- (008) سورة الأنفال
- /
- (008) سورة الأنفال
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشكلة المسلمين الأولى في هذه الأيام:
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس التاسع من دروس سورة الأنفال، ومع الآية الخامسة والعشرين، وما بعدها، الله عز وجل يقول:
﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾
بادئ ذي بدء: الفتن مهلكة لكن هذه الفتن إذا وقعت ووقف الناس سلبيين تجاهها لم يعبؤوا، لم يأمروا بالمعروف، لم ينهوا عن المنكر، لم يقيموا شرع الله، هذه الفتن تستشري وتتفاقم، وقد تصبح بلاءً كبيراً، وقد تصبح فساداً عريضاً في المجتمع، فالله عز وجل يحذر المجموع.
كما لو احترق بيت في أول الشارع، فالذي يجلس في آخر الشارع يقول: الحريق بعيد عني، إن لم يسارع هذا الذي في آخر الشارع ليساهم في إطفاء الحريق وصل إليه.
هذه مشكلة المسلمين حينما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، استشرى المنكر، واتسع، واتسعت دوائره، حتى ضاقت دوائر الباطل.
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر علة خيرية هذه الأمة:
فلذلك حينما قال الله عز وجل يخاطب هذه الأمة:
﴿ كُنْتُمْ ﴾
أي أصبحتم:
﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
علة خيريتكم:
﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾
حينما تكف الأمة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تصبح لا شأن لها عند الله:
وحينما تكف الأمة عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، حينما ترى الفتنة فتسكت، حينما ترى المعصية تتجاهلها، حينما ترى كبيراً أو قوياً فعل شيئاً منكراً لاذت بالصمت، حينما تكف الأمة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تصبح أمة لا شأن لها عند الله إطلاقاً، والدليل أن الله سبحانه وتعالى خاطب الذين قالوا:
﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾
خاطبهم فقال:
﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
والأمة الإسلامية حينما ترى المنكر، فلا تنهى عنه، حينما ترى المعروف فلا تأمر به، حينما تصمت، حينما ينسحب المسلم من علة خيرية أمته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تصبح هذه الأمة لا شأن لها عند الله إطلاقاً، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحاح حينما قال:
(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر ؟ قالوا: أو كائن يا رسول الله ؟ قال: نعم وأشد منه سيكون ـ عجب الصحابة ـ كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ـ صعقوا صعقة أشد ـ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه ؟ قال: كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً ؟ ))
عندئذٍ تودع هذه الأمة، حينما يكون المنكر أمام المسلمين، ولا أحد يتكلم، هذه الأمة انتهت عند الله عز وجل.
الانسحاب من مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يسبب ضياع هذه الأمة:
لذلك:
﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً﴾
الفتنة وقعت، التفلت حصل، الانحراف استشرى، المعصية ترتكب، المنكر يُفعل، التحدي يكون، كتابات، حركات، أعمال كلها تغضب الله عز وجل والأمة ساكتة، هذه الأمة انتهت عند الله.
﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾
ورد في بعض الأحاديث: " أن الله سبحانه وتعالى أرسل ملائكته ليهلكوا قرية، فقالوا: يا رب إن فيها صالحاً، قال: فيه فابدؤوا، قالوا: لِمَ يا رب ؟ قال: لأنه لم يكن يتعمر وجهه حينما يرى منكراً ".
لمجرد أن تقول ما لي ولهذا ؟ ما لي ولهذه المعصية ؟ أنت بعيد عنها، هذا الموقف الانعزالي، الانسحاب من مهمة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، يسبب ضياع هذه الأمة.
الأمة أمتان ؛ أمة الاستجابة و أمة التبليغ:
لذلك: الأمة الآن أمتان ؛ أمة الاستجابة، وأمة التبليغ، فالأمة التي لم تستجب لله ورسوله في تطبيق منهج الله ورسوله هذه أمة ليست خير أمة، بل هي أمة كأية أمة شردت عن الله عز وجل،
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
علة الخيرية
﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾
هذه علة خيريتنا.
فلذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكاد أن يكون الفريضة السادسة، وجرب أنك حينما تنطق بالحق لعل الآخر يرجع إلى الله، لعل الآخر يبتعد عن هذه المعصية، عليك أن تُذكر، وليس عليك الباقي.
أيها الأخوة، إذاً أي خطأ، للتقريب: تأتي إلى بيتك ابنة أخيك، ترتدي ثياباً فاضحة جداً، تستقبلها، ترحب بها، تثني على جمالها، وعلى أناقتها، ولم تتكلم بكلمة واحدة عن هذا التفلت في ثيابها، من هنا نبدأ، حينما ترى شريكك يغش في البيع والشراء وأنت ساكت، من هنا بدأ الخطأ، أما حينما تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ولا ترضى للخطأ أن تسكت عليه عندئذٍ تكون هذه الأمة على منهج صحيح.
أية فتنة تقع حولك إن بقيت ساكتاً عنها سوف تصل إليك:
﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾
عندئذٍ هذه الفتنة تنتشر وتنتشر، حتى تصل إليك، أنت أيها العم حينما لم تنصح ابنة أخيك أن ترتدي ثياباً إسلامية ساترةً محتشمة، ما الذي يحصل ؟ ابنتك في البيت تضغط على أمها كي تقلد ابنة عمها، حينما لم تأمر بالمعروف، ولم تنهَ عن المنكر وصلت الفتنة إلى بيتك، كالنار تماماً إن لم تخرج من بيتك، وتسهم في إطفاء النار وصلت النار إليك.
لذلك قصة مشهورة مألوفة أن ثيراناً ثلاثة، أبيض، وأسود، وأحمر، جاء الوحش المفترس فأكل الأبيض، فقال الأحمر: أنا لا علاقة لي، لم يقترب مني، فسكت، ثم توجهه هذا الوحش المفترس إلى الأحمر فأكله، فقال الأخير: أنا لا علاقة لي، فلما توجه إلى الأسود ليأكله قال: أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض، من وقتها أُكلت أنا.
اعتقد بهذا يقيناً، أية فتنة تقع حولك إن بقيت ساكتاً سوف تصل إليك، في أي شيء، أما إذا وجد أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، و وضع حد للفتنة، و قُمعت الفتنة، عاش الناس بسلام.
الابتعاد عن المجاملات في حياتنا :
ما الذي يحصل الآن ؟ كل المعاصي والآثام في الطريق، وفي الأماكن العامة، وفي الأسواق وفي الجامعات، تفلت، وانحراف، وكأن هذه الأمة ليست أمة المسلمين، لأن الناس كفوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والله سمعت قصة عن سائق سيارة وقد يكون أمياً، جاءه راكبان زوج وزوجته ـ أعتقد من بيروت إلى دمشق ـ فطلبا منه أن ينتظر ربع ساعة كي تأتي حقيبتهم، فانتظر، جاء شيخ في السبعين يحمل حقيبة على رأسه، هذا الشاب وكزه في رأسه، قال له: لماذا تأخرت ؟ السائق لم ينتبه، أخذ المحفظة ووضعها في الصندوق وانطلقا إلى الشام، أعتقد في نصف الطريق سمع الزوجة تقول لزوجها: كيف تضرب أباك ؟ فوراً أوقف المركبة قال له: انزل، وهذه الأجرة، أنا لو بقيتم معي لعلي أقع بحادث، على بساطته، على معلوماته المتواضعة، لم سمح لإنسان يضرب أباه أن يركب بمركبته، فهذا درس، لو كل الناس فعلوا هذا لكنا في غير هذه الحال.
أحياناً إنسان يسب الذات الإلهية، لا أحد يتكلم ولا كلمة، كله ساكت، يعيد السُباب مرة ثانية، وثالثة، الأمة التي تسكت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودعها، انتهت عند الله عز وجل، حياتنا كلها مجاملات، تزور إنساناً كل المعاصي في بيته، وتحترمه أمام أولادك، وتثني على ذكائه، وعلى حكمته، وعلى روعته، وعلى حديثه، وهو يرتكب المعاصي كلها، ضاع أولادك.
(( إن الله عز وجل يغضب إذا مُدِحَ الفاسق ))
حياتنا مجاملات.
لذلك:
﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾
الصالح و المصلح:
لذلك الله عز وجل قال:
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾
ما قال: صالحون، الصالح يهلك، أما المصلح لا يهلك، المصلح خرج من ذاته لإسداء النصيحة لغيره، أي أحياناً البنت تنحرف بثيابها، والكل ساكت، تجد بعد فترة البنت المحجبة تريد أن تلغي حجابها، بعد فترة البنت المحجبة الثانية كذلك، لأنه حينما تفلتت البنت الأولى والكل يسكت، طبعاً هذه الفتنة تمشي، فجأة تجد كل الأطراف يريدون هذا الانحراف.
أنا أضرب أمثلة محدودة، لأنه هناك آلاف الأمثلة، في البيع والشراء أحياناً هناك طريقة في الغش، فيحدثك التاجر أنه عمل أرباحاً طائلة عن طريق تبديل اسم السلعة، عن طريق تبديل صفاتها، عن طريق التعريف ببلد المنشأ، أنت تثني على ذكائه، وعلى شطارته، هذا حرام، حرام أن توهم الناس أن هذه البضاعة من هذا المنشأ وهي من منشأ أقل.
كل إنسان محسوب على المؤمنين فعليه إسداء النصيحة للآخرين:
فكلما جاملنا أنفسنا، وسكتنا عن إحقاق الحق، وعن إبطال الباطل انتهت هذه الأمة، صدق ولا أبالغ، لا يوجد بالألف واحد ينصح، الكل يجامل، الكل يتمنى السلامة، ليس مضطراً أن ينصح الآخرين مخافة أن يتسبب بمشكلة، ليس لي علاقة، ليس لك علاقة خسرت الله عز وجل.
﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾
والله هذا العبد الفقير دخلت على أخ كريم، وهو من كبار التجار، و عنده سكرتيرة وضعها غير منطقي إطلاقاً، قلت: والله لا يجوز، أنت محسوب على المؤمنين، قال لي: والله لم يقل لي أحد هذا، فعلاً أعطاها أمراً بتغيير وضعها، فإن لم تستجب صرفها، انصح، تكلم، قدم ملاحظة، لا تريد أن تتكلم ولا كلمة ؟ ولا تعليق ؟ مديح، مديح، مديح.
(( إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ))
أحياناً إنسان منحرف تمدحه، تمدحه، تمدحه، إلى متى تمدحه ؟ لا داع لهذا، إنسان عنده مسبح مختلط، عمل فيه مولداً، جاء الخطباء ومدحوه، كيف تمدحه ؟ مسبح مختلط، يرتكب فيه أكبر المعاصي وتمدحه أيضاً ؟.
(( المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ))
يجب أن تقول: لا في الوقت المناسب، أما الكل يخطئ والكل ساكت، الكل ينحرف والكل ساكت، الكل يتمادى والكل ساكت، المرأة تكاد تظهر عارية في الطريق والكل ساكت وأمها محجبة تمشي إلى جانبها، كيف سمحتِ لها أن تمشي معك بهذا الوضع ؟ ألست أمها ؟ أين تربيتك لها ؟ كله ساكت، فهذا الوضع سبب أن مليار وخمسمئة مليون لا وزن لهم عند الله.
(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
مليار ونصف، ربع سكان الأرض، أي كل أربعة أشخاص شخص مسلم، مليار وخمسمئة مليون لا وزن لهم عند الله، لأن هذه الأمة تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الفريضة السادسة.
لا شيء يعين الظالم على ظلمه كسكوت المظلوم:
فلذلك:
﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾
تصيب الكل، أوضح مثل احتراق البيت، إن لم تساهم وأنت في آخر الشارع في إطفاء الحريق، الحريق سوف يصل إليك.
هناك سؤال: الذين ظلموا تصيبهم عقابيل الفتنة، فما بال الذين لم يظلموا ؟ الذين لم يظلموا هم ظلموا في طريقة أخرى، ظلموا حينما سكتوا، لذلك لا شيء يعين الظالم على ظلمه كسكوت المظلوم، لا تسكت، تكلم، وضح، بيّن، ما دام في نصيحة، ما دام في موقف فالإنسان يفكر، هناك من يحاسبني، هناك من يرفض طلبي، أما كل ما يقوله القوي يطاع مع الانبطاح، انتهت الأمة كلها.
﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾
من أقام أمر الله في بيته و عمله لا شيء عليه:
أيها الأخوة، لو ضربنا أمثلة من الأسرة، يأتي الابن الساعة الثانية ليلاً، أين كنت ؟ عند رفيقي، سكت الأب، أكيد عند رفيقك ؟ من رفيقك ؟ رقم تلفونه، عندما تتابعه إن كان بمكان غير جيد في المرة الثانية يفكر كيف أواجه والدي ؟ أما إن قال له عند رفيقي ولم يتكلم ولا كلمة سيختلف الأمر، والله هناك قصص بالأسر لا تعد و لا تحصى، انحراف خطير إلى درجة الفحش، بنت لمدة ثلاث سنوات تقع في الفاحشة والأب لا يعلم ؟! كانت عند رفيقتها، رفيقتها بالجامعة تدرس معها، الفتنة إن لم تقمع تستشري.
نحن نقول: عندك مملكتان أنت محاسب عليهما، بيتك وعملك، ولست مكلفاً فوق ذلك مبدئياً، مكان المحاسبة أنت تحاسب في الدائرة التي أوكلت إليك، في بيتك معصية، في بيتك تفلت، هناك سهرة مختلطة، أجهزة لا ترضي الله، لقاءات لا ترضي الله، أنت محاسب عن بيتك أولاً، فما لم تكن ضابطاً لأمورك، متابعاً لتفاصيل ما يجري في البيت، فأنت محاسب عند الله، أنت محاسب على مملكتين مملكة بيتك، ومملكة عملك، ما فوق ذلك لك أن تنصح، لكن لست محاسباً.
لو فرضاً أنت بشركة، والمدير العام له شروط بخطأ، يمكن أن تنصحه بطريقة لبقة، لكن أكثر من ذلك غير مكلف، أما ببيتك لا يوجد نصيحة، لا بدّ من أن تقيم أمر الله في بيتك، وفي عملك، فإذا أقمت أمر الله في عملك وفي بيتك لا شيء عليك.
﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾
والذي يحصل أن كل الانحرافات تبدأ في بيت واحد، وتنتقل إلى بيت، إلى بيت، بعد حين هذه المعصية وجدت في كل البيوت، انحراف في ثياب الفتاة، من بيت واحد، وبعد ذلك هذا الانحراف انتشر في كل البيوت، وهكذا، أما المؤمن يضع حداً لأية فتنة قد تنتشر:
﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾
الأمة كلها في قارب واحد:
يقول عليه الصلاة والسلام:
(( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أو قال: المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب ))
سبحان الله، من أروع الأمثلة التي ضربها النبي عليه الصلاة والسلام أن قوماً في سفينة، استهموا فيها، أي توزعوا أماكنهم، فأناس في علوها، وأناس في أسفلها، فالذين في أسفلها أرادوا أن يختصروا الطريق بجلب الماء من النهر بأن يثقبوا ثقباً في مكانه، فإن أخذ الآخرين على أيديهم نجوا جميعاً، وإن تركوهم هلكوا جميعاً، وصدقوا ولا أبالغ ما من مثل أبلغ من أننا جميعاً في قارب واحد، الأمة كلها في قارب واحد، فأي ثقب في هذا القارب إن لم نسارع جميعاً لإغلاقه غرقنا جميعاً، هذا المثل من عند النبي عليه الصلاة والسلام، قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أننا خرقنا نصيباً من نصيبنا فلا نؤذي من فوقنا، والنية طيبة، قال: فإن تركوه، وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً.
إذاً على مستوى أسرة، الأسرة كلها في قارب واحد، على مستوى مؤسسة، مدرسة، جامعة، مستشفى، وزارة، الأمة كلها في قارب واحد، فإذا كان هناك انحراف والكل ساكتون غرقنا جميعاً، وإذا كان هناك انحراف وبعضنا ينصح بعضاً نجونا جميعاً، والله أحياناً قد لا تعلم أن كلمة الحق قد يكون لها أثر لا يوصف.
الحكمة من ضعف النبي الكريم أن يكون الإيمان به عظيماً:
أيها الأخوة، ثم يقول الله عز وجل:
﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
أي الصحابة الكرام في مكة كانوا ضعافاً، و كان النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وحبيب الحق يمر على آل ياسر، وهم يعذبون، ولا يستطيع أن يفكهم، يقول لهم:
(( صبراً يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة ))
الصحابة دفعوا ثمناً باهظاً حينما أسلموا، ما سر أن النبي كان ضعيفاً ؟ لَمَ لم يكن قوياً كقوة الحكام ؟ لو أنه كان قوياً لأعطى أمراً فطبقه الكل، لكن لا عن إيمان، عن خوف، جعله الله ضعيفاً ليكون الإيمان به خالصاً لوجهه، ما عنده شيء.
﴿ لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً ﴾
كل إنسان مع القوي يسعى لإرضائه طمعاً فيما عنده، ويتقي أن يعصيه خوفاً منه، فعلاقتك مع القوي علاقة نفع أو خوف فقط، طمع أو خوف، أما علاقتك مع النبي الضعيف علاقة إيمان، إيمان فقط، ضعيف،
﴿ لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً ﴾
أبلغ من ذلك:
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً ﴾
﴿ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
نبي، سيد الخلق، حبيب الحق، سيد ولد آدم، في الطائف ضُرب، لماذا جعله الله ضعيفاً ؟ ليكون الإيمان به عظيماً.
من عبد الله عز وجل بحقٍّ في زمن الفتن و الضلالات فله أجر كبير:
الآن: إذا عُرف الإنسان أنه متدين، فبالعالم كله غير مقبول، يخافون منه، إرهابي، مع أنه إنسان مسالم، وديع، لطيف، رحيم، منضبط، مخلص، يتفانى في عمله، كل هذه الصفات الرائعة لأن له مسحة دينية، هو متهم في نظرهم، العالم كله يحترم المتفلتين، يحترم العصاة، يحترم من يتحدون السماء، يحترم من يكفرون بالله عز وجل، والمؤمن يخافون منه، يصنفونه تصنيفاً معيناً، فأنت حينما تريد أن تكون مؤمناً في هذا الزمان لك أجر كبير.
(( اشتقت لأحبابي، قالوا: أولسنا أحبابك ؟ قال: لا أنتم أصحابي، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان، القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر، أجرهم كأجر سبعين قالوا: منا أم منهم ؟ قال: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون ))
أينما تحركت، المعصية مقبولة والطاعة معها حرج.
فيا أيها الأخوة، أبشروا، ما دمت في هذا الزمان الصعب، لا تنسى قول النبي الكريم فيما يرويه عن ربه:
(( وإِنَّ العِبادَةَ في الهَرْج كهجرة إلي ))
عبادة في الهرج، أي في زمن الفتن، في زمن النساء الكاسيات العاريات، في زمن التهجم على الإسلام، وعلى نبي الإسلام، وعلى كتاب الإسلام، كان التهجم على التفاصيل، الآن على الرموز الكبيرة.
رسام الدنمارك شوه صورة النبي عليه الصلاة والسلام، المصحف دُنس في بلاد بعيدة، دُنس والعالم ساكت، فأنت حينما تعبد الله في زمن الفتن، في زمن الضلالات، في زمن يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه، وإن سكت استباحوه، و قد ورد في بعض الآثار: " موت كعقاص الغنم، لا يدري القاتل لمَ يقتل، ولا المقتول فيمَ قُتل ؟ ".
دولة تعتدي على دولة إسلامية، تقتل منها مليونين، هناك مليون طفل مقتول، تشرد خمسة ملايين، ومع ذلك هي بنظرهم دولة محترمة، والعالم ينظر لها بإكبار، وإذا إنسان دافع عن حقه، أو قاوم المحتل يُتهم بأنه إرهابي، نحن بأي زمان ؟ نحن في أي زمان نعيش ؟!.
ارتباط الإيمان بالأمن و الطمأنينة:
فلذلك:
(( وإِنَّ العِبادَةَ في الهَرْج كهجرة إلي ))
يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه، وإن سكت استباحوه، موت كعقاص الغنم، لا يدري القاتل لمَ يقتل، ولا المقتول فيمَ قُتل ؟.
اثنان ونصف مشرد في الباكستان، بلا طعام، بلا شراب، بلا مأوى، قتل باليوم مئة، مئتان، ثلاثمئة، كأن القتل وسام شرف، فنحن في زمن صعب، لذلك سلوا الله السلامة، وسلوا الله أن يديم على هذه البلاد الأمن والاستقرار، نحن في نعم كبيرة جداً، لا يعرفها إلا من فقدها.
قال لي أخ في العراق: أنا أودع زوجتي يومياً، احتمال موتي في الطريق 50%، يومياً يودع أولاده.
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً ﴾
عندما يكون في إيمان يكون هناك أمن وطمأنينة.
على الإنسان ألا ينسى فضل الله عليه:
أيها الأخوة،
﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ ﴾
في المدينة، أسستم دولة، شكلتم جيشاً، حاربتم، انتصرتم، أصبحتم دولة كبيرة.
﴿ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
طبعاً هذه الآية واضحة، أما على إنسان مؤمن، كان لا يملك بيتاً، وليس له دخل ، ويعاني ما يعاني، فيسر الله له شراء بيت، و يسر له زواجاً ناجحاً، و يسر له أولاداً نجباء، وله مكانة محترمة، فعليه ألا ينسى الماضي، ذكرهم بنعم الله.
﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾
هذه الآية لمجموع الأمة.
﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
وكل شخص منا يذكر كيف كان قبل حين، بحاجة، فقير، بلا عمل، بلا بيت، بلا زواج، بلا أولاد، الله أكرمك، كيف أكرمك بالزواج ؟ يقول: الله يسر لنا، كيف أكرمك بالعمل ؟ كيف نجح العمل معك، فكل ميزاتك الآن ألا تنسى أن هذا من فضل الله عليك.
على كل إنسان أن يكون في قلبه تعظيم لله و حب له و خوف منه:
لذلك:
(( أحِبُّوا الله لما يَغْذوكم من نعمه ))
(( يا رب أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟ قال: أحب عبادي إليّ تقي القلب نقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبني، وأحب من أحبني، وحببني إلى خلقي قال: يا رب إنك تعلم أني أحبك، وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال: ذكرهم بآلائي، ونعمائي، وبلائي، ذكرهم بآلائي كي يعظموني، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني وذكرهم ببلائي كي يخافوني ))
معنى ذلك أنه لا بدّ من أن يكون في قلبك تعظيم لله من خلال آياته الكونية، وحب لله من خلال نعمه، وخوف من الله من خلال بلائه، جهاز في جسمك لو تعطل لأصبحت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق.
هناك قناة دمعية، من العين إلى الأنف، أنفك رطب لأن الدمع الذي يزيد عن حاجة العين ينتقل عبر هذه القناة إلى الأنف، فالأنف رطب، حالات نادرة جداً تُسد هذه القناة فدائماً الدمع على خدك، بعدها يصبح هناك خط أحمر أي التهاب، هذه القناة لها دور كبير جداً، لو أن الرموش انخفضت، هناك مرض اسمه ارتخاء الجفون، كلما أردت أن ترى إنساناً يجب أن ترفع جفنك بيدك، هذه قليلة ؟
نعمة الجفون، نعمة العين، نعمة هذا المفصل، كيف تأكل لولا هذا المفصل ؟ والله هناك نعم بجسمك فقط لا تعد ولا تحصى، لو كان في الشعر أعصاب حس، إلى أين أنت ذاهب؟ ذاهب لأعمل عملية حلاقة بالمستشفى مع تخدير كامل، فالله عز وجل من فضله عليك أنه لم يجعل بالشعر أعصاب حس، ولا بالأظافر، و الحديث عن الجسم يطول.
هناك مثانة لولاها لوضع الإنسان فوطاً بشكل إجباري، كل عشرين ثانية هناك نقطة بول، يتجمعون كل خمس ساعات بالمثانة، لو لم يكن هناك مستودع لكانت مشكلة كبيرة، فكر بأجهزتك جهازاً جهازاً، أي جهاز تعطل تصبح حياة الإنسان جحيماً لا يطاق.
الله عز وجل إذا أعطى أدهش وإذا أخذ أدهش فإياك و التكبر:
﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
أي الإله الذي نقلك من الأدنى إلى الأعلى هو قادر أن ينقلك من الأعلى إلى الأدنى، إذا أعطى أدهش، وإذا أخذ أدهش.
والله أعرف صديق صديقي درس بفرنسا، يحمل أعلى شهادة في الجيولوجيا، وصل إلى منصب معاون وزير، فقد بصره خلال شهر يأتون له بالمعاملات إلى البيت، بعد ذلك سرحوه، فعندما زاره صديقي، قال له: والله أتمنى أن أجلس على الرصيف، وأن أمد يدي للناس، ولا أملك من الدنيا إلا هذا المعطف، وأن يرد لي بصري، البصر نعمة كبيرة جداً.
فيا أيها الأخوة، اذكر كيف كنت وكيف أصبحت، إياك والتكبر، إياك أن تنسى الماضي،
﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ ﴾
وهذا الخطاب لكل مؤمن، واذكر كيف كنت قبل خمسين عاماً، قبل ثلاثين عاماً، كنت لا شيء، الله أكرمك، أعانك، زوجك، أنجبت أولاداً، ربيتهم ، كل هذه النعم من فضل الله عز وجل عليك.
﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
وفي درس آخر إن شاء الله نتابع هذه الآيات.