- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (005) سورة المائدة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
ابتغاء الوسيلة إلى الله عن طريق :
1 ـ معرفة الله من خلال الكون :
أيها الأخوة الكرام ؛ يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :
﴿يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾
موضوع اليوم حول كلمة الوسيلة ، أي إذا أردت أن تصل إلى مكان ما ، فلا بد من وسيلة تنقلك إلى هذا المكان ، إذا أردت الماء فلا بد أن تحفر بئرًا ، إذا أردت أن تأكل فلا بد أن تشتري الطعام ، إذا أردت أن تستنبت فلا بد أن تزرع البذر .فالإنسان له هدف ، وله أن يتخذ وسيلةً إلى هذا الهدف ، فمن أراد الله فلا بد أن يبتغي إليه الوسيلة .
﴿يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾
من أوسع التفاسير لهذه الكلمة ، وأَوجه معنى من معاني الوسيلة طلبُ العلم ، فهو وسيلة ، والعلم طريقٌ إلى الله عز وجل .﴿يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾
يجب أن تعرف أنه موجود ، يجب أن تعرف أنه واحد في ذاته ، وفي أفعاله ، وفي صفاته ، يجب أن تعرف أنه كامل ، أسماؤه كلها حُسْنَى ، وصفاته كلها فُضْلَى . إذاً ينبغي أن تعرفه ، ينبغي أن تعرف ما عنده من إكرام من أجل أن تقبل عليه ، وينبغي أن تعرف ما عنده من عذابٍ أليم إذا أعرضت عنه . إذاً إذا أردت الله عز وجل فابتغِ إليه الوسيلة عن طريق العلم ، لقول الله عز وجل :﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
لو أن هناك طريقاً إلى الله غير طريق العلم لذكرَه الله عز وجل ، لا بد أنْ تتعرف إلى الله ، لأنك كلما عرفت الله عز وجل ازدادت خشيتك له ، فالخشية مترافقة مع حجم العلم ، حجمُ خشيتك بحجم علمك ، رأس الحكمة مخافة الله ، أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً .وبعد ؛ فإن عرفته أقبلت عليه ، فمعرفته وسيلة ، وإنْ عرفت أمره ونهيه طبقتَ أمره وابتعدت عن نهيه ، إذاً معرفةُ منهجِه وسيلة .
2 ـ معرفة أمره ونهيه من خلال الكتاب والسنة :
لا ينبغي أن تكتفي بمعرفته من خلال الكون ، لا بد من أن تعرف منهجه من خلال الكتاب والسنة ، يجب أن تعرفه ، وأن تعرف منهجه ، الكون يدلك عليــه ، والكتاب والسنة يعرفانك بأمره ونهيه ، بالكون تعرفه وبالشرع تعبده . إذاً لا بد من جانب من جوانب هذه الوسيلة أن تفكر في خلق السماوات والأرض .
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
ومن أجل أن تعبده لا بد من أن تعرف أمره ونهيه ، ماذا تعمل أنت ؟ في التجارة مثلاً : لا بد أن تعرف أحكام الشراء والبيع لئلا تقع في الحرام ، فمن دخل الأسواق من دون فقهٍ وقع في الربا شاء أم أبى ، تعمل في الطب لا بد أن تعرف أحكام الجُعالة ، لأن أجرك أيها الطبيب ليس مِن نوع عقود التراضي ، ولا المعوضات ، ولكن من نوع الجُعالة ، أنت مقبلٌ على الزواج ، فلا بد أن تعرف أحكام الزواج ، كيف تعامل الزوجة ؟ كيف يتم هذا العقد ؟ ما شروط هذا العقد ؟ إذاً إذا أردت أن تعبده فلا بد أن تعرف أمره ، لذلك ورد في الأثر أن طلب الفقه حتمٌ واجبٌ على كل مسلم ، ليس هذا خياراً لك ، لا بد أن تقتطع من وقتك لتتعرف فيه إلى أمر الله ونهيه ، إن أردت أن تعرفه ، إن أردت أن تعبده ، إن أردت أن تتقرب إليه .إذاً معرفة ذاته ، وأسمائه ، وصفاته ، من خلال الكون وسيلة ، ومعرفة منهجه من خلال الكتاب والسنة وأحكام الفقه وسيلة .
من أجل أن ترى نفسَك للإسلامِ مطبِّقاً لا بد أن تقرأ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجعله مثلاً أعلى وقدوة تقتدي به ، إذاً معرفة السيرة فرض عين ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾
3 ـ الاجتماع مع المسلمين :
إن جلست مع أهل الدنيا ، صَدِئ قلبك ، وشعرت بالضيق ، لابد إذًا أنْ تجلس مع المؤمنين ، قال الله تعالى :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾
أن تجلس مع الصادقين وسيلة ، أن تجلس مع المؤمنين ، أن تلتقي معهم ، أن تأخذ عنهم ، من علمهم ، من أخلاقهم ، من قيمهم ، فكل هذه وسيلة ، انظُر فالمطلق على إطلاقه .الوسيلة أن تعرف الله من خلال الكون ، والوسيلة أن تعرف أمره ونهيه من خلال الكتاب والسنة ، والوسيلة أن تجتمع مع المسلمين ، لتأخذ من علمهم ومن أخلاقهم ومن قيمهم ، وأن تقتدي بهم والدليل :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾
هذه وسيلة .4 ـ التقرب إلى الله بالعمل الصالح :
والوسيلة الرابعة ؛ أن تتقرب إليه بالعمل الصالح .
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾
فمعرفة الله من خلال الكون وسيلة ، ومعرفة منهجه وسيلة ، وصحبة المؤمنين وسيلة، والأعمال الصالحة التي تقربك إلى الله وسيلة ، المطلق في القرآن على إطلاقه ، فأي شيءٍ يقربك من الله عز وجل هو وسيلة .5 ـ التأمل في خلق السماوات والأرض :
لكن أكثر شيء يقربك من الله عز وجل أن تتأمل في خلق السماوات والأرض ، فأنت أمام عظمة الله عز وجل وجهاً لوجه ، هذا أكبر شيء نظري .
6 ـ الإنفاق :
أكبر شيء عملي يقربك إلى الله عز وجل الإنفاقُ ، مطلق الإنفاق .
﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
لأن الله سبحانه وتعالى جاء بك إلى الدنيا من أجل أن تعدَّ نفسك إلى حياة أبدية ، فلا بد من عملٍ صالحٍ ترقى به ، " يا بشر لا صدقة ولا جهاد ، فبِمَ تلقى الله إذاً ؟ " ، لا بد من شيء تلقى الله به ، إنه الوسيلة .الإنسان حركي وليس سكونياً :
لذلك إنسان يدّعي أنه مؤمن ولا يتحرك دعواه باطلة ، دعواه كاذبة ، لأن الإنسان من طبيعته الحركة ،الإنسان ديناميكي وليس سكونياً ، ديناميك أي حركي ، فأنت تؤمن بالله وتظلّ واقفًا في محلك ، فلا يليق ذلك بالمؤمن .أنت لا بد لك مِن بيت تسكنه ، مقدم على زواج ، تسمع أنّ بيتًا ثمنه نصف قيمته الحقيقية ، ثمنه خمسمئة ألف بدمشق وعلى الطابو فورًا ، وأنت معك المبلغ وتظل نائمًا ؟! لا أظن ، بل تذهب في نصف الليل مشيًا ولو كان في آخر مكان ، أنت بحاجة ماسّة إلى بيت ، والبيت بنصف قيمته ، وطابو فورًا ، وليس فيه مشكلة ، والدلال فلان ، وتظل ساكنًا ولا حركة ، هذا غير معقول أبدًا ! تسمع أنّ على كتفك عقربًا - لا سمح الله - إذ قال لك شخص : على كتفك عقرب ، هل تلتفت نحوه بهدوء ، وتقول له : أشكرك على هذه الملاحظة ، وأتمنى أن أقابلك بخير منها ، معنى ذلك أنك لم تفهم قولَه ، ولو علمت ماذا قال لقفزت وخرجت من جلدك خوفاً من هذه الحشرة . أتسمع الحق ولا تتحرك ؟! لا تغض بصرك ، ولا تنفق من مالك ، ولا تلازم المسجد ، ولا تصلي ، معنى هذا أنك ما فهمت شيئًا إطلاقاً ، فعلامة الفهم الحركة .
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾
أنتَ عرفت الله وبيتك غير إسلامي ، أي أنك ما عرفته ، ولو عرفته ، وعرفت ما عنده من إكرام ، وعرفت ما عنده من عقاب ، وعرفت تفاهة الدنيا ، وعرفت أبدية الآخرة ، وعرفت أن الجنة فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، إذًا فلا بدّ أن تتحرك .ذات مرة ضربت مثلاً مضحكًا ؛ عندما كان عندنا أزمات تموينية ، قلت : لو أن واحدًا تلزمه صفيحة زيت ، وقد خرج من وظيفته توًّا وهو مُتعَب ، وقد خلع ثيابه وارتدى ثياب البيت ، وجلس على أريكةٍ مريحةٍ ، فقال له ابنه عدّةَ كلمات ؛ قال له : في المؤسسة زيت ، والصفيحة بثمانمئة ليرة سورية ، وثمنها لدى السمّان ألف وستمئة ليرة سورية ، وليس في المؤسسة ازدحام ، ولا يوجد عندنا زيت ، وقد قبضتَ راتبك منذ يومين ، أيبقى قاعدًا ؟ لا شكّ أنه يسارع إلى المؤسسة مهرولاً ناسيًا تعبه كله . فإذا كان الدين واضحًا ، والأفكار صحيحة ، والعقل يقظًا ، والعاطفة جياشة ، وسمعت الحق ، فلا بد أنْ تتحرك ، أما يبقى على ما هو عليه من المعاصي والآثام والتقصير ، ويدّعي أنه مؤمن ، وأنا مسلم ، ويقول : اللهم اجعلنا من أهل الجنة ، فنحن عبيد إحسان ، ولسنا عبيد امتحان ، هذا كلام لا يقدم ولا يؤخر ، وربما يكون حجة على قائله .
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
﴿يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾
إذاً أي شيءٍ من علمٍ ، أو عملٍ ، أو تضحيةٍ ، أو شيءٍ آخر يقربك إلى الله عز وجل هو وسيلة ، التفكر في خلق السماوات والأرض وسيلة ، معرفة المنهج الأمر والنهي وسيلة ، صحبة المؤمنين وسيلة ، البذل والعطاء وسيلة ، وأي شيءٍ آخر ترى أنه يقرب إلى الله عز وجل فهو وسيلة .7 ـ ذكر الله :
نسيت أن أقول لكم : إنّ ذكرَ الله وسيلةٌ ، ذكره باسمه المفرد ، والاستغفار ، والتسبيح، والتهليل ، والتكبير ، والحمد ، والدعاء ، وتلاوة القرآن هذه وسيلة .
الوسيلة هي أي شيء يقرب الإنسان من الله عز وجل :
أعود لأكرِّر : التفكر وسيلة ، الذكر وسيلة ، الطاعة وسيلة ، البذل وسيلة ، صحبة المؤمنين وسيلة ، الإطلاع على سيرة رسول الله وأصحابه الكرام وسيلة ، والآية واسعة جداً ، وأي شيء يقربك من الله هو وسيلة ، درسنا اليوم كان حول :
﴿يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾
واستمع لقوله تعالى :﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾
علامة الإرادة السعي ، وعلامة التمني القعود ، المتمني يقعد ، والساعي يتحرك ، فأنت امتحن نفسك ، إذا بقي الإسلام معلومات تتلقاها وأنت مرتاح لها ، ولديك مشاعر إسلامية وليس لديك حركة إطلاقاً ، فالقضية صعبة ، أما إذا أيقنت بأحقية هذا الدين ، وعظمة هذا الخالق العظيم ، فلا بد أن تتحرك نحوه ، ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فُتُّكَ فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء .