الكتاب مبين على أن عدة حالات موت في العالم ، حالات موت مؤقت ، أو إشراف على الموت ، نزاع قريب من الموت ثم عادت الحياة بعدها .
فهذا يحدث ، أحياناً قد يتوقف القلب عدة دقائق ، وينبض بعدها ويحيى الإنسان . يعني أحياناً قد يشرف الإنسان على الموت ، فهذا الكتاب بُني على أخذ إفادات من هؤلاء الأشخاص الذين شارفوا الموت ثم نجوا منه فبماذا حدثونا ؟ ..
حدثونا وكأنهم قد قرؤوا القرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة ، مع أنهم أجانب ليس لهم أي اتصال بكتاب الله إطلاقاً ، ولا بما أخبرنا به النبي عليه الصلاة والسلام .
المؤلف استنبط من هذه الإفادات كلها قواعد عامة ، ذكرها في بعض الفصول ، فقال : الحساب عندما يُشارف الإنسان الموت يُلفظ من داخل الإفراد ، لا من خارجهم ، يعني :
﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾
ويبلغون حالة يستطيعون التمييز من تلقاء أنفسهم ما كان يجب عليهم فعله ، أو عدم فعله ، وينطقون بنتيجة ذلك بالحكم على أنفسهم .
﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾
يعني أن الإنسان إذا دنا من الموت يستطيع أن يحكم على نفسه حكماً صحيحاً مائة في المائة ، وعنده قدرة بالغة على أن يعرف ماذا كان ينبغي أن يفعله في الدنيا ، وماذا كان عليه أن لا يفعله في الدنيا ، وبالتالي يستطيع أن ينطق الحكم على نفسه ، ويأتي حكمه صحيحاً .
واستنبط المؤلف من إفادات هؤلاء أيضاً : أن الإنسان في الدنيا يقنع نفسه بقناعات كثيرة ، فالمال قناع ، والجاه قناع ، والمركز الاجتماعي قناع ، والشهادات العلمية الرفيعة قناع ، والثروة الطائلة قناع ، وجمال الجسم قناع ، والعلاقات الاجتماعية المثمرة قناع ، والثياب قناع . وفي اللحظات التي نقترب فيها من النهاية ، هاهي كل هذه الأقنعة تسقط حتماً.
كل هذه الأقنعة التي يتقنع فيها الناس في الدنيا ، قد يكون غنياً فيسكن بيتاً فخماً ، ويملأه بالتحف والزينة ، ويرتدي ثياباً أنيقة ، وقد يكون جميل الصورة فيتيه على الناس ، جمال الصورة ، مع الغنى ، مع الشهادات ، مع الثياب ، هذه كلها أقنعة ، فإذا اقترب الإنسان من الموت سقطت كل هذه الأقنعة ، ولم تبق إلا الحقيقة المشتركة تماماً ، لذلك القاسم المشترك بين هؤلاء الذين شارفوا على الموت ، أنهم يحسون بوجودهم ، وبحقيقتهم إحساساً مكشوفاً تماماً .
ويبدو للفرد فجأة كل أفكاره معروضة على لوحة مكشوفة أمامه ، كل تفكيره ، إشراكه ..
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت ، لك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك اللهم هب لنا علاً صالحاً يقربنا إليك .
اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا رضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ، ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين .
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين .
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك .
اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين .
اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً ، وسائر بلاد المسلمين .
اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء .
اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب .
اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد من أعطى وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء .
اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين .
اللهم ارزقنا التأدب ونحن في بيوتك يا رب العالمين .
اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى إنه على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير .