- موضوعات علمية
- /
- ٠1موضوعات علمية من الخطب
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
إليكم هذه المقدمة عن الكبد في جسم الإنسان :
أيها الأخوة المؤمنون, هذا الكبد الذي يوجد في أحشائنا من آيات الله الكبرى، الدالة على عظمته، وهو أكبرُّ عضوٍ في الأحشاء
ولا يستطيع الإنسان أن يعيش من دون الكبد أكثر من ثلاث ساعات .
يستطيع الكبد أن يعيدَّ بناء نفسه، لو أنَّ جراحاً استأصل أربعة أخماس الكبد، فإن الكبد يعيد بناء نفسه في سرعةٍ جنونية، فأسرع الخلايا انقساماً هي خلايا الكبد، والكبد يقوم بوظائفَّ كثيرة، قال بعضهم: خمسمئة وظيفة، وقال وبعضهم: سبعمئة وظيفة، وبعضهم قال: وظائفه بالآلاف .
على كلٍ، الشيءُّ الذي يلفت النظر، أنَّ كلَّ خليةٍ في الكبد تقوم بكل هذه الوظائف .
ما هي وظائف الكبد :
1- التخزين :
فمن وظائف الكبد: التخزين، الكبد مخزنٌ للدم، يستوعب ألفاً وخمسمئةٍ من السنتيمترات المكعبة من الدم، فإذا طرأ طارئ، حصل نزيف، حصل حادث، عملية ولادة، فإن هرموناً في الكظر, يأمر الكبد أن يحررَّ جزءاً من هذا الدم المخزون، ليعوِّض الدم المسفوح .
فهذه وظيفةٌ من وظائف الكبد، تخزين الدم، وتخزين السكر، وتخزين الدسم، وتخزين البروتين، وتخزين الفيتامينات, هو مخزنٌ غذائي، إذا حصلت مجاعة، إذا حصل انقطاعٌ عن الطعام والشراب إرادي أو غير إرادي، إذا حصل نزفٌ شديد، فإن الكبد يعوِّض، فهو مخزنٌ للمواد الغذائية التي يحتاجها الإنسان, وما الجوع في حقيقتهإلا نقصٌ في مخزون الكبد، لو فحصت دمَّ جائعٍ، لوجدت المواد النظامية متوافرةً فيه بالتمام والكمال, بدليل أن الجائع إذا اضطر بسببٍ أو لآخر ألا يأكل، يبقى ساعاتٍ طويلة من دون أن يحسَّ بالتعب, لذلك يعدُّ الجوعُّ نقصاً في مخزون الكبد لا في الدم الجاري في الشرايين والأوردة .
2- وظيفة التحويل :
يا أيها الأخوة المؤمنون, في الكبد خاصةٌ لا تصدَّق، سماها العلماء: خاصة التحويل، فباستطاعة الكبد أن يحول السكر إلى بروتين، والبروتين إلى سكر، والسكر إلى دسم، والدسم إلى سكر، أي شيءٌ لا يصدق .
هناك المواد الدسمة، وهناك المواد البروتينية، في حالاتٍ ضرورية يستطيع الكبد أن يحول السكريات إلى مواد دسمة، ويستطيع أن يحول المواد الدسمة إلى سكريات، فهذا التحويل خاصةٌ خطيرةٌ جداً من خواص الكبد, كلُّ هذا حفاظاً على الحياة .
3- وظيفة التعيير :
شيءٌ آخر، للكبد وظيفة التعيير: يدخل السكر إلى الكبد بنسبٍ عاليةٍ جداً، ولا سيما إذا تناول أحدنا طعاماً سكرياً، يخرج الدم من الكبد بنسبة سكر، لا تزيد عن واحدٍ ونصف في الألف
مهمة الكبد التعيير؛ تعيير السكر، وتعيير الدسم، وتعيير كلِّ المواد، عنده المخزن، وهو يخرج من المخزن نسباً دقيقةً جداً، محافظاً عليها .
4- وظيفة التكوين :
الوظيفة الرابعة، وظيفة التكوين: فالكبد يكون هرمون التجلط، وهرمون التمييع، ومن إفراز الهرمونين إفرازاً متناسباً، يصبح الدم على هذه الحالة، فلو تعطَّل هرمون التمييع لأصبح الدم كالوحل في الشرايين، ولمات الإنسان فوراً، ولو تعطل هرمون التجلُّط، لنزف دم الإنسان كله, من ثقبٍ صغير، من إفراز هرمون التمييع، مع هرمون التجلط، يصبح الدم بهذه الحالة المثالية .
5- وظيفة الإفراز :
يفرز الكبد هرموناً يُعَيِّرْ الماء في الجسم، ومن التهب كبده، أصيب بالاستسقاء
وهو أن يخزن الجسم ماءً كثيراً، يفوق حاجته، فالكبد يكون هرمون التجلط، والتميُّع، والهرمون الذي يحدد نسب الماء في الجسم .
6- وظيفة التخليص :
شيءٌ آخر، التخليص: فالكبد يدرس وضع السم، إما أن يعدله بتفاعلٌ كيماوي، وإما أن يقيده، وإما أن يطرده بحسب خطورته وسميته
وكأنه عاقلٌ يفعل ما يريد، يفحص هذا السم ، إما أن يفرز عليه مادةً فيعطله، وإما أن يقيده، وإما أن يأخذه إلى خارج الجسم، يطرحه مع البول، هذا كله من وظائف الكبد .
7- وظيفة الصفراء :
شيءٌ آخر, يفرز الكبد الصفراء, فالكريات الحمراء، مئتين وخمسين ألف، أرقامٌ كثيرةٌ جداً تموت في كل ثانية، تموت هذه الخلايا
فتساق إلى الطحال، وفي الطحال مقبرة الكريات الحمراء، تفكك إلى جزئياتها الأساسية
يؤخذ الحديد الناتج عن تفكيك جزئية الكريات الحمراء إلى معمل نقي العظام، وتؤخذ المادة الصفراء إلى الكبد، فتكون الصفراء، فالصفراء التي في الكبد، من نتاج تحليل كريات الدم الحمراء الميتة، ماذا تفعل الصفراء؟ تمتص الدسم وتهضمه، وتعين على حركة الأمعاء، وتعقمِّ الأمعاء من الجراثيم، لذلك من استؤصلت صفراؤه، لا يستطيع أن يأكلَّ دسما أبداً .
ما هي الأسباب التي تدفع الكبد إلى التهابه أو توقف بعض وظائفه ؟
أيها الأخوة المؤمنون, متى يلتهب الكبد؟ قال العلماء: يلتهب الكبد إذا تلوَّث الطعام وأدواته بالمواد البرازية، فالأحاديث الكثيرة التي يحضنا بها النبي عليه الصلاة والسلام على التطهُّر، والتبرُّؤ من العيب من البول، ومن كلِّ شيءٍ يخرج من الجسم، هذا بسبب حفظ الكبد.
أكَّدَ العلماء: أن تشمع الكبد، له سببٌ كبيرٌ ألا وهو معاقرة الخمرة، والخمرة أمُّ الخبائث، حيث تصاب أكباد أكثر الذين يعاقرون الخمرة بالتشمُّع، والتشمع هو توقف الكبد عن القيام بوظائفه .
ما وراء النعم :
أيها الأخوة المؤمنون, أتعرفون أن بين جوانحكم هذا العضو الخطير، هذا المخبر، هذا المخفر، هذا المصنع
هذا المستودع, وظيفة التخزين، وظيفة التحويل، وظيفة التعيير، وظيفة التكوين، وظيفة التخليص، وظيفة الإفراز، هذه بعض وظائف الكبد، وتفعل وكلُّ خليةٍ من خلايا الكبد كلَّ هذه الوظائف وحدها، ولو أن جراحاً استأصل أربعة أخماس الكبد لعاش الإنسان، ويستطيع الكبد أن يرمم نفسه في ستة عشر أسبوعاً، وإن أشد الخلايا انقساماً هي خلايا الكبد .أيها الأخوة المؤمنون, ذلك الله رب العالمين، هذا خلقه، تذهبون إلى القصَّاب، وتشترون السوداء، إنها الكبد، هذا الجهاز الذي لا يستطيع الإنسان أن يعيش من دونه أكثر من ثلاث ساعات, قال تعالى:
﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾
يكون هذا الكبد من ماءٍ مهين، من حيوانٍ منوي، ويكون هذا الدماغ، ويكون هذا القلب، وهذه الأحشاء، وهاتان الكليتان, قال تعالى:
﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾
هذا الذي خلقك، فسوَّاك، فعدلك، ألا يستحق العبادة؟ ألا يستحق أن تحبه؟ ألا يستحق أن تأتمر بأمره؟ ألا يستحق أن تنتهي عما نهاك؟ ألا يستحق أن تفني عمرك في طاعته؟ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ, قَالَ:
((لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ, وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ, وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ, وَفِيمَا وَضَعَهُ, وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟))