- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (061) سورة الصف
تفسير القرآن : دروس الطاووسية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
أيها الأخوة الكرام:
في القرآن الكريم آيات تشير إلى ما سيكون عليه حال الناس في آخر الزمان ، يسميها علماء العقيدة غيب المستقبل ، هناك غيب الماضي ، وهناك غيب الحاضر ، وهناك غيب المستقبل.
فالآية الكريمة التاسعة من سورة الصف وهي قوله تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9﴾
وما يجري في العالم اليوم أن هذا الدين يعلو على كل الأديان مع أن كلن من في الأرض يحارب هذا الدين ، ومحاربة الدين تشبه إنساناً يريد أن يطفئ النار بالزيت ، فكلما صب على النار زيتاً اشتدت اشتعالاً.
فانتشار الإسلام في القارات الخمس ، شيء لا يصدق ، يعني بالبلاد التي تحارب هذا الدين ينفجر فيها الإسلام في سلسلة هندسية وقال بعضهم بسلسلة انفجارية ، وكل النظم الوضعية أعلنت إفلاسها ما استطاعت أي من هذه النظم أن تحقق للبشرية سعادة أبداً ، شقي الإنسان بالشرق ، وشقي بالغرب ، شقي في الشرق قهراً ، وشقي في الغرب تفسخاً ، تفسخ في الغرب وشقي ، وقهر في الغرب ، وقهر في الشرق ، فشقي.
أما الإسلام دين وسطي ، والشرق قهراً عنه عاد إلى بعض أحكام الإسلام لا عن تعبد ، ولكن عن قهر ، والغرب اضطر أن يعود إلى بعض أحكام الإسلام لا عن تعبد ، ولكن عن قهر.
لذلك المستقبل لهذا الدين ، وأقول لكم مرات عديدة ، هذا الدين دين الله ، والله جل جلاله متكفل بنصره ، ورفع رايته ، ونصرة أهله ولكن لكل أجل كتاب ، والمؤمن يجب أن يقلق لا على هذا الدين بل على أن الله سبحانه وتعالى سمح أم لم يسمح له بنصر هذا الدين ، لأن الله عز وجل يقول:
﴿ وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ﴾
فالإنسان حينما ينال شرف نصر هذا الدين ، هذا وسام شرف رفيع ، يعني أعلى وسام يعلق على صدرك أن تكون جندياً للحق ، أن تسهم بنشر الحق ، أن تسهم بترسيخ قيم الدين ، أن تسهم بإخراج الناس من الظلمات إلى النور، أن تمسك بالكتاب ، أن تسعد الناس بتعريفهم بالله ، أن تسعدهم بحملهم على طاعته ، أن تسعدهم بالبذل والعطاء.
لذلك هذه آية مبشرة ، ثلاث آيات مبشرات:
الآية الأولى:
﴿ قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ﴾
﴿ قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ﴾
هؤلاء الصناديد الذين ناصبوا النبي العداء ، أبو جهل ، أبو لهب ، صفوان أين مصيرهم ؟ في التاريخ في مزابل التاريخ ، وفي النهاية في النار ، هؤلاء الذين نصروا دين الله ، سيدنا الصديق سيدنا عمر ، سيدنا عثمان ، سيدنا علي ، في أعلى عليين.
جاء عكرمة مسلماً ، خلق النبي يفوق حد الخيال ، قال عليه الصلاة والسلام لأصحابه: جاءكم عكرمة مسلماً فإياكم أن تسبوا أباه أبوه أبو جهل ، وهو من أعدا أعداء النبي ، قال إياكم أن تسبوا أباه لأن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت ، إكراماً لأبنه عكرمة إياكم أن تسبوا أباه.
فالله عز وجل ناصر لدينه ، وناصر لأهل الحق ، يدافع عن الذين أمنوا لا يتخلى عن عباده المؤمنين.
ذكرت قبل يومين في خطبة ، أن الحجاج بن علاق السلمي هذا من أغنياء أهل اليسار جاء النبي مسلماً ، وأعلن إسلامه ، ثم استأذنه أن يذهب إلى مكة لأن في مكة ماله ، قال مالي عند زوجتي أم شيبة في مكة ، ومتفرق بين تجار مكة فأذن لي أن أذهب إلى مكة لأجمع مالي قبل أن يعلموا بإسلامي ، فإن علموا بإسلامي لم يعطوني شيئاً ، فأذن له النبي ، ثم أستأذنه بشيء محرج ، قال أذن لي أن أتقول عليك ، كي أحتال على استرداد مالي ، قال له تقول ، وصل إلى ظاهر مكة ، رأى رجالاً ينتظرون الأخبار ، لأن أهل مكة علموا أن النبي سار إلى أهل خيبر ، سار إلى خيبر ، وتراهنوا على مائة ناقة ، من سيغلب رسول الله أم أهل خيبر ، لأن أهل خيبر من أشد قرى الحجاز قوة ، ومنعة ، وتحصن ، وغناً ، ولقد سار إليه النبي ، فلما رأوا الحجاج بن علاق السلمي ، قالوا هذا والله الحجاج عنده الخبر اليقين تعالى يا حجاج ، ما عندك من أخبار ، قال والله معي لكم أخبار سارا لقد سار إليهم محمد وأصحابه ، ولم يلق قوم أشد منهم فهزموا ، ووقع محمد أسيراً ، وأبوا أن يقتلوه ، أرادوا أن يقتلوه في مكة ، أن يأتوا به إليكم أن تقتلوه بما أصاب من رجالكم ، كاد هؤلاء أن يخرجون من جلودهم لهذا الخبر ، هذا أفرح خبر يأتيهم ، فانطلقوا إلى أهل مكة وأشاعوا الخبر ، أن محمد ذهب إلى خيبر وهزم شر هزيمة ، ووقع أسيراً ، وأراد أهل خيبر تكريماً لقريش ، أن يسوقوه إلى مكة المكرمة ليقتل برجال قتلهم النبي في معركة بدر ، وأحد ، أنتعش الكفار فرحوا ، وطربوا ، لكن المسلمين سراً في مكة كُسروا بهذا الخبر ، من على رأس هؤلاء المؤمنين سيدنا العباس ، عم النبي عليه الصلاة والسلام ، قال حينما بلغه هذا الخبر ، شلت حركته ، واستلقى على فراشه ، ولم يستطع أن يقف على قدميه ، خبر مؤلم جداً ، وأرسل إلى علاق إلى الحجاج غلاماً له ، قال يا حجاج قل له دققوا ماذا قال ، قال له يا حجاج ، إن الله أجل وأكرم من أن يكون هذا الذي قلت صحيحاً حسن ظن بالله ، الله أجل وأكرم من أن يكون هذا الذي قلت صحيحاً فرد عليه الحجاج ، فقال له أقرأ أب الفضل السلام وقل له عندي لك خبر سار ، لكن أخلى لي بعض غرفك ، حتى أنفرد معك وأنبئك الخبر من شدة فرح العباس رضي الله عنه ، أعتق غلامه لوجه الله ، ولم يكتفي بهذا الخبر ، قال لله عليّ عشر رقاب أعتقها في سبيل الله ، وفي اليوم التالي جاءه الحجاج ، وأنبئه الخبر ، قال بس أرجوك أكتم عني ثلاثة أيام ، هو حينما أبلغهم هذا الخبر ، قال أريد مالي ، أجمعوا لي مالي ، قال فجمعوا له ماله على أحسن ما يكون ، جمع كل أمواله وأنطلق من مكة ، قال أكتم عني ثلاثة أيام ، وبعد ذلك تكلم ما شئت قال مضت عليه هذا الأيام كثلاثة سنوات ، سيدنا العباس ، بعد أن مضت هذه الأيام ارتد حلة جديدة ، وتطيب بخلوق ، تعطر ، وأمسك قضيباً ، وذهب إلى أهل مكة في ندواتهم ، فلما رأوه قالوا لك الحق أن تتجلدا يا أب الفضل ، يعني معك حق ، مصيبتك كبيرة كثير ، ابن أخيك وقع في الأسر ، وسيأتى به إلينا كي نقتله ، قال لهم كذبتم والله ابن أخي محمد ، سار إلى خيبر وأنتصر عليها وجرت سهام الله وسهام رسوله في أهلها ، وتزوج بنت ملكهم صفية ، قال فرد الله الكآبة التي كانت في المسلمين على المشركين ، رد الله الكآبة التي كانت في المسلمين على المشركين ، وبعد حين لم يلبث أن جاءهم الخبر الصادق بأن محمد سار إلى خيبر وأنتصر عليها ونال منها ، وتزوج بنت ملكهم صفية ، وأخذ غنائمهم وأموالهم....
أيها الأخوة:
الله عز وجل ، أنا ذكرت هذه القصة ، ذكرني بها قول سيدنا العباس ، الله أجل وأكرم من أن يفعل هكذا بالمؤمنين ، ويجب أن نثق بالله عز وجل ، الله أجل وأكرم من أن يصدق علينا قول أعدائنا انتهوا المسلمون لا ما انتهوا ، الله معنا ولكن حاول أن تكسب شرف نصر هذا الدين ، حاول أن يكون لك سهم في نصرة هذا الدين والشيء المتاح لنا الآن ، قال تعالى:
﴿ وجاهدهم به جهادا كبيرا﴾
الله سماه جهاد كبير ما سماه جهاد صغير ، أن تتعلم القرآن وأن تعلمه هو ربيع القلوب ، هو منهجنا ، هو دستورنا ، هو حبل الله المتين ، فيه النجاة ، وفيه السعادة ، وفيه السلامة ، فلذلك:
﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)﴾
الأديان كلها سقطت ، والنظريات كلها سقطت ، والمذاهب الوضعية سقطت هي في الوحل ، ولم يبق في الساحة إلا الإسلام لذلك يحارب هذه المحاربة ، لم يبق في الساحة إلا الإسلام ، هذا هو دين الله ، والله ناصره.
عليه الصلاة والسلام ، أذكركم بشيء من السيرة ، كان في الهجرة من مكة إلى المدينة ، وضعت مائة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، إنسان مهدور دمه وضعت مائة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً تبعه سراقة ، القصة معروفة عندكم بس أنا أريد هذه الفقرة ، قال يا سراقة كيف بك إذا لبست سواري كسرى ، ما هذا الكلام ، أنت ملاحق مهدور دمك ، قد تقتل ، النبي واثق أنه سيصل ، وأنه سيؤسس دولة وأنه سيحارب الفرس والروم ، وأن سواري كسرى وتاجه ، سيأتي بهما إلى المدينة ، قال له يا سراقة ، كيف بك إذا لبست سواري كسرى ، في عهد سيدنا عمر رضي الله عنه ، جيء بالغنائم ، ولو وقف رجلاني طويلان لا يرى أحدهم الأخر ، من كثرة الغنائم ، الذهب ، والدروع والسوار ، والتاج سيدنا عمر قال سبحان الله ، أن هؤلاء الذين جاءوا بهذه الغنائم أمناء ، سيدنا علي كان إلى جانبه ، قال يا أمير المؤمنين أعجبت من أمانتهم ، لقد عففت فعفوا ، ولو وقعت لوقعوا ، لقد عففت فعفوا ، وعد الله ثابت:
﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ﴾
وعدنا الله بالاستخلاف ، والتمكين ، والتطمين ، لكن أية آية تنطبق علينا اليوم:
﴿ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ﴾
لذلك سجاج الآفاق ، الشعوب التي تبغضها شعوب الأرض هذه تتحدا المسلمين ، لضعف استقامتهم ، وضعف تعاونهم ، وضعف منهجهم الذي خرجوا عنه ، ارجوا الله سبحانه وتعالى أن يمتعنا بنصر هذا الدين وقد قال الله عز وجل:
﴿ ويومئذ يفرح المؤمنون ، بنصر الله ﴾
النصر ممتع ، ومسعد ، والأمر بيدنا ، نعم ، بيدكم أن تستقيموا ، وكل إنسان إذا استقام واصطلح مع الله ، له معاملة خاصة.
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمن ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وأرض عنا ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم..