- موضوعات علمية
- /
- ٠1موضوعات علمية من الخطب
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
تمهيد :
﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴾
دُهِشَ دهشةً لا حدود لها ، لأنّ ترتيب هذه الآية ، ونَظْم هذه الآية ، ومدلول كلماتها ، وروْعَةَ إشاراتها تتوافقُ مع أحدَث نظريّات النّحل ، بل وقْت نُزول هذه الآية لم يكن للعَسَل الدّوْرُ الذي عُرِفَ الآن ، كان العسلُ وقتها غذاءً فصار الآن دواءً ، كان العسلُ مادّة حُلْوَةَ الطَّعْم فصار اليوم صيدليّة بأكملها ، على كُلٍّ الموضوع طويل ، ولكن سأجْعلُ إن شاء الله تعالى بعض الخطب القادمة توضيحًا لِعَلاقة صيغة هذه الآيات المتعلّقة بالنَّحْل مع أحْدَث ما توصَّل إليه العِلْم في هذا الموضوع .
النّحل :
قال تعالى :
﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴾
العلماء قالوا : الله عز وجل يوحي إلى الأرض كما قلتُ قبل قليل بأنّ ربّك أوحى لها ، ووَحْيُه إلى الأرض أمرها ، أن يأمرها بأنْ تفعَلَ شيئًا معيَّنًا ، وقد يوحي للنّحل ، ووحْيُ النّحل يقتضي الغريزة التي أوْدَعَها الله فيها ، وقد يوحي لإنسانٍ عادي ، قال تعالى :
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾
وهو الإلهام ، وقد يوحي لأنبيائه وهو وَحيُ الرّسالة .
الوحي :
فإذا أوْحى الله إلى النحل فلأنّ هذه الحشرة تقدِّم للإنسان شيئًا ثمينًا جدًّا جدًّا ، بل إنّ كلمة الشّفاء لمْ ترِد إلا في مَوْطِنَين ، العسل والقرآن ، وكأنّ العسَل شفاءٌ للأجسام ، والقرآن شفاءٌ للنفوس .
أما قوله تعالى أوحى ربّك ، فلم يقل أوحى الله ، مع أنّ اسم الله عز وجل علمٌ على الذات واجبة الوجود ، ومع أنّ الأسماء الحسنى كلّها مُنْطوِيَةٌ في لفظ الجلالة ، لكنّ الله سبحانه وتعالى أراد ان يبلّغ الإنسان أنّ هذا الربّ الكريم الذي يرعاك ويُمدُّك هو الذي خلق لك النَّحْل ، من أجلك خِصِّيصًا ، ربّك الذي يربِّيك ، ويُربِّي جسدَك ، الذي يربّي نفسَكَ ، الذي أوْجَدَك ، والذي أمدَّك بالهواء ، بالماء ، بالطعام ، بالشراب ، بالمعادن ، بأشباه المعادن ، بكلّ ما في الأرض من مخلوقات ، هو الربّ ، هو نفسهُ ربّك الذي أوحى إلى النحل .
لطيفة من لطائف القرآن .
أما الشيءُ الذي يلفتُ النّظر فهو أنّ النّحْل وردَت في القرآن مؤنَّثةً ، قال تعالى :
﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي ﴾
بينما قالت نملة في قوله تعالى :
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾
﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ﴾
لماذا جاء خِطاب النمل مُذكّرا وخِطاب النحل مؤنَّثًا ؟ لأنّ النَّمْل جماعةٌ فيها الذكور والإناث ، وإذا أردْت أن تخاطب مجموع الذّكور والإناث في اللّغة تستخدم ضمير الذّكور، أما إذا كان الخِطابُ موجَّهًا للإناث فقط فتستخدمُ ضمير الأنوثة ، لأنّ الشغالات والعاملات وحدهنّ يصنعن النحل ، وهل هذا معروفٌ في عهْد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ قال تعالى :
﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي ﴾
ياء المؤنّثة المخاطبة ، قال تعالى :
﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴾
الخاتمة .
يا أيها الأخوة المؤمنون ، آياتٌ كثيرة جدًّا بثّها الله في الكون ، وبثّها الله في الأرض ، وما على الإنسان إلا أن يُدقِّق فيها لِيَكون إيمانه بالله تحقيقيًا ، فإذا كان إيمانه بالله تحقيقيًا ، أوْرثهُ هذا الإيمان عملاً ، واستقامةً ، والتزامًا ، فإذا الْتَزَم قطف ثمار الدِّين ، إيمانٌ تحقيقيّ ، الْتِزامٌ بأوامر الدِّين ، قطْفٌ لثِماره في الدنيا والآخرة .