- محاضرات خارجية / ٠08رحلات - أستراليا
- /
- ٠1رحلة أستراليا - 1
مقدمة :
المذيع :
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وعلى كل من سار على نهجه بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً .
أهلاً بكم إخوتنا في الله ، أيها الأخوة المستمعون ، معًا نلتقي الدكتور الشيخ راتب النابلسي لنحاوره في مواضيع تخص الجالية ، عسى الله سبحانه و تعالى أن ينفعنا بعلمه ، و أن يكتب له الأجر و الثواب ، و أن يجعله من المخلصين . وقبل البدء في هذه المحاورة لا بد لنا أن نعطي نبذة بسيطة عن سيرة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله .
ولد في دمشق عام 1938 من أسرة علم ، فقد كان والده عالماً من علماء دمشق ، و كان يدرس في جامع الشيخ محي الدين بن العربي ، وجامع الشيخ عبد الغني النابلسي ، وترك مكتبة كبيرة تضم بعض المخطوطات ، والتحق بمدارس دمشق الابتدائية والإعدادية والثانوية ، ثم التحق بمعهد إعداد المعلمين ، وتخرج منه عام 1956 ، و بعدها التحق بكلية الآداب ، قسم اللغة العربية بجامعة دمشق ، وتخرج منها عام 1964 ، في آداب اللغة العربية و علومها ، و بعدها التحق بكلية التربية بجامعة دمشق ليتابع الدراسات العليا ، وحصل في عام 1966 على دبلوم التأهيل التربوي بتفوق ، ثم التحق بجامعة ليون فرع لبنان ، و حضّر درجة الماجستير في الآداب ، وكان موضوع الأطروحة : " توفيق الحكيم ناقداً " وعمل في حقل التعليم الثانوي الرسمي ، ثم الجامعي ، حيث عُيِّن أستاذاً محاضراً في كلية التربية في جامعة دمشق ، بدءاً من عام 1969 ، وقد ألّف كتاب " من أدب الحياة " و كتاب " أصول تدريس اللغة العربية" و قد طلب العلم الديني الشرعي في وقت مبكر من حياته ، فلزم دروس العلم الديني الشرعي على يد عدد من علماء دمشق ، حيث درس التفسير والحديث والفقه و السيرة و الفرائض ، ونال إجازة إسلامية في رواية الحديث الشريف من أستاذه في كلية الآداب الأستاذ الشيخ صبحي الصالح أستاذ علوم القرآن و علوم الحديث وفقه اللغة في جامعة دمشق ، في عام 1974 عُيِّن خطيباً في جامع جده العارف بالله الشيخ عبد الغني النابلسي ، ومدرساً دينياً في مساجد دمشق ، ولا زال يخطب في جامع النابلسي ويدرس فيه ، كذلك عُيّن عضواً مشرفاً على مجلة نهج الإسلام ، وعيّن مديراً لمعهد تحفيظ القرآن في جامع النابلسي ، كذلك عيّن عضواً في عدد من اللجان الأخرى ، كما كان في بعثة الحج الرسمية لثلاث سنوات ، و مثّل سوريا في مؤتمر الإيسيسكو - المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم و الثقافة - الذي عُقِد في الرباط عام 1993 ، و له الكثير من الأعمال ، وله الكثير من المؤلفات و المقالات ، أسأل الله سبحانه و تعالى أن يجعله ذخراً لهذه الأمة ، وأن يكون من العلماء العاملين المخلصين .
أيها الأخوة ؛ ننتقل معكم اليوم لنحاور الآن فضيلة الدكتور راتب النابلسي .
فضيلة الدكتور ؛ السلام عليكم .
الدكتور راتب :
وعليكم السلام ورحمة الله و بركاته ، أهلاً بكم ومرحباً .
المذيع :
طبعاً نحن اليوم نتكلم معك من إذاعة الصوت الإسلامي من سيدني أستراليا ، وهذه مقابلة مباشرة يستمع إليها المسلمون من كل أنحاء سيدني ، وفي هذا اللقاء نتمنى عليكم وأنتم الذين أزخرتم هذه الإذاعة بالأشرطة و المحاضرات القيمة التي وصلت إلى كل بيت من بيوت المسلمين في هذه الجالية ، و لذلك أنت غني عن التعريف عند أبناء الجالية من خلال أقوالك التي لا زالت تُسمع ، ولا زال الناس يصغون إليها باهتمام .
بدءًا وبادئ ذي بدء نحب منكم أن تكون لكم كلمة توجهونها إلى الجالية .
الإنسان هو المخلوق الأول و المكرم و المكلف :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الأخوة الكرام ؛ أبناء الجالية الإسلامية في سيدني وأستراليا عامة ، بادئ ذي بدء الإنسان هو المخلوق الأول لقوله تعالى :
﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾
والإنسان هو المخلوق المكرم ، لقوله تعالى :
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
والإنسان هو المخلوق المكلف ، وقد كُلّف عبادة الله عز وجل ، قال تعالى :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
ومن أدق تعريفات العبادة أنها طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية ، من خلال هذا التعريف الدقيق يتضح أن في الدين كليات ثلاث ؛ كلية معرفية ، وكلية سلوكية ، وكلية جمالية ، وما لم يتحرك الإنسان على هذه الخطوط الثلاثة سيتطرف ، و لن يتفوق ، والتفوق يعني أن يطلب العلم ، العلم المسعد في دينه و دنياه ، حين يطبق ما تعلم ، ثم يتصل بأصل الكون ، وبأصل الجمال ، الله جل جلاله ، كي يسعد بقربه في الدنيا و الآخرة .
السلامة و السعادة شيئان أساسيان في حياة كلّ إنسان :
الإنسان كائناً من كان ، وفي أي زمان ، في أي مكان يبحث عن شيئين ؛ عن سلامته ، و عن سعادته ، هذا شأن كل إنسان في كل زمان ومكان ، وسلامته و سعادته أساسهما أن يطبق تعليمات الصانع ، فهو أعقد آلة في الكون ، ولهذه الآلة البالغة التعقيد صانع حكيم ، ولهذا الصانع الحكيم تعليمات التشغيل والصيانة ، فبمجرد أن يتبع الإنسان تعليمات الصانع يحقق سلامته ، و بمجرد أن يتقرب الإنسان إلى خالقه العظيم يحقق سعادته ، و لا سبيل آخر إلى سلامته وسعادته إلا اتباع منهج ربه الذي خلقه :
﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾
﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾
أي إنسان مفطور على حبّ وجوده ، وعلى حبّ سلامة وجوده ، و على حبّ كمال وجوده ، وعلى حبّ استمرار وجوده ، وهذه الحقائق الأساسية عن حقيقة النفس البشرية لن يقطف الإنسان ثمارها إلا باتباع منهج الله عز وجل ، فقضية التدين ليست قضية ثانوية ، أو قضية يمكن أن نغفلها ، إنها قضية مصيرية .
الإنسان بضعة أيام و مضي الزمن يستهلكه :
و الإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، الله جلّ جلاله أقسم بمطلق الزمن لهذا الإنسان الذي هو في حقيقته زمن ، قال له :
﴿و العصر* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
فأقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن ، هو بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، هذه أكبر حقيقة في تعريف الإنسان ، إنه بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، جواب القسم :
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
خاسر لا محالة ، نوع خسارته أن مضي الزمن يستهلكه ، كيف يتلافى هذه الخسارة ؟ قال تعالى :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
فالزمن إما أن يُتفق إنفاقاً استهلاكياً ، وهو كما يفعل معظم الناس ، يأكلون و يشربون و يتمتعون كما تتمتع الأنعام و النار مثوى لهم ، وإما أن يُنفق إنفاقاً استثمارياً ، أن نفعل في الزمن الذي سينقضي ما ينفعنا بعد انقضاء الزمن ، قال تعالى :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
فلا بد من معرفة الله .
معرفة الله أصل الدين :
ومعرفة الله أصل الدين ، و الله عز وجل يُعرف من خلقه :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
يُعرف عن طريق خلقه ، ويعرف عن طريق أفعاله :
﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
ويُعرف عن طريق كلامه :
﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾
فهناك آيات كونية هي خلقه ، وهناك آيات تكوينية هي أفعاله ، وهناك آيات قرآنية هي كلامه ، فالذين آمنوا أي عرفوا ربهم معرفة حملتهم على طاعته واجتناب نواهيه ، وعملوا الصالحات ، استقاموا على أمر الله ، و قدّموا كل خير للخلق ، الخلق كلهم سواسية ، ثم صبروا، صبروا على قضاء الله و قدره ، وصبروا عن معصية الله ، وعلى طاعته ، وتواصوا بالحق ، دعوا إلى الله بشكل أو بآخر ، لأن الله عز وجل يقول :
﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾
فكل من يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بد من أن يدعو إلى الله على بصيرة ، أي بالدليل والتعليل ، فالدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم ، وإلا تنامت دلائل الباطل وضيقت على دوائر الحق ؛ وعندئذ يكون المسلمون جميعاً آثمين ، وهذه السورة القصيرة سورة العصر على قصرها هي سورة خطيرة جداً ، لو تدبرها الناس لكفتهم ، فالإنسان كما قلت قبل قليل مفطور على حبّ وجوده ، وعلى حبّ سلامة وجوده ، وعلى حبّ كمال وجوده ، و على حبّ استمرار وجوده ، ولن يحقق سلامته وسعادته إلا إذا عرف ربه ، و عرف الهدف الذي خُلق من أجله ، وعرف من أين وإلى أين و لماذا ، وعرف سر وجوده ، و غاية وجوده ، وكمال وجوده .
صلاح العمل ثمن الجنة التي خلق الإنسان من أجلها :
ثم إن الله عز وجل حينما كلف الإنسان بحمل الأمانة ، وحمل الأمانة نفسه التي بين جنبيه ، قال تعالى :
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾
فكل إنسان يحقق الهدف من وجوده هو يزكي وقته ، ليجعل هذه التزكية ثمناً لجنة ربه التي خُلق من أجلها .
الحقيقة الخطيرة هي أن الإنسان خلق لجنة عرضها السموات و الأرض ، ما هذه الدنيا إلا دار يستعد بها لدفع ثمن جنة ربه ، إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ، وموكب ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يعرف لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، و جعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي .
أيها الأخوة الأكارم ؛ الإنسان إذا سافر إلى بلد بعيد ، و نزل في أحد الفنادق ، واستيقظ صبيحة اليوم الأول ، وتناول طعام الإفطار ، وسأل إلى أين أذهب ؟ نسأله نحن : لماذا أتيت إلى هنا ؟ إن كنت جئت طالب علم فاذهب إلى المعاهد و الجامعات ، وإن جئت تاجراً فاذهب إلى المعامل والمؤسسات ، وإن جئت سائحاً فاذهب إلى المقاصف و المتنزهات ، ما معنى هذا المثل ؟ أي أنك لن يصح عملك في مكان ما إلا إذا عرفت سرّ وجودك في هذا المكان ، لن يصح عملك إلا إذا عرفت سر وجودك ، لو كبّرنا هذا المثل ، لماذا نحن على وجه الأرض ؟ لن يصح عملنا إلا إذا عرفنا سر وجودنا :
﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
معرفة حقيقة الكون ، و حقيقة الحياة الدنيا ، و حقيقة الإنسان معرفة مصيرية ، يتعلق بها سعادة الأبد أو شقاء الأبد ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار ))
فمعرفة سر الوجود هو الذي يضمن صلاح الكل ، و صلاح العمل ثمن الجنة التي خلق الإنسان من أجلها :
﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
يقول عليه الصلاة و السلام فيما يرويه عن ربه :
((أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ))
فالإنسان الذي عرف الله يسعى بكل ما أوتي للدار الآخرة ، لأنها الدار التي تليق به، يقول الله عز وجل :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
يدعونا الله إلى الحياة الحقيقية ، الحياة التي تليق بالإنسان ، الحياة التي خلق الإنسان لها ، الحياة التي تفضي به إلى جنة ربه في الدار الآخرة .
قضية التدين ومعرفة الله و معرفة حقيقة الحياة الدنيا قضايا مصيرية :
نقطة ثانية ؛ لو أن طالباً على مشارف امتحان مصيري يُبنى على نجاحه في هذا الامتحان دخله وزواجه وسعادته في الدنيا ، هذا الامتحان المصيري بعد أيام معدودة ، لو أن أصدقاءه الذين يحبونه أخذوه إلى مكان جميل قبل الامتحان بأيام ، و سكنوا في أجمل بيت ، ونظروا إلى أجمل منظر ، و تناولوا أطيب الطعام ، لماذا يشعر هذا الطالب بانقباض شديد مع أنه في مكان جميل ، و ينظر إلى مناظر جميلة ، و يأكل أطيب الطعام ، ومع أصدقائه المحبين ؟ لأن هذه الحركة - ذهابه إلى مكان جميل - لا تتناسب مع هدفه القريب ، فمن تناقض الحركة مع الهدف ينشأ الشقاء ، لو أن هذا الطالب نفسه وُجد في غرفة قميئة ، وقرأ الكتاب المقرر واستوعبه يشعر بسعادة بالغة ، من خلال هذا المثل تتضح حقيقة السعادة ، أنت حينما تتحرك حركة وفق هدفك تشعر براحة كبيرة ، وحينما تتحرك حركة لا علاقة لها بهدفك تشعر بانقباض شديد ، فسرُّ سعادة المؤمن أنه يحقق الهدف من وجوده ، و يتحرك نحو تحقيق هدفه ، إذًا هو من أسعد الناس ، الله عز وجل يقول :
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
وقال تعالى :
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾
فقضية التدين ، و قضية معرفة الله ، وقضية معرفة حقيقة الحياة الدنيا قضايا مصيرية يبنى على صواب فهمها سعادة الدنيا ، و سعادة الآخرة ، يقول الله عز وجل :
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾
أي هل يستوي المحسن مع المسيء ؟ و المستقيم مع المنحرف ؟ و الصادق مع الكاذب ؟ و المتواضع مع المتكبر ؟ والمنصف مع الظالم ؟ هل يستوي هؤلاء مع هؤلاء ؟ هذا لا يتناقض مع عدالته فحسب ، بل يتناقض مع وجود الله :
﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
سعادة الإنسان تتجلى في طاعة الله عز وجل :
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ يا أبناء الجالية الإسلامية في أستراليا ، الله جل جلاله خلق الإنسان ليسعده ، قال تعالى :
﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾
فالذي يبحث عن حقيقة السعادة لا يجدها إلا في طاعة الله ، قال تعالى :
﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾
أي النجاح كل النجاح ، والفلاح كل الفلاح ، والفوز كل الفوز ، والتفوق كل التفوق في معرفة الله وطاعته ، فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ))
صحة العقيدة أصل الدين وأخطر شيء فيه :
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ الكون كله مظهر لأسماء الله الحسنى ، وفي القرآن الكريم ما يزيد عن ألف و ثلاثمئة آية كونية ، إنها موضوعات أو رؤوس موضوعات للتفكر في خلق السموات والأرض ، إنك إن عرفت الله ثم عرفت أمره تفانيت في طاعته ، أما إذا عرفت الأمر و لم تعرف الآمر تفننت في التفلت من أمره ، لو جاءتك ورقة من دائرة البريد تدعوك إلى الحضور إلى مكتب البريد كي تتسلم رسالة مسجلة ، لا تتحرك شعرة في جلدك حينما تذهب أو لا تذهب، أما إذا جاءتك ورقة من جهة قوية لا تنام الليل ، ما الذي اختلف ؟ المرسل ، أنت عرفت الله حق المعرفة ، تفانيت في طاعته ، فإن لم تعرفه تفننت في التفلت من أمره ، فقضية التدين يا أيها الأخوة الأكارم قضية مصيرية ، ويقول الله عز وجل :
﴿أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ﴾
فنرجو الله سبحانه و تعالى أن يلهمنا الصواب ، أن يلهمنا أن نعتقد اعتقاداً صحيحاً جازماً ، لأن أصل الدين وأخطر شيء في الدين صحة العقيدة ، إنها إن صحت صح كل شيء ، وإنها إن فسدت فسد كل شيء ، والخطأ في العقيدة كالخطأ في الميزان ، الخطأ في الميزان لا يُصحح ، بينما الخطأ في السلوك كالخطأ في الوزن ، و الخطأ في الوزن لا يتكرر ، أخطر شيء أن تعتقد اعتقاداً خلاف ما جاء به الوحيان ؛ الكتاب و السنة ، بينما الخطأ الفردي هذا يتوب الإنسان منه ، والله سبحانه و تعالى يريد أن يتوب عليكم .
أسئلة و أجوبة :
المذيع :
أنا أنتظر أيَّ سؤال من الأخوة الأكارم ، بعد هذه المقدمة .
شكراً فضيلة الشيخ على هذه المقدمة الطيبة ، وطبعاً من خلال الحوار الذي سيدور بيننا وبينكم بعونه تعالى نفتح مجال السؤال للإخوة المستمعين الذين يرغبون بتوجيه أسئلة إلى فضيلتكم ، ونذكر الأخوة الكرام بأن رقمنا هو 97426061 ، فضيلة الشيخ ممكن .
السؤال الأول الذي نحب أن نطرحه عليكم ، الظلم واقع فيما بين الناس بكثرة ، وهناك تصورات عند الناس حول التضاد وعدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بالتوفيق فيما بين صلة القربى وفي الوقت نفسه في دفع الظلم ، بمعنى آخر مثلاً الأبوان يستغلان حدود الأبوية لكي يفرضوا على أولادهم أشياء ربما كانت من حقوق الأبناء و ليست من حقوق الآباء ، وأحياناً يكون هناك بعض الأقرباء الذين يقاطعون و يتعالون ، ويصرون على عنادهم ، والفئة المقابلة هي الفئة الملتزمة التي تخاف الله سبحانه وتعالى ، وليس لديها حل لهذا الموضوع ، هل تستطيع أن تقابل المقاطعة بالمقاطعة أم أنها يمكن أن تذل نفسها للأقرباء فيصطلح الأمر أم أن الأمر يتعلق بأن الإنسان لا يعفو إلا بعد أن يأخذ حقه ويتبين الأمر ؟ نرجو منكم توضيح هذه المسألة ، وخصوصاً أن الكثير من فئات كثيرة يستغلون تدين المتدينين لكي يظلموهم .
العلاقة السيئة بين الأقارب تُذهب الدين و تنشئ العداوة و البغضاء :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، بادئ ذي بدء يقول الله عز وجل في محكم كتابه :
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾
هذه الآية تشير إلى أن كل مؤمن ينبغي أن يصلح العلاقة بينه و بين الله أولاً ، ثم يصلح العلاقة بينه وبين من حوله ثانياً ، ثم يسهم في إصلاح أيّة علاقة بين اثنين ، وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك :
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾
ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( إِيَّاكُمْ وسُوءَ ذَاتِ البَيْن فَإِنَّهَا الحَالِقَةِ))
وفي حديث آخر :
(( دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ ))
أي العلاقة السيئة بين الأقارب ربما سببت ذهاب الدين .
(( إِيَّاكُمْ وسُوءَ ذَاتِ البَيْن، فَإِنَّهَا الحَالِقَةِ))
فلو بحثنا عن سبب البغضاء بين الأقرباء ، هناك آية تضبط ذلك ، قال تعالى :
﴿مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾
أي مسلمين كانا على طاعة الله عز وجل لا بد أن يحب بعضهما بعضاً ، قانون ثابت :
﴿لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾
هذا الود البالغ بين المؤمنين ، وبين الأقارب المؤمنين ، وبين المتجاورين ، وبين من بينهم علاقة متينة ، هذا الود من خلق الله ، ولا يذهب هذا الود إلا بذنب أصابه أحدهما ، فنحن أولاً إذا دعونا إلى طاعة الله ، من لوازم هذه الطاعة أن يكون الحب بين الأقرباء ، وبين الجيران ، و بين المؤمنين ، هذا الحب الذي كان بين أصحاب رسول الله يصعب تصوره ، لسبب بسيط هو أنهم جميعاً أطاعوا الله عز وجل ، ففي مجتمع يعصى الله فيه لا بد من أن تنشأ بين أفراده عداوة وبغضاء ، هذا قانون إلهي :
﴿وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾
إذًا نحن ندعو إلى طاعة الله ، لمجرد أن نطيع الله عز وجل كان بين المؤمنين من الود ما لا يوصف ، لذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((المؤمنون بعضهم لبعض نصحة متوادون ولو ابتعدت منازلهم ، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون ولو افترقت منازلهم))
هذه قضية أولى .
طاعة رسول الله في الأمور الاجتماعية هي سبب الود بين الأقارب :
لكن النبي عليه الصلاة و السلام علّمنا أن كل شيء يمتن العلاقة بين المؤمنين وبين الأقارب أمرنا بها ، منها إلقاء السلام ، منها تلبية الدعوة ، منها حفظ الغيبة ، الإنسان حينما لا يغتاب أخاه ، ولا يسخر منه ، ولا يسلمه ، ولا يوبخه ، ولا يحقره ، ولا ينسى فضله ، لابد من أن تنشأ بين المؤمنين وبين الأقارب بالذات علاقة الود ، أما حينما يعصي الله عز وجل فيغتابه ، و يسخر منه ، ويسلمه إلى عدوه ، و ينتقده انتقاداً لاذعاً ، ويحقره ، لا بد من أن تنشأ هذه العداوات بين الأقارب ، إذًا طاعة رسول الله في الأمور الاجتماعية هي سبب الود بين الأقارب ، ومعصية رسول الله في العلاقات الاجتماعية هي سبب العداوة و البغضاء فيما بينهم، وأنا لا أبالغ إذا قلت : إن أخطر شيء يهدد الدين العداوة بين المؤمنين ، بل إن الله عز وجل سمى الخصومة بين المؤمنين كفراً ، قال تعالى :
﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ﴾
أي حينما لا نطبق منهج الله سوف يدخل الشيطان بيننا ، وسوف يورِّث العداوة والبغضاء ، وسوف يجعل قوتنا ضعفاً :
﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾
((عَنِ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِير أَنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ مِنْ مَالِهِ لِابْنِهَا فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً ثُمَّ بَدَا لَهُ فَقَالَتْ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا وَهَبْتَ لِابْنِي فَأَخَذَ أَبِي بِيَدِي وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ هَذَا بِنْتَ رَوَاحَةَ أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الَّذِي وَهَبْتُ لِابْنِهَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ : أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ))
فالأب حينما لا يقيم منهج الله في علاقاته بأولاده ، يزرع بينهم العداوة والبغضاء ، ذلك أن الأبناء حينما لا يعرفون قدر أبيهم يكون بينهم وبين أبيهم العداوة و البغضاء .
أنا أقول : إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، لا بد من أن يعرف الأب ما له وما عليه ، رحم الله عبداً عرف حده فوقف عنده، ولا بد من أن يعرف الابن ما له وما عليه ، فإذا عرف الأب والابن والأخ والأخت والأقارب فيما بينهم حقوقهم وواجباتهم زالت هذه العداوة و البغضاء ، إنها كلها بشكل أو بآخر مظهر من تفلت الناس من الدين ، التفلت يؤدي إلى هذه العداوة ، والله أعلم .
المذيع :
فضيلة الدكتور يمكن أن نعلق تعليقاً بسيطاً ، نحب توضيح الصورة بالنسبة إلى أنه إذا وقع عداوة ، و كان هناك ظالم ومظلوم ، وأصر الظالم على ظلمه ، فمن يلحق الإثم ؟ هل يلحق القاطع أم الذي قُطع ؟ بمعنى آخر حديثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ :
(( إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ، فَقَالَ : لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ ))
فهل هذا الحديث يوجب أن يصل المسلم الذي ظلمه و قطعه وأصر على قطعه أم أنه من باب الاستحباب وليس عليه إثم ؟
من أعرض عن الصلح مع أخيه فهو آثم :
الدكتور راتب :
يا سيدي ألم يقل الله عز وجل يصف المؤمنين ، قال تعالى :
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾
هذا أمر ، وكل أمر يقتضي الوجوب :
﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾
ألم يقل النبي عليه الصلاة و السلام :
((أمرني ربي بتسع ؛ خشية الله في السر والعلانية ، كلمة العدل في الغضب والرضا ، القصد في الفقر والغنى ، وأن أصل من قطعني ، وأن أعفو عمن ظلمني ، وأن أعطي من حرمني ، وأن يكون صمتي فكراً ، و نطقي ذكراً ، ونظري عبرة ))
فإن كان هناك قطيعة بين مؤمنين يبادر الأول إلى أن يتصل بالثاني ، فإذا أعرض و نفر و قسا في الكلام يكون الأول قد أدى الذي عليه ، وانتهت مهمته ، الآثم هو الذي رفض ، على كل لا بد أن تبادر أيها الأخ إلى صلح مع أخيك ، فإن رفض فهو الآثم ، وأنت لا شيء عليك .
المذيع :
فضيلة الدكتور ، سؤال آخر ؛ المراكز الإسلامية في أستراليا عامة ، فيها الكثير من الأئمة ، فنحب منكم أن تعطونا فكرة ونحن في البلاد الأجنبية عن الشروط التي يجب أن يتحلى بها الإمام في أي مركز إسلامي ، وهل يُشترط في إمام أي مركز إسلامي أن يكون عارفاً باللغة العربية في حال كونه أعجمياً أم أنه يستطيع أن يفتي أو أن يتكلم في الشرع من خلال معرفته الشرعية عن طريق اللغة الإنجليزية ؟ أرجو توضيح هذه المسألة .
الشروط التي يجب أن يتحلى بها الإمام في أي مركز إسلامي :
الدكتور راتب :
أعتقد أنه لا بد للإمام الذي يؤم المسلمين و يتصدى لإصدار الفتاوى أن يكون على علم باللغة العربية أولاً ، لأنها تصله بأمهات الكتب ، تصله بالتراث الإسلامي ، تصله بكتب الفقه ، فقضية العلم في الدعوة إلى الله أساسية جداً جداً ، ولا يمكن أن يفتي الإنسان من دون علم ، تعلمون أن من أفتى بغير علم فقد وقع في إثم كبير ، طبعاً هناك أخطر من هذا أن تفتي بخلاف ما تعلم لمصلحة راجحة عندك ، أما مبدئياً فمن أفتى بغير علم فقد وقع في إثم كبير ، وكانت رقبته جسراً إلى النار ، و كلما كان الإيمان قوياً كان هناك تريُّث في الفتوى ، هذا يحتاج إلى علم ، وأساساً من علامات آخر الزمان أن أئمة جهالاً يُسألون و يفتون بجهل ، فيقع الناس في شر عملهم .
بالمناسبة حينما يتوهم عامة المسلمين في أي بلد في العالم أنه بمجرد أن يَسأل أيَّ رجل يعمل في حقل الدين و يأخذ منه فتوى تريحه انتهت مسؤوليته عند الله ، هذا وهم كبير ، أنا أقول : واللهِ لو عشتَ مع رسول الله و كنت حاذقاً في كلامك ، ومعك حجة قوية ، و سألته في موضوع ، و أخذت من فمه الشريف فتوى لصالحك ، و لم تكن محقًّا لا تنجو من عذاب الله لقول النبي عليه الصلاة و السلام :
((إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ))
إذًا المسلم العادي ينبغي أن يعتقد أنه لا ينجو من عذاب الله لو أخذ فتوى من إمام غير متمكن من العلم ، لا ينجو ، والإمام يجب أن يعلم أنه إذا أفتى بغير علم كانت رقبته جسراً إلى النار ، وعلامة المؤمن الصادق أنه جبان في الفتوى ، لا يفتي بتلك البساطة ، لذلك لا بد من تأهيل الأئمة في مستوى أدنى من العلم ، لا بد من أن يكون على علم بكتاب الله ، وسنة رسوله، وأحكام الفقه و السيرة وإلى ذلك ، فنحن حينما نقبل بإمام ليس على مستوى جيد في أمور العلم والعمل نكون قد وقعنا في فخ كبير ، وهو أنه يفتي بغير علم فيضل ويُضِل ، والله أعلم .
المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ الإقامة في بلاد الكفر ، في البلاد الأجنبية بالتحديد ، كيف نوفق بينها و بين قول النبي صلى الله عليه وسلم :
((أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَ ؟ قَالَ : لَا تَرَايَا نَارَاهُمَا ))
وما هي مناسبة هذا القول ؟ وهل هناك شروط معينة يجب أن يتحلى بها المسلم في بلاد الأجانب حتى يحافظ على دينه ؟ على سبيل المثال هل يحق له أن يعيش في منطقة بعيدة عن تجمع المسلمين وبعيدة عن المساجد ؟
الشروط التي يجب أن يتحلى بها المسلم في بلاد الأجانب حتى يحافظ على دينه :
الدكتور راتب :
واللهِ الذي أعلمه أن الإنسان إذا بلغ أعلى نجاح في الأرض ، وصل إلى نجاح مادي فكان له دخل فلكي ، أو بلغ نجاحاً إدارياً فبلغ أعلى منصب في العالم ، أو بلغ نجاحاً علمياً فارتقى إلى أرقى مرتبة علمية ، و لم يكن ابنه كما يتمنى فهو أشقى الناس ، لأن الابن يكون مع المشركين ويدفع ثمناً باهظاً لا يقوى على تحمل نتائجه ، ألا وهو أولاده ، أنت حينما تكون في بلد تحقق مصالحك المادية على أكمل وجه ، و يضيع أولادك ، فهم بعيدون عن دينهم، وعن أمتهم ، و عن آخرتهم دفعت أعلى ثمن على الإطلاق ، و هذه المشكلة الأولى للإخوة المسلمين في بلاد العالم قاطبة ، فلذلك إذا غلب على ظنك أن ابنك لن يكون مسلماً ، و لن يكون مؤمناً ، و لن يستقيم على أمر الله ، و كان ابن ابنك غير مسلم ينبغي ألاّ تقيم في هذه البلاد .
و الحقيقة كنا في مؤتمر في ديترويت في أمريكا ، وسئل الدكتور القرضاوي هذا السؤال ، فقال : إن لم تضمن أن يكون ابن ابن ابنك مسلماً مؤمناً ينبغي ألاّ تقيم في هذه البلاد، لعلها إجابة قاسية لأبناء الجالية ، و لكن الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، الأمور جيدة جداً في بعض البلاد ، و لكن ماذا يفعل الأب حين يرى ابنه على غير دين الإسلام ؟ أو يراه مسلماً شكلاً يعيش مع أهل الدنيا ؟ مع الشاردين عن الله ، يأكل مما يأكلون ، و يفعل ما يفعلون ، وهو فلذة كبده ، قضية الاغتراب قضية خطيرة جداً ، وأتمنى على كل أخ مسلم سافر إلى بلد بعيد و أقام فيه و حقق بعض الإنجاز أن يعود إلى بلده ، الموازنة لا تكون بين بلد غني وبين بلده الأصلي ، ينبغي أن يوازن بين الدنيا و الآخرة ، بين سعادة الأبد أو شقاء الأبد ، و لا سيما أن الأولاد هم الكسب الأول لوالديهم ، فحينما يضيع الولد في بلاد الغربة، و في بلاد الكفر ، يدفع الأب ثمناً باهظاً جداً ، إلا أنه مما يخفف مخاطر الغربة أن يعيش المسلمون مع بعضهم بعضا ً، أن يكونوا متقابلين ، أن يكونوا متواجدين في مراكز إسلامية ، أن ينصح بعضهم بعضاً ، كلما اشتدت العلاقة بين المؤمنين في بلاد الغربة كان هذا أقرب إلى أن يجتنبوا مخاطر الغربة هناك ، أمَا واللهِ لو أن الإنسان استطاع أن يعود إلى بلاده في الوقت المناسب ، وأن يزوج بناته ممن يرضى عنهم من الأشخاص ، وأن يربي أولاده تربية إسلامية ، يكون قد اتخذ قراراً حكيماً مصيرياً ، أما إذا بعد فوات الأوان نظر فإذا أولاده ليسوا ينتمون إلى دينهم ، ولا إلى أمتهم ، و لا إلى فريق يوصلهم إلى سعادتهم ، فقد دفع ثمنا باهظاً جداً ، ويعض أصابعه ندماً على هذا القرار ، وإذا أردت إنفاذ أمر فتدبّر عاقبته ، وعندي والله من القصص والحالات المؤلمة التي جعلت الآباء من أشقى الناس لأنهم خسروا أولادهم ، هذا الذي أراه .
المذيع :
معنا مكالمة فضيلة الدكتور ؛ السلام عليكم ، وعليكم السلام ، الظاهر أن المكالمة انقطعت ، فضيلة الدكتور ، جاءت المكالمة ، السلام عليكم ، فضيلة الشيخ أنا عندي سؤال من ناحية صلة الرحم ، الشخص يذهب إلى أحد المقربين إليه ، يبادرهم ، وهو غير مسلم .
المجاملة في التعامل مع غير المسلم إن كان لا يؤذيك و لا يحاربك :
الدكتور راتب :
قال تعالى :
﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾
الآية الثالثة :
﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾
التعامل ، إذا كان الإنسان غير مسلم ، لا يؤذيك ، ولا يحاربك ، ولا يبحث عن مضرتك ، و كان جاراً لك ، وأنت سلمت عليه سلاماً طيباً ، وفي عيده هنّأته ، هذا ليس من باب أنك تقره على ما يعتقد ، من باب المجاملة ، هذا الرأي .
المذيع :
معنا مكالمة ؛ السلام عليكم ، نشكر فضيلة الدكتور ، و لكم أن أجبتمونا عن قسم من السؤال ، ولكن القسم الثاني فطرة التدين ، أو غريزة التدين ، ما هو التعريف الشرعي للعقل الذي هو مناط التكليف ؟ وجزاكم الله خيراً و بارك الله فيكم .
التعريف الشرعي للعقل :
الدكتور راتب :
واللهِ العقل البشري فيه مبادئ ثلاثة ؛ مبدأ السببية ، ومبدأ الغائية ، و مبدأ عدم التناقض ، هذا العقل متوافق مع الكون ، الكون كل شيء له سبب ، وكل شيء له غاية ، و الشيء لا يتناقض مع نفسه ، هذه مبادئ خلق الله في كونه ، و قد أودع في العقل مبادئ مماثلة ، لذلك توافق العقل مع الكون توافق عجيب ، لولا هذا التوافق ما عرفت الله ، لأن الله جعل في خلقه لكل شيء سبباً ، ووضع في نفسك جهازاً لا يفهم الشيء إلا بسببه ، و أنت من خلال الأسباب تصل إلى مسبب الأسباب ، هذا العقل جهاز استشاري ، هو مناط التكليف ، الآيات التي تتحدث عن العقل تقترب من ألف آية :
﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾
﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾
فالعقل جهاز استشاري ، الإنسان نفس و روح و جسد ، وفيه جهاز استشاري ، النفس هي ذاته ، هي أنت ، هي التي تؤمن أو تكفر ، ترقى أو تسفل ، هي التي تعذب في النار أو تدخل الجنة ، هي ذاتك ، هذه خالدة لا تموت ، قال تعالى :
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾
تذوق الموت و لا تموت ، أما الجسم فوعاء ، هذا الوعاء ينفصل عن صاحبه عند الموت ، و يبقى في التراب ، وأما الروح فهي القوة المحركة لهذا الإنسان ، أنت تتحرك بالروح ، و ترى بالروح ، وتسمع بالروح ، و الروح عند الموت تُسحب ، أي تُقطع ، تماماً للتقريب فقط كالكهرباء في الآلة ، إذا قطعت التيار توقفت الآلة عن العمل ، فالروح قوة الله المحركة ، والنفس ذات الإنسان ، و الجسم وعاؤه ، ومعه جهاز استشاري ، كيف تكون معك آلة حاسبة في جيبك ، تقع في عملية معقد تأخذها و تحسب عليها ، كذلك العقل جهاز استشاري بالغ الدقة ، هو مناط التكليف ، لو أن إنساناً معه في جيبه جهاز لكشف العملة المزورة ، قبض مبلغاً ضخماً بالعملة الأجنبية ، وما استخدم الجهاز وتبين معه بعد ذلك أن المبلغ مزور ، فهو مسؤول و مؤاخذ ، معك الجهاز لماذا لم تستخدمه ؟ هذه النقطة .
المذيع :
معنا مكالمة فضيلة الدكتور ، السلام عليكم ، وعليكم السلام ورحمة الله ، فضيلة الدكتور ذكرتم أن العقل هو مخزن الإيمان ، هذا السؤال تبادر إلى ذهني مرات عدة ، وهذه فرصة مناسبة جداً لأسأله ، فرضا زرع لإنسان مؤمن قلبٌ على وضع صنوبري لإنسان غير مؤمن فهل تتغير حالة إيمانه في هذه الحالة ؟ جزاكم الله خيراً .
عدم تغير حالة إيمان إنسان زرع له قلب إنسان غير مؤمن :
الدكتور راتب :
هذه عبارة عن عضلة لضخ الدم فقط ، أنا قناعتي أنه ليس هناك علاقة ، و إن كان بعد لم يثبت ذلك ، لما زرع قلب لإنسان وجدوا طباعه تغيرت ، هذا بحث قد يكون طريفاً ، من باب الطرفة العلمية ، وليس من باب الحقيقة ، أما كقلب فهو مضخة فقط ، وأنا أتحدث عن قلب النفس ، قال تعالى :
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾
والله أعلم .
المذيع :
السلام عليكم ، أريد أن أسأل الشيخ إذا جارك مسيحي والآن عيد الميلاد ، إذا تبادلنا الهدايا هل هذا يجوز أم لا ؟ و شكرًا .
ما فهمت السؤال ، مرة ثانية لو سمحت : هل يجوز تبادل الهدايا في مناسبة الأعياد بيننا وبين جيراننا غير المسلمين ؟
الإشكال الكبير في العلاقة الحميمة مع غير المسلم :
الدكتور راتب :
يا سيدي أنا أعتقد أن العلاقة الحميمة مع غير المسلم فيها إشكال كبير .
﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾
العلاقة الحميمة ، أما هناك فيوجد علاقات الجوار ، وعلاقات العمل ، لا شيء فيها ، علاقات الجوار لا شيء فيها ، أما صداقة حميمة جداً ؛ سهرات إلى منتصف الليل ، رحلات مختلطة مع غير المسلمين ، هذه ليست من منهج الله عز وجل ، لا بد من أن تكون العلاقة محدودة بحيث لا تؤثر على استقامتنا ، فأنت لو خالطت إنساناً لا يأتمر بأمر الله ونهيه، سيكون في بيته تفلت ، فكيف تنسجم معه ؟ هذه قضية يجب أن تكون واضحة جداً ، وهناك شيء آخر ؛ الناس الذين شردوا عن الله ، و لم يعرفوا الله ، و لم تهمهم إلا الحياة الدنيا ، وانهمكوا فيها ، و انغمسوا في أعماقها ، و ضيعوا من أجلها دينهم وآخرتهم ، هؤلاء لا ينبغي أن تعظمهم ، ولا ينبغي أن توقِّرهم ، ورد في بعض الأحاديث : " من هوي الكفرة حشر معهم ، و لا ينفعه عمله شيئاً " لا بد من أن يكون هناك حمية ، لا بد أن يكون هناك نوع من العلاقات الداخلية ، أما فصار هناك انفتاح ، يقول أحد الفلاسفة : " أنا أسمح للرياح أن تجدد هواء غرفتي لكن لن أسمح لها أن تقتلعني من جذوري " هذا لم يعد انفتاحاً ، صار تدميراً ، فيبدو أنه لو كان هناك علاقات حميمة جداً ، والحقيقة عندنا مقياس ، هو لعبة شدّ الحبل ،