- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (040) سورة غافر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
بسم الله الرحمن الرحيم
أيُّها الإخوة الكرام، الآية العاشرة من سورة غافر، وهي قوله تعالى
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10)﴾
الكافر يوم القيامة ينْدمُ أشَدَّ النَّدَم، ويتألَّم أشَدَّ الألَم، ويمْقُتُ نفسه أشَدَّ المقت، ويكْرهُها، ويُبْغِضُها، فالإنسان أحيانًا في الدنيا يتَّخِذ قرارًا خاطئًا يلْعن نفْسهُ مليون مرَّة، لماذا طلَّقتُها ؟! هي أمُّ أولادي ومُمْتازة، ففي ساعة الغضب طلَّقَها فالإنسان قد يلعنُ نفْسَهُ مليون مرَّة على قرارٍ اتَّخَذَهُ، والمُحَصِّلة خسارة في الدُّنيا فقط، فالذي جاءتْهُ فرْصة شِراء بيتٍ وما اشْترى، وأصبَحَ ثمن ذلك البيت الآن بالملايين، فهذا ينْدم أشَدَّ النَّدَم، وأحيانًا قد يكون لإنسان بيتًا يُسافر ويتْركُهُ للاسْتِثمار فإذا رجَعَ بيعَ البيت بِثَمَ،ٍ بخْسٍ من جرَّاء مُعامَلة ! فهذه الآلام في الدنيا، أما حينما تفوتُهُ الآخرة بأكْمَلِها وحينما تفوتُهُ جنَّة عرْضُها السماوات والأرض، وجنَّة فيها ما لا عينٌ رأتْ ولا خطَر على قلبِ بشَر، مِن أجل شَهوةٍ خسيسة، لذا قال تعالى: إنَّ الذين كفروا يُنادَون يوم القيامة.." المعنى دقيق جدًّا قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10)﴾
فلو أنّ أبًا واعِيًا حكيمًا وعاقِلاً ؛ كلَّما دَعى ابنَهُ للدِّراسة رفَض، فهذا الابن يرْفض مللاً، أما الأب فيتألَّم من أعماق قلبِهِ لأنَّه يعْلمُ أنَّ مصير ابنِهِ سيَكون في المرتبة الأخيرة في المجتمَع، أما لمَّا يكْبر الابن تجدُ الابن يعْمل ليل نهار بِأجْرٍ لا يكْفيهِ طعامَهُ ! حينها يمْقُت نفسَهُ أشَدَّ المقت فالله تعالى قال عن الذين هم في النار أنَّهم سيتألَّمون أشَدَّ الألم، ويُعَذَّبون أشدّ العذاب، وينْدمون أشدَّ النَّدم، ووقْتَها يُنادَوْن لَمَقْتُ الله لكم ؛ حينما كان يدْعوكم إلى الإيمان وإلى التوبة وإلى الصُّلح لكم، وإلى مغفرة الذُّنوب، وإلى ستْر العيوب، وإلى صلاح الدنيا والآخرة ؛ تُدْعَون بِلُطْف، وليل نهار، وكتاب الله يُتلى عليكم صباح نهار، وأنتم تُديرون ظهْركم للدِّين، قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10)﴾
وهم في النار يمْقتون أنفسهم أشدَّ المقت، ويحْتقِرونها وينْدمون أشَدَّ النَّدَم إلا أنَّ مقْتَ الله لكم يوم كان يدعوكم إلى الإيمان فتَكفرون أكبر من مقْتكم أنفسكم ؛ لأنّ الله تعالى علِمَ ما كان وعلِمَ ما يكون وعلِمَ ما يكوم لو كان كيف كان يكون، فحينما كنتم ترْفضون كان الله يمْقتكم أ شدَّ المقت فنحن الآن في الدنيا وباب الله مفتوح، وباب الإنابة مفتوح و باب إصلاح الأمور مفتوح، و باب المغرفة مفتوح، و الإسلام يهدم ما كان قبله، و لو أنك أتيتني ملء الأرض ذنوبا لأتيتك بمثلها مغفرة.
نحن الآن في الدنيا، و هذه الآية يوم القيامة، و الذي سيكون يوم القيامة أخبرنا الله به الآن ـ هذا تسريبُ المعلومات ـ قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10)﴾
قال تعالى:
﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)﴾
إخوانا الكرام، الإنسانُ أحيانا يصل إلى طريق مسدود، الواحد ارتكب جريمة القتل، عن سابق قصد و تصميم، أُجرِيت له محكمةٌ عادلة و حُكم عليه بالإعدام، اُستُأنِف الحكمُ و صُدِّق الحكمُ من محكمة النقض و رُفع الحكمُ إلى رئاسة الجمهوريةِ ووقَّع الرئيسُ عليه و سيق المجرمُ إلى ساحة المرجةِ ليُشنَقَ، و قبل أن يصعد درجة المشنقة اِستعطفهم و ندم و بكى، فنقول له: لك أن تبكي و لك أن تضحك و لك أن تنهار و لك أن تستعطف، كلُّ ما تفعله لا يُجدي، و لا بدَّ من تنفيذ حكم الإعدام، لأنك أوصلتَ نفسَك إلى طريق مسدودٍ، فالإنسانُ اللهُ عز وجل شديد المِحال يسوق له من المواعظ و يدعوه دعوةً بيانيةً،الإنسانُ مُعافى و صحيح سليم و كلُّ أموره ميسَّرةٌ يُدعَى دعوةً بيانية في خطبة أو يقرأ كتاباً أو يسمع شريطا، أو له صديق صالح يقول له يا فلان تُبْ إلى الله، ثم ما استجاب، يُساق له تأديبٌ تربويٌّ، أو مشكلة في جسمه أو أولاده و لا يتوب، يُساق له إكرامٌ استدراحيٌّ فلا يشكر ثم يُقصَم، و بعدها يقول تعالى:
﴿يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24)﴾
أو يقول:
إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ
﴿الرَّاحِمِينَ(109)فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ(110)إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ(111)﴾
الآن وصل هؤلاء مع الله إلى طريق مسدود، قال تعالى:
﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)﴾
الموتُ الأولُ موتُ العدم و الموت الثاني موتُ الدنيا، و الحياة الأولى حياة ولادةٍ و الحياة الثانية حياة البعث يوم القيامة، قال تعالى:
﴿أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ﴾
موت العدم وموت الدنيا "
﴿وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾
حياة الولادة و إحياء البعث يوم القيامة " قال تعالى:
﴿فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)﴾
طبعا الجوابُ لا، قال تعالى
﴿ ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا﴾
فإذا ساق اللهُ عز وجل الزلزالَ لبلد فسق و انحرف ترفضون هذا التفسيرَ و إذا قلنا أن القشرة الأرضية اهتزَّتْ هذا تقبلونه، فإذا قلنا مثلا قال تعالى:
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ(112)﴾
هذا ترفضونه ! حروب أهْلِيَّة وجوع فتفسير هذه أنَّ الله تعالى ساق لِهَؤلاء مَن يُؤَدِّبُهم، وأنتم تريدون أنَّ زيْدًا فعل كذا، ولكن لا تقْلبون تفسيرًا سماوِيًّا، فأنتم لا تقبلون إلا تفسيرًا أرْضِيًّا أساسهُ الشِّرك ! فالله تعالى قد يُسَلِّط القويّ على الضَّعيف فإذا كنتَ مُوَحِّدًا ترى يد الله تعمل في الخفاء، وأنَّ هذا بِقَضاء الله وقدره أما الكافر فلا يقبل إلا التَّفسير الأرضي، ويكفر بالتَّفسير التَّوحيدي، قال تعالى:
﴿ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)﴾
فأحداث لبنان لها تفسير طائِفي، ولها تفسير عربي، ولها تفسير إلهي قال تعالى:
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ(112)﴾
بما كانوا يصْنعون مِن فِسقٍ وفُجور، فهؤلاء يرفضون التَّفسير الإلهي فالقويّ بالعالم، والذي يمْلك كلّ مصادِر القِوَى، ويرْسُم خِططه على حِساب الشُّعوب، فنجاح هذه الخِطَط يتناقض مع وُجود الله، فالله موجود، قال تعالى:
﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى(45)قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى(46)﴾
لا تلْغي وُجود الله عز وجل، فأحيانًا تجد من يعْزو كلّ القِوَى لإنسانٍ ما ؛ كلّ ما يريد يفعلُهُ ! هذه مُبالغة، قال تعالى:
﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12)﴾
وأحيانًا تعرف الله تعالى بالعزائِم، فالإنسان بالتَّوحيد يرْتاح، أما مِن دونه فهذا ينْسَحِق ! فالله تعالى لمَّا أمرنا أن نعْبُدَهُ قال:
﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(123)﴾
فهو ما أمركَ أن تعْبُدَهُ إلا بعد أن طمأنَكَ أنَّ أمْرَكَ بِيَدِهِ ؛ صِحَّتَكَ ورِزْقَكَ وأمانكَ وزوْجَتَك وأولادك، فأنت إذا اسْتَقَمتَ كانت لك مُعامَلَة خاصَّة، قال تعالى:
﴿وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا(16)﴾
وقال تعالى:
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(96)﴾
قد يُحْرَم المرء بعض الرِّزق بالمعْصِيَة، بيتٌ فيه صحون هوائِيَّة، فهذه بيوتٌ مُنهارة، فكلَّما قلَّ ماء الحياء قلَّ ماء السَّماء، فهذه الآيات وهي قوله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10)﴾
نحن في الدنيا الآن، ووالصَّلاح سَهل، والتَّوبة سهْلة، ولو أنَّ أحدَنا اصْطَلَحَ مع الله لشَعَرَ أنَّ جِبالاً كانت جاسِمَة على صدْرِهِ انْزاحَت عنه ! قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَانُ وُدًّا(96)﴾
فما دام القلب ينبض فَكلّ شيءٍ ينحلّ، فإذا جاء أجل الإنسان فلا يقدَّم ولا يؤَخَّر، قال تعالى
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِي(99)لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100)﴾
فهذا الذي وكيل شركة، وهذا الذي يمْلِكُ كذا وكذا، وهذا الذي يرْبَح مليون ليرة في اليوم لا قيمة له عند مجيء ملَكِ الموت، قال تعالى:
﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)﴾