وضع داكن
26-04-2025
Logo
خطبة جمعة : 1205 - إيطاليا - ولاية ريجو إيميليا - مسجد النور - ومضات إيمانية - الغدّة الكظرية .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضللْ فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً -صلى الله عليه وسلم- سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغرِّ الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. 

الخطبة الأولى:


تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف وتكريم:


أيها الإخوة الكرام؛ قيل: من عرف نفسه عرف ربه، فمن أنت أيها الإنسان؟ اعلم يقيناً أنك المخلوق الأول رتبةً؛ لأن الله في عالم الأزل حينما عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، لأنك قبلت حمل الأمانة في عالم الأزل كنت عند الله المخلوق الأول رتبةً، لذلك سخّر الله لك ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه تسخير تعريف وتسخير تكريم، وكأن السموات والأرض تشفُّ عن وجود الله، وعن وحدانيته، وعن كماله، تشفُّ عن أسمائه الحسنى وصفاته العلا؛ فلذلك هذا الكون هو الثابت الأول، وفيه آيات تسمى هذه الآيات الآيات كونية، ولله    -عزَّ وجلَّ- أفعال وتسمى أفعاله الآيات التكوينية، وللإله العظيم كلام هو القرآن الكريم وهي آياته القرآنية، فبين آياته الكونية وآياته التكوينية وآياته القرآنية هذه كلها قنوات سالكة لمعرفة الله، لكن الآيات الكونية الأصل فيها التفكّر.

﴿ إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٍ لِّأُوْلِى ٱلْأَلْبَٰبِ (190) ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَٰطِلًا سُبْحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ (191)﴾

[ سورة آل عمران ]

الآيات الكونية موقف المؤمن منها التفكّر، وأما الآيات التكوينية فأفعاله:

﴿ قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ (69)﴾

[ سورة النمل ]

 الآية الثانية:

﴿ قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ ثُمَّ ٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ (11)﴾

[ سورة الأنعام ]

 فإما أن يأتي العقاب عاجلاً أو آجلاً، والآيات التكوينية أفعاله فتحتاج إلى نظر، أما آياته القرآنية فتحتاج إلى تدبر، فأنت مع الآيات الكونية تتفكر، ومع الآيات التكوينية تنظر، ومع الآيات القرآنية تتدبر:

﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ (115)﴾

[ سورة الأنعام ]

آية قرآنية؛ أي كأن الله يقول: يا عبادي بيني وبينكم كلمتان، منكم الصدق ومني العدل، أي تتفاوتون عندي بقدر صدقكم، وأنا أعدل بينكم، أو هذا القرآن بين دفتيه خبر وأمر، الخبر صادق، والأمر عادل، أصبح لدينا آيات كونية وتكوينية وقرآنية، تفكر نظر تدبر، الآن:

﴿ تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ فَبِأَىِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ يُؤْمِنُونَ (6)﴾

[ سورة الجاثية ]

من هنا الله -عزَّ وجلَّ-جعل الآيات في الكون، والآن ومضات سريعة جداً؛ الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، وبينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، وهناك آية دقيقة:

﴿ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ (1)﴾

[ سورة البروج ]

الأرض في دورتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً، أحد هذه الأبراج برج العقرب فيه نجم صغير أحمر اللون متألق اسمه (قلب العقرب)، هذا النجم الصغير الأحمر المتألق الذي اسمه (قلب العقرب) يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، هذا الإله العظيم يُعصى؟! ألا يُخطب وده؟! ألا تُرجى جنته؟! ألا تُخشى ناره؟!

أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنـــا          فإنا منحنا بالرضا من أحبنـــــــــا

ولُذ بحمانا واحتمِ بجنــابنــــــــا          لنحميك مما فيه أشرار خلقنــــــــا

وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـــل         وأخلص لنا تلقى المسرة والهنـــــا

وسلّم إلينا الأمر في كل ما يكـن         فما القرب والإبعاد إلا بأمـــــــرنـا

فيا خجلي منه إذا هـو قال لــــي         أيا عبدنــــــــا ما قــرأت كتابنــــــا

أما تستحي منا ويكفيك ما جرى         أما تختشي من عُتبنا يوم جمعنـــــا

أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً        وتنظــــــر ما به جـــــاء وعدنــــــا

فـلو شاهدت عيناك من حسننــا        الذي رأوه لما وليت عنـــــا لغـيرنــا

ولو سمعتْ أذناك حسن خطابنا        خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــــــا

ولو ذقت مـن طعم المحبـة ذرة        عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــا

ولو نسمت من قربنا لك نسمـة         لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـا

ولو لاح من أنوارنــا لك لائـح          تركت جميـع الكــــــائنـات وجئتنـــا

فما حبنا سهل وكل من ادعــى         سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنــــــا

فأيسر مافي الحب للصب قتلـه         وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنـــا

[ علي بن محمد بن وفا ]


أصناف البشر:


  إخواننا الكرام- بارك الله بكم ونفع بكم-، هذه الأرض يعيش عليها ملايين مملينة، أحدث إحصاء سبعة مليارات ومئتا مليون إنسان في الأرض، هذه الملايين المملينة ماذا قال الله -عزَّ وجلَّ-؟ الآن دققوا: الناس على اختلاف مللهم ونِحلهم وانتماءاتهم وأعراقهم وأنسابهم وطوائفهم وتياراتهم وتوجهاتهم وبالرغم من كل هذه الاختلافات أنزل الله هؤلاء البشر في حقلين اثنين فقط لا ثالث لهما فقال تعالى:

﴿ وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1) وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2) وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلْأُنثَىٰٓ (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4)﴾

[ سورة الليل ]

سبعة مليارات ومئتا مليون، وكل شخص في ذهنه هدف يتحرك نحوه، هذا معنى قوله تعالى: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ﴾ متنوع، لكن شاءت حكمة الله أن يكون هؤلاء البشر جميعاً في حقلين اثنين لا ثالث لهما:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ (6)﴾

[ سورة الليل ]

الترتيب معكوس لحكمة بالغة، ﴿وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ﴾ والحسنى هي الجنة، هؤلاء البشر نصفان نصف يصدق بالدار الآخرة، ونصف يكذب بها، إما تكذيباً لفظياً هؤلاء الملحدون، أو تكذيباً عملياً هؤلاء المنافقون، إذًا الحسنى الجنة، ﴿وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ* وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ* وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلْأُنثَىٰٓ* إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ* فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ* وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ﴾ صدّق بالحسنى، صدّق بالجنة، صدّق بالدار الآخرة، وبناء على هذا التصديق اتقى أن يعصي الله؛ هذا صنف، والصنف الثاني:

﴿ وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ (8) وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ (9)﴾

[ سورة الليل ]

لأنه كذّب بالآخرة تكذيباً لفظياً وهم قلة قليلة، وتكذيباً عملياً وهم كثرة كثيرة، الصنف الثاني بخل واستغنى وكذّب بالحسنى، أي لأنه كذب بالحسنى استغنى عن طاعة الله، ولأنه كذب بالحسنى بخل في العطاء، فالآن على سطح الأرض سبعة مليارات ومئتا مليون يقع على رأسهم الأقوياء والأنبياء، الأقوياء ملكوا الرقاب، والأنبياء ملكوا القلوب، الأقوياء يُمدحون في حضرتهم، والأنبياء يُمدحون في غيبتهم، الأقوياء عاش الناس لهم، والأنبياء عاشوا للناس؛ فلذلك كل واحد من بني البشر لا بد من أن يكون تَبعاً لقوي أو نبي، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، فالمؤمن يصدّق بالحسنى- بالجنة- وبناء على هذا التصديق يتقي أن يعصي الله، ويبني حياته على العطاء، يعطي من وقته، من علمه، من ماله، من صحته، من خبراته، من معلوماته، بنى حياته على العطاء، لذلك الإنسان بأدق تعاريفه للإمام الحسن البصري: الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، أنت أيام، ولأنك أيام أقسم الله لك بمطلق الزمن، لأنك زمن أقسم الله لك فقال:

﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ (2)﴾

[ سورة العصر  ]

جواب القسم: الإنسان خاسر، لِمَ يارب نحن خاسرون؟ قال: لأن مُضي الزمن وحده يستهلكك، أنت زمن، أنت بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، ولأنك زمن أقسم الله لك بمطلق الزمن، فقال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ﴾ جواب القسم أنت خاسر لأن مضي الزمن وحده يستهلكك، سبت أحد اثنين ثلاثاء أربعاء خميس جمعة، ذهب أسبوع، أسبوع ثان، ثالث، رابع، ذهب شهر، أربعة شهور ذهب فصل، أربعة فصول ذهب عام، عشرة أعوام عقد، حياتنا عدة عقود، فجأة نرى أنفسنا على شفير القبر، ماذا أعددت لهذا اليوم الأبدي؟! ماذا أعددت لآخرتك؟!

﴿ فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِۦ ۗ قُلْ إِنَّ ٱلْخَٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ (15)﴾

[ سورة الزمر ]

كأن العالم الغربي فيه صفة جامعة مانعة يعيش لحظته فقط يأكل، ويشرب، يستمتع، يسهر، يسمر، ويتابع مسلسلاً، يتابع فلماً، يحضر مسرحية، وعنده نزهة يوم الأحد، يعيش لحظته، أما هناك موت، قبر، برزخ، جنة، نار، حساب، عذاب؟ هذا ما أدخله الإنسان في حساباته إطلاقاً، لذلك الله -عزَّ وجلَّ-قال: ﴿وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ* وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ* وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلْأُنثَىٰٓ* إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ* فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ* وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ﴾ صدّق بالجنة فاتقى أن يعصي الله، بنى حياته على العطاء، ﴿وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ*وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ﴾ كذّب بالجنة فبنى حياته على الأخذ، عاش في وقته، والناس جميعاً تَبَع لقوي أو نبي؛ لذلك قال تعالى:

﴿ أَلْهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ (1)﴾

[ سورة التكاثر ]


تعريف اللهو:


ما هو اللهو؟ اللهو أن تنشغل بالخسيس عن النفيس، إنسان غامر بحياته، وغاص في أعماق البحار، خرج بالأصداف ولم يأخذ اللآلئ، هذه القصة كلها، جاء إلى الدنيا نما ودرس وتعلم، ونال وظيفة، وتزوج وأنجب أولاداً، عاش لشهوته، عاش للذته، ليس له هدف، هدفه أن يعيش ويستمتع، ماذا يفعل الموت؟ الموت شيء مخيف، ينهي قوة القوي وضعف الضعيف، وغنى الغني وفقر الفقير، ذكاء الذكي ومحدودية المحدود، ينهي وسامة الوسيم ودمامة الدميم، الموت ينهي كل شيء، أي -إذا صح التعبير- أن الخط البياني للإنسان خط صاعد؛ أي أُنجب ثم خرج من الدنيا، والجنين يخرج من ضيق الرحم إلى سعة الدنيا، كما يخرج المؤمن من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، كبر، درس، تزوج، أنجب، زوّج أولاده وبناته، تقدم في السن، عنده عدة آفات في جسمه، تناول أدوية، حان وقت مماته انتهى، ما فعل شيئاً، ما ترك بصمة في الحياة، مرة قلت لطلابي: مَنْ يأتيني بأسماء خمسة أغنياء كبار عاشوا في عام 1886 وله علامة تامة؟ فكروا، قلت: وأنا لا أعرف، لكن الصحابة الكرام التابعين الأجلاء، الأعلام الكبار، القادة الكبار، هؤلاء نذكرهم في اليوم مليون مرة، أي أنت أيها الإنسان لِمَ لا تكن رقماً صعباً في خطة عدوك؟ لِمَ ترضى أن تكون رقماً تافهاً؟ ملايين مملينة من الرجال والنساء دخلوا إلى الحياة الدنيا وخرجوا منها ولم يدر بهم أحد، اترك بصمة. 

أهمية طلب العلم:


  لدينا الجماد كالخشب له طول وعرض وارتفاع ووزن، له أبعادٌ ثلاثة ويشغل حيزاً في الفراغ، إلا أن النبات يمتاز عليه بالنمو، والحيوان تميز عليهما بالحركة، والإنسان يشبه الجماد؛ وزن وحجم وله أبعادٌ ثلاثة يشغل حيزاً في الفراغ، فالنبات أضاف للجماد النمو، والحيوان أضاف إليهما الحركة، والإنسان يفكر، فالله أودع في الإنسان قوة إدراكية، هذه القوة الإدراكية تُلبى بطلب العلم، وما لم تُلبَّ بطلب العلم هبط الإنسان عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، استمعوا إلى الله -عزَّ وجلَّ- في القرآن الكريم بما وصف الذين انشغلوا عنها؟ قال:
أولا 

﴿ أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍۢ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)﴾

[ سورة النحل ]

ميت

لَيْسَ مَنْ ماتَ فاِستراحَ بِمَيْتٍ      إنَّمَا المَيْتُ مَيِّتُ الأحياءِ

[ عدي بن الرعلاء الغساني ]

 ﴿أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ﴾ أول وصف:
ثانيا

﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَٱلْأَنْعَٰمِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)﴾

[ سورة الفرقان ]

الأنعام غير مُكلَّفة ولا تُحاسب، أما الإنسان كالأنعام ومكلف وسوف يُحاسب:
ثالثا

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ ۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (4)﴾

[ سورة المنافقون ]

رابعا

﴿ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَىٰةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًۢا ۚ بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ۚ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ (5)﴾

[ سورة الجمعة ]

بمجرد أن تعزف عن طلب العلم، بمجرد أن تغوص بشهواتك وغرائزك ومصالحك فقط، العالم كله هكذا، هذا الذي يفكر بالموت، النبي قال:

(( أَكثروا ذِكرَ هادمِ اللَّذَّات يعني الموتَ ))

[  أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه عن أبي هريرة  ]

مفرق الأحباب، مشتت الجماعات.

(( أتاني جبريلُ عليه السَّلامُ فقال: يا محمَّدُ! عِشْ ما شئتَ فإنَّك ميِّتٌ، وأحبِبْ من شئتَ فإنَّك مفارقُه، واعمَلْ ما شئتَ فإنَّك مجزِيٌّ به، ثمَّ قال: يا محمَّدُ! شرفُ المؤمنِ قيامُه باللَّيلِ، وعِزُّه استغناؤُه عن النَّاسِ ))

[ أخرجه الطبراني، والحاكم عن سهل بن سعد الساعدي   ]

لذلك:

﴿ أَلْهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ (1) حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3)﴾

[ سورة التكاثر ]

هذه (كلا) معناها دقيق جداً، لو سألك أحدهم: هل أنت جائع؟ تقول له: لا، أما وأنت إنسان محترم ومتعلم ومثقف ومستقيم، قال لك شخص: هل أنت سارق؟ تقول له: لا؟! تقول له: كلا، (كلا) أداة ردع ونفي، لذلك كلا لابد من أن نُحاسب:

﴿ أَلْهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ (1) حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4)﴾

[ سورة التكاثر ]

أول علم عند الموت، وثاني علم يوم القيامة؛ لذلك المؤمن حينما يقترب يوم القيامة يرى مقامه في الجنة فيقول: لم أرَ شراً قط، وأما غير المؤمن حينما يرى مقامه في النار يقول: لم أرَ خيراً قط، لذلك -إخواننا الكرام- نقطة دقيقة جداً جداً: أنك بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، فبطولتك أن تعيش المستقبل، ماذا في المستقبل؟ أنت تعيش الماضي وتقول: أنا درست في القاهرة، أعمل مهندساً هنا مثلاً، تعيش الماضي لكن البطولة أن تعيش المستقبل، لماذا يعزف الناس عن أن يعيشوا المستقبل؟ لأن هناك حدثاً خطيراً هو مغادرة الدنيا، "عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت"، من هنا:

﴿ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ (6)﴾

[ سورة التكاثر ]

أحدهم يقود مركبة ويوجد طريق منحدر وانحداره شديد، وفجأة فقَدَ المكابح ماذا يقول؟ انتهينا..

﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْـَٔلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ (8)﴾

[ سورة التكاثر ]

فالعلماء قالوا: الماء البارد نعيم، الزوجة نعيم، الأولاد نعيم، الصحة نعيم، هناك نعم لا تعد ولا تحصى، لذلك قال تعالى:

﴿ وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ ۗ إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ(34)﴾

[ سورة إبراهيم  ]

النعمة الواحدة لو أمضيت كل حياتك تعدها لا تنتهي، من هنا -أيها الإخوة الكرام- هذا الدين مصيري، سعادة أو شقاء، جنة أو نار، خيارك مع الدين ليس خياراً انتقائياً تنتقي منه الشيء اللطيف الذي ليس فيه جهد أو بذل، أي أشياء شكلية تقوم بها، هذا الدين مصيرك.

(( إنَّ هذا العِلمَ دِينٌ، فانظُروا عمَّن تأخُذون دينَكم ))

[   أخرجه مسلم، والدارمي عن محمد بن سيرين ]

دينك دينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا، والحمدلله رب العالمين.

الخطبة الثانية:

 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

الكظر من آيات الله الدالة على عظمته:


إخوتنا الكرام؛ الإنسان له قلب ينبض ثمانين نبضة في الدقيقة، فلو واجه خطراً يرتفع هذا النبض إلى مئة وثمانين والوضع طبيعي، إلا أن النبض الأول يكون بأمر من مراكز عصبية في القلب نفسه، ليس له علاقة بالشبكة العامة، يتلقى القلب أمراً بالنبض من عنده، عنده مركز كهربائي أول لو تعطل عمل مركز ثان احتياطاً، لو تعطل الثاني عمل مركز ثالث احتياطاً، لكن هذه المراكز الثلاثة تعطي أمراً بثمانين نبضة فقط ولا تزيد، والإنسان في حالات كثيرة يحتاج إلى مئة وثمانين نبضة؛ لذلك إدراك الخطر في الدماغ يعطي الأمر للكظر وهو غدة فوق الكلية، هذا الكظر يعطي الأمر برفع النبض، هذا أول أمر، الأمر الثاني برفع وجيب الرئتين، فنبض الخائف يصبح مئة وسبعين نبضة أو مئة وستين، والخائف يلهث والوجيب يزداد، ويعطي أمراً ثالثاً للأوعية فتضيق، والخائف يصفر لونه، ويعطي أمراً رابعاً للكبد بإطلاق كمية سكر إضافية، الخائف يصبح السكر عنده مئة وعشرين أو مئة وستين ، وأمراً خامساً بإفراز هرمون التجلط حتى إذا جرح في أي مكان من جسمه يتجلط الدم، خمسة أوامر يصدرها الكظر عند الخطر، إلى هنا القضية واضحة، لماذا أمر النبي الأمي صحابته قبل ألف وأربعمئة عام ألا نقطع رأس الدابة، أن نكتفي بقطع أوداجها فقط؟ لو قطعنا رأس الدابة لكان اللحم أزرق اللون، لبقي الدم في الدابة، أما بقطع أوداجها فقط يعمل مركز الدماغ على رفع نبض القلب، هذه الحقيقة الآن كُشفت من عشرين سنة تقريباً، كيف عرفها النبي الكريم؟

﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰٓ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَىٰ (4)﴾

[ سورة النجم ]

هذا تحت عنوان: تذكية الذبيحة؛ أي قطع أوداجها فقط كي يتنبه الجهاز الذي يأمر الخلايا العديدة بحركات إضافية كرفع النبض، ورفع الوجيب، وتضييق الأوعية، وإفراز هرمون التجلط، وهرمونات أخرى.

الدعاء:


اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، و أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم وفق ولاة المسلمين لما تحب وترضى، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في بعض الدول التي تعاني فيما تعاني.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور