بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله ربَّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى أصحابه الغرِّ الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارض عنا وعنهم يا ربَّ العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الإنسان هو المخلوق الأول عند الله :
أيها الأخوة الكرام ، بادئ ذي بدء ، أشكر لكم دعوتكم الكريمة لهذا البلد الطيب ، هذه الدعوة إن دلّت على شيء فعلى حسن الظن بي ، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم ، دلالةٌ أخرى الثانية تؤكد تعلّق هذا الشعب الكريم بالعلم والعلماء ، وهذا وسام شرفٍ له .
أخوتنا الكرام ؛ لا يغيب عنكم أن الإنسان هو المخلوق الأول عند الله ، الأول ؛ لأنّ الله حينما عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال (فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ) ، فأنت في عالم الذر قبل عالم الصور ، قبلت حمل الأمانة ، فلما قبلت حمل الأمانة كنت عند الله المخلوق الأول :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) ﴾
والسماوات والأرض مصطلحٌ قرآني يعني الكون ، والكون ما سوى الله ، (فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ) ، كأن هذا الإنسان قال : يا ربي أنا لها ، فلما قبِل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول ، سيدنا علي رضي الله عنه يقول : رُكِّب الملك من عقلٍ بلا شهوة ، ورُكِّب الحيوان من شهوةٍ بلا عقل ، ورُكِّب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، الدليل :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) ﴾
أي خير ما برأ الله ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) ﴾
بين أن تكون فوق الملائكة ، وبين أن يكون هذا الإنسان الغافل دون أحقر حيوان ، الله عز وجل خلقنا للجنة ، للسعادة ، والدليل ، طبعاً في الدين لا تقبل شيئاً إلا بالدليل ، ولا ترفض شيئاً إلا بالدليل ، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، أنا أقول لكم بلا دليل : كل هذه المدينة ملكي ، ولكن بلا دليل ، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، عوّد نفسك إن هذا العلم دين فانظروا عما تأخذون دينكم :
(( يا بنَ عمرَ! دينُك دينُك ، إنَّما هو لحمُكَ و دمُكَ ، فانظُر عمَّن تأخذُ ، خُذ عنِ الَّذينَ استَقاموا ، و لا تأخُذ عن الَّذينَ مالوا ))
فلذلك الله عز وجل خلق الإنسان لجنةٍ عرضها السماوات والأرض :
﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(119) ﴾
هذه الآية تلغي آلاف المقولات التي تتناقض معها ، يقول لك أحدهم : الله خلقنا للعذاب ، كلام يتناقض مع القرآن ، (إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ولِذلك خَلَقَهُمْ) .
الله تعالى خلق الإنسان ليرحمه :
أخواننا الكرام ؛ الإنسان هو المخلوق الأول ، وهناك نقطة دقيقة ذكرتها اليوم ، هناك عبادات تبادلية ، الإنسان خُلِق ليُرحم ، هذا أصل خلقه ، والآية تقول :
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ(6) ﴾
ذاقوا طعمها في الدنيا ، وهذا معنى الآية الكريمة :
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) ﴾
أنا لا أصدق أن هناك مؤمناً متشائماً ، يقول لك : انتهينا ، لا ، لم ننته ، لا يوجد مؤمن يتشاءم ، التشاؤم يتناقض مع وحي السماء :
﴿ وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) ﴾
لسيد الخلق وحبيب الحق ، قد لا يُتاح له أن يرى مصير الظالمين؛ لأنّ دورة الحق والباطل أطول من دورة عمر الإنسان ،
﴿ وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ﴾
كمال الخلق يدلُّ على كمال التصرف :
الآن يوجد مقولة مهمة جداً ، يُقال : كمال الخلق يدلُّ على كمال التصرف ، شركة عملاقة تصنع أجهزة كمبيوتر من أعلى مستوى ، وأنت اشتريت عدداً كبيراً ، بمعنى أنت عندما تشتري من بائع خضار كيلو فواكه ، تدفع الثمن يضعه في جيبه فقط ، لا يوجد طلب ، ولا يوجد أمر شراء ، ولا يوجد مواصفات ، كمال الخلق يدل على كمال التصرّف ، هذا الكون بين أيديكم، بسمائه وأرضه ، بشمسه وقمره ، بمجرّاته ، بالمخلوقات ، بالجمادات ، بالنباتات ، بالحيوانات ، بالإنسان ، هذا الكون المُعجز يدلُّ على إلهٍ عظيم ، كمال الخلق يدل على كمال التصرف ، ومن كمال التصرّف ألا يدع الله عباده من دون توجيه ، فكانت بعثة الأنبياء ، وكانت الكتب السماوية ؛ لأنّ كمال الخلق يدل على كمال التصرف ، لكن لو أن إنساناً أرسله الله نبيّا أو رسولاً، وقال للناس : أنا رسول الله ، فإذا جاء بمنهج يتناقض مع شهوات الناس ، يكذّبونه ، وقال الذين كفروا : لست مرسلاً .
خرق نواميس الكون هو شهادة الله لعباده أن هذا الإنسان رسوله :
الآن دخلنا في الموضوع فكيف يشهد الله لعباده أن هذا الإنسان رسوله ؟ لابد من أن يجري على يديه خرقاً لنواميس الكون ، إن هذا الخرق لا يستطيعه إلا خالق السماوات والأرض ، فسيدنا موسى ضرب البحر بعصاه ، أصبح طريقاً يبساً ، من يستطيع فعل ذلك ؟
﴿ فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) ﴾
سيدنا إبراهيم أُلقي في للنار :
﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (69) ﴾
إذاً معجزات الأنبياء السابقين شهادة الله لأنبيائه أنهم أنبياؤه ، أو شهادة الله لرسله أنهم رسله ، إلا أن الأمر مع النبي عليه الصلاة والسلام أمرٌ آخر ، النبي الكريم خاتم الأنبياء والمرسلين ، رسالته خاتمة الرسالات ، بعثته خاتمة البعثات ، كتابه خاتم الكتب ، فلو أن المعجزة حسيّة كانت كضرب العصا في البحر ، كعدم إحراق النار سيدنا إبراهيم ، هذه المعجزة الحسيّة تماماً كتألق عود الثقاب ، يتألق وينطفئ ، ويصبح خبراً يصدقه من يصدقه ، ويكذبه من يكذبه ، ولأن النبي خاتم الأنبياء والمرسلين ، بعثته خاتمة البعثات ، رسالته خاتمة الرسائل ، لابد من معجزةٍ مستمرة ، ولن تكون مستمرة إن كانت حسيّة ، لابد من أن تكون معجزة مستمرة لذلك يجب أن تكون علمية ، لذلك في هذا الكتاب الكريم ألفٌ وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون والإنسان ، ألف وثلاثمئة آية كونيّة ، واحدة منها في رحلة أبولو ثمانية إلى القمر ، رواد الفضاء بعد حين من إطلاق المركبة ، قال أحدهم : لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً ، ما الذي حصل ؟ بعد ست وخمسين دقيقة لم يفهم أحد ماذا حدث ، هم في الحقيقة تجاوزوا طبقة الهواء ، طبقة الهواء ستة وخمسون ألف كيلو متر ، لمّا تجاوزوها التغى انتثار الضوء ، هذا المسجد في النهار فيه ضوء ، ذرات الهواء خارج المسجد تعكس أشعة الشمس إلى داخله ، بيوتنا كلها في النهار لن أقول يوجد فيها أشعة شمس ، هذا موضوع آخر ، هناك ضوء ، هذا الضوء هو انتثار الضوء ، فلما تجاوز رواد الفضاء طبقة الهواء صاح أحدهم : لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً ، هذه حادثة وقعت وهي مسجلة ، لكن افتح القرآن :
﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ (15) ﴾
كتابٌ أُنزِل قبل ألفٍ وأربعمئة عام يشير إلى حقيقة عرفناها الآن .
بعد مئة عام من تطور علم الأجنة تبين أن الذي يحدد نوع الجنين ، ذكراً أو أنثى ، هو الحوين وليس البويضة ، افتح القرآن :
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (45) مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ (46) ﴾
من نطفةٍ ، قبل اكتشاف أشعة الليزر ، التي تقاس بها المسافات بدقةٍ بالغة بالميليمتر، قال تعالى:
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) ﴾
بعد اكتشاف أشعة الليزر ، أعمق نقطة في الأرض غور فلسطين ، وفيه تمت هذه المعركة ، من هذه الإشارات ألف وثلاثمئة إشارة ، كلها تؤكد تأكيداً قطعياً يقينياً أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن ، إذاً شهادة الله لنبيه عليه الصلاة والسلام أنه أنزل عليه آيات.
اكتشاف عظمة القرآن مع تطور العلم :
لكن هناك سؤال دقيق جداً ، لو فحصنا كتب السنة ، هناك مفاجأة كبيرة ، أن النبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم في أي موضوع تعبدي له مئة حديث أو مئتا حديث ، حول هذه الآيات ألف وثلاثمئة آية لا يوجد أي حديث ، وكأن الله وجهه ألا يشرحها ، أو لعله اجتهادٌ منه لا يوجد أي حديث إطلاقاً ، لكن تصوّر لو أنه شرحها شرحاً مبسطاً يفهمه من حوله ، لأنكرنا نحن عليه هذا التفسير ، ولو شرحها كما هي عليه الآن لأنكر أصحابه عليه هذا التفسير ، هذه تُرِكت ، كلما تقدّم العلم كشف جانباً من عظمة هذا القرآن ، لذلك للإمام عليٍّ رضي الله عنه كلمة قال : " في القرآن آياتٌ لما تفسّر بعد "، أضع بين أيديكم مثلاً :
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) ﴾
المعنى الأولي أن بخار الماء يصعد إلى السماء يرجع مطراً ، الأرض تحيا بعد موتها، فلما كشفوا الموجة الكهرطيسية ، وأرسلوها إلى الفضاء رجعت ، هناك طبقة اسمها : الأثير ، لولا هذه الطبقة لما كان هناك بثٌّ إذاعيٌّ إطلاقاً في الأرض ، ولا تلفاز ، موجة كهرطيسية تبث إلى الفضاء الخارجي ، طبقة الأثير ترجعها ، إذاً معنى ذات الرجع أخذت معنى آخر الآن ، غير الأمطار صعود بخار الماء ورجوعه أمطاراً ، الآن إطلاق الأشعة الكهرطيسية التلفزيونية والإذاعيّة ، طبقة الأثير ترجعها إلى الأرض ، ثم اكتشف العلماء أن كل كوكبٍ في الكون يدور حول كوكبٍ آخر ، ويرجع إلى مكان انطلاقه النسبي : (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11 كلما تطور العلم الآية تغطي هذا التطور ، يوجد في القرآن تقريباً ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون والإنسان ، لذلك أخواننا الكرام ، الحكمة أن التطور العلمي وحده يكشف عظمة هذه الآيات ، لكن أريد أن أنقل لكم موقفاً حرجاً جداً ، إياك أن تمدح القرآن لأنه وافق العلم إياك ، يجب أن تمدح العلم إذا وافق القرآن ، القرآن هو الأصل هو كلام رب العالمين ، مثال بسيط : عالم فيزيائي يُعد من أعظم علماء الفيزياء ، أينشتاين هذا نشأ في ألمانيا وانتقل إلى أمريكا ، هذا العالم جاء بالنظرية النسبية التي تعد أول نظرية في علم الفيزياء ، هذه النظرية من خلالها اكتُشِفت السرعة المطلقة في الكون ، إنها سرعة الضوء ، فقط انتهى الأمر ، النظرية النسبية ، وهذه النظرية طاف أينشتاين على خمس وثلاثين ولاية في أمريكا ، وألقى هذه النظرية التي تفرّد بها ، الآن هناك طرفة ، معه سائق حفظها عن غيب ، خمسٌ وثلاثون مرة ، رجاه في آخر ولاية التي كان رقمها خمسة وثلاثين أن يقدم أينشتاين سائقه على أنه أينشتاين ، لم يكن يوجد تصوير في وقتها ، فقدمه ، وهذا السائق ألقى المحاضرة كما ينبغي تماماً ، ولكن ليس لديه إمكانية للإجابة على الأسئلة ، أحد كبار الدكاترة سأله سؤالاً مُحرجاً ، قال له : سؤالك سخيف جداً والدليل : أنا سأُكلّف سائقي ليجيبك ، فهذا العالم الكبير وصل إلى سرعة الضوء كيف ؟ هل تصدقون هذه السرعة بآية قرآنية ؟! نبدأ بالأرض والقمر ، القمر يدور حول الأرض دورة كل شهر ، لو أخذنا مركز الأرض ومركز القمر وصلنا بينهما بخط ، هذا الخط هو نصف قطر الأرض مع نصف قطر القمر مع المسافة بينهما ، هذا الخط هو نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض ، نصف القطر ضرب اثنين القطر ، ضرب ثلاثة فاصلة أربعة عشر المحيط ، ابنك الصغير بدقائق مع آلة حاسبة يحسب لك كم يقطع القمر في رحلته حول الأرض في الشهر ، ضرب اثني عشر في السنة ، ضرب ألف في ألف سنة ، العملية تتم بدقائق ، فقط نعرف نصف قطر القمر مع نصف قطر الأرض مع المسافة بينهما ، الآن لو قسّمنا المسافة على الزمن ، الناتج هو السرعة ، مشينا مئتي كيلومتر بالساعة ، السرعة نقسم المسافة على الزمن يكون الناتج في الساعة أننا مشينا خمسين كيلو متراً ، مثلاً لو قسمنا هذا الرقم الذي كشفناه من نصف قطر القمر مع نصف فطر الأرض مع المسافة بينهما ، ضرب اثنين ، ضرب ثلاثة فاصلة أربعة عشر ، ضرب اثني عشر ، ضرب ألف ، على الزمن ، على ألف السرعة في السنة ، على ثلاثمئة وخمسة وستين السرعة في اليوم ، على أربع وعشرين السرعة في الساعة ، على ستين في الدقيقة ، على ستين في الثانية ، إنها سرعة الضوء ، هذا البحث من ثمانين صفحة عُرِض في مؤتمر للإعجاز العلمي السادس في موسكو ، الآية :
﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ۚ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (47) ﴾
بمعنى ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألفِ عام يقطعه الضوء في يوم واحد ، هذه النظرية العملاقة ، النظرية النسبية التي قلبت مفاهيم الفيزياء مدرجة في خمس كلمات في القرآن الكريم :
﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (47) . ﴾
الآن الأرض تدور حول الشمس ، المسار ليس دائرياً ؛ بل هو بيضوي ، البيضوي شكل له مركزان ، فإذا انتقلت الأرض من القطر الأطول - البيضوي له قطران قطر أطول وقطر أصغر ، من هنا إلى هنا أصغر ، من هنا إلى هنا أكبر - إلى الأصغر المسافة ضاقت، الجاذبية ازدادت ، فلابد من أن تنجذب الأرض إلى الشمس ، قانون الكتلة والمسافة ، الذي يتحكم في الجذب المغناطيسي الكتلة والمسافة ، الكتلة ثابتة والمسافة اختلفت ، هنا نصف القطر الطويل ، فانتقلت من هنا إلى هنا ، لابد أن تنجذب إلى الشمس ، فإذا انجذبت تبخرت في ثانيةٍ واحدة ، لم يبق هذا المجلس ، يذهب المجلس ، تذهب الجزائر كلها ، ذهب الشرق الأوسط كله، ما الذي يحصل ؟ الآن دققوا ، ترفع الأرض سرعتها هنا ، لينشأ من رفع السرعة قوةٌ نابذة ، تكافئ القوة الجاذبة ، فتبقى على مسارها ، الآية :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَ ا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) ﴾
هذا العلم ، العلم بكل ما فيه يؤكد عظمة الله ، يؤكد وجوده ، يؤكد وحدانيته ، يؤكد كماله ، الآن الأرض رفعت سرعتها ، نشأ قوة نابذة كافأت القوة الجاذبة ، كل واحد منكم لو أمسك وعاء ماء وجعله يدور لا ينزل ؛ لأنّه يوجد قوة نابذة ، الآن الأرض سارت إلى القطر الأطول ، المسافة زادت ، الجاذبية ضعفت ، ينبغي أن تتفلّت الأرض بجاذبية الشمس ، إن تفلّتت هناك نتيجة بسيطة جداً ، الحرارة تصبح ثلاثمئة وستين تحت الصفر ، تنتهي الحياة إذا تفلّتت من شدة البرودة ، وتنتهي الحياة إذا انجذبت من شدة الحرارة ، تتبخر الأرض في ثانية واحدة ، أربعون ألف درجة الحرارة ، قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا) هذا خلق الله ، فأروني ماذا خلق الذين من دونه .
أخواننا الكرام ؛ أقرب نجم ملتهب إلى الأرض كم تظنون بعده عنا ؟ هذا النجم يبتعد عن الأرض أربع سنوات ضوئية ، لو أردنا أن نقيس هذه السنوات ، في الثانية ثلاثمئة ألف كيلومتر ، في الدقيقة ضرب ستين ، في الساعة ضرب ستين ، في اليوم ضرب أربع وعشرين ، في السنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين ، ضرب أربع سنوات ، هذه المسافة إن أردنا أن نقطعها بمركبةٍ أرضية لاحتجنا إلى خمسين مليون سنة ، خمسون مليون سنة كي نقطع مسافة أقرب نجم ملتهب إلى الأرض ، هذا أقرب نجم أربع سنوات ، نجم القطب أربعة آلاف سنة ، كنا في أربع نحتاج إلى خمسين مليون سنة ، القطب أربعة آلاف ، المرأة المسلسلة مليونا سنة ضوئية ، أحدث مجرّة ثلاثة عشر ألف مليون سنة ضوئية ، اسمع القرآن :
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ(75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ(76) ﴾
فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
عبادة التفكر أقصر طريق إلى الله :
لذلك أخواننا الكرام قد لا تنتبهون إلى أن هناك عبادة هي أرقى العبادات قاطبةً ، إنها عبادة التفكُّر ، التفكر يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله ، التفكُّر أقصر طريق إلى الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله ، وأصل هذه العبادة في القرآن ، الدليل :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾
واقف ، جالس ، دائماً : (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ، والفعل مضارع، والمضارع يفيد الاستمرار ، ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار .
أخواننا الكرام ؛ حينما أهملنا هذه العبادة تخلّفنا ، ألا تفكر معي أن الصحابة الكرام بقوا في مكة المكرمة عشر سنوات تقريباً ، والآيات كلها عن الكون والإنسان ، التشريع نزل في المدينة ، إذاً هذه مرحلة مكية ، معرفة الآمر ، لذلك إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر ، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلّت من هذا الأمر ، وكأنني وضعت يدي على مشكلة المسلمين الأولى ، معرفتهم في أحكام الشريعة درسناها في الابتدائي ، والإعدادي ، والثانوي ، وفي الجامعة ، أما من هو الآمر ؟ من هذا الذي أمرك ؟ ماذا عنده لو قطعته ؟ ماذا تنتظر منه لو عصيته ؟
(( إِنَّ هذا العلمَ دينٌ ، فانظروا عمن تأخذونَ دينَكم ))
(( يا بنَ عمرَ! دينُك دينُك ، إنَّما هو لحمُكَ و دمُكَ ، فانظُر عمَّن تأخذُ ، خُذ عنِ الَّذينَ استَقاموا ، و لا تأخُذ عن الَّذينَ مالوا ))
الله عز وجل قال:
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) ﴾
الإنسان يوجد برأسه ثلاثمئة ألف شعرة تقريباً ، في كل شعرةٍ وريد وشريان وعصبٌ وعضلةٌ وغدة دهنية وغدة صبغية ، لو كان هناك في الشعر أعصاب حس ، أين ذاهب ؟ إلى المشفى ، لماذا ؟ سأحلق شعري ، من دون تخدير كامل لا تستطيع الحلاقة ، من رحمة الله فينا الشعر لابد من قصه لذلك لا يوجد فيه أعصاب حس ، والأظافر كذلك ، لو دققت في خلق الإنسان ، في بنيته ، في عظامه ، أخواننا الكرام أقصر خلية في الإنسان خلية الأمعاء الدقيقة ، عمرها ثمان وأربعون ساعة ، وأطول عمر خلية هي الخلية العظمية عمرها خمس سنوات ، أنت بكل ما فيك بعد خمس سنوات إنسان آخر ، إلا الدماغ والقلب ، لو أن الدماغ يتغير ، ماذا تعمل ؟ كنت طبيباً ، الدماغ مئة وأربعون مليار خلية سمراء استنادية لم تُعرف وظيفتها بعد حتى الآن ، هذا الدماغ أعقد شيء في الكون ، ومع أنه أعقد شيء هو عاجز عن فهم ذاته ، هذا الدماغ ، الكبد يقوم بخمسة آلاف وظيفة ، وكل خلية من خلايا الكبد تقوم بكل هذه الوظائف ، الآن يوجد عمليات ناجحة من سنة ليس أكثر ، أخ يعطي أخاه نصف كبده ، يُزرع هذا الكبد ، الكبد يعيد بناء نفسه بعد ستة عشر أسبوعاً ، ممكن أن يصاب الإنسان بتشمّع كبده كلياً فيأخذ من أخيه قسماً من كبده ، هذا الكبد ينمو خلال أسابيع ، خمسة آلاف وظيفة تقوم بها كل خلية، القلب يضخ بعمر ستين عاماً ، لو فرضنا الدم مستمر لا يوجد دورة راجعة ، هذا القلب في ستين عاماً يملأ أكبر ناطحة سحاب في العالم ، نبض القلب مع نقل الدم في اليوم ثمانية أمتار مكعبة، ضرب ثلاثين يوماً ، ضرب ثلاثمئة وستين يوماً ، خلال مدة معينة يملأ القلب في ستين سنة تقريباً أكبر ناطحة سحاب في العالم ، لا يكلُّ ولا يملّ ، والآن اكتُشف أن القلب مصدر الأحاسيس والأذواق ، تمّ زرع سبعين قلباً في العالم الغربي ، الذي زُرع قلبه ما عرف أحفاده ، الذي زُرع قلبه تغيّر مزاجه ، طعام لم يكن يحبه أصبح يحبه ؛ لأنّ القلب الذي زرعه يحب هذا الطعام ، حتى أن هناك شخصاً زُرع قلبه تكلّم كلمة ليس لها معنى ، لم يفهموها ، فذهبوا إلى زوجة صاحب القلب المزروع وسألوها : ما معنى هذه الكلمة ؟ قالت : هذه الكلمة اخترعتها أنا وزوجي ، معناها الأمور على ما يرام ، يوجد سبعون بحثاً حول زراعة القلب شيء لا يصدق :
أتحسب أنك جرمٌ صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ (11) ﴾
التفكر في عظمة خلق الله للإنسان :
أخواننا الكرام ؛ كنت أنا في أمريكا قبل سنوات عدة ، هناك موضوع ، هناك غدة بقدر هذه السلامية بالضبط ، اسمها التايموس ، هذه بجانب القلب لأنها بعد سنتين تضمر كليّاً ، فكان شرحها أنه لا وظيفة لها ، ثم اكتُشف أنها أخطر غدة في الإنسان ، هذه الغدة مدرسة حربية تدخلها الكريات البيضاء همجيةً جاهلة ، تقبع سنتين تتعلم هذه الكريات من هو العدو ومن هو الصديق ، والعدد بالآلاف ، الآن لا تتخرج إلا بامتحان ، تُعطى هذه الكرية البيضاء عنصراً صديقاً ، فإن قتلته ترسب وتُقتَل ، وتُعطى عنصراً عدواً إن لم تقتله ترسب وتُقتَل ، فأنت إذا شخص لم ينجح في الجامعة نعمة أنه يبقى حياً ، هذه الكريات البيضاء إن رسبت تُقتَل ، الخريجات ناجحات كلهنّ ، الوجبة الناجحة تُعلّم الأجيال الصاعدة هذه المعلومات ، بمعنى بعد عمر الستين أو السبعين يضعف التعليم تنشأ حالة اسمها : الخرف المناعي ، هذا الخرف المناعي يتمثل بالتهاب المفاصل الرثوي ، بمعنى هناك حرب أهلية في الجسم ، جندي يقاتل جندياً صديقاً ،
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ (11) ﴾
فهذه التايموس مدرسة حربية ، تدخلها الكريات البيضاء همجية جاهلة ، بعد سنتين تتخرج منها مثقفة ، لدي صورة لها تماماً كمدرج الجامعة ، كل خلية جالسة تستمع من هو العدو ومن هو الصديق ، فلولا هذه الغدة كان لدينا مشكلة كبيرة جداً .
شيء آخر ؛ المرأة حينما تلد ينزل مع الجنين قرص لحمي اسمه عند الأطباء : المشيمة ، عندنا اسمه : الخلاص ، هذا القرص يُرمى في المهملات فوراً ، لكن هناك شيء لا يصدق تجتمع في هذا القرص دورة دم الأم مع دورة دم الجنين ولا يختلطان ، ما الجهاز الذي يمنع اختلاطهما ؟ الآن لو أعطينا إنساناً دماً من زمرة أخرى يموت فوراً ، لدينا قصة خطيرة جداً، مريض خرج من المستشفى ، إضبارته بقيت على السرير ، فجاء مريض آخر فكان مُغمى عليه ، جاء الطبيب وجد الدم قليلاً ، فتح الإضبارة وجد الزمرة طلب من الممرض أن يعطيه الدم، مات فوراً ، يموت بانحلال الدم ، وهذه المشيمة يجتمع فيها دم الأم مع دم الجنين ، وكل دم زمرة ولا يختلطان ، لم لا يختلطان ؟ بينهما غشاءٌ سماه الأطباء : الغشاء العاقل ؛ لأنّه يقوم بأعمال تعجز عنها العقلاء ، ماذا يفعل ؟ يأخذ السكر من دم الأم يضعه في دم الجنين ، يأخذ الأوكسجين من دم الأم يضعه في دم الجنين ، يأخذ الأنسولين من دم الأم يضعه في دم الجنين، صار في دم الجنين سكر ، أوكسجين ، أنسولين ، يحترق السكر بالأوكسجين بوساطة الأنسولين، حرارة الجنين سبع وثلاثون درجة ، الناتج ثاني أكسيد الكربون ، يأتي الغشاء العاقل يأخذ ثاني أكسيد الكربون من دم الجنين يضعه في دم أمه ، فزفير الأم الحامل جزءٌ منه زفير جنينها .
شيء آخر الغشاء العاقل ينقل للجنين جميع عوامل المناعة ، جميع الأمراض التي أُصيبت بها أمه هذه المناعة تُنقل إلى دم الجنين ، فالجنين مُحصّن من كل الأمراض التي أُصيبت بها أمه .
الشيء الثالث هذا الغشاء العاقل يقوم بعمل أنا أتحدى أن يوجد طبيب واحد في الأرض يستطيع فعل ذلك ، ينقل ما يحتاجه الجنين من مواد ، قد تصل إلى ألف مادة ، شحوم ثلاثية ، بروتينات ، يوجد ألف بند من الأغذية كلها تُنقل إلى دم الجنين بنسب تتغير كل ساعة، يد من ؟! عظمة من ؟! قدرة من ؟! علم من ؟! هذا الإله العظيم يُعصى ؟! ألا يُخطب ودّه ؟ ألا تُرجى جنته ؟ ألا تُخشى ناره ؟ هذا الغشاء العاقل ينقل من دم الأم حاجات غذائية إلى دم الجنين، لو فرضنا هذه الأم يوجد طعام لا تحبه ، وهذا الطعام فيه بوتاسيوم ، تشتهي الأم الحامل طعاماً فيه بوتاسيوم ، هذا الوحام ، تشتهي الأم طعاماً لا تحبه من أجل جنينها ،
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ (11) ﴾
وظائف هذا الغشاء لا تصدق ، طعام الجنين بحاجة له ، ماذا سيفعل الجنين ؟ تشتهي الأم الطعام الذي يحتاجه جنينها ، هذا الوحام باللغة الشائعة .
أخواننا الكرام ؛ والله الذي لا إله إلا هو لو أمضينا أعمارنا كلها في معرفة عظمة خلق الإنسان لن ننتهي .
الآن الله قال :
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ﴾
أول كلمة بأول آية بأول سورة : (اقْرَأْ) ، بمعنى ابحث عن الحقيقة ، لذلك هنا قراءة البحث وهي قراءة إيمان ، وهناك قراءة شكر وعرفان :
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) ﴾
منحك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإرشاد ، ونعمة الهدى والرشاد :
﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) ﴾
اللغة ، المعرفة تنتقل من جيل إلى جيل ، ومع الترجمة من أمة إلى أمة ، مثلاً كتاب تفسير القرطبي عمره ألف سنة ، كيف ينتقل من جيل إلى جيل ؟ لأنّ فيه كلمة
﴿ اقْرَأْ ﴾
مكتوبة ، اللقاء الشفهي مسموعات ، أما اللقاء الكتابي فمكتوبات ، والترجمة من أمة إلى أمة ، هذا هو العلم .
أخواننا الكرام ؛ من آيات الله الدالة على ذلك ائت بعدسة ، ائت بورق مقوى ، تحتاج إلى نصف دقيقة إلى أن يقع هذا الورق المقوى في المحرق تماماً لتكون الصورة دقيقة جداً ، العين فيها عدسة ، أنت تتابع كرة قدم تنتقل الكرة من مكان إلى مكان ، وكل الصور من على الانترنت ، ماذا حصل ؟ هذا معناه هناك جهة ثالثة تأخذ مسافة وتزيد احتداب العدسة ، هذه المطابقة أعقد عملية في الإنسان ، تتم ضمن ستين متراً ، وأنت لا تدري ، العدسة إذا كان الجسم بعيداً يقل احتدابها، إذا كان قريباً يزداد احتدابها ، حتى تأتي الصورة دقيقة جداً على الشبكية ، والشبكية عشر طبقات مساحتها مليمتر وثلث ، كم مستقبل فيها ؟ مليون وثلاثمئة ألف مستقبل ، حتى تفرّق بين تسعة ملايين لون ،
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ (11) . ﴾
أخواننا الكرام ؛ هناك عالم من كبار علماء الألمان ، هذا سافر إلى أمريكا وأصبح أحسن أستاذ رياضيات في سان فرانسيسكو ، أستاذ كبير جاءته فتاة شرق أوسطية ، من الشرق الأوسط ومحجبة في أيام الصيف والفتيات شبه عرايا ، هذه الإنسانة لديها قناعات تتميز بها عن كل البنات ، البنات شبه عرايا وهي محجبة ، الموضوع الذي طلبته مختص فيه تلميذه ، تلميذه عندما رآها إنسانة أخرى محجبة ، هل ممكن أن يكون الحجاب وحده سبب هداية عالم ؟ لم تتكلم في الدين ولا كلمة واحدة ، ولكن رآها في وضع مستور وهي ذكية جداً ، تعمل دكتوراه في الرياضيات ، فعكف من يومها على قراءة القرآن ، وهو يظنه كتاباً مختلقاً يبحث عن الخطأ فيه ، وصل إلى آية الله خاطب فرعون :
﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) ﴾
صديقه موريس بوكاي له كتاب في الأديان قيّم جداً ، قال له : تفضل ، هل تقول إن القرآن كتاب الله ؟ قال له : هذا الإنسان الذي ذكره القرآن رممت جثته بيدي ،
﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾
هذا الإنسان الآن من أكبر الدعاة إلى الله ، ما الذي حمله على الإسلام ؟ امرأةٌ محجبة ، لذلك لله في خلقه شؤون ، هذه طرفة ، أستاذ رياضيات في بلد من البلدان رسم خطين متوازيين ، قال: المتوازيان لا يلتقيان ، قال له طالب : هذا الكلام فيه شرك يا أستاذ ، ليس للرياضيات علاقة بالدين ، النتيجة ألغوا له عقده ، جاء أستاذ آخر أذكى منه ، أول درس رسم متوازيين ، قال: المتوازيان لا يلتقيان إلا بإذنه تعالى ، فإذا التقيا فلا حول ولا قوة إلا بالله ، الإنسان بحاجة أحياناً إلى غير العلم ، أن يشعر بحالة مع الله طيبة ، أحد العارفين بالله قال :
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنـــــــــــــــــا فإنا منحنا بالرضا من أحبنـــــــــــــــــا
ولذّ بحمانا واحتـــــــــــــم بجنابنــــــــــــــــا لنحميك مما فيه أشرار خلقــــــنـــــــا
وعش في حمانا خاضعا متــــــــــــذللاً وأخلص لنا تلقى المسرة والهنـــــــا
وسلم إلينا الأمر في كل مـــــــــا يكــن فما القرب والإبعــــــــاد إلا بأمرنـــــــا
ينادى له في الكون أنــــــــــا نحبــــــــــه فيسمع من في الكون أمر محبـنـا
فيكسى جلالاً بالوقـــــــــــــــــــار لأنــــــــــه أقام بإذلال على بـــــاب عزنـــــــــــــــا
تمسك بأذيال المحبـــــــــــة واغتنـــــــــــم ليالٍ بها تحظى بأوقات جمعــنــــــــا
وقم في الدجى فالليل ميقات من يرد وصال حبيبٍ فاغتنم فيه وصلنـــــــا
فما الليـــــــــــــــل إلا للمحـــــــــب مطيـــــــةٌ وميدان سبق فاستبق تبلغ المنــــــا
وسر نحونا في الليل لا تخش وحشةً وكن ذاكراً فالأنس في طيب ذكرنــــا
وعن ذكرنا لا يشغلنـــــــك شاغـــــــــــــــلٌ ولا تنسنا واقصد بذكرك وجهنــــــــــــا
ولا تنس إحساناً بسطنـــــــــاه يا فتـــى نسيت فقربنــــــاك حتى عرفتنـــــــــــــــــا
كفيناك أغنيناك عن سائـــــــــر الورى فلا تلتفت يوماً إلى غيــــــر وجهنـــا
نسيت فذكرناك هل أنت ذاكــــــــــــــــرٌ؟ لإحساننا أم أنت نـــــــاس لفضلنـــــــا
وجدناك مضطراً فقلنا لك : ادعنــــــا نجبك فهل أنت حقــــــاً دعوتنـــــــــــا؟
دعوناك للخيرات أعرضت نائيــــــــــــــاً فهل تلق من يحسن لمثلك مثلنــــــا
سألت فأعطيناك فوق الــــذي تــــــرد عصيت فأمهلنا عليــــك بحلمنــــــــــــــا
غفرنا تكرمـــــــاً عليـــــــــــــــك وكلــــــــما تسترت أسبـــــلنا عليــــــك بستـــرنــــــــا
نباديك بالإحسان تأتي بضـــــــــــــــــده مع العلم والإقرار أنـــــــك عبدنـــــــــــــــا
فيا خجلتي منه إذا قال لـــــــــــــــــي : أيا عبدي ما قـــــــرأت كتابنـــــــــــــــــــــا؟
أما تستحي منا ويكفيــــــك ما جــرى أما تخشى من عتبنا يــــــــوم جمعنــــا
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعـــــاً إلينا وتنظر ما به جــــــــــاء وعدنــــــــــا
فأحبابنا اختاروا المحبة مذهبــــــــــاً وما خالفوا في مذهب الحب شرعنـــا
فلو شاهدت عيناك من حسننــــــــــا الذي رأوه لمــــــــــا وليت عنا لغيرنـــــــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنـــــا خلعت عنك ثياب العجب عنك وجئتنا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـــــــةٌ لمت غريبــــــــــاً واشتياقـــــــــاً لقربنـــــــــــا
ولو ذقت من طعم المحــــــــــبة ذرّةً عذرت الذي أضحـــــــى قتيلاً بحبنـــــــــــا
ولو سمعت أذناك حسن خــطابنــا خلعت عنك ثياب العجب عنك وجئتنا
فمن جاءنا طوعاً رفعناه رتبــــــــــةً وعنه كشفنــــا الهـــــم والغــم والعنــــــــــا
ومن حاد عنا ضلَّ سعياً ومذهبـــــاً وباء بحرمانٍ ولم يبلـــــــــغ المنــــــــــــى
أنت من حين إلى آخر بحاجة إلى صلة مع الله ، بحاجة لأن تبكي خشوعاً لله ، هناك شحن علمي ، وشحن روحي ، هذا الهاتف الذي تحمله إذا لم تشحنه أصبح قطعة بلاستيك لا قيمة له ، يحتاج إلى شحن والشحن نوعان ، معلومات دقيقة جداً حقيقية ، واضحة ، جليّة ، تهزُّ مشاعرك ، تحتاج لشحن روحي ، تنعقد مع الله صلة ، فإذا عرفت أن تأتي الدين من كل أطرافه ، العقل غذاؤه العلم ، القلب غذاؤه الحب ، الجسم غذاؤه الطعام والشراب ، فأرجو الله سبحانه وتعالى أن نعود إلى هذا الدين العظيم ، أن نرد إليه رداً جميلاً ، وأن يحفظ الله بلادكم إن شاء الله ، وإيمانكم ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، ومالكم .
الفرق بين حقائق الإيمان وحلاوة الإيمان :
أخواننا الكرام ؛ يوجد لدينا مصطلحان في الدين ، أول مصطلح حقائق الإيمان ، والثاني حلاوة الإيمان ، بينهما فرقٌ شاسع ، حقائق الإيمان معلومات ، مثلاً هذه المركبة ، سبعون حصاناً ، وزنها أربعة أطنان ، صُنعت في البلد الفلاني ، ولديك صور من داخلها ، ومن خارجها ، وللمحرك يوجد صور ، وهي تمشي على طريق فيه جبل أخضر ، لها صور ، هذا يسمونه كتالوج ، فبين أن تملك هذا الكتالوج وبين أن تملك هذه المركبة مسافة كبيرة جداً ، لديك خريطة لقصر ، قصر جميل جداً هذا كله ورق ، وبين أن تملك هذا القصر ، المسافة كبيرة جداً جداً ، لذلك النبي الكريم قال :
(( ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوةَ الإيمانِ : من كان اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما ، ومن كان يحبُّ المرءَ لا يحبُّه إلا للهِ ، ومن كان يكرُه أن يرجعَ في الكفرِ بعد إذ أنقذَه اللهُ منه كما يكرُه أن يُلقى في النارِ ))
الثمن باهظ ، النتيجة باهرة ، كلما كانت النتيجة باهرة الثمن باهظ ، أول ثمن أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، بربكم لو سألنا ملياراً وثمانمئة مليون الآن : أليس الله ورسوله أحب إليك ؟ طبعاً ليس هذا هو المعنى ، عند التعارض ، حينما تتعارض مصلحتك المادية الآنية المتوهمة مع نصٍ شرعي ، تقف إلى جانب الشرع ، وتركل بقدمك هذه المصلحة ، الآن دفعت دفعة أولى من حلاوة الإيمان ، حلاوة الإيمان أنت سعيد ، أنت أسعد إنسان ، حلاوة الإيمان أنت حكيم :
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) ﴾
حلاوة الإيمان أنت لك بصرٌ ثاقب ، رؤيةٌ واضحة ، قرب من الله ، والله لو أمضينا الأعوام في الحديث عن حلاوة الإيمان ، حلاوة الإيمان ذاقها الصحابة الكرام ، وصلوا إلى بواتييه ، زرت المكان في فرنسا ، إلى هنا وصل الصحابة ، وإلى الصين ، أما من دون حلاوة الإيمان فخمس عواصم محتلّة ؛ لأنّه لا يوجد حلاوة إيمان ، يوجد مصحف معلّق في المركبة ، آية الكرسي في المنزل ، لكن الدخل غير صحيح ، والإنفاق غير صحيح ، هذا الدين والله أتمنى هو ليس خمسة بنود كما نتوهم ، صوم وصلاة ، حج وزكاة ، هذا منهج تفصيلي ، يبدأ من أخصّ خصوصيات الإنسان ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، منهج كامل ، كيف تختار زوجتك ، كيف تعاملها ، كيف تربي أولادك ، كيف تختار حرفة ترضي الله ، كيف تعامل أصدقاءك ، أكثر من خمسمئة بند ، هذه إذا طبقتها ذقت حلاوة الإيمان ، إن هذا العلم دين ، قضية الدين قضية خطيرة ، قضية سعادة أو شقاء ، قضية موت أو حياة :
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾
الإيمان مرتبة أخلاقية وعلمية وجمالية :
إذا كان هناك شخص دينه غال بالنسبة له ، لابد من طلب العلم ، لا يستطيع شخص أن يقول إنه دكتور إلا إذا كان معه ابتدائي ، وإعدادي ، وثانوي ، وجامعة ، ولسانس في الآداب، أو بكالوريوس في العلوم ، ودبلوم عام ، ودبلوم خاص ، ماجستير ، دكتوراه ، ثلاث عشرة شهادة ، الإيمان مرتبة علمية ، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً ، لو اتخذه لعلمه .
الإيمان مرتبة أخلاقية ، المؤمن لا يكذب ، لا يحتال أبداً ، الإيمان مرتبة جمالية ، لا يوجد أسعد منه ، وإن لم تقل : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني ، إلا أن يكون أتقى مني لديك مشكلة في إيمانك .
طلب العلم فريضة على كل مسلم :
أخواننا الكرام ؛ طلب العلم فريضة على كل مسلم ، لابد من طلب العلم ، لابد من تدارس هذا الدين ، اجعل لنفسك حصة يومية ، أسبوعية ، نصف أسبوعية ، تدارسوا هذا الدين ، ولا يوجد عصر العلم فيه مبذول كهذا العصر ، أي سؤال لديك آلاف الأجوبة ، والدين ميسور ، هل تستطيع أن تدخل إلى طبيب من دون مبلغ في جيبك ؟ لا تستطيع ، تستطيع أن تدخل إلى مليون مسجد من دون مال ، الدين مبذول للناس كلهم ، فاستغل هذه الفرصة ، وكلما عرفته في وقت مبكر تنتفع كبير ، يقول لك : أصبح لديه تصلّب شرايين ، سألت مرة طبيباً : إذا الإنسان لم يصب بأي مرض كيف يموت ؟ قال لي: بالتصلّب ، هذا الشريان مرن ، يتلقى القلب نبضة فيتوسع معه ، لأنه مرن يعود ، عندما يعود يصبح قلباً آخر ، عندما تتراكم الدهون على الجدران يفقد مرونته ، فيتعب القلب ، لذلك قضية المرونة من أدق صفات الذي يعيش حيّاً نشيطاً ، هذه مرونة الشرايين ، هذه تحتاج إلى نظام غذائي معين ، وإلى بعد عن الشدة النفسية ، مرة قال لي طبيب أربع حقائق : كُل كل شيء ، كل شيء يغطي حاجة في الإنسان ، هناك أطعمة ترمم الغشاء المخاطي في الجهاز الهضمي ، هناك أطعمة ترمم خلايا الدماغ ، كُلْ كل شيء ، وكُلْ قليلاً ، وابذل جهداً ، وابتعد عن الشدة النفسية :
﴿ هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) ﴾
الغيظ مميت ، المؤمن استقامته وقربه من الله عز وجل يبعداه عن الشدة النفسية .
الحقيقة أخواننا الكرام القضية خطيرة ، قضية سعادة أو شقاء ، توفيق أو تعسير :
﴿ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) ﴾
القرآن عظمته الآية لها معنى سياقي ، بمعنى من يتق الله في طلاق زوجته طلقة واحدة يجعل الله له مخرجاً لإرجاعها ، أما طلاق في الثلاث فارتكبت خطأ كبيراً ، الآية انزعها من سياقها ، سياقها على الطلاق ، ومن يتق الله في كسب ماله يجعل الله له مخرجاً من إتلاف ماله ، من يتق الله في اختيار زوجته ، يختارها صاحبة دين ، يجعل الله له مخرجاً من طلاقها ، من يتق الله في تربية أولاده يجعل الله له مخرجاً من عقوقهم ، يكتب عن هذه الآية آلاف الصفحات ، إذا اتقيت الله في هذا الموضوع لك نتائج طيبة ، وهذا كله إن شاء الله في القرآن موجود والسنة ، وطلب العلم حتماً واجب على كل مسلم :
﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُونَ (18) ﴾
الآية الثانية :
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) ﴾
ذات مرة قال لي شخص : تقول : المؤمن سعيد ، لا هو ليس سعيداً ، هو بعيد عن الدين كثيراً ، قلت له : اشرح لي ؟ قال : إذا كان هناك موجة حرّ يتحملها المؤمن أيضاً ، صحيح ؟ وإذا هناك موجة غلاء يتحملها المؤمن ، قلت له : اسمع جوابي ، إذا كان هناك شخص فقير جداً ، لديه خمسة أولاد ، ودخله لا يكفيه ثمن خبز فقط ، منزله بالأجرة ، وعليه دعوى إخلاء ، هذه حالة من أصعب الحالات ، هذا الإنسان الفقير المعدوم ، الذي لا يكفيه دخله طعاماً وشراباً ، له عم معه خمسمئة مليون ، مات في حادث وليس لديه أولاد ، ما الذي حصل ؟ خلال ثانية انتقل له خمسمئة مليون ، أما قبضه فلا يكون إلا بعد سنة ، إجراءات معقدة وروتين ، لماذا بهذه السنة هو أسعد إنسان ولم يأكل لقمةً زيادة ؟
﴿ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61) ﴾
فمن هو المؤمن ؟ يعاني ما يعاني إلا أن الله وعده بالجنة ، هذا الوعد في الجنة ينسيه كل مشكلاته ، لأن الله وعده بالجنة ،
﴿ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
أخواننا الكرام ؛ هذا الدين خيار مصيري ، في كل صف له ترتيب ، تنجح من السابع إلى الثامن ، من الثامن إلى التاسع ، من التاسع إلى العاشر ، وهكذا ، في التوجيهي علاماته يحددون مصيره ، آخر فرع يوجد فيه خمسة آلاف شخص يحمل هذا اللسانس وعاطل عن العمل فكلما كانت علاماتك أعلى تختار فرعاً أعلى ، وهذا الأمر بين أيديكم .
أرجو الله مرةً ثانية أن يحفظ لكم إيمانكم ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، ومالكم ، واستقرار بلادكم .