- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (061) سورة الصف
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
أيها الأخوة الكرام:
الآية الخامسة من سورة الصف وهي قوله تعالى:
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)﴾
أولاً: تروي بعض التفاسير، التي أخذت عن بني إسرائيل قصص الأنبياء، أن قوم موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام بلغهم أن به عاهة في مكان خفي من جسمه، فحينما كان يسبح أخذ ثيابه، فلما خرج يبحث عن ثيابه، أرادوا أن ينظروا إلى عورته، هذه قصة ما أنزل الله به من سلطان، الأنبياء فوق ذلك، أكبر خطأ أن بعض المفسرين، أخذوا من كتب بني إسرائيل، عن قصص الأنبياء والمرسلين، الأنبياء صفوة الله من خلقه، قمم البشرية.
﴿ إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ﴾
سيدنا داوود عنده تسع وتسعون نعجة، يعني زوجة، هكذا ورد في كتب بني إسرائيل، أحب زوجة قائد عنده، فأرسله في معركة خطيرة، وقال قدموه قدموه، هل يقبل هذا عن نبي ؟ من أجل أن يقتل فيتزوج زوجته، ليجعل من زوجاته مائة.
هذه القصة ما أنزل الله به من سلطان، القصة لها منح آخر يؤكد محبته لله عز وجل.
سيدنا سليمان، قطع رؤوس الخيل، لأنها شغلته عن صلاة العصر، طفق مسح بالسوق والأعناق، مع أن الذين يرعون الخيل إذا أجهدوها يمسحوا لها سوقها وأعناقها، تخفيفاً لمتاعبها، فنحن يجب أن نعتقد أن الأنبياء، يعني نخبة البشرية، قمم البشرية، بل إن في التوراة قصص عن الأنبياء ما أنزل الله بها من سلطان يشربون الخمر ويزنون ببناتهم، هذا ما في التوراة، طبعاً ليس التوراة الذي أنزلها الله على موسى، في التوراة التي أضيف إليها ما أضيف، من عقول و أخليت الكهان ورجال الدين، على كل:
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾
هل هناك قرينة تبين ما هو الأذى ؟ أنت حينما تكذب النبي تؤذيه أشد الأذى، حينما لا تستجيب لدعوته تؤذيه أشد الأذى، حينما تقوي المشككين في النبوة تؤذيه أشد الأذى، يعني إذا أرسل الله نبياً إذا تمنى ألق الشيطان في أمنيته، الشيطان يلقي في أمنيته هو، أن يضل الناس، بينما النبي يتمنى هداية الخلق، هذه المعاني تليق بالأنبياء الكمل، اصطفاهم الله على علم، جعلهم أسوة وقدوة للبشرية أما كلما تمنى شيئاً، جاء الشيطان ودخل إلى نفس النبي، فألق فيه شيئاً آخر، طيب ما ميزة النبي إذاً ؟ إذا كان من الممكن للشيطان أن يدخل إلى النبي ويلقي فيه ما يشاء، نحن من نحن إذاً ؟ إلا إذا تنمى النبي هداية قومه ألقى الشيطان في أمنيته هو، أن يضل الناس.
لذلك الأنبياء أشد أنواع الأذى الذي يتلقونه من الناس التكذيب التكذيب، وعدم الاستجابة، وعدم الإيمان برسالتهم.
لذلك الآية الكريمة:
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾
يعني لما لم تؤمنوا برسالتي ؟ لما لو تؤمنوا بنبوتي ؟ لما لم تستجيبوا لي لما لم تستجيبوا على أمر الله ؟ هذا هو الأذى الذي يليق بالنبي عليه الصلاة والسلام.
أدق ما في هذه الآية.
﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾
هناك زيغ اختياري، وهناك إزاغة جزائية، وهذه الآية تحل آلاف المشكلات العقدية عند المسلم، حيثما عزي الإضلال إلى الله في القرآن كله، حيثما عزي الإضلال إلى الله في القرآن كله، فهو الإضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري، الإضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري، وهذه الآية هي الشاهد.
﴿ فَلَمَّا زَاغُوا﴾
هم باختيارهم:
﴿ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾
أوضح لكم هذا بمثل: طالب في الجامعة، لم يداوم إطلاقاً ولا ساعة، ولم يقدم الامتحان، ولم يشتري الكتب، ولم يلتقي بالمدريسين ولم يفعل شيئاً واحداً يؤكد أنه طالب، جاءه إنذار من إدارة الجامعة بضرورة الدوام، إنذار آخر بضرورة أداء الامتحان، إنذار ثالث، لم يستجب لكل هذه الإنذارات، الآن صدر قرار بترقيم قيده، هذه القرار التي أصدرته إدارة الجامعة، بترقيم قيد هذا الطالب هو قرار جزائي مبني على رفض الطالب الاختياري لهذه الجامعة.
حيثما عزي الإضلال إلى الله في القرآن الكريم، فهو الإضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري.
﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾
طيب هم لماذا أزاغوا ؟ فلما زاغوا، قال:
﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)﴾
هم فسقوا، فلما فسقوا حجبوا عن الله عز وجل، فلما حجبوا أزاغ الله قلوبهم، صرفها إلى الدنيا.
﴿ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ﴾
لذلك لا يعقل أن يضل الله الناس وقد خلقهم للهدى، والدليل:
﴿ والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ﴾
﴿ إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ﴾
خلقهم ليرحمهم، خلقهم ليسعدهم، خلقهم ليهديهم، خلقهم إلى الجنة، أما أن يعزى الإضلال إلى الله عز وجل، ابتداءً هذا لا يجوز ولا يتناسب مع كمال الله عز وجل، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول والشر ليس إليك يارب.
الشر ليس من عندك، الشر من عند مخلوق، أعطيته حرية الاختيار، ورسمت له منهجاً يسير عليه، فلم يلتزم بهذا المنهج، وقع منه الشر، الشر ليس إليك، فلذلك النقطة الدقيقة: هو أن الإنسان حينما يعزو معصيته وضلاله إلى الله يقع في بهتانٍ كبير.
جيء برجل يشرب الخمر، إلى سيدنا عمر رضي الله عنه فقال رضي الله عنه: أقيموا عليه الحد، قال: والله يا أمير المؤمنين إن الله قدر عليّ ذلك، مو من عندي، أكثر العوام يقول: بشغل سيدك يرتكب كل الموبقات، بقلك: شغله ترتيبه، ما بيدنا شي، كاسات معدودة، بأماكن محدودة، لا تعترض بتنطرد، هذا كلام الجهلاء قال له: والله يا أمير المؤمنين، إن الله قدر عليّ ذلك، فقال رضي الله عنه: أقيموا عليه الحد مرتين، مرةً لأنك شربت الخمر، ومرةً لأنك افتريت على الله، قال: ويحك يا هذا، إن قضاء الله لن يخرجك من الاختيار، إلى الاضطرار، أنت مخير، وهذا الذي تفعله محض اختيارك، لا تنسبه إلى الله عز وجل.
لذلك الآية الفاصلة بهذا الموضوع:
﴿ سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون ﴾
هذه الآية أصل في نفي الجبر.
الآن في عندنا قاعدة أصولية دقيقة، الآيات المتشابهات، مهما كثرت تحمل على الآيات المحكمات مهما قلت، كيف ؟.
لو أنني قلت القمح مادة خطيرة، معنى خطيرة، يعني فيها متفجرة ؟ أم أنها أساسية في حياة الإنسان، كلمة خطيرة تحتمل أنها متفجرة، أو أساسية، هذا النص فيه شبهة، ثم بعد قليل قلت، القمح مادة أساسية في حياة الإنسان، كيف نفهم كلمة خطيرة ؟ على أنها أساسية.
فالآيات المتشابهات مهما كثرت تحمل على الآيات المحكمات مهما قلت فهذه الآية.
﴿سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون ﴾
لو أن في القرآن مائة آية يشم منها رائحة الجبر، كل هذه الآيات المتشابهات تحمل على هذه الآية.
﴿إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ﴾
﴿ ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات ﴾
بل إن بعض العلماء يقول: مجرد الأمر والنهي دليل الاختيار.
لو أنك سيرت إنسان في طريق عرض جدرانه كعرض كتفيك تماماً، ثم قال لك الذي سيرك في هذا الطريق: خذ اليمين، أي يمين هذا ؟ لو أنت مسير الأمر ما له معنى، والنهي ما له معنى.
لمجرد أن الله أمرك فأنت مخير، ولمجرد أن الله نهاك فأنت مخير، وإلا لما كان للأمر والنهي من معنى.
لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، لو أنه أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، لو أنه تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخيراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يعصى مغلوباً ولم يطع مكرهاً.
يعني إذا ألغيت الاختيار، ألغيت الثواب والعقاب، ألغيت الجنة والنار، ألغيت حمل الأمانة، ألغيت التكليف، ألغيت رسالة الأنبياء، ألغيت إنزال الكتب، جعلت الحياة تمثيلية سمجة، كله مرتب كله منتهى.
يعني مدير مدرسة في أول يوم من العام الدراسي، جمع الطلاب في الباحة، وقرأ عليهم أسماء الناجحين في أخر العام وأسماء الراسبين، ثم انطلقوا أيها الطلاب وادرسوا، ما بقى حدا يدرس، الناجح ناجح، والراسب راسب، وانتهى الأمر، لماذا الدراسة ؟
يعني إذا أنت ألغيت الاختيار، ألغيت كل شيء، ألغيت الثواب والعقاب، والجنة، والنار، والأنبياء، والكتب، وجعلت الحياة تمثيلية سمجة.
﴿ ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات ﴾
﴿ لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ﴾
الفعل فعل الله، لكن الاختيار اختيارك، الانبعاث للفعل هو الذي لك، أنت تنبعث إلى الخير أو إلى الشر، والشيء الواقعي، أنك في هذه الساعة تأتي إلى المسجد وبإمكانك ألا تأتي، عندك سهرة لا ترضي الله، تحضرها أو لا تحضرها عندك مجلس علم تأتيه أو لا تأتيه، تمر امرأة جميلة تطلق البصر فيها أو لا تطلق أنت مخير لولا هذا الاختيار لما كان للإيمان من معنى.
لذلك هذه من أدق الآيات:
﴿ ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ﴾
هذه الآية بمعناها الظاهري جبر.
﴿ ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ﴾
ما معنى هذه الآية ؟ يعني يا عبادي أنتم تزعمون أنني أجبرتكم على المعاصي، لو كنت مجبراً واحداً منكم على المعاصي لأجبرتكم على الهدى، إذا كان من الممكن أن ألغي اختياركم، ألغي هويتكم وأن أجبركم على شيء ما، لما أجبرتكم إلا على الطاعات والهدى ولو شئنا أن نجبركم، ولو شئنا أن نلغي اختياركم، ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها، ولكن هذه الأعمال التي تفعلونها هي محض اختياركم وسوف تعاقبون عليها، ولن يجديكم أن تقولوا هذا من قدر الله علينا.
﴿ ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم ﴾
من هؤلاء الذين يرتكبون المعاصي، ويزعمون أنها من قدر الله عز وجل.
﴿ قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون ﴾
يعني أنت تقبل من مدير مؤسسة يرسل موظف لحلب بهمة رسمية، وثاني يوم يلاقيه بالدوام غايب، يعمل له ستة أشهر عقوبة !! حسم راتب، يقول له أنت أمرتني أن أذهب إلى حلب، إن ما ذهبت تأخذني، لأني ذهبت عم تعاقبني !!
لو أن الله أجبر العباد على أعمالهم لماذا يحاسبهم ؟
ربطه، كتفه تماماً، وألقاه في اليم، ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء، ما بقدر ما أبتل بالماء، أنت ألقيتني وكتفتني، فكيف لا أبتل بالماء.
يعني محور هذا اللقاء، إياك أن تعتقد أن الله أجبرك على المعاصي، أنت مخير، الفعل فعلك.
يعني أنا ممكن هذه الثريا مفتاحها عندي، لها مفتاح سري أطلب من ابني أن يطفئ هذه الثريا، يقول لا أطفئها، أنا امتحنته امتحان، إياك أن تطفئها فذهب ليطفئها المفتاح خلبي، أنا أطفأتها من عندي، بس امتحنت طاعته ومعصيته، هذه الثريا مفتاحها عندي ولها مفتاح خلبي هناك، فأردت أن أمر ابني ألا يطفئها، فأراد أن يتحداني فذهب ووضع يده على المفتاح ليتحداني، أنا أطفأتها من عندي الفعل فعلي، أما أنا امتحنت رغبته في المعصية.
الفعل فعل الله، الإنسان ينبعث، أو لا ينبعث إلى المعصية أو الطاعة.
أرجو الله سبحانه وتعالى أن أكون وفيت موضوع الاختيار حقه لأنه:
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا﴾
اختياراً، ابتداءً.
﴿ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾
جزاءً، وعقاباً، لأنهم فاسقون.
﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)﴾
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمن ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم..