- (008) سورة الأنفال
- /
- (008) سورة الأنفال
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
النوم من آيات الله الدالة على عظمته:
أيها الأخوة الكرام... مع الدرس الخامس من دروس سورة الأنفال، ومع الآية الحادية عشرة وهي قوله تعالى:
﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴾
أيها الأخوة، النعاس نوم خفيف، في اللغة العربية اسمه سنة، قال تعالى:
﴿ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾
السنة نوم خفيف، والنوم نوم ثقيل،
﴿ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾
أيها الأخوة، أي أن الله جلّ جلاله لا يأخذه عن تدبير شؤون خلقه نوم خفيف، ولا نوم ثقيل، أما الإنسان إذا أكرمه الله في الأوقات العصيبة بسنة من النوم فالقصد هنا السنة من النوم التي تطمئن المؤمن.
﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ ﴾
هناك نعاس مع أمن، وهناك نعاس بلا أمن، فالذي وقع في شرك خفي، وضاقت عليه الأمور، وسدت أمامه الأبواب، ونسي الله فنسيه، لو أنه نام يرى في النوم أحلاماً مزعجة جداً، لكن الله أحياناً يتكرم على عباده المؤمنين الصادقين أنهم ينامون ويستريحون بالنوم، لذلك النوم من آيات الله الدالة على عظمته.
تعطل جميع الآليات أثناء النوم عدا الأذن:
كلكم يعلم أن هناك جهاز هضم، و جهاز الهضم يتفاعل مع الغذاء والناتج هو البراز، وجهاز التنفس يتفاعل مع الأوكسجين، والناتج أكسيد الكربون (غاز الفحم) ـ الزفير غاز فحم ـ و جهاز التعرق يتفاعل مع الحر والناتج العرق، حتى العين لها مادة تفرزها ناتجة عن تفاعلها مع الأشياء، حتى الأذن لها مادة تفرزها (صماخ الأذن)، فكل جهاز في الجسم يتفاعل مع أشياء كثيرة، إلا أن النوم تفاعل عميق جداً لكن بلا مفرزات.
﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ ﴾
أيها الأخوة، العين تفرز العُماص، والأذن تفرز الصماخ، وجهاز التعرق يفرز العرق، وجهاز الكليتين يفرز البول، وجهاز الهضم يفرز البراز، فكل هذه الأجهزة تفرز نواتج، إلا أن النوم آلية معقدة جداً، النوم بلا ناتج، الإنسان عندما يتعب كثيراً يشعر بالإعياء، يكاد ينام قسراً، وأكبر الحوادث في الطرقات السائقين الذين يداومون على السفر ينامون فجأة، وهم يقودون مركباتهم، فالنوم له آلية معقدة، من أبسط شروط آليته أن الخلايا العصبية تتباعد في النوم، فالسيالة العصبية تجد المسافة واسعة لا تستطيع تخطيها، فتنام، لكن الصوت الكبير جداً، العالي جداً يقفز إلى هذه المسافة البعيدة.
تماماً كما لو واجهت جدول ماء، فالمسافة، أو عرض هذا الجدول أوسع من قدرتك على القفز، فتقف.
فالسيالة العصبية أثناء النوم تقف، لأن الخلايا العصبية متباعدة، لكن في الأصوات العالية جداً هذه الأصوات تصل إلى الضفة الثانية، ويستيقظ الإنسان.
لكن بالمناسبة يتعطل بالنوم كل شيء عدا الأذن، أي الأذن تعمل في النوم لكن الصوت الضعيف لا يصل، أما الصوت القوي يصل، لو أن إنساناً نائماً نوماً عميقاً وسمع إطلاق مدفع يستيقظ فوراً، أما البصر معطل، الإنسان أثناء النوم مغمض العينين، الأحاسيس كلها معطلة إلا الأذن.
الليل هو الوقت المناسب للنوم:
لذلك أيها الأخوة، قال تعالى:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ ﴾
والليل هو الوقت المناسب للنوم، لكن هذه الحضارة جعلت ليل الناس نهاراً، ونهار الناس ليلاً.
أجدادنا والسلف الصالح، والآن العالم المتقدم جداً، الساعة التاسعة تتوهم أن هذه المدينة الكبيرة فيها منع تجول، لأن الناس جميعاً آووا إلى فراشهم ليأخذوا قسطاً من الراحة، كي يستطيعوا في اليوم التالي أن يكونوا الساعة الثامنة أو السابعة في أعمالهم، والموظف الذي لا يركز في عمله يخسر وظيفته، وعدم التركيز يأتي من السهر الطويل.
مرة كنت في سدني الساعة التاسعة توهمت أن هناك منع تجول، هذا العالم القوي ينام باكراً ليأخذ قسطاً مديداً من الراحة، والساعة الخامسة صباحاً الطرقات مزدحمة، في بلاد متخلفة أحياناً لا تحل قضية قبل الساعة الثانية عشرة، المحلات الساعة العاشرة كلها مغلقة، تفتح العاشرة أو الحادية عشرة، يأتي صاحب المحل في الساعة الثانية عشرة أو في الواحدة، والسهر للساعة الثانية عشرة ليلاً هذا النظام.
الآن العالم المتقدم رفضه، دوام متصل من الساعة الثامنة حتى الساعة الخامسة، وهناك ساعة راحة أثناء الظهيرة، الإنسان يذهب إلى بيته الساعة الخامسة، التقى مع أهله وأولاده، جلس معهم، زار صديقه، أما العمل للساعة الثانية ليلاً، للساعة العاشرة ليلاً، للساعة الثانية عشرة ليلاً، والنوم إلى الظهر، هذا نظام ينبغي أن يرفض، وإذا شخص من الأخوة الكرام تمكن من ضبط نظام حياته بالنوم الباكر سيستيقظ صباحاً كالحصان.
(( ولو يعلمون ما في العَتَمة والصبح لأتوهما ولو حَبْواً ))
﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً ﴾
أضرب لكم مثلاً في العالم الإسلامي في وقت تألقه، بعد العشاء الناس جميعاً خلدوا إلى الراحة، والاستيقاظ قبل الفجر على صلاة قيام الليل.
مرة أخ وعدني بالمكتب الساعة السادسة صباحاً، سألته ما السبب ؟ قال: أنا علمني والدي الصلاة قبل الفجر بساعة، من أيام طفولتي إلى الآن أنام باكراً وأستيقظ قبل الفجر بساعة.
شيء رائع جداً، إذا استطاع الإنسان أن يضبط بيته، وأولاده على النوم باكراً، والاستيقاظ صباحاً، ساعات القراءة، والمطالعة، والدراسة، والعمل، والتخطيط صباحاً تعادل أربع ساعات في النهار، الساعة الواحدة صباحاً.
الحواس الخمس تنقل للإنسان ما حوله بطريقة أو بأخرى:
على كلٍ: هذا الإنسان حينما ينام، تتباعد خلاياه العصبية، عندنا سيالة واحدة فعالة هي سيالة الصوت، فالصوت الضعيف لا ينتقل عبر هذا التباعد بين الخلايا، أما الصوت العالي جداً يقفز ويصل والإنسان يستيقظ وهذا من فضل الله عز وجل.
أنت تابع الأمر، الإنسان جالس في غرفة فكل شيء في الغرفة تحت مرمى بصره، البيت مئتا متر، أي شيء حدث بغرفة أخرى العين لا تراه، لكن الذي يصل إلى علمك عن طريق الصوت، يقول لك: هناك حركة في البيت، الصوت نعمة، العين ينتهي تفاعلها مع الأشياء عند الجدران، أنا الأذن تصل إلى أطراف البيت كله.
لكن لو دخلت فأرة تحت السرير وماتت، لا تراها ولا تسمع صوتها، ما الذي يشعرك بوجودها ؟ الرائحة، كم جهاز ؟ هناك عين، وهناك صوت أذن، وهناك رائحة، وهذا من فضل الله علينا، الحواس الخمس تنقل لك ما حولك بطريقة أو بأخرى.
نعمة الأمن ونعمة الكفاية أكبر نعمتين على الإطلاق:
أيها الأخوة، الآن هناك موضوع دقيق، أن الإنسان أحياناً ينام ويستيقظ مرتاحاً جداً ، ومستبشراً أحياناً، يرى رؤيا صالحة، يرى أنه في بستان، ويرى أنه مع أحبابه، و يرى أنه في تفوق، وأحياناً يستيقظ على حلم مزعج جداً.
إذاً ممكن أنك إذا أديت الصلوات قبل أن تنام، وقرأت آية الكرسي كما ورد عن سيد الأنام، ودعوت دعاء النوم، أن تنام نوماً مريحاً، وأن يكون هذا النوم راحة لك ولقلبك.
الآن الخوف يخلقه الله، دقق:
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾
قانون الخوف: الإشراك يساوي الخوف، قانون الأمن: الإيمان بالله والاستقامة على أمره تؤديان إلى الأمن، الآيات:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾
أكبر نعمتين على الإطلاق نعمة الأمن، ونعمة الكفاية.
﴿ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾
أن تكون قد ملأت المعدة بالطعام الحلال، شبعت وأنت آمن.
الإنسان أمام خيارات لا تعد و لا تحصى مادام حياً:
قلت مرة: أحد العلماء كان يأخذ تلاميذه صبيحة عيد الفطر إلى المقابر، ليرى أخوانه نعمة الحياة، أنت حي بإمكانك أن تتوب، بإمكانك أن تستغفر، بإمكانك أن تصطلح مع الله، بإمكانك أن تؤدي ما عليك، بإمكانك أن تعمل حسنة تمحو سيئة، بإمكانك أن تؤدي واجباً قد أهملته، بإمكانك أن تطلب العلم، بإمكانك أن تضبط أولادك، ما دمت حياً كل شيء ممكن ، بتعبير آخر: ما دام القلب ينبض أنت في بحبوحة، أمامك خيارات لا تعد ولا تحصى ما دمت حياً، فإذا مات الإنسان خُتم عمله، لذلك عند الموت:
﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾
الآن: الله ملكك نفسك، أنت في الحياة نفسك بين يديك.
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾
لكن بعد الموت
﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾
العاقل من استخدم نعم الله في طاعته لا في المعاصي و الآثام:
إذاً هذا العالم الجليل يأخذ أخوانه أول يوم من أيام عيد الفطر إلى المقابر ليعرف أخوانه نعمة الحياة، في اليوم التالي إلى المستشفيات، تشمع كبد، فشل كلوي، خثرة بالدماغ، احتشاء بالقلب، سرطان بالأمعاء، أنت معافى، الحواس الخمس تعمل بانتظام، منحك الله قوة تتحرك، لا تشكو من شيء، في اليوم التالي إلى المستشفيات من أجل أن تعرف قيمة الصحة، هذه نعمة.
(( اغتنم خمساً قبل خمس ـ من هذه الخمس ـ صحتك قبل سقمك ))
الإنسان إذا مرض من مستشفى إلى مستشفى، أهمل كل شيء، الأدوية، والعملية الجراحية، وأين نجريها، في بلده، في بلد آخر، يبيع بيته من أجلها، أنت بصحة تامة، نعمة الصحة لا تعدلها نعمة، ففي اليوم التالي يأخذهم إلى المستشفيات، ليروا المرضى ومما يعانون ؟ وفي اليوم الثالث يأخذهم إلى السجون، من أجل أن تعرف نعمة الحرية، أنت حر، لا يوجد مذكرة بحث بحقك، الذي عليه مذكرة بحث لو طرق بابه لانخلع قلبه، فالحر يفتح الباب و هو مطمئن، يتنقل، يسافر، لا يوجد عليه شيء، نعمة الحياة، ونعمة الصحة، ونعمة الأمن، قال تعالى:
﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾
نعمة الأمن، نعمة الصحة، نعمة الكفاية، نعمة لك أولاد، لك بيت، لك مأوى، لك زوجة، هذه النعم ماذا فعلت بها ؟ استخدمتها في المعاصي والآثام أم استخدمتها في طاعة الرحمن ؟.
الخوف يأتي من الشرك و الأمن يأتي من الإيمان:
إذاً الخوف يأتي من الشرك،
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾
أي إنسان مشرك مهما كان قوياً ولو أنها أقوى دولة في العالم، يوجد مع الشرك خوف، و مع الإيمان أمن، احفظ الآيتين،
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾
والآية الثانية:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
أيها الأخوة، هناك تجربة ذكرها بعض العلماء، جاؤوا بإنسان وضعوه على لوح خشبي، وعلقوه من وسط اللوح تماماً بحسب التوازن، أي عُلق هذا اللوح بحبل إلى السقف بحيث أن مكان التعليق هو المتصف الدقيق جداً بحيث أنه يبقى أفقياً، عندما جاءته سنة من النوم مال هذا اللوح، هناك شيء جاء، النوم يُخلق، واليقظة تُخلق.
لذلك أيها الأخوة، الله عز وجل جعل النوم من آياته الدالة على عظمته.
على الإنسان أن يحجم عن رواية القصص الغير واقعية:
أقول لكم كلمة عن إنسان أعرفه، لا ينام، أنا لا أتردد دقيقة عن اليقين أنه لو عرض عليه أن يبيع بيته، وأن يبقى بلا مأوى مقابل أن ينام ليلة واحدة لن يتردد أبداً، أنت حينما تتجه إلى فراشك، وتنام نوماً عميقاً هذه من نعم الله العظمى، وكما تعلمون الإنسان مهما كان متعباً إذا نام أربع ساعات أو خمس يستريح، يستيقظ نشيطاً كالحصان، فقضية النوم من نعم الله الكبرى.
قصة عن سيدنا عمر أحجمت عن روايتها سنوات طويلة، ثم رأيتها برواية أخرى فأصبحت أرويها، لما جاءه رسول عامله على أذربيجان، وصل إلى المدينة ليلاً (في منتصف الليل ) فكره أن يطرق باب أمير المؤمنين في هذا الوقت المتأخر فتوجه إلى المسجد، لم يكن هناك كهرباء، سمع إنساناً يناجي ربه ويقول: ربي هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي أم رددتها فأعزيها ؟ قال له: من أنت سبحان الله ؟ ! من أنت يا هذا ؟ قال له: أنا عمر، قال له: أمير المؤمنين ؟! قال له: أمير المؤمنين، قال له: ألا تنام الليل ؟ الرواية التي منعتني أن أروي هذه القصة كما يلي ؛ قال له: إني إن نمت ليلي أضعت نفسي أمام ربي، وإن نمت نهاري أضعت رعيتي ( معنى هذا أنه لا ينام و هذا شيء يتناقض مع قوانين الجسم ).
الرواية الثانية: إني إن نمت ليلي كله ـ كلمة كله صار في واقع ـ إني إن نمت ليلي كله أضعت نفسي أمام ربي، وإني إن نمت نهاري أضعت رعيتي.
فالنوم لابد منه.
لذلك هناك مئات القصص التي تروى أنا أعتقد لا أصل لها، أن الفلان الفلاني، العالم الجليل، صلى الفجر بوضوء العشاء أربعين عاماً، غير صحيحة، هل تستطيع أن لا تنام ليلتين فقط ؟ لا تستطيع، هذا نظام، النبي قال:
(( ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، وآكل اللحم ؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني ))
لا تروي قصة غير معقولة، لا تروي قصة مستحيلة، حينما تروي هذه القصص تجعل الدين شيئاً غير واقعي، شيئاً مستحيلاً، لذلك أنا أُحجم عن رواية قصة غير مألوفة، غير معقولة، غير منطقية، لا يقبلها العقل.
لذلك هذه القصص التي تروى قرأ القرآن في ليلة واحدة، ستمئة صفحة، إذا الصفحة يقرأها بركعة، يحتاج أن يصلي ستمئة ركعة، ستمئة ركعة لا تكفي بليلة واحدة، هناك أشياء معقولة، وهناك أشياء غير معقولة، فمن سنة النبي أن نصلي إحدى عشرة ركعة، ثماني ركعات، وثلاث ركعات وتر في الليل هذه السنة، دعك مع سنة النبي عليه الصلاة والسلام، لا تبالغ، لا تجعل الإسلام شيئاً خيالياً غير واقعي.
إعجاز الله عز وجل:
الشيء اللطيف أن الإنسان وهو نائم كل شيء معطل إلا الأذن، من هنا قال الله تعالى:
﴿ فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ﴾
لو أن آذانهم تعمل عملها الطبيعي لما ناموا هذه السنوات المديدة.
الدقة المذهلة في القرآن الكريم:
أيها الأخوة، الآن في سورة الأنفال جاءت الآية:
﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً ﴾
إشارة إلى أن كل أصحاب النبي الكريم أصابتهم هذه الغفلة في النوم،
﴿ النُّعَاسَ أَمَنَةً ﴾
فاطمأنت قلوبهم.
هناك نوم مع القلق، أي غير المؤمن لو نام معه قلق، معه أحلام مزعجة جداً، معه كابوس كما يقولون، لكن في آل عمران قال تعالى:
﴿ أَمَنَةً نُعَاساً ﴾
ما كل من ناموا كانوا مطمئنين، في الأنفال كل الصحابة كانوا نائمين، أما في مجال آخر فهناك الكثير من المنافقين، بعض الذين ناموا كانوا مطمئنين، أي هناك دقة مذهلة بالقرآن الكريم، مرة جاءت
﴿ النُّعَاسَ أَمَنَةً ﴾
ومرة،
﴿ أَمَنَةً نُعَاساً ﴾
التبديل له معنى دقيق جداً، مثلاً الله قال:
﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ ﴾
بدأ بالسارق، أما بالزنا قال:
﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ﴾
لأن المرأة أصل في الزنا، تكشف مفاتنها تغري الرجال بها، هذا اسمه التحرش بكلمة أو بلمسة، أما المرأة تتحرش به بثيابها.
قيمة المرأة تظهر من حشمتها:
أنا لا أنسى قصة حُدثتها من قبل أخ كريم، قال: عرضوا بفضائية شاب مجرم اغتصب عدداً كبيراً جداً من الفتيات وقتلهن، فهناك باحثة اجتماعية طلبت أن تلتقي معه على فضائية من الفضائيات، طبعاً سألته عن اسمه، قال لها اسمه، لا يفقه شيئاً لا يقرأ ولا يكتب، أي جاهل جهلاً مطبقاً، فقالت له: كيف تفعل هذا ؟ قال لها: من ثيابهن، وضع يده على المشكلة، من ثيابهن، تقول له هذه الباحثة: لو أن امرأة محجبة هل تتحرش بها ؟ قال لها: الذي يتحرش بها أقتله.
كل قيمة المرأة تظهر من حشمتها، وكأنها ملكة، أنا لا أتصور إنسانة محجبة حجاباً شرعياً أحد يتحرش بها، أكاد أقول مستحيل، ما ظهر منها شيء، ما ظهر من مفاتنها شيء حتى تدعو إلى التحرش، أما التي تعرض كل مفاتنها على الناس كأنها تدعوهم إليها.
من قاتل في سبيل الله يبتغي وجهه منحه الله الأمن و الطمأنينة:
أيها الأخوة،
﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴾
أولاً: يبدو أنه في إحدى المعارك استطاع المشركون أن يأخذوا الماء إليهم، فحُرم الصحابة من الماء، لذلك أكرمهم الله، أي إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان الله عليك فمن معك ؟ كن مع الله، والماء بيد الله.
لذلك
﴿ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِه ﴾
إشارة دقيقة جداً، وأنت في ساحة المعركة، وأنت تقاتل، يجب أن تكون نظيفاً، ما قولك ؟.
﴿ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ﴾
إذا شخص أصابته جنابة من حلم قال:
﴿ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ﴾
إشارة أولى إلى النظافة، وإشارة ثانية إلى إنهاء الجنابة وكلاهما مقلق.
هناك أشياء لطيفة جداً أن الله عز وجل وصف لنا صلاة الجماعة في الحرب، هناك قتل مع خط المواجهة الأول، ينبغي أن تصلي جماعة، و لهذا نظام خاص، هناك آيات أخرى، فأنت مدعو أن تصلي جماعة وأنت في الحرب فكيف في السلم ؟ وأنت مدعو أن تكون نظيفاً وأنت في ساحة المعركة.
﴿ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴾
هذه النقطة الدقيقة أن الإنسان حينما يقاتل في سبيل الله قتالاً مشروعاً يبتغي من هذا القتال وجه الله عز وجل، الله عز وجل يملأ قلبه طمأنينة.
من كان مع الله كان الله معه:
والله سمعنا قصصاً عن أخوتنا في غزة أثناء الحرب الأخيرة شيء يكاد لا يصدق من طمأنينتهم، يواجهون أكبر جيش، هم ضعاف لا يملكون من الأسلحة الحديثة إلا الشيء القليل جداً، ومع ذلك ألقى الله في قلبهم الطمأنينة، قصص كثيرة جداً قيلت.
﴿ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ ﴾
المؤمن يتمتع بطمأنينة عالية جداً، يلقي الله في قلبه الأمن،
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
إذا كان الله معك فمن عليك ؟.
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾
هذه معية عامة، مع كل إنسان، مع الكافر، مع الملحد، مع المشرك، مع العاصي، مع الفاجر، مع أي إنسان، لكن:
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
إن الله مع الصادقين، إن الله مع التوابين، هذه معية خاصة، قال علماء التفسير: المعية الخاصة تعني أن الله ينصرهم، ويحفظهم، ويوفقهم، ويحميهم، ويطمئنهم ، المعية الخاصة تعني النصر، والتأييد، والحفظ، والتوفيق، هذه المعية الخاصة، وهي في متناول كل منكم، كن مع الله ترَ الله معك، كن معه مستقيماً تراه معك مثبتاً، كن معه مستقيماً تراه معك موفقاً، كن معه مستقيماً تراه معك ينصرك على أعدائك.
إذاً:
﴿ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ﴾
أي الماء للنظافة أولاً، وللبعد عن الجنابة إذا كانت هناك جنابة.
الدعاء سلاح المؤمن وهو يقوي العقيدة:
﴿ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ ﴾
بالمناسبة قالوا: الدعاء يقوي العقيدة، لما دعا هؤلاء الصحابة ربهم من أجل الماء، والماء نزل قويت ثقتهم بربهم، وقويت عقيدتهم، وإيمانهم به ، الدعاء سلاح المؤمن وهو يقوي العقيدة، أنت إذا دعوت الله دعاء صحيحاً:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾
ودعوته، واستجاب لك، يزداد إيمانك بالله، بل يتجدد إيمانك بالله، بل هذا الدعاء المستجاب يعد يوماً من أيام الله، قال تعالى:
﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾
﴿ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ ﴾
دعوتم ربكم أن ينزل عليكم المطر من السماء، المطر نزل، الآن لو فرضنا لا سمح الله ولا قدر وقعنا في سنة جفاف كبيرة جداً، والسماء لا تمطر، مضى الشهر التاسع، والعاشر، والحادي عشر، والثاني عشر، والأول ما كان في مطر، لو فرضنا أجرينا صلاة استسقاء، وعقب هذه الصلاة الأمطار نزلت كأفواه القرب، بماذا يشعر كل المسلمين ؟ بالثقة بالله عز وجل، الله موجود كل شيء بيده.
الإنسان يدعو ربه حقيقة عندما يثق بوجوده و حبه و قدرته و استجابته:
بالمناسبة أنت حينما تدعو الله، ويستجيب لك تزداد إيماناً به، من هنا قال تعالى:
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ﴾
أنت متى تدعو الله حقيقة ؟ إذا آمنت أولاً بوجوده، وآمنت ثانياً أنه يسمعك، إن تكلمت فهو يسمعك، وإن تحركت فهو يراك، وإن أضمرت شيئاً فهو يعلمه، وثالثاً تؤمن أنه على كل شيء قدير.
والله أعرف صديقاً (القصة من أربع وعشرين سنة)، أصيب بورم خبيث بالرئتين ، والذين عالجوه أصدقائي، أعطوه جواباً قطعياً لا يوجد أمل أبداً، هناك أمل وحيد أن يزرع رئة وأجرة هذه العملية ثمن بيته بالضبط، ابنه صغير، يبدو أن له دعاء مستجاباً، الآن هو حي يرزق، و لم يحتاج إلى هذه العملية، و صار هناك تراجع ذاتي.
بالطب هناك شيء اسمه الشفاء الذاتي، لأن هذا الموضوع مربوط بالخرافات فهو مهمل.
فالدعاء يقوي العقيدة، أنت حينما تدعو الله أنت مؤمن بوجوده، وأنه يعلم ما تقول، وأنه على كل شيء قدير، وأنه يحبك.
أربعة أشياء: يحبك وقادر وسميع عليم وموجود، لذلك قال تعالى:
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ﴾
﴿ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ ﴾
يعطيك المعنويات العالية، واثق.
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
أخطر شيء أن نهزم من الداخل:
أخطر شيء الآن أن نهزم من الداخل، أي هناك انهيار داخلي، انتهينا، ما بيدنا شيء، الله موجود، والله عز وجل يظهر آياته من حين لآخر، أنفلونزا الخنازير أليست من آيات الله ؟ رعب بالعالم كله، وقبلها كان هناك أنفلونزا الطيور، وقبلها حرب غزة، أليس هذا دعماً إلهياً ؟ الله عز وجل يظهر آياته، وقبلها انهيار النظام العالمي، وراء بعضهم الحمد لله.
﴿ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ ﴾
أنت مع منهج السماء، أنت مع وحي السماء، لكن المشكلة أن أمة المسلمين نائمة في ضوء الشمس، أعداؤهم يعملون ليلاً نهاراً في الظلام، إلا أن الذي يعمل في الظلام يسبق من هو نائم في ضوء الشمس.
﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾
قال عليه الصلاة والسلام:
(( نُصِرْتُ بالرُّعبِ مسيرةَ شهر ))
وأنا تعليق من عندي: وأمته هزمت بالرعب مسيرة عام، عندما انتشر الشرك و الضعف و المعاصي أصبح هناك هيمنة من الأعداء،
﴿ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾
الفتنة الطائفية أول ورقة رابحة يحملها العدو ضد الإسلام و المسلمين:
أخواننا الكرام: الفكرة مهمة جداً، نحن أمة إن فرقت إلى كافر بالله، ومؤمن به، و صار هناك مشكلة بين هذين الطرفين، الطاقات والجهود بُددت، الآن نحن هل تصدقون بحربي أفغانستان والعراق الكلفة تقريباً ثلاثة آلاف مليار ؟! لو ما في هذه الحروب وأنفقت على مصالح البشر، كم مستشفى ؟ كم مستوصف ؟ كم طريق ؟ كم جامعة ؟ ثلاثة آلاف مليار ماذا تفعل في الأرض ؟ تحل معظم مشكلات البشر، عندما صار انشقاق وحروب هذه الطاقات والثروات والأموال أُنفقت لشيء لا يقدم ولا يؤخر.
فلذلك الآية الكريمة:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾
أي عملوا انشقاقاً بالأمة فأصبحوا مؤمناً و كافراً،
﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾
﴿ ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ ﴾
يعني الله عز وجل جعل الذوق لا للطعام والشراب فقط بل للذل أيضاً.
﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ﴾
فهذا الذي يشق صفوف الأمة يجعل بأسها بينها، والذي يوحدها يجعل بأسها على أعدائها، فرق كبير جداً بين أن تشق صفوف الأمة فتجعل بأسها بينها، وبين أن توحدها فتجعل بأسها على أعدائها.
فلذلك أول ورقة رابحة يحملها العدو هي الفتنة الطائفية، ترونها تعمل عملها في بلاد أخرى، فنحن بوعينا إن شاء الله نسقط هذه الورقة الرابحة من أيدي الطغاة والأعداء.