- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠88برنامج مع الرسول - قناة الرسالة
مقدمة :
الدكتور بلال نور الدين :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبيه الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أخوتي الأكارم ؛ أخواتي الكريمات ؛ أسعد الله أوقاتكم بكل خير في مستهل حلقة جديدة من برنامجنا : "مع الرسول صلى الله عليه وسلم" .
أيها الكرام ؛ قيل للقعقاع الأوسي : صف لنا شيئاً في الجنة يشوقنا إليها ؟ قال : فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
معاً مع ومضات جديدة ، وإشراقات مفيدة ، نستقيها ونحاور فيها شيخنا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، السلام عليكم سيدي .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الدكتور بلال نور الدين :
قبل أن أبدأ بالحلقة سيدي ، قالوا : قل لنا شيئاً عن الجنة يشوقنا إليها ؟ قال : فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أكبر إكرام من الله للداعية أن يكون من حوله يفهمون عليه :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أبلغ جواب ، قمة الكمال البشري ، وصحابته نخبة الأمة ، لكن يوجد ملمح دقيق قول النبي الكريم :
(( عن عويم بن ساعدة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله اختارني واختار لي أصحاباً فجعل لي منهم وزراء وأنصاراً وأصهاراً ، فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل ))
أنا باجتهادي المتواضع أرى أن أكبر إكرام من الله للداعية أن يكون حوله من يفهم عليه ، هذا إكرام كبير ، أن يكون من حولك على شاكلتك ، على قرب منك ، على قرب من هدفك ، هذا إكرام ما بعده إكرام ، أن يكون من حولك على شاكلتك ، هذا عند النبي رقم واحد ، لكن كل إنسان يدعو إلى الله بقدر صدقه يهيئ له ربه حوله من هم على شاكلته ، صار هذا قانوناً .
الدكتور بلال نور الدين :
سيدي ؛ اليوم الموضوع هو ومضة مشرقة من سيرته صلى الله عليه وسلم عقب غزوة حنين النبي صلى الله عليه وسلم كما تعلمنا منكم وزع الغنائم في الناس ، وكأنه لم يعط الأنصار من الغنائم ، وهم المتمكنون في دينهم ، فألف قلوب أقوام آخرين ، فوجد الأنصار في نفوسهم عليه ، فجمعهم صلى الله عليه وسلم ، نتحدث الآن عن القائد الذي يجمع القوم ويبين لهم .
القيادة حكمة ورحمة و واقعية :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنا ما سمعت في حياتي قائداً يملك حكمة كهذه الحكمة ، ألّف قلوبهم ، شكر لهم نصرتهم له ، وكان في أوج قوته ، وكان بإمكانه بنظر القادة الآخرين أن ينهي وجودهم .
الدكتور بلال نور الدين :
لا يستمع إليهم أصلاً .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
ذكر لهم فضلهم عليه ، وهو في أعلى درجة من القوة ، أنا ما وجدت بالسيرة خطاب قائد يرقى لهذا المستوى ، طيّب قلوبهم ، ذكرهم بفضلهم عليه ، ثم ذكر فضله عليهم ، فذابوا ، هذه هي القيادة ، القيادة حكمة ، القيادة رحمة ، القيادة واقعية ، القيادة علم ، القيادة أن تقول الكلمة المناسبة في الوقت المناسب .
الدكتور بلال نور الدين :
هذه صناعة الأصدقاء سيدي .
سيدي لو نقرأ هذا الخطاب الذي تفضلتم بكلمة ، الخطاب جميل جداً ! قال :
(( عن العرباض بن سارية رضي الله عنه : قال : لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطي من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء ، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة ، حتى قال قائلهم : لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه ، فدخل عليه سعد بن عبادة فقال : يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت ، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب ، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار شيء قال : فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ قال : يا رسول الله ما أنا إلا امرؤ من قومي ، وما أنا من ذلك قال : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة قال : فجاء رجل من المهاجرين فتركهم ، وجاء آخرون فردهم ، فلما اجتمعوا أتاه سعد فقال : قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار ، قال : فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو له أهل ثم قال : يا معشر الأنصار مقالة بلغتني عنكم ، و جدة وجدتموها في أنفسكم ، ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي ؟ وعالة فأغناكم الله ؟ وأعداء فألف بين قلوبكم ؟ قالوا : بل الله ورسوله أمن وأفضل ، قال : ألا تجيبوني يا معشر الأنصار ؟ قالوا : وبماذا نجيبك يا رسول الله ، ولله ولرسوله المن والفضل ؟ قال : أما والله لو شئتم لقلتم فلصَدقتم ولصُدقتم ، أتيتنا مكذَّباً فصدقناك ، ومخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك ، وعائلاً فواسيناك . أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم ؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم في رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده إنه لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعباً لسلكت شعب الأنصار ، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار . قال : فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا : رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً وحظاً . ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا ))
لم يقل فهديتكم ، دقة الخطاب ، قال :
(( فهداكم الله بي ))
الدكتور محمد راتب النابلسي :
منتهى الأدب مع الله ، هديتكم فيها ذات ، هداكم الله ، وأنا الوسيلة .
الدكتور بلال نور الدين
هذا التوحيد .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، والمؤمن لا يرى وجوده مع الله إطلاقاً .
الدكتور بلال نور الدين :
(( فهداكم الله بي ))
كنتم تقولون سيدي ، سمعتها منكم مرةً : الداعية أو الرسول يشف عن الله تعالى مثل الزجاج الذي لا ترى منه شيئاً ، ليس الزجاج الذي يسمونه محجراً ، يشف عن ذاته ، وإنما يشفه عن خالقه .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذه الآن كلمة مكررة كثيراً ، الشفافية ، الشفافية زجاج شفاف ، سادة .
الدكتور بلال نور الدين :
يشف عن الله ، قال :
(( وعالة فأغناكم الله ، وأعداءً فألف بين قلوبكم ، قالوا : بل الله ورسول أمن وأفضل ، قال : ألا تجيبونني ؟ قللوا : وبماذا نجيبك يا رسول الله ؟ ولله وللرسول المن والفضل، قال : أما والله لو شئتم قلتم فلصَدقتم ولصُدقتم ، أتيتنا مكذباً فصدقناك ، ومخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك ، وعائلاً فواسيناك ))
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذا طيب قلوبهم ، وعبر عن مشاعرهم السابقة ، وطمأنهم ، أنت حينما توحي لمن حولك أنك تعرف فضله عليك يذوب محبة لك ، هذه قيادة ، القيادة حكمة ، القيادة فهم ، القيادة كمال ، القيادة علم ، القيادة بطولة ، أن يميل الناس لك قيادة ، أن تكون عادلاً معهم قيادة ، أن تكون رحيماً بهم قيادة ، ولكن يوجد قيادة غير واقعية .
الدكتور بلال نور الدين :
رعناء .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
رعناء ، وفيها قسوة بالغة ، صارت هذه جريمة .
الدكتور بلال نور الدين :
لم يعد قائداً ، قال :
(( أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم ، أما ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله في رحالكم ؟ ))
بطولة الإنسان ألا يحكم على شيء قبل أن يعرف أبعاده وجوانبه :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هناك ملمح دقيق : أنت أمام هذا القائد يوجد أشياء واضحة جداً ، إذا فعل شيئاً لم يتضح لك أليس لك ثقة به ؟ بحكمته ؟ بظرف يعيشه ؟ فالبطولة أن تعذر قائداً لك اتخذ موقفاً كأنك ما قبلته منه ، لكن لو اطلعت على ما أحاط بهذا القائد لعذرته ، فالبطولة أن نعذر قبل أن نحكم ، البطء بالحكم ، العقلاء حكمهم يأتي متأخراً ، والأقل عقلانية يحكمون سريعاً ، الحكم خطير جداً ، لا تحكم على شيء قبل أن تعرف أبعاده ، وجوانبه ، والظروف التي حكمت هذا الذي فعل هذا .
الدكتور بلال نور الدين :
جميل ! سيدي ؛ الآن يقول صلى الله عليه وسلم :
(( فوالذي نفس محمد بيده إنه لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعباً لسلكت شعب الأنصار - ثم يدعو لهم - اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار قال : فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا : رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً وحظاً ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا ))
أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
وكأنه حينما فتح مكة وهي بلده ، خشي بعض الأنصار أن يبقى في مكة ، قال : معاذ الله :
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سار إلى مكة ليفتحها قال لأبي هريرة اهتف بالأنصار ، فقال : يا معشر الأنصار أجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاؤوا كأنما كانوا على ميعاد ، ثم قال : اسلكوا هذه الطريق ولا يشرفن لكم أحد إلا أنمتموه ، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتحها الله عليه ، فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت ، فصلى ركعتين ثم خرج من الباب الذي يلي الصفا ، فصعد الصفا فخطب الناس والأنصار أسفل منه ، فقالت الأنصار بعضهم لبعض : أما الرجل فأخذته الرأفة بقومه ، والرغبة في قريته ، وأنزل الله الوحي بما قالت الأنصار ، فقال : يا معشر الأنصار تقولون أما الرجل فقد أخذته الرأفة بقومه ، والرغبة في قريته ، قال : كلا والله إني عبد الله ورسوله حقاً فالمحيا محياكم والممات مماتكم ، قالوا : والله يا رسول الله ما قلنا ذلك إلا مخافة أن يعادونا ، قال : أنتم صادقون عند الله وعند رسوله ، قال : فوالله ما منهم أحد إلا بلّ نحره بالدموع ومنها))
الدكتور بلال نور الدين :
هذه أخلاق النبوة سيدي .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذا الوفاء ، بوقت الشدة الأنصار نصروه ، بوقت القوة بقي مع الأنصار :
(( المحيا محياكم ، والممات مماتكم ))
قال : معاذ الله .
الدكتور بلال نور الدين :
انتمى إليهم سيدي ، يقول : لكنت امرأ من الأنصار ، ينتمي إليهم ، الله أكبر ! سيدي هذه الحكمة الموجودة عند النبي صلى الله عليه وسلم من أين جاءت ؟
الحكمة أكبر عطاء إلهي على الإطلاق :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أكبر عطاء إلهي على الإطلاق الحكمة .
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) ﴾
ما قال : ومن يكن حكيماً ، ما قال ومن يأخذ الحكمة
الدكتور بلال نور الدين :
وبالحكمة سيدي حتى لا تعتب النساء ، أيضاً المرأة بالحكمة تسعد بزوج من الدرجة العاشرة .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الآن أنت وازنتها .
الدكتور بلال نور الدين :
يوجد أزواج من الدرجة العاشرة أيضاً ، نعم سيدي جزاكم الله خيراً سيدي .
إذاً سيدي هذا أيضاً الدعاء دعا لهم ، أي دعاء النبي :
(( اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار ))
انتمى إليهم ، ودعا لهم ، فكسب قلوبهم :
(( ....وقالوا : رضينا برسول الله قسماً وحظاً ))
البطولة هي الانتماء إلى قيم الآخرين وتصوراتهم :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
نعم ، الانتماء بطولة ، أنا حينما أعيش مع قوم أنتمي إليهم ، أنتمي إلى مشكلاتهم، إلى تقاليدهم ، إلى تصوراتهم ، إلى قيمهم التي عاشوا عليها ، هذه بطولة ، فالقيادة بطولة ، هناك قيادة تتجاهل مسلمات الحياة ، إن تجاهلها فقد هذا القائد كل مكانته في المجتمع .
الدكتور بلال نور الدين :
بعض الدعاة سيدي يعيشون في برج عاجي ، بعيداً عن مشكلات الناس وهمومهم ، وهذه مشكلة بحد ذاتها ، يمكن للإنسان كما تفضلتم سابقاً أن يعيش ببرج عاجي أخلاقي بعيداً عن وحل الناس ، لكن لا يمكن أن يتركهم ، أو يهجرهم ، وهذا درس مستمر.
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أن يعيش مأساتهم ، حالتهم ، واقعهم ، هذا الموقف العلمي .
خاتمة وتوديع :
الدكتور بلال نور الدين :
جزاكم الله خيراً سيدي ، وأحسن إليكم .
أخوتي الأكارم ؛ لم يبقَ لي في نهاية هذا اللقاء إلا أن أشكر لشيخنا هذه الإفادة الطيبة ، على هذه القصة النبوية الرائعة في حكمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيادته ، وهو القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم ، إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته