- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠06برنامج عطر السنة - قناة إقرأ
مقدمة :
المذيع:
أعزائي المشاهدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، مرحباً بكم إلى حلقة جديدة من :"عطر السنة" ، في هذه الحلقة المباركة نتفيأ حدائق النبوة العطرة ، ونستنشق من عبيرها الكريم ما ييسر الله عز وجل من فم أستاذنا الكريم الدكتور محمد راتب النابلسي ، أرحب بكم فضيلة الأستاذ .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم .
المذيع:
أعزائي المشاهدين حديثنا اليوم عن الصبر ، وعن حديث النبي صلى الله عليه وسلم :
((الصبر شطر الإيمان ))
وفي حديث آخر متفق عليه ، عن أبي سعيد الخدري يقول النبي صلى الله عليه وسلم :
(( ومن يتصبر يصبره الله ))
أستاذنا الكريم نريد أن نستنشق هذا العطر المحمدي على صاحبه أفضل الصلاة والتسليم ، أقام النبي صلى الله عليه وسلم بنيان الإسلام على الصبر ، وعظّم هذه الشعيرة العظيمة ، وهذا مبدأ من مبادئ التدين ، ما هو الصبر ؟
حقيقة الصّبر :
الدكتور راتب :
لو جلس مريض يشكو من أسنانه عند طبيب الأسنان ، وكان سن هذا المريض لا يسمح له بالمخدر ، وأقنع الطبيب مريضه بهذا ، الآن هناك ألم ما الذي يحمل هذا المريض على الصبر ؟ قناعته أن هذا الألم لابد منه ولصالحه ، لأن قلبه لا يتحمل المخدر ، فأنا أفهم أن الإنسان حينما يفهم على الله حكمته يفهم على الله أفعاله وقد تكون سلبية ، وقالوا : الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين . فأحياناً الإنسان تقتضي الحكمة أن يكون في وضع معين قد لا يرضيه ، أو أن يكون بحاجة إلى مال يكفيه ، أو إلى صحة تسعده ، تكون الأحوال التي يمر بها الإنسان ليست كما يتمنى أي إنسان ، لكن لأن المؤمن يفهم على الله حكمته ، ويفهم أن كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، فحينما نوحد نصبر ، حينما نرى أن يد الله تعمل وحدها نصبر ، حينما نرى أنه لا ظلم اليوم نصبر .
المذيع:
لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم :
((الصبر شطر الإيمان ))
الدكتور راتب :
لذلك :
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
الأمر ، ال الجنس أي أمر من دون استثناء ، كله توكيد ، فاعبده ، متى أمرك أن تعبده ؟ بعد أن طمأنك ، فالإنسان حينما يؤمن بالله واحداً كاملاً موجوداً ، ويؤمن بأسمائه الحسنى وصفاته العلا يؤمن بكماله المطلق ، هو ذات كاملة ، لا يقع شيء في الكون إلا بأمره وبعلمه ، لذلك قالوا هذه المقولة : التوحيد ، كل شيء وقع في القارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة أراده الله ، أي سمح به ، أريد أن أوضح كلمة سمح به ، طبيب تزوج وأنجب لكن هذا الطفل آية في الجمال تعلق به تعلقاً مذهلاً ، ثم اكتشف الأب أنه بحاجة إلى استئصال الزائدة ، فهذا الطبيب على الرغم من محبته المفرطة لابنه يسمح بشق بطن ابنه ، وتخديره ، واستئصال الزائدة ، وكل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع .
المذيع:
أستاذنا هذا صبر مع إدراك لحقيقة سبب الصبر .
إدراك حقيقة الصبر يدفع الإنسان إلى الإيمان العميق بالله :
الدكتور راتب :
مع إدراكه لحقيقة الصبر ، أما قد لا يفهم حكمة ما أصابه :
﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾
إلى حكمتها ، أنا حينما أؤمن أنه لا فعال إلا الله ، ولا شيء يقع إلا بأمره ، وبحكمته ، وبرحمته ، وبعدله ، هذا الإيمان الدقيق والعميق ، هذا يحملني على أن أرضى ، لذلك الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين.المذيع:
أستاذنا أحياناً يكون الصبر ملكة ، وأحياناً يكون تكلفاً ، وأحياناً يكون شاقاً ، وأحياناً يكون يسيراً ، لماذا هذا التفاوت في وجود الصبر بين الناس ؟
تفاوت الصبر عند الناس :
الدكتور راتب :
والله أنا مضطر أن أعزو هذا التفاوت إلى تفاوت الإيمان ، الذي آمن بأن الله وحده هو المتصرف ، ولا يد تعمل إلا يد الله عز وجل :
﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾
الذات الكاملة لا يمكن أن يصدر عنها شيء ناقص ، كمال الخلق يدل على كمال التصرف ، لو فرضنا اشترينا من شركة عملاقة كمبيوترات ، مئة ألف كومبيوتر ، صفقة كبيرة لدولة ، هذه الصفقة الكبيرة لا يمكن أن تجري كما يجري شراء بطيخة ، تعطيه مبلغاً يعطيك البطيخة ، يكون هناك إجراءات معقدة ، أمر شراء ، مواصفات ، ضمانات ، تعليقات ، كمال الخلق يدل على كمال التصرف ، أنا حينما أؤمن أن الله عظيم وحكيم وعادل ، ولا يد إلا يد الله، ولا فعال إلا الله ، ولا معطي إلا الله ، ولا مانع إلا الله ، ولا معز إلا الله ، ولا مذل إلا الله ، حينما أؤمن بهذا الإيمان أفهم المصائب فهماً آخر .
لذلك هناك مصائب الأنبياء ، مصائبهم مصائب كشف ، ينطوي هذه النبي على كمال لا يبدو بالحالة العادية ، أنت تركب سيارة ، مئة وعشرون حصاناً ، هذه لا تبدو بالطريق الهابطة ، ولا في الطريق المستوية، بالطريق الصاعدة ، فهناك صفات لا تظهر إلا عند المصائب ، إنسان يمشي على قدميه إلى الطائف ، يمشي ثمانين كيلو متراً ليدعوهم إلى الله لهدايتهم ولسعادتهم في الدنيا والآخرة ، فبالغوا بتكذيبه ، وبالسخرية منه ، وأغروا صبيانهم أن يضربوه ، حتى سال الدم من قدميه الشريفتين . لأنه يتألم على بني البشر هؤلاء الذين تفننوا في تكذيبه ، وفي السخرية منه ، بل تفننوا في ضربه ، حتى سال الدم من قدمه الشريف ، الله عز وجل سوف يرينا من هو النبي ، فأرسل له ملك الجبال ، ملك الجبال قال : يا محمد أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك ، لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين ، فقال: لا يا أخي :
(( اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمونَ ))
هذا صبر الأنبياء ، أما صبر المؤمنين فدفع أو رفع ، مصائب المؤمنين من نوع آخر ، مصائب الأنبياء من نوع الكشف ، أما المؤمنون فدفع ورفع ، هو يمشي إلى الله بسرعة بطيئة ، فإذا أراد الله أن يسعده بالآخرة يلوح له شبح مصيبة فيضاعف السرعة ، صلى قيام الليل، غض بصره غضاً حازماً ، ضبط لسانه ضبطاً شديداً ، مصائب المؤمنين مصائب دفع إلى مزيد من طاعة الله ، إلى مزيد من الورع ، إلى مزيد من العمل الصالح ، دفع ورفع ، قد يستطيع الإنسان أن يعمل عملاً كبيراً رضي بعمل قليل ، تأتي مصيبة للمؤمن يرفع مستوى عمله ، مصائب الأنبياء كشف ، مصائب المؤمنين دفع ورفع ، أما الطرف الآخر فردع وقصم تأتي مصيبة لإنسان كفر بالله لعله يرتدع بها إن لم يرتدع يقصم :
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾
لذلك المصائب مصائب خاصة بالأنبياء ، ومصائب للمؤمنين :
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ*أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾
مصائب المؤمنين دفع ورفع ، الأنبياء كشف ، الطرف الآخر ردع أو قصم .
المذيع:
أستاذنا هناك من يقول : إن الصبر يهون لمن تعلق برب الأشياء ، ولا يهون على من تعلق بالأشياء ، إذا تعلق بالأشياء اشتدت حاجته وعلاقته بها فيفقد صبره إذا فقدها ، أو إذا فاتته ، بينما من تعلق برب الأشياء علم أن فوات هذه الأشياء لحكمة الله عز وجل ، أو لعلاج نفسه ، أو لغير ذلك .
الأخذ بالأسباب و الاعتماد على الله :
الدكتور راتب :
النبي صلى الله عليه وسلم انتقل من مكة المكرمة إلى بيت المقدس على براق بلمح البصر بكل الأسباب
أولاً ذهب مساحلاً ، وأقام في غار ثور أياماً ثلاثة ، ومع ذلك وصلوا إلى الغار ، ما حكمة وصولهم إليه ؟ يقول له الصديق :
((... يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إِلى قَدَمْيه أبْصَرَنَا تحت قدميه . فقال : يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ ))
أي لو أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمد على الأسباب لفقد صبره ، إنه يعتمد على مسبب الأسباب ، هو أدى الذي عليه بالأخذ بالأسباب وعلى الله الباقي ، ولذلك قيل: المؤمن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ويتوكل على رب الأرباب وكأنها ليست بشيء ، هذه بطولة الغرب أخذ بالأسباب ، واعتمد عليها ، وألهها ، فوقع في وادي الشرك ، والشرق الإسلامي لم يأخذ بها أصلاً فوقع بالمعصية ، أما البطولة فأن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
خاتمة و توديع :
المذيع:
أحسن الله إليك أستاذنا ، لم يبق من هذه الحلقة إلا أن أشكرك جزيل الشكر ، وأسأل الله عز وجل أن يجازيك خيراً على صبرك معنا ، وأشكركم أعزائي المشاهدين على حسن المتابعة ، ألقاكم في حلقة قادمة إن شاء الله من برنامجكم :"عطر السنة" ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .