- السيرة / ٠2سيرة الصحابيات الجليلات
- /
- ٠3أهل بيت النبي الكريم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
إليكم إعادة الذاكرة لأيام عمر بن الخطاب وبعضاً من مواقفه :
أيها الأخوة الكرام, لا زلنا مع سير الصحابيات الجليلات رضوان الله تعالى عليهن أجمعين، ولا زلنا مع أهل بيت النبيِّ، والحديث في الدرس الماضي كان عن السيدة أمِّ كلثوم كوكبة الإسلام، وزوجة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ونتابع في هذا الدرس قصة هذه الصحابية الجليلة .
لقد قضت أمُّ كلثوم بنت عليِّ بن أبي طالب, زوجةُ عمر بن الخطاب، وأمُّها السيدة فاطمة الزهراء، قضت أغلى حياته، وأحلى أيامها تحت ظلِّ رجل لم يعهد التاريخُ له مثيلا .
وقد حدَّثني أخٌ كريم, قال: في واشنطن أكبر مكتبة في العالَم، لو صففنا رفوفها لأحاطت بالأرض، وفي فناء هذه المكتبة, قُبَّة عليها حضارات الإنسانية، وجزءٌ كبير من حضارات الإنسانية حضارةُ الإسلام ، وسيدنا عمر يمثِّل كهفَ العدالة ، أي هذا الجل له سمعةٌ على مستوى العالَم، لم يعهد التاريخ له مثيلا، لا زوجا، ولا أبًا، ولا قائدا، ولا راعيا للناس .
وقد تحدَّثتُ عنه الكثيرَ في الدرس الماضي، وكيف أنه وُضِع له مرة سنامُ ناقة فبكى، وقال: ((بئس الخليفةُ أنا, إذا أكلتُ أطيبَها، وأكل الناسُ كراديسها)) .
وحينما قرقر بطنُه, قال: ((قرقِرْ أيها البطنُ، أو لا تقرقر، فو اللهِ لن تذوق اللحمَ حتى يشبع منه صبيةُ المسلمين)) .
وحينما قال: ((واللهِ لو تعثَّرت بغلةٌ في العراق, لحاسبني اللهُ عنها, لِمَ لَم تصلح لها الطريقَ يا عمر؟)) .
وحينما رأى إبلا سمينةً, فإذا هي لابنه عبد الله، قال: ((ائتوني به، فلما جاؤوا به, قال: ما هذه؟ قال: إبلٌ اشتريتُها بمالي، وبعثتُ بها إلى المرعى لتسمن, فماذا فعلتُ؟ قال: ويقول الناسُ: اِرعَوا هذه الإبل, فهي لابن أمير المؤمنين، اُسقوا هذه الإبلَ, فهي لابن أمير المؤمنين، وهكذا تسمن إبلُك يا ابن أمير المؤمنين، أعرفتَ لماذا هي سمينة؟ لأنك ابني، بِع هذه الإبل، وخذْ رأسَ مالك، ورُدَّ الباقي لبيت مال المسلمين)) .
هو الذي قال: ((كان إذا أراد إنفاذَ أمرٍ, جمع أهلَه وخاصَّته، وقال: إنني قد أمرتُ الناسَ بكذا, ونهيتهم عن كذا، والناسُ كالطير، إن رأوكم وقعتم وقعوا، وايمُ اللهِ لا أوتيَنَّ بواحد وقع فيما نهيتُ الناسَ عنه, إلا ضاعفتُ له العقوبةَ, لمكانه مني)) .
وهو الذي قال وهو يمتحن أحدَ الولاة: ((ماذا تفعل إذا جاءك الناسُ بسارق أو ناهب؟ قال: أقطع يدَه، قال: فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدَك، إن الله قد استخلفنا عن خلقه, لنسُدَّ جوعتَهم، ونستر عورتهم، ونوفِّر لهم حرفتهم، فإن وفَّينا لهم ذلك, تقاضيناهم شكرَها، إن هذه الأيدي, خُلقت لتعمل, فإن لم تجد في الطاعة عملا, التمست في المعصية أعمالا ، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية)) .
عملاقُ الإسلام، قال مرة: ((أيها الناس, خمسُ خصال خذوني بهن: لكم عليَّ الحقُّ ألاّ آخذ من أموالكم شيئا إلا بحقِّه، ولا أنفق من هذه الأموال إلا بحقه، و لكم عليَّ أن أزيد عطاياكم إن شاء اللهُ تعالى، ولكم عليَّ ألّا أجمِّركم في البُعوث، فإذا غِبتم في البعوث, فأنا أبو العيال حتى ترجعوا)) .
الحديث عنه يطول، ولا تكفيه جلساتٌ، ونحن في دروس سابقة بفضل الله عزوجل أمضينا فيما ثمانِية دروس، مع هذا الخليفة العظيم الراشد، وهو قدوةٌ لنا جميعا، قال عليه الصلاة و السلام: ((لو كان نبي بعدي لكان عمر)) .
استأذن السيدةَ عائشة في حياته, أن يُدفَن إلى جنب رسول الله، وقبل أن يموت, وصَّى ابنَه: ((مُرَّ بجنازتي أمام بيت السيدة عائشة، واستأذنها ثانية، فلعلها أذِنت لي، وأنا خليفةُ المسلمين، أريد أن تأذن لي، وأنا قد فارقتُ الحياةَ, -طلب أن يستأذنها بعد وفاته، لئلا يكون منصبُه ضاغطا عليها- إن أذنت لك، وأنا في النعش, فادفِنِّ إلى جنب رسول الله)) ورعٌ ما بعده ورع، ورحمةٌ ما بعدها رحمة .
سيدنا الصديق استخلفه، عوتِب: ((استخلفتَ علينا هذا الرجلَ الشديد، فقال سيدنا الصدِّيقُ : أتخوِّفونني بالله؟ واللهِ إذا سألني اللهُ يوم القيامة لِم استخلفتُ عليهم عمرَ؟ لأقولنَّ: يا ربُّ استخلفتُ عليهم أرحمهم، -بشهادة الصدِّيق سيدنا عمر أرحمُ الخلق بالخلق بعد رسول الله- ثم قال: هذا علمي به، فإن بدَّل و غيَّر, فلا علمَ بي بالغيب)) .
أيها الأخوة, حينما يُذكر الصحابةُ الكرام, تتعطَّر المجالسُ لكمالهم، ولأدبهم، ولتواضعهم ، ولعطائهم، ولبذلهم، ولسخائهم، ولثقتهم بالله، وبتحمُّلهم، إنه عملاق الإسلام، وفاروق الإيمان الذي أعزَّ اللهُ به تعالى دينَه، ورسولَه أولاً، ثم أعزَّ الله به الأمةَ ثانيا .
عَنْ ابْنِ عُمَرَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ:
((اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ؛ بِأَبِي جَهْلٍ, أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, قَالَ: وَكَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ عُمَرُ))
طلب النخبة اللهم صلِّ عليه، والنخبة تحمل معك، أما الآخرون فيجب أن تحملهم، وشتَّان بين من يحمل معك، وبين من تحمله، يأتيك لا شهادة، ولا عمل، ولا إتقان، كله كسل، يريد أن تزوِّجه، وتؤمِّن له بيتا، هناك من يأتي ليأخذ فقط، هناك من يأتي ليعطي .
فعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى, وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ, وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى, وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ, وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ))
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ, وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ, احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ, وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ, وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ, فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا, وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ, فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ))
قال عمر: ((وإني أرى الرجل ليس له عمل يسقط من عيني)) .
أيها الأخوة، مرة ذهبتُ إلى مكان تصليح سيارات, وجدتُ أحدَ الأخوة الكرام, يعمل مدرِّسا في مسجدنا، يرتدي الثياب الزرقاءَ، ويعمل في تصليح السيارات، شعرت أن هذا الإنسان كبير عند الله في النهار، ويعمل عملا، ويكسب رزقا، وفي المساء يدرِّس، فهذا الذي يعمل له عند الله شأنٌ كبير .
هذه أمُّ كلثوم, الزوجة الطيِّبة, العاقلة الرشيدة, شهدت حياةَ رجل من عظماء الإسلام خاصةً، ومن كرام البشرية ثانيا، لماذا نساءُ النبي عليهن رضوان الله مُنِعن من الزواج بعد رسول الله من أيِّ رجل؟ قال تعالى:
﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً﴾
لماذا؟ لأن التي عاشت مع رسول الله, لا يمكن أن يعجبها أحدٌ بعده، مستحيل، فكلما كانت المرأة مع رجل عظيم, حينما تقترن برجل آخر لا تحتمل .
أمُّ سلمة لها زوج, كان ملءَ السمع والبصر، رجلٌ بكل معنى الكلمة؛ شجاعة، وكرم، وحكمة، وعقل، ووسامة، مات زوجُها, فعلَّمها النبيُّ دعاءً، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ, اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي, وَاخْلُفْنِي خَيْرًا مِنْهَا, إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ, وَخَلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا, قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ, قُلْتُ: مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: ثُمَّ عَزَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِي, فَقُلْتُهَا: اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي, وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا, قَالَتْ: فَتَزَوَّجْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))
حينما قالت: اخلفني خيرا منها، لم تقتنع بهذا الكلام، لأنها لا ترى خيرا من أبي سلمة، أين الذي هو أحسن منه؟ فإذا بالنبيِّ عليه الصلاة والسلام يخطبها، طبعا النبيُّ أعلى من أبي سلمة ، لكن واخلفني خيرا منها، ما من إنسان يُصاب بمصيبة و يصبر، ويقول: ((اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي, وَاخْلُفْنِي خَيْرًا مِنْهَا, إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ, وَخَلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا)) .
وقد رسم هذا الخليفةُ العظيمُ للدنيا قاطبةً صورةَ الحق، والعدل، والإحسان، له كلمة بعد ألف وأربعمائة عام, عُدَّت من حقوق الإنسان: ((متى استعبدتم الناس, وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟)) له إدراك عميق جدا، وسبَّاق، والآن المُلاحظ من هو القويُّ في العالم؟ المنتِج، من هو الضعيف ؟ المستهلِك، ((ويل لأمة تأكل ما لا تزرع، وتلبس ما لا تنسج)) .
ويُضاف على هذه المقولة: وتستخدم من الآلات ما لا تخترع، أنت عندك آلة، وفيها قطعة تعطَّلت، قيمتها الحقيقية عشرُ ليرات، ويقول لك: ثمانية آلاف وخمس مائة، هل لك أن تتكلم كلمة؟ أنت عبدٌ لهم, يسمُّونها: حرب قطع الغيار، نصنع صناعة نبيعها للناس، فيتعلَّقون بنا، والآن كم من ميكروباص بالقطر, وتعمل عشرين ساعة في اليوم، كل قطع الغيار تُستورَد، ندفعها من ثمن قمحنا، وقطننا، ومنتجاتنا, وبأسعار مرتفعة .
اليابان لها سياسة؛ تبيعك السيارةَ رخيصة جدا، وتبيعك القطع بمائة ضعف، أنت تقع في مطبٍّ، رخيصة، اشتريتها، بعد أن تشتري هذه السيارة, تدفع أضعافا مضاعفة ثمن قطع غيارها، هذه حربُ القطع .
فسيدنا عمر, أدرك أن هناك مستهلِكا، وهناك منتِجا، المنتج قويٌّ، والمستهلك ضعيف ، هذه السنوات العشر كان فيها العالَم مقسَّما إلى يمين ويسار، شرق وغرب، شرق يؤمن بالمجموع ، وغربٌ يؤمن بالفرد، هذا التقسيم غير صحيح، التقسيم الحقيقي طبعا المادي، ولا أقول الروحي, المادي منتج ومستهلك، المنتج متحكِم في المستهلك، والمنتج قويٌّ، والمستهلك ضعيف .
أحيانا عندنا عقود إذعان، لا تستطيع أن تسأل عن السعر، يقال لك: أطلقنا على هذه الطائرة مائة صاروخ، كلُّ واحد قيمته سبعمائة وخمسون ألف دولار، أطلقوا خمسًا، وقيَّدوا علينا مائة، طبعا سبعمائة وخمسون مليار, ذهبت من الشرق إلى الغرب, هذه مشكلة، فسيدنا عمر أدرك هذه الحقيقة في وقت مبكِّر جدا .
زار قريةً, فإذا بأصحاب الفعاليات الاقتصادية, ليسوا من المسلمين، فلما عاتبهم على هذا التقصير, وهذا الكسل، قالوا: ((إن الله سخَّرهم لنا، -هذه كلمة مضحِكة وساذجة- فقال هذا الخليفةُ العملاق: كيف بكم إذا أصبحتم عبيدا عندهم؟)) .
والشيء الواضح تماما أن المنتج هو القوي، بل إن هؤلاء الأقوياء لهم مقولة مضحكة؛ مضحكة في ميزان القيم، أما هي فواقعة: ما دمتَ قويَّا فأنت على حق، حقُّهم القوة، هذه شريعة الغاب، شريعة الغاب القويُّ هو المنتصِر .
ماذا قال سيدنا الصدِّيق؟ قال: القويُّ فيكم ضعيف عندي, حتى آخذ الحقَّ منه، والضعيف منكم قويٌّ عندي, حتى آخذ الحقَّ له، هذا الفرق الواضح بين حضارة المسلمين و حضارة الشاردين إن صحَّ التعبيرُ, إن حضارة المسلمين, القوة لصاحب الحق، حضارة الشاردين صاحب الحق هو القويُّ، القوي صاحب الحق، أما عند المسلمين صاحب الحق هو القوي، أبدا .
أهلُ سمرقند, بلغهم أن فتح بلادهم, لم يكن شرعيا، تسلَّل وفدٌ منهم خفيةً عن حاكم سمرقند المسلم إلى باب الخليفة عمر بن عبد العزيز، وعرضوا عليه مشكلتهم، قال: ورقة صغيرة ؛ قصاصة كتب عليها: إلى فلان, اخرُج من سمرقند، واعرض عليهم الإسلامَ أوَّلا، فإن أبوا, فأعرض عليهم الجزية، فإن أبوا فقاتلهم، ظنوا أنه يضحك عليهم بهذه القصاصة، ورقة صغيرة، جيش دخل، وفتح، واستقر، وتمكَّن، وحكم مدينة عظمى محتلة, يخرج منها بورقة, فلما ذهبوا إليه ، وأعطوه هذه القصاصة قبَّلها، وقال: سمعا و طاعة سأخرج، قال: هكذا، قال: إذًا: ابقوا نحن مسلمون، التاريخ الإسلامي شيء لا يُصدَّق .
اليوم أخٌ كريم قال لي: يقرأ عن تاريخ الصحابة, قال لي: شيء لا يُصدَّق، كان تعليقي أن قلت: ولكن الله هو هوَ، إلههم إلهنا، وسننه قائمة، أنت تحرَّك وفقها فقط، الله عزوجل هو هوَ، و ما تغيَّر، نحن وحدنا تغيِّرنا، سنته قائمة .
الآن تصوَّروا، وإن كان شيئا, يبدو لكم مضحِكا؛ تصوَّر دولةً ضعيفة جدا متخلِّفة، بل لا توجد دولة، قبائل رُحَّل في صحراء, ينتشرون على أمريكا بقوتها النووية، والصاروخية، والأقمار الصناعية، والحبة الجرثومية، والقنابل الذكية، وقنابل الشبح، والبوارج في البحار، معقول هؤلاء البدو الرحل الذين في طرف الصحراء, يصبحون أقوى أمة في العالَم، إذا كان اللهُ معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك .
معقول النبي عليه الصلاة والسلام مُلاحق, مهدورٌ دمُه, مئة ناقة لمن يأتي به حيًّا أو ميِّتا ، يتبعه سراقة ليأخذ المائة ناقة، أراد أن يقتله ليأخذ المائة ناقة، غاصت قدما فرسه في الرمل، أول مرة، وثاني مرة، فقال له: يا سراقة, كيف بك إذا لبستَ سواري كسرى؟ شيءٌ لا يُصدَّق؛ إنسان ملاحق، ومهدور دمُه، مائة ناقة لمن يأتي به حيا أو ميتا, يعِد سراقة بسواري كسرى، بدوي، أنت ستكون في البيت الأبيض، نفس المسافة، لا تضحكوا، المسافة نفسها بين قبائل في الصحراء, و بالتعبير المعاصر، متخلفة فقيرة، أرضها قاحلة، لا نبات فيها، ماؤها قليل، كل شيء ثمين عندهم، دولتان عظيمتان متربِّعتان على مجد الدنيا, تضمحلاَن في ربع قرن، ويصبح المسلمون سادة الدنيا ، كانوا رعاةَ الغنم, فصاروا رعاة الأمم .
إليكم هذا الخطب الجلل الذي أصاب كبد أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب :
فهذه الزوجة الطيِّبة أمُّ كلثوم, شهدت حياة هذا العملاق الكبير، لكن هذه السعادة لم تدُم إلى أم كلثوم, حيث طالت يدُ الإثم الإجرام حياةَ عمر, فطعنته طعنات قاتلة، هذا الذي طعنه بعد أن طُعن سيدنا عمر، وهو يصلِّي، لما أفاق من غيبوبته، قال: ((هل صلى المسلمون الفجر؟)) الشيء الذي يقلقه صلاة الفجر، هل صلى المسلمون الفجر؟ .
قالت أمُّ كلثوم حينما جاؤوا به إليها: ((واعمراه، وكان معها نسوةٌ, فبكين معها، وارتجَّ البيتُ بالبكاء، قال عمر, ولم يمُت بعد: لو أن لي على الأرض من شيء لافتديتُ به من هول المطلع، -الواحد الآن يعيش، لكن هول المطلع، حينما يواجه الحقيقة العظمى، حينما يواجه الآخرة، حينما يواجه يوم الدينونة، يوم الحساب، يوم يُحاسب الإنسان عن كلمة، وعن نظرة، وعن درهم، قال تعالى:
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾
فقال له ابنُ عباس: واللهِ إني لأرجو ألاّ تراها إلا مقدار ما قال الله تعالى:
﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً﴾
-سيدنا عمر يسأل سيدنا حذيفة, يقول له: ((بربَّك هل اسمي مع المنافقين؟)) من شدة ورعه، ومن شدَّة خوفه من الله عز وجل، ومن شدة محبَّته، ومن شدة تعظيمه لله- قال له ابن عباس: و اللهِ إني لأرجو أن لا تراها إلا مقدار ما قال الله تعالى:
﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً﴾
ما علمنا لأمير المؤمنين، وأمين المؤمنين، وسيد المؤمنين، يا أمير المؤمنين, إنك تقضي بكتاب الله، وتقسم بالسويَّة، فأعجبه قولي, فاستوى جالسا، فقال: أتشهد لي بهذا يا ابن عباس؟ قال: فكففتُ, فضرب على كتفي، فقال: اِشهد، قلتُ: نعم أنا أشهد، ثم توفِّي عمر)) .
الآن هذه وقائع في التاريخ، دقِّقوا كم نحن بعيدون عن هذه الوقائع؟ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ:
((وُضِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى سَرِيرِهِ, فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ, يَدْعُونَ, وَيُثْنُونَ, وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ, وَأَنَا فِيهِمْ, قَالَ: فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا بِرَجُلٍ, قَدْ أَخَذَ بِمَنْكِبِي مِنْ وَرَائِي, فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ, فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ, فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ, وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ, وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ, وَذَاكَ أَنِّي كُنْتُ أُكَثِّرُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, يَقُولُ: جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ, وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ, وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ, فَإِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَوْ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا))
هذا كلام سيدنا علي، فما بالُ المسلمين بعد حين من زمان, يفرِّقون بين الصحابة، سيدنا علي يكنُّ هذا الولاء، وهذا الحبَّ لسيدنا عمر، سيدنا علي حينما توفي أبو بكر، ألقى خطبة تُكتب بماء الذهب, قال: كنتَ أشبهنا برسول الله خَلْقا وخُلقا، كنت معه لما قعدوا، سماك الله في كتابه صدِّيقا، حيث قال:
﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾
هكذا كان الصحابة الكرام، ولاء ما بعده ولاءٌ .
سيدنا علي أعطى ابنته لمن؟ لسيدنا عمر، فإذا كان هناك عداءٌ، وإذا كان هناك حقد, و العياذ بالله, هل يمكن أن تعطيَ ابنتك لإنسان تكرهه؟ مستحيل، سيدنا علي أعطى ابنته أمَّ كلثوم لمن؟ لسيدنا عمر .
معنى ذلك: أن بين الصحابة من الودِّ، والحب، والتعاون ما لا يُصدَّق، وهذا الذي أُضيف على التاريخ، هذا الذي أضيف على تاريخنا, شيءٌ يجب أن يُمحَّص، لا أن يؤخذ على علَّاته، غسَّله ابنُه عبدُ الله، ونزل في قبره ابنه عبد الله، وعثمان بن عفان، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف .
وقال ابنُ سعد: ((طُعِن عمرُ يوم الأربعاء لأربع ليالٍ بقين من ذي الحجة، ودُفن يوم الأحد, وكان خلافتُه عشرَ سنين، ودُفن مع النبي صلى الله عليه و سلم)) .
وإذا ذهب الرجلُ إلى المدينة المنوَّرة, يزور رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيقف أمام قبر النبي، ويسلِّم على النبي، ويدعو له الدعاءَ المأثور، ثم ينتقل إلى قبر سيدنا الصدِّيق، ثم ينتقل إلى قبر سيدنا عمر، عملاق الإسلام .
بقيت أمُّ كلثوم بعد وفاة زوجها عمر حزينة عليه حزنا شديدا, لا يغيب عن فكرها، تذكره بفضائله، وبإحسانه، وهيبته، وبشدَّته، وليونته، وبعدله، وإنصافه، وكان ابنها زيد يجلس إليها, يهدِّئ من روعها، ويخفَّف من آلامها، ولكنه أحيانا يبكي معها، فتنهمر دموعُه لوعةً على فراق أبيه، عطفا على أمه .
إليكم قصة زواجها من عون بن جعفر بعد وفاة زوجها الأول :
الآن دقِّقوا، وما أن انقضت أيامُ عدَّتها من زوجها الراحل, حتى يفاتحها أبوها عليُّ بن أبي طالب بالزواج، فيسرع أخواها الحسن والحسين, يحذِرانها من أن تجعل أمرها بيد أبيها, لئلا يزوِّجها من أقاربه الأيامى، خشية عليها أن تكون زوجة لرجل دون عمر، فإنها واللهِ لن تجد في الرجال أمثالَ عمر .
فقد ذكر ابنُ الأثير روايةً تاريخية عن الحسن و الحسين ابني علي بن أبي طالب, قال: لما تأيَّمتْ أمُّ كلثوم, ربنا عزوجل قال:
﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾
الأيامى جمع أيِّم، والأيم: من لا زوجةَ له، أو من لا زوج لها، أي طرف من دون طرف آخر، بكرا كانت أم ثيِّبا، والأمر أمر ندبٍ:
﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾
بحسب السنة جاءها أبوها, و قد ذكر ابن الأثير عن الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب قال: ((لما تأيَّمتْ أمُّ كلثوم من عمر بن الخطاب رضي الله عنهم, دخل عليها الحسن والحسين, إنكِ ممن عرفتِ سيدةُ نساء المسلمين، وبنت سيدتهن، وإنكِ واللهِ إن أمكنتِ عليًّا من تزويجك, ليُنكِحنَّكِ بعضَ أيتامه، ولئن أردتِ أن تصيبي بنفسك مالا عظيما لتصيبنَّه، فو اللهِ ما قاما, حتى طلع عليُّ بن أبي طالب, يتَّكل على عصاه, فجلس فحمد اللهَ، وأثنى عليه، وذكر منزلتهم من رسول الله, -أي الحسن و الحسين- وقال: قد عرفتم منزلتكم عندي يا بني فاطمة، وأثرتكم على سائر ولدي، لمكانكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرابتكم منه، فقالوا: صدقتَ رحمك الله، وجزاك الله عنا خيرا, قال: أيْ بنيَّة, إن الله عزوجل قد جعل أمركِ بيدكِ، فأنا أحبُّ أن تجعليه بيدي، فقالت: أيْ أبتِ! إني امرأةٌ أرغب فيما يرغب فيه النساءُ، وأحب أن أصيب مما تصيب النساءُ منه، وأنا أريد أن أنظر في أمر نفسي، -أي دعني أنا أختار، هذا شيء طبيعي جدا- فقال: لا و اللهِ يا بنيَّتي، ما هذا من رأيك، -هذا ليس منك، هذه تعليمة تغذية.
أحيانا تعرف شخصا معرفة جيدة، يفاجئك بأفكار جديدة، هذه ليس منك، هذه جاءتك تغذية، من أطراف، فشعر هذا الصحابي الجليل, أن هذه الأفكار ليست أفكار أم كلثوم، واللهِ يا بنيتي ما هو إلا رأيُ هذين, الحسن والحسين, هذه ليست منكِ .
أحيانا الابن له رأي، والأب له رأي، والزوجة لها رأي، هناك حبٌّ، ومودَّة، وثقة، لكن ينشأ أحيانا اختلاف وجهات نظر- ثم قام فقال: و اللهِ لا أكلِّم رجلا منهما أو تفعلين، إن لم تسلِّمي أمركِ إليَّ, لا أكلِّم واحدا من هؤلاء -الحسن و الحسين- فأخذا بثيابه, فقالا: اجلِس يا أبي، فو اللهِ ما على هجرانك من صبر، -لا نتحمَّل إن قاطعتنا، هل رأيتَ الودَّ؟ هكذا ينبغي أن تكون الأسرةُ، إذا أعرض الأب عن ابنه, فهذا أكبر عقاب- فأخذا بثيابه فقالا: اجلس يا أبي, فو اللهِ ما على هجرانك من صبر، اجعلي أمركِ بيده، فقالت: قد فعلتُ كما تشاء، قال: فإني قد زوَّجتكِ من عون بن جعفر- ابن سيدنا جعفر، ابن أخيه الذي استُشهِد في مؤتة .
سيدنا جعفر بن أبي طالب أخو سيدنا علي، وهو الذي أمسك الراية، وكان القائدَ الثاني، أمسك الراية بيمينه فقُطعت يمينُه، فأمسكها بشماله فقُطِعت شمالُه، فأمسكها بعضديه، وُجِد في جسمه أكثر من تسعين طعنة، وبكى النبيُّ بكاءً شديدا حينما بلغ نباُ استشهاده، وسمَّاه جعفر ذا الجناحين، هذا ابنُه عونُ بن جعفر- قال: فإني قد زوجتكِ من عون بن جعفر، وإنه لغلام, وبعث لها بأربعة آلاف درهم، وأدخلها عليه)) .
لقد كانت أمنيةُ علي بن أبي طالب أن يزوِّج بناته من أولاد أخيه جعفر بن أبي طالب، من قبل أن يزوِّج أمَّ كلثوم لعمر بن الخطَّاب، وهذا ما قاله حين خطبها عمرُ: ((إني حبستُ بناتي على بني جعفر)) إكراما لوالدهم الشهيد .
الآن تحقَّقت أمنيةُ علي بن أبي طالب، والآن أمُّ كلثوم بعد سيدنا عمر, أصبحت زوجةً لابن سيدنا جعفر اسمُه: عون، و كان لآل جعفر عند الإمام علي مكانة عظيمة، فأولادُ جعفر هو أولاد أخيه، وكانوا قد دخلوا في رعايته بعد استشهاد أبيهم، النبيُّ قال: ((العم والد)) .
أعرف رجلا في أحد أحياء دمشق, تُوُفِّيَ أخوه, ترك له خمس بناتٍ، وهو عنده خمسُ بنات، العمُّ زوَّج بنات أخيه كما زوَّج بناته بالتمام والكمال، الترتيبات نفسها، والإكرام نفسه، الحاجات نفسها، هذا الأصل، ((العم والد)) .
أما الآن مع التفكُّك الأسري, صار العمُّ عدوًّا، العم في الإسلام والد تماما، يُعامل أولادَ أخيه كما لو أنهم أبناؤه، حتى في الميراث, أعطِي ميراث الأب المتوفَّى في حياة أبيه إلى العم، ليكون العمُّ راعيا لأولاد أخيه .
ولحكم هذه القرابة بين أبناء جعفر وعمِّهم علي, كانت تفضيل تزويج أمِّ كلثوم لأكبر أولاد جعفر، كأحسن صنيع يتَّخذ العمُّ تُجاه أبناء أخيه الأيامى عنده، فزوَّجها أبوها بعون بن جعفر فأحبَّته، ومات عنها، أي مات في حياته .
لمحة عن سيرة عون بن جعفر :
أيها الأخوة, وعونُ هذا, ابن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطَّلب القرشي الهاشمي، والدُه جعفر ذو الجناحين، وُلد على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم، أمُّه أم أخويه عبد الله و محمد، أسماء بنت عُميس الخطمية، أسلمت قديما، وهاجرت الهجرتين، و كانت مصاحبةً لفاطمة حتى وفاتها، استشهد عونُ بن جعفر بتُستُر، ولا عقِب له بخراسان، مدينة في بلاد فارس، كان في جهاد, فاستُشهد هناك .
قصة زواجها من محمد بن جعفر بعد وفاة زوجها الثاني, ولمحة عن سيرته :
أيها الأخوة, فلما انقضت عدَّتُها, أبقت أمرها بيد أبيها، فزوَّجها أبوها رضي الله عنه بمحمد بن جعفر الثاني، فمات، ومحمد هذا هو ابن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن ذي الجناحين، القرشي الهاشمي، وهو ابن أخ علي بن أبي طالب، أُمُّه أسماءُ بنت عُمير، وُلد على عهد رسول الله، وكانت ولادتُه بأرض الحبشة، في أثناء الهجرة الأولى، وقدم المدينة طفلا، ولما جاء نعيُ جعفر إلى رسول الله, جاء إلى بيت جعفر، وقال: ((أخرجوا إليَّ أولادَ أخي، فأخرج إليه عبد الله, و محمد, وعون، وضعهم النبيُّ على فخذه, ودعا لهم, وقال: أنا وليُّهم في الدنيا والآخرة، و قال صلى الله عليه وسلم: أما محمد فيشبه عمَّنا أبا طالب)) .
وقيل: ((إنه استشهد بتستر أيضا، ولم يكن له ولدٌ)) .
من هو زوجها الرابع بعد رحيل الثالث, وما هي سيرته؟ واليكم قصة وفاتها :
أيها الأخوة, فلما انقضت عدَّتها من محمد بن جعفر، أبقت أمرها بيد أبيها، ثم زوَّجها أبوها من عبد الله بن جعفر الثالث، فماتت عنده، وعبد الله هذا, هو ابن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، له صحبة مع رسول الله، وأمُّه أسماء بنت عميس، ولد بأرض الحبشة، وكان أبواه رضي الله عنهما مهاجرين إليها، وقدم مع أبيه إلى المدينة، وتُوفِّي النبيُّ عليه الصلاة و السلام ولعبد الله عشرُ سنين .
كان عبدُ الله كريما, جوادا, حليما, روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أحاديث كثيرة، قال الإمام ابن حجر: ((أخبارُه في الكرَم شهيرة، وكان يقال له: قطبُ السخاء)) .
أيها الأخوة, بعد أن أقامت أمُّ كلثوم الطاهرة الزكية عند الزوج الثالث من أبناء جعفر بن أبي طالب، ألَّم بها المرض، حتى توفَّاها الله تعالى راضيةً مرضيةً، ولم تكن قد ولدت من أزواجها الثلاثة أيَّ ولد، أولادها فقط من سيدنا عمر، وقد صادف يومُ وفاتها يومَ وفاة ابنها زيد بن عمر بن الخطاب، الذي توُفي شابا، ولم يعقب، وصلى عليه وعلى أمه عبدُ الله بن عمر، ودفنهما في المدينة ، وذلك في أوائل دولة معاوية، وذلك في حدود سنة خمسين للهجرة، ورحلت أمُّ كلثوم، وقد عاشت أياما مليئة بالأحداث، سواء التي شهدتها أيامَ خلافة زوجها عمر بن الخطاب، أو التي شهدتها من بعده، وهي زوجة آل جعفر، وعلى الأخص أيام خلافة أبيها علي بن أبي طالب .
خلاصة القول :
أيها الإخوة, هذه نبذة عن حياة هذه الصحابية الجليلة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، أمها فاطمة، زوَّجها أبوها من محبَّته وتقديره لسيدنا عمر، ثم زوَّجها لأولاد جعفر، وهكذا كان أصحابُ النبي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، على حبٍّ شديد, وعلى وفاء, وإخلاص، أما المسلمون الذين جاؤوا من بعدهم, فهم الذين افتعلوا هذه الخلافات، وهي في الأصل غير موجودة.