- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (083) سورة المطففين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، يقول الله تعالى:
﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)﴾
هذه هي الآية العاشرة من سورة المُطَفِّفين.
الإنسان إذا صَدَّق بِيَوم الدِّين، وصَدَّق بِيَوم الحِساب، وأنَّ كُلَّ عَمَلٍ مهما دَقَّ تقْبض عمله، وأنَّ كُلَّ سيِّئةٍ مهما دَقَّتْ تدْفع ثَمَنها، إذا صَدَّق الإنسان بيوم الدِّين فلا بدّ من أن يسْتقيم، فإن لم يسْتَقيم يضْطرّ إلى أن يُكَذِّب بِيَوم الدِّين، حتى يتوازن، فهذه قَضِيَّة التوازن الداخلي والتوازن الداخلي بالإنسان يخْتَلّ إذا آمَنَ بِيَوم الدِّين وما اسْتقام يَحُسُّ بالخطأ والذَّنْب، ويَحُسُّ وكأنَّه يمْشي بطَريق مَسْدود، أما إذا كَذَّبَ بِيَوْم الدِّين يتَوَهَّم أنَّه يستعيد توازنه، لذلك كما قال تعالى:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ(1)فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ(2)﴾
هو نفسه، قال تعالى:
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(50)﴾
أنت حينما تؤمن بِيَوم الدِّين تسْتقيم على أمْر الله، وإذا كنت مُسْتقيماً على أمْر الله، ترى نفْسك مُنْدَفِعاً إلى الإيمان بِيَوم الدِّين ؛ لأنَّه لِصالِحِك فالله تعالى قال:
﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)﴾
وهناك آيةٌ ثانيَة وهي قوله تعالى:
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنْ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ(74)﴾
فالإنسان لمَّا يأكل مال الحرام ويغْتَصِب بيْت وشَرِكات، ويعْتدي على شريكه، وعلى أمْوال زوْجته، حينما يحْتَلُّ شيْئاً ليس له الحقّ أن يحْتَلَّهُ ؛ كيف تُوازِن ؟ توازن بِحيث لا آخرة موجودة، والحياة للشاطِر، والقَوِيّ يأكل الضعيف أما لو آمن أنَّ هناك حِساب دقيق، وعذاب أليم لا يفْعَل هذا، لذلك دائِماً وأبَداً الإساءة مُرْتبطة بالتَّكْذيب باليوم الآخر، لكن ليس من الضروري أن تُكَذِّب بِلِسانك، فهذا لا يفْعله أحدٌ في العالم الإسْلامي، أما عَمَلِيًّا فلا يعْتقد اعْتِقاداً جازِماً أنَّ الله تعالى سَيُحاسِب ، وسَيُحاسِبُ الناس حِساباً دقيقاً، قال عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ غَيْرَكَ قَالَ قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ فَاسْتَقِمْ *))
فإذا أردَت أخفَّ من ذلم فاسْتَعِدَّ للبلاء.
قال تعالى
﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ(10)هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ(11)مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ(12)عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ(13)أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ(14)إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ(15)﴾
لماذا تُتْلى آياتنا على إنسان تنْهَمِرُ دُموعه خَشْيَةً لله ؟! وتُتْلى آياتنا على إنسان فيقول: أساطير الأوَّلين ؟ فالذي تنهمرُ دُموعه عند سماع الآيات هذا أراد الإيمان والحقيقة وأراد الله عز وجل، فجاء الكلام مُولفِقاً لما أراد، أما الذي تُتْلى عليه آياتنا فيقول: أساطير الأوَّلين، فَهُوَ إنسان أراد الدنيا، وشَهَواتها لذلك لا يَعْتَدُّ بهذا الكلام، قال تعالى:
﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)﴾
هناك آية دقيقة جداً يقول فيها تعالى:
﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ(198)فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ(199)كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ(200)لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ(201)فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(202)﴾
فلو نزل هذا القرآن باللُّغة الفارِسِيَّة، وكان النبي فارِسِياً، وجاء من بلاد فارس إلى مكَّة، وقرأ عليهم القرآن بالفارِسي، هل يؤمنون بالله عز وجل ؟ مُسْتحيل ! لذلك قال تعالى في آخر الآية:
﴿ كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ(200)﴾
القرآن الفصيح العربي الواضِح المُعْجِز البليغ، إذا قرأه مُجْرِم كأنَّه باللُّغَة الفارِسِيَّة، قال تعالى:
﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ(198)فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ(199)كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ(200)لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ(201)فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(202)﴾
فهم لا يؤمنون به حتى يرَوْن العذاب الأليم، والكافر يخاف بِعَيْنِه فقط ! لو قلتَ لِواحدٍ يُدَخِّن أنَّ الدخان يُسَبِّب سرطان وجَلْطة وضيق أوْعِيَة، لا يدعه، أما حينما يُصابُ بالسرطان فِعْلاً يدَعُ الدُّخان متى ترك الدُّخان ؟ حينما جاءهُ المرض، فالذي يَخاف بِعَيْنه وحواسِّه قريب من البهائِم ؛ الإنسان يخاف بِعَقْلِه، قبل أن يأتي المرض، يؤمن بِيَوم الدِّين قبل أن يأتي يوم الدِّين، أما الحقيقة المُذْهِلَة أنَّ كُلَّ كُفار الأرض وعلى رأسِهم فِرْعون الذي قال: أنا ربُّكم الأعلى، حينما أدْركه الغَرَق قال: آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل! كُلُّ كُفار الأرض بِمللهم وقاراتِهم ؛ حينما يأتيهم مَلَكُ الموت يعْرفون الحقيقة التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام، فالتَّكْذيب يأتي من جراء من يخاف بِعَيْنِه وحواسِّه فقط أما المؤمن يخاف بِعَقْلِه، لذلك لا يُكَذِّب ولكن يؤمن بالدليل.
العَمَل الشيِّء حِجابٌ بينك وبين الله، قال تعالى
﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ(88)﴾
وقال تعالى:
﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ(18)﴾
وقال تعالى:
﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(7)﴾
أي لأنَّ على سمعهم وأبصارهم غِشاوة خَتَم الله على قلوبهم، فهذه الآية الكريمة:
﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)﴾
العمل الشيِّء حِجاب بينك وبين الله، ويجعل هذا القرآن كالفارِسِيَّة، والله عز وجل قال:
﴿ وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا(82)﴾
فالعِبْرة أن تكون مُسْتقيماً حتى تتفَتَّح أُذُنك وبصيرتك.