- (081) سورة التكوير
- /
- (081) سورة التكوير
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
ضرورة الإيمان بالله لاجتناب معصيته :
أيها الأخوة الكرام ؛ لازلنا في تفسير الجزء الثلاثين من القرآن الكريم ، وصلنا إلى سورة التكوير ، وتبدأ هذه السورة الكريمة بقوله تعالى :
﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾
أيها الأخوة الكرام ؛ ما من ركنين من أركان الإيمان اقترنا معاً كركني الإيمان بالله واليوم الآخر ، لماذا أنت تؤمن بالله ؟ من أجل ألا تعصيه ، إذا عرفت من هو الله ، ماذا عنده لو أطعته ؟ ماذا ينتظرك لو عصيته ؟ إذا آمنت بالله الإيمان الصحيح لا يمكن أن تعصيه ، ونحن عندنا أمثلة كثيرة في حياتنا ، أنت تركب مركبتك والإشارة حمراء والشرطي واقف ، وهناك شرطي آخر على الدراجة ، وضابط مرور في السيارة ، وأنت مواطن عادي ليس لك أية ميزة ، فإذا تجاوزت الإشارة الحمراء هناك غرامة كبيرة ، أو سحب إجازة ، أو عقاب شديد ، لأنك موقن بكل خلية في جسمك ، وبكل قطرة في دمك ، أن هذا الشرطي ينقل للذي وضع قانون السير المخالفة ، وإذا نقلها قد تسحب منك الإجازة ، وتدفع مبلغاً كبيراً ، لأن واضع قانون السير علمه يطولك ، وقدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه ، شيء بديهي ، علمه يطولك من خلال هذا الشرطي ، وقدرته تطولك من خلال دفع غرامة كبيرة جداً ، لكن قبل الإشارات الحديثة تتجاوز الإشارة الحمراء الساعة الثالثة ليلاً ، لأن واضع القانون علمه لا يطولك بهذا الوقت ، وإذا كنت أقوى من واضع القانون تتجاوز الإشارة الحمراء .
هنا يوجد حقيقة دقيقة جداً ؛ أنت حينما توقن أن القوي علمه يطولك ، وقدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه ، الآية :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، فلا يعصي الله إلا غبي ، لا يعصي الله إلا أحمق، لا يعصي الله إلا من عطل عقله ، لا يعصي الله إلا من سلك طريقاً منحرفاً .
انطفاء الشمس و تساقط النجوم مبعثرة في نهاية الحياة الدنيا :
أيها الأخوة الكرام ؛
﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾
هذا الكون قائم ؛ فيه شمس ، وقمر ، وجبال ، وصحارى ، ووديان ، وأغوار ، و سواحل ، و بحار ، فيه كل شيء ، فيه أطيار و أسماك و خضار و فواكه ، هذا الكون بين يديك ، هذا الكون في وقت ما سينتهي .
﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾
انطفأت ، نحن لا يوجد عندنا دعاء الشروق ، لا يوجد يوم بحياتنا إلا وفيه شروق و غروب ، الله ثبت القوانين ، الله ثبت مليون قانون ، الحديد له صفات ، لو أن هذه الصفات تغيرت انهار البناء ، ثبت مليون قانون ، قانون السقوط ، قانون خصائص المعادن ، كل هذه القوانين ثابتة كي تنتظم الحياة ، كي نسعد بهذه الحياة ، لكن في يوم ما ستنتهي الحياة الدنيا ، قال تعالى :
﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾
انطفأت ، الشمس أخواننا الكرام ؛ لو ألقيت الأرض فيها لتبخرت في ثانية واحدة ، لسان اللهب طوله مليون كيلو متر ، يوم القيامة :
﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾
انتهت الشمس ، لذلك من اللفتات الرائعة أن الشمس كسفت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، فظن أصحابه أنها كسفت من أجل موت ابنه إبراهيم ، فلما شاع ذلك بين الصحابة وقف النبي خطيباً وقال : " إن الشمس والقمر آيتان لا ينبغي أن تنكسفا لموت واحد من خلقه " .
لكن يوم القيامة :
﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾
أي انطفأت والدليل قال تعالى :
﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾
نهاية هذا المستقر تنطفئ ، قال تعالى :
﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ﴾
أي تساقطت مبعثرة وانتهت النجوم ، قال تعالى :
﴿ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ﴾
أصبحت كالرمل ، وهذا الرمل ساح بين الوديان .
الله عز وجل وحده يكشف حركات الإنسان و سكناته :
أخواننا الكرام ؛ هذا اليوم الآخر ، قال تعالى :
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾
أحد أكبر أسباب المعصية أن يوم القيامة ليس ماثلاً أمام الإنسان ، إنسان حينما يحاسب إنساناً لا يعصيه ، إنسان أقوى منك ، وعلمه يطولك ، وقدرته تطولك لا تعصيه ، فكيف الواحد الديان يراك وهو معك في سرك وجهرك في خاصتك وعامتك ؟ في بيتك ؟ قال تعالى :
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾
النافذة مفتوحة ، البناء المقابل فيه شرفة ، وهناك امرأة خرجت إلى الشرفة متبذلة في ثيابها ، فأنت إما أن تغض البصر عنها ، وإما أن تحد النظر إليها ، من يعلم ذلك إلا الله ؟ الله وحده يعلم ذلك ، إذا كان المريضة تعرت أمام الطبيب لفحص جسمها ، والطبيب نظر إلى مكان لا تشكو منه ، هذه النظرة من يكشفها ؟
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾
الإله يكشف كل حركاتك وسكناتك ، هناك أشياء لا يمكن لإنسان أن يكشفها إلا الله.
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾
علامات انتهاء الدنيا :
هنا حينما تكورت الشمس أي انطفأت انتهت الحياة :
﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ﴾
سقطت مبعثرة .
﴿ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ﴾
ما الجبال ؟ جبل همالايا أعلى نقطة في العالم ، وغور فلسطين أخفض نقطة في الأرض ، على كرة قطرها متر تمثل الجبال مع الأغوار بسنتمتر واحد ، كرة قطرها متر أعلى جبل وأخفض نقطة تجسد على هذه الكرة بسنتمر ، أعلى الجبال أمام خلق السموات والأرض لا شيء :
﴿ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ﴾
العشار النوق ، الجمل هو الناقة ، سفينة الصحراء ، المال الذي كان متداولاً بين المؤمنين قبل الإسلام وبعد الإسلام ، فهذه الناقة شيء ثمين جداً ، وهناك أنواع من النوق غالية جداً ، طبعاً القرآن الكريم ينزل إلى مستوى فهم الإنسان ، كيف الآن يوجد سيارة من أعلى ماركة ثمنها ثلاثون مليوناً تقريباً .
﴿ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ﴾
توقفت ، فالشمس كورت ، انطفأت ، والنجوم انكدرت ، تبعثرت وسقطت ، والجبال سيرت أصبحت كالرمال ، ساقتها الرياح ، والعشار عطلت .
الإنسان خاسر لا محالة إن لم يستقم على أمر الله :
أنا أقول : أي إنسان لا يدخل يوم القيامة في حساباته يعد أغبى الأغبياء ، يوم واقع لا بد من أن نصل إليه ، بل إنه ما من تعريف جامع مانع للإنسان ، كتعريف الإمام الجليل الحسن البصري : الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه .
أنت زمن ، بضعة أيام ، ولأنك زمن أقسم الله لك بمطلق الزمن ، فالإنسان خاسر إن لم يتعرف إلى الله ، خاسر إن لم يستقم على أمره ، خاسر إن لم يعمل الصالحات ، خاسر إن لم يكن مع اهل الإيمان ، قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
أنت بحاجة إلى بيئة تحتضنك ، بيئة إيمانية ، قال تعالى :
﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾
قل لي من تصاحب أقل لك من أنت ، كلام دقيق أقوله : أنت بحاجة إلى حاضنة إيمانية تحتضنك ، بحاجة إلى بيئة إسلامية ، صديق مؤمن ، جار مؤمن ، لذلك الله عز وجل قال :
﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا ﴾
متى نكتشف خصائص الإسلام العظيمة ؟ إن كانت التوبة جماعية .
أحداث أخرى تجري يوم القيامة :
إذا الشمس كورت ، انطفأت ، والنجوم انكدرت ، تبعثرت وسقطت ، والجبال سيرت ، أصبحت كالرمال ، ساقتها الرياح ، والعشار عطلت ، هذه النوق التي كنت تفتخر بها وهي سفينة الصحراء انتهت ، قال تعالى :
﴿ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ﴾
الوحوش لا يوجد عندها جنة ولا نار ، لكن يوم القيامة يقتص من دابة إلى دابة ، من غنمة إلى غنمة هناك قصاص للحيوانات ، ولا يوجد جنة ولا نار ، قال تعالى :
﴿ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ﴾
اشتعلت ، الماء مكون من هيدروجين وأوكسيجن ، الصنف الأول مشتعل ، والصنف الثاني يعين على الاشتعال ، هذه البحار العملاقة فيها عناصر الماء ، وأنا رأيت بعيني صورة لنيران مشتعلة في أعماق المحيطات ، قال تعالى :
﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ﴾
كلام دقيق جداً ، الماء هيدروجين وأوكسجين ، عنصر مشتعل وعنصر يعين على الاشتعال ، فالبحار تصبح ناراً عظيمة يوم القيامة ، قال تعالى :
﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ﴾
قال تعالى :
﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴾
المرابون مع بعضهم ، العصاة مع بعضهم ، الزناة مع بعضهم ، المؤمنون مع بعضهم بعضاً ، الكافرون مع بعضهم ، كل إنسان ينضم إلى قرينه ، إلى من كان على شاكلته، نسأل الله أن يحشرنا مع المؤمنين الصادقين ، قال تعالى :
﴿ وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ﴾
ابتعدوا عن المؤمنين .
بطولة الإنسان أن يحسن اختيار زوجته و حرفته :
بالمناسبة الشيء بالشيء يذكر ، يظل المؤمن بخير ما لم يسفك دماً ، أنت ابحث عن حرفة تتقي الله بها ، ابحث عن حرفة تقربك من الله ، هناك حرف تبعدك عن الله عز وجل، لذلك ألصق شيء بك أيها الإنسان زوجتك وحرفتك ، فطوبى لمن اختار حرفة فيها عطاء لا أخذ، فيها ترميم علاقات و لا يوجد بها نسف علاقات ، طوبى لمن كانت حرفته ترضي الله عز وجل .
أنا مرة ثانية أقول : ألصق شيء بك زوجتك وحرفتك ، فبطولتك أن تحسن اختيار الزوجة والحرفة ، شيء لاصق بك .
﴿ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾
والله هناك قصص وأحداث بالعالم الآن هذه الآية تنطبق عليها تمام الانطباق ، هذا الإنسان الذي ذبح ما ذنبه ؟ ماذا فعل ؟ لم يقترف ذنباً ، هذا الذي يجري في العالم اليوم شيء لا يصدق ، قال تعالى :
﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾
يوم القيامة لكلّ إنسان صحيفة أعمال تنشر بين يديه :
الآن قال تعالى :
﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴾
كل إنسان له صحيفة فيها أعماله كلها ، الآن هذه الأعمال تعرض عليك ، أنا قرأت مرة أن في بعض البلاد الذي يضبط متلبساً بخطأ أو جريمة تعرض عليه جريمته عرضاً سينمائياً، لا يستطيع أن يعطس ، يرى عمله أمامه ، يرى أفعاله ، يرى تجاوزاته ، يرى ظلمه ، قال تعالى :
﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ﴾
كشط الشيء نزعه بشدة ، أحياناً يوجد شيئان ملتصقان مع بعضهما التصاقاً شديداً، فالنزع يحتاج إلى قوة كبيرة ، السماء تكشط تنزع عن مكانها ، قال تعالى :
﴿ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ﴾
أعمال الإنسان ماثلة أمامه ، ظلمه ، عدوانه ، استغلاله ، أنانيته ، معاصيه ، انحرافاته ، كلها بين يديه ، قال تعالى :
﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ﴾
الكتاب بين أيدينا .
بطولة الإنسان أن يعد ليوم القيامة عدته :
أخواننا الكرام ؛ مرة ثانية : بطولتك ، ذكاؤك ، عقلك ، نجاحك ، فلاحك ، أن تعد لها اليوم الذي لا بد منه ، هذا هو الذكاء ، لذلك قالوا : العقل أن تصل إلى الشيء قبل أن تصل إليه ، مثل بسيط لو كنت تركب سيارتك بأيام الشتاء ، وأنت تقصد مدينة بعيدة ، رأيت لوحة صغيرة كتب عليها : الطريق إلى هذه المدينة مغلقة بسبب تراكم الثلوج ، وأنت إنسان عاقل مكان وجودك فيه شمس والمكان جاف ، لكن أنت تهدف إلى مدينة بعيدة، بنصف الطريق الثلج متراكم قطع الطريق ، ماذا تفعل ؟ ترجع ، ما الذي جعلك ترجع وسيارتك فخمة جداً وقوية جداً ؟ خمس كلمات ، فما الذي حكمك ؟ النص ، لو أن دابة تمشي على هذا الطريق أين تقف ؟ عند الثلج ، ما الذي حكمها ؟ الواقع ، الإنسان العاقل يحكمه النص ، قرأ مقالة عن آثار التدخين فترك الدخان ، أما الذي غير العاقل فمتى يتركه ؟ عندما يصاب بورم خبيث في صدره ، فالبطولة أن تصل إلى الشيء قبل أن تصل إليه ، أن تصل إليه بعقلك قبل أن تصل إليه بواقعك ، فلذلك قال تعالى :
﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴾
أعمالك كلها منشورة ، قال تعالى :
﴿ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ﴾
أعمال الإنسان كلها يعلمها تماماً ، قال تعالى :
﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ﴾
أخواننا الكرام ؛ بطولتنا ، ذكاؤنا ، عقلنا ، تفوقنا ، أن نعد لهذا اليوم عدته ، أن نعد لهذا اليوم الاستقامة ، أن نعد لهذا اليوم العمل الصالح ، أن نعد لهذا اليوم أن نعرف الله عز وجل :
(( ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))